منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   مكتبة الطفل (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=202)
-   -   حكايـات قبـل النـوم (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1185)

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:00 AM

القطرات الأربع



كان في قديم الزمام، ملكٌ كبيرٌ حكيم، اسمه حسَّان.. وكان الملك حسان، يحبُّ الأذكياءَ، ويرفعُ قَدْرَهم، فهو يُقيم مُسابقةً، بينَ حينٍ وآخر، يطرحُ فيها سؤالاً واحداً، ومَنْ يجبْ عنه، يقلّدْهُ وساماً ملكيّاً رفيعاً.‏

واليوم. هو يومُ المسابقةِ الكبرى..‏

الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراء والقُوّاد..‏

والساحة الواسعة، تغصُّ بالبشر ،من رجالٍ ونساءٍ وأطفال، وكلُّ واحدٍ يقول في سِّرهِ :‏

- ماسؤالُ اليوم ؟!‏

لقد حضر الناسُ، من أقصى المملكة، ليسمعوا السؤالَ الجديد ...‏

- ما أَغلى قطرةٍ في المملكة؟‏

- ومتى الجواب؟‏

- في مثل هذا اليوم، من العام القادم .‏

***‏

وانصرف الناسُ، يفكِّرون في السؤال ...‏

قال طفلٌ لأبيه :‏

- إذا عرفْتُ أغلى قطرة، هل أنالُ وسامَ الملك؟‏

ابتسمَ والدهُ، وقال :‏

- نعم يابني!‏

قال الطفل :‏

- قطرة العسل .‏

- لماذا؟‏

- لأنها حلوةٌ ولذيذةٌ.‏

وقالتْ طفلةٌ لأُمِّها :‏

- أنا أعرفُ أغلى قطرة..‏

- ماهي؟‏

- قطرة العطر..‏

- لماذا؟‏

- لأنَّها طيِّبةُ الرائحة .‏

***‏

وشُغِلَ الناسً بالقطرات، فهذا يقول :‏

- إنَّها قطرةُ الزيت..‏

وذاك يقول :‏

- إنَّها قطرةُ النفط ..‏

وأكثرهم يقول :‏

- سؤالُ الملكِ، ليس سهلاً، كما تظنّون !‏

فما القطرةُ التي يريد ؟!‏

***‏

قال عقيل :‏

- لن أهدأَ حتى أعرفَ الجواب ..‏

وأقبلَ على مطالعةِ الكتب، ومصاحبةِ العلماء‏

تارةً يقرأُ في كتاب ،وطوراً يصغي إلى عالم...‏

مضتْ عدَّةُ شهور، ولم يصلْ إلى مايريد!‏

وذاتَ يوم...‏

زار عالماً كبيراً، فوجدَهُ مُنكباً على تأليفِ كتاب ...‏

المحبرةُ أمامه والريشةُ في يده..‏

وفجأة ..‏

لمع في ذهنه الجواب :‏

- إنها قطرةُ الحبر!‏

رمزُ العلوم والأدبْ‏

لولاها ضاع تراثنا ..‏

لولاها ماكانتْ كُتُبْ‏

***‏

وفي مكانْ آخرَ من المملكة، كان ربيعةُ يمشي تعِباً، في أرضٍ قاحلة جرداء ..‏

اشتدَّ به العطش، ولم يعثرْ على ماء!‏

ظلَّ يسيرُ حتى وهنَتْ قواه، وأشرفَ على الهلاك .‏

- ماذا يعمل ؟!‏

وقف يائساً ، ينظرُ حوالَيه ..‏

شاهدَ بقعةً خضراء !‏

لم يصدِّق عينيه، وقالَ مُستغرباً :‏

- الأرضُ الميتةُ، لا تنتجُ خضرة!‏

ومع ذلك ..‏

سارَ نحو البقعة الخضراء، يدفعه أملٌ جديد...‏

وعندما وصل إليها ،وجد الماء !‏

أقبل عليه فرِحاً، يشربُ ويشربُ، حتى ارتوى تماماً..‏

حمد الله، وقعد يستريح، ويتأمَّلُ المياه،‏

وما يحيط بها، من عشبٍ غضٍّ، ونبتٍ نضير...‏

وتذكرَّ سؤال الملك، فنهض واقفاً، وقال :‏

- لقد عرفتُ أغلى قطرة !‏

إنَّها قطرةُ ماء‏

فيها أسرارً الحياة‏

إنَّها قطرةُ ماء‏

***‏

واختلط الحارثُ بأصنافِ الناس ...‏

شاهدَ البنَّاءَ الذي يحوِّلُ كومةَ الأحجارِ إلى قصر جميل، وشاهد النجارَ الذي يصنعُ من جذعٍ غليظِ خزانةً أنيقة...‏

وشاهد الفلاح الذي يحوِّلُ أرضه البَوار إلى جنَّةِ أشجارٍ وثمارٍ‏

شاهد وشاهد كثيراً من العمال، الذين يعمرون الوطن، ويسعدون البشر‏

وشاهد قطرات العرق، تزين جباههم السُّمر.. عادَ مسروراً ،وهو يقول :‏

- عرّفْتُها.. عرَفْتُها ... إنَّها قطرةُ العَرَق !‏

رمزُ النشاطِ والعملْ‏

تكرهُ كلَّ القاعدينْ‏

كأنَّها لؤلؤةٌ‏

تهَوى جِباهَ العاملينْ‏

***‏

أمْا طارق ، فقد وصلَ في أسفارهِ، إلى جنوب البلاد...‏

وجد الناسَ في هرج ومرج...‏

سأل عنِ الخبر، فقيل له :‏

- لقد اجتاز الأعداءُ حدودَ مملكتنا..‏

دخل السوقَ، فسمع كلماتٍ غاضبة:‏

- الأعداءُ يقتلون ويحرقون !‏

- إنَّهم يخربون مابناه العمال !‏

- ويفسدون زروعَ الفلاحين !‏

- ويلقون كتبَ العلماءِ في النهر!‏

- مياههُ تجري سوداء!‏

- حياتنا أشدُّ سواداً !‏

- هيّا إلى الجهاد !‏

- هيّا إلى الجهاد !‏

انضمَّ طارقٌ إلى المجاهدين، وانطلقوا جميعاً إلى الحرب، يتسابقون إلى الموت، ويبذلون الدماء، حتى أحرزوا النصر، وطردوا الأعداء ...‏

عادت الأرضُ حرَّةً ..‏

وعادتِ الحياةُ كريمةً‏

وعادَ الناسُ فرحين، يحملون شهداءهم الأبرار..‏

سقطَتْ على يد طارق، قطرةُ دمٍ حمراء ،نظر إليها طويلاً، وقال :‏

أنتِ أغلى القطرات‏

أنتِ رمزٌ للفداء‏

أنتِ عزٌّ للحياة‏

أنتِ روح للضياء‏

***‏

مضى عامٌ كامل، وحانَ موعدُ الجواب ..‏

الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراءُ والقُوّاد..‏

والساحة الواسعةُ، تغصُّ بالبشر، من رجالٍ ونساءٍ وأطفال ...‏

وكلُّ واحدٍ يقول في سرِّه :‏

- مالجوابُ الصحيح ؟!‏

لقد حضر عقيل، ومعه قطرةُ حبر .‏

وحضر ربيعة، ومعه قطرةُ ماء .‏

وحضر الحارث، ومعه قطرةُ عرق .‏

وحضر طارق، ومعه قطرةُ دم..‏

إنَّهم أربعةُ رجال، يحملون أربعَ قطرات ..‏

والسؤالُ الآن :‏

- مَنْ سيفوزُ بالوسام ؟!‏


أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:00 AM

الفــراخ الثلاثة


تنفَّسَ الصباح، يرشُّ الندى، ويرسلُ الضياء.‏

وداعبَتْ أناملُ النسيم، أغصانَ الشجرةِ الفارعة، فتمايلَتْ ناعمةُ ناضرة ..‏

وفتحتِ العصفورة عينيها، فبادرَتْها الشجرةُ قائلةً :‏

- صباح الخير يا صديقتي العصفورة!‏

- صباح الخير يا صديقتي الشجرة.!‏

- هل استيقظَ صغارك ؟‏

- لم يستيقظوا بعد‏

- هذا دأبهم كلَّ يوم.. يتأخّرون في النوم‏

- سأتركهم قليلاً، لأجلبَ لهم طعام الفطور‏

- إذهبي ولا تقلقي، إنَّهم في أحضاني.‏

ألقتِ العصفورةُ على فراخها، نظرةَ حبٍّ وحنان، ثم رفرفتْ بجناحيها، وطارتْ في الفضاء..‏

ظلَّ الفراخُ الثلاثةُ، في عشِّهم الدافئ، وعندماارتفعتِ الشمسُ، فركوا عيونهم، وأفاقوا من نومهم، فلم يجدوا أمَّهم ..‏

انتظروها طويلاً، ولكنَّها لم ترجعْ!‏

آلمهم الجوع، وأصابهم الجزع ..‏

قال أحدهم خائفاً :‏

- أرجوا أنْ تسلمَ أمُّنا من الصيادين‏

واضافَ آخر :‏

- ومن الطيور الجارحة ..‏

وقال الثالث :‏

- احفظها لنا يارب !‏

سمعتِ الشجرةُ حديثَ الفراخ، فأوجستْ منه خيفةً، غير أنَّها كتمَتْ مشاعرَها، وقالتْ مُواسيةً :‏

- لا تجزعوا ياصغاري، ستعودُ أُمّكم قريباً‏

- لقد تأخّرَتْ كثيراً!‏

- كَسْبُ الرزقِ ليس سهلاً .... غداً تكبرون وتعرفون‏

صمتَ الفراخُ الثلاثة، ونهضَ الفرخُ الأكبرُ، إلى حافَّةَ العشّ، ليرقبَ رجوعَ أُمَّهِ..‏

تدحرجَتْ حبّةُ قمحٍ كانت تحته ..‏

رآها أخوهُ الأصغر، فصاح مسروراً :‏

- هذه حبةُ قمح !‏

التفتَ الفرخُ الأكبرُ، وقال :‏

- إنَّها لي‏

- ليستْ لك‏

- لقد كانت تحتي‏

- أنا رأيتها قبلك‏

لن تأخذَها أبداً ..‏

اختلف الأخوانِ، وأخذا يتعاركان ..‏

ومكثَ أخوهما الأوسط، ينظرُ إليهما ويتفرَّج..‏

حاولت الشجرةُ إنهاءَ النزاع، فلم يستجبْ لها أحد.‏

قالتْ للفرخ الأوسط :‏

- لمَ لا تصلحُ بينَ أخويك؟‏

- لا أتدخَّلُ فيما لا يعنيني ..‏

- بل يعنيك !‏

- كيف؟‏

- أنتم إخوةٌ تعيشون في عشٍّ واحد..‏

-سأبقى بعيداً عن المتاعب‏

- لن ترتاحَ في عشٍّ يسودُهُ النِّزاع.‏

- لا أتدخّلُ فيما لايعنيني‏

- أوقفتِ الشجرةُ الحوار ، فالفرخُ عنيد، والكلامُ معه لا يفيد..‏

لم ينتهِ النزاعُ بينَ الفرخين ..‏

هذا ينقرُ بمنقاره، وذاك يخمشُ بأظافره..‏

تعبَ الفرخُ الأصغر.. رفع قشَّةً صلبةً، وضربَ أخاه الأكبر.. انتحى هذا جانباً.. أصابت القشةُ عين الفرخِ الأوسطِ، فبدأ يصرخُ متألّماً ..‏

جاءَهُ أخوه الأصغر، وأخذَ يعتذرُ إليه‏

وجاءَهُ أخوه الأكبر، وشرع يمسحُ له عينيه ..‏

وعندما سكنَ ألمهُ، تذكَّرَ قولَ الشجرة " لن ترتاحَ في عشٍّ يسودهُ النزاع "، فأصلح بين أخويه، واعتذرَ الصغيرُ لأخيه الكبير ،وقبَّلَ الكبير أخاه الصغير، وزالَ الخلافُ بينهم ،وعادَ الحبُّ إلى عشّهم ..‏

قال الفرخ الأوسط :‏

- أين الحبَّة ؟‏

- لماذا ؟‏

- سأقسمها بينكما ..‏

بحثَ الفرخانِ عن الحبّةِ، فلم يجدا شيئاً!‏

قال الفرخ الكبير :‏

- لقد ضاعتْ بين القَشِّ..‏

وقال الفرخ الأصغر :‏

- ربما سقطتْ خارجَ العش ..‏

حزن الفراخُ الثلاثة، على الحبّةِ الضائعة ..‏

قالتِ الشجرة :‏

- افرحوا ياأحبّائي، واتركوا الحزن.‏

- كيف نفرحُ وقد ضاعت الحبّة ؟!‏

- الحُبُّ الذي عادَ إليكم، أفضلُ من الحبّة بكثير‏

- صدقْتِ والله !‏

قالتِ الشجرة :‏

- عليكم أن تصلحوا العشَّ، قبلَ عودةِ أُمِّكم ..‏

نظر الفراخ إلى العش، فأدهشهم ما أصابه من تخريب!!‏

قالتِ الشجرة :‏

- لقد مات أبوكم دفاعاً عن هذا العش .‏

- وماالعملُ الآن ؟‏

- ابنوا بالحُبِّ، ماخربتم بالخلاف‏

- لن نختلفَ بعد اليوم‏

أسرعَ الفراخُ الثلاثة، يعملون متعاونين، فأصلحوا العشَّ، ورمَّموا جوانبه، وحينما فرغوا من عملهم، تأمَّلو العشَّ الجميل، وتبادلوا نظراتِ المودَةِ، فأشرقَتْ وجوههم سروراً.‏

وفجأة ..‏

صاحتِ الشجرة :‏

- لقد عادتْ أُمّكم ... لقد عادتْ أُمّكم‏

هبَّ الفراخُ يزقزقون، ويرقصون، فتعالتْ فوق العشِّ، أغاني الحبِّ والفرح ..‏

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:01 AM

غضب الطبيعة

بقلم الكاتبة: سمر المزغن


ارسل البحر اذاه المجرجرة الذي يصل الى الاذان كأنه الزئير المنبعث من حلوق الوحوش الضارية ، والعالي كأنه الجبال الشاهقة ، معلنا عن قدومه لحضور اجتماع هام ، تقدم البحر تصحبه امواجه الصاخبة ، مزمجرا غاضبا ثم صرخ – دون القاء السلام - بصوة قوي غريب ، لو سمعته الهضاب لارتجت من مكانها فزعة : " انا مغتاض جدا، ولا يمكنني ان اتحمل اكثر ضرر الانسان ، لوثني بنفطه الذي قتل اسماكي ، لم يترك لي حتى بعض الاصداف تزينني وتلون شاطئي ، ذلك الشاطىء الذي غدا سلة مهملات كبيرة يلقي فيها فضلاته واوساخه …

لقد طفح الكيل والانسان يحرمني من التسلي مع اصدقائي الاسماك … الم ادعه يسبح في هناء ونعيم في مياهي الباردة خلال فصل الصيف ؟ ألم استقبل الشمس وادعوها لالقاء أشعتها الدافئة وهو يلهو ويمرح ؟ ألم أسخر له شاطئي ليلعب برماله ويرتاده متى شاء مع اصدقائه ؟ ألم اتركه يصنع من الرمل قصورا يزينها بأصداف متناثرة ؟ لما كل هذا الجشع والطمع الذي يحركه حتى أنه لم يترك لي أصدافي تمسح لي دمعي حين ابكي ، وتلعب معي أوقات فراغي ؟

ألم أمسك نفسي عن البكاء وأنا أسمح له مضطرا باصطياد أسماكي وهي تنظر لي معاتبة ، لائمة ؟ ثم بعد ذلك اراها تشوى أمامي لتصبح سوداء فاحمة ، وصوتها يرن في أذني يلومني على عدم عدالتي وانصافي ، يحرص ان يصطاد أكبر قدر من أسماكي ، وأشباحها الحمراء المتشحة بالسواد تحاصرني في منامي ويقظتي ، مناظرها مخيفة وهي الملطخة بالدم والسواد ، تعكر صحوتي ومنامي ، وأمام ذلك ألست مذنبا وأنا أسمح له بكل ذلك السلب والنهب ، ساكتا، صامتا ، صابرا ، ومتحملا أذى وخطر أفعاله ؟ " .

طأطأ البحر رأسه وأسنده على أمواجه المتأثرة بكلامه الى حد البكاء . خفت صوته شيئا فشيئا وأخذ يصدر زفرات طويلة بين الفينة والفينة ، لما رفع رأسه انحدرت من عينه دمعة حارة كبيرة لتسقط على الموج المرتطم بالصخور وتختلط بالزبد. كان منظره محزنا للغاية، وغادر المكان قبل أن تضعف ارادته تماما فيختنق بالعبرات … جاء البحر غاضبا قويا ، لو اعترضه الانسان لأغرقه بموجه ثم انصرف ذليلا حزينا منكسر الخاطر لو شاهده الانسان على حالته تلك لسخر منه واستهزأ به .

نفخ الريح بقوة وقال : " كلام البحر صحيح ، الانسان يضر نفسه ويضرنا بافعاله ، انا أيضا لوثني بدخان سياراته السريعة، في حين ان دراجاته أقل سرعة ولا تؤذيه ولا تؤذيني ، طائراته وصواريخه وبواخره وقطاراته مصادر لراحته ومصدر لايذائي … التبغ الكريه الذي يستهلكه في البيت وفي الحي والمقهى ، ألم يعرف لحد الان انه يلوثني ويسبب له افات مميتة، ويشكل اذى لمن حوله ويسبب لهم الامراض … ثم أيضا تلك المصانع التي تدمرني وتجعل مني سوادا في سواد ، ثم … "

قاطعه الحيوان مزمجرا : " على مهلك أيها الهواء ، لست اكثر مني هما ولا أظن أن صدرك يسع غمي ، الانسان جعل مني عبدا ذليلا ، أكل بيضي والتهم لحمي وشرب لبني ، لم يكفه أنه ركبنا وحملنا ما لا طاقة لنا به حتى في الصحراء الجافة ، لم يكفه أنه حثنا على السير بعصاه الغليظة الخشنة، حتى زج بنا في السجون يزين بها بيوته وحدائقه ، ليتمتع بمشاهدتنا في حين لا نطلب سوى الحرية …

يعيش صغارنا محرومين من الحرية ويموتون حزينين لأنهم لم يذوقوا طعم الحرية ولم ينعموا بالغابات الخضراء والجبال العالية … نحرس بيته ليلا نهارا لينام هادئا ونبقى نحن سهارى ، يقظين لحمايته ، وجزائنا في الاخير عظام بليت ولحوم فسدت وضربات توجعنا ، ثم نصاحبه في كل مكان ليتفاخر أمام أصدقائه بالسلسلة الحديدية التي تشد عنقنا كأنها تنوي خنقنا …"

صرخ صرخة مدوية ثم نظر شزرا والشرر يتطاير من عينيه وكشر عن أنيابه متهيئا للهجوم ، لكنه رجع الى الوراء كأن مسا من الجنون أصابه، وانزوى يهذي في ركن بعيد .

تدخلت الشجرة وقالت : " يقطع الانسان خشبي ليصنع منه مهودا لصغاره ، يرتاحون في مهودهم ونبكي بكاء متواصلا، صنع منا قواربا، سفنا ، مراكبا ، وبيوتا تحميه من قر الصيف وبرد الشتاء . وهبته كل شيء حتى الهواء أنقيه له ولكنه ظالم ، فلما نكران الجميل . اكل الانسان ثماري اليانعة ، اقتلع اخوتي ليصنع منهم كراسي يستلقي عليها وطاولات لأكله … رفس جيراني النبتات الصغيرة بأحذيته الضخمة ".

سكتت الشجرة برهة ثم أضافت : " اني أدعو الجميع لمحاسبة الانسان " وبقيت في مكانها صامدة مظهرة شجاعة وصبرا … كل من تكلم قبلها أبدى هيجانا وحزنا ، ولكنها الوحيدة التي تمالكت نفسها ومكثت في مكانها تنتظر رأي الجميع.

سألت الأرض الشمس : " وانت أيتها الشمس ما رأيك "

- أنتظر رأي القمر .

همس القمر : " رأيي معاكس للجميع ، الانسان يحبني في الليالي التي أنيرها، وعلى كل أنا متأكد أن الانسان لم يقصد ايذاء البحر وتلويث الهواء وتخريب الطبيعة وقتل الحيوان، الانسان صنع محميات حتى لا تنقرض الانواع النادرة الفريدة من الحيوانات، الشجرة رفيقة الانسان ولا حياة لها بدونه، أنا أدعو لمسامحته وسأتولى بنفسي تنبيهه لهفواته، سأطلب منه حماية الطبيعة لأنه لا حياة له من غيرنا ولا حياة لنا من غيره، سأبعث للبحر لأحدثه وأرضيه وأهدئه.

انفض المجلس وأسارير الحاضرين مختلفة : بعض الملامح تدل على اليأس ، منها ما تدل على الغيض والندم في نفس الوقت، منها ما تدل على الشك ، ومنها ما تدل على الامل .

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:01 AM

حلم في حديقة الحيوانات



مفيدة ، فتاة طيبة القلب وفية ، جميلة وذكية ، جميع الناس يحبونها لانها تساعد الكل قدر استطاعتها ... غدا اول ايام العطلة الصيفية ، ارادت مفيدة ان يكون اول يوم عطلة لها في حديقة الحيوانات ، طلبت من امها اسية اصطحابها الى الحديقة فوافقت .

من الغد ، ارتدت بطلتنا اجمل ثيابها وحلت شعرها بضفيرة طويلة متناسقة ، ثم تعطرت وخرجت تصحبها امها ، لم تنس طبعا احضار بعض الطعام لها ولوالدتها .

فتشت عن قطع الخبز القديمة التي لم تعد صالحة للاكل لتقديمها للحيوانات ، كانت مفيدة تقف عند كل قفص لتتفرج على ما بداخله ولتقرأ ما هو مكتوب من معلومات عن كل حيوان اسير القفص ، في الغد روت لنا مفيدة تفاصيل زيارتها للحديقة قائلة : اعترضتنا القرود المرحة وقد كانت تمتع الناظرين بحركاتها البهلوانية وهي على عجلة من امرها كانها تقدم عرضا تدربت عليه في السيرك ، دون ان تهمل التقاط ما يرمي به الزائرون في مهارة وسرعة وفي لمح البصر ، كانت تقلدنا في كل ما نفعله ونحن نضحك ، لم اتمالك نفسي امام حركاتها المضحكة فانفجرت ضحكا ، انتقلنا الى قفص الدب فارعبني صوته وكدت اهرب مستغيثة لكن امي اخبرتني انه لا يستطيع تكسير القفص ، اخذت اصيح قائلة : " لا اريد البقاء في هذا المكان فالننتقل الى قفص اخر " ... مررنا على الزرافة ادهشني طولها الخارق ، ومررنا بقفص النمر الذي اعجبت بفروه الرائع وفرو أخيه الفهد ، لكن في نفس الوقت افزعتني انيابهما ومخالبهما .

لن انس طبعا انني مررت حذو الفيل الرمادي مع امي ، لكن ما اذهلني هو دهاء وذكاء ابن اوى و الذئب وصديقه الثعلب الماكر .

من المواقف الطريفة : اني مررت على النعامة فوجدتها مدخلة رأسها في باطن الارض كعادتها ، انها كالطامع "اشعب" لا ينفك عن التطفل على الموائد .

حيرني ظهر الجمل والناقة فاجابتني ماما اسية بقولها : " ان ظهره هكذا يا حبيبتي ليمكن الجلوس عليه بسهولة وهو يدعى "سفينة الصحراء" كما انه اكثر الحيوانات صبرا على الماء ، وعلى ذكر الماء فقد زرت فرس النهر الكبير والضخم الجثة ، واستغربت من ضخامة جثته الأعظم من جثة الثور وزوجته البقرة وصديقتها وجارتها الجاموسة اللاتي يبعدن عنها ببضع امتار … لن انس طبعا زيارة الفقمة صديقة الدلفين وكذلك القرش المخيف الذي يذكرني " بدراكولا " وقصته الخرافية المخيفة حتى ان اعوان الحديقة تركوه منعزلا لخطورته ، كما لن انس اني شاهدت عدة حيوانات مائية اخرى ، كالسمك والحوت الكبير ، وهلما جرا …

بعد هذا التجوال قررت الاستراحة انا وامي ، جلسنا على مقعد امام المراجيح وشرعنا في اكل بعض الطعام الذي احضرناه ، وكنت استعجل الاكل حتى اكملت لمجتي وانطلقت جريا نحو الارجوحة ، اما امي فقد نصحتني بعدم الركض ، والتحول لمشاهدة الخراف والماعز والفئران والقنافد … واذكر ان علاقة صداقة متينة توثقت بيني وبين بطة فقد كنت اطعمها وصديقاتها البطات وجاراتها الوزات والبجعات ينظرن اليها في حسد شزرا ، فانقذتها من غيرتهن وسلمتهن بعض الطعام ، لذلك نظرت إلي بامتنان وشكر .

عند المرور على مأوى الخنازير فضلت الجري والابتعاد عن المكان مع حرصي على سد انفي لاشمئزازي من الروائح الكريهة … عند زيارة الكنغر ظننت انه يلبس سروالا به جيوب لحماية ابنه ، لكن عندما قرات المعلومات عنه فهمت كل شيء .

اطربتني زقزقة العصافير وهديل الحمام وقد سافرت في بحر الموسيقى عند الاستماع لتغريد البلابل ، وتمنيت ان اكون مثل تلك الفراشات ذات الالوان المبهجة الزاهية ، وقد ازدادت ضحكاتي حتى انقلبت على ظهري عند سماع الببغاء وهو يردد اقوالي مباهيا بالوانه الزاهية كمباهاة الطاووس الموجود قربه بريشه الملون .

بقينا وقتا نتـامل الخيول وهي تملأ المكان بصهيلها وكذلك الحمير بنهيقها ، وقد الححت على امي ان تشتري لي دجاجة ، فرخا ، كلبا او ارنبا لكنها اخبرتني ان الحيوانات الموجودة في حديقة الحيوانات ليست للبيع ووعدتني بان تشتري لي حيوانا لطيفا من السوق عند العودة.

كنت طوال الطريق التهم قطع شوكولاطة لذيذة واتسلى ببالونة وقناع مضحك وبعض اللعب اشترتها لي امي من الحديقة ، وكنا نستغرق في الضحك طوال الوقت عندما المح احد الحيوانات واشبهها بشيء مضحك ، دون ان انسى اننا استمتعنا بمنظر نافورة رقراقة جارية .

قبل ان ننتقل الى قفص الاسد وعائلته ذهبنا الى قفص الثعابين وقمنا بلعبة : من يخرج لسانه اكثر ويحدث فحيحا قويا لكن ماما غلبتني في اللعبة …. راجعت كراسي وكل ما كتبته من معلومات على الحيوانات كما اضفت نكتة على التيس ولحيته الطويلة .

حذو قفص الاسد انتابني بعض الخوف وشعرت بانه سيحصل شيء ما ، واذ بالاسد ينفجر غيضا ويحمر وجهه غضبا ويزأر زئيرا عاليا عندما شاهد ضفيرتي بالذات ولا أدري لماذا ... هرب الجميع عند تحطيم الاسد للقفص ، لم اعرف كيف تسمرت في مكاني من الدهشة ... بغتة نما للاسد جناحان ابيضان طارا بهما وحلق بواسطتهما عاليا ماسكا بي من ثيابي تارة ومن ضفيرتي طورا . نظرت تحتي فاخذت ارتجف كالقصبة في مهب الريح واحسست باعضاء جسمي ترتجف وباسناني تصطك ، دارت الدنيا بي وكاد قلبي يخرج من صدري ، جف ريقي ، لكنني بالكاد تمالكت نفسي ، وتمنيت الا اسقط ، وبالطبع لم اصرخ رغم مسكه القوي لشعري حتى لا يفزع الاسد العجيب ويسقطني ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد قادت الاقدار حمامة ازعجت الاسد الطائر ، وعندما اراد الفتك بها سقطت من مخالبه من ارتفاع عال، حمدت الله وشكرته لانني سقطت على كومة قش فوق جبل كبير ، ولم اصب الا بخدوش بسيطة لم تألمني كثيرا ، احسست ان احدا يدفعني الى الامام ، وعلى حين غرة وفي غفلة مني سقطت من قمة الجبل ، عند الوصول اصطدم رأسي بصخرة كبيرة فانفلقت جمجمتي وصرخت صرخة مدوية ، كرر الصدى ندائي كانه يسخر مني ، واذ بي انهض فاجد نفسي في غرفتي مرتمية على الارض واقعة من السرير وقد اصطدم راسي بالمنبه فاخذ يرن رنينا عاليا متواصلا حتى ايقظ جميع افراد العائلة ، صببت عليه جام غضبي وقمت بتانيبه تأنيبا شديدا ، عند ذلك سمعت وقع اقدام ثابتة فارتميت فوق فراشي مخفية المنبه بين طيات ملابسي متظاهرة بالنوم متجنبة وخائفة من غيض امي .

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:02 AM

حارس البسـتان

بقلم الكاتب: محمود البدوى


كان نعمان حارسا لبستان الشيخ سليمان ، وهو بستان كبير غنى بالثمر ومن أشهر البساتين فى الصعيد ، ومنذ ثلاثين سنة ونعمان يحرس هذا البستان .. ولم تحدث فى خلال هذه السنين الطوال حادثة سرقة واحدة ..

كانت المنطقة كلها تعيش آمنة .. كان مرهوبا قوى البطش .. وكان الفلاحون ينسجون حول بندقيته المقصوصة الأساطير .. يقولون أنها تفرش .. وتغرد .. وتنطلق منها النيران فى كل اتجاه .. مع أنه لم تطلق من هذه البندقية رصاصة واحدة ..

وكان الغلامان سعيد وعمار يصطادان البط فى البركة القريبة من البستان عندما انطلقت خرطوشة طائشة من بندقية سعيد فأصابت عمار فسقط والدم ينـزف منه ..

وأصاب الذعر سعيدا فجرى إلى نعمان خفير البستان وقص عليه ما حدث وهو يبكى ويرتعش ..

فهدأ نعمان من روعه وذهب معه إلى المصاب فحمله إلى داخل العريشة .. وأسعفه وربط الجرح وتركه هو وسعيد لزوجته لتعنى بالجريح ولا تدع سعيدا يخرج من البستان حتى لا يتعرض لأى سوء ..

وكانت فلاحة قد بصرت بالمصاب وهو ملقى بجوار البـركة وسعيد يجرى مذعورا .. فطارت إلى أهله وأخبرتهم أن سعيدا قتل عمارا ..

وانتشر الخبر فى القرية بسرعة النار فى الهشيم .. وخرجت عائلة عمار وهى مسلحة بالبنادق ، والشوم ، والهراوات .. لتضرب أى إنسان تجده من عائلة سعيد ..

وكانت عائلة سعيد قليلة العدد وضعيفة بالنسبة لعائلة عمار .. فخشيت أن تفنى جميعا .. وهرب أفرادها فى المزارع ..

وأخذ رجال عمار يزحفون إلى مكان الحادث وفى عيونهم الشر والغضب والجهالة .. ورآهم نعمان خفير البستان وهم يتقدمون .. وأدرك أنهم يريدون قتل الغلام المسكين فتناول بندقيته وتحرك من مكانه حتى أصبح قريبا من الطريق الذى يأتى منه الرجال ..

وجلس هادئا وبندقيته ملقاة بجانبه وكانوا يتقدمون فى سواد يسد عين الشمس ، وعجب للجهالة وللغضب الذى يقلب الإنسان إلى شيطان مجنون .. وتساءل هل جاء كل هؤلاء ليقتلوا غلاما مسكينا لاعصبية له فى القرية ولا عائلة قوية تحميه.

ظل يراقبهم وهم مهرولون ويلوحون بالنبابيت .. ومنهم من كان يجرى فى قلب المزارع ويدوس على بساط البرسيم ..
وعندما لمحوه وهو جالس على رأس الطريق حبسوا من خطوهم إذ ندر أن يترك نعمان البستان فى ليل أو نهار ..

وكانوا كلما اقتربوا منه تمهلوا فى سيرهم حتى سمعوه يقول بصوت خافت وهو ينقر الأرض بعصا صغيرة من البوص ..

ـ لا أحد منكم يعبر الطريق ..

فتوقف الرجال واضطربوا ..

ـ إننا بعيدون عن البستان ونبحث عن سعيد .. لقد قتل عمار ..

ـ أعرف هذا .. ولا أحد منكم يتقدم خطوة ..

فسمر الرجال فى أماكنهم كأنما غشيتهم غاشية .. وقال أحدهم ليخفف من حدة الموقف ..

ـ إننا لانريد به شرا .. وسنسلمه للمركز ..

ـ ليضربه العساكر .. وليصنعوا منه مجرما فى يوم وليلة .. لا ..

ـ ولكنه قاتل ..

ـ انه لم يقتل .. والخرطوشة طائشة .. وهذا يحدث لكل إنسان ..

ـ وأين عمار ؟ .. نريد جثته ..

ـ سأحملها إليكم فى المساء .. والآن اذهبوا .. ومن بقى منكم بعد أن أعد العشرة فسأصرعه ..

وعجب الرجال لتخاذلهم وللضعف الذى طرأ عليهم فجأة وقد كانوا أشد ما يكونون حماسة للانتقام .. ماذا جرى لهم أيخذلهم رجل واحد .. ومنهم من هو أشد بطشا منه وقوة .. وسلاحهم أشد فتكا من سلاحه .. وليس معه سوى بندقية عتيقة مقصوصة .. ربطها بالسلك والدوبارة .. فما سر قوته وجبروته طوال هذه السنين ؟..

وقبل أن تغرب الشمس بصر الفلاحون بنعمان قادما على الجسر وهو يمشى ثابت الخطى بجوار حماره .. وقد وضع على كتفه بندقيته العتيقة .. وكان يركب على الحمار سعيد وعمار وكانا ما زالا صديقين متحابين .. وقد احتضن سعيد عمارا ليمنعه من السقوط .. إذ كان الأخير بادي الاعياء ..

وقال أحد الفلاحين .. بعد أن مر عليهم نعمان :

" أرأيت أننا كنا معتدين وحمقى ؟ .. ولقد انتصر علينا هذا الرجل وحده .. لأنه كان مؤمنا .. يدافع عن غلام مسكين وقد ظل طول حياته .. يحمى الضعفاء .. ويسحق الشر .. أينما كان فأعطاه الله هذه القوة الرهيبة "

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:03 AM

كعكات جدّتي

بقلم: الكاتب: نزار نجار


العيدُ يدقّ الأبوابَ، ويهمس:

- هيّا، يا أطفال، أنا قادم، يومان فقط، وأحلّ ضيفاً عليكم..

نتهيّأ لقدومه، تتهيأ جدّتي أم الطّاهر، يتهّيأ جيراننا، تتهيّأ حارتنا لاستقباله كما يليق الاستقبال..

البيوت في الحارة، كلّ البيوت تستيقظ باكراً، والأطفال ينهضون مع خيوط الفجر الأولى، وأهل الحارة يهرعون إلى فرن النحّاسين، يصلّون الفجر في جامع الأشقر، ثم يقصدون الفرن، يأخذون دوراً عند" أبي صبحي".. والرجل يبلّ قلم ( الكوبيا ) بريقه، ويسجل الأسماء بخطٍّ مرتعش وحروف متشابكة؛ لايفكُّ ارتباطها ولا يعرف تناثر نقاطها غيرُ أبي صبحي نفسه..

ورقة مدعوكة، مقطوعة من دفتر مدرسيّ مسطّر لكنّها- بالنسبة إلينا- ليست ورقة عادية، فهي مطرّزةٌ بالألقاب والأسماء والتوصيات:

- ابو أحمد.. فطائر بالجوز

أم عادل: هريسة بالفستق الحلبي..

أبو علي كرشة .. أقراص مرشوشة بالسمسم أم محمود الطبلة.. صينية صغيرة واحدة..

سعيد الفهمان.. صينية كبيرة..

أمّا جدّتي أم الطّاهر فاسمها لا بدّ أن يكون في رأس الورقة!.

قبقابي يوقظُ النائمين في الحارة، أقفز من الدار إلى الفرن، أقطع الدرجات الحجرية، أجتاز البوابة المعتمة، والزّقاق الصّغير، تتفرّق القطط، تركض بعيدة وقد أزعجها قرع القبقاب، أصير أمام الفرن ، رائحة الخبز الأسمر الطّازج تستقبلني، أرغفةٌ منفوخة كالأقمار المعلّقة على السطوح ، تذوب في الأفواه كما تذوب" غزّولة البنات"..

صوان نحاسية ذات أطرافٍ مدروزة تدخل الفرن أو تخرج منه، وأمام الباب، هناك، يزدحم رجال بحطّاتٍ وقنابيز يحجزون دوراً، نساء قادمات من أطراف الحارة، يجئن مبكّراتٍ ، على رؤوسهنّ أطباق القش الملوّنة، وقد عقدْن المناديل المزركشة وفي عيونهنّ الواسعة لهفة وانتظار.. ترى هل يسبْقن غيرهنّ، ويأخذْنَ أقراص العيد قُبَيل أذان الظّهر

جدّتي تمسح رأسي بكفّها الحانية، وتهمس لي:

- لا يُفرحُ قلبي غيرك.. هيّا.. قمْ.. وخذْ دَوْراً عند أبي صبحي.. كعك العيد- في الصّواني- جاهز..

هذا أنا، أوّل من وصل..

ما أسعدني.. سبقت أولاد الحارة كلّهم، اسم جدّتي أم الطاهر في رأس الصفحة، وكعك جدّتي بحبّة البركة واليانسون يدخل الفرن،...

يتقاطر الأولاد ورائي، حسن وسالم وفادي وعبّودة، ومحمد وأيمن وبشير.. تتألّق عيونهم النّاعسة أمام نور الفرن، يتحلّب ريقهم وهم يَرَوْن الفطائر والهريسة الغارقة في السمن البلدي، والكعك المسمسم، والأقراص المنقوشة..

سهرت جدّتي الليل بطوله مع أمّي وعمّتي من أجل كعك العيد، وجدّي لايحبّ إلاّ كعكات جدّتي.

لا يأكل حلوى إلا من صُنْع يديها.. وأبي كذلك، وأمي وعمّتي وأنا وإخوتي.. والأقارب، والجيران وأهل الحارة..

ما إن يقترب العيد حتى نتحلّق حول الجدّة ما أجمل السهر والسّمر والحكايات التي نسمعها..

ونمدّ أكفّاً صغيرةً منمنمة.. ولا ندري كيف تُرْبَطُ- بعدئذ- في أكياس قماشية، تشدّ جدّتي

وتقول:

- ضمّوا أصابعكم هكذا..

وتحذّر أمّي:

- ارفعوا أيديكم، بعيداً عن الأغطية والملاءات البيض!..

أرفع صوتي محتّجاً:

- ولكنْ.. أكبر كعكة من نصيبي!

تبتسم جدّتي وتهمس في أذني:

- أكبر كعكة يتقاسمها الجميع.. أنت ولد عاقل!

أهزّ رأسي مقتنعاً:

- نعم .. ياجدّتي.. الكعكة الكبيرة لي ولأخوتي..

حكايات جدّتي تحملنا إلى عالم مسحور.. نسافر إلى بلاد مجهولة، نقطع غابة، نتسلّق جبلاً، نعبر نهراً أو بحراً، أو نهبط وادياً أو منحدراً..

الصّواني صارت جاهزة، والكعك الطّازج يخرج من الفرن،جدّتي تفرك كفّيها بلهفة:

- أنت.. منْ يفرحُ قلبي.. كم أحبّك!..

أقفز أمامها..

- أكبر كعكة من نصيبي!

تمسك جدّتي بكفيّ وتقول:

- انتظر.. ليس قبلَ أنْ..

وتساعدها أمي:

- هاتوا أكّفكم يا أولاد!..

وننام تلك الليلة، أكفَّنا مضمومةٌ، وأصابعُنا مأسورة في أكياس جدّتي القماشية، ننام بهدوء بعد أن يئسنا من إظهار مهاراتنا فوق الوسائد والمساند، لا قفز ولا شقلبةَ ولا دحرجة..

وفي الصباح، صباح العيد، نفتح أعيننا مبكّرين، وتحلّ جدّتي عقدة الأكياس، تحرّرُ أصابعنا، فإذا أكفّنا مخضّبةٌ بالحنّاء، تلك نقوش جدّتي النّاعمة السّحرية!..

نفرد أصابعنا أمام وجوهنا، تضيء شموس، وتركضُ نجوم، لقد تلطّخت راحاتنا الوردية برسوم مدهشة، وها نحن نتذوّق مع جدّتي كعكها الّلذيذ.. وأكبر كعكة نتقاسمها جميعاً..

تلك دارنا، فإذا اجتزتم الدرجاتِ الحجرية في أول حارة النحّاسين، وعبرتم البوابة_ هناك ذات القوس القديم، ستجدونني أمام الباب الخشبي، كفّاي ملطّختان بحنّاء جدّتي، وأنا أنتظركم، لتذوقوا كعك الجدّة، ولن تنسوا طعمه أبدأً..

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:03 AM

حكمة الهدهد

بقلم الكاتبة: حنان درويش


دعا الهدهد طيور الغابة منذ الصباح الباكر إلى اجتماع طارئ، وبدا وكأنّ أمراً خطيراً قد وقع، أو هو على وشك الوقوع... فمثل هذه الدعوات لا تحدث إلاّ في حالات نادره.‏

سارعت الطيور تمسح عن عيونها آثار النوم، ومضت في طريقها نحو الساحة الكبيرة، محاولة أن تخمّن سبب هذه الدعوة المفاجئة، وعندما اكتمل الحضور، انبرى الهدهد يتكلّم:‏

- أنتم تعلمون أيّها الأعزّاء أنّ هذه الغابة هي موطننا وموطن آبائنا وأجدادنا، وستكون لأولادنا وأحفادنا من بعدنا.. لكنّ الأمور بدأت تسوء منذ أن استطاعت بندقيّة الصياد الوصول إلى هنا، فأصبحت تشكّل خطراً على وجودنا.‏

- كيف؟.. قل لنا..‏

تساءل العصفور الصغير.‏

- في كلّ يوم يتجوّل الصيادون في الغابة متربصين، ولعلّكم لاحظتم مثلي كيف أخذ عددنا يتناقص، خصوصاً تلك الأنواع الهامّة لهم.‏

مثل ماذا؟‏

تساءل الببغاء‏

- مثل الكنار والهزار والكروان ذات الأصوات الرائعة..‏

ومثل الحمام والدجاج والبط والإوز والشحرور والسمّان ذات اللحم المفيد، والبيض المغذي، ومثلك أيّها الببغاء... فأنت أفضل تسلية لهم في البيوت، نظراً لحركاتك الجميلة وتقليدك لأصواتهم.‏

وقف الطاووس مختالاً، فارداً ريشه الملوّن.. الأحمر، والأصفر، والأخضر، والأسود..‏

قال:‏

- لا بد وأنّك نسيتني أيّها الهدهد، فلم يَردْ اسمي على لسانك، مع أنني أجمل الطيور التي يحبّ الإنسان الحصول عليها، ليزيّن بها حدائقه.‏

- لا لم أنسك، وكنتُ على وشك أن أذكرك... فشكلك من أجمل الأشكال.. ولكنْ حذار من الغرور.‏

قال الحجل بدهاء:‏

- معك حق فيما قلته أيّها الهدهد.. حذار من الغرور. نظر الطاووس نحو الحجل بغضب شديد، اتجّه إليه وهو يؤنّبه:‏

- إنّك لا تقلّ خبثاً عن الثعلب الماكر، ولذا لن أعيرك أيّ اهتمام.‏

حاول الحجل أنْ يردَّ له الإهانة، لكنّ الهدهد هدّأ من حاله قائلاً له:‏

- دعونا الآن من خلافاتكم... فأنتم إخوة ويجب أن لا تنشغلوا عن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا جميعاً.‏

قال الشحرور:‏

- أيها الصديق معك حق.. لقد لامست كبد الحقيقة.. قل لنا ماذا نفعل؟‏

رفع الهدهد وجهه، فاهتزّت ريشاته المغروسة في رأسه... قال:‏

- لقد دعوتكم لنتبادل الرأي في هذا الموضوع.. فليذهب كلّ منكم إلى عشّه الآن، ويأتني غداً في مثل هذا الوقت بالتحديد، وقد حمل إليّ حلاً نستطيع به حماية أنفسنا من بنادق الصيادين

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:04 AM

أحلام صبي

بقلم الكاتبة: جمانة طه



أحس فارس بالضجر من القراءة، ومن حلّ المسائل الحسابية.

فتح التلفاز، وراح يشاهد بعض أفلام الكرتون التي أدخلت الدهشة إلى قلبه، والخيال إلى عقله. فاندمج مع بطل الفيلم الذي كان فارساً من فرسان أيام زمان، يرتدي الدرع ويضع الخوذة على رأسه والقناع على وجهه ويحمل بيده سيفاً طويلاً.

تخيل فارس أنه بطل يدافع عن أخوته وأصدقائه في فلسطين المحتلة.

نادى أمه، وقال: أنا فارس من الفرسان، أريد أن أذهب وأنقذ المظلومين.

قالت لـه أمه: لا تزال صغيراً يا فارس، افعل هذا عندما تكبر.

- أنا ضجر جداً وأريد أن أفعل هذا الآن.

ضحكت أمه، وقالت: إنك لست فارساً، بل صبي صغير.

- ولكني ضجر ومتضايق، وسأذهب الآن بعيداً.

مسحت أمه على رأسه بحنان، وقالت: إذا ذهبت يا صغيري، فسألحق بك إلى أي مكان تذهب إليه.

- إذا لحقتِ بي، فسأصبح سمكة في جدول غزير المياه، وأسبح بعيداً.

- إذا أصبحتَ سمكة في جدول غزير المياه، فسأصير صياداً، وأصطادك.

- إذا صرتِ صياد سمك، فسأصبح أنا صخرة على جبل عال، ولن تتمكني من الوصول إلي.

- إذا أصبحتَ صخرة على جبل عالٍ، فسأتعلم كيف أتسلق الجبل، وأتبعك أينما كنت.

- إذا تسلقتِ الجبل، فسأختبئ في حديقة بعيدة عن الأنظار.

- إذا اختبأتَ في حديقة بعيدة عن الأنظار، فسأصبح بستانياً وأجدك.

- لن تستطيعي، لأني سأتحول إلى طائر وأحلق بعيداً في السماء.

- إذا تحولتَ إلى طائر، فسأصبح شجرة تأتي إليها، وترتاح على أغصانها.

- إذا أصبحتِ شجرة، فسأصير قارباً صغيراً وأبحر بعيداً.

- إذا صرتَ قارباً صغيراً، فسأصير ريحاً وأحرك قاربك إلى حيثما أشاء.

- عندها سألتحق بسيرك، ألعب على الأرجوحة وأطير من طرف إلى طرف.

- إذا التحقتَ بسيرك، فسأصير لاعبة سيرك، أمشي في الهواء على حبل مشدود، وأصل إليك.

- إذاً سأصبح أرنباً، وأقفز في الغابة من مكان إلى مكان آخر.

- إذا أصبحتَ أرنباً، فسأصير حقلاً من الجزر لتأكل منه ما تشاء.

سكت الصبي برهة، ثم قال: في هذه الأحوال من الأفضل لي، أن أبقى في البيت كما أنا.

ردت عليه أمه: وستجدني دائماً بقربك يا صغيري، أرعى شؤونك، وأسهر على راحتك، وأبعد عن نفسك الضجر.

قبَّل الصبي أمه، فقبلته وضمته إلى صدرها في عناق حنون.

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:04 AM

من أجل قطرة ماء

بقلم الكاتبة: لبنى ياسين



طق... طق... طق ... يكاد رأسه ينفجر وتدوي الضربات فوق دماغه بطريقة مرعبة ... وضع الوسادة فوق رأسه عله يهرب من هذا الصوت المزعج إلا انه لم يفلح ...طق ...طق... طق ... اللعنة على هذا الصنبور, منذ شهور وهو ينقط بالطريقة نفسها إلا أنها المرة الأولى التي يزعجه فيها ذلك فعلا ... ربما كان السبب في ذلك طفلاه اللذان فاجآه وهو يغسل سيارته, فأخذا يرميان في وجهه بحماس وأدب كل ما قالته لجنة ترشيد المياه والتي كانت لحظه العاثر في زيارة للمدرسة في أسبوع التوعية لتعليم الأطفال فوائد الترشيد كي تطلعهم على مضار هدر المياه بطريقة مستهترة, طق... طق ...طق ... يا لهذه القيلولة المزعجة, يكاد رأسه ينفجر والصنبور يرفض أن يغلق فمه مبتلعا صرخة الاستغاثة المشؤومة التي كانت تنطلق من فمه دون استجابة, بينما تتردد الآية الكريمة التي زرعها ابنه في رأسه ناصحاً "إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين ", وأخيرا وبعد حرب ضروس بين رأسه وأذنيه وصنبور الماء استكان مستسلما لإغفاءة هو في أمس الحاجة إليها.

الصنبور مرة أخرى وهو ينقط في وعاء كبير هاجمه في الحلم, امتلأ الوعاء حتى بدأ الماء بالسيلان عن حوافه, ثم تضخم و تضخم وعاء الماء حتى وجد نفسه فجأة في لجة أمواج عاتية قزما يحاول النجاة بحياته, لم يستطع أن يقاوم لأمواج التي تتقاذفه يمنة ويسرى وترفعه تارة فوقها ثم ترميه تارة أخرى في عمق جسدها الغاضب وهو عاجز عن فعل أي شئ ... حتى الصراخ, فجأة رمت به موجة ضخمة على الشاطئ الرملي, تلفت حوله فإذا بالرمال تحيط به من كل صوب وقد كشفت الشمس عن نواجذها بينما اختفى الماء تماما كأنه لم يكد يغرق فيه منذ لحظة, بدأ يتصبب عرقا من شدة اللظى القادم من قرص الشمس, تلفت يمنة ويسرى عـله يرى ولو جدول ماء صغيراً إلا أن المكان كان صحراء قاحلة ...على امتداد النظر لم يكن ثمة كائن غيره برفقة الشمس والسماء والرمال المشتعلة بلهيب الشمس... لا شئ مطلقا سواهم.

شد قدميه شداً ليُخرج نفسه من هذا المكان, إلا انه لم يكن هناك أية إشارة لوجود كائن حي واحد ولا حتى شجرة صغيرة يحتمي بها من أشعة الشمس الحارقة, بينما بلغ العطش مبلغه وجف حلقه وتيبست شفتاه, قال في نفسه: قد ادفع نصف عمري الآن من أجل كأس واحد من الماء لكن أحداً لن يرغب بهذا الثمن أو غيره إذ لا أحد مطلقا سواه في هذا المكان .

اشتد عطشه اكثر ... لم يعد يستطيع التنفس ... أحس انه يوشك على الاختناق ودارت في خلده ذكريات كان فيها الماء متوفرا بشكل مريح ... لم يكن يعلم أن الماء ثمين إلى هذا الحد ... تذكر سيارته التي كان يرويها بمئات الليترات من الماء لتبدو لامعة ... لو أن كأسا واحدا من هذه الليترات يأتيه الآن وسيدفع مقابله كل ثروته ... إلا أن شيئا من هذا لم ولن يحصل ...هربت من عينه دمعة رسمت طريقا لها على خده ... فكر في نفسه ملهوفاً إنها قطرة ماء ومد لسانه صوبها في محاولة لاصطيادها علها تخفف من لوعة الكبد لقطرة ماء ... هل كان الماء غاليا حتى هذا الحد ؟؟؟

نزلت من عينه دمعة أخرى كان يحاول اصطيادها عندما رنت الساعة معلنة انتهاء قيلولته, فتح عينيه فإذا هو في المنزل وإذا بالصحراء كابوسا دمرته رنة الساعة, لكن صنبور الماء ما زال ينقط ... طق... طق... طق... ودون أدنى تفكير هرول نحو الهاتف يطلب السمكري ليقوم بإصلاح الصنبور وفحص بقية أنابيب المياه .

أرب جمـال 2 - 6 - 2012 04:05 AM

الأرنوب

بقلم الكاتب: د. أسد محمد


مرّ فيل ضخم وسط بيوت الأرانب فهدم بيت الأرنب الكبير ، انزعج الجميع من أجله، و قرروا مساعدته في بناء بيت جديد له ، رفض قائلا:

- إن الطقس بارد و لا احتمل الانتظار حتى تبنوا لي بيتا جديداً .

حاولوا أن يفهموا منه ماذا يريد، و اقترحوا عليه أن يجهزوا له البيت المهجور مؤقتاً، فقال لهم:

- أنا الأرنب الكبير وتريدونني أن أنام في بيت مهجور وغير نظيف.

قدموا له عدة اقتراحات أخرى، تظاهر بالغضب وابتعد عنهم، تفقد البيوت مساءً فأعجبه بيت الأرنوب النشيط،ودون أن يسأله، دخل البيت وقال:

- هذا بيتي الجديد، هيا اخرج منه.

تدخلت الأرانب وقالت:

- البيت للأرنوب ولا يحق لك أخذه.

هزّ رأسه ساخراً، وقال،

- لن أسمح له بالدخول إليه أبدا.

تجنبت الأرانب الدخول معه في خلاف لأنهم يعرفون جيداً قوته و المشاكل التي يمكن أن يسببها في حال غضبه، تدخل الأرنوب، وقال:

- قد يغضب ويؤ ذيننا جميعاً، سأبني بيتا جديداً.

اختار المكان وبدأ يحفر وكراً، فجآت الأرانب وساعدته، وتمكن من بناء بيت بسرعة كبيرة، شكرهم على مساعدته، عاشت الأرانب بعد ذلك بسلام، لكن الأرنب الكبير انزعج وظن أنهم تحدوه بسبب مساعدتهم للأرنوب، واعتقد أنهم لا يزورونه بسبب انزعاجهم منه.

فيما بعد أوضحت له الأرانب أنهم كانوا منشغلين بجمع الطعام لذا لم يتمكنوا من زيارته، لم يقتنع بكلامهم، وقال في نفسه:

- لا يزالون غاضبين مني، وسأعاقبهم.

اندفع مساء اليوم التالي واحتل بيت الأرنوب النشيط وطرده منه، ثم نام فيه، توقع في الصباح أن مشكلة ستحدث وسيخرب على الأرانب حياتهم الآمنة، لكن الأرنوب ترك الأمر سراً كي لا يزعج أحداً، تصرف بذكاء ونام في بيته القديم الذي أخذه منه الأرنب، وهكذا راح الأرنوب ينتظر حتى ينام الأرنب في أحد البيتين، ثم ينام في الآخر، وقال:

- لقد أصبح لي بيتان: بيت قديم و بيتي الجديد.

بعد فترة سأل الأرنب الكبير نفسه:

- لماذا لم تحدث أية مشكلة؟ و أين ينام الأرنوب؟

راقب الأرنوب واكتشف السر، فقرر أن يمنعه، ووقف في منتصف المسافة بين البيتين، وقال:

- سأحرسهما جيدا، وأنام هنا، أو الأفضل أن أبني بيتا بينهما، وأمنعه من النوم في بيتي.

فكر في الأمر قليلا وتابع:

- لن أتمكن من بنائه وحدي، و لن يساعدوني.

وقف مساءً بين البيتين، أحس الأرنوب بما يخطط له الأرنب وبأنه سيمنعه من النوم، فراقبه حتى تعب ونام، ثم تسلل ونام في بيته، وعندما علم الأرنب بذلك، اعترف أن الأرنوب النشيط أذكى منه ، وبأن خطته فشلت، فكر في الأمر طويلاً، وأخيرا قال:

- يكفيني بيت واحد، ولا يمكنني النوم في بيتين في الوقت نفسه.


الساعة الآن 01:13 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى