منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من أسرار الأسماء فى القرآن (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28624)

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الحـج

جاء في الآية 97 من سورة آل عمران:"ولله على الناس حجّ البيت …"وجاء في الآية 27 من سورة الحج:"وأذّن في الناس بالحج…" فالحج يمثل الأفق العالمي للدين، وإذا كان الحج هو الركن الخامس، فإن تشريعه أيضاً جاء خامساً بعد الأركان الأربعة. وتمثل هذه الشعيرة خلاصة أساسيات الدين، والمتدبر لرموز كل خطوة من خطوات الحاج يجد الانسجام بين قوانين الحج وقوانين الحياة الإنسانية، فالحج ثري بالرموز والدلالات.

يمكن الحكم على صدقيّة دين بمدى انسجام مبادئه وأحكامه مع قوانين الكون، فمن غير المتصور أن تتناقض مبادئ الدين الحق وأحكامه مع قوانين الخلق وسننه، لأن الذي خلق هو الذي أنزل، فإذا كان الخمر ضاراً كسنّة كونيّة، فلا بد أن يكون محرماً كسنّة تشريعيّة. ومن هنا نجد أنّ الفقهاء وبعد استقراء أحكام الشريعة الإسلامية ذهبوا إلى أنّ الشريعة الإسلامية تقصد في أحكامها إلى المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وبمعنى آخر فقد جاء الدين ليحقق الانسجام بين حركة الإنسان وحركة الكون من حوله. وعليه يمكن تعريف الطاعة بأنها الانسجام بين القانون الشرعي والقانون الكوني، ويمكن تعريف المعصية بأنها التعارض والتناقض بين القانون الكوني والسلوك البشري. وعندما نقول إنّ الإسلام هو الحل، فإنما نقصد أن نقول إنّ الانسجام هو الحل.

يجعل الحاج المسلم الكعبة عن يساره ويبدأ الطواف في حركة دائرية ومتواصلة، وبذلك يكون الإنسان قد أعلن في حركته هذه عن انسجامه الطوعي مع حركة الكون، من أصغر جزء فيه_الذرة_ إلى المجموعة، والمجرّة. نعم إنّه إعلان المخلوق الحر، بأن الحريّة والتي هي منحة الله تعالى للإنسان، لا تعني الفوضى والخروج، بل هي التوافق والنظام والانسجام. وهذه الرسالة الأولى للدين الحق.

المتدبر لحركة الإنسان في الأرض يجد أن قانون التردد بين الخوف والرجاء هو القانون الأساس في بناء الحضارات الإنسانية، انظر إلى حركة الناس على مستوى الاقتصاد، فستجد أن أهم دوافعها هو الخوف من الفقر ورجاء الغنى، وانظر إلى عالم الدراسة والتعليم، فستجد خوف الإخفاق ورجاء النجاح، وهذا يشمل كل نشاطات الحياة أيضاً. وانظر إلى تقدم الطب، فستجد خوف الألم ورجاء الراحة، وخوف الموت ورجاء الحياة.. وهكذا نجد أن هذا القانون يشمل كل حركة، وفي الوقت الذي ينعدم فيه قطب الخوف أو قطب الرجاء، نجد أن الحركة تتوقف، فالخوف الذي لا رجاء عنده يُحبط القدرات، والرجاء لا يكون رجاءً حتى يلابسه خوف، أمّا الأمن الكامل-إن وُجِد - فهو من أكبر دواعي الخمول والسكون. انظر قوله تعالى:"إنّه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" في المقابل"إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" ثم انظر إلى قوله تعالى:" يدعوننا رغباً ورهباً"، " …خوفاً وطمعاً".

هل كانت هاجر عليها السلام وهي تسعى بين الصفا والمروة تبحث عن الماء وترجع إلى رضيعها إسماعيل عليه السلام لتطمئن عليه، هل كانت تدرك أنّ هذه اللحظات الجليلة ترمز إلى قانون الخوف والرجاء، وكيف بها لو كُشف لها الغيب فرأت الملايين من الحجاج تحاكي حركتها في سعيها الحثيث بين القطبين؟! وأخيراً ألا يفسر لنا هذا شيئاً من حكمة الدين في ذكر الجنّة والنّار ؟

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الخُـلـود

الخُلد: هو المكث الطويل، وهو في الأصل يعني بقاء الأشياء على حالها لا يطرأ عليها تغيير يفسدها، وقد ذهب البعض إلى القول بأن الخلود هو ما لا نهاية له، أي الأزلي في بقائه، ويبدو أنّ ذلك غير صحيح، بدليل أنه جاء في القرآن الكريم مع ألفاظ التأبيد كقوله تعالى:" خالدين فيها أبدا". وقد أجمع العلماء على خلود نعيم الجنّة، بمعنى أنّه أزلي ولا نهاية له. ويظن كثير من الناس بأنّ العلماء قد أجمعوا أيضاً على القول بخلود الكفّار في النار، كما ويظن الكثيرون أنّ الألفاظ القرآنية الدالة على ذلك هي قاطعة ولا تحتمل التأويل.

نعم أجمع العلماء على القول بمكث الكفّار زمناً طويلاً في جهنم، ولكنهم اختلفوا في معنى الخلود، هل هو البقاء الدائم غير المتناهي، أم هو اللبث الطويل. وقد نقل عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين، نقل عنهم القول بفناء النّار، وأنّ الكفار يخلدون فيها ما بقيت، ولكن الله تعالى يفنيها، وذلك لأن رحمة الله تعالى تغلب غضبه، بل إنّ الرحمة هي صفة ذاتية لله تعالى وصف بها نفسه سبحانه، أمّا الغضب فليس من صفاته الذاتية.

هل من الرّحمة أن يخلق الله خلقاً ثم يعذبهم إلى ما لا نهاية ؟ وهل من العدل أن تكون العقوبة على الذنوب المحدودة عذاباً لا يتناهى، ثم ما الحكمة في بقاء الأكثرية من البشر في عذابٍ دائم ؟! وقد يردُّ البعض على ذلك بقولهم : إنّ خطورة المعصية تكمن في معصية الخالق العظيم، والرب الجليل، ولكنهم ينسون أيضاً أنّه الرحيم، وأنّه القائل :" وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً" ثم هم يقولون : إن العقل البشري يعجز عن إدراك الحكمة الربانية، ونحن بدورنا نقول لهم:نعم، ولكن هذا يقال عندما تكون النصوص قاطعة في دلالتها، ويقال هذا عندما نرى العلماء يجمعون على فهم هذه النصوص، والواقع يدل على أنّهم اختلفوا في ذلك، ومن أراد أن يطلع على تفصيل ذلك، فليرجع إلى كتاب (حادي الأرواح) لابن القيم رحمه الله، وليقرأ أدلته وهو ينتصر لمذهب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. أو فليرجع إلى تفسير الآية ( 127) من سورة الأنعام، في تفسير المنار لقوله تعالى :" قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله" أو فليرجع إلى ما نقله الأستاذ القرضاوي من كلام ابن القيّم في كتابه (فتاوى معاصرة).

بعيداً عن الخوض في تفصيلات النصوص، قد يكون من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ أهل السنّة والجماعة يذهبون إلى أنّ الله تعالى لا يُخلِف وعده، ولكنه قد يُخلِف وعيده، وإخلاف الوعيد من الكرم، وهو أليق بالكريم الرحيم. أمّا المعتزلة، فقد ذهبوا إلى أنّ الله تعالى لا يخلف وعده، ولا يخلف وعيده، وهذا تحَكُّم لا دليل عليه من نص ولا عقل، بل إنّ النصوص لتشير إلى احتمال عدم خلود النّار.

لو كان خلق الله البشر لزمن محدود - حتى لو عُدّ بالمليارات - فإنّ ذلك في العقل من العبث، ومن هنا كان الخلودُ اللا متناهي هو الحلّ لمأزق العقل البشري في البحث عن حكمة الوجود الإنساني، على الرغم من عدم إحاطتنا بتفصيلات هذا الخلود، فمعلوم أنّه ليس في الآخرة من الدنيا إلا الأسماء، وقد ورد :" خُلِقَت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة " فجميل أن نُخلق لسعادة غير متناهية، وهذا يجعل الشقاء الدنيوي الفاني كصرخة الطفل عند الميلاد، والتي لا يلبث الطفل أن ينساها، وينسى الدافع إليها. وأمّا القول بخلود العذاب فلا يزيد العقل البشري إلا حيرة، ولا يزيده إلا شكاً في الله الرحيم، أمّا القول باحتمال فناء النّار، وغلبة رحمة الله على غضبه، فإنّه أليق بصفات الكريم الرحيم، وهو من تجليات الحكمة الربّانية، التي تجعل الإنسان يتردد دائماً بين الخوف والرجاء في طريقه نحو الخلاص والارتقاء. وأخيراً قد يحسن أن نلفت الإنتباه إلى أنّ الله تعالى قد وصف العذاب بأنه عذاب (يوم) عظيم، أليم، … ولم يصف نعيم الجنّة بأنّه نعيم (يوم).

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الروم


سورة الروم سورة مكيّة، نزلت قبل الهجرة بأشهر هي أقل من سنة، وتستهل السورة الكريمة بالإعلان عن هزيمة دولة عظمى هي دولة الروم :"غلبت الروم في أدنى الأرض..." ولم تصرح الآيات باسم دولة الفرس التي غلبت الروم، لأن المهم هنا الحديث عن دولة الروم، حتى ولو كانت هي الطرف الضعيف المنهزم، فالحديث عن الحاضر ينبغي أن يكون من أجل استشراف المستقبل، والمستقبل يقول : "وهم من يعد غلبهم سيغلبون" أمّا دولة الفرس فمستقبلها يقول إنها دولة ستؤول إلى السقوط، ثم هي ستتلاشى إلى الأبد بعد أن يتحول شعبها إلى الإسلام. وإذا كانت المعارك قد دارت قريباً من جزيرة العرب:"في أدنى الأرض"، فإن المستقبل يقول إنها ستشتعل مرّة أخرى وفي زمن قريب:"في بضع سنين" .

أليس عجيباً أن يلفت انتباه القلة المؤمنة المضطهدة في مكة إلى الصراع القائم بين دول عظمى، وإلى التحولات السريعة في الأحداث؟! أليس عجيباً أيضاً أن يشد انتباه هذه القلّة لبضع سنين قادمة إلى خارج الجزيرة العربيّة، لتراقب وترقب الصراعات الدّولية ؟! نعم ونزداد عجباً عندما نعلم أنّ هذه القلّة توشك أن تهاجر إلى المدينة المنورة لتبني دولة ومجتمعاً فاضلاً لا يلبث أن يحمل رسالة عالميّة، ولا يلبث أن يُسقِط كل هذه القوى المتصارعة، ليؤسس حضارة تدوم وتدوم.

ما معنى هذا التزامن العجيب :"ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " فانتصار المسلمين ببدر يزامنه انتصار الروم على الفرس، ألا يوحي هذا بأن خارطة الصراع توشك أن تتبدل ؟! لكن البعد الأهم في هذه الآيات هو ما تلحظه من صرف للانتباه عن الواقع المأساوي المحبط للقلة المؤمنة في مكة، لتنشدّ إلى الأفق البعيد زماناً ومكانا، وهذا هو ما يليق بعقيدة هذه القلّة ورسالتها. ولا شك أن هذا في حينه لا يفهم من قبل جماهير الوثنيين، الذين يفقدون البعد الغيبي الذي تنزلت به الرسالة الإسلامية. أنت يا من تقرأ هذه السّطور وتعيش بعد قرون من الحدث، وقرأت السيرة النبويّة، قف قليلاً وتدبّر هذه الآية التي تختم بها سورة الروم المكيّة :"فاصبر إنّ وعد الله حق، ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون" تدبّر هذه الآية ثم انظر واقع الإعلام الرسمي العربي ودوره في إحباط الأمّة، واستمع إلى خطابات الملوك والزعماء وتصريحاتهم، فإن كان بإمكانك أن تصدقهم لحظات، فسوف تشعر بخفة وزنك وانعدام شعورك بذاتيتك، وعندها لا يحتاج عدوك إلى عاصفة الصحراء، لأن النسيم يكفي.

جاء في الحديث الشريف المروي في صحيح مسلم:"تقوم الساعة والروم أكثر الناس" وإذا عرفنا أنّ الأحاديث الشريفة تنص على أنّ السّاعة تقوم على شرار النّاس، علمنا أنّ أكثر الشر يوجد في الروم، والعجيب أنّ المسيحيّة المنتشرة بينهم تقول :" من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن نازعك ثوبك فدعه له " وتقول :" أحبّوا مبغضيكم، باركوا لاعنيكم"، ثم هم أشد الناس قسوة، وأكثرهم بطشاً بالأمم الضعيفة، يبنون أبراجهم من جماجم الفقراء، لا يملون من التآمر، ولا يكلّون من كثرة القتل، ثم هم أكثر النّاس تبجحاً بحضارتهم وقيمهم الإنسانية، فلا عجب بعد ذلك وغيره أن تقوم السّاعة والروم أكثر النّاس.

ماذا كانت تملك دولة فارس عندما انتصرت بجحافلها الهائلة غير فلسفة مزدك الإباحيّة؟! وكيف لمثل هذا النصر أن يدوم أكثر من بضع سنين؟! وماذا كانت تملك امبراطورية الرومان وهي تواجه بجيوشها الجرارة القلّة المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!

واليوم إذا استثنينا العلم والتكنولوجيا، وسألنا ماذا قدّمت الحضارة الغربيّة للبشرية؟ نعم إذا استثنينا ما هو عام وعالمي، وسألنا: ماذا يمكن أن تُقدِّم الخصوصيّة الغربية للبشرية ؟ ماذا عسى أن تكون إجابة رجل مثل برّسكوني الرئيس الإيطالي الذي تغنّى بالحضارة الغربيّة؟ إنّ ما يحدث اليوم في أفغانستان لهو شاهد على إفلاس هذه الحضارة الغربية وأُفولها، والمستقبل كفيل بإثبات ذلك.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الزبـور


معلوم أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل التوراة على موسى عليه السّلام، ولكن اللافت للانتباه أن القرآن الكريم لم ينص على ذلك بل جاء ذلك في الحديث الشريف. ومعلوم أنّ الله تعالى أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام، وقد نص القرآن الكريم على ذلك، ومعلوم أنّ الله تعالى قد أنزل الزبور على داود، فهل نص القرآن الكريم على ذلك؟!

المستقرئ لآيات الله الكريمة يجد أنّ القرآن الكريم قد نص في موضعين فقط على أنّ الله تعالى آتى داود زبورا، ولم ينص على إيتائه عليه السلام (الزبور) ؛ جاء في الآية 163 من سورة النساء :"وآتينا داود زبوراً"، وجاء في الآية 55 من سورة الإسراء :" وآتينا داود زبوراً"، أمّا قوله تعالى في سورة الأنبياء : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" فلا يوجد دليل على أنّ المقصود هو زبور داود عليه السلام، ومن يرجع إلى كتب التفسير يلاحظ اختلاف المفسرين في تبيان المقصود بـ (الزبور) في سورة الأنبياء.

جاء في الآية 25 من سورة فاطر :" وإن يكذبوك فقد كذّب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزُّبر وبالكتاب المنير" نستفيد من هذه الآية أن الزُّبر والتي هي جمع زبور نزلت على الرسل، ويستفاد أيضاً أن الزبر تحمل معنى يختلف عن معنى الكتب وقد نص العلماء على أنّ الزبور هو الكتاب، وأنّ الزبر هي الكتب، وهذا صحيح لأن الزبر هي فعلاً كتب نزلت وحياً على الرسل، ولو كانت الزبر ترادف في معناها الكتب لاستشكلنا قوله تعالى :" …وبالزُّبر وبالكتاب المنير " من هنا قد يجدر بنا أن نبحث عن معنى الزبر في القرآن الكريم.

جاء في الآية 53 من سورة المؤمنين :" فتقطعوا أمرهم بينهم زُبُرا، كل حزب بما لديهم فرحون" وجاء في الآية 96 من سورة الكهف :" آتوني زُبَرَ الحديد...." أي قطع الحديد. وهذا يعني أن الزَّبْر هو التقطيع، وأنّ الزُبرة هي القطعة وجمعها زُبَر. وعليه يمكن أن نقول إن الزبور هو كتاب اقتطع من غيره من الكتب، أي أنّ هناك احتمالاً أن يكون الزبور جزءاً من كتاب ربّاني سبق نزوله أو جزءاً من كتاب سينـزل ولكنه أشمل وأوسع، فكان الكلُّ كتابا، والجزءُ قطعةً أي زبوراً.

الخلاف بين أهل السنّة والجماعة وبين المعتزلة في القول بخلق القرآن مشهور، ومعلوم أن أهل السنّة والجماعة يرون أنّ القرآن الكريم هو من كلام الله تعالى، والكلام صفة المتكلم، والمتكلم أزلي غير مخلوق، وعليه يكون القرآن أزليا غير مخلوق. وهذه مسألة يجدر بنا ألا نثيرها في عصر تجاوز فيه الإنسان المسلم هذه الجدليّات، ولكن دفعنا إلى هذه الإشارة الرغبة في القول بأن القرآن هو في اللوح المحفوظ قبل نزوله: " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون …"وهذا يعني أن الأسبقية التاريخية في النزول لا تدل على الأسبقية في اللوح المحفوظ، وأسبقية النزول لا تعني أسبقية الكتابة، وبهذا الفهم قد يزول بعض الإشكال في فهمنا لقوله تعالى من سورة الأنبياء: " ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر …"، فمعلوم أن الذكر مُعرَّفا لم يرد صريحا في أيٍّ من الكتب الربّانية سوى القرآن الكريم.

جاء في الآية 196 من سورة الشعراء: " … بلسان عربي مبين، وإنّه لفي زبر الأولين " فكيف يكون القرآن الكريم في كتب الأولين، هل المقصود التبشير بالرسالة الإسلامية، أم المقصود المعاني، أم المعاني والألفاظ؟ هذه مسألة خاض فيها العلماء، والذي قصدنا إليه من هذا المقال أن نلفت الانتباه إلى احتمال أن يكون قد تنـزّل بعض القرآن في كتب الرسل السابقين، فأوتي كل رسول جزءا، أي زبورا، حتى جاء الوقت لنزول القرآن كلاًّ للبشرية جمعاء. ويصبح الأمر مستحقا للبحث عندما نقرأ الحديث الصحيح الوارد في البخاري: " خُفّف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتُسرّج، فيقرأ القرآن من قبل أن تُسرّج دوابه …ً والحديث الوارد في مسند أحمد ولم نُخرّجه: ً ألا أُعلمك خير ثلاث سور أُنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، قال قلت بلى …ً

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الســّامري

ورد اسم السّامري في القرآن الكريم ثلاث مرّات، وذلك في سورة طه. وقد اختلف في معنى هذا الاسم، ويرجح لدينا أنّه نسبة إلى (شومير) والذي يعني بالعبرية الحفظ والحراسة، وهذا يجعل من المحتمل أن يكون السّامري من كبار الكهنة، ومن حرّاس وحفظة العقيدة الوثنية، وإذا كان الاسم نسبة إلى (سامر) بالعربية والتي تعني الساهر، فإنها تلتقي في مآل المعنى مع (شومير) التي تعني الحراسة، وأمثال هؤلاء الكهنة والحراس تكون لديهم العلوم والقدرات التي تميّزهم على أهل عصرهم، ويغلب أن تكون لديهم قدرات قيادية، وقد يفسر هذا السرعة التي استطاع فيها السامري أن يضّل بني إسرائيل، ويستغل غيبة موسى عليه السلام عن قومه أربعين يوما.

إنّ مثل هذه الشخصية يمكن أن تتكرر في حياة الدعاة والدعوات، ومن قبل في حياة الرسل وفي الرسالات. من هنا لا معنى لمحاولة البعض أن يضفي الطابع الأسطوري على هذه الشخصية. والغريب أن نجد اليوم كتابات كثيرة تلقى القبول لدى الناس، ولا يميزها إلا ميلها إلى الأسطورة والخرافة وإغراقها في الأوهام والتخيلات، تماماً كأفلام الخيال العلمي، إلا أنها بعيدة عن العلم، ويستغل هؤلاء الغموض الظاهري لبعض ألفاظ القرآن الكريم، وكذلك السنةّ الشريفة، وأغلبهم يقصد التجارة والربح المادي. فمنهم من كتب عن المهدي، ومنهم من كتب عن إبليس ومثلث برمودا، ومنهم من كتب عن الدجّال والسّامرّي، ومنهم، ومنهم..... وقد لا يعنينا أن نلوم هؤلاء من طلبة الشهرة والمال، ولكننا نلوم العلماء الذين لا يزالون يرددون ما لا يصح من أوهام وأساطير وإسرائيليات أدخلت في كتب التفسير، فكانت هذه الإسرائيليات التربة الخصبة لصائدي السُذّج والبسطاء، فراجت كتبهم في أسواق العامة، وما أكثرهم حتى بين أهل الاختصاص.

لقد استغل السّامري قرب عهد بني إسرائيل بالوثنية، واستغل كهانته السابقة، وكونه من حراس الفكرة الوثنية، فاستطاع بزعمه أن يمحو الأثر الذي أحدثته رسالة موسى وهرون عليهما السلام، لذا نجده لا يستحي من التباهي بقدراته التي مكنته من إزالة الأثر الخيّر الذي أحدثته الرسالة الجديدة فقال : " قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي" (طـه:96).

إن الغموض الظاهري لهذه العبارة فتح المجال للكثير من المفسرين أن يتكئوا على روايات منسوبة إلى ابن عبّاس رضي الله عنه، وليقولوا إنّ السّامري قد رأى جبريل عليه السلام يركب حصانه، واستطاع السّامري أن يأخذ قبضة التراب الذي داسه حصان جبريل، وساعدته هذه القبضة على أن يبعث الحياة في العجل الذي صنعه من ذهب، ليعبده بنو إسرائيل. وبهذا وجدناهم يصنعون حول السّامري هالة تجعله شخصية غامضة، قادرة على بعث الحياة في المادة. ثم نجد بعض المعاصرين تذهب بهم أوهامهم إلى درجة أن يتصوروا استمرار حياة السامري لأن موسى عليه السلام قال له :" وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَه...." (طـه:97) .وهذا في القرآن كثير مثل :" بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً " (الكهف:58). ومن يدقق في النص القرآني يجد أن العجل الذي صنعه السامري هو مجرد ( جسد) لا حياة فيه، ثم هو في غاية الإتقان من ناحية الصناعة إلى درجة أنه يصوت (له خوار ) ومن يعرف تاريخ الفراعنة وحضارتهم يدرك أن هذا كان متوافراً لديهم، وقصة موسى عليه السلام مع السحرة تبيّن المدى الذي وصل إليه الكهان وحراس العقيدة الوثنية.

إذا كان السّامري قد استطاع أن يبعث الحياة في العجل الذهبي بزعمهم فإنّ ذلك يُعدّ دليلاً ملزماً لبني إسرائيل كي يطيعوا السامري، وبالتالي فهم معذورون لا يستحقون اللوم، لأنهم اتبعوا عن دليل. ولو دقق من يزعم ذلك بلفظة ( فنبذتها) لأدركوا أن هذه اللفظة تدل على الرمي والإهمال، ولا تدل على الاعتناء والاستخدام، فهو يتبجح بعلمه الذي جعله يبصر أموراً لم يبصرها الشعب، وبالتالي استطاع أن يمحو آثار رسالة موسى عليه السلام من قلوبهم، واستطاع أن يجعلها فكرة منبوذة.

فماذا كان رد موسى عليه السلام على هذا التبجح ؟ المتدبّر للآيات يلاحظ أنّ موسى عليه السلام أطلق للسامري حرية الكلام، فقال له إن لك مدة حياتك أن تقول ما شئت من غير أن تمس، ومن غير أن يتعرّض لك أحد بإساءة. وهذا الموقف يشبه ما حصل لإبليس من إنظاره، وإطلاق يده في محاولاته لإضلال الناس، ليكون بذلك آلة من آلات اختبار المكلفين من البشر. جاء في سورة الإسراء " قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورا "ً (الإسراء:63) وهنا يقول موسى عليه السلام للسامري المغتر بعلمه "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ " (طـه:97). وهذا يعني أن (لا مساس) ليست مقول القول، وبالتالي لا داعي للخيال المجنّح الذي يحاول أن يتصور المرض الذي مس السّامري، بحيث هام في البيداء بعيداً عن الناس. ويبدو أنه قد بقي في الناس، وترك ليدّعي ما يشاء، فإن العقيدة الحقة يجلّيها ويصفيها كيد الكائدين، فما عرَف الناس الصحوة الإسلامية إلا بعد معاناتهم من ضلالات الملاحدة والماديين. وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الســّبت

السبت فيه معنى الانقطاع، وفيه معنى الخلود إلى الراحة والدّعة. ووردت كلمة السبت في القرآن الكريم (5) مرات، وإذا أضفنا كلمة (سبتهم) و (يسبتون) يكون المجموع (7) مرات. واللافت للانتباه أنّ السبت عند اليهود مرتبط بالعدد (7)، ولم يرد السبت في القرآن الكريم إلا عند الحديث عن شريعة السبت عند اليهود. والمتدبر للآيات القرآنية المتعلقة بالسبت يدرك أن هناك خصوصية لهذا اليوم عندهم، وإذا أخذنا ما ورد في التوراة الحالية بعين الاعتبار ندرك أن خصوصية يوم السبت تكمن في كونه يوماً ينقطع فيه اليهود عن العمل الدنيوي، ويفترض أن ينقطعوا فيه إلى العبادة، ولا يتناقض هذا مع ظلال معاني الآيات القرآنية الكريمة.

واضح أن تسمية السبت جاءت من خصوصيته، وأحكامه عند اليهود، فهناك علاقة بين الاسم وما يفترض أن يمارس فيه من عبادات، كما أن اسم يوم الجمعة يناسب ما يكون فيه من اجتماع المسلمين في المسجد للصلاة. وخصوصية يوم السبت عند اليهود، وخصوصية يوم الجمعة عند المسلمين يدللان على أن تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام يرجع إلى أساس ديني لا إلى أساس فلكي. وقد نص القرآن الكريم، وكذلك التوراة على أن الله قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وقد يعني هذا أن اليوم السابع هو اليوم الذي جاء بعد تمام الخلق، أي أنه اليوم الذي لم يكن فيه خلق يتعلق بالسماوات والأرض، أي أنه يوم انقطاع. وقد يكون هذا التفسير مقبولاً في توضيح العلاقة بين السبت والعدد (7) ولا يقبل إطلاقاً ما يزعمه اليهود من أن الله تعالى استراح في اليوم السابع.

لا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحالية لما طرأ عليها من إضافات وحذف عبر القرون، ولكن الدارس يلاحظ أن مفهوم السبت عند اليهود يتعلق بيوم السبت الذي هو اليوم السابع من الأسبوع، ثم هو يتعلق بالسنة السابعة التي يجب أن تكون السنة التي لا تزرع فيها أرض فلسطين، بل تكون راحة للأرض، ويتكرر هذا كل سبع سنين. وبعد سبع سبوتات أي (49) سنة تكون السنة أل (50) هي سنة اليوبيل، ولها أحكام فُصّلت في السفر الثالث من أسفار التوراة. ويلحظ الدارس للتوراة أن عدم احترام اليهود لهذه الشريعة يكون سبباً لإخراجهم من الأرض المقدسة، وسبباً لتشتيتهم في الأرض. ويبدو أن ذلك أدى إلى الربط بين الرقم (7) والزوال والانقطاع، لذا يعتقد اليهود أن دنيا الإنسان تكتمل سنة (6000) عبري، أي أنه في الألف السابعة يكون الزوال بزعمهم. وبالرجوع إلى القرآن الكريم نلاحظ أن السبع مرات التي ذكر فيها السبت، تكرر ثلاث منها في السورة السابعة، وهي سورة الأعراف. وآخر ورود لكلمة السبت في القرآن الكريم كان في الآية (124) من سورة النحل والتي هي (128) آية، ثم تأتي سورة الإسراء التي تتحدث عن زوال الإفساد الإسرائيلي من الأرض المقدسة: "إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه…..".

واضح أن جعل السبت كان بعد الاختلاف فيه، وهذا يعني أن (جعل) السبت يختلف عن (فرضه)، فاحتيال اليهود لانتهاك حرمة السبت وذهابهم في هذه الحيل مذاهب شتى أدى إلى التشديد عليهم في أحكام السبت، فكان السبت من الإصر الذي حملوه نتيجة فسوقهم وعصيانهم وانتهاكهم لحرمات السبت. والمتدبر لسياق الآيات من سورة النحل يلاحظ أن هناك شيئاً آخر، ألا وهو حكم الله عليهم بالانقطاع، فلم يعودوا ضمن المسيرة المتصلة لدعاة الخير، ولم يعودوا من قادة الهداية، ولم يعودوا يسيرون تحت لواء التوحيد. فكان اعتداؤهم واحتيالهم، وتفرقهم باتباعهم الأهواء سبباً في حذفهم من قافلة الخير، فانقطع وجودهم وذكرهم في عالم الصلاح والإصلاح، فلا تجدهم إلا أئمة للفسق وقادة للشر.

وأخيراً نقول: من يقرأ عجائب صنعهم في احتياله للقفز على المقدسات، يدرك أن يهود اليوم على استعداد أن يتنكروا لكل مقدس بشرط أن ينسجم ذلك مع مصالحهم المادية، أي مع عجلهم المقدس المصنوع من الذهب.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:35 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
السّعي


الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرض في السنة السادسة للهجرة بعد أن فرضت باقي الأركان الخمسة. ومن سبق له أن حجّ يلحظ أنّ الاستسلام لله تعالى هو أبرز ما يميّز حجاج بيت الله الحرام، فتراهم يقومون بالشعائر المختلفة ولا يسألون عن الحكمة من وراء كل حركة وسكنة، فحسبهم أن يعلموا أن الحكيم الخبير هو الذي شرّع هذا. وما أجمل أن يقتدوا بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام:" إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين" وتجلّى هذا الاستسلام في حادثة الذّبح المشهورة، وإن ذكريات هذه الحادثة الجليلة لترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحج وشعائره ومشاعره.

من عرف الله تعالى حق المعرفة استسلم له حق الاستسلام، وإنما يخشى الله من عباده العلماء، وعليه فقد يجدر بنا أن نتدبّر ونتفكّر في كل ما له صلة بهذا الدين الربّاني، ولا تستثنى من ذلك الشعائر التعبدية، فإن كانت عند العلماء لا تعلل، فإنها عندهم من أجلّ مظان الحكمة. وقد رأينا في هذه العجالة أن نلفت الانتباه إلى بعض رموز شعائر الحج، فالرمزية تتجلى في كل حركة وسكنة يقوم بها الحاج، ويدهشك أن تكتشف أن أعمال الحج تلخص لك أبرز قوانين الحياة، أي أنّ الحاج يرسم بحركاته وسكناته سنن الله في خلقه .

عندما يسعى الحاج بين الصّفا والمروة فإنما هو يحاكي تردد هاجر عليها السّلام بين الخوف والرجاء، خوفها على وليدها إسماعيل عليه السلام، ورجائها في أن تجد الماء. ومن هنا صحّ أن نقول إنّ السّعي يرمز إلى تردد الإنسان بين قطبي الخوف والرجاء؛ بمعنى أن حركة الإنسان في الحياة تنتج عن تردده بين الخوف والرجاء، وفي الوقت الذي ينتفي فيه قطب الخوف أو قطب الرجاء تنتفي الحركة الفاعلة والخلاّقة؛ فالطالب الذي لا يرجو النجاح نتيجة الصعوبة غير العاديّة للامتحانات يغلب أن يتوقف عن مواصلة الاستعداد الجاد للامتحان، وكذلك الأمر في الطالب الذي يأمن من الإخفاق نتيجة السهولة غير العاديّة للامتحانات. من هنا لا بد أن نضع الطالب بين قطبي الخوف والرجاء، فنجعل تحدي الامتحان ضمن إمكانات الطالب، بحيث يخاف من الإخفاق ويرجو النجاح .

من يراقب اندفاع الناس صباحاً نحو أماكن عملهم يدرك أن دافعهم في ذلك هو سنة الخوف والرجاء، فهم يخافون الفقر ويرجون الغنى. وإذا رأيت شخصاً يفر من الأسد أدركت أنّه يخاف الموت ويرجو النجاة، وكذلك الأمر في المريض الذي يطلب الطب خوف الألم والموت، ورجاءً للمعافاة والحياة. وفي الوقت الذي ييْأس فيه المريض من فُرَص الشفاء تراه يرغب في التوقف عن العلاج مستسلماً لقدره. ومن هنا يمكن أن نقول إنّ اليأس هو أخطر ما يواجه الشعوب المستضعفة، وبالتالي لا بد من إبراز الجوانب الإيجابية لنضالاتها، والتركيز على إمكانات الحاضر وآفاق المستقبل.

جاء في سورة يوسف:" .. وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون " في المقابل جاء في سورة الأعراف " فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " . فاليائس يتمادى في المعصية، وكذلك من يشعر بالأمن من العقوبة. أمّا أهل الإيمان فقد جاء في سورة الأنبياء:" وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً " وجاء في سورة السجدة : " يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعا " وهذا يعني أنّ فلسفة اليوم الآخر في الإسلام تقوم على أساس قانون الخوف والرجاء، فالنّار تمثّل قطب الخوف، والجنّة تمثّل قطب الرجاء، ومن هنا نجد أنّ القرآن الكريم يستفيض في الكلام حول الثواب والعقاب، والجنّة والنّار،ويغلب أن تجد آيات الترغيب مقترنة بآيات الترهيب. ومن يقرأ أحاديث الرحمة وحدها في السنّة الشريفة، يظن أن لا أحد يُعذّب، ومن يقرأ أحاديث الترهيب وحدها يظن أن لا أحد ينجو. أمّا الفلسفة التي تقول إنّ الله تعالى محبّة فقط، فإنما هي تنفي قطب الخوف، وبالتالي تعيق حركة الإنسان نحو الصلاح والإصلاح، وتحرّض الإنسان على التمادي بعيداً عن ضوابط الدين .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:35 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الشـجرة الملـعـونـة



"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن"

( الإسراء (60)

يرى جماهير المفسرين أنّ الشجرة الملعونة هنا هي شجرة "الزقوم ". أما الشيعة فإنهم يذهبون إلى أن الشجرة الملعونة هم "بنو أمية" ويستندون في هذا إلى حديث شريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبره كما تنزو القرود فأصبح كالمتغيظ. فما رؤي بعدها صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى مات. والتشيع واضح في هذا التفسير على الرغم من استناده إلى روايات موجودة أيضاً عند أهل السنة. وفي الوقت الذي تجد فيه مفسراً كالطباطبائي، صاحب تفسير الميزان يقوّي هذا التفسير - والطباطبائي مفسر شيعي معاصر - نجد أن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان وهو من كبار علماء الشيعة في القرن السادس الهجري يجعل هذا التفسير وجهاً ثالثاً عندما يتعرض إلى تفسير الآية.

الملاحظ أن القرآن الكريم لم يلعن شجرة الزقوم، وبالتالي كيف يمكننا أن نقول إنها الشجرة الملعونة ؟ لذلك قال بعض المفسرين إن المقصود " بالملعونة " أي الشجرة الملعون آكلها. وهذا تقدير تأباه اللغة العربية، ثم إن اللعن الذي هو الطرد من الرحمة لا يكون إلا للمكلفين، والشجرة كما هو معلوم غير مكلفة ولم ترتكب جُرماً حتى تُلعن، وقال البعض إن الشجرة هي وسيلة لتعذيب الكفار ومن هنا جاء اللعن، وهذا المعنى تأباه اللغة، ويأباه العقل أيضا، ويأباه النص القرآني، لأن هناك ملائكة هم خزنة جهنم ولا يتصور لعنهم لمجرد أنهم يشرفون على تعذيب الكفار. وعليه نرى أن آراء جماهير المفسرين مضطربة في توجيه أن تكون الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم المذكورة في القرآن الكريم. وما نجده اليوم في كتب التفسير هو نوع من المتابعة لما جاء في كتب التفسير القديمة.

الماوردي من أشهر علماء القرن الخامس الهجري، وله تفسير "النكت والعيون " ويقع في ستة مجلدات من القطع المتوسط، ويتميز بجمعه لآراء المفسرين على صورة سهلة ومختصرة. وهو يورد في الشجرة الملعونة أربعة أقوال، ويجعل القول الرابع في القوم الذين يصعدون منبر الرسول صلى الله عليه وسلم أما القول الثالث فيقول فيه : " أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله r مع الأحزاب، قاله ابن بحر ". أما كيف يمكن أن يكون النسل شجرة ؟ فنجد الماوردي يقول :" والشجرة كناية عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة، كالأغصان للشجرة " فالنسل هو في حقيقته شجرة نامية ومتفرعة. إن كل ما يقوم على أصل اعتقادي ويتفرع عن هذا الأصل هو في حقيقته شجرة. والقرآن الكريم مثّل الكلمة الطيبة والتي هي الإسلام بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة. وإذا كان اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن، فهذا يكون على اعتبار انهم يلتقون في أصل اعتقادي، ولا يصح أن تكون اليهودية قائمة على النسل، لأن اليهودي في الحقيقة هو الذي يؤمن بالأصول اليهودية في الاعتقاد والتشريع والأخلاق. والعدل يقتضي أن يكون اللعن نتيجة لممارسة الفرد أو الأمة لأمر اختياري.

الذي يرجح لدينا أن المقصود بـ " الشجرة الملعونة " هم اليهود أمور منها :

أولاً : أن الآية التي نحن بصددها هي الآية "60" من سورة الإسراء والتي تسمى أيضاً "سورة بني إسرائيل" وهي تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة. وتُسْتَهل سورة الإسراء بنبوءة مستقبلية تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة، ويرد الكلام عن هذا الإفساد في خواتيم السورة أيضاً مما يشير إلى مركزية هذا الحدث في السورة التي تسمى "الإسراء " وهذه التسمية تشير إلى المسجد الأقصى. وتسمى سورة " بني إسرائيل " وهذه التسمية تشير إلى الإفساد. ولا يبعد أن تكون الرؤيا تتعلق بهذه القضية المحورية في السورة.

ثانياّ : واضح من طريقة كتابة كلمة "رؤيا" في قوله تعالى : " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة …" أنها رؤيا منامية، ولو كانت رؤية بصرية لكتبت "رؤية ". وقد نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : أن ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج هو الرؤيا المذكورة هنا. وبما أنها تمت ليلاً وتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أصبح فقد سمّاها "رؤيا " وهي أيضاً فتنة للناس الذين كذبوا خبر الرسول عليه السلام. والذي نراه أن المسألة لا تتعلق بالرؤية البصرية أو المنامية، وإنما تتعلق بالأمر الذي رآه الرسول عليه السلام. فإذا كان قد رأى ببصره أموراً واقعة فهي "رؤية " وإذا كان قد رأى أموراً ستقع في المستقبل فهي على أية حال "رؤيا" لأنها غير موجودة في الحال وإنما في الاستقبال. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في سورة الإسراء : " لنريه من آياتنا..." وفي سورة النجم :" لقد رأى من آيات ربه الكبرى …". وإذا كانت هذه الرؤية على خلاف القانون البصري المعتاد فهي أيضاً "رؤيا". على ضوء هذا لا يمنع أن يكون ما رآه الرسول عليه السلام من أمور مستقبلية يتعلق بسيطرة اليهود على المسجد الأقصى وعلى الأرض المباركة، والتي هي عقر دار الإسلام. ثم سيطرة هذه الشجرة الخبيثة على المستوى العالمي في مرحلة سيطرتهم على الأرض المباركة، ولا شك أن هذا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتكون التعزية له عليه السلام أن يقال له :" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " فمقاليد الأمور هي بيد الله، أما ما رأيته يا محمد من سيطرة هؤلاء فهو نوع من الفتنة للبشر، وما رأيته فهو في حقيقته " الشجرة الملعونة " وبالتالي لن تكون لها ثمار ممتدة بل إن السيطرة محكومة بالإخفاق المستمر، وهي مطاردة باللعن الإلهي، وهذا يعني أن سيطرة اليهود في أيامنا هذه تنحصر في كونها فتنة أرادها الله. وهي سيطرة الشجرة الملعونة التي هي شجرة خبيثة، جذورها واهية، وثمارها غير مباركة. ومن هنا يسهل على أهل الحق أن يقتلعوا هذه الشجرة وأن يحموا الناس من آثارها المفسدة.

ثالثاً :حتى نرجّح القول بأن الشجرة الملعونة هم اليهود، لا بد أن نرجع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم، لأن الله تعالى يقول:"الشجرة الملعونة في القرآن" أي الشجرة التي لا بد أن نجد لعنها في القرآن. وبالرجوع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم نجد أن "لعن " ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (41) مرة. ولوحظ أن (18) مرة لعن فيها اليهود على وجه الخصوص ولا يشترك معهم في هذه اللعنات غيرهم. أمّا باقي اللعنات، فإنها كانت للكافرين، أو الظالمين، أو الكاذبين …فإن اليهود لا شك مشتركون في ذلك. وعليه ألا تكون هذه الملاحظة الإحصائية مؤشراً على أن اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن. ولا ننسى أن الكثير من الأفكار والمذاهب والمدارس المنحرفة هي من صنع اليهود بل هي منبثقة من عقائدهم، كالماركسية، والوجودية، والماسونية …والمستهدف في النهاية هم البشر، الذين نزلت رسالات السماء رحمة بهم. أفلا يستحق اللعنة من نصّبوا أنفسهم أعداء للبشرية، ولرسالات السماء والحق والعدل ؟ ألم يخبرنا الواقع أن هذا مسلكهم عبر العصور المختلفة إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة كما نص القرآن الكريم.

" وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن …" فسر العلماء الآية على أساس أن الرؤيا شيء والشجرة الملعونة شيء آخر. والمعنى :وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وكذلك الشجرة الملعونة فتنة أيضاً. وهذا الوجه تحتمله اللغة، والذي نراه أقرب إلى ظاهر النص أن يكون المعنى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وجعلنا ما رأيته الشجرة التي لعنها القرآن. وهذا يعني أن "الرؤيا" هنا هي الشيء المرئي أي موضوع الرؤيا. وعلى هذا يكون ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر هو في واقعه فتنة للناس وابتلاء، وهو عند الله شجرة ملعونة في القرآن الكريم. وفي رأينا أن اليهود هم فتنة للناس على مر العصور وهم أيضاً شجرة ملعونة محكوم أن لا تثمر جهودهم ثمراً يدوم ويستمر. وهذا من رحمة الله بعباده. وحتى يتضح المعنى بشكل أفضل نقول : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وشجرة ملعونة في القرآن الكريم. أما إضافة "ال" إلى "شجرة وملعونة " فإن ذلك يعني أنها هي الشجرة الملعونة الوحيدة في القرآن الكريم. أما لعن باقي الظالمين أو الكافرين أو الكاذبين، فقد ورد دون نسبتهم إلى شجرة.

بالرجوع إلى واقعنا المعاصر يمكن أن نستفيد من هذه الآية الأمور الآتية :

أولاً : أن سيطرة اليهود في فلسطين وعلى مستوى العالم هي فتنة وابتلاء. ومعلوم أن الفتن يقصد منها أن يتميّز الناس في مواقفهم. ولا بد أن ينتج عن هذا واقع أفضل، فالفتن هي قانون في التغيير.

ثانياً :إن المذاهب المنبثقة عن اليهودية والتي تحاول أن تفسد المجتمعات البشرية، لا بد أن تتلاشى. والماركسية من أوضح الأمثلة على ذلك.

ثالثاً : إذا كان الإسلام شجرة مباركة وكانت اليهودية شجرة ملعونة، فإن هذا يعني أن العقبات التي يقيمها اليهود في طريق المسلمين هي من ضرورات الطريق، ولكن لا بد في النهاية من ثمار طيبة يطرحها الإسلام ويقبلها الناس أما الثمار الخبيثة فإن الفطرة البشرية ترفضها وتلقيها بعيداً.

رابعاً : تتجلى حكمة الخالق في أنه سبحانه يجعل الفتن والابتلاءات غير قابلة لأن تكون القانون الذي يسير عليه البشر، لأنها تحمل في طياتها بذور فنائها.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:36 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الشــهيـد

(الشهيد)اسم من أسماء الله الحسنى، فعلم الله تعالى يحيط بكل شيء، فهو سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة. جاء في سورة الرعد : " قل كفى بالله شهيدا ً" وقد كرّم اللهُ بعض خلقه فجعلهم شهداء على النّاس، جاء في سورة النساء : " فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " فالأنبياء شهداء على أقوامهم، والرسول عليه السّلام شهيد على الأمّة الآخرة، والأمّة الإسلامية شاهدة وشهيدة على باقي الأمم حتى تقوم السّاعة. جاء في سورة البقرة : " وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " .

وحتى تكون الأمّة شهيدة على الناس، لا بد أن تكون ممثلة لحقيقة الإسلام في إيمانها، وسلوكها، ولا بد أن تحيط بالواقع من حولها، وتكون قادرة على تقييم هذا الواقع والحكم عليه على ضوء مقاييس الإسلام. وتكتمل صورة الشهيد فيها عندما تقدّم البدائل للواقع السلبي، وبذلك تكون شهيدة في الدنيا، وهذا يؤهلها لأن تكون في مقام الشهادة يوم القيامة، لأنّه مقامُ تكريم. جاء في سورة النساء : " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " وجاء في سورة الزمر :"وجيء بالنبيين والشهداء..".

إنّ الشهداء في الآخرة هم الشهداء في الدنيا، فهم الذين يعملون على إقامة العدل على أساس من شرع الله. جاء في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط " ، وجاء في سورة النساء : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " ومعلوم من النص القرآني الحكيم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل أن يحقق الناس العدل الشامل، جاء في سورة الحديد : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط ". والقيام بالعدل، وإقامة العدل، لا يكفي فيه قوة الفكرة وتماسكها وسمّوها، بل لا بد من القوة التي تحق الحق، أي تجعله واقعاً راسخاً في الأرض. انظر معي إلى تتمة الآية السالفة من سورة الحديد : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "

والقيام بالقسط، والسير في سبيل الله قد يترتب عليه موت أو قتل، وهذا في منطق الذين لا يؤمنون مجازفة وخسارة. جاء في سورة آل عمران " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت، والله بما تعملون بصير " ، ويستفاد من هذه الآية أيضاً أن القرآن الكريم يفرّق بين الموت في سبيل الله، والقتل في سبيل الله. جاء في الآية 157 من سورة آل عمران : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ويظهرمثل هذا الفرق في جعل من يقتل في سبيل الله شهيداً حيّا. جاء في سورة آل عمران " ويتخذ منكم شهداء " فالشهادة اختيار ربّاني، والشهيد شاهد بفعله على صدق مبدئه، وعمق إيمانه، وهو شاهد على تقاعس المتقاعسين، ثم هو يوم القيامة من الشهداء الذين يشهدون على الناس . والشهيد يخرج من الدنيا بطريقة عنيفة ألا وهي القتل، وشاء الله تعالى أن يمد له في حياته، فجاءت الآيات الصريحة لتعلن عن استمرارية هذه الحياة، واستمرار إدراكه لما يحيط به، واستمرار تمتعه وسروره واستبشاره. ولا يصح في إيمان المؤمن أن يظن أنّ الشهيد ميّت، ولا يجوز له أن يتفوّه بما يدل على خلاف هذه الحقيقة الغيبيّة.

من اللافت للانتباه أن كلمة شهيد من الكلمات التي لا مرادف لها في اللغة العربية، وهي من الألفاظ الإسلامية التي يستخدمها غير المسلمين إذا أرادوا تكريم قتلاهم أو حتى موتاهم. ففي الوقت الذي استبدل فيه الناس مثلاً مصطلح (جهاد) فقالوا : كفاح، ونضال، و قتال، …فإنهم لم يستبدلوا مصطلح شهيد. وفي الوقت الذي نقر فيه إسلامياً بأننا نتعامل عند إطلاق هذا الوصف مع الظاهر الذي ظهر لنا من سلوك الشهيد، إلا أننا بحاجة إلى شهداء عَدْل يشهدون بالصدق، ويعلمّون الناس بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الإخلاص في العمل، ليكونوا شهداء في الدنيا والآخرة، وهذا كما قلنا سابقاً تكريم لهم من الله تعالى لأنّهُ سبحانه شهد لهم، "وكفى بالله شهيداً".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:36 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الصـافنـات الجـيـاد

جاء في سورة ص : "ووهبنا لداود سليمان، نعم العبدُ إنه أوّاب، إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد…."

تصف الآية الكريمة الخيل بأنّها صافنات وبأنها جياد، واللافت أن الصفة الثانية نقيض للصفة الأولى، فمعلوم أنّ الخيل عند راحتها تكون قائمة لا تتحرك، بل تنام وقوفا، وصمتها فيه هدوء ووقار، فأنت تعجب من هذا الحيوان الذي يمضي حياته واقفا، وتعجب كيف ينام واقفا، وتعجب كيف لا يرهقه الوقوف، ويزول العجب عندما نعلم أنّ القانون في خلق الخيل، يختلف عنه في الإنسان وفي الكثير من الحيوانات التي تنام مستلقية، فراحة الحصان في وقوفه، والهدوء العميق لهذا الكائن، والصمت والوقار، كل ذلك المقدّمات الضرورية التي ستفجّر حيويته ونشاطه.

نعم إنه الجواد الذي يجود بالحركة، ويفيض بالنشاط، ويندر أن نجد في الحيوانات حيواناً يماثله في هذه المتناقضات، فهو الساكن المتحرك، والصامت المتفجّر.

آية في سورة ص جاءت عقب الآيات سالفة الذكر هي لغز على الرغم من أقوال المفسرين الكثيرة فيها:" ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيّه جسداً ثمّ أناب" وليس هذا مقام الإفاضة في تفسيرها، وكل ما جاء فيها من تفسير لا يستند إلى دليل، وقد يكون الأقرب إلى الصواب القول بأنّ الجسد الذي حلّ في كرسي المُلْك هو سليمان عليه السلام، وقُلتُ (حلّ) ولم أقل (ألقي) لأنني وجدتها ثقيلة في حق سليمان عليه السلام، وقد يكون هذا من لطائف القرآن الكريم عندما قال سبحانه: " وألقينا على كرسيّه" ولم يقل " وألقيناه على كرسيّه" ويبدو أن سليمان عليه السلام قد أصيب بمرض أقعده عن الحركة، أو تحول إلى جسد ساكن لا حراك فيه، واستمر على هذه الحال مدّة من الزمن، ثم شفاهُ الله، وعافاهُ مما حلّ به عليه السلام، وقد يعزز هذا المذهب في التفسير أنّ الآيات التي تلي الحديث عن ذلك ذكرت أيوب عليه السّلام، وصبره على ما حل به من بلاء.

المدّة الزمنية التي قضاها سليمان عليه السلام فاقداً للقدرة على الحركة، والقدرة على إدارة شؤون الدولة لا بُدّ أنّها كانت فرصة للتدبر والتأمل، وإعادة النظر في أمر المُلْك والسلطان، والنظر فيما يمكن أن يفعله الحاكم الذي يملك الجاه والسلطان والقوة. ويمكننا أن نتصور الأماني والأمنيات التي تجول في خاطر من فقد القدرة على الإدارة وهو لا يزال على كرسيّه سلطاناً معترفاً به. إنّ هذه اللحظات الجليلة تجعل المرء يدرك أن الحَوْل والطَوْل كله لله، ولا أظن من مرّ بهذه التجربة يمكن أن يغترّ بالقوة والسلطان، وعلى وجه الخصوص عندما يكون أواباً منيباً لله تعالى.

من يقرأ الآيات التي تلي هذه الآية يجدها مفعمة بالحركة، والقوة والتسخير، والعطاء الوفير، ونجد سلطاناً يُعطى من كل شيء ثم هو لا يحاسب:"هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب"، المتدبر للآيات يجد أن سليمان عليه السلام انتقل من النقيض إلى النقيض، كحالة الصافنات الجياد، فإذا كان سكونها المقدمة الضرورية للحيويّة المتفجرة والحركة الفعّالة، فقد لحظنا هذا في حالة سليمان عليه السلام بعد شفائه من مرضه، فقد أصبح سلطاناً يوظف كل ما سُخّر له من أجل رعيته، ومن أجل الحقيقة التي يؤمن بها، وقد بلغ من الحضارة والمدنية الأوج إلى درجة أن نجد الأمم التي جاءت من بعده تنسب كل شيء خارق إلى عصره عليه السّلام.

ويبقى أخيراً أن نلفت الانتباه إلى أن سليمان عليه السلام قد مات وهو يباشر الفعل، ويرتكز إلى عصاه… ألا يحتاج هذا إلى إعادة نظر وتدبّر لعلنا نجدد الفهم، بعيداً عن التقليد المغيّب للإبداع؟!


الساعة الآن 04:25 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى