منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1959)

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:57 AM



محمد بن إسماعيل بن نصر محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر الرئيس المتوثب على الملك وحي كرسي الإمارة وعاقد صفقة الخسران المبين يكنى أبا عبد الله‏.‏

أوليته معروفة‏.‏

حاله ‏:‏ من نفاضة الجراب وغيره كان شيطانًا ذميم الخلق حرفوشًا على عرف المشارقة متراميًا للخسائس مألفًا للدعرة والأجلاف والسوار وأولى الريب خبيثًا كثير النكر منغمسًا في العهن كلفًا بالأحداث متقلبًا عليهم في الطرق خليع الرسن ساقط الحشمة كثير التبذل قواد عصبة كلاب معالجًا لأمراضها مباشرًا للصيد بهما راجلًا في ثياب منتاب الشعر من الجلود والسوابل والأسمال عقد له السلطان على بنته لوقوع القحط في رجال بيتهم ونوههه بالولاية وأركبه وأغضى له عن موبقات تقصر به إلى أن هلك وحاد الأمر عن شقيق زوجه واستقر في أخيه وثقل على الدولة لكراهة طلعته وسوء الأحدوثة به فأمر بترك المباشرة والدخول للقلعة وأذن له في التصرف في البلد والفحص وأبقيت عليه النعمة فداخل أم زوجه وضمن لها تمام الأمر لولدها وأمدته بالمال فنظر من المساعير شيعةً من كسرة الأغلاق وقتلة الزقاق ومختلسي البضائع ومخيفي السابلة واستضاف من أسافلة الدولة من آسفته بإقصار قصد أو مطل وعد أو حط رتبة أو عزل عن ولاية فاستظهر منهم بعدد ولا كالشقي الدليل الموروي الغريب الطور وإبراهيم بن أبي الفتح المنبوذ بالإضليع قريع الجهل ومستور العظيمة وارتادوا عورة القلعة فاهتدوا منها إلى ما شاءوا وتألفوا بخارج ثم تسللوا ببطن الوادي المعروف بهداره إلى أن لصقوا بجناح السور الصاعد الراكبة قوسه جرية النهر وصعدوا مساوقين جناحه المتصل بسور القلعة وقد نقص كثير من ارتفاعه لحدثان إصلاح فيه فتسوروه عن سلم ودافع بعض محاربيهم بعضًا في استباق أدراجه فدخلوا البلد في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان عام ستين وسبعمائة ثم استغلظوا بالمشاعل وقتلوا نائب الملك رضوانًا النصري سايس الأمر وبقية المشيخة واستخرجوا السلطان الذي هو يزيفه فنصبوه للناس وتم الأمر بما دل على احتقار الدنيا عند الله وانخرط هذا الخب في طور غريب من التنزل للسلطان والاستخدام لأمه والتهالك في نصحه وخلط نفسه فيه وتبذل في خدمته يتولى له الأمور ويمشي في زي الأشراط بين يديه ويتأتى لشهواته ويتظاهر بحراسته‏.‏

ولما علم أن الأمر يشق تصيره إليه من غير واسطة بغير انقياد الناس إليه من غير تدريج كاده فألطف الحيلة في مساعدته على اللذات وإغرائه بالخبائث وشغله بالعهر وقتله بالشهوات المنحرفة وجعل يترأ من دنيته وينفق بين الناس من سلع اغتيابه ويرى الجماهير الإنكار لصنيعه ويزين لهم الاستعاضة منه بعد ما غلظت شوكته وضم الرجال إلى نفسه موريًا بحفظه والاستظهار على صونه‏.‏

وفي الرابع من شعبان عام أحد وستين وسبعمائة ثار به في محل سكناه في جواره واستجاش أولياء غدره وكبس منزله مداخلا للوزير المشئوم عاقدًا معه صفقة الغدر‏.‏

وامتنع السلطان بالبرج الأعظم فاستنزله وقتله كما مر في اسم المذكور قبل واستولى على الملك فلم يختلف عليه اثنان واشتغل طاغية الروم بحرب كان بينه وبين القطالنيين فتمالأ لمسالمته فاغتبط الصنيع وتهنا المنحة وتشطط على الروم في شروط غير معتادة سامحوه بها مكيدة واستدراجًا واجتاز أمير المسلمين المصاب بغدره إلى الأندلس طالبًا لحقه ومبادرًا إلى رد أمره فسقط في يده ووجه الجيش إليه بمثواه من بلد رندة فانصرف عنها خائبًا ورجع أدراجه يشك في النجاة وتفرغ إليه الطاغية ففض عليه جمه وقد أجرت عليه شوكته وقيعةً نصر الله فيها الدين وأملى لهذا الوغد فلم يقله العثرة بعدها‏.‏

ونازل حصونه المهتضمة واستولى على كثير منها وحام فلم يصحر غلوة وأكذب ما موه به من البسالة‏.‏

وظهر للناس بلبس الصوف وأظهر التوبة على سريرة دخلة وفسق مبين وقل ما بيده ونفد بيت ماله فلم يجد شيئًا يرجع إليه من بعد ما سبك الآنية والحلية وباع العقار لبتذيره وسحه المال سحًا في أبواب الأراجيف والاختلاف والبهج بالغنا فشرف الإنقاب إلى الفرار وأزمع إلى الانسلال‏.‏

وعندما تحرك السلطان إلى غربي مالقة ونجع أهلها بطاعته ودخلوا في أمره وسقط عليه الخبر‏.‏

اشتمل على الذخيرة جمعاء وهي التي لم تشتمل خزائن الملوك مطلقًا على مثلها من الأحجار واللؤلؤ والقصب والتف عليه الجمع المستميت جمع الضلال ومرد الغي وخرج عن المدينة ليلة الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة‏.‏

وصوب وجهه إلى سلطان قشتالة مكظومٌ تجنيه وموتور سوء جواره من غير عهد إلا ما أمل من التبقي عنده من التذميم به وضمان إتلاف الإسلام واستباحة البلاد والعباد بنكرته‏.‏

ولما استقر لديه نزله تقبض عليه وعلى شر ذمته المنيفة على ثلاثمائة فارس من البغاة كشيخ جنده الغربي إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق ومن سواه تحصل بسببهم بيد الطاغية كل ما تسمو إليه الآمال من جواد فاره أومنطقة ثقيلة وسلاح محلي وجوشن رفيع ودرع حصينة وبلبلة منيعة وبيضة مذهبة وبزة فاخرة وصامت عتيد وذخيرة شريفة فتنخل منهم متولي التسور فجعلهم أسوة رأسهم في القتل خر بعضهم يومئذ على بعض في القتل وأخذتهم السيوف فحلوا بعد الشهرة والتمثيل في أزقة المدينة وإشاعة النداء في الجزيرة ثاني رجب من العام المؤرخ به وركب أسوق سايرهم الأداهم واستخلصهم الإسار وبارد بتوجيه رؤسهم فنصبت من فوق العورة التي كان منها تسورهم القلعة فمكثت بها إلى أن استنزلت وووريت وانقضى أمره على هذه الوتيرة مشئومًا دبيرًا لم يمتعه الله بالنعيم ولا هناه سكنى المحل الكريم ولا سوغه راحة ولا ملأه موهبة ولا أقام على فضله حجة ولا أعانه على زلفة إنما كان رئيس السراق وعريف الخراب وإمام الشرار ندر يوماص في نفسه وقد رفعت إليه امرأة من البدو تدعى أنها سرقت دارها قال‏:‏ إن كان ليلا بعد ما سد باب الحمراء علي وعلى ناسي فهي والله كاذبة إذ لم يبق سارق في الدنيا أو في البلاد إلا وقد تحصل خلفه وقانا الله المحن وثبتنا على مستقر الرشد ولا عاقنا عن جادة الاستقامة‏.‏

وزراء دولته استوزر الوزير المشئوم ممدهً في الغي الوغد الجهول المرتاش من السرقة الحقود على عباد الله لغير علة عن سوء العاقبة المخالف في الأدب سنن الشريعة البعيد عن الخير بالعادة والطبيعة دودة القز وبغل طاحونة الغدر وزق القطران محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري فانطلقت يده على الإبشار ولسانه على الأعراض وعينه على النظر الشزر وصدره على التأوه والرين يلقى الرجال كأنه قاتل أبيه محدقًا إلى كميه يحترش بهما خبيئة أو يظن بهما رشوة فأجاب الله دعاء المضطرين ورغبات السائلين وعاجله بالأخذة الرابية والبطشة القاضية فقبض عليه في ليلة السبت العاشر لرمضان من العام المذكور وعلى ابن عمه العصر فوط وعلى الحيرا من نواهض بيتهما وأنفذ الأمر بتعريضهم فمضى حكم الله بهذه المنية الفرعونية فيهم لا تبديل لكلمات الله قاهر الجبابرة وغالب الغلاب وجاعل العاقبة للمتقين‏.‏

واستوزر بعده أولى الناس وأنسبهم إلى دولته وأحقهم بمظاهرته المسوس الجبار اليأس والفطرة المختبل الفكرة القيل المرجس الحول الشهير الضجر محمد بن علي بن مسعود فميا يلي الناس على طول الحمرة وانفساح زمان التجربة أسوأ تدبيرًا ولا أشر معاملة ولا أبذأ لسانًا ولا أكثر شكوى ومعاتبة ولا أشح يدًا ولا أجدب خوانًا من ذلك المشئوم بنعق البوم ينعق بما لا يسمع ويسرد الأكاذيب ويسيء السمع فيسيء الإجابة ويقود الجيش فيعود بالخيبة إلى أن كان الفرار فصحبه إلى مصرعه وكان ممن استؤثر به القيد الثقيل والأسر الشديد والعذاب الأليم عادة بذلك عبد المالاخوينا التي كان يحجب سمتها زمان ترفيهه فقضت عليه سيء الميتة مطرح الجثة‏.‏

سترنا الله بستره ولا سلبنا في الحياة ولا في الممات ثوب كاتب سره صاحبنا الفقيه الأهوج قصب الريح وشجرة الخور وصوت الصدى أبو محمد عبد الحق بن عطية المستبد بتدبير الدبير خطًا فوق الرقاع الجاهلة ومسارةً في الخلوات الفاسقة وصدعًا فوق المنابر الكبيبة بحلة لث الراية ويذب عنه ذب الوالدة ينتهي في الاعتذار عن هناته إلى الغايات القاصرة‏.‏

قضاته شيخنا أبو البركات قيس ليلى القضاء المخدوع بزخرف الدنيا على الكبرة والعناء لطف الله به وألهمه رشده‏.‏

شيخ الغزاة على عهده‏:‏ إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق بن محيو بقية بيت الدبرة ووشيجة الشجرة المجتثة عذب في الجملة من أهل بيته عند القبض عليهم واستقر في القبض الأشهب من قبيله بالمغرب مطلق الإقطاع مرموقًا بعين التجلة مكنوفًا بشهرة الأب إلى أن سعى به إلى السلطان نسيج وحده فارس بن علي واستشعر البث فطار به الذعر لا يلوي عنانًا حتى سقط بإفريقية وعبر البحر إلى ملك برجلونة ثم اتصل بالدولة النصرية بين إدالة الغدر وإيالة الشر فقلده الدائل مشيخة الغزاة ونوه به فاستراب معزله يحيى بن عمر ففر إلى أرض الروم حسبما يذكر في اسمه فقام له بهذا الوظيف ظاهر الشهرة والأبهة مخصوصًا منه بالتجلة إلى أن كان ما كان من إزمانه وفراره فوفى له وصحبه ركابه وقاسمه المنسجة شق الأبلة واستقر بعد قتله أسيرًا عانيًا علق الدهر لضنانة العدو بمثله إلى أن أفلت من دون الأغلاق وشد الوثاق ولحق بالمسلمين في خبر لم يشتمل كتاب الفرج بعد الشدة على مثله والأغراب منه يستقر في اسمه إلماعٌ به ثم استقر بالمغرب معتقلا‏.‏

ثم مات رحمه الله‏.‏

من كان على عهده من الملوك‏:‏ وأولًا بمدينة فاس دار ملك المغرب السلطان الخير الكريم الأبوة المودود قبل الولاية اللين العريكة الشهير الفضل في الحياة آية الله في إغراب الصنع وإغراب الإدبار أبو سالم إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أمير المسلمين المترجم به في حرف الألف‏.‏

ولما قتل يوم الحادي والعشرين لذي قعدة من عام اثنتين وستين قام بالأمر بعده أخوه المتحيل أبو عامر تاشفين بن علي إلى أواخر صفر عام ثلاثة وستين ولحق بالبلد الجديد الأمير أبو محمد زيان بن الأمير أبي عبد الرحمن بن علي بن عثمان المترجم به في بابه ثم المتولي من عام ثمانية وستين وسبعمائة السلطان أبو فارس عمه المؤمل للم الشعث وضم النشر وتجديد الأمر بحول الله ابن السلطان الكبير المقدس أبي الحسن بن سعيد بن يعقوب بن عبد وبتلمسان الأمير أبو حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمر اسن بن زيان‏.‏

وبإفريقية الأمير الخليفة على عرفهم إبراهيم بن أمير المؤمنين أبي يحيى ابن حفص‏.‏

وبقشتالة بطره بن ألهنشة بن هراندة بن شانجه المصنوع له ولي النعمة منه ومستوجب الشكر من المسلمين لأجله بإراحته منهم‏.‏

وبرغون بطره بن شانجه‏.‏

وبرندة مزاحمه بالملك الفخم أمير المسلمين حقيقة المرتب الحق المعقود البيعة وصاحب الكرة وولي حسن العاقبة مجتث شجرته الخبيثة وصارخ إيالته الدنية أبو عبد الله محمد بن أمير المسلمين أبي الحجاج بن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر‏.‏

مولده مولد هذه النسمة المشئومة أول يوم من رجب عام اثنين وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وفاته توفي قتيلًا ممثلا به بطيلاطه من ظاهر إشبيلية في ثاني من رجب عام ثلاثة وستين وسبعمائة وسيقت رؤوس أشياعه الغادرين مع رأسه إلى الحضرة فصلبت بها‏.‏

وفي ذلك قلت‏:‏ لا خلفت ذكرًا ولا رحمةً في فم إنسانٍ ولا في فؤاد محمد بن إسماعيل بن يوسف محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن خميس بن نصر الخرزجي أمير المسلمين بالأندلس بعد أبيه رحمه الله‏.‏

أوليته‏:‏ معروفة‏.‏

حاله كان معدودًا في نبلاء الملوك صيانة وعزًا وشهامة وجمالًا وخصلًا عذب الشمائل حلوًا لبقًا لو ذعيًا هشًا سخيًا المثل المضروب به في الشجاعة المقتحمة حد التهور حلس ظهور الخيل وأفرس من جال على ظهورها لا تقع العين وإن غصت الميادين على أدرب بركض الجياد منه مغرمًا بالصيد عارفًا بسمات السقار وشتات الخيل يحب الأدب ويرتاح إلى الشعر وينبه على العيون ويلم بالنادرة الحارة‏.‏

أخذت له البيعة يوم مهلك أبيه وهو يوم الثلاثاء السابع والعشرين لرجب من عام خمسة وعشرين وسبعمائة‏.‏

وناله الحجب واشتملت عليه الكفالة إلى أن شب وظهر وفتك بوزيره المتغلب على ملكه وهو غلام لم يبقل خده فهيب شأنه ورهبت سطوته وبرز لمباشرة الميادين وارتياد المطارد واجتلاء الوجوه فكان ملء العيون والصدور‏.‏

ذكاؤه حدثني القائد أبو القاسم بن الوزير عبد الله بن عيسى وزير جده قال تذوكر يومًا بحضرته تباين قول المتنبي‏:‏ ألا خدد الله ورد الخدود وقد قدود الحسان القدود وقول امرىء القيس‏:‏ وإن كنت قد ساءتك مني خليقةً فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقول إبراهيم بن سهل‏:‏ أني له من دمي المسفوك معتذرًا أقول حملته في سفكه تعبا فقال رحمه الله بديهة‏:‏ بينهما ما بين نفس ملك عربي وشاعر ونفس يهودي تحت الذمة وإنما تتنفس بقدر همتها أو كلامًا هذا معناه‏.‏

ولما نازل مدينة قبرة ودخل جفنها عنوة ونال قصبتها ورماها بالنفط وتغلب عليها وهي ما هي عند المسلمين وعند النصارى من الشهرة والجلالة بادرناه نهنيه بما نسق له فزوي وجهه عنا وقال ماذا تهنونني به كأنكم رأيتم تلك الخرقة بكذا يعني العلم الكبير في منار إشبيلية فعجبنا من بعد همته ومرمى عزمه‏.‏

شجاعته أقسم أن يغير على باب مدينة بيانة في عدة قليلة عينها الميمن فوقع البهت وتوقعت الفاقرة لقرب الصريخ ومنعة الحوزة وكثرة الحامية واتصال تخوم البلاد ووفور الفرسان بذلك الصقع وتنخل أهل الحفاظ وهجم على باب الكفار نهارًا وانتهى إلى باب المدينةن وقد برزت الحامية وتوقع فرسان الروم الكمناء فأقصروا عن الإحصار وحمى المسلمون فشد عليهم فأعطوهم الضمة ودخلوا أمامهم المدينة ورمي السلطان أحد الرجال الناشبة بمزراق كان بيده محلى السنان رفيع القيمة وتحامل يريد الباب فمنع الإجهاز عليه وانتزاع الرمح الذي كان يجره خلفه وقال اتركوه يعالج به رمحه أن كان أخطأته المنية وقد أفلت من أنشوطة خطر عظيم‏.‏

جهاده ومناقبه كان له وقائع في الكفار على قلة أيامه وتحرك ونال البلاد وفتح قبرة ومقدم جيش العدو الذي بيت بظاهرها وأثخن فيه وفتح الله على يده مدينة باغوة وتغلب المسلمون على حصن قشتالة ونازل حصن قشرة بنفسه لدى قرطبة فكاد أن يتغلب عليه لولا مددٌ اتصل للنصارى به‏.‏

وأعظم مناقبه تخليص جبل الفتح وقد أخذ الطاغية بكظمه ونازله على قرب العهد من تلك المسلمين إياه وناخ بكلكله وهد بالمجانيق أسواره فداري الطاغية واستنزل عزمه وتحفه ولحق في موضع اختلاله إلى أن صرفه عنه وعقد له له صلحًا ففازت به قداح الإسلام وتخلصه من بين ناب العدو وظفره فكان الفتح عظيمًا لا كفاء له‏.‏

بعض الأحداث في دولته‏:‏ وفي شهر المحرم من عام سبعة وعشرين وسبعمائة نشأت بين المتغلب على دولته وزيره وبين شيخ الغزاة وأمير القبائل العدوية عثمان بن أبي العلاء الوحشة وألحقت ربحها السعايات فصبت على المسلمين شؤبوب فتنة عظم فيهم أثرها معاطبًا وسئم الانصراف عن الأندلس فلحق بساحل ألمرية وأحوزته المذاهب وتحامت جواره الملوك فداخل أهل حصن أندرش فدخل في طاعته ثم استضاف إليه ما يجاوره فأعضل الداء وتفاقمت اللأواء وغامت سماء الفتنة واستنفد خزائن الأموال المستعدة لدفاع العدو واستلحق الشيخ أبو سعيد عم السلطان وقد استقر بتلمسان فلحق به وقام بدعوته في أخريات صفر عام سبعة وعشرين وسبعمائة واغتنم الطاغية فتنة المسلمين فنزل ثغربيرة ركاب الجهاد وشجى العدو فتغلب عليه واستولى على جملة من الحصون التي تجاوره فاتسع نطاق الخوف وأعيى داء الشر وصرف إلى نظر ملك المغرب في أخريات العام رندة ومربلةً وما يليهما وترددت الرسائل بين السلطان وبين شيخ الغزاةن فأجلت الحال عن مهادنة ومعاودة للطاعة فصرف أميرهم أدراجه إلى العدوة وانتقلوا إلى سكنى وادي آش على رسم الخدمة والحماية على شروط مقررة وأوقع السلطان بوزيره وأعاد الشيخ إلى محله من حضرته أوائل عام ثمانية وعشرين بعده واستقدم القائد الحاجب أبا النعيم رضوان من أعاصم حباليه قتيله فقام بأمره أحسن قيام‏.‏

وعبر البحر بنفسه بعد استقرار ملكه في الرابع والعشرين من شهر ذي حجة من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة فاجتمع مع ملك المغرب السلطان الكبير أبي الحسن بن عثمان فأكرم نزله وأصحبه إلى الأندلس وحباه بما لا يحب به ملك تقدمه من مغربيات الخيل وخطير الذخيرة ومستجاد العدة ونزل الجيش على أثره جبل الفتح وتوجه الحاجب أبو النعيم بأكبر إخوة السلطان مظاهرًا على سبيل النيابة وهيأ الله فتحه ثم استنقاذه بلحاق السلطان ومحاولة أمره كما تقدم فتم ذلك يوم الثلاثاء الثاني عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وزراء دولته وزر له وزير أبيه وأخذ له البيعة وهو مثخن بالجراحات التي أصابته يوم الفتك بأبيه السلطان أبي الوليد ولم ينشب أن أجهز جرح تجاوز عظم الدماغ بعد مصابرة ألم العلاج الشديد حسبما يأتي في اسمه وهو أبو الحسن علي بن مسعود بن يحيى بن مسعود المحاربي وترقى إلى الوزارة والحجابة وكيل أبيه محمد بن أحمد المحروق من أهل غرناطة يوم الإثنين غرة شهر رمضان من عام خمسة وعشرين وسبعمائة ويأتي التعريف بهم‏.‏

ثم اغتيل بأمره عشي ثاني يوم من محرم فاتح تسعة وعشرين وسبعمائة‏.‏

ثم وزر له القائد أبو عبد الله بن القائد أبي بكر عتيق بن يحيى بن المول من وجوه الدولة وصدور من يمت بوصله إلى السابع عشر من رجب من العام ثم صرف إلى العدوة وأقام رسم الوزارة والحجابة والنيابة أبو النعيم مولى أبيه إلى آخر مدته بعد أن التأث أمره لديه وزاحمه بأحد المماليك المسمى بعصام حسبما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله‏.‏

رئيس كتابه‏:‏ كتب له كاتب أبيه قبله وأخيه بعده شيخنا نسيج وحده أبو الحسن علي بن الجياب الآتي ذكره في موضعه إن شاء الله‏.‏

قضاته استمرت الأحكام لقاضي أبيه أخي وزيره الشيخ الفقيه أبي بكر بن مسعود رحمه الله إلى عام سبعة وعشرين وسبعمائة ووجهه رسولًا عنه إلى ملك المغرب فأدركته وفاته بمدينة سلا فدفن بمقبرة سلا‏.‏

رأيت قبره بها رحمه الله‏.‏

وتخلف ابنه أبا يحيى مسعود عام أحد وثلاثين وسبعمائة وتولى الأحكام الشرعية القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن بكر الأشعري خاتمة الفقهاء وصدر العلماء رحمة الله فاستمرت له الأحكام إلى تمام مدة أخيه بعده‏.‏

أمه رومية اسمها علوة وكانت أحظى لداتها عند أبيه وأم بكره إلى أن نزع عنها في أخريات أمره لأمر جرته الدالة وتأخرت وفاتها عنه إلى مدة أخيه‏.‏

من كان على عهده من الملوك بأقطار المسلمين والنصارى‏:‏ فبفاس السلطان الكبير الشهير الجواد خدن العافية وحلف السعادة وبحر الجود وهضبة الحلم أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق الذي بذل المعروف وقرب الصلحاء والعلماء وأدنى مكانهم وأعمل إشارتهم وأوسع بأعطيته المؤمنين المسترفدين وعظم قدره واشتهر في الأقطار صيته وفشا معروفه وعرفت بالكف عن الدماء والحرمات عفته إلى أن توفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة عام أحد وثلاثين وسبعمائة ثم صار الأمر إلى ولده السلطان مقتفي سننه في الفضل والمجد وصخامة السلطان مبرًا عليه بالبأس المرهوب والعزم الغالب والجد الذي لا يشوبه هزل والاجتهاد الذي لا يتخلله راحة الذي بعد مداه وأذعن لصولته عداه واتصلت ولايته مدته ومعظم مدة أخيه الوالي بعده‏.‏

وبتلمسان الأمير عبد الرحمن بن موسى بن يغمر اسن ومن بني عبد الواد مشيد القصور ومروض الغروس ومتبنك الترف واتصل إلى تمام مدته وصدرا من مدة أخيه بعده‏.‏

وبتونس الأمير أبو يحيى أبو بكر بن الأمير أبي زكريا بن الأمير أبي إسحاق لبنة تمام قومه وصقر الجوارح من عشه وسابق الجياد من حلبته إلى تمام المدة وصدرًا كبيرًا من دولة أخيه بعده‏.‏

ومن ملوك النصارى ملك على عهده الجفرتين القنيطية والتاكرونية الطاغية المرهوب الشبا المسلط على دين الهدى ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفتش بن هراندة الذي احتوى على كثير من بلاد المسلمين حتى الجفرتين واتصلت أيامه إلى أخريات أيام أخيه وأوقع بالمسلمين على عهده وتملك الجزيرة الخضراء وغيرها‏.‏

وبرغون ألفنش بن جايمش بن ألفنش بن بطره بن جايمش الذي استولى على بلنسية ودام إلى آخر مدته وصدرًا من مدة أخيه‏.‏

وقد استقصينا من العيون أقصى ما سح به الاستقصاء وما أغفلناه أكثر ولله الإحاطة‏.‏

مولده في الثامن من شهر المحرم من عام خمسة عشر وسبعمائة‏.‏

وفاته وإلى هذا العهد مات وغرت عليه رؤوس الجند من قبائل العدوة الصدور وشحنت عليه القلوب غيظًا وكان شرها لسانه غير جزوع ولا هياب فربما يتكلم بملىء فيه من الوعيد الذي لا يخفى على المعتمد به وفي ثاني يوم من إقلاع الطاغية من الجبل وهو يوم الأربعاء الثاني عشر من ذي حجة وقد عزم على ركوب البحر من ساحل مربلة فهو مع وادي ياروا من ظاهر جبل الفتح تخفيفًا للمؤنة واستعجالا للصدور وقد أخذت على حركته المراصد فلما توسط كمين القوم ثاروا إليه وهو راكب بغلا أثابه به ملك الروم فشرعوا في عتبه بكلام غليظ وتأنيب قبيح وبدأوا بوكيله فقتلوه وعجل بعضهم بطعنه وترامى عليه مملوك من مماليك أبيه زنمة من أخابيث العلوج يسمى زيانًا صونع على مباشرة الإجهاز عليه فقضى لحينه بسفح الربوة الماثلة يسرة العابر للوادي ممن يقصد جبل الفتح وتركوه بالعراء بادي البوار مسلوب البزة سيء المصرع قد عدت عليه نعمه وأوبقه سلاحه وأسلمه أنصاره وحماته‏.‏

ولما فرغ القوم من مبايعة أخيه السلطان أبي الحجاج صرفت الوجوه يومئذ إلى دار الملك ونقل القتيل إلى مالقة فدفن على حاله تلك برياضٍ تجاور منية السيد فكانت وفاته ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر لذي حجة من عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وأقيمت على قبره بعد حين قبة ونوه بقبره وهو اليوم ماثلٌ رهن غربةٍ وجالب عبرة جعلنا الله للقائه على حذر وأهبة وبلوح الرخام الماثل عند رأسه مكتوب‏:‏ هذا قبر السلطان الأجل الملك الهمام الأمضى الباسل الجواد ذي المجد الأثيل والملك الأصيل المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن السلطان الجليل الكبير الرفيع الأوحد المجاهد الهمام صاحب الفتوح المسطورة والمغازي المشهورة سلالة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين وناصر الدين الشهيد المقدس المرحوم أبي الوليد بن فرج بن نصر قدس الله روحه وبرد ضريحه‏.‏

كان مولده في الثاني لمحرم عام خمسة عشر وسبعمائة وبويع في اليوم الذي استشهد فيه والده رضي الله عنه السادس والعشرين لرجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة وتوفي رحمه الله في الثالث عشر لذي حجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة فسبحان يا قبر سلطان الشجاعة والندى فرع الملوك الصيد أعلام الهدى وسلالةٍ السلف الذي آثاره وضاحة لمن اقتدى ومن اهتدى سلفٌ لأنصار النبي نجاره قد حل منه في المكارم محتدا متوسط البيت قد أس سته سادة الأملاك أوحد أوحدا بيتٌ بناه محمدون ثلاثةٌ من آل نصر أورثوه محمدا أودعت وجهًا قد تهلل حسنه بدرًا بآفاق الجلالة قد بدا وندًا يسح على العفاة مواهبًا مثنى الأيادي السابغات وموحدا يبكيك مذعورٌ بك استعدى على أعدائه فسقيتهم كاس الردى يبكيك محتاجٌ أتاك مؤملا فغدا وقد شفعت يداك له اليدا أما سماحك فهو أسنى دية أما جلالك فهو أسمى مصعدا جادت ثراك من الإلة سحابةٌ لرضاه عنك تجود هذا المعهدا وشر ما تبع هذا السلطان تواطؤ قتلته من بني أبي العلاء وأصهارهم وسواهم من شيوخ تسوغ إراقة دمه الذي توفرت الدواعي على حياطته والذب عنه تولي كبرها شيخنا أبو الحسن بن الجياب مرتكبًا منها وصمة محت على غرر فضله إلى كثير من خدامه وممالكيه وبعثوا بها إلى ملك المغرب فاقتطعت جانب التمهيل والتأخير واللبث عن الحكم والتعليل عن السماع وبروز الأغراض واتباع السيئة أمثالها‏.‏

وقد كان رحمه الله من الجهاد وإقامة رسم الدين بحيث تزل عن هذه الهنات صفاته وتنكر هذه المذمات صفاته وكان بمكان من العز وإرسال السجية ربما عذله الشيخ في بعض الأمر فيسجم إضجارًا وتمليحًا بإخراجه ولم يمر إلا الزمان اليسير وأوقع الله بالعصبة المتمالئة عليه من أولاد عبد الله فسفتهم رياح النكبات واستأصلت نعمهم أيدي النقمات ولم تقم لهم من بعد ذلك قائمة والله غالب على أمره‏.‏

وتبعت هذا السلطان نفوس أهل الحرية ممن له طبع رقيق وحسٌ لطيف ووفاءٌ كريم ممن كان بينه وبين سطوته دفاعٌ وفي جو اعتقاده له صفاءٌ فصدرت مراث مؤثرة وأقاويل للشجون مهيجة نثبت منها يسيرًا على العادة‏.‏
فمن ذلك ما نظمه الشيخ الكاتب القاضي أبو بكر بن شبرين وكان على فصاحة ظرفه وجمال روايته غراب قربه ونائحة مأتمه يرثيه ويعرض ببعض من حمل عليه من ناس وخدامه‏:‏ استقلا ودعاني ظائفًا بين المغاني ومن قوله‏:‏ عينٌ بكى لميت غادروه في ثراه ملقى وقد غدروه دفنوه ولم يصل عليه أحدٌ منهم ولا غسلوه إنما مات يوم مات شهيدًا فأقاموا رسمًا ولم يقصدوه


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:58 AM


محمد بن قيس الخزرجي محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي ثالث الملوك من بني نصر يكنى أبا عبد الله‏.‏

أوليته معروفة‏.‏

حاله كان من أعاظم أهل بيته صيتًا وهمة أصيل المجد مليح الصورة عريق الإمارة ميمون النقيبة سعيد النصبة عظيم الإدراك تهنأ العيش مدة أبيه وتملى السياسة في حياته وباشر الأمور بين يديه فجاء نسيج وحده إدراكًا ونبلا وفخارًا وشأوًا‏.‏

ثم تولى الأمر بعد أبيه فأجراه على ديدنه وتقبل سيرته ونسج على منواله وقد كان الدهر ضايقه في حصته ونغصه ملاذ الملك بزمانة سدكت بعينيه لمداخلة السهر ومباشرة أنوار ضخام الشمع إذ كانت تتخذ له منها جذوع في أجسادها مواقيت تخبر بانقضاء ساعات الليل ومضى الربع وعلى التزامه لكنه وغيبوبته في كسر بيته فقد خدمته السعود وأملت بابه الفتوح وسالمته الملوك وكانت أيامه أعيادًا‏.‏

وكان يقرض الشعر ويصغي إليه ويثيب عليه فيجيز الشعراء ويرضخ للندماء ويعرف مقادر العلماء ويواكل الأشراف والرؤساء ضاربا في كل إصلاح بسهم مالئا من كل تجربة وحنكة حار النادرة حسن التوقيع مليح الخط تغلب عليه الفظاظة والقسوة‏.‏

شعره كان له شعر مستظرف من مثله لا بل يفضل به الكثير ممن ينتحل الشعر من الملوك‏.‏

ووقعت على مجموع له ألفه بعض خدامه فنقلب من مطولاته‏:‏ واعدني وعدا وقد أخلفا أقل شيء في المليح الوفا وحال من عهدي ولم يرعه ما ضره لو أنه أنصفا ما بالها لم تتعطف على صاحب لها ما زال مستعطفا خفيت سقمًا عن عيون الورى وبان حبي بعد ما قد خفا لله كم من ليلةٍ بتها أدير من ذاك اللمى قرقفا متعتني بالوصل منها وما أخلفت وعداص خلت أن يخلفا ومنها‏:‏ ملكتك القلب وأني امرؤٌ على ملك الأرض قد وقفا أوامري في الناس مسموعةٌ وليس مني في الورى أشرفا يرهف سيفي في الوغى متسلطًا ويتقي عزمي إذا ما أرهفا وترتجي يمناي يوم الندى تخالها السحب غدت وكفا نحن ملوك الأرض من مثلنا حزنا تليد الفخر والطرفا نخاف إقدامًا ونرجى ندًا لله ما أرجى وما أخوفا لي رايةٌ في الحرب كم غادرت ربع العدا قاعًا بها صفصفا يا ليت شعري والمنى جمة والدهر يومًا هل يرى منصفا وأعظم مناقبه المسجد الجامع بالحمراء على ما هو عليه من الظرف والتنجيد والترقيش وفخامة العمد وإحكام أنوار الفضة وإبداع ثراها ووقف عليه الحمام بإزائه وأنفق فيه مال الجزية وأغرمها لمن يليه من الكفار فدوا به زرعًا نهد إليه صائفته لا نتسافه وقد أهمتهم فتنة فظهر بها منقبة يتيمة ومعلوة فذة فاق بها من تقدمه ومن تأخره من قومه‏.‏

جهاده أغزى الجيش لأول أمره مدينة المنظر فاستولى عليها عنوة وملك من احتوت عليه المدينة ومن جملتهم الزعيمة صاحبة المدينة من أفراد عقائل الروم فقدمت الحضرة في جملة السبي نبيهة المركب ظاهرة الملبس رائقة الجمال خص بها ملك المغرب فاتخذها لنفسه وكان هذا الفتح عظيمًا والصيت بمزايه عظيمًا بعيدًا أنشدني‏.‏

ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة‏:‏ هجم لأول أمره على طائفة من مماليك أبيه وكان سيء الرأي فيهم فسجنهم في مطبق الأرى من حمرائه وأمسك مفتاح قفله عنده وتوعد من يرمقهم بقوت بالقتل فمكثوا أياما وصارت أصواتهم تعلو بشكوى الجوع حتى خفتت ضعفًا بعد أن اقتات آخرهم موتًا من لحم من سبقه وحملت الشفقة حارسًا كان برأس المطبق على أن طرح لهم خبزًا يسيرًا تنقص أكله مع مباشرة بلواهم وتمنى إليه ذلك فأمر بذبحه على حافة الجب فسالت عليهم دماؤه وقانا الله مصارع السوء وما زالت المقالة عنها شنيعة والله أعلم بجريرتهم لديه‏.‏

وزراؤه بقي على خطة الوزارة‏.‏

وزير أبيه أبو سلطان عزيز بن علي بن عبد المنعم الداني الجاري ذكره بحول الله في محله متبرمًا بحياته إلى أن توفي فأنشد عند موته‏:‏ مات أبو زيد فواحسرتا إن لم يكن مات من جمعة مصيبة لا غفر الله لي أن كنت أجريت لها دمعة وتمادى بها أمره يقوم بها حاشيته وقد ارتاح إليها متوليها بعده المترفع بدولته القائد الشهير البهمة أبو بكر بن المول‏.‏

حدث قارىء العشر من القرآن بين يدي السلطان ويعرف بابن بكرون وكان شيخًا متصاونًا ظريفًا قال‏:‏ عزم السلطان على تقديم هذا الرجل وزيرًا وكان السلطان يؤثر الفال وله في هذا المعنى وساوسٌ ملازمة فوجه إلى الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى يومئذ أبو عبد الله بن الحكيم المستأثر بها دونه والمتلقف لكرتها قبله وخرج لي عن الأمر وطلب مني أن أقرأ آيًا يخرج فألها عن الغرض قال فلما غدون لشآني تلوت بعد التعوذ قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم إلى قوله لنا ‏"‏ فلما فرغت الآية سمعته حاد عن رأيه الذي كان أزمعه‏.‏

وقدم للوزارة كاتبه أبا عبد الله بن الحكيم في ذي قعدة من عام ثلاثة وسبعمائة‏.‏

وصرف إليه تدبير ملكه فلم يلبث أن تغلب على أمره وتقلد جميع شئونه حسبما يأتي في موضعه إن شاء الله‏.‏

كتابه استقل برياسته وزيره المذكور وكان ببابه من كتابه جملةٌ تباهي بهم دسوت الملوك أدبًا وتفننًا وفضلًا وظرفًا كشيخنا تلوه وولي الرتبة الكتابية من بعده وفاصل الخطبة على أثره‏.‏

وغيره ممن يشار إليه في تضاعيف الأسماء كالشيخ الفقيه القاضي أبي بكر بن شبرين والوزير الكاتب أبي عبد الله بن عاصم والفقيه الأديب أبي إسحاق بن جابر‏.‏

والوزير الشاعر المفلق أبي عبد الله اللوشي من كبار القادمين عليه والفقيه الرئيس أبي محمد الحضرمي والقاضي الكاتب أبي الحجاج الطرطوشي والشاعير المكثر أبي العباس القراق وغيرهم‏.‏

استمرت ولاية قاضي أبيه الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن هشام الألثي قاضي العدل وخاتمة أولى الفضل إلى أن توفي عام أربعة وسبعمائة‏.‏

وتولي له القضاء القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي المنبور بابن فركون وتقدم التعريف به والتنبيه على فضله إلى آخر أيامه‏.‏

من كان على عهده من الملوك بالأقطار وأول ذلك بفاس كان على عهده بها السلطان الرفيع القدر السامي الخطر المرهوب الشبا المستولى في العز وبعد الصيت على المدى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المنصور بن عبد الحق وهو الذي وطد الدولة المرينية وجبا الأموال العريقة واستأصل من تتقي شوكته من القرابة وغيرهم وجاز إلى الأندلس في أيام أبيه وبعده غازيًا ثم حاصر تلمسان وهلك عليها في أوائل ذي قعدة عام ستة وسبعمائة فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرًا‏.‏

ثم صار الأمر إلى حافده أبي ثابت عامر بن الأمير أبي عامر عبد الله بن يوسف بن يعقوب بعد اختلاف وقع ونزاع انجلى عن قتل جماعة من كبارهم منهم الأمير أبو يحيى بن السلطان أبي يوسف والأمير أبو سالم بن السلطان أبي يعقوب واستمر الأمر للسلطان أبي ثابت إلى صفر من عام ثمانية وسبعمائة وصار الأمر إلى أخيه أبي الربيع سليمان تمام مدة ملكه وصدرا من دولة أخيه نصر وبتلمسان الأمير أبو سعيد عثمان بن يغمر اسن ثم أخوه أبو عمران موسى ثم ولده أبو تاشفين عبد الرحمن إلى آخر مدة أخيه‏.‏

وبتونس السلطان الفاضل الميمون النقيبة‏.‏

المشهور الفضيلة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص من أولى العفة والنزاهة والتؤدة والحشمة والعقل عني بالصالحين واختص بأبي محمد المرجاني فأشار بتقويمه وظهرت عليه بركته وكان يرتبط إليه ويقف في الأمور عنده فلم تعدم الرعية بركة ولا صلاحًا في أيامه إلى أن هلك في ربيع الآخر عام تسعة وسبعمائة ووقعت بينه وبين هذا الأمير المترجم به المراسلة والمهاداة‏.‏

وبقشتالة هراندة بن شانجة بن أدفونش بن هراندة المستولي على إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان ولا حول ولا قوة إلا بالله هلك أبوه وتركه صغيرًا مكفولا على عادتهم فتنفس المخنق وانعقدت السلم واتصل الأمان مدة أيامه وهلك في دولة أخيه‏.‏

وبرغون جايمش بن ألفنش بن بطره‏.‏

الأحداث في عام ثلاثة وسبعمائة نقم على قريبه الرئيس أبي الحجاج بن نصر الوالي بمدينة وادي آش أمرًا أوجب عزله عنها وكان مقيمًا بحضرته فاتخذ الليل جملا وكان أملك بأمرها وذاع الخبر فاستركب الجيش وقد حد ما ينزل في استصلابه وجدد الصكوك بولايته خوفًا من اشتعال الفتنة وقد أخذ على يديه وأغرى أهل المدينة بحربه فتداعوا لحين شعورهم باستعداده وأحاطوا به فدهموه وعاجلوه فتغلبوا عليه وقيد إلى بابه أسيرًا مصفدًا فأمر أحد أبناء عمه فقتله صبرًا وتملا فتحًا كبيرًا وأمن فتنة عظيمة وفي شهر شوال من عام خمسة وسبعمائة قرع الأسماع النبأ العظم الغريب من تملك سبتة وحصولها في قبضته وانتزاعها من يد رئيسها أبي طالب عبد الله بن أبي القاسم الرئيس الفقيه ابن الإمام المحدث أبي العباس العزمي حسبما يتقرر في اسم الرئيس الفقيه أبي طالب إن بلغنا الله ذلك واستأصل ما كان لأهلها من الذخائر والأموال ونقل رؤساءها وهم عدة إلى حضرته غرناطة في غرة المحرم من العام فدخلوا عليه وقد احتفل بالملك واستركب في الأبهة الجند فلثموا أطرافه واستعطفه شعراؤهم بالمنظوم من القول وخطباؤهم بالمنثور منه فطمأن روعهم وسكن جأشهم وأسكنهم في جواره وأجرى عليهم الأرزاق الهلالية وتفقدهم في الفصول إلى أن كان من أمرهم ما هو معلوم‏.‏

اختلاعه في يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة أحيط بهذا السلطان وأتت الحيلة عليه وهو مصاب بعينيه مقعدٌ في كنه فداخلت طائفة من وجوه الدولة أخاه وفتكت بوزيره الفقيه أبي عبد الله بن الحكيم ونصبت للناس الأمير أبا الجيوش نصرًا أخاه وكبست منزل السلطان فأحيط به وجعل الحرس عليه وتسومع بالكائنة فكان البهت وسال من الغوغاء البحر فتعلقوا بالحمراء يسألون عن الحادثة فشغلوا بانتهاب دار الوزير وبها من مال الله ما يفوت الوصف وكان الفجع في إضاعته على المسلمين وإطلاق الأيدي الخبيثة عليه عظيمًا وفي آخر اليوم عند الفراغ من الأمر دخل على السلطان المخلوع الشهداء عليه بخلعه بعد نقله من دار ملكه إلى دار أخرى فأملى رحمه الله زعموا وثقية خلعه مع شغب الفكر وعظم الداهية وانتقل رحمه الله بعد إلى القصر المنسوب إلى السيد بخارج الحضرة أقام به يسيرًا ثم نقل إلى مدينة المنكب وكان من أمره ما يذكر إن شاء الله‏.‏

ومما يؤثر من ظرفه حدث من كان منوطًا به من خاصته مدة أيام إقامته بقصر نجد قبل خلعه قال‏:‏ أرسل الله الأغربة على سقف القصر وكان شديد التطير والقلق لذلك حسبما تقدم من الإشارة إلى ذلك بحديث العشر وكان من جملتها غرابٌ شديد الإلحاح حاد النعيب والصياح فأغرى به الرماة من مماليكه بأنواع القسى فأبادوا من الغربان أمة وتخطأ الحتف ذلك الغراب الخبيث العبقان فلما انتقل إلى سكنى الحمراء ظهر ذلك الغراب على سقفه ثم لما أهبط مخلوعًا إلى قصر شنيل تبعه وقام في بعض السقف أمامه فقال يخاطبه رحمه الله‏:‏ يا مشئوم يا محروم بين الغربان قد خلصت أمرنا ولم يبق لك علينا طلب ولا بيننا وبينك كلام إرجع إلى هؤلاء المحارم فاشتغل بهم قال فأضحكنا على حال الكآبة بعذوبة منطقه وخفة روحه‏.‏

وفاته قد تقدم ذكر استقراره بالمنكب وفي أخريات شهر جمادى الآخرة عام عشرة وسبعمائة أصابت السلطان نصرًا سكتةٌ توقع منها موته بل شك في حياته فوقع التفاوض الذي تمحض إلى التوجيه عن السلطان المخلوع الذي بالمنكب ليعود إلى الأمر فكان ذلك وأسرع إلى إيصاله إلى غرناطة في محفة فكان حلوله بها في رجب من العام المذكور‏.‏

وكان من قدر الله أن أفاق أخوه من مرضه ولم يتم للمخلوع الأمر فنقل من الدار التي كان بها إلى دار أخيه الكبرى فكان آخر العهد به‏.‏

ثم شاعت وفاته أوائل شوال من العام المذكور فذكر أنه اغتيل غريقًا في البركة في الدار المذكورة لما توقع من عادية جواره ودفن بمقبرة السبيكة مدفن قومه بجوار الغالب هذا قبر السلطان الفاضل الإمام العادل علم الأتقياء أحد الملوك الصلحاء المخبت الأواه المجاهد في سبيل الله الرضي الأورع الأخشى الله الأخشع المراقب في السر والإعلان المعمور الجنان بذكره واللسان السالك في سياسة الخلق وإقامة الحق منهاج التقوى والرضوان كافل الأمة بالرأفة والحنان الفاتح لها بفضل سيرته وصدق سريرته ونور بصيرته أبواب اليمن والأمان المنيب الأواب العامل ما يجده نورًا مبينًا يوم الحساب ذي الآثار السنية والأعمال الطاهرة القائم في جهاد الكفار بماضي العزم وخلص النية المقيم قسطاس العدل المنير منهاج الحلم والفضل حامي الذمار وناصر دين المصطفى المختار المقتدي بأجداده الأنصار المتوسل بفضل ما أسلفوه من أعمال البر والجهاد ورعاية العباد والبلاد إلى الملك القهار أمير المسلمين وقامع المعتدين المنصور بفضل الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله السلطان الأعلى إمام الهدى وغمام الندى محيي السنة حسن الأمة المجاهد في سبيل الله الناصر لدين الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله بن يوسف بن نصر كرم الله وجهه ومثواه ونعمه برضاه‏.‏

ولد رضي الله عنه يوم الأربعاء الثالث لشعبان المكرم من عام خمسة وخمسين وستمائة‏.‏

وتوفي قدس الله روحه وبرد ضريحه ضحوة يوم الإثنين الثالث لشوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة رفعه الله إلى منازل أوليائه الأبرار وألحقه بأئمة ومن الجانب الآخر‏:‏ رضي الملك الأعلى يروح ويغتدي على قبر مولانا الإمام المؤيد مقر العلى والملك والبأس والندى فقدس من مغنى كريم ومشهد ومثوى الهدى والفضل والعدل والتقي فبورك من مثوى زكي وملحد فيا عجبًا طود الوقار جلالة ثوى تحت أطباق الصفيح المنضد وواسطة العقد الكريم الذي له مآثر فخرٍ بين مثنى وموحد محمد الرضى سليل محمد إمام الندى نجل الإمام محمد فيا نخبة الأملاك غير منازعٍ ويا علم الأعلام غير مفند بكتك بلادٌ كنت تحمي ذمارها بعزمٍ أصيلٍ أو برأي مسدد وكم معلم للدين أوضحت رسمه بني لك في الفردوس أرفع مصعد كأنك ما سست البلاد وأهلها بسيرة ميمون النقيبة مهتد كأنك ما قدت الجيوش إلى العدا فصيرتهم نهب القنا المتقصد كأنك ما احييت للخلق سنة تجادل عنها باللسان وباليد كأنك ما أمضيت في الله عزمة تدافع فيها بالحسام المهند فإن تجهل الدنيا عليك وأهلها بذاك ثوب الله يلقاك في غد تعوضت ذخرًا من مقام خلافة مقيمٍ منيبٍ خاشع متعبد وكل الورى من كان أو هو كائنٌ صريع الردى إن يكن فكأن قد فلا زال جارًا للرسول محمد بدار نعيمٍ في رضى الله سرمد وهذي القوافي قد وفيت بنظمها فيا ليت شعري هل يصيخ لمنشد محمد بن نصر الأنصاري الخزرجي محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي ثاني الملوك الغالبين من بني نصر وأساس أمرهم وفحل جماعتهم أوليته تقرر بحول الله في اسم أبيه الآتي بعد حسب الترتيب المشترط‏.‏

حاله من كتاب طرفة العصر من تأليفنا كان هذا السلطان أوحد الملوك جلالة وصرامة وحزمًا‏.‏

مهد الدولة ووضع ألقاب خدمتها وقرر مراتبها واستجاد أبطالها وأقام رسوم الملك فيها واستدر جباياتها مستظهرًا على ذلك بسعة الذرع وأصالة السياسة ورصانة العقل وشدة الأسر ووفور الدهاء وطول الحنكة وتملؤ التجربة مليح الصورة تام الخلق بعيد الهمة كريم الخلق كثير الأناة‏.‏

قام بالأمر بعد أبيه وباشره مباشرة الوزير أيام حياته فجرى على سنن أبيه من اصطناع أجناسه ومداراة عدوه وأجرى صدقاته وأربى عليه بخلال منها براعة الخط وحسن التوقيع وإيثار العلماء والأطباء والعدلين والحكماء والكتاب والشعراء وقرض الأبيات الحسنة وكثرة الملح وحرارة النادرة‏.‏

وطما بحرٌ من الفتنة لأول استقرار أمره وكثر عليه المنتزون والثوار وارتجت الأندلس وسط أكلب الكفار فصبر لزلزالها رابط الجأش ثابت المركز وبذل من الاحتيال والدهاء المكنوفين بجميل الصبر ما أظفره بخلو الجو‏.‏

وطال عمره وجد صيته واشتهر في البلاد ذكره وعظمت غزواته وسيمر من ذكره ما يدل على أجل من ذلك إن شاء الله‏.‏

شعره وتوقيعه وقفت على كثير من شعره وهو نمطٌ منحط بالنسبة إلى أعلام الشعراء ومستظرفٌ من الملوك والأمراء‏.‏

من ذلك يخاطب وزيره‏:‏ تذكر عزيز ليالٍ مضت وأعطاءنا المال بالراحتين وقد قصدتنا ملوك الجها ت ومالوا إلينا من العدوتين وإذا سأل السلم منا اللعي ن فلم يحظ إلى بخفي حنين وتوقيعه يشذ عن الإحصاء وبأيدي الناس إلى هذا العهد كثير من ذلك فمما كتب به على رقعة كان رافعها يسأل التصرف في بعض الشهادات ويلح عليها‏:‏ وأطال الخط عند إلهي إشعارًا بالضراعة عند الدعاء والجد‏.‏

ويذكر أنه وقع بظهر رقعة اشتكى ضرر أحد الجند المنزلين في الدور ونبزه بالتعرض لزوجه‏:‏ يخرج هذا النازل ولا يعوض بشيء من المنازل‏.‏

بنوه ثلاثة ولي عهده أبو عبد الله المتقدم الذكر وفرج المغتال أيام أخيه ونصر الأمير بعد أخيه‏.‏

بناته‏:‏ أربع عقد لهن جمع أبرزهن إلى أزواجهن من قرابتهن تحت أحوال ملوكية ودنيا عريضة وهن‏:‏ فاطمة ومؤمنة وشمس وعائشة‏.‏

وفاطمة منهن أم حفيده إسماعيل الذي ابتز ملك بنيه عام ثلاثة عشر وسبعمائة‏.‏

وزيره كان وزيره الوزير الجليل الفاضل أبو سلطان لتقارب الشبه زعموا في السن والصورة وفضل الذات ومتانة الدين وصحة الطبع وجمال الرواء أغنى وحسنت واسطته ورفعت إليه الوسائل وطرزت باسمه الأوضاع واتصلت إلى أيامه أيام مستوزره ثم صدرًا من أيام ولي عهده‏.‏

ولي له خطة الكتابة والرياسة العليا في الإنشاء جملةٌ منهم كاتب أبيه أبو بكر ابن أبي عمرو اللوشي ثم الأخوان أبو علي الحسن والحسين إبنا محمد بن يوسف ابن سعيد اللوشي سبق الحسن وتلاه الحسين وكانا توأمين ووفاتهما متقاربة ثم كتب له الفقيه أبو القاسم محمد بن محمد بن العابد الأنصاري آخر الشيوخ وبقية الصدور والأدباء أقام كاتبًا مدة إلى أن أبرمه انحطاطه في هوى نفسه وإيثاره المعاقرة حتى زعموا أنه قاء ذات يوم بين يديه‏.‏

فأخره عن الرتبة وأقامة في عداد كتابه إلى أن توفي تحت رفده‏.‏

وتولى الكتابة الوزير أبو عبد الله بن الحكيم فاضطلع بها إلى آخر دولته‏.‏

قضاته تولي له خطة القضاء قاضي أبيه الفقيه العدل أبو بكر بن محمد بن فتح الإشبيلي الملقب بالأشبرون‏.‏

تولى قبل ذلك خطة السوق فلقي سكران أفرط في قحته واشتد في عربدته وحمل على الناس فأفرجوا عنه فاعترضه واشتد عليه حتى تمكن منه بنفسه واستنصر في حده وبالغ في نكاله واشتهر ذلك عنه فجمع له أمر الشرطة وخطة السوق ثم ولي القضاء فذهب أقصى مذاهب الصرامة إلى أن هلك فولي خطة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد بن هشام من أهل ألش لحكاية غبطت السلطان بدينه ودلته على محله من العدل والفضل فاتصلت أيام قضائه إلى أيام مستقضية رحمه الله‏.‏

جهاده‏:‏ وباشر هذا السلطان الوقائع فانجلت ظلماتها عن صبح نصره وطرزت مواقعها بطراز جلادته وصبره فمنها وقيعة المطران وغيرها مما يضيق التأليف عن استقصائه‏.‏

وفي شهر المحرم من عام خمسة وتسعين وستمائة على تفئة هلاك طاغية الروم شانجه بن أدفونش عاجل الكفار لحين دهشهم فحشد أهل الأندلس واستنفر المسلمين فاغتنم الداعية وتحرك في جيش يجر الشوك والشجر ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها ففتحها الله على يديه وتملك بسببها جملة من الحصون التي ترجع إليها وكان الفتح في ذلك عظيما وأسكنها جيشًا من المسلمين وطائفة من الحامية فأشرقت العدو بريقه‏.‏

وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة نازل مدينة القبذاق فدخل جفنها واعتصم من تأخر أجله بقصبتها ذات القاهرة العظيمة الشأن الشهيرة في البلدان فأحيط بهم فخذلوا وزلزل الله أقدامهم فألقوا باليد وكانوا أمنع من عقاب الجو وتملكها على حكمه وهي من جلالة الوضع وشهرة المنعة وخصب الساحة وطيب الماء والوصل إلى أفلاذ الكفر والاطلاع على عوراته بحيث شهر‏.‏

فكان تيسر فتحها من غرائب الوجود وشواهد اللطف وذلك في صلاة الظهر من يوم الأحد الثامن لشهر شوال عام تسعة وتسعين وستمائة وأسكن بها رابطة المسلمين وباشر العمل في خندقها بيده رحمه الله فتساقط الناس من ظهور دوابهم إلى العمل فتم ما أريد منه سريعًا‏.‏

وأنشدني شيخنا أبو الحسن الجياب بهنئه بهذا الفتح‏:‏ عدوك مقهورٌ وحزبك غالب وأمرك منصور وسهمك صائب وشخصك مهما لاح للخلق أذعنت لهيبته عج الورى والأعارب وهي طويلة‏.‏

من كان على عهده من الملوك‏.‏

كان على عهده بالمغرب السلطان الجليل أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور وكان ملكًا صالحًا ظاهر السذاجة سليم الصدر مخفوض الجناح شارعًا أبواب الدالة عليه منهم أشبه بالشيوخ منه بالملوك في إخمال اللفظ والإغضاء عن الجفوة والنداء بالكنية‏.‏

وهو الذي استولى على ملك الموحدين واجتث شجرتهم من فوق الأرض وورث سلطانهم واجتاز إلى الأندلس كما تقدم مرات ثلاث أو أزيد منها وغزا العدو وجرت بينه وبين السلطان المترجم به أمور من سلم ومنقاضة وإعتاب وعتب حسبما تدل على ذلك القصائد الشهيرة المتداولة وأولها ما كتب به على عهده الفقيه الكاتب الصدر أبو عمرو بن المرابط في هل من معيني في الهوى أو منجدي من متهم في الأرض أو منجد وتوفي السلطان المذكور بالجزيرة الخضراء في عنفوان وحشة بينه وبين هذا السلطان في محرم خمسة وثمانين وستمائة وولي بعده ولده العظيم الهمة القوي العزيمة أبو يعقوب يوسف وجاز إلى الأندلس على عهده واجتمع به بظاهر مربلة وتجدد العهد وتأكد الود ثم عادت الوحشة المفضية إلى تغلب العدو على مدينة طريف فرضة المجاز الأدنى واستمرت أيام السلطان أبي يعقوب إلى آخر مدة السلطان المترجم به ومدة ولده بعده‏.‏

وبوطن تلمسان أبو يحيى يغمور وهو يغمر اسن بن زيان بن ثابت بن محمد ابن بندوسن بن طاع الله بن علي بن يمل وهو أوحد اهل زمانه جرأة وشهامة ودهاء وجزالة وحزمًا‏.‏

مواقفه في الحروب شهيرة وكانت بينه وبين بني مرين وقائع كان عليه فيها الظهور وربما ندرت الممانعة وعلى ذلك فقوى الشكيمة ظاهر المنعة‏.‏

ثم ولي بعده ولده عثمان إلى تمام مدة السلطان المترجم به وبعضًا من دولة ولده‏.‏

وبوطن إفريقية الأمير الخليفة أبو عبد الله بن أبي زكريا بن أبي حفص الملقب بالمستنصر المثل المضروب في البأس والأنفة وعظم الجبروت وبعد الصيت إلى أن هلك سنة أربعة وسبعين وستمائة ثم ولده الواثق بعده ثم الأمير أبو إسحاق وقد تقدم ذكره‏.‏

ثم كانت دولة الدعي ابن أبي عمارة المتوثب على ملكهم ثم دولة أبي حفص مستنقذها من يده وهو عمر بن أبي زكريا ابن عبد الواحد ثم السلطان الخليفة الفاضل الميمون النقيبة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير زكريا‏.‏

وبوطن النصارى بقشتالة ألفنش بن هراندة إلى أن ثار عليه ولده شانجه واقتضت الحال إجازة سلطان المغرب واستجار به وكان من لقائه بأحواز الصخرة من كورة تاكرنا ما هو معلوم‏.‏

ثم ملك بعده ولده شانجه واتصلت ولايته مدة أيام السلطان وجرت بينهما خطوب إلى أن هلك عام أربع وسبعين وستمائة‏.‏

وولي بعده ولده هراندة سبعة عشر عامًا وصار الملك إليه وهو صبيٌ صغير فتنفس مخنق أهل الأندلس وغزا سلطانهم وظهر إلى آخر مدته‏.‏

وبرغون ألفنش بن جايمش بن بطره بن جايمش المستولى على بلنسية ثم هلك وولي بعده جايمش ولده وهو الذي نازل مدينة ألمرية على عهد نصرٍ ولده واستمرت أيام حياته إلى آخر مدته‏.‏

وكان لا نظير له في الدهاء والحزم والقوة‏.‏

من الأحداث في أيامه على عهده تفاقم الشر وأعيا داء الفتنة ولقحت حرب الرؤساء الأصهار من بني إشقيلولة فمن دونهم وطنب سرادق الخلاف وأصاب الأسر وفحول الثروة الرؤساء فكان بوادي آش الرئيسان أبو محمد وأبو الحسن وبمالقة وقمارش الرئيس أبو محمد عبد الله وبقمارش‏:‏ رئيس آخر هو الرئيس أبو إسحاق فأما الرئيس أبو محمد فهلك وقام بأمره بمالقة ولده وابن أخت السلطان المترجم به‏.‏

ثم خرج عنها في سبيل الانحراف والمنابذة إلى ملك المغرب ثم تصير أمرها إلى السلطان على يد واليها من بني علي‏.‏

وأما الرئيسان فصابرا المضايقة وعزمًا على النطاق والمقاطعة بوادي آش زمانًا طويلًا‏.‏

وكان آخر أمرهما الخروج عن وادي آش إلى ملك المغرب‏:‏ معوضين بقصر كتامة حسبما يذكر في أسمائهم‏.‏

إن بلغنا الله إليه‏.‏

في أيامه كان جواز السلطان المجاهد أبي يوسف يعقوب بن عبدالحق إلى الأندلس مغازيًا ومجاهدًا في سبيل الله‏.‏

في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة وقد فسد ما بين سلطان النصارى وبين ابنه واغتنم المسلمون الغرة واستدعى سلطان المغرب إلى الجواز ولحق به السلطان المترجم به وجمع مجلسه بين المنتزين عليه وبينه وأجلت الحال عن وحشة وقضيت الغزاة وآب السلطان إلى مستقره‏.‏

وفي العام بعده كان إيقاع السلطان ملك المغرب بالزعيم ذنوبه واستئصال شأفته وحصد شوكته‏.‏

ثم عبر البحر ثانية بعد رجوعه إلى العدوة واحتل بمدينة طريف في أوائل ربيع الأول عام سبعة وسبعين وستمائة ونازل إشبيلية وكان اجتماع السلطانين بظاهر قرطبة فاتصلت اليد وصلحت الضمائر ثم لم تلبث الحال أن استحالت إلى فساد فاستولى ملك المغرب على مالقة بخروج المنتزي بها إليه إلى يوم الأربعاء التاسع والعشرين لرمضان عام سبعة وسبعين وستمائة‏.‏

ثم رجعت إلى ملك الأندلس بمداخلة من كانت بيده ولنظره حسبما يأتي بعد إن شاء الله‏.‏

وعلى عهده نازل طاغية الروم الجزيرة الخضراء وأخذ بمخنقها وأشرف على افتتاحها فدافع الله عنها ونفس حصارها وأجاز الروم بحرها على يد الفئة القليلة من المسلمين فعظم المنح وأسفر الليل وانجلت الشدة في وسط ربيع الأول من عام ثمانية وسبعة وسبعين وستمائة‏.‏

مولده بغرناطة عام ثلاثة وثلاثين وستمائة وأيام دولته ثلاثون سنة وشهر واحد وستة أيام‏.‏

وفاته من كتاب طرفة العصر من تأليفنا في التاريخ قال واستمرت الحال إلى أحد وسبعمائة فكانت في ليلة الأحد الثامن من شهر شعبان في صلاة العصر وكان السلطان رحمه الله في مصلاه متوجهًا إلى القبلة لأداء فريضته على أتم ما يكون عليه المسلم من الخشية والتأهب زعموا أن شرقًا كان يعتاده لمادة كانت تنزل من دماغه وقد رجمت الظنون في غير ذلك لتناول عشية يومه كعكا اتخذت له بدار ولي عهده والله أعلم بحقيقة ذلك‏.‏

ودفن منفردًا عن مدفن سلفه شرقي المسجد الأعظم في الجنان المتصل بداره ثم ثني بحافده السلطان أبي الوليد وعزز بثالث كريم من سلالته وهو السلطان أبو الحجاج ابن أبي الوليد تغمد الله جميعهم برحمته وشملهم بواسع مغفرته وفضله‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif الجزء الثاني
محمد بن يوسف بن قصر الخزرجي محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن قصر الخزرجي أمير المسلمين لهذا العهد بالأندلس صدر الصدور وعلم الأعلام وخليفة الله وعماد الإسلام وقدوة هذا البيت الأصيل ونير هذا البيت الكريم ولباب هذا المجد العظيم ومعنى الكمال وصورة الفضل وعنوان السعد وطاير اليمن ومحول الصنع الذي لا تبلغ الأوصاف مداه ولا توفى العبارة حقه ولا يجري النظم والنثر في ميدان ثنايه ولا تنتهي المدائح إلى عليائه‏.‏
أوليته أشهر من إمتاع الضحى مستولية على المدا بالغلة بالسعة بالانتساب إلى سعد بن عبادة عنان السماء مبتجحة في جهاد العدا بحالة من ملك جزيرة الأندلس وحسبك بها وهي بها في أسنى المزاين والحلى وقدمًا فيه بحسب لمن سمع ورأى‏.‏
حاله هذا السلطان أيمن أهل بيته نقيبة وأسعدهم ميلادًا وولاية قد جمع الله له بين حسن الصورة واستقامة البنية واعتدال الخلق وصحة الفكر وثقوب الذهن ونفوذ الإدراك‏.‏
ولطافة المسايل وحسن التأني وجمع له من الظرف ما لم يجمع لغيره إلى الحلم والأناة اللذين يحبهما الله وسلامة الصدر التي هي من علامة الإيمان ورقة الحاشية وسرعة العبرة والتبرين في ميدان الطهارة والعفة إلى ضخامة التنجد واستجادة الآلات والكلف بالجهاد وثبات القدم وقوة الجأشئ ِ ومشهور البسالة وإيثار الرفق وتوخي السداد ونجح المحاولة‏.‏
زاده الله من فضله وأبقى أمره في ولده وأمتع المسلمين بعمره‏.‏
ساق الله إليه الملك طواعية واختيارًا إثر صلاة عيد الفطر على بغتة وفاة المقدس أبيه من عام خمسة وخمسين وسبعمائة لمخايل الخير ومزية السن ومظنة البركة وهو يافع قريب العهد بالمراهقة فأنبته الله النبات الحسن وسدل به الستر وسوغ العافية وهنأ العيش فلم تشح في مدته السماء ولا كلب الأعداء ولا تبدلت الألقاب ولا عونيت الشدائد ولا عرف الخوف ولا فورق الخصب إلى أن كانت عليه الحادثة ونابه التمحيص الذي أكسبه الحنكة وأفاده العبرة فشهد بعناية الله في كف الأيدي العادية وأخطأ ألم السهام الراشقة وتخييب الآمال المكايدة وانسدال أروقة الستر والعصمة ثم العودة الذي عرف الإسلام بدار الإسلام قدرها وتملأ عزها ورجح وزنها كما اختبر ضدها فرصة الملك وشاع العدل وبعد الصيت وانتشر الذكر وفاض الخير وغزر القطر فظهرت البركات وتوالت الفتوح وتخلدت الآثار‏.‏
وسيرد من بيان هذه الجمل ما يسعه الترتيب بحول الله‏.‏
ترتيب دولته الأولى إذ هو ذو دولتين ومسوغ ولايتين عززهما الله بملك الآخرة بعد العمر الذي يملأ صحايف البر ويخلد حسن الذكر ويعرف إلى الوسيلة ويرفع في الرفيق الأعلى الدرجة عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون‏.‏
وزراؤه وحجابه أنتدب إلى النيابة عنه والتشمير إلى الحجابة ببابه الشيخ القايد المعتمد بالتجلة المتحول من الخدام النبهاء المتسود الأبوة المخصوص بالفدح المعلى من المزية المسلم له في خصوصية الملك والتربية ظهير العلم والأدب وأمين الجد ومولى السلف ومفرغ الرأي إلى هذا العهد وعقد سفرة السلطان وبقية رجال الكمال من مشيخة المماليك وخيار الموالي أبا النعيم رضوان رحمه الله فحمد الكل وخلف السلطان وأبقى الرتب وحفظ الألقاب وبذل الإنصاف وأوسع السكنف واستدعى النصيحة ولم يأل جهدًا في حسن السيرة وتظاهر المحض وأفردني بالمزية وعاملني بما يرتد عنه جسر أطرف الموالاة والصحبة ووفى لي الكيل الذي لا يقتضيه السن والقربة من الاشتراك في الرتبة والتزحزح عن الهضبة والاختصاص باسم الوزارة على المشهر والغيبة والمحافظة على التشيع والقدمة بلغ في ذلك أقصى الغايات‏.‏
مدارج التخلق المأثور عن الجلة والتودد إلى المرة بعد المرة واختصصت بفوت المدة بالسلطان فكنت المنفرد بسره دونه ومفضي همه وشفاء نفسه فيما ينكره من فتنة تقع في سيرته أو تصير توجيه السذاجة في معاملاته وصلاح ما يتغير عليه من قلبه إلى أن لحق بربه‏.‏
شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره أقر على الغزاة شيخهم على عهد أبيه أبا زكريا يحيى بن عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق مطمح الطواف وموفي الاختيار ولباب القوم وبقية السلف‏.‏
حزمًا ودهاء وتجربة وحنكة وجدًا وإدراكًا ناهيك من رجل فذ المنازع غريبها مستحق التقديم شجاعة وأصالة ورأيًا ومباحثة نسابة قبيله وأضحى قسهم وكسرى ساستهم إلى لطف السجية وحسن التأني لغرض السلطان وطرق التنزل للحاجات ورقة غزل الشفاعات‏.‏
وإمتاع المجلس وثقوب الذهن والفهم وحسن الهيئة‏.‏
وزاده خصوصية ملازمته مجلس الرفاع المعروضة‏.‏
والرسل الواردة‏.‏
وسيأتي ذكره في موضعه بحول الله تعالى‏.‏
قمت لأول الأمر بين يديه بالوظيفة التي أسندها إلي أبوه المولى المقدس رحمه الله من الوقوف على رأسه والإمساك في التهاني والمبايعة بيده‏.‏
والكتابة والإنشاء والعرض والجواب‏.‏
والخلعة والمجالسة جامعًا بين خدمة القلم ولقب الوزارة معزز الخطط برسم القيادة مخصوصًا بالنيابة عنه في الغيبة على كل ما اشتمل عليه سور القلعة والحضرة مطلق أمور الإيالة محكمًا في أشتاته تحيكم الأمانة مطلق الجراية ظاهر الجاه والنعمة‏.‏
ثم تضاعف العز وتأكد الرعي وتمحض القرب فنقلني من جلسة المواجهة إلى صف الوزارة وعاملني بما لا مزيد عليه من العناية وأحلني المحل الذي لا فوقه في الخصوصية كافأ الله فضله وشكر رعيه وأعلى محله عنده‏.‏
وأصدر لي هذا الظهير لثاني يوم ولايته‏:‏ هذا ظهير كريم صفي شربه‏.‏
وسفرني في الرسالة عنه إلى السلطان الخليفة الإمام ملك المغرب وما إليه من البلاد الإفريقية أبي عنان حسبما يأتي ذكره‏.‏
ثم أعفاني في هذه المدة الأولى عن كثير من الخدمة ونوه بي عن مباشرة العرض بين يديه بالجملة فاخترت للكل والبدلة وما صان عنه في سبيل التجلة وإن كان منتهي أطوار الرفعة الفقيه أبا محمد بن عطية مستنزلًا عن قضاه وادي آش وخطابتها فكان يتولى ما يكتب بنظري وراجعًا لحكمى ومترددًا لبالي مكفي المؤنة في سبيل الحمل الكلي إلى وقوع الحادثة قضاته حدد أحكام القضاء والخطابة لقاضي أبيه الشيخ الأستاذ الشريف نسيج وحده وفريد دهره إغرابًا في الوقار وحسن السمت وأصالة البيت وتبحرًا في علوم اللسان وإجهازًا في فصل القضايا وانفرادًا ببلاغة الخطبة وسبقًا في ميدان الدهاء والرجاحة أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسني الجانح إلى الإيالة النصرية من مدينة سبتة‏.‏
وسيأتي التعريف به في مكانه إن شاء الله‏.‏
وتوفي رحمه الله بين يدي حدوث الحادثة فأرجئ الأمر بمكانه إلى قدوم متلفق الكرة ومتعاور تلك الخطة الشيخ الفقيه القاضي أبي البركات قاضي أبيه‏.‏
ووليها الأحق بها بعده إذ كان غايبًا في السفارة عنه فوقع التمحيص قبل إبرام الأمر على حال الإستنابة‏.‏
الملوك على عهده وأولهم بالمغرب السلطان الإمام أمير المسلمين أبو عنان ابن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق البعيد الشأو في ميدان السعادة والمصمى أغراض السداد ومعظم الظفر ومخول الموهبة المستولي على آماد الكمال عقلًا وفضلًا وأبهةً ورواءًا وخطًا وبلاغة وحفظًا وذكاء وفهمًا وأقدامًا تغمده الله برحمته بعثني إلى بابه رسولًا على إثر بيعته وتمام أمره وخاطبًا إثره ووده مسترفدًا من منحة قبوله فألفيت بشرًا مبذولا ورفدًا ممنوحًا وعزًا باذخًا يضيق الزمان عن جلالته وتقصر الألسنة عن كنه وصفه فكان دخولي عليه في الثامن والعشرين من شهر ذي قعدة عام خمسة وخمسين المذكور وأنشدته بين يدي المخاطبة ومضمن الرسالة‏:‏ خليفة الله ساعد القدر علاك ما لاح في الدجا قمر فأحسب وكفى واحتفل واحتفى وأفضت بين يدي كرمته إلى الحضور معه في بعض المواضع المطلة على مورد وحب‏.‏
هاج به الخدام أسدًا أرود شئن الكفين مشعر اللبدة حتى مرق عن تابوت خشبي كان مسجونا به من بعد إقلاعه من بعض كواه وأثارته من خلقه واستشاط وتوقد بأسًا‏.‏
وجلب ثور عبل الشوى منتصب المروى يقدمه صوار من الجواميس فقربت الخطا وحميت الوغى وبلغ الزئير والجوار ما شاء في موقف من ميلاد الشيم العلي يخشى الجبان مقارعة العدا ويوطن نفسه الشجاع على ملاقة الردى وخار الأسد عن المبارزة لما بلغ منه ثقافًا عن رد المناوشة ومضطلعًا بأعباء المحاملة فتخطاه إلى طائفة من الرجالة أولى عدة وذوي دربة حمل نفسه متطارحًا كشهاب الرجم وسرك الدجا وأخذته رماحهم بإبادته بعد أن أردى بعضهم وجدل بين يدي السلطان متخبطا في دمه‏.‏
وعرض بعض الحاضرين وأغرى بالنظم في ذلك فأنشدته‏:‏ وخصايص لله بث ضروبها في الخلق ساد لأجلها من سادا إن الفضايل في حماك بضايع لم تخش من بعد النفاق كسادا كان الهزبر محاربًا فجزيته بجزاء من في الأرض رام فسادا فابغ المزيد من آلايه بشكره وأرغم بما خولته الحسادا فستحسن تأتى القريحة وإمكان البديهة مع قيد الصفة وهيبة المجلس‏.‏
وكان الانصراف بأفضل ما عاد به سفير من واد أصيل وإمداد موهوب ومهاداة أثيرة وقطار مجنوب وصامت محمول وطعمة مسوغة‏.‏
وكان الوصول في وسط محرم من عام ست وخمسين وسبع ماية وقد نجح السعي وأثمر الجهد وصدقت المخيلة وقد تضمن رحلى الوجهة والأخرى قبلها جزء‏.‏
والحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة‏.‏
وتوفى زعموا بحيلة وقيل حتف أنفه لما نهكه المرض وشاع عنه الإرجاف وتنازع ببابه الوزراء وتسابق إلى بابه الأبناء‏.‏
وخاف مدبر أمره عايدة ملامته على توقع برئه وكان سيفه يسبق على سوطه والقبر أقرب إلى من تعرض لعتبه من سجنه فقضى موضع هذا السبيل خاتمة الملوك الجلة من أهل بيته‏.‏
جدد الملك وحفظ الرسوم وأجرى الألقاب وأغلظ العقاب وصير إيالته أضيق من الخد‏.‏
وأمد الأندلس وهزم الأضداد وخلد الآثار وبنى المدارس والزوايا واستجلب الأعلام‏.‏
وتحرك إلى تلمسان فاستضافها إلى إيالته ثم ألحق بها قسنطينة وبجاية وجهز أسطوله إلى تونس فدخلها وتملكها ثقاته في رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة واستمرت بها دعوته إلى ذي قعدة من العام رحمة الله عليه‏.‏
وكانت وفاته في الرابع عشر لذي حجة من عام تسع وخمسين وسبعمائة‏.‏
وصار الأمر إلى ولده المسمى بالسعيد المكنى بأبي بكر مختار وزيره ابن عمر الفدووي‏.‏
ورام ضبط الإيالة المشرقية فأعياه ذلك وبايع الجيش الموجه إليها منصور بن سليمان ولجأ الوزير وسلطانه إلى البلد الجديد مثوى الخلافة المرينية فكان أملك بها‏.‏
ونازله منصور بن سليمان ثم استفضى إليه أمر البلد لحزم الوزير وقوة شكيمته‏.‏
وغادر السلطان أبو سالم إبراهيم بن السلطان أبي الحسن أخو الهالك السلطان أبي عنان الأنلسي وقد كان استقر بها بإبعاد أخيه إياه عن المغرب كما تقدم في اسمه فطلع على الوطن الغربي بإعانة من ملك النصارى عانى فيها هولًا كثيرًا واستقر بآخرة بعد إخفاق شيعته المراكشيةِ بساحل طنجة مستدعي ممن بجبال غمارة ودخلت سبتة وطنجة في طاعته‏.‏
وفر الناس عن منصور بن سليمان ضربة لازب وتقبض عليه وعلى ابنه فقتلا صبرًا نفعهما الله‏.‏
وتملك السلطان أبو سالم المدينة البيضاء يوم الخميس عشر لشعبان عام ستين وسبعمائة بنزول الوزير وسلطانه عنها إليه‏.‏
ثم دالت الدولة‏.‏
وكان من لحاق السلطان برندة واستعانته على رد ملكه ما يأتي في محله والبقاء وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى بن يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراس بن زيان قريب العهد باسترجاعها لأول أيام السعيد‏.‏
وبتونس الأمير إبراهيم بن الأمير أبي بكر بن الأمير أبي حفص بن الأمير أبي بكر ين أبي حفص بن إبراهيم بن أبي زكريا يحيى بن عبد الواجد لنظر الشيخ رأس الدولة وبقية الفضلاء الشهير الذكر الشائع الفضل المعروف السياسة أبي محمد عبد الله بن أحمد بن تأفراقين‏.‏
تحت مضايقة من عرب الوطن‏.‏
ومن ملوك النصارى بقشتالة بطره بن ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفنش بن هراندة إلى الأربعين وهو كما اجتمع وجهه تولى الملك على أخريات أيام أبيه في محرم عام أحد وخمسين وسبعمائة‏.‏
وعقد معه سلم على بلاد المسلمين‏.‏
ثم استمر ذلك بعد وفاته في دولة ولداه المترجم به وغمرت الروم‏.‏
وألقت العصا وأغضت القضاء وأجالت على الكثير من الكبار الردى بما كان من إخافته ساير إخواته لأبيه من خاصته العجلة الغالبة على هواه فنبذوه على سوء بعد قتلهم أمهم وانتزوا عليه بأقطار غرسهم فيها أبوهم قبل موته بمرعية أمهم‏.‏
وسلك لأول أمره سيرة أبيه في عدوله عن عهوده بمكابيه لمنصبه إلى اختصاص عجلة أنف بحراه كبار قومه من أجل ضياع بذره وانقراض عقبه فمال الخوارج عليه ودبروا القبض عليه وتحصل في أنشوطة يقضي أمره بها إلى مطاولة عقله أو عاجل خلع لولا أنه أفلت وتخلص من شراراها‏.‏
فاضطره ذلك إلى صلة السلم وهو الآن بالحالة الموصوفة‏.‏
الأحداث في أيامه لم يحدث في أيامه حدث إلا العافية المسحة والهدنة المتصلة والأفراح المتجددة والأمنة المستحكمة والسلم المنعقدة‏.‏
وفي آخر جمادى عام ست وخمسين وسبعمائة لحق بجبل الفتح فشمم شعبته وأبر متبوته كان على ثغره العزيز على المسلمين من لدن افتتاحه الموسوم الخطة المخصوص بمزية تشييده عيسى بن الحسن بن أبي منديل بقية الشيوخ أولي الأصالة والدهاء والتزيي بزي الخير والمثل الساير في الانسلاخ من آية السعادة والإغراق في سوء العقبى‏.‏
والله غالب على أمره فكان أملك بمصامه وقر عينه بلقاء ولده والتمتع منه بجواد عتيق‏.‏
ملي من خلال السياسة أرداه سوء الحظ وشؤم النصبة وأظلم ما بينه وبين سلطانه مسوغه برداء العافية على تفه صغر وملبسه رداء العفة على قدح الأمور أبدى منها الخوف على ولده وعرض ديسم عزمه على ذوبان الجبل فاتحطوا في هواه وغروه بكاذب عصبة فأظهر الامتناع سادس ذي قعدة من العام المذكور واتصلت الأخبار وساءت الظنون وضاقت الصدور ونكست الرؤوس لتوقع الفاقرة بانسداد باب الصريخ‏.‏
وانبتات سبب النصرة‏.‏
وانبعاث طمع العدو واتحطت الأطماع في استرجاعه واستقالته لمكان حصانته وسمو الذروة ووفور العدة ووجود الطعمة وأخذه بتلاشي الفرصة‏.‏
ثم ردفت الأخبار بخروج جيشه صحبة ولده إلى منازلة أشتبونة وإخفاق أمله فيها‏.‏
وامتساك أهلها بالدعوة وانتصافهم من الطائفة العادية فبودر إليها من مالقة بالعدد‏.‏
وخوطب السلطان من ملك المغرب أيده الله بالجلية فتحققت المنابذة واستقرت الظنون‏.‏
وفي الخامس والعشرين من شهر ذي قعدة ثار به أهل الجبل وتبرأ منه أشياعه وخذلوه بالفرار فأخذت شعابه ونقابه فكر راجعًا أدراجه إلى القاعدة الكبيرة‏.‏
وقد أعجله الأمر وحملته الطمأنينة على إغفال الاستعداد بها‏.‏
وكوثر فألقى به وقد لحق به بعض الأساطيل بسبتة‏.‏
لداعي تسور توطي على إمارته فقيد هو وأبنه وخيض بهما البحر للحين‏:‏ ولم ينتطح فيها عنزان رحمه الله سنام فئة ألقت بركها وأناخت بكلكلها وقد قدر أنها واقعة ليس لها من دون الله كاشفة فقد كان من بالجبل برموا على إيالة ذينك المرتسمين‏.‏
وألقوا أجوارها وأعطوهما الصفقة بما أطمعهما في الثورة ولكل أجل كتاب‏.‏
واحتمل إلى الباب السلطاني بمدينة فاس وبرز الناس إلى مباشرة إيصالهما مجلوبين في منصة الشهرة مرفوعين في هضبة المثلة‏.‏
ثم أمضى السلطان فيهما حكم الفساد بعد أيام الحرابة فقتل أشيخ بخارج باب السمارين من البلد الجديد‏.‏
بأيدي قرابته فكان كما قال الأول‏:‏ وقطهن رجل الولد ويده‏.‏
بعد طول عمل وسوء تناول ولم ينشب أن استنفذه حمامه فأضحى عبرة في سرعة انقلاب حالهما من الأمور الحميدة حسن طلعة وذياع حمد وفضل شهرة‏.‏
واستفاضة خيرية ونباهة بيت وأصالة عز إلى ضد هذه الخلال وقانا الله مصارع السوء ولا سلب عنا جلباب الستر والعافية‏.‏
وسد السلطان ثغر الجبل بآخر من ولده اسمه السعيد وكنيته أبو بكر فلحق به في العشر الأول من المحرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة ورتب له بطانته وقدر له أمره وسوغه رزقًا رغدًا وعيشًا خفضًا‏.‏
وبادر السلطان المترجم له إلى توجيه رسوله قاضيًا حقه مقرر السرور بجواره وأتبع ذلك ما يليق من الحال من بر ومهاداة ونزل وتعقبت بعد أيام المكافآت فاستحكم الود وتحسنت الألفة إلى هذا العهد‏.‏
والله ولي توفيقهم ومسني الخير والخيرة على أيديهم‏.‏
الحادثة التي جرت عليه واستمرت أيامه كأحسن أيام الدول خفض عيش وتوالى خصب وشياع أمن إلا أن شيخ الدولة القايد أبا النعيم رحمه الله أضاع الحزم‏.‏
وإذا أراد الله إنفاذ قضايه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم بما كان من أمنه جانب القصر الملزم دار سكناه من علية فيها أخو السلطان بتهاونه يحيل أمه المداخلة في تحويل الأمر إليه جملة من الأشرار دار أمرهم على زوج ابنتها اللائيس محمد بن إسماعيل بن فرج من القرابة الأخلاف وإبراهيم بن أبي الفتح‏.‏
والدليل الموروري‏.‏
وأمدته بالمال فداخل القوم جملة من فرسان القيود وعمرة السجون وقلاميد الأسوار‏.‏
وكانت تتردد إليه في سبيل زيارة بنتها الساكنة في عصمة هذا الخبيث المنزوع العصمة خارج القلعة حتى تم يوم الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من العام اجتمعوا وقد خفى أمرهم وقد تألفوا عددا يناهز الماية بالقوس الداخل من وادي هداره إلى البلد لصق الجناح الصاعد منه إلى الحمراء وكان بسورها ثلم لم يتم ما شرعوا فيه من إصلاحه فنصبوا سلمًا أعد لذلك وصعدوا منه‏.‏
ولما استوفوا قصدوا الباب المضاع المسلحة للثقة بما قبل فلما تجاوزوه أعلنوا بالصياح واستغلظوا بالتهويل‏.‏
وراعوا الناس بالاستكثار من مشاعل الخلفاء فقصدت طايفة منهم دار الشيخ القايد أبي النعيم فاقتحمته غلابًا وكسرت أبوابه وقتلته في مضجعه وبين أهله وولده وأنتهبت ما وجدت به‏.‏
وقصدت الأخرى دار الأمير الذي قامت بدعوته فاستنجزته واستولت على الأمر‏.‏
وكان السلطان متحولًا بأهله إلى سكني جنة العريف خارج القلعة فلما طرقه النبأ وقرعت سمعه الطبول سدده الله وساند أمره في حال الحيرة إلى امتطاء جواد كان مرتبطًا عنده في ثياب تبذله ومصاحبًا لأفراد من ناسه وطار على وجهه فلحق بوادي آش قبل سبوق نكبته وطرق مكانه بأثر ذلك فلم يلف فيه واتبع فاعيا المتبع‏.‏
ومن الغد استقام الأمر لأولي الثورة واستكملوا لصاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم بالأزمة وأرسلوا إلى ملك النصارى في عقد الصلح‏.‏
وشرعوا في منازلة وادي أش بعد أنثبت أهلها مع المعتصم بها فلازمته المحلات وولي عليه التضييق‏.‏
وخيف فوات البدر ونفاد القوة فشرع السلطان في النظر نفسه وخاطب السلطان أبا سالم ملك المغرب في شأن القدوم عليه فتلقاه بالقبول وبعث من يمهد الحيث في شأنه فتم ذلك ثاني يوم عيد النحر من العام‏.‏
وكنت عند الحادثة على السلطان ساكنًا بجننتي المنسوبة إلي من الحضرة منتقلًا إليها بجملتي عادة المترفين إذ ذاك من مثلي فتخطائى الحتف ونالتني النكبة فاستأصلت النعمة العريضة والجدة الشهيرة فما ابتقت طارفًا ولا تليدًا ولا ذرت قديمًا ولا حديثًا والحمد لله مخفف الحساب وموقظ أولي الألباب ولطف الله بأن تعطف السلطان بالمغرب إلى شفاعة بي بخطه وجعل أمري من فصول قصده‏.‏
ففكت عني أصابع الأعداء واستخلصت من أنيابهم ولحقت بالسلطان بوادي آش‏.‏
فذهب البأس واجتمع الشمل‏.‏
وكان رحيل الجميع ثاني عيد النحر المذكور فكان النزول بفحص ألفنت ثم الانتقال إلى لوشة ثم إلى أنتقيه ثم إلى ذكوان ثم إلى مربلة يضم أهل كل محل من هذه مأتمًا للحسرة ومناحة للفرقة‏.‏
وكان ركوب البحر صحوة الرابع والعشرين من الشهر والاستقرار بمدينة سبتة وكفى بالسلامة غنما والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏
وكان الرحيل إلى باب السلطان تحت بر لا تسعه العبارة ولقاؤنا إياه بظاهر البلد الجديد لإلمام ألم عاقه عن الإصحار والتغني على البعد يوم الخميس السادس لمحرم من عام أحد وستين بعده‏.‏
في مركب هايل واحتفال رايع رايق فعورض فيه النزول عن الصهوات والبر اللايق بمناصب الملوك والوصول إلى الدار السلطانية والطعام الجامع للطبقات وشيوخ القبيل‏.‏
وقمت يومئذ فوق رأس السلطان وبين يدي مؤمله فأنشدته مغريًا بنصره كالوسيلة بقولي‏:‏ سلا هل لديها من مخبرة ذكر وهل أعشب الوادي ونم به الزهر فهاج الامتعاض وسالت العبرات وكان يومًا مشهودًا وموقفًا مشهورًا طال به الحديث وعمرت به النوادي وتوزعتنا النزايل على الأمل شكر الله ذلك وكتبه لأهله يوم الافتقار إلى رحمته‏.‏
واستمرت الأيام ودالت الدولة للرئيس بالأندلس والسلطان تغلبه المواعيد وتونسه الآمال والأسباب تتوفر والبواعث تتأكد‏.‏
وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه واستقرت بي الدار بمدينة سلا مرابطًان مستمتعًا بالغيبة تحت نعمة كبيرة وإعفاء من التكليف‏.‏
وفي اليوم السابع لشوال من عام التاريخ قعد السلطان بقبة العرض بظاهر جنة المصارة لتشييعه بعد اتخاذ ما يصلح لذلك من آلة وحلية وقد برز الخلق لمشاهدة ذلك الموقف المسيل للدموع الباعث للرقة‏.‏
المتبع بالدعوات لما قذف الله في القلوب من الرحمة وصحبه به في التغرب من العناية فلم تنب عنه عين ولا حمل له موكب ولا تقلصت عنه هيبة ولا فارقته حشمة كان الله له في الدنيا الآخرة‏.‏
وأجاز واضطربت الأحوال‏.‏
بما كان من هلاك معينه السلطان أبي سالم وغدر الخبيث المؤتمن على قلعته به عمر بن عبد الله بن علي صعر الله حزبه وخلد خزيه وسقط في يده إلا أنه ثبتت في رندة من إيالة الأندلس الراجعة إلى إيالة المغرب قدمه فتعلل بها وارتاش بسببها إلى أن فتح الله عليه وسدد عزمه وأراه لما ضعفت الحيل صنعه فتحرك إلى بر مالقة وقد فغر عليها العدو فمه ثم أقبل على مالقة مستميتًا دونها فسهل الله الصعب وأنجح القصد واستولى عليها وأنثالت عليه لحيتها البلاد وبدا الريس المتوثب على الحضرة بعد أن استوعب الذخيرة والعدة في جملة ضخمة ممن خاف على نفسه لو وفى بذمة الغادر وعهده واستقر بنادي صاحب قشتالة فأخذه بجريرته وحكم الحيلة في جنايته وغدره وألحق به من شاركه في التسور من شيعته ووجه إلى السلطان بؤوسهم تبع رأسه‏.‏
وحث السلطان أسعده الله خطاه إلى الحضرة يتلقاه الناس مستبشرين وتتزاحم عليه أفواجهم مستقبلين مستغفرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين‏.‏
وكان دخول السلطان دار ملكه وعوده إلى أريكة سلطانه وحلوله بمجلس أبيه وجده زوال يوم السبت الموفي عشرين لجمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة وجعلنا الله من هم الدنيا على حذر وألهمنا لما يخلص عنده من قول وعمل‏.‏
وتخلف الأمير وولده بكره أسعده الله بمدينة فاس فيمن معه من جملة وخلفه من حاشية‏.‏
ولد المستولي على ملك المغرب في إمساكه إلى أن يسترجع رندة في معارضة هدفه‏.‏
ثم إن الله جمع لأبيه بجمع شمله وتمم المقاصد بما عمه من سعده‏.‏
وكان وصولي إليه معه في محمل اليمن والعافية وعلى كسر التيسير من الله والعناية يوم السبت الموفي عشرين شعبان عام ثلاثة وستين وسبعمائة‏.‏
ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور هنأ المسلمين ببركتها الوافرة ومزاياها المتكاثرة‏.‏
السلطان أيده الله قد مر ذكره ويسر الله من ذلك ما تيسر‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:00 AM


وزراؤه اقتضى حزمه إغفال هذا الرسم جملة مع ضرورته في السياسة وعظم الدخول حذرًا من انبعاث المكروه له من قبله وإن كان قدم بهذا اللقب في طريق منصرفه إلى الأندلس وإيامًا من مقامه برندة فنحله عن كره علي بن يوسف بن كماشة من عتاق خدامه وخدام أبيه مستصحبًا إياه مسدول التجمل على باطن نفرة مختوم الجرم على شوكه في حطبه في حبل المتغلب وإقراضه السيئة من الحسنة والمنزل الخشن إلى الإنفاق منه على الخلال الذميمة ترأسها خاصة الشوم علاوة على حمل الشيخ الغريب الأخبار والطمع في أرزاق الدور والاسترابة بمودة الأب وضيق العطن وقصر الباب وعي اللسان ومشهور الجبن‏.‏
ولما وقع القبض وساء الظن بعثه من رندة إلى الباب المريني ليخلى منه جنده ويجس مرض الأيام بعد أن نقل من الخطة كعبه فتيسر بعد منصرفه الأمر وتسني الفتح‏.‏
وحمله الجشع الفاضح والهوى المتبع على التشطط لنفسه والكدح لخويصته بما أقطعه الجفوة وعسر عليه العودة على السلطان بولده إلى أن بلغ الخبر برجوع أمره ودخول البلاد في طاعته‏.‏
فألقى ما تعين إليه وأهوى به الطمع البالغ في عرش الدولة ويرتاش في ريق انتقامها‏.‏
وتحرك وراية الإخفاق خافقة على رأسه قطب مخلصه وجوجوة عوده من شيخ تدور بين فتكه رحى جعجعة وتثور بين أضلاعه حية مكيدة وينعق فوق مساعيه غراب شوم وطيرة وحدث حرفاؤه صرفًا من مداخلة سلطان قشتالة أيام هذه المجاورة فبلغ أمنيته من ضرب وعد واقتنا عهد واتخاذ مدد وترصيد دار قرار موهمًا نفسه البقاء والتعمير والتملي وانفساح المدة والأمر وقيادة الدجن عند تحول الموطن لملة الكفر يسمح لذلك لنقصان عقله وقلة حيائه وضعف غيرته‏.‏
وطوى المراحل وقيض حمى تزلزل لها فكاه أضلها الحسرة وانتزاء الخبائث‏.‏
وتلقاه بمالقة إيعاز السلطان بالإقامة بها لما يتصل به من سوء تصريفه ثم أطلع شافع الحياء في استقامة وطنه طوق عتبه وصرفه إلى منزله ناظرًا في علاج مرضه‏.‏
ثم لما أفاق وقفه دون حده ولم يسند إليه شيئًا من أموره فشرع في ديدنه من الفساد عليه وقرس سلطان قشتالة شاكيًا إليه بثه وأضجر لسكني باديته بالثغر فراب السلطان أمره وأهمه شأنه فتقبض عليه وعلى ولده وصرفا في جملة من دائرة السوء ممن ثقلت وطأته فغربوا إلى تونس أوايل شهر رمضان من عام ثلاثة وستين‏.‏
ثم لما قفل من الحج واستقر ببجاية يريد المفرب حن إلى جوار النصانية التي ريم سلفه العبودية إليها فعبر البحر إلى برجلونه ينفض عناء طريق الحج على الصلبان ويقفو على آثار تقبيل الحجر الأسود تقبيل أيدي الكفار‏.‏
ثم قصد باب المغرب رسولًا عن طاغية برجلونه في سبيل فساد على المسلمين فلم ينجح فيه قصده فتقاعد لما خسر فيه ضمائه وصرف وكره إلى الاتصال بصاحب قشتالة وعن علي كتب إليه بخطه يتنفق عنده ويغريه المسلمين فتقبض عليه وسجن بفاس مع أرباب الجرائم‏.‏
وعلى ذلك استقر حاله إلى اليوم وأبرأ إلى الله من التجاوز في أمره‏.‏
ومن يضلل الله فما له من هاد‏.‏
ولما وفدت على السلطان بولده وقرت عيني بلقايه تحت سداده وعزه وفوق أريكة ملكه وأديت ما يجب من حقه عرضت عليه غرضي ونفضت له خزانة سري وكاشفته ضميري بما عقدت مع الله عهدي وصرفت إلى التشريق وجهي فعلقت بي لركومه علوق الكرامة ولاطفني بما عاملت البر بين الدعر والضنانة ويضرب الآماد وخرج لي عن الضرورة وأراني أن مؤازرته أبر القرب وراكنني إلى عهد بخطه فسح فيه لعامين أمد الثواء واقتدى بشعيب صلوات الله عليه في طلب الزيادة على تلك النسبة وأشهد م حضر من العلية ثم رمى إلى بعد ذلك بمقاليد رأيه وحكم عقلي في اختيار عقله وغطى جفائي بحلمه وحثا في وجوه شهواته تراب زجري ووقف القبول على وعظي وصرف هواه في التحول ثانيًا وقصدى واعترف بقبول نصحي فاستعنت بالله وعاملت وجهه فيه‏.‏
وصادقني مقارضة الحق بالجهاد ورمى إلي بدنياه وحكمني فيما ملكته يداه وغلبني على أمره لهذا العهد والله غلب على أمره‏.‏
فأكمل المقام ببابه إلى هذا التاريخ مدة أجرى الله فيها من يمن النقيبة واطراد السداد وطرد الهوى ورفض الزور واستشعار الجد ونصح الدين وسد الثغور وصون الجباية وإنصاف المرتزقة ومحاولة العدو وقرع الأسماع بلسان الصدق وإيقاظ العيون من نوم الغفلة وقدح زناد الرجولة ما هو معلوم يعضد دعواه ولله المنة سجية السذاجة ورفع التسمت وتكور المنسأه وتفويت العقار في سبيل القربة والزهد في الزبرج وبث حبال الآمال والتعزيز بالله عن الغنيمة وجعل الثوب غطاء الليل ومقعد المطالعة فراش النوم والشغل لمصلحة الإسلام لريم الأنفاس فأثمر هذا الكرخ وأثبج هذا المسعى مناقب الدولة بلغت أعنان وآثارًا خالدة ما بقيت الخضراء على الغبراء وأخبارًا تنقل وتروى إن عائدها الحاسد فضحه الصباح المنير وكاثره القطر المنثال وأعياه السيل المتدافع‏:‏ فما يختص من ذلك بالسلطان فخامة الرتبة ونباهة الألقاب وتجمل الرياش وتربع الشريعة وارتفاع التشادر ببابه والمنافسة الاغتباط منه بمجالس التنبيه والمذاكرة وبدر الدموع في حال الرقة والإشادة باحتقار الدنيا بين الخاصة وتعيين الصدقات في الأوقات العديدة والقعود لمباشرة المظالم ستة عشر يومًا في كل شهر من شهور الأهلة يصل إليه فيها اليتيم والأرملة فيفرح الضعيف وينظر حضور الزمن ويتغمد هفوة الجاهل ويتأثر لشكوى المصاب ويعاقب الوزعة على الأغلاط إلى إحسان الملكة في الأسري والأغراب في باب الحلم والإعياء في ترك الحظ والتبري من سجية الانتقام والكلف بإرباط الخيل واقتناء أنواع السلاح ومباشرة الجهاد والوقار في الهيعات وإرسال سجية الإيمان وكساد سوق المكيدة والتصامم عن السعاية هذا مع الشباب الغض والفاحم الجعد وتعدد حبائل الشيطان في مسالك العمر ومطاردة قانص اللذات في ظل السلم ومغازلة عيوم الشهوات من ثنايا الملوك‏.‏
وأيم الله الذي له تستخلص الحقوق وتيسر الستور وتستوثق العهود ولا تطمئن القلوب إلا يه ما كاذبته ولا راضيت في الهوادة طوله ولا سامحته في نقيض هذه الخلال‏.‏
ولقد كنت أعجب من نفاق أسواق الذكري لديه وانتظام أقسية النصح عنده وإيقاع نبات الرشد فيه نصيحة وأقول بارك الله فيها من سجية وهنأ المسلمين بها من نفس زكية‏.‏
وسيأتي بيان هذه النتائج وتفسير مجمل هذه الفضايل بحول من لا حول إلا به سبحانه‏.‏
والحال متصلة على عهده الوثير من إعانته بالوسوع والخروج له عن هذه العهدة والتسليم له في البقية إرهاقًا لسيف جهاده وجلاء لمرآة نصحه وتسوية إيزان عدله وإهابة لمحمد رشده شد العقدة عقدة وغيرة على حرمة ماله وعرضه ورعاية للسان العلم المنبئ عن شأنه ونيابة عنه في معقل ملكه ومستودع ماله وذخيرته ومحافظة على سره وعلانيته لحرمه وولده وعمرانًا للجوانح بتفضيله وحبه معاملة أخلص الله قصدها لوجهه وأمحضها من أجله ترفعه عن جراية رحل هلالها وإقطاع تنجع قدرته أو فصلة تعبث البنان بنشيرها وخطة تشد إليه على منشورها‏.‏
والله يرجح ميزاني عنده ويحظى وسبلتي لديه ويحرك مكافأة سعيي في خواطر حجه وينبه لتبليغ أملي من حج بيت الله وزيارة رسول الله بمنه وكرمه فما على استحثاث الأجل من قرار ولا بعد الشيب من أولاده كمل له في هذا الوقت من الولد أربعة ثلاثتهم ذكور يوسف بكره وأراه يتلوه سعد ثم نصرن غلمة روقة قد أفرغهم الله في قالب الكمال إذا رايتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا فسح الله لهم أمد السعادة وجعل مساعيهم جانحة إلى حسني العقبى سالكًا بهم سبيل الاهتداء بفضل الله ورحمته‏.‏
قضاته قدم لأول قدومه‏.‏
الفقيه القاضي الحسيبن الخير أبا جعفر بن أحمد بن جزي شاكرًا بلاءه بمالقة إذ كان قد ألقاه قاضيًا بها للمتغلب فلم يأل جهدًا في الإجلاب على من اعتصم بقصبتها والتحريض على استنزالهم فاتخذ زلفة لديه فأجرى الأحكام وتوخى السداد‏.‏
ثم قدم إليها الفقيه القاضي الحسيبن أبا الحسن علي بن عبد الله بن الحسن عين الأعيان ببلده مالقة والمخصوص برسم التجلة والقيام بوظيفة العقد والحل بها في الدولة الأولى وأصالة البيت والانقطاع إليه ومصاحبة ركابه في طلب الملك ومتسور المشاق من أجله وأولى الناس باستدار خلف دولته فسدد وقارب وحمل الكل وأحسن فصاحة الخطبة والخطة وأكرم المشيخة وأرضى واستشعر النزاهة ولم يقف في حسن التأني عند غاية واشتمل معها لفق الخطابة فأبرز وأعلم تسميًا وحفظًا وجهورية فاتفق في ذلك على رجاحته واستصحب نظره على الأحباس‏.‏
فلم يقف في النصح عند غاية أعانه الله‏.‏
كتابه أسند الكتابة إلى الفقيه المدرك المبرز في كثير من الخلال ملازمه أيضًا في طلب الملك‏.‏
ومطاردة قنص الحظ أبي عبد الله بن زمرك ويأتي التعريف بجميعهم‏.‏
شيخ عزاته متولي ذلك في الدولة الأولى الشيخ أبو زكريا يحية بن عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق قدمه إليها معتبًا إياه طاويًا بساط العدو بالجملة قدموها بابنه عثمان على الخاصة يومئذ لما ظهرته في الوجهة وسعيه في عودة الدولة‏.‏
واستمرت الحال إلى اليوم الثالث عشر لشهر رمضان من عام أربعة وستين وسبعمائة وكان القبض على جملتهم وأجلى هذا البيت من سفرة السياسة مدة مجتزيًا فيه بنظره على رسمه في الوزاة من قبيله‏.‏
ثم قدم إليها موعده بها القديم الخدمة وسالف الأدمة لما لجأ إلى وادي آش مفلتًا من وبقة الحادثة الشيخ أبا الحسن علي بن بدر الدين بن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق‏.‏
حلف السداد أيامه والمقاربة والفضل والدمائة المخصوص على اختصار بيمن النقيبة واستمرت أيامه إلى نقبة القفول عن غزوة جيان أخريات محرم من عام تسعة وستين وتوفي رحمه الله حتف أنفه فاحتفل لمواراته وإقرابه من تأبيه واستغفاره وتوفي رحمه الله حتف أنفه فاحتفل لمواراته وإقرابه من تأبيه واستفغاره والاعتراف بصدق موالاته وتفجيعه لفقده وما أعرب به من وفاء نجده وقدم لها عهدًا طرف اختياره الأمين الشهم والبهمة خدن الشهرة والمشار إليه بالبسالة وفرع الملك والأصالة عبد الرحمن بن الأمير أبي الحسن علي بن السلطان أبي علي عمر بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق إذ كان قد لحق به بعد ظهور أتيح له بوطنه من المغرب استقر مبايعًا بعمالة سجلماستة وما إليها وطن جده وميراث سلفه ففسح له جانب قبوله وأحله من قربه محل مثله وأنزله بين ثغر الأغتاط ونحره ثم استظهر به على هذا الأمر فأحسن الاختيار‏.‏
وأعز الخطة وهو القايم عليه لهذا العهد وإلى الله أسباب توفيقه‏.‏
ظرف السلطان وحسن توقيعه لا بد في هذا الباب من تقدمه وكثرة وقوعه بحيث لا يعد نادره وقليل الشيء يدل على كثيره‏.‏
مر بي يومًا ومعي ولده يرم اتخاذ حنق القرآن فقلت له أيدك الله الأمير يريد كذا ولا بد له من ذلك وأنا وكيله عليك في هذا فقال حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
ولا خفاء ببراعة هذا الملوك على عهده بالمغرب السلطان الجليل إبراهيم بن السلطان أبي الحسن بن السلطان أبي سعيد بن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق‏.‏
تولى ملك المغرب حسبما تقدم في اسمه وألقى إليه بالمقاليد واستوسقت له الطاعة وبحسب ما بث الله من إشرباب الخلق إليه وتعطشهم‏.‏
إلى لقاية ورغبتهم في إنهاضه إلى ملك أبيه كان انقلابهم إلى ضد هذه الخلال شرقًا بأيامه وإحصاء لسقطاته وولعًا باغتيابه وتربصًا لمكروه به إذ أخفقت فيه الأمال واستولت الأيدي من خدامه على ملكه‏.‏
وقيض الله لإبادة أمره وتغير حالة وهد ركنه الخائن الغادر نسمة السوء وقذار ناقة الملك وصاعقة الوطن وحرد السيد عمر بن عبد الله بن علي مؤتمنة على البلد الجديد دار ملكه ومستودع ماله وذخيرته فسد الباب دونه‏.‏
وجهر يخلعانه‏.‏
وفض في اتباع الناعق المشئوم سور ماله وأقام الدعوة باسم أخيه أبي عمر ذي اللوثة الميئوس من إفاقته وذلك صحوة اليوم الثامن عشر لشوال من عام اثنين وستين وسبعمائة‏.‏
وبادر السلطان أبو سالم البيعة من متحول سكناه بقصر البلد القديم وصابر الأمر عامة اليوم‏.‏
ولما جن الليل فر لوجهة وأسلم وزراءه وخاصته وقيدت خطاه الخيرية فأوى إلى بعض البيوت وبه تلاحق متبعه فقيد إلى مصرعه السوء بظاهر بلده وحز رأسه وأوتى به إلى الغادر‏.‏
وكان ما بين انفصال السلطان عنه مودعًا إلى الأندلس بإعانته ومطوق فضل تلقيه وقوله وحسن كفالته ثمانية أشهر ويوم واحد‏.‏
واستمرت دعوة أخيه المموه به إلى الرابع والعشرين من صفر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة واستدعى من باب قشتالة الأمير محمد أبو زيان بن الأمير أبي زيد بن عبد الرحمن بن السلطان المعظم أبي الحسن‏.‏
وقد استقر نازعًا إليه أيام عمه السلطان أبي سالم وقع عليه اختيار هذا الوزير الغادر إذ وافق شن تغلبه طبق ضعفه وأعمل الحيلة في استجلابه فوصل حسب غرضه وأجريت الأمور باسمه وأعيد أخوه المعتوه إلى مكانه واستمرت أيام هذا الأمير مغلوبًا عليه مغري بالشراب على فيه وبين الصحب إلى أن ساءت حاله وامتلأت بالموجدة على الوزير نفسه فعاجله بحتفه وباشر اغتياله وأوعز إلى خدامه بخنقه وطرحه بحاله في بعض سواقي قصره متبعًا ببعض أواني خمره وهم بذلك قابله ترديه سكرًا وهويه طفوحًا‏.‏
ووقف عليه بالعدول عند استخراجه وندب الناس إلى مواراته وبايع يومه ذلك أبا فارس عبد العزيز وارث ملك أبيه السلطان أبي الحسن المنفرد به وخاطب الجهات بدعوته وهو صبي ظاهر النبل والإدراك مشهور الصون وأعمل الحيلة لأول أمره على هذا الوزير مخيف أريكو ملكه ومظنة البدا في أمره فطوقه الحمام واستأصل ما زراه من مال وذخيرة شكر الله على الدولة صنيعه وفي ذلك يقول‏:‏ تغدًا به عبد العزيز مبادرًا وعاجله من قبل أن يتعشاه وكان بعده وليه الحق ونصيره لا إله إلا هو‏.‏
وهو اليوم ملك المغرب مزاحمًا بابن أخيه السلطان أبي سالم المعقود البيعة بمراكش وما إليها جمع الله شتات الإسلام ورفع عن البلاد والعباد مضرة الفتنة‏.‏
وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى بن الأمير أبي يعقوب يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى بن يغمراسن بن زيان‏.‏
حسبما كان في الدولة الأولى متفقها منه على خلال الكرم والحزم مضطلعًا بأمره والقيام على ما بيده‏.‏
وبتونس الأمير أبو سالم إبراهيم بن الأمير أبي يحيى بن أبي حفص حسبما تقدم ذكره‏.‏
ومن ملوك النصارى فبقشتالة سلطانها المتقدم الذكر في الدولة الأولى بطره بن السلطان ألهنشة نب هراندة بن شانجه بن ألهنشة بن هراندة متأكدة بينهما السلم الجمة والهدنة المبرمة بما سلف من مظاهرته إياه والحرص على ما استحاله من المغرب في أطوله وبعثه إليه برأس عدوه المتوثب على ملكه ورؤوس أشياعه الظالمين الغدرة وأتباعه الفجرة مستمرة أيامه إلى وسط شعبان عام سبعة وستين صارفًا وجهه إلى محاربة صاحب برجلونة مستوليًا على كثير من قواعده الشهيرة وقلاعه المنيعة لما أسلفه به من إجازته أخيه أندريق المدعو بالقند ومظاهرته حتى ساءت أحواله وأحوال عدوه وأوهنت الحركات قوى جيشه وأضعف الاحتشاد عمرة أرضه واشرأبت القلوب إلى الانحراف عن دعوته ومالت النفوس إلى أخيه وقامت البلاد بدعوته وتلاحقت الوجوه بجهته ورام التمسك بإشبيلية دار ملكه فثار أهلها به في عام سبعة وستين‏.‏
فخرج فارًا عنها به والسلاح يهش إليه وبعد أن استظهر بخويصته وأحمل ما قدر عليه من ذخيرة ورفع من له من ولد وحرمة رأى سخنة العين من انتهاب قصوره وتشعيث منازله وعياث الأيدي في خزائنه وأسمعه الناس من محض التأنيب وأعراض الشتمات ما لا مزيد عليه ولاذ بصاحب برتغال فنأى عنه جانبه لما يجنيه أبواه من مخالفة رأي الأمة فيه فقصد بلاد غليسية وتلاحق أخوه أندريق بحضرة إشبيلية فاستوى على الملك وطاعت لأمره البلاد وعاجله المسلمون لأول أمره فاستولوا على كثير من الثغور والحمد لله‏.‏
ولما توسد له الأمر تحول لاستئصال شأفة المخلوع فأجلى عن غليسية في البحر واستقر ببلد بيونة مما وراء دروب قشتالة وانتبذ عن الخطة القشتالية وأمر نفسه ولجأ إلى ابن صاحب الأنتكيرة وهو المعروف ببرقسين أبي الأمير وبين أول أرضه وبين قشتالة ثمانية أيام فقبله ولد السلطان المذكور الساكن بأول ما تلقاه من تلك الأرض وسفر بينه وبين أبيه‏.‏
فأنكر الأب استئذانه إياه والمراجعة في نصره جمية له وامتعاضًا للواقع‏.‏
وحال هذه الأمة غريبة في الحماية المزدودة بالوفاء والرقة والاستهانة بالنفوس في سبيل الحمد وبين يدي العشايق عادة العرب الأول‏.‏
وأخبارهم في القتال غريبة من الاسترجال والزحف على الأقدام أميرهم ومأمورهم والجئو في الأرض أو دفن ببعض الأرض في التراب والاستظهار في حال المحاربة ببعض الألحان المهيجة ورماتهم قسيهم غريبة جافية وكلهم في دروع والإحجام عندهم والتقهقر مقدار الشبر ذنب عظيم‏.‏
وعار شنيع ورماتهم يثبتون للخيل في الطراد وحالهم في باب التحلي بالجواهر وكثرة آلات الفضة غريب‏.‏
وبعد انقضاء سبعة عشر يومًا كان رجوعه ورجوع البرنس المذكور معه مصاحبًا بأمراء كثيرين من خترانه وقرابته وبعد أن أسلفوه مالًا كثيرًا واختص من ه صاحب الأنتكيرة بمائتي ألف دينار من الذهب إلى ما اختص به غيره وارتهنوا فيه ولده وذخيرته‏.‏
وكان ينفق على نفسه وجيشه بحسب دينار واحد من الذهب للفارس في ثلاثة أيام وكان تأليف الجيوش في بنبلونة في أزيد من ثلاثين ألفًا وعسر عليهم المجاز على فحص أحدونيه لبلاد تمسك لطاعة القند أخيه فصالح القوم صاحب نباره على الإفراج لهم ونزلت المحلات في فحص نبارة ما بين حدود أرض نبارة وقشتالة ونزل المتصير إليه أمر قشتالة القند بإزايها في جموع لم تنظم لمثله إلا أنه لشهامته واغتراره أجاز خندقًا كان بين يديه وعبر جسرًا نشب فيه عند الجولة‏.‏
وكان اللقاء بين الفريقين يوم السبت سادس إبريل العجمي وبموافقة شعبان من عام ثمانية وستين‏.‏
وكان هذا الجموع الإفرنجي الآتي من الأرض الكبيرة في صفوف ثلاثة مرتبة بعضها خلف بعض ليس فيهم فارس واحد وإنما هم رجالة سواء أميرهم ومأمورهم في أيديهم عصي جافية في غلظ المعاصم يشرعونها أمامهم بعد إثبات زجاجها فيما خلفهم من الأرض يستقبلون منها وجوه عدوهم ونحور خيله ويجعلونها دعايم وتكآت لبناء مصافهم فلم تقلقهم المحلات وبين أيديهم من الرماح الناشبة الدارعة ما لا يحصيهم إلا الله عز وجل‏.‏
وسايرهم السلطان مستدعي نصرهم راجلًا أميالًا برأيهم إلى أن أعيا بعد ميلين منها فأركبوه بغلة حملوه بينهم عليها إلى موقف اللقاء والقند‏.‏
وكان على مقدمة القوم الدك أخو البرنس والبرنس مع السلطان مستجيره في القلب والقند المعروف بقندار مانيان وكثير من الأمراء ردا وسيفه دونهم ومن خلف الجميع الخيل بجنبها ساستهم وغلمانهم وخدامهم ووراءها دواب الظهر وأبغالهم وفي أثنا هذه العبية من البنود وآلات الحرب والطرب والأبواق ما يطول ذكره‏.‏
وكان في مقدمة القند المستأثر بملك قشتالة أخوه شانجه في رجل قشتالة قد ملأ السهل والجبل ومن خلفهم أولو الخيل الجافية القبيلية المسبغة الدروع من رأس إلى حافر فينحو ألف وخمسماية وفي القلب أخوه الآخر دنطية في جمهور الزعماء والفرسان والدرق وهو الأكثر من رجال الجيش اليوم ومن رائهم السلطان أندريق في لفيف من الناس‏.‏
ولما حمل بعضهم على بعض أقدم رماة الفرنج ثقة بدروعهم فعظم أثرهم فيمن بإزايهم من رماة عدوهم ورجالهم لكونهم كشفاء فكشفوا إياهم‏.‏
وحملت خيل قشالة الدارعة فزحزحت كر المصاف الإفرانجي واتصل الحرب بالبرنس وهو مطل عليهم في ربوة فصاح بهم بحيث أسمع وتناول شيئًا من التراب فاستفه وكسر ثلاث عصيي وفعل من معه مثل فعله وهي عادتهم عند الغضب وعلامة الإقدام الذي لا نكوص بعده‏.‏
ووجه إلى أخيه في المقدمة يقول له إن وجدت نفسك ضعفًا فاذكر أنك ولد صاحب الأنتكيرة‏.‏
وحمل الكل حملة رجل واحد فلم تجد الخيل الدارعة سبيلًا وقامت في نحورها تلك الأسنة فولوا منهزمين‏.‏
ولما رأى القند هزيمة أخيه تقدم بنفسه بمن معه من مدد الأمة الرغونية وهو ينادي يا أهل قشتالة يا موالي إياكم والعار‏.‏
هأنذا فلم يثبت أمره وتراجع فله‏.‏
فعند ذلك فر في أربعة من أولى ثقته واستولى القتل والأسر على خاصته وتردى المنهزمون في الوادي خلفهم‏.‏
فكان ذلك أعون الأسباب على هلكهم فأناف عدد من هلك في هذه الوقيعة حسبما اشتهر خمسين ألفًا‏.‏
وامتلأت أيدي هذه الأمة من الأسلحة والأموال والأمتعة والأسرى الذين يفادونهم بمال عظيم واتصل القند المنهزم بأرض رغون ثم تجم من البلاد الفرنسية‏.‏
ودخل أخوه بهذه أمة أوايل البلاد معترفًا بحميد سعيهم وعزيز نصرهم وقد رابه استيلاؤهم وأوجسه تغلبهم وساءه في الأرض الرعادة عيائهم فاستأذنهم في اللحوق بقواعد أرضه وقبض الأموال التي تجبى منها نفقاتهم وقبض منها ديونهم قبله وحث السير فوصل طليطلة لا يصدق بالنجاة وخاطب السلطان المترجم به وقدر وده وحذره سورة هذه الأمة التي فاض بحرها وأعيا أمرها وأنهى إليه شرها وشره إلى استيصال المسلمين‏.‏
وحد له مواعدها التي جعلت لذلك‏.‏
ووصل إشبيلية وانثالت البلاد عليه وعادت الإيالة إلى حكمه ثم شرع في جعل الضرايب وفرض الأموال وأخاف الناس بالطلب والتبعات فعاد نفورهم عنه جزعًا‏.‏
وامتنعوا من الغرم وطردوا العمال وأحس بالشر فتحصن بإشبيلية وجهاتها على نفسه وطال على الأمة الواصلة في سبيل نصره الأمر‏.‏
فرجعت إلى بلادها ووقيت نفرة الفرسان وأولى الأتباع وأظهروا الخلاف وكشفت ديان وجهها في خلعانه والرجوع إلى دعوة أخيه المتصرف فتحرك إليها السلطان المترجم به بعد أن احتشد المسلمين فكان من دخولها عنوة واستباحة المسلمين إياها وتخريبها ما هو مذكور في موضعه‏.‏
ثم ألحقت بها مدينة أبدة الذاهبة في مخالفة مذاهبها والحمد لله‏.‏
وخالفت عليه قرطبة واستقر بها من الكبار جملة كاتبوا أخاه واستعجلوا فتعرف في هذه الأيام أنه قد بلغ أرض برغش ونار الفتنة بينهم ويد الإسلام لهذا العهد وإنما مددنا القونل في ذكر هذه الأحوال الرومية لغرابة تاريخها ولستشعر الحذر ويؤخذ من الأمة المذكورة وغيرها والله ولي نصر المؤمنين بفضله‏.‏
وبأرض رغون سلطانها الكاين على الدولة الأولى‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:02 AM

بعض مناقب الدولة لهذا العهد وأولا ما يرجع إلى مناقب الحلم والكظم من مآزق الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس‏.‏
فمن ذلك أن السلطان لما جرت الحادثة وعظه التمحيص وألجأ إلى وادي آش لا يملك إلا نفسه في خبر طويل بادر إلى مخاطبة ثقته بقصبة ألمرية قلعة الملك ومظنة الامتناع ومهاد السلامة ومخزن الجباية والعدة وقد أصبح محل استقراره بينها وبين المنتزى سدًا وبيعة أهلها لم ينسخ الشرع منها حكمًا يناشده الله في رمقه ويتملقه في رعي ذمته والوفاء له وإبراء غربته وتمسكه من أمانته فرد عليه أسوأ الرد‏.‏
وسجن رسوله في المطبق وخرج منها لعدوه وناصح بعد في البغي عليه‏.‏
فلما رد الله الأمر وجبر الحق أعتب وأجرى عليه الرزق‏.‏
ولما ثار في الدولة الثانية الدليل البركي هاتفًا بالدعوة لبعض القرابة وأكذبه الله وعقه الشيطان بعد نشر راية الخلاف وجعل للدولة علو اليد وحسن العاقبة وتمكن من المذكور أبقى عليه وغلب حكم المصلحة العامة في استحيائه وهو من مغربات الحلم المبني على أساس الدين وابتغاء ولما أجلى عن الترشيح من القرابة بعد تقرب التهمة وغمس الأيدي في المعصية صرفوا إلى المغرب صرف العافية وأجرى على من تخلفوه عوايد الأرزاق ومرافق المواسم ووعد ضعفاءهم بالإرفاد وتجوفى عما يرجع للجميع من عقار ورباع وأسعفت آمالهم في لحاق ذويهم من أهل وولد‏.‏
ومما يرجع إلى عوايد الرفق ومرافق العدل من مأزق في جهاد النفس وقوف وكيل الدولة مع من يجاور مستخلص السلطان من العامرين ومما ولي الفلاحة وقد ادعوا أضرارًا يجره الحوار بين يدي القاضي بالحضرة حتى بعد منقطع الحق على ما يخص السلطان من الأصول التي جرها الميراث عن كريم السلف‏.‏
ولا كقضية التاجر المعروف بالحاج اللباس من أهل مدينة وادي آش وقد تحصلت في داره من قبل التاجر المذكور جارية من بنات الروم في سبيل تفوت الذمم ومستهلك المتولات وترقت إلى تربية ولده وأصبحت بعض الآظار لأمرايه واتصل بها كلفه وزاد هيمانه وغشي مدافن الصاحين من أجلها وأنهيت إليه خبره وبثه‏.‏
وقررت عنده شجوه وألمعت بما ينقل في هذا الباب عن الملوك قبله فبادر إلى إخراجها من القصر بنفسه وانتزاعها من أيدي الفبطة انتزاع القهر بحاله في جميل الزي فمكنت منها يد عاشقها الذاهل وقد خفت نفسه وسكن حسه وكاد لقاؤه إياها أن يقضي عليه‏.‏
ونظاير هذا الباب متعددة‏.‏
ومن مواقف الصدق والإحسان من خارق جهاد النفس‏.‏
بناء المارستان الأعظم حسنة هذه التخوم القصوى‏.‏
ومزية المدينة الفضلى‏.‏
لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول مع توفر الضرورة وظهور الحاجة فأغرى به همة الدين ونفس التقوى فأبرزه موقف الأخدان ورحلة الأندلس وفذلكة الحسنات فخامة بيت وتعدد مساكن ورحب ساحة ودرور مياه وصحة هواء وتعدد خزاين ومتوضآت وانطلاق جراية وحسن ترتيب أبر على مارستان مصر بالساحة العريضة والأهوية الطيبة وتدفق المياه من فورات المرمل وأسود الصخر وتموج البحر وانسدال الأشجار‏.‏
إلى موافقته إياي وتسويغه ما اخترعتنه بإذنه وأجريته بطيب نفسه من اتخاذ المدرسة والزاوية وتعيين التربة مغيرًا في ذلك كله على مقاصد الملوك نقشًا عليه بطيب اسمه في المزيد وتخليد في الجدرات للذكر وصونًا للمدافن غير المعتادة في قلب بلده بالمقاصر والأصونة وترتيل التلاوة آناء الليل وأطراف النهار‏.‏
وكل ذلك إنما ينسب إلى صدقاته وعلو همته ويشهد بما ينبه الحس إلى المنقبة العظمى في هذا الباب من إمداد جبل الفتح مع كونه في إيالة غيره وخارج عن ملكة حكمه وما كان من إعانته وسد ثغره فانهار إليه على خطر السرى والظهر البعيد المسعى ما ملأ الأهواء وقطع طمع العداة أنفقت عليه الأموال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة بودر بذلك بين يدي التفاؤل بنزول العدو إياه فكان الكرى على إيصال الطعام إليه بحساب درهم واحد وربع درهم للرطل من الطعام منفعة فذة وحسنة كبرى وبدعًا من بدع الفتوى‏.‏
وفي موقف الاستعداد لعدو الإسلام من خارق جهاد النفس إطلاق البنى للمدة القريبة والزمان الضيق باثنين وعشرين ثغرًا من البلاد المجاورة للعدو والمشتركة الحدود مع أراضيه المترامية النيران لقرب جوابه منها ثغر أرجدونة المستولي عليه الخراب‏.‏
وأنفق في تجديد قبضته‏.‏
واتخاذ جبه‏.‏
ما يناهز عشرين ألفًا من الذهب فهو اليوم شجي العدو ومعتصم المسلمين‏.‏
وحصن أشر وما كان من تحصين جبله بالأسوار والأبراج على بعد أقطاره‏.‏
واتخاذ جباب الماء به واحتفار السانية الهايلة برضه وترك بها من الآثار ما يشهد بالقوة لله والعناية بالإسلام‏.‏
ثم ختم ذلك بنديد حصن الحمراء رأس الحضرة ومعقل الإسلام ومفزع الملك ومعقد الأيدي‏.‏
وصوان المال والذخيرة بعد أن صار قاعًا صفصفًا‏.‏
وخرابًا بلقعًا فهو اليوم عروس يحلى المهضب ويغازل الشهب سكن لمكانه الإرجاف وذوت نجوم الأطماع ونقل إليه مال الجباية المتفضل لهذا العهد بحسب التدبير ونفد الخراج وصون الألقاب وقمع الخزانة بما لم يتقدم به عهد من ثمانين سنة والحمد لله‏.‏
وتجديد أساطيل الإيلام وإزاحة علل جيوش المرج وعساكر البحر فهي لهذا العهد ملس الأديم شارعة الشبا منقضة جفاتها إلى مساواة الأعداء راكبة ظهور المحاسن قلقة الموافق قدمًا إلى الجهاد قد تعدد إعزاؤها وجاست البحر سوابحها وتعرفت بركتها والحمد لله وأنصاب جيش الجهاد استغرق الشهور المستقبلة لرود الصفراء والبيضاء الأهلة إلى أكف أهلها على الدوام بعد أن كانت يتحيفها المطل وينقصها المطال والحمد لله‏.‏
وفي مواقف الجهاد الحسي وبيع النفوس من الله وهو ثمرة الجهاد الأول ما لا يحتاج عليه إلى دليل من الجوف إلى حصن أشر قبل الثغر والجارح المطل على الإسلام والعزم على افتتاحه‏.‏
وقد غاب الناس من مساورته وأعيى عليهم فتحه فلزمه السلطان بنفسه بياض يوم القيظ محرضًا للمقاتلة مواسيًا لهم خالطًا نفسه بالمستنفرة يصابر لهيب النار ووقع السلاح وتعميم الدخان مفديًا للكلمات محرضًا لذوي الجراح مباشرًا الصلاة على الشهداء إلى أن فتحه الله على يده بعزمه وصبره فباشر رم سوره بيده وتحصين عورته بنفسه ينقل إليه الصخر وينال الطين ويخالط الفعلة لقرب محل الطاغية وتوقع المفاجأة‏.‏
ثم كان هذا العمل قانونًا مطردًا في غيره وديدنًا في سواه حسبما نذكر في باب الجهاد‏.‏
وفي باب النصيحة للمسلمين من مآزق الجهاد الأكبر ما صدر في هذه الدولة من مخاطبة الكافة بلسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدعت بذلك الخطباء من فوق أعواد نص الكتاب ولما صحت الأخبار بخروج الأمة الإفرنسية إلى استئصال هذه البقيعة والله متم نوره ولم كره الكافرون صدر من مخاطبة الجمهنور في باب التحريض بما نصه‏:‏ من أمير المسلمين عبد الله محمد بن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج بن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد نصر أيده الله ونصره وأوى أمره وخلد مآثره‏.‏
إلى أوليائنا الذين نوقظ من الغفلة أحلامهم وندعوهم لما يطهر من الارتياب إيمانهم ويخلص لله أسرارهم وإعلانهم يرثي لعدم إحسانهم وخيبة قياسهم ويغار من استيلاء الغفلات على أنواعهم وأجناسهم ونسأل الله لهم ولنا إقالة العثرات وتخفيض الشدائد المعتورات وكف أكف العوادي المبتدرات‏.‏
إلى أهل فلانة دافع الله عن فئتهم الغريبة وعرفهم في الذراري والحرم عوارف اللطائف القريبة وتداركهم بالصنايع العجيبة سلام عليكم أجمعين ورحمة الله وبركاته‏.‏
أما بعد حمد الله الذي لا نشرك به أحدًا ولا نجد من دونه ملتحدًا مبتلى قلوب المؤمنين أيها أقوى جلدًا وأبهد في الصبر مدًا ليزيد الذين اهتدوا هذى‏.‏
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنقذ من الردى وتكفل بالشفاعة لم غدًا ضاربًا هام العدا ومجاهدًا من اتخذ مع الله ولدا والرضى عن آله الذين كانوا لسماء ملته عمدًا فلم ترعهم الكتايب الوافرة وكانوا لهم أقل عددًا ولا هالتهم أمم الكفر وإن كانت أظهر جمعًا وأكثر عددًا صلاة لا تنقطع أبدًا ورضى لا يبلغ مدًا‏.‏
فإنا كتبنا إليكم كتبكم الله فيمن امتلأ قلبه غضبًا لأعدايه وحمية ورمى بفكره غرض السداد فلم يخط منه هدفًا ولا رمية‏.‏
وقد اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ورعى الجوار والذمام وما جعل الله للمأموم على الإمام فوجب علينا إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة وجمع أهوايكم المفترقة وتهيئكم إلى مصادمة الشدايد المرعدة المبرقة وهو أن كبير النصرانية الذي أليه ينقادون وفي مرضاته يصادقون ويعدون وعند رؤية صليبه يبكون ويسجون لما رأى الفتن قد أكلتهم خضمًا وقضمًا‏.‏
وأوسعتهم هضمًا فلم تبق لهم عصبًا ولا عظمًا ونثرت ما كان نظمًا أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ويرفع ما طرق ويرفى ما مزق الشتات وخرق فرمى الإسلام بأمة عددها كالقطر المغثال والجراد الذي تضرب به الأمثال وعاهدهم وقد حضر التمثال وأمرهم وشأنهم الامتثال أن يدمنوا لمن ارتضاه الطاعة ويجمعوا من ملته الجماعة ويطلع الكل على هذه الفئة القليلة الغريبة لغتة كقيام الساعة وأقطعهم قطع الله بهم العباد والبلاد‏.‏
والطارف والتلاد وسوغهم الحريم المستضعف والأولاد وبالله نستدفع مالا نطيقه‏.‏
ومنه نسأل عادة الفرج فما سدت لديه طريقه إلا أنا رأينا غفلة الناس مع تصميمهم مؤذنة بالبوار‏.‏
وأشفقنا للذين من وراء البحار وقد أصبح معظمهم في لهوات الكفار وأردنا أن نهزهم بالموعظة التي تكحل البصاير بميل الاستبصار‏.‏
وتلهمكم الاستنصار بالله عند عدم الانتصار فإن جبر الله الخواطر بالضراعة إليه والانكسار ونسخ الإعسار بالإيسار وأنجد اليمين بانتهاء اليسار وإلا فقد تعين في الدنيا والآخرة حظ الخسار فإن من ظهر عليه عدو دينه وهو عن الله مصروف وبالباطل مشغوف وبغير العرف معروف‏.‏
وعلى الحطام المسلوب ملهوف فقد تله الشيطان للجبين وخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين‏.‏
ومن نفذ فيه قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود وآجر بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ووطن النفس عن الشهوات الموبقة في دار الخلود العايدة بالحياة الدايمة والوجود أو الظهور على عدوه المحشود إليه صبرا على المقام المحمود وبيعًا تكون املائكة فيه من الشهود حتى تعيث يد الله في ذلك البناء المهدوم بقوة الله المحمود والسواد الأعظم الممدود كان على أمر ربه بالحياء المردود ‏"‏ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ‏"‏‏.‏
فالله الله في الهمم فقد خبت ريحها‏.‏
والله الله في العقايد‏.‏
فقد خفت مصابيحها‏.‏
والله الله في الرحولة فقد فل حدها‏.‏
والله الله في الغيرة‏.‏
فقد نعس حدها‏.‏
والله الله في الدين فقد طمع العدو في تحويله‏.‏
والله الله في الحريم‏.‏
فقد مد إلى استرقاقه يد تأميله‏.‏
والله الله في المساكن التي زحف لسكناها والله الله في الملة التي يردي إطفاء نورها وسناها وقد كمل فضلها وتناهى‏.‏
والله الله في القرآن العظيم‏.‏
والله الله في الجيران‏.‏
والله الله في الطارف والتالد والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن والوالد‏.‏
اليوم تستأسد النفوس المهينة‏.‏
اليوم يستنزل الصبر والسكينة‏.‏
اليوم تحتتج الهمم أن ترعى هذه النفوس الكريمة الذمم اليوم يسلك سبيل العزم والحزم والشدة والشمم اليوم يرجع إلى الله تعالى المصرون اليوم يقيق من نومه الغافلون والمغترون‏.‏
قبل أن يتفاقم الهول ويحق القول ويسد الباب ويحيق العذاب ويسترق بالكفر والرقاب‏.‏
فالنساء تقي بأنفسهن أولادهن الصغار‏.‏
والطيور ترفرف لتحمي الأوكار إذا أحست العياث بأفراخها والأضرار‏.‏
تمر الأيام عليكم مر السحاب وذهاب الليالي لكم ذهاب‏.‏
فلا خبر يفضي إلى العين ولا حديث في الله تعالى يسمع بين اثنين ولا كد إلا لزينة يحلى بها نحر وجيد ولا سعي إلى في متاع لا يغني في الشدائد ولا يفيد‏.‏
وبالأمس ندبتم إلى التماس رحمي أو رضى مسخر السحاب واستقالة أكاشف العذاب وسؤال مرسل الديمة ومحيي البشر والبهيمة وقد أمسكت عنكم رحمة السماء واغبرت جوانبكم المخضرة احتياجًا إلى إيالة الماء وفي السماء رزقكم وما توعدون‏.‏
وإليها الأكف تمدون وأبوابها بالدعاء تقصدون فلم يصرح منكم عدد معتبر ولا ظهر للإنابة ولا للصدقة خبر وتنوقوون عن إعادة الرغبة إلى الغنى الحميد والولي الذي إن شا يذهبكم ويأت بخلق جديد‏.‏
وأيم الله لو كان لهوا لارتقبت الساعات وضاقت المتسعات‏.‏
وتزاحمت على جماله وغصت الجماعات‏.‏
أتعززًا على الله وهو القوي العزيز وتلبيسًا على الله وهو الذي يميز الخبيث من الطيب والشبه من الإبريز أمنابذة والنواصي بيده أغرورًا في الشدايد بالأمل والرجوع بعد إليه‏.‏
من يرجى في الشدايد والأزمات من يوجد في المحيا والممات أفي الله شك يختلج القلوب أم غير الله يدفع المكروه وييسر المطلوب‏.‏
تفضلون على اللجأ إليه في الشدايد بواسم الجهل وثرة الأهل وطايفة منكم قد بررت إلى استسقاء رحمته تمد إليه الأيدي والرقاب‏.‏
وتستكشف بالخضوع لعزته العقاب وتستعجل إلى مواعد إجابته الارتقاب وكأنكم أنتم عن كرمه قد استغنيتم أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم‏.‏
أما تعلمون كيف كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه من التبلغ باليسير والاستعداد إلى دار الرحيل الحق والمسير ومداومة الجوع وهجر الهجوع والعمل على الإياب إلى الله والرجوع‏.‏
دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها وبيدها كسرة شعير فقال ما هذه يا فاطمة فقالت يا رسول الله خبزت قرصة وأحببت أن تأكل منها فقال يا فاطمة أما أنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث‏.‏
وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم سبعين مرة يلتمس رحماه ويقوم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تورمت قدماه وكان شأنه الجهاد ودأبه الجد والاجتهاد ومواقف صبره تعرفها الربى والوهاد‏.‏
فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون‏.‏
وإذا لم تهتدوا بهدية فبمن تهتدون وإذا لم ترضوه باتباعكم فكيف تعتزون إليه وتنتسبون وإذا لم ترغبوا في الاتصاف بصفاته غضبًا لله تعالى وجهادًا وتقللًا من العرض الأدنى وسهادًا ففيم ترغبون فابتروا حبال الآمال فكل آت قريب واعتبروا بمثلات ما دهم من تقدم من أهل البلاد والقواعد فذهولكم عنها غريب وتفكروا في منابرها التي كان يعلوها واعظ أو خطيب ومطيل ومطيب ومساجدها المتعددة الصفوف والجماعات المعمورة بأنواع الطاعات وكيف أخذ الله فيها بذنب المترفين من دونهم وعاقب الجمهور بما أغمضوا عيونهم وساءت بالغفلة عن الله عقبى جميعهم وذهبت النقمات بعاصيهم ومن داهن في أمره من مطيعهم وأصبحت مساجدهم مناصب للصلبان واستبدلت مآذنهم بالنواقيس من الأذان‏.‏
هذا والناس ناس والزمان زمان‏.‏
فما هذه الغفلة عن من إليه الرجعى وإليه المصير وإلى متى التساهل في حقوقه وهو السميع البصير وحتى متى مد الأمل في الزمن القصير وإلى متى نسيان اللجأ إلى الولي النصير‏.‏
قد تداعت الصلبان مجلبة عليكم وتحركت الطواغيت من كل جهة إليكم‏.‏
أفيخذلكم الشيطان وكتاب الله قائم فيكم وألسنة الآيات تناديكم لم تمح سطورها ولا احتجب نورها وأنتم بقايا من افتحها من عدد قليل وصابر فيها كل خطب جليل فوالله لو تمحض الإيمان ورضي الرحمن ما ظهر التثليث في هذه الجزيرة على التوحيد ولا عدم الإسلام فيها عزم التأييد‏.‏
ولكن شمل الداء وصم النداء وعميت الأبصار فكيف الاهتداء والباب مفتوح والفضل ممنوح فتعالوا نستغفر الله جميعًا فهو الغفور الرحيم ونستقبل مقيل العثرات فهو الرؤوف الحليم ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدمت أيدينا فقبول المعاذير من شأن الكريم‏.‏
سدت الأبواب وضعفت الأسباب وانقطعت الآمال إلا منك يا كريم يا فتاح يا وهاب‏.‏
يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين‏.‏
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين‏.‏
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏.‏
أعدوا الخيل وارتبطوها وروضوا النفوس على الشهادة واغبطوها فمن خاف الموت رضيي بالدنية ولا بد على كل حال من المنية والحياة مع الذل ليست من شيم أهل العقول والنفوس السنية واقتنوا السلاح والعدة وتعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة واستشعروا القوة بالله تعالى على أعدايكم واستميتوا من دون أبنايكم‏.‏
وكونوا كالبنيان المرصوص لحملات العدو النازل بفنايكم وحطوا بالتعويل على الله وحجة بلادكم‏.‏
واشتروا من الله جل جلاله أبيناءكم‏.‏
ذكروا أن امرأة احتمل السبع ولدها‏.‏
وشكت إلى بعض الصالحين فأشار عليها بالصدقة فتصدقت برغيف فأطلق السبع ولدها‏.‏
وسمعت النداء يا هذه لقمة بلقمة وإنا لما استودعناه لحافظون‏.‏
أهجروا الشهوات واستدركوا الباقيات من قبل الفوات وأفضلوا لمساكينكم من الأقوات واخشعوا لما أنزل الله تعالى من الآيات وخذوا نفوسكم بالصبر على الأزمات والمواساة في المهمات وأيقظوا جفونكم من السنات واعلموا أنكم رضع ثدي كلمة التوحيد وجيران البلد الغريب والدين الوحيد وحزب التمحيص ونفر المرام العويص فتفقدوا معاملتكم مع الله تعالى فمهما رأيتم الصدق غالبًا‏.‏
والقلب للمولى الكريم مراقبًا وشهاب اليقين ثاقبًا فثقوا بعناية الله التي لا يغلبكم معها غالب ولا ينالكم من أجلها عدو مطالب وأنكم في الستر الكثيف‏.‏
وعصمة الخبير اللطيف‏.‏
ومهما رأيتم الخواطر متبددة والظنون بالله مترددة والجهات التي تخاف وترجى متعددة والغفلة عن الله ملابسها متجددة‏.‏
وعادة دواعي الخذلان دايمة وأسواق الشهوات قايمة‏.‏
واعلموا أن الله منفذ فيكم وعده ووعيده في الأمم الغافلين وأنكم قد ظلمتم أنفسكم‏.‏
ولا عدوان إلا على الظالمين‏.‏
والتوبة ترد الشارد والله يحب التوابين ويحب المتطهرين‏.‏
وهو القائل‏:‏ ‏"‏ إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ‏"‏‏.‏
وما أقرب صلاح الأحوال إذا صلحت العزايم وتوالت على حزب الشيطان الهزايم وخملت الدنيا الدنية في العيون وصدقت فيها عند الله الظنون‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ‏"‏‏.‏
وتوبوا سراعًا إلى طهارة القلوب وإزالة الشوب واقصدوا أبواب الشدايد ويسد طريق العوايد فلا تمطلوا بالتوبة أزمانكم ولا تأمنوا مكر الله فتغشوا إيمانكم ولا تعلقوا منابكم بالصرائر‏.‏
فهو علام السراير وإنما عليا معاشر الأولياء أن ننصحكم وإن كنا أولى بالنصيحة‏.‏
ونعتمدكم بالموعظة الصريحة الصادرة علم الله عن صدق القريحة‏.‏
وإن شاركناكم في الغفلة فقد ناديناكم إلى الاسترجاع والاستغفار وإنما لكم الدنيا نفس مبدولة في جهاد الكفار‏.‏
وتقدم إلى ربكم العزيز الغفار وقتدم لديكم إلى موافق الصبر‏.‏
التي لا ترضى بتوفيق الله الفرار واجتهاد فيما يعود بالحسنى وعقبى الدار والاختيار لله ولي الاختيار‏.‏
ومصرف الأقدر وها نحن نسرع في الخروج إلى مجافعه هذا العدو‏.‏
ونفدى بنفوسنا البلاد والعباد‏.‏
والحريم المستضعف والأولاد‏.‏
ونصلى من دونهم نار الجلاد ونستوهب منكم الدعاء إلى من وعد بإجابته‏.‏
وتقبل من صرف إليه وجه إنابته‏.‏
اللهم كنم لنا في هذا الانقطاع نصيرًا وعلى أعدائك ظهيرًا ومن انتقام عبدة الأصنام مجيرًا اللهم قومن ضعفت حيلته فأنت القوي المعين وانصر من لا نصير له إلا أنت إياك نعبد وإياك نستعين‏.‏
اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا عند تزلزل الأقدام ولا تسلمنا عند لقاء عدو الإسلام فقد ألقينا إليك يد الاستلام اللهم دافع بملايكتك المسومين عمن ضيقت أرجاؤه وانقطع إلا منك رجاؤه‏.‏
اللهم هيئ لضعفائنا وكلنا ضعيف فقير إليك‏.‏
ذليل بين يديك حقير رحمة تروي بالأزمة وتشبع وقوة تطرد وتستنبع يا غلاب الغلاب يا هازم الأحزاب‏.‏
يا كريم العوايد يا مفرج الشدايد ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏.‏
اللهم اجعلنا ممن تيقظ فتيقظ وذكر فتذكر ومن قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم‏.‏
وقد وردت علينا المخاطبات من قبل إخواننا المسلمين الذين عرفنا في القديم والحديث اجتهادهم وشكرنا في ذات الله تعالى جهادهم بني مرين أولى الامتعاض الله والحمية والمخصوصين بين القبائل الكريمة بهذه المزية بعزمهم على الامتعاض لحق الجوار والمصارخة التي تليق بالأحرار والنفرة لانتهاك ذمار بيتهم المختار وحركة سلطانهم محل أخينا بمن له من الأولياء والأنصار إلى الإعانة على هؤلاء الكفار ومدافعة أحزاب الشيطان وأهل النار فاسألوا الله تعالى إعانتهم على هذا المقصد الكريم الآثار والسعي الضمين للعز والأجر والفخار والسلام الكريم يخصكم أيها الأولياء ورحمة اله وبركاته‏.‏
في الثاني عشر من شهر رمضان المعظم من عام سبع وستين وسبعمائة‏.‏
عرفنا الله خيره‏.‏
صح هذا‏.‏
فكان دفاع الله أقوى وعصمته أكفى‏.‏
والحمد لله على عوايده الحسني‏.‏
ومن الغيرة على الدين وتغير أحوال الملحدين من مآزق جهاد النفس ما وقع به العمل من إخماد البدع‏.‏
وإذهاب الآراء المضلة والاشتداد على أهل الزيغ الزندقة‏.‏
وقد أضاقت أرباب هذه الأضاليل الشريعة وسدت مضرهم في الكافة فيسلط عليهم الحكام‏.‏
واستدعيت الشهادات‏.‏
وأخذهم التشريد فهل تحس منهم أحدًا أو تسمع لهم ركزًا‏.‏
وقيد في ذلك عني مقالات أخرى‏.‏
منها رسالة الغيرة على أهل الحيرة ورسالة حمل الجمهور على السنن المشهور‏.‏
ورسالة أنشدت على أهل الرد‏.‏
فارتفع الخوض وكسدت تلك الأسواق الخبيثة‏.‏
وصم منها الصدا ووضح نار الهدى والحمد لله ولو تتبعت مناقب الهدا لأخرج ذلك عن الغرض‏.‏
الأحداث وفي غرة ذي الحجة كانت الثورة الشنعاء المجحفة بالدولة وقد كان السلطان أنذر بطائفة تداخل بعضه القرابة فعاجله بالقبض عليه وهو في محل ولايته فصفد وأحمل إلى قصبة ألمرية وخاف أرباب المكيدة افتضاح الأمر فتعجلوا إبراز الكامن وإظهار الخبث وتولى ذلك جملة من بني غرون ذنابي بيت الإدبار وقد عابهم من بني مطرون يدور أمرهم على الدليل البركي فأكذب الله دعوتهم بعد أن أركبوا الشيخ عليًا بن نصر ونصبوه تلقاء القلعة بباب البنود ودعوا الناس إلى بيعته‏.‏
وأخذ السلطان حذره وناصبهم القتال وأشاع العطا واستركب الجيش وعمر الأسوار فأخفق القصد وفر الدليل البركي وتقبض على الرئيس المذكور وجعل الله العاقبة الحسنة للسلطان‏.


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:03 AM

وكان مما أمليته يومئذ بين يدي السلطان من الكلام المرسل ما هو نصه بعد الصدر‏:‏ وإلى هذا فمما أفادته القطر السليمة والحلم والقضا بالشريعة والنقل الشرعي والسنن المرعى أن مغلوب ومزاحم الله مهزوم ومكابر البرهان بالجهل موسوم ومرتع الغي مهجور وسيف العدوان مفلول وحظ الشيطان موكوس وحزب السلطان منصور‏.‏
ولا خفاء بنعمة الله علينا التي اطردها في المواطن العديدة والهضبات البعيدة‏.‏
والشبهات غير المبينة والظلمات الكثيفة معلن بوفور الحظ من رحمته وإبراز القداح في مجال كرامته والاختصاص بسيما اختياره فجعل العصمة ليلة الحادث علينا من دون مضجع أمانًا ونهج لنا سبيل النجاة بين يدي كسبه علينا وسخر لنا ظهري الطريف والطريق بعد أن فرق لنا بحر الليل وأوضح لنا خفي المسلك وعبد لنا عاصي الحزم ودمث غمر الشعراء وأوطأنا صهوة المنعة وضرب وجوه الشرذمة المتبعة بعد أن ركضوا قنيب البراذن البادئة من خزاين إهداينا المتجملة بحلى ركبنا وتحملوا السلاح والرياش المختار من أثير صلاتنا وأبهروا الأنفاس التي طال ما رفعها إيناسنا وأبلغها الريق تأميننا وصببوا العرق الذي أفضله طعامنا شرهين إلى دمنا المحظور بالكتاب والسنة المحوط بسياج البيعة المحصن عنهم بتقديم النعمة وحرمة الأب ومتعدد الأذمة فجعل الله بيننا وبينهم حاجزًا وسد ليأجوجهم من المردة مانعًا وانقلبوا يعضون الأنامل الغضة من سريط جفاننا ويقلبون الأكف التي أجدبها الدهر ترفيعًا من المهن المترتبة في خدمتنا قد حالهم صغار القدر وذل الخيبة وكبح الله جماعتهم عن التنفق بتلك الوسيلة‏.‏
واحتللنا قصبة وادي آش لا تملك إلا أنفسًا لم يشبها غش الملة ولا كياد الأمة ولا دنسها والحمد لله عار الفاحشة ولا وسمها الشوم في الولاية ولا أحبط عمل نجابتها دخل اعقيدة ولا مرض السريرة مذ سلمنا المقادة لمن عطف علينا القلوب وصير إلينا ملك أبينا من غير حول ولا حيلة نرى أنها أملك لحرمتنا وأعلم بما كنا وأرحم بنا‏.‏
فتشبثت بها القدم وحميت لنا من أهلها ورعاهم الله الهمم وصدقت في الذب عنا العزايم وحاصرنا جيش العدو وأولياء الشياطين وظهر الباطل فيان الظفر والاسقتبال وظهرت الفية القليلة والله مع الصابرين فغلبوا هناك وانقلبوا صاغرين‏.‏
ومع ما لنا من الضيق وأهمنا من الأمر فلم نطلق به غارة ولا شرهنا إلى تغيير نعمة ولا سرحنا عنا اكتساح على هجمة ولا شعنا لبسًا في بيت ولا حلة وأمسكنا الأرماق بيسير الحلال الذي اشتملته خزايننا من أعشار وزكوات وحظوظ من زراعات وارتقبنا الفرج ممن محص بالشدة والإقالة ممن نبه من الغفلة وألهم الإقلاع والتوبة‏.‏
ثم وفقنا سبحانه وألهمنا من أمرنا رشدًا وسلك بنا طريقًا في بحر الفتنة يبسًا فدناه بحقن الدماء وتأمين الأرجاء وشكرنا على البلاء كشكرنا إياه على الآلاء‏.‏
وخرجنا عن الأندلس ولقد كاد لولا عصمته بأن نذهب مذاهب الزوراء ونستأصل الشأفة ونستأصل العرصة سبحانه ما أكمل صنعه وأجمل علينا ستره إلى أن جزنا البحر ولحقنا بجوار سلطان المغرب لم تنب عنا عين ولا شمخ علينا أنف ولا حمل علينا بركب ولا هتفت حولنا غاشية ولا نزع عنا للتقوى والعفاف ستر بل كان الناس يوجبون لنا الحق الذي أغفله الأوغاد من أبناء دولتنا والضفادع ببركة نعمتنا حتى إذا الناس عافوا الصيحة وتملوا الحسرة وسيموا الخسار والخيبة وسامهم الطغام الذين لا يرجون لله وقارًا ولا يألون لشعايره المعظمة احتقارًا كلاب الأطماع وعبدة الطاغوت ومدبرو حجون الجهل ومياسيس أسواق البعد عن الرب وعرايس محرم الزينة ودود القز وثغار النهم‏.‏
الأعزة على المؤمنين بالباطل‏.‏
الأذلة في أنفسهم بالحق ممن لا يحسن المحاولة ولا يلازم الصهوة ولا يحمل السلاح ولا ينزه مجتمع الحشمة عن الفحشاء ولا يطعم المسكين ولا يشعر بوجود الله جارا من شقيهم المحرم على مضعوف ملتف في الحرم المحصور محتف بلطف المهد معلل بالخداع مسلوب الجرأة بأيدي انتهازهم شؤم على الإسلام ومعرة في وجه الدين أخذ الله منهم حق الشريعة وأنصف أيمة الملة فلم ينشبوا أن تهارشوا فعض بعضهم واستأصلهم البغي وألحم للسيف وتفنن القتل فمن بين مجدل يواري بأحلاس الدواب الوبرة وغريق يزف به إلى سوء الميتة وأستينت حرمة الله واستضيم الدين واستبيحت المحرمات واستبصعت الفروج في غير الرشدة وسات في عدو الدين الحيلة فتحركنا عن اتفاق من أرباب الفتيا وعزم من أولى الحرية وتحريض من أولى الحفيظة الهمة وتداحير من الشوكة وتحريك من وراء البحر من الأمة فكان ما قد علمتم من تسكين الثايرة وإشكا العديم وإصمات الصارخ وشعب الثأي ومعالجة البلوى وتدارك القطر وقد أشفى وكشف الضر والبأسا أما الحبوة فالتمسها وجل الرب واستشاط عليها جو السماء‏.‏
وأما مرافق البحر ومرافده‏.‏
فسدت طرقها أساطيل الأعداء‏.‏
وأما الحمية فبددها فساد السيرة وغمط الحق وتفضيل الأذى‏.‏
وأما المال فاصطلم السفه بيضاءه وصفراءه وكبس خزاينه حتى وقع الإدقاع والإعدام وأقوى العامر وأفتقرت المجابي والمغابن واغتربت جفون السيوف من حلاها‏.‏
وجردتموه الآلة إلى أعلاها والدغل المستبطن الفاضح ويمحض الحين وأسلمت للدواء العرصة وتخربت الثغور من غير مدافعة واكتسحت الجهات فلم يترك بها نافخ ووقع القول وحق البهت وخذل الناصر وتبرأتن الأواصر فحاكمنا العدو إلى النصفة‏.‏
ولم نقره على الدنية وبايناه أحوج ما كنا إلى كدحه وأطمع ما أصبحنا في مظاهرته على الكفار مثله اعتزازًا بالله وثقة به ولجأ إليه وتوكلًا عليه سبحانه ما أبهر قدرته وأسرع نصرته وأودى أمره وأشد قهره‏.‏
وركبنا بحر الخطر بجيش من التجربة وتهدنا قدمًا لا تهاب الهول ولا تراقبه وأطللنا على أحوازريه في الجمع القليل إلا من مدد الصبر المفرد إلا من مظاهرة الله الغفل إلا من زينة الحق المظلل جناح عقابه يجتاح الروح تسد جياده بصهيل العز المطالعة غرره بطليعة النصر‏.‏
فلما أحس بنا المؤمنون المطهرون بساحتهم انتزوا من عقال الإيالة الظالمة والدعوة الفاجرة وتبرأوا من الشرذمة الغاوية‏.‏
والطايفة المناصبة لله المحارية وأقبلوا ثنيات وأفرادًا وزرافات ووجدانًا‏.‏
ينظرون بعيون لم ترو من غيبتنا من محيا رحمة ولا اكتحلت بمنظر رأفة ووجوه عليها قسوة الخسلف وإبشار عليها بوس الجهد يتعلقون بأذيالنا تعلق الغريق يئنون من الجوع والخوف أنين المرضى ويجهشون بالبكاء ويعلنون لله ولنا بالشكوى فعرفناهم الشأمان من الأعداء وأول عارفه جعلونا عليهم وصرفنا وجه التأمين والتأنيس وجميل الود إليهم وخارطناهم الإجهاش والرقعة ووثبنا لهم من الذلة واستولينا على دار الملك ببلدهم فأنزلنا منها أخابيث كان الأشقياء مخلفوهم بها من أخلاف لا يزال تضأ إبشارهم الحدود وتأنف من استكفايهم اليهود وانثالت علينا البلاد وشكمر الطاغية ذيله عن الجهات وراجع الإسلام رمق الحياة وحثثنا السير إلى دار الملك وقد فرعتها الشقي الغاصب بشوكة بغيه التي أمدته في الغي وأجرته على حرمة الله وقصد دار قشتالة بكل ما صانت الحقاق من ذخيرة وحجبت الأمهاء من خرزة ثمينة يتوعدون المسلمين بإدالة الكفر من الإيمان واقياد جيوش الصلبان وشد الحيازم إلى تبديل الأرض غير الأرض وسوم الدين وطمس معالم الحق كيادًا لرسول الله في أمته ومناصبة له في حنيفيته وتبديلًا لنعمة الله كفرًا ولمعروف الحق نكرًا أصبح له الناس على مثل الرضف يرتقبون إطلال الكريهة وسقوط الظلة وعودة الكرة وعقبى المعرة والله من ورائهم محيط وبما يعلمون محيط ولدعاء المستضعفين من المؤمنين مجيب ومنهم وإن قعدوا في أقصى الأرض قريب‏.‏
ولم نق م مذ حللنا بدار الملك شيئًا على مراسلة صاحب قشتالة في أمره نناشده العهد ونطري له الوفاء ونناجزه إلى الحق ونقوده إلى حسن التلطف إلى الذي نشاء من الأمن فحسم الداء واجتث الأعداء وناصح الإسلام وهو أعدا عدوه وحزم الدين وهو المعطل من أدوايه وصارت صغرى عناية الله بنا التي كانت العظمى واندرجت أولاها في الأخرى وأتت ركايب اليمن واليمين تترى ورأى المؤمنون أن الله لم يخلق هذا الصقع سدى ولا هباء عبثًا وأن له فينا خبيثة غيب وسر عناية ويبلغنا إياها ويطوقنا طوقها لا مانع لعطايه ولا معدد لآلايه له الحمد ملئ أرضه وسمايه‏.‏
فمن اضطردت له هذه العجايب فحملته عوايق الاستقامة مزية جيوب التقوى كيف لا يتمنى ويدين لله بمناصحته ويحذر عناد الله بمخالفته ويخشى عاقبة أمره إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏.‏
فقلمنا أظفار الطالبة وأغضينا عن البقية وسوغنا من كشف وجهه في حربنا نعمة الإبقاء وأقطعنا رحم من قطع طاعتنا جانب الصفح وأدررنا لكثير ممن شح عنا ولو بالكلمة الطيبة جورية الرزق ووهنا ما وجب لنا من الحق ودنا له بكظم الغيظ وعمرنا الرتب بأربابها وجردنا الألقاب بعد خرابها وقبضتا الجباية محملة كتد العادة مقودة بزمام الرفق‏.‏
ممسوحًا عطفها بكف الطواعية‏.‏
فبللنا صدأ الجيش الممطول بالأماني المعلل بالكذب المستخدم في الذب عن مجاثم الفحشاء ومراقد العهر ودارينا الأعداء وحسمنا الداء وظهر أمر الله وهم كارهون‏.‏
إلا أن تلك الشرذمة الخبيثة أبقت جراثيم نفاق ركبها انحجار الغدر وبذر بها حصيد الشر وأخلطوا الحقايب اللعنة ممن ساء ظنه وخبث فكره وظن أن العقاب لا يفلته والحق لا يذره والسياسة لا تحفزه فدبت عقاربهم وتدارت طوافاتهم وتأبت فسادهم فدبروا أمرًا تبره الله تتبيرًا وأوسعه خزيًا وبيلا وجفلوا يرتادون من أذيال القرابة من استخلصه الشيطان وأصحبه الخذلان من لا يصلح لشيء من الوظائف ولا يستقل ببعض الكلف فحركوا منهم زاهق زمانه من شر الدواب الذين لا يسمعون فأجرهم رسنه وتوقف وقفة العين بين الورد والصدر‏.‏
بخلال ما أطلعنا الله طلع نيته فعاجلناه بالقبض واستودعناه مصفدًا ببعض الأطباق البعيدة والأجباب العميقة فخرج أمرهم وخافوا أن نحترش السعايات صباب مكرهم وتتبع نفاقهم فأقدموا إقدام العير على الأسد استعجالًا للحين ورجعًا لحكم الخيار وإقدامًا على التي هي أشد تولي كبرها وكشف وجهه في معصيتها الخبيث البركي حلف التهور والخرق المموه بالبسالة وهو الكذوب النكوث الفلول تحملنا هفوته وتغمدنا بالعفو قديمًا وحديثًا زلته وأعرضنا فيه عن النصيحة وأبقينا له حكم الولاية وأنسنا من نفرته وتعاففنا عن غرته وسوغنا الجرايم التي سبقت والجراير التي سلفت من إفساد العهد وأسر المسلمين والافتيات على الشرع والصدوع بدعوى الجاهلية فلم يفده إلا بطرًا ولم يزده إلا مكرًا والخير في غير أهله يستحيل شرًا والنفع ينقلب ضرًا‏.‏
والتفت عليه طايفة من الخلايق بنو غرون قرعاء الجبل والمشأمة‏.‏
وأذناب بيت الإدبار ونفاية الشرار عرك جرأتهم مكان صهرهم البائس ابن بطرون الضعيف المنة السقيط الهمة الخامل التفصيل والجملة وغيرهم ممن يأذن الله بضلال كيدهم وتخييب سعيهم فاقتحموا البلد صبيحة يهتفون بالناس أن قد طرق حكامهم وأن العدو قد دهمهم ملتفتين يرون أنهم في أذيالهم وأن رماحهم تنهشهم وتنوشهم وسرعانهم ترهقهم كأنهم سقطوا من السماء أو ثاروا من بين الحصباء‏.‏
ثم جالوا في أزقة البلد يقذفون في الصفاح نار الحباحب ركضًا فوق الصخر المرصوف وخوضًا في الماء غير المرهوف ثم قصدوا دار الشيخ البايس علي بن أحمد بن نصر نفاية البيت ودردى القوم ممسوخ الشكل قبيح اللتغ ظاهر الكدر لإدمان المعاقرة مزنون بالمعاقرة والربت على الكبرة ساقط الهمة‏.‏
عديم الدين والحشمة منتمت في البخل والهلع إلى أقصى درجات الخسة مثل في الكذب والنميمة معيب المثانة‏.‏
لا يرق بوله واليجف سلسه فاستخرجوه مبايعًا في الخلافة منصوبًا بأعلى كرسي الإمامة مدعومًا بالأيدي لكونه قلقًا لا يثبت على الصهوة مختارًا لحماية البيضة‏.‏
والعدل في الأمة مغتما للذب عن الحنيفية السمحة وصعدوا به إلى ربوة بإزاء قلعتنا منتترا باب البنود مستندا إلى الربض‏.‏
مطلًا على دار الملك قد أقام له رسم الوزارة ابن مطرون الكاري الكسح الدروب برسم المسومة الحرد المهين الحجة فحل طاحوثة الغدر وقدر السوق والخيانة واليهودي الشكل والنحل وقرعتن حوله طبول الأعراس إشادة بخمول أمره واستهجان آلته ونشرت عليه راية فال رأيها وخلب سعيها ودارت به زعنفة من طغام من لا يملي ولا يزيد المكا والصغير من حيله وأنبث في سكك البلد مناديه وهتف أوليا باطله باسمه وكنيته‏.‏
وانتجزوا مواعيد الشيطان فأخلفت ودعوا سماسير الغرور فصمت وقدحوا زناد الفتنة فصلدت وما أوارت‏.‏
ولحين شعرنا بالحادثة ونظرنا إلى مرج الناس واتصل بنا ريح الخلاف وجهير الخلعان استعنا بالله وتوكلنا عليه وفوضنا أمرنا إلى خير الناصرين وقلنا ربنا افتح بيننا وبين قومن ا بالحق وأنت خير الفاتحين واستركبنا الجند وأذعنا خبر العطاء وأطلقنا بريح الجهاد ونفير الجلاد وملأنا الأكف بالسلاح وعمرنا الأبارج بالرجال وقرعنا طبول الملك ونشرنا ألوية الحق واستظهرنا بخالصة الأمراء أولياء الدعوة وخاطبنا فقيه الربض نخبر مخبره ونسبر غوره فالفيناه متواريًا في وكره مرعيا على دينه مشفقًا من الإخطار برمه مشيرًا بكمه‏.‏
وتفقدنا البلد فلم نرتب بأحد من أهله‏.‏
فلما كملت البيعة وفخمت الجملة أنهدنا الجيش ولي أمرنا الذي اتخذناه ظهيرًا واستنبطناه مشيرًا والتزمناه جليسًا وصهيرًا‏.‏
ولم ندخر عنه محلا أثيرًا الشيخ الأجل أبا سعيد عثمان بن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عمر بن رحو ممهد الرعب بقدومه والسعد في خدمتنا بخدمه في جيش كثيف الحملة سابغ العدة مزاح العلة وافر الناشية أخذ بباب الربض وشعابه ولف عليه أطنابه وشرع إليه أمله‏.‏
ولم يكن إلا كلًا ولا حتى داسه بالسنابك وتخلفه مجر العوالي ومجرى السوابق وهو الحمى الذي لا يتوعد والمجد الذي لا يغرب فلولا تظاهر مشيخته بشعار السلم واستظلاله بظلال العافية لحث الفاقرة ووقعت به الرزية‏.‏
وفر الأعداء لأول وهلة وأسلموا شقيهم أذل من تد في قاع وسلحفة في أعلى يفاع فتقبض عليه وأخذت الخيل أعقاب الغدرة أشياعه وقيد إلينا يرسف في قيد المهزم ثعبان مكيدة وشكية ضلال مظنة فضيحة وأضحوكة سمر‏.‏
فتضرع بين أيدينا وأخذته الملامة وعلاه الخزي وثل إلى المطبق حتى نستدعي حكم الله في جرمه ونقتضي الفتيا في جريرته ونختار في أقسام ما عرضه الوحي من قتلته‏.‏
وهدأت الثايرة والحمد لله من يومها واجتثت شجرة الخلاف من أصلها فالحمد لله الذي أتم نوره ولو كره الكافرون ‏"‏ إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ‏"‏‏.‏
وماذا رأيهم منا أصغر الله منقلهم وأخزى مردهم وأستأصل فلكهم‏.‏
أولا يتبنى أمر وارثه‏.‏
ثم عوده إلينا طواعية ثم رفعنا وطأة العدو وحربه ومددنا ظلال الأمن دفعة وأنفأنا رمتي الثغور حين لم يجدوا حيلة إلا ما عرفوا من أمنه وبلوا من حيطته وتسوغًا من هدنه وانسحبت فوق آمالهم وحريمهم من عفة‏.‏
وأظهر الله علينا من نعمة‏.‏
ربنا أنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء‏.‏
اللهم ألبسنا سريرتنا وعاملنا بدخلتنا فيهم وإن كنا أردنا لجماعتهم شرًا وفي دينهم إغماضًا وعن العدل فيهم عدولًا فعاملنا بحسب ما تبلوه من عقيدنا وتستكشفه من خبيئتنا وإن كنت تعلم صحة مناصحتنا لسوادهم واستنفادنا الجهد في إتاحة عافيتهم ورعى صلاحهم وتكيف آمالهم فصل لنا عادة صنعك فيهم ومسلنا طاعتهم واهدبنا جماعتهم وارفع بنظرنا إطاعتهم يا أرحم الراحمين‏.‏
ولما أسفر صبح هذا الصنع عن حسن العفو وأستقر على التي هي أزكى وظهر لنا لا تخاف بالله دركا ولا تخشى وأن سبيل الحق أنجى ومحجته أحجى خاطبناكم تجلو نعم الله قبلنا عليكم ونشيد بتقوى الله بناديكم وعنايته لدينا ولديكم ونهدي طرف صنعه الجميل قبلنا إليكم ليكسبكم اعتبارًا فزجوا الله وقارا وتزيدوا يقينًا واستبصارًا وتصفوا العين من اختار لكنم اختيارا‏.‏
وهو حسبنا ونعم الوكيل والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم‏.‏
كتب في كذا‏.‏
والسلام عليكم ورحمت الله وبركاته‏.‏
صح هذا الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة اقتضى نظر الحزم ورأى الاجتهاد للإسلام إطلاق الغارات على بلد الكفرة من جميع جهات المسلمين فعظم الأثر وشهر الذكر واكتسحت الماشية وألحم السيف‏.‏
وكان ثغر برغة الفايزة به يد الكفرة لهذا السنين القريبة قد أهم القلوب وشغل النفوس وأضاق الصدور لانبتات مدينة رندة بحيث لا يخلص الطيف ولا تبلغ الرسالة من الطير وغيرها إلى ناحية العدو‏.‏
فوقع العمل على قصده واستعانة الله عليه واستنفر لمنازلته أهل الجهات الغربية من مالقة ورندة وما بينهما ويسر الله في فتحه بعد قتال شديد وحرب عظيمة وجهاد شهير واستولى المسلمون عليه فامتلأت أيديهم أثاثًا وسلاحًا ورياشًا وآلة وطهرت للحين مساجده وزينت بكلمة الله مشاهده وأنست بالمؤمنين معاهده ورتبت فيه الحماة والرماة والفرسان الكماة واتصلت بفتحة الأيدي وارتفعت العوايق وأوضحت بين المسلمين وأخوانهم السبل والحمد لله‏.‏
وتوجهت بفتحه الرسايل وعظمت المنن الجلايل وفر العدو لهذا العهد عن حصن السهلة من حصون الحفرة اللويشية وسد الطريق الماثلة وذلك كله في العشر الأوسط لشعبان من هذا العام‏.‏
ثم أجلب المسلمون في يرندة في أخرياته وقصدوا باغة وجيرة فاستنزلوا أهلها وافتتحوها فعظمت النعمة واطرد الفتح واتسعت الجهة‏.‏
وكانت مما خوطبت به الجهة المرينية من إملائي‏:‏ المقام الذي نبشره بالفتح ونحييه ونعيد له خبر المسرة بعد أن نبديه ونسأل الله أن يضع لنا البركة فيه‏.‏
ونشرك مساهمته فيما نهصره من أغصان الزهور ونجنيه ونعلم أن عزة الإسلام وأهله أسنى أمانيه وإعانتهم أهم ما يعنيه‏.‏
مقام محل أخينا الذي نعظم قدره ونلتزم بره ونعلم سره في مساهمة المسلمين وجهره السلطان الكذا الذي أبقاه الله في عمل الجهاد ونيته متكلفة بنشر كلمة الله طويته متممة من ظهور الدين الحنيف أمنيته معظم جلاله ومجزل ثنايه ومؤمل عادة احتفاله بهذا الوطن الجهادي واعتنايه أيد الله أمره وأعز نصره‏.‏
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
أما بعد حمد الله واصل سبب الفتوح ومحزل مواهب النصر الممنوح‏.‏
ومؤيد الفية القليلة بالملايكة والروح والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه الآتي بنور الهدى بين الوضوح الداعي من قبوله ورضوانه إلى المنهل المورود والباب المفتوح الرضا عن آله وأصحابه أسود السروج وجماة السروج والمقتفين نهجه في جهاد عدو الله بالعين القارة والصدر المشروح والدعاء لمقامكم العلي بالعز الرفيع الصروح فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سبوغ المواهب ووضوح المذاهب وعزة الجانب وظفرة الكتايب من حمراء غرناطة حرسها الله ونعم الله واكفة السحايب كفيلة بنيل الرغايب والله يصل لنا ولكم عوارف اللطايف ويجعل الشهيد دليلًا على الغايب‏.‏
وإلى هذا وصل الله إزازكم وحرس أحوازكم وعمر بالحقيقة من أمراد مجازنا ومجازكم‏.‏
فإنا بادرنا تعريفكم بما فتح الله علينا من الثفر العزيز على الإسلام العايد رزؤه الفادح على عبادة الأصنام ركاب الغارات وممكن حياة المضرات ومخيف الطريق السابلة والمسارح الآهلة حصن برغة ويسر الله في استرجاعه مع شهرة امتناعه وتطهر من دنس الكفار وأنيرت مئذنته بكلمة الشهادة الساطعة الأنوار وعجلنا ذلك على حين وضعت الحرب فيه أوزارها ووفت الأوتار أوبارها فسار الكتاب إليكم وأجير الأجر لم يجف عرقه وعذر الاستعجال لأحبة طرقه‏.‏
ولما عدنا إلى حضرتنا بعد ما حصناه وعمرناه وأجزلنا نظر الحزم له وفرقناه‏.‏
لم تكد البنود لمسرة فتحه أن تعاد إلى أماكن صوتها مرتقبة عادة الله ف يعونها حتى طرقت الأنباء السارة بتوالي الصنع وانفراده بتشفيع أفراده وذلك أن أهل رندة حرسها الله نافسوا جيرانهم من أهل مالقة كان الله لجميعهم وتولى شكر صنيعهم فيما كان من امتيازهم بحصن برغة الجار المصاقب لها فحميت هممهم السنية وهانت في الله موارد المنية وتضافر العمل والنية وظهر نجح المقاصد الدينية في إتاحة الفتح الهنية فوجهوا نحو حصن وحبر وهو الداين صحر المدينة ونحرها‏.‏
والعدو الذي لا يفتر عن ضرها والحية الذكر التي هي مروان أمرها ففتحوه بعون الله وقوته وتهنوا بعده سلوك الطريق وإشاعة الريق ومراصد الحرس‏.‏
ومجلوا الجرس وأنصفوا وانصرفوا إلى حصن باغة من مشاهد تلك الحفرة فناشبوه القتال وأذاقوه الوبال وفوقوا إليه النبال ففتحة الله فتحًا هينًا‏.‏
لم تفت فيه للمسلمين نفس ولا تطرق لنصر التيسير لبس فقابلنا بها لشكر هذه النعم المتوالية والمنن المتقدمة والتالية‏.‏
و أعدنا الأعلام إلى مراكزها المشرفة المراقب والطبول إلى قرعها عملًا من الإشارة بالواجب وشكرنا الله على اتصال المواهب ووضوح المذاهب وخاطبنا مقامكم الذي ترى الصنايع متواترة بنيته الصالحة وقصده ويعتد في الحرب والسلم بمجده علمًا بأن هذه المسرات نصيبكم منها النصيب الأوفى وارتياحكم أي لمثلها لا يخفى ونحن نرقب ما تنجلي عنه هذه النكايات التي تفتت كبد العدو تناليها وتروع أحوازه وما يليها ولا بد له من امتعاض يروم به صرع المعرة ويأبى الله أن ذلك يأتي بالكرة والله يجعلها محركان لحتفه المرقوب وحينه المجلوب ويحقق حق القلوب في نصرة المطلوب عرفنا كم بما تريدون عملًا بواجب بركم ومعرفة بقدركم وما يتزايد نعرفكم به ويتصل سبب التأكيد والتعجيل بسببه والسلام‏.‏
الغزاة إلى حصن أشر وفي أوائل شهر رمضان بعده‏.‏
أعمل السلطان الحركة السعيدة إلى حصن أشر وهو قفل الثغر الذي فضه الطاغية وسورها الذي فرغه الكفر‏.‏
وجارحه المحلق على البلاد‏.‏
والمتحكم لو لا فضل الله في الأموال والأولاد فتأذن الله برد مغتصبه والشفا من وصبه وأحاط به وناصبه الحرب ففتحة الله على يده عنوة‏.‏
على سمو ذروته وبعد صيته وشهرته واختيار الطاغية في حاميته بعد حرب لم يسمع بمثله فاز بمزية الحمد فيها السلطان لمباشرته إياها بنفسه وحمل كلها فوق كاهله واتقاد ما خمد من الحمية بتحريضه‏.‏
ثم لما كان بعد الفتح من استخلاص القصبة وسد ثلمها بيده ومصابرة جمو القيظ عامة يومه فجاز ذكرًا جميلًا وحل من القلوب محلا أثيرًا ورحل منها بعد أن أسكن بها من الفرسان رابطة متخيرة ومن الرماة جملة وتخلف سلاحًا وعدة فكان الفتح على المسلمين‏.‏
في هذا المعقل العزيز عليهم جليلًا والمن من الله جزيلا والصنع كثيرًا‏.‏
في هذا المعقل العزيز عليه جليلًا والمن من الله جزيلا والصنع كثيرًا وصدرت الخاطبة للمغرب بذلك على الأسلوب المرسل الخلي من السجع الغني‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:04 AM


الغزاة المعملة إلى أطريرة في شهر شعبان من عام ثمانية وستين وسبعمائة كانت الحركة إلى مدينة أطريرة بنت إشبيلية‏.‏
وبلدة تلك الناحية الآمنة‏.‏
مهاد الهدنة البعيدة عن الصرمة حرك إليها بعد المدى وآثرها بمحض الردى من بين بلاد العدا ما أسلف به أهلها المسلمين من قتل أسراهم في العام قبله‏.‏
فنازلها السلطان أول رمضان وناشبها الحرب واستباح المدينة وربضها عنوة‏.‏
ولجأ أهلها إلى قصبتها المنيعة ذات الأبراج المشيدة وأخذ القتال بمخنقهم وأعان الزحام على استنزالهم فاستتنزلوا على حكم المسلمين فيما يناهز خمسة بما لم يتقدمه عهد ولا اكتحلت به في هذه المدة عين‏.‏
ولا تلقته عنها أذن وامتلأت أيدي المسلمين بما لم يعالمه إلى الله من شتى الغنايم وأنواع الفوايد واقتسم الناس السبي رنعًا على الأكفال والظهور وتقديرا بقدر الرجال وحملا فوق الظهور للفرسان وعمرانا للسروج والأعضاد بالصبية وبرز الناس إلى ملاقاة السلطان‏.‏
في هول من العز شهير من الفخر وبعيد من الصيت قرت له أعينهم وقعد لبيعتهم أيامًا تباعًا وملأبهم البلاد هدايا وتحفًا والحمد لله وصدرت المخاطبة بذلك إلى السلطان بالمغرب بما نصه من الكلام المرسل من إنشائي‏.‏
الغزاة إلى فتح جيان وفي آخر محرم من عام تسعة وستين وسبعمائة كانت الحركة الكبرى إلى مدينة جيان إحدى دور الملك ومدن المعمود وكرسية الإمارة ولوان المدن الشهيرة افتتحها الله عنوة ونقل المسلمون ما اشتملت عليه من النعم والأقوات والأموال والأنعام والأثواب والدواب والسلاح ومكنهم من قتل المقاتلة وسبي الذرية وتخريب الديار ومحو الآثار واستنساف النعم وقطع الأشجار‏.‏
وهذا الفتح خارق‏.‏
تعالى أن يحيط به النظم والنثر فذكره أطير وفخره أشهر وصدرت في ذلك المخاطبة من إملائي إلى ملك المغرب‏.‏
وأصاب الخلق عقب القفول في هذه الغزاة‏.‏
مرض وافد فشا في الناس كافة وكانت عاقبته السلامة وتدارك الله بلطفه فلم يتسع المجال لإنشاد الشعراء ومواقف الإطراء إلى شغل عن ذلك‏.‏
الغزاة إلى مدينة أبدة وفي أو لربيع الأول من هذا العام كان الغزو إلى مدينة أبدة واحتل بظاهرها جيش المسلمين وأبلى السلطان في قتالها وقد أخذت بعج جارتها جيان أقصى أهبة‏.‏
واستعدت بما في الوسع والقوة وكانت الحرب بها مشهورة‏.‏
وافتتحها للمسلمون فانتهبوها وأعفوا مساكنها العظيمة البناء وكنايسها العجيبة المرأى وألصفوا أسوارها بالثرى ورأوا من سعة ساحتها وبعد أقطارها وضخامة بناها ما يكذب الخبر فيه المرأى ويبلد الأفكار ويحير النهي‏.‏
ولله الحمد على آلايه التي لا تحصى‏.‏
وقفل المسلمون عنها وقد أخربوها بحيث لا تعمر رباعها ولا تأتلف حجورها وجموعها‏.‏
وصدرت المخاطبة بذلك إلى صاحب المغرب من إنشائي بما نصه‏:‏ وإلى هذا العهد جرت الحادثة على ملك قشتالة بطره بن أدفونش بن هراندة بن شانجه وهو الذي تهيأ به الكثير من الصنع للمسلمين بمزاحمة أخيه أندريق في الملك وتضييقه عليه وحياز سبعة من كبار أصحابه وأهل ملته إليه وافتقار بطره المذكور إلى إعانة المسلمين وإجلابهم على من آثر طاعته ضده فانهزم بظاهر حصن منتيل ومعه عدد من فرسان المسلمين ولجأ إلى الحصن على غير أهبة ولا استعداد فأخذ أخوه الذي هزمه بمخنقه وأدار على الحصن البنا وفر جيش المحصور فاجتمع فله بأحواز أبدة وراسلوا المسلمين في مظاهرتهم على استنقاذهم فتوجهت الفتيا بوجوب ذلك‏.‏
ووقع الاستنفار والاحتشاد حرصًا على تخليثه لسبب بقاؤه بقاء الفتنة تستأصل الكفر ونشغل بعض العدو ببعضه‏.‏
وفي أثناء هذه المحاولة تباطن الحاين المحصور بمن معه وبعد عليه الخلاص من ورطته ومساهمة المسلمين إياه في محنته وانقطعت عنه الأنباء بفرج من كربته فداخل بعض أمراء أخيه وظهراه ممن يباشر حصاره وكان قومسًا شهيرًا من المدد الذي ظاهره من أهل إفرنسية ووعده بكل ما يطمع من مال ومهد وتوفية عهد‏.‏
فأظهر له القبول وأضمر الخديعة‏.‏
ولما نزل إليه سجنه ومن لحق به من الأدلاء وأولى الحرة بالأرض وأمسكه وقد طير الخبر إلى أخيه فأقبل في شرذمة من خواصه وخدامه فهجم عليه وقتله وأوس العفو من كان محصورًا معه وطير إلى البلاد برأسه وأوغر التبن في جثته ولبس ثياب الحزن من أجله وإن كان معترفًا بالصواب في قتله وخاطب البلاد التي كانت على مثل الجمر من طاعة الجاهر بمظاهرة المسلمين وما جر ذلك من افتتاح بلادهم وتخريب كنايسهم والإتيان على نعمهم فأجابته ضربة وانفقت على طاعته فلم يختلف عليه منها اثنان إلا ما كان من مدينة قرمونة‏.‏
واجتمعت كلمة النصارى ووقع ارتفاع شتاتهم وصرفوا وجوههم إلى المسلمين وشاع استدعاؤهم جميع من بأرض الشرق من العدو والثقيل ببرجلونة وعدو الأشبونة والعدو الثقيل الوطأة بإفرانسية‏.‏
وقد كان الله جل جلاله ألهم أهل البصاير النظر في العواقب والفكر فيما بعد اليوم أعمل‏.‏
ووقع لي إذن السلطان المخلى بيني وبين النصائح في مخاطبة سلطان النصارى المنكوب لهذا العهد فأشرت عليه بالاحتراز من قومه والتفطن لمكايد من يحطب في حبل أخيه وأريته اتخاذ معقل بحرز ولده وذخيرته ويكون له به الخيار على دهره واستظهرت له على ذلك بالحكايات المتداولة والتواريخ المعروفة لتتصل الفتنة بأرضهم فقبل الإشارة وشكر النصيحة واختار لذلك مدينة قرموتة المختصة بالجوار المكتب من دار ملكهم إشبيلية فشيد هضابها وحصن أسوارها وملأها بالمخازن طعامًا وعدة واشتكثر من الآلات واستظهر عليها بالثقات ونقفل إليها المال والذخيرة وسجن بها رهان أكابر إشبيلية وأسرى المسلمين وبالغ في ذلك فيما الغاية وراءه ولا مطمع ولا ينصرف إلى مصرعه الذي دعاه القدر إليه حتى تركها عدة خلقه وأودع بها ولده وأهله ولجأ إليها بعض من خدامه من لا يقبل مهدنة ضده ولا يقر أمان عدوه والتقوا على صغير من ولده كالنحل على شهده ولجأوا إلى المسلمين فبغض عليهم الكرة والفتح بقاء هذا الشجي المعترض في حلقه وأهمه تغيير أمره وجعجع به المسلمون لأجله‏.‏
وأظهروا لمن انحاز بقرمونة‏.‏
الامتساك بعهده فعظم الخرق وأظهر الله نجح الحيلة‏.‏
وصدق بها المخيلة وتفتر الأمر‏.‏
وخمدت نار ذلك الإرجاف‏.‏
واشتغل الطاغية بقرمونة بخلال ما خوطب به صاحب الأرض الكبيرة فطمعه في المظاهرة‏.‏
وتحطب له ملك قشتالة وعقد السلم مع صاحب برطغال والأشبونة ونشأت الفتن بأرضهم‏.‏
وخرجت عليهم الخوارج فأوجب إزعاجه إلى تلك الجهة‏.‏
وإقرار ما بالبلاد المجاورة للمسلمين من الفرسان والحماة تقاتل وتدافع عن أحوازها وجعل الخصص موجهة قرمونة وانصرف إلى سد الفتوق التي عليه بلطف الحيلة‏.‏
ببواطن أرضه وأحشاء عمالته وصار في ملكه أشغل من ذات النحيين‏.‏
فساغ الريق‏.‏
وأمكن العذر وانتهز الغرة واستؤنفت الحركة فكانت إلى حصن منتيل والحويز ففتحهما الله في رمضان من عام سبعين وسبعمائة ثم إلى ثغر روطة‏.‏
ففتحه الله عن جهد كبير واتصل به حصن زمرة‏.‏
فأمن الإسلام عادية العدو بتلك الناحية وكبس أهل رندة‏.‏
بإيعاز من السلطان إليها وإلى من بالجبل جبل الفتح حصن برج الحكيم والقشتور فيسر الله فتحهما في رمضان أيضًا‏.‏
ثم كانت الحركة إلى الجزيرة الخضراء باب الأندلس وبكر الفتح الأول فكانت الحركة إليها شهر ذي الحجة من العام المذكور‏.‏
ووقع تحريض الناس بين يدي قصدها في المساجد بما نصه‏:‏ معاشر المسلمين المجاهدين‏.‏
وأولي الكفاية عن ذوي الأعذار من القاعدين‏.‏
أعلى الله بعلو أيديكم كلمة الدين‏.‏
وجعلكم في سوى الأجر والفخر من الزاهدين إعلموا رحمكم الله أن الإعلام بالأندلس ساكن دار والجزيرة الخضراء بابه ومبعد مغار والجزيرة الخضراء ركابه فمن جهتها اتصلت في القديم والحديث أسبابه ونصرته على أعدايه وأعداء الله أحبابه ولم يشك العدو الكافر الذي استباحها وطمس بظلمة الكفر صباحها على أثر اغتصابها واسوداد الوجوه المؤمنة لمصابها وتبديل محاربها وعلوق أصله الخبيث في طيب تراثها أن صريع الدين الحنيف بهذا الوطن الشريف‏.‏
لا ينتعش ولا يقوم بعد أن فرى الحلقوم‏.‏
وأن الباقي رمق يذهب وقد سد إلى التدارك المذهب‏.‏
لو لا أن الله دفع الفاقرة ووقاها‏.‏
وحفظ المسكنة واستبقاها وإن كان الجبل عصمه الله نعم البقية‏.‏
وبمكانه حفت التقية فحسبك من مصراع باب فجع بثانيه ومضايق جوار حيل بينه وبين أمانيه‏.‏
والآن يا عباد الله قد أمكنكم الانتهاز فلا تضيعوا الفرصة وفتر المنخنق فلا تسوغه غصة واعمروا البواطن بحمية الأحرار وتعاهدوا مع الله معاهد الأولياء الأبرار‏.‏
وانظروا للعون من الذراري والأبكار والنشأة الصغار زغب الحواصل في الأكوار والدين المنتشر بهذه الأقطار واعملوا للعواقب تحمدوا عملكم واخلصوا لله الضماير يبلغكم من فضله أملكم فما عذر من سلم في باب وكره‏.‏
وماذا ينتظر من أذعن لكيد عدوه ومكروه‏.‏
من هذه الفرضة دخل الإسلام تروع أسوده‏.‏
ومن هذه الجهة طلع الفتح الأول تخفق بنوده ومنها تقتحم الطير الغريب إذا رامت الجواز وفوده فيبصر بها صفات والدليل يقوده‏.‏
الباب المسدود يا عباد الله فافتحوه وجه النصر تجلى يا عباد الله فالمحوه الداء العضال يا عباد الله فاستأصلوه حبل الله يا رجال الله قد انقطع فصلوه‏.‏
في مثلها ترخص النفوس الغالية في مثلها تختبر الهمم العالية في مثلها تشهر العقايد الوثيقة وتدس الأحباس العريقة فنضر الله وجه من نظر إلى قلبه وقد امتلأته حمية الدين وأصبح لأن تكون كلمة الله هي العليا متهلل الجبين‏.‏
اللهم إنا نتوسل إليك بأسرار الكتاب الذي أنزلته وعناية النبي العربي الذي أوفدت من خصوص الرحمات وأجزلت وبكل نبي ركع لوجهك الكريم وسجد وبكل ولي سده من إمدادك كما وجد‏.‏
ألا ما رددت علينا ضالتنا الشاردة وهنأتنا بفتحها من نعمك الواردة يا مسهل المآرب العسرة يا جابر القلوب المنكسرة يا ولي الأمة الغريبة يا منزل اللطايف القريبة اجعل لنا ملايكة نصرك مددًا وانجز لنا من تمام نورك الحق موعدًا‏.‏
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا فوقع الانفعال وانتشرت الحمية وجهزت الأساطيل‏.‏
وكانت منازلتها يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور وعاطاها المسلمون الحرب فدخلت البنية وهي المدينة الملاصقة لها عنوة قتل بها من الفرسان الدارعة عدة وصرفت الغنايم إلى المدينة الكبرى‏.‏
فرأوا من أمر الله ما لا طاقة لهم به وخذلهم الله جل جلاله على منعة الأسوار وبعد مهاوي الأغنوار وكثرة العهد والعدد‏.‏
وطلبوا الأمان لأنفسهم‏.‏
وكان خروجهم عنها يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر المذكور السعيد على المسلمين في العيد والسرور برد الدين‏.‏
ولله الحمد على آلايه وتوالي نعمه وإرغام أعدايه‏.‏
وفي وسط ربيع الأول من عام أحد و سبعين وسبعمائة أعمل الحركة إلى أحواز إشبيلية دار الملك ومحل الشوكة الحادة وبها نايب سلطان النصارى في الجمع الخشن من أنجاد فرسانهم وقد عظم التضييق ببلدة قرمونة المنفردة بالانتزاء على ملك النصارى والانحياز إلى خدمة المسلمين فنازل المسلمون مدينة أشونة ودخلوا جفنها عنوة واعتصم أهلها بالقصبة فتعاصت واستعجل الإقلاع منها لعدم الماء المروى والمحلات فكان الانتقال قدمًا إلى مدينة مرشانة وقد أحدقوا بها‏.‏
وبها العدة والعديد من الفرسان الصناديد ففتحها الله سبحانه إلا القصبة واستولى المسلمون فيها وفي جارتها‏.‏
من الدواب والآلات على ما لا يأخذه الحصر‏.‏
وقتل الكثير من مقاتلتها‏.‏
وعم جميعها العدم والإحراق ورفعت ظهور دواب المسلمين التوسعة انحطاط الأسعار وأودب الغلاء في أرض الكفار وقفل والحمد لله في عز وظهور‏.‏
وفرح وسرور‏.‏
مولده السعيد النشيبة الميمون الطلوع والجيية المقترن بالعافية منقولًا من تهليل نشأته المباركة‏.‏
وحرز طفولته السعيدة في نحو ثلث ليلة الاثنين والعشرين من جمادى الآخرة عام تسعة وثلاثين وسبعمائة‏.‏
قلت ووافقه من التاريخ الأعجمي رابع ينير من عام لف وثلاثمائة وسبعة وسبعين لتاريخ الأعجمي رابع ينير من عام ألف وثلاثمائة وسبعة وسبعين لتاريخ الصفر‏.‏
واقتضت صناعة التعديل بحسب قيمودا وبطليموس أن يكون الطالع ببرج القمر لاستيلائه على مواضع الاستقبال المتقدم للولادة ويكون التخمين على ربع ساعة وعشر ساعة وثلث عشر الساعة السادسة من ليلة الاثنين المذكورة‏.‏
والطالع من برج السنبلة خمس عشرة درجة وثمان وأربعون دقيقة من درجة‏.‏
كان الله له في الدنيا والآخرة‏.‏
وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
محمد بن يوسف الخزرجي الأنصاري محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سليمان ابن حارثة بن خليفة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة ابن عمر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن هميسع بن يمن بن نبت بن إسماعيل ابن إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد الكريم‏.‏
أمير المسلمين بالأندلس ودايلها وخدمة انصريين بها يكنى أبا عبد الله ويلقب بالغالب بالله‏.‏
أوليته وقد اشتهر عند كثير ممن عني بالأخبار أن هذا البيت النصري من ذرية سعد بن عبادة سيد الخزرج‏.‏
وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وصنف الناس في اتصال نسبهم بقيس بن سعد بن عبادة غير ما تصنيف وأقوى ما ذكر قول الرازي‏:‏ دخل الأندلس من ذرية سعد بن عبادة رجلان نزل أحدهما أرض تاكرونا ونزل الآخر قرية من قرى سقرسطونة تعرف بقرية الخزرج ونشأ بأحواز أرجونة من كنبانية قرطبة أطيب البلاد مدرة وأوفرها غلة وهو بلده وبلد جده في ظل نعمة وعلاج فلاحة وبين يدي نجدة وشهرة بحيث اقتضى ذلك أن يفيض شريان الرياسة وانطوت أفكاره على نيل الإمارة ورآه مرتادو أكفاء الدول أهلًا فقدحوا رغبته وأثاروا طمعه‏.‏
حدث شيخنا الكاتب الشاعر محمد بن محمد بن عبد الله اللوشي اليحصبي وقد أخبرني أنه كان يوجد بمدينة جيان رجل من أهل المالية وكان له فرس أنثى من عتاق الخيل‏.‏
على عادة أولى المالية وكان له من أهل الثغور من ارتباط الخيل والتنافس في إعداد القوة‏.‏
وشهرت هذه الفرس في تلك الناحية وبعث الطاغية ملك الروم في ابتياعها فعلقت بها كف هذا الرجل وآهر بها نفسه وازداد غبطة بها لديه ورأى في النوم قايلًا يقول له سر إلى أرجونة بفرسك وابحث عن رجل اسمه كذا وصفته كذا فاعطه إياها فإنه سيملط جيانًا وسواها ينتفع بها عقبلك وأرجي الأمر فعرض عليه ثانية وحث في ذلك في الثالثة فسأل ثقة له خبيرًا بتلك الناحية وأهلها فقال له المخبر وكان يعرف بابن يعيش فوصفه له فتوجه الفقيه إلى أرجونة ونزل بها وتسومع به وأقبل السلطان وأظهاره وتكلموا في شأنه‏.‏
فذكر غرضه فيه وأظهر العجز عن الثمن وسأل منه تأخير بعضه فأسعفه‏.‏
واشترى منه الفرس بمال له خطر‏.‏
فلما كمل له القصد‏.‏
طلب منه الخلوة به في المسجد من الحصن وخرج له عن الأمر وأعطاه بيعته وصرف عليه الثمن‏.‏
واستكتمه السلطان خيفة على نفسه وانصرف إلى بلده‏.‏
قال‏:‏ وفي العام بعده دعا إلى نفسه بأرجونة وتملك مدينة جيان‏.‏
واختلف في السيب الذي دعاه إلى ذلك فقيل إن بعض العمال أساء معاملته في حق مخزني وقيل غير ذلك‏.‏
حاله هذا الرجل كان آية من آيات الله في الذاجة والسلامة والجمهورية جنديًا ثغريًا شهمًا أيدًا عظيم التجلد رافضًا للدعة والراحة مؤثرًا للتقشف والاجتراء باليسير متبلغًا بالقليل بعيدًا عن التصنع جافي السلاح شديد العزم مرهوب الإقدام عظيم التشمير مقريًا لضيفه مصطنعًا لأهل بيته فظًا في طلب حظهم محميًا لقرابته وأقرائه وجيرانه‏.‏
مباشرًا للحروب بنفسه تتعالى الحكاة في سلاحه وزينة دبوره‏.‏
يخصف النعل ويلبس الخشن ويؤثر البداوة ويستشعر الجد في أموره‏.‏
سعد بيوم الجمعة وكان فيه الصدقة الجارية على ضعفاء الحضرة ومنايهم إلى اليوم‏.‏
وتملك مدينة إشبيلية في أخريات ربيع الأول من عام ظهوره وهو عام تسعة وعشرين وستماية نحوًا من ثلاثين يومًا‏.‏
وملك قرطبة في العشر الأول لرجب من العام المذكور وكلاهما عاد إلى ملك ابن هود‏.‏
ولما تم له القصد من تملك البيضة والحصول على العمال مباشرًا للحسابات بنفسه فتوفر ماله وغصت بالصامت خزاينه وعقد السلم الكبير وتهنأ أمره وأمكنه الاستعداد فأنعم الأهواء‏.‏
وملأ بطن الجبل المتصل بالقلعة حبوبًا مختلفة‏.‏
وخزاين درة ومالًا وسلاحًا وارية ظهرًا وكراعًا‏.‏
فوجد فايدة استعداده ولجأ إلى ما ادخره من عتاده‏.‏
سيرته تظاهر لأول أمره بطاعة الملوك بالعدوة وإفريقية يخطب لهم زمانًا يسيرًا‏.‏
وتوصل بسبب ذلك إلى إمداد منهم وإعانة‏.‏
ولقبل ما افتتح أمره بالدعاء للمستنصر العباسي ببغداد حاذيًا حذو سميه ابن هود للهج العامة في وقته‏.‏
بتقلد تلك الدعوة إلى أن نزع عن ذلك كله‏.‏
وكان يعقد للناس مجلسًا عامًا يومين في كل أسبوع فترفع إليه الظلامات ويشافه طالب الحاجات وتنشده الشعراء‏.‏
وتدخل إليه الوفود ويشافه أرباب النصايح في مجلس اختص به أهل الحضرة وقضاة الجماعة وأولى الرتب النبيهة في الخدمة بقراءة أحاديث من الصحيحين ويختم بأعشار من القرآن ثم ينتقل إلى مجلس خاص ينظر فيه في أموره فصرف كل قصد إلى من يليق به ذلك ويؤاكل بالعشيات خاصته من القرابة ومن يليهم من نبهاء القواد‏.‏
أولاده أعقب ثلاثة من الذكور محمدًا ولي عهده وأمير المسلمين على أُره والأميرين أبا سعيد فرج وزراء دولته وزر له جماعة الوزير أبو مروان عبد الملك بن يوسف بن صناديد زعيم قاعدة جبان وهو الذي مكنه من ناصية جيان المذكورة‏.‏
واستوزر علي ابن إبراهيم الشيباني من وجوه حضرته وذوي النسب من الفضلاء أولي الدماثة والوقار‏.‏
واستوزر الرييس أبا عبد الله بن الرييس أبي عبد الله الرميمي‏.‏
واستوز الوزير أبا يحيى ابن الكاتب من أهل حضرته‏.‏
وغيرهم ممن تبلغ به الشهرة مبلغًا فيهم‏.‏
كتابه كتب له من الجلة جماعة كالكاتب المحدث الشهير أبي الحسن علي بن محمد ابن محمد بن سعيد اليحصبي اللوشي ولما توفي كتب عنه ولده أبو بكر بن محمد‏.‏
هؤلاء مشاهير كتابه ومن المرءوسين أعلام كأبي بكر بن خطاب وغيره‏.‏
قضاته ولي له قضاء الجماعة القاضي العالم الشهير أبنو عامر يحيى بن عبد الرحمن ابن ربيع الأشعري من جلة أهل الأندلس في كبر البيت وجلالة المنصب وغزارة العلم‏.‏
ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الجليل ابن غالب الأنصاري الخرزجي ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن عبد السلام التميمي‏.‏
وهذا الرجل من أهل الدين والأصالة وآخر قضاة العدل‏.‏
ثم ولي بعده الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عياض بن موسى اليحصبي ثم ولي بعده الفقيه القاضي الحسيب أبنو عبد الله بن أضحى وبيته شهير ولم تطل مدته‏.‏
وولي بعده آخر قضاته أبو بكر محمد بن فتح بن علي الإشبيلي الملقب بالأشبرون‏.‏
الملوك على عهده بمراكش المأمون إدريس مأمومن الموحدين مزاحمًا بأبي زكريا يحيى ابن الناصر ابن المنصور بن عبد المؤمن بالجبل‏.‏
ولما توفي المأمون ولي الرشيد أبو محمد عبد الواحد في سنة ثلاثين وستماية وولي بعده أبو حفص عمر بن إسحاق المرتضى إلى أن قتله إدريس الواثق أبو دبوس في عام خمسة وستين‏.‏
وولي بعده يسيرًا بنو عامر بن علي بمراكش وتعاقب منهم على عهده جلة كالأمير عثمان وابنه حمو وأخيه أبي يحيى بن عبد الحق‏.‏
واستمر الملك في أسن أملاكهم أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو إلى آخر أيامه‏.‏
وبتلمسان شبيهه يغمراسن بن زيان أول ملوكهم وتقدمه أخوه أكبر منه برهة‏.‏
ويغمراسن أول وبتونس الأمير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص‏.‏
وخاطبه السلطان المترجم به والتمس رفده وقد حصل على إعانته وولي بعد موته ولده المستنصر أبو عبد الله ودامت أيامه إلى أول أيام ولد السلطان المترجم له عام أربعة وسبعين‏.‏
وبقشتالة هراندة بن ألهنشة بن شانجه الإنبرطور‏.‏
وهراندة هذا هو الذي ملك قرطبة وإشبيلة ولما هلك ولي بعده ألفنش ولده ثلاثًا وثلاثين سنة واستمر ملكه مدة ولايته‏.‏
وصدرا من دولة ولده بعده‏.‏
ويرغون جايمش ابن بطره ابن ألفونش قمط برجلونه‏.‏
وجايمش هذا هو الذي ملك بلنسية وصيرها دار ملكه من يد أبي جميل زيان ابن مردنيش‏.‏
لمع من أخباره قام ابن أبي خالد بدعوته بغرناطة كما ذكر في اسمه ودعاه وهو بجيان‏.‏
فبادر إليها في أخريات رمضان من عام خمس وثلاثين وستمائة بعد أن بعث إليه الملأ من أهلها ببيعتهم مع رجلين من مشيختهم أبي بكر الكاتب وأبي جعفر التيزولي‏.‏
قال ابن عذارى في تاريخه أقبل ومازيه بفاخر ونزل عشي اليوم الذي وصفل بخارج غرناطة وحدث أبو محمد البسطي قال‏:‏ عاينته يوم دخوله وعليه شاشية ملف مضلعة أكتافها مخرقة وعندما نزل بباب جامع القصبة كان مؤذن المغرب في الحيعلة وإمامه يومئذ أبو المجد المرادي قد غاب فدفع الشيخ السلطان إلى المحراب وصلى بهم على هيئته تلك بفاتحة الكتاب‏.‏
وإذا جاء نصر الله والفتح‏.‏
والثانية بقل هو الله أحد ثم وصل قصر باديس والشمع بين يديه‏.‏
وفي سنة ثلاث وأربعين وستماية صالح طاغية الروم وعقد معه السلم الذي طاحت في شروطه جيان‏.‏
وكان واقع بالعدو الراتب تجاه حضرته المختص بحصن بليلش على بريد من الحضرة‏.‏
وكان الفتح عظيمًا‏.‏
ثم حالفه الصنع بما يضيق المجال عن استيعابه‏.‏
وفي حدود اثنين وستين وستمائة صالح طاغية الروم وعقد معه السلم وعقد البيعة لولي عهده واستدعى القبائل للجهاد‏.‏
مولده في عام خمسة وتسعين وخمسمائة بأرجونة عام الأرك‏.‏
وفاته في منتصف جمادة الثانية من عام واحد وسبعين وستمائة ورد عليه وقد سن‏.‏
جملة من كتاب الزعايم يقودون جيشًا من أتباعهم فبرز إلى لقايهم بظاهر حضرته ولما كر أيبًا إلى قصره سقط ببعض طريقه وخامره خصر وهو راكب وأردفه بعض مماليكه واسمه صابر الكبير وكانت وفاته ليلة الجمعة التاسع والعشرين لجمادى الثانية المذكورة ودفن بالمقبرة الجامعة العتيقة بسنام السبيكة وعلى قبره اليوم منقوش‏:‏ ‏"‏ هذا قبر السلطان الأعلى عز الإسلام جمال الأنام فخر الليالي والأيام غياث الأمة غيث الرحمة قطب الملة نور الشريعة حامي السنة سيف الحق كافل الخلق أسد الهيجاء حمام الأعداء قوام الأمور ضابط الثغور كاسر الجيوش قامع الطغاة قاهر الكفرة والبغاة أمير المؤمنين علم المهتدين قدوة المتقين عصمة الدين شرف الملوك والسلاطين الغالب بالله المجاهد في سبيل الله أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف ين نصر الأنصاري رفعه الله إلى أعلى عليين وألحقه بالذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولد رضي الله عنه وأتاه رحمة من لدنه عام أحد وتسعين وخمسمائة وبويع له يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان عام خمسة وثلاثين وستماية وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر التاسع والعشرين لجمادى الآخرة عام أحد وسبعين وستماية فسبحان من لا يفنى سلطانه ولا يبيد ملكه ولا ينقضي زمانه لا آله إلا هو الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏
هذا محل العلى والمجد والكرم قبر الإمام الهمام الطاهر العلم لله ما ضم هذا اللحد من شرف ومن شيم علوية الشيم بالجود والباس ما تحوي صفايحه لا بأس عنترة ولا ندى هرم مغنى الكرامة والرضوان يعهده فخر الملوك الكريم الذات والشيم مقامه في كلا يومي ندى ووغى كالغيث في مجد وكالليث في أجم مآثر تليت آثارها سورًا تقر بالحق فيها جملة الأمم كأنه لم يسر في محفل لجب تضيق عنه بلاد العرب والعجم ولم يباد العدا منه ببادرة بفتر منها الهدى عن ثغر مبتسم ولم يجهز لهم خيلًا مضمرة لا تشرب الماء إلا من قليب دم ولم يقم حكم عدل في سياسته تأوى رعيته منه إلى حرم من كان يجهل ما أولاه من نعم وما حواه لدين الله من حرم فتلك آثره في كل مكرمة أبدى وأوضح من نار على علم


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:06 AM

محمد بن عبد الله بن عبد الملك المعافري محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد ابن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري المنصور بن أبي عامر معظم الظفر وخدن السعد وملقي عصيي الجد وجو رياح الشهرة وديوان فنون السياسة وحجاج الدولة العبشمية في النخوم المغربية المزي بالظرف وكمال السجية والجهاد العظيم العريق في بحبوحة بلاد الكفار رحمه الله تعالى‏.‏
أوليته دخل جده عبد الملك الأندلس مع طارق مولى موسى بن نصير في أول الداخلين من المغرب وكان له في فتحها أثر جميلا‏.‏
وإلى ذلك أشار مادحه محمد بن حسان‏:‏ وكل عدو أنت تهزم عرشه وكل فتوح عنك يفتح بابها برأيك عبد المليك الذي له حلا فتح قرطبة وانتهابها ونزل عبد الملك الجزيرة الخضراء لأول الفتح فساد أهلها وكثر عقبه بها وتكررت فيهم النباهة وجاوروا الخلفاء بقرطبة‏.‏
وكان والد محمد هذا من أهل الدين والعفاف والزهد في حاله كان هذا الرجل بكر الدهر وفايدة الأيام وبيضة العمر وفرد الخلق في اضطراد السعد وتملد العاجل من الحظ حازمًا داهية مشتملًا على أقطار السؤدد هويًا إلى الأقاصي وطموحًا سوسًا حميًا مصطنعًا للرجال جالبًا للأشراف مستميلًا للقلوب مطبقًا المفاصل مزيحًا للعلل مستبصرًا في الاستبداد خاطبًا جميل الذكر عظيم الصبر رحيب الذرع طموح الطرف جشع السيف مهادي جياد العقاب والمثوبة مهيبًا جزلًا منكسف اللون مصفر الكيف آية الله جل جلاله في النصر على الأعداء ومصاحبة الظفر وتوالى الصنع‏.‏
نباهته قال المؤرخ سلك سبيل القضاء في أوليته مقتفيًا آثار عمومته وخؤولته يطلب الحديث في حداثته وكتب منه كثيرًا ولقي الجلة من رجاله ثم صحب الخليفة الحكم متحزبًا في زمرته وولي له الأعمال من القضاء والإمامة ثم استكفاه فعدل عن سبيله وصار في أهل الخدمة‏.‏
ثم اختصه بخدمة أم ولده هشام فزاد بخاصته لولي العهد عزًا ومكانة من الدولة فاحتاج الناس إليه‏.‏
وغشوا بابه وبلغ الغاية من أصحاب السلطان معه إسعاف وكرم لقاء وسهولة حجاب وحسن أخلاق‏.‏
فاستطار ذكره وعمر بابه وساعده الجد‏.‏
ولما صار أمر المسلمين إليه فبلغ التي لا فوقعها عزًا وشهرة‏.‏
الثناء عليه قال‏:‏ وفي الدولة العامرية وأعين محمد على أمره مع قوة سعده بخصال مؤلفة لم تجتمع لمن قبله منها الجود والوقار والجد والهيبة والعدل والأمن وحب العمارة وتثمير المال والضبط للرعية وأخذهم بترك الجدل والخلاف والتشغب من غير وهن في جينه وصحة الباطن وشرح كل فضل وجلب كل ما يوجب عن المنصور فيه‏.‏
غزواته وظهوره على أعدايه واصل رحمه الله الغزو بنفسه فيما يناهز خمسين غزوة وفتح فيها البلاد وخضد شوكة الكفر وأذل الطواغيت وفض مصاف الكفار وبلغ الأعماق وضرب على العدو الضرايب إلى أن تلقاه عظيم الروم بنفسه وأتحفه بإبنته في سبيل الرغبة في صهره فكانت أحظى عقايله وأبرت في الدين والفضل على ساير أزواجه وعقد اثني عشر بروزًا إلى تلقي ملوك الروم القادمين عليه مصطهرين بإلحاح سيفه منكبين على لثم سريره‏.‏
ومما يؤثر من شعره‏:‏ رميت بنفسي هول كل عظيمة وخاطرت والحر الكريم يخاطر وما صاحبي إلا جنان مشيع وأسمر خطى وأبيض باتر ومن شيمتي أني على طالب أجود بمال لا تقيه المعاذر وإني لزجاء الجيوش إلى الوغى أسود تلاقيها أسود خوادر فسدت بنفسي أهل كل سيادة وكاثرت حتى لم أجد من أكاثر وما شدت بنيانا ولكن زيادة على ما بني عبد المليك وعامر رفعنا العلى بالعوالي سياسة وأورثناها في القديم معافر وبلغ في ملكه أقطار المغرب إلى حدود القبلة وبمدينة فاس إثر ولده المقلد فتح تلك الأقطار ونهد أوليك الملوك الكبار‏.‏
دخوله غرناطة قال صاحب الديوان في الدولة العامرية وقد مر ذكر المصور قومس الغرنجة بمدينة برشلونة‏:‏ وهذه الأمة أكثر النصرانية جمعًا وأوسعها وأوفرها من الاستعداد وما أوطئ من الممالك والبلاد وفتح من القواعد وهزم من الجيوش‏.‏
وقفل المنصور عنها وهو أطمع الناس في استسيصالها ثم خصهم بصايفة سنة خمس وسبعين وهي الثالثة عشر لغزواته وقد احتفل لذلك واستبلغ في النفير‏.‏
واستوفى أتم الأبهة وأكمل العدة فجعل طريقه على شرقي الأندلس لاستكمال ما هنالك من الأطعمة فسلك طريق إلبيرة إلى بسطة إلى تدمير وهزم في هذه الغزوات بريل ملك فرنجة ونازل مدينة برجلونة فدخلها عنوة يوم الاثنين النصف من صفر سنة أربع وسبعين أو خمس بعدها‏.‏
قلت وفي دخول المنصور بجيشه بلد إلبيرة‏:‏ ما يحقق دعوى من ادعى دخول المعتمدين من أهل الأندلس لذلك العهد إذ كان يصحب المنصور في هذه الغزوة من الشعراء المرتزقين بديوانه من يذكر فضلًا عن ساير الأصناف على تدارة هذه الصنف من الخدام بالنسبة للبحر الزاخر من غيرهم‏.‏
والذي صح أنه حضر ذلك أبو عبد الله محمد بن حسين الطبني‏.‏
أبو القاسم حسين بن الوليد المعروف بابن العريف‏.‏
أبو الوضاح بن شهيد‏.‏
عبد الرحمن بن أحمد‏.‏
أبو العلا صاعد بن الحسن اللغوي‏.‏
أبو بكر زيادة الله بن علي بن حسن اليمني‏.‏
عمر بن المنجم البغدادي‏.‏
أبو الحسن علي بن محمد القرشي العباسي‏.‏
عبد العزيز بن الخطيب المحرود‏.‏
أبو عمر يوسف بن هارون الزيادي‏.‏
موسى بن أبي طالب‏.‏
مروان بن عبد الحكم بن عبد الرحمن‏.‏
يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيال المكفوف‏.‏
سعد بن محمد القاضي‏.‏
ابن عمرون القرشي المرواني‏.‏
علي النقاش البغدادي‏.‏
أبو بكر يحيى بن أمية بن وهب‏.‏
محمد بن إسماعيل الزبيدي صاحب المختصر في اللغة‏.‏
أحمد بن دراح القسطلي متنبي الأندلس‏.‏
أبو الفرج منيل بن منيل الأشجعي‏.‏
محمد بن الحسن القرشي من أهل المشرق‏.‏
أبو عبيدة حسان بن مالك بن هاني‏.‏
طاهر بن محمد المعروف بالمهند‏.‏
محمد بن مطرف بن شخيص سعيد بن عبد الله الشنتريني وليد بن مسلمة المرادي أغلب بن سعيد‏.‏
أبو الفضل أحمد بن عبد الوهاب‏.‏
أحمد بن أبي غالب الرصافي‏.‏
محمد بن مسعود البلخي عبادة بن محمد بن ماء السماء‏.‏
عبد الرحمن بن أبي الفهد الإلبيري‏.‏
أبو الحسن بن المضيئ البجلي الكاتب‏.‏
عبد الملك بن سهل‏.‏
الوزير عبد الملك بن إدريس الجزيري‏.‏
قاسم بن محمد الجياني‏.‏
قال المؤرخ هؤلاء من حفظته منهم‏.‏
وهم أكثر من أن يحصوا فعلى هذا يتبنى القياس في ضخامة هذا الملك وانفساح هذا العز‏.‏
وفاته توفي رحمه الله منصرفًا من غزاته المسماه بقنالش والريد وقد دوخ أقطار قشتالة ليلة الاثنين سبع وعشرين لرمضان عام اثنين وتسعين وثلاثمائة وقد عهد أن يدفن ببلد وفاته بعد وصية شهيرة صدرت عنه إلى المظفر ولده فدفن بمدينة سالم التي بناها في نحر العدو من وادي الحجارة وبقصرها‏.‏
وقبره معروف إلى اليوم‏.‏
وكان قد اتخذ له من غبار ثيابه الذي علاها في الجهاد‏.‏
وعاء كبير بحديه رحمه الله‏.‏
وكتب على قبره هذا الشعر‏:‏ آثاره تنبيك عن أخباره حتى كأنك بالعيان تراه تا لله لا يأتي الزمان بمثله أبدًا ولا يحمى الثغور سواه محمد بن عطاف بن نعيم محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش ابن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم لخمي النسب أوليته دخل الأندلس جده عطاف مع بلج بن بشر القشيري من أشراف الطالعة البلجية وهم من عرب حمص من أرض الشأم وموضعه بها يعرف بالعريش في آخر الجفار بين مصر والشأم‏.‏
ونزل عطاف بقرية تعرف بيومين من إقليم طشانة على ضفة النهر الأعظم من أرض إشبيلية‏.‏
ولما هلك قريش ورث السيادة إسماعيل بن قريش وهو القاضي المشهور بالفضل والدهاء وسكنى أبا الوليد‏.‏
ولي الشرطة الوسطى لهشام بن الحكم وخصة الإمامة إلى صلاة الجمعة‏.‏
ثم خلفه أبو القاسم المنفرد برياسة إشبيلية المتحف فيها بخطط الوزارتين والقضاء والمظالم‏.‏
وعز جاهه وكثرت حاشيته وتعددت غلمانه وأذعنت له عداته‏.‏
ثم خلفه الأمير المعتضد ولده وكان خيرًا حازمًا سديد الرأي مصنوعًا له في الأعداء فلما توفي تصير الأمر إلى ولده المترجم به المكنى أبا القاسم إلى حين خلعه‏.‏
قالوا كلهم كان المعتمد رحمه الله فارسًا شجاعًا‏.‏
بطلًا مقدامًا شاعرًا ماضيًا مشكور السيرة في رعيته‏.‏
وقال أبو نصر في قلائده وكان المعتمد على الله ملكًا قمع العدا وجمع بين البأس والندا‏.‏
وطلع على الدنيا بدر هدى‏.‏
لم يتعطل يومًا كفه ولا بنانه آونة يراعه‏.‏
وآوثة سنانه‏.‏
وكانت أيامه مواسم وثغوره بواسم‏.‏
لقبه أولًا الظافر‏.‏
ثم تلقب بالمعتمد‏.‏
كلفًا بجاريته اعتماد لما ملكها‏.‏
لتتفق حروف لقبه بحروف اسمها‏.‏
لشدة ولوعه بها‏.‏
وزراؤه ابن زيدون‏.‏
وابن عمار‏.‏
وغيرهم‏.‏
أولاده المملكون عبيد الله يكنى أبا الحسن وهو الرشيد وهو الذي لم يوافق أباه على استصراخ المرابطين وعرض بزوال الملك عنهم فقال‏:‏ أحب إلى أن أكون راعي إبل بالعدوة من أن ألقى الله وقد حولت الأندلس دار كفر وكان قد ولاه عهده وبويع له بإشبيلية وهو المحمول معه إلى العدوة‏.‏
ثم الفتح وهو الملقب بالمأمون كان قد بويع له بقرطبة وهو المقتول بها المحمل رأسه إلى محلة العدو المرابطين‏.‏
المحاصرة لأبيه بإشبيلية‏.‏
ثم يزيد الراضي وكان قد ولاه رندة فقتل لما ملكها المقونيون ثم عبد الله‏.‏
ويكنى أبا بكر‏.‏
هؤلاء الأربعة من جاريته اعتماد السيدة الكبرى‏.‏
والمدعوة بالرميكية منسوبة إلى مولاها رميك بن حجاج الذي ابتاعها منه المعتمد‏.‏
ملمته لما تكالب أدفونش بن فردلاند على الأندلس بعد أخذه مدينة طليطلة ضيق بالمعتمد وأجحف في الجزية التي كان يتقي بها على المسلمين عاديته وعلى ذلك أقسم أخذها وتجني عليه وطمع في البلاد فحكى بعض الإخباريين أنه وجه إليه رسله في آخر أمره لقبض تلك الضريبة مع قوم من رؤساء النصارى ونزلوا خارج باب إشبيلية فوجه إليهم المال مع بعض الوزراء فدخلوا على اليهودي المذكور في خبايه وأخرجوا المال فقال لهم لا أخذت منه هذا العيار ولا أخذت منه إلا ذهبًا مشجرًا ولا يؤخذ منه في هذا العام إلى أجفان البلاد ونقل كلامه إلى المعتمد فبادر بالقبض عليه وعلى النصارى ونكل بهم وقتل اليهودي بعد أن بذل في نفسه زنة جسمه ذهبًا فلم يقبل منه واحتبس النصارى وراسله الطاغية في إطلاقهم فأبى غلا أن يخلي منه حصن الحدود فكان ذلك‏.‏
واستصرخ اللمتونيين وأجاز البحر بنفسه وأقسم الطاغية بإيمائه المفلطة ألا يرفع عنه يده‏.‏
وهاجت حفيظة المعتمد واجتهد في جواز المرابطين وكان مما هو معلوم من الإيقاع بالطاغية في وقعة الزلاقة فإنه الذي أثلى نارها بنفسه فعظم بلاؤه وشهر بلاؤه وشهر صبره وأصابته الجراح في وجهه ويده رحمه الله‏.‏
وفي ذلك يقول أبو بكر بن عبادة المري‏:‏ وقالوا كفه جرحت فقلنا أعاديه تواقعها الجراح وما لمرتد الجراحة ما رأيتم فتوهنها المناصل والرماح ولكن فاض سيل البأس منها ففيها من مجاريه انسياح وقد صحت وسحت بالأماني وفاض الجود منها والسماح رأى منه أبو يعقوب فيها عقابًا لا يهاض له جناح فقال له لك القدح المعلى إذا ضربت بمشهدك القداح ولما اتصلت به الصيحة بين يدي دخول المدينة ركب في أفراد من عبيده وعليه قميص يشف عن بدنه والسيف منتضي بيده ويممم باب الفرج فقدم الداخلين فردهم على أعقابهم وقتل فارسًا منهم فانزعجوا أمامه وخلفوا الباب فأمر بإغلاقه وسكنت الحل وعاد إلى قصره‏.‏
وفي ذلك يقول‏:‏ إن يسلب القوم العدا ملكي وتسلمني الجموع قد رمت يوم نزالهم ألا تحصنني الدروع وبرزت ليس سوى القميص عن الحشاشيئ دفوع أجل تأخر لم يكن بهوادي ذنى والخضوع ما سرت قط إلى القتال وكان من ملي الرجوع شيم الأولى أنا منهم والأصل تتبعه الفروع جوده وأخبار جوده شهير ومما يؤثر من ذلك على استصحاب حال العز ووفور ذات اليد وأدوات الملك غيب والشاهد المقبول بقاء السدية ومصاحبة الخلق الملكية مع الغقتار والإيسار وتقلب الأطوار وتعرض له الحصرى القرموني الضرير بخارج طنجة وهو يجتاز عليها في السواحل من قهر واعتقال بأشعار ظاهرة المقت غير لايقة بالوقت ولم يكن بيده زعموا غير ثلاثين دينارًا كانت بخفه معدة لضرورة وأزمة وأطبع عليها دمه وأدرج قطعة شعر طيها اعتذار عن نزرها راغبًا في قبول أمرها فلم يراجعه الحصري بشيء عن ذلك فكتب إليه‏:‏ قل لمن جمع العلم وما أحصى صوابه قد أتيناك فهلأ جلب الشعر جوابه حلمه رفع إليه صدر دولته شعر أغرى فيه بأبي الوليد بن زيدون وهو شهير وتخير له موقع وترصد حين وانتظر به مؤجره وهو‏:‏ يا أيها الملك الأعز الأعظم أقطع وريدي كل باغ يسلم واتحسم بسيفك كل منافق يبدي الجميل وضد ذلك يكتم لا تتركن للناس موضع شبهة وأحزم فمثلك في العظائم يحزم قد قال شاعر كندة فيما مضى قولًا على مر الليالي يعلم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم فوقع على الرقعة‏:‏ كذبت منا كم صرحوا أو جمجموا الدين أمتن والسجية أكرم خنتم ورمتم أن أخون وإنما حلولتم أن يستخف بلملم وأردتم تضييق صدر لم يضق والسمر في صدر النحور تحطم أتى رجوتم غدر من جربتم منه الوفاء وظلم من لا يظلم أنا ذا كم لا السعي يثمر غرسه عندي ولا مبني الصنيعة يهدم كفوا وإلا فارقبوا لي بطشة يبقى السفيه بمثلها يتحلم توقيعه ونثره في البديهة كتب مع الحمايم إلى ولده الرشيد عق ب الفراغ من وقعة الزلاقة‏.‏
يا بني ومن أبقاه الله وسلمه ووقاه الأسواء وعصمه‏.‏
وأسبغ عليه آلاءه وأنعمه كتبته وقد أعز الله الدين وأظهر المسلمين وفتح لهم على يدي مستدعيات الفتح المبين بما يسره الله في أمسه وسناه وقدره سبحانه وقضاه من هزيمة أدفونش ابن فردلند لعنه الله وأصلاه وإن كان طاح للجحيم ولا أعدمه وإن كان أهل العيش الذميم كما قنعه الخزي العظيم‏.‏
وأتى القتل على أكثر رجاله وجماته واتصل النهب ساير اليوم والليلة المتصلة به جميع محلاته وجمع من رؤوسهم بين يدي من مشهوري رجالهم ومذ كوري أبطالهم ولم يختر منهم إلا من شهر وقرب وامتلأت الأيدي مما سلب ونهب‏.‏
والذي لا مرية فيه أن الناجي منهم قليلش والمفلت من سيوف الجزع والبعد قتيل ولم يصبني بفضل الله إلا جرح أشو وحسن الحال عندنا والله وزكى ولا يشغل بذلك بال ولا يتوهم غير الحال التي أشرت إليها حال والأدفونش بن فرذلاند إن لم يصبح تحت السيوف فسيموت لا محالة كمدًا وإن كان لم تعلقه أسراد الحمام فغدًا فإن برأسه طمرة ولحام‏.‏
فإذا ورد كتابي هذا فمر بجمع الخاص والعم من أهل إشبيلية وجيرانها الأقرببن وأصفيائنا المحبين في المسجد الجامع أعزهم الله‏.‏
وليقرأ عليهم فيه ليأخذوا من المسرة بأنصبايهم ويضيفوا شكرًا لله إلى صالح دعايهم والحمد لله على ما صنع حق حمده جل المزيد لأمر حين إلا من عنده‏.‏
والسلام‏.‏
تلطفه وظرفه قال أبو بكر الداني‏:‏ سألني في بعض الأيام عند قدومي عليه بأغمات قاضيًا حق نعمته مستكثرًا من زيارته مستمتعًا برايق أدبه على حال محنته عن كتبي فأعلمته بذهابيها في نهب حضرته‏.‏
وكنت قد جلبت في سفرتي تلك الأشعار الستة بشرح الأستاذ أبي الحجاج الشنتمري الأعلم وكانت مستعارة فكتمتها عنه‏.‏
ووشي إليه أحد الأصحاب‏.‏
فخجل بكرمه وحسن شيمته من الأخذ معي في ذكر ما كتمته فاستطرد إلى ذلك بغرض نبيل ونحا فيه نحوًا يعرب عن الشرف الأصيل وأملى علي في جملة ما كان يمليه‏:‏ نادمتها في جنح ليل دامس فأعرنه مثلًا من الأنوار في وسط روضة نرجس كعيونها ما أشبه النوار بالنوا فإذا وصفنا الحديث حسبتني ألهو بملتقط الدر نثار فإذا اكتحلت برق ثغر باسم سكبت جفوني أغزر الأمطار حذر الملام وخيفة من جفوة تذر الصدور على شفير هار ترك الجواري الآنسات مذاهبي وسولها ظفر بريشة الأشعار فلم أمالك عند ذلك ضحكًا وعلمت أن الأمر قد سرى إليه فأعلمته قصتها فبسط العذر بفضله‏.‏
وتأول الأمر وقسم الأشعار على ثلاثة من بنيه‏.‏
ذوي خط رائع ونقل حسن‏.‏
وأدب بارع‏.‏
أخذوا في نسخها‏.‏
وصرفوا الأصل لأجل قريب‏.‏
محنته ولم يلبث أمير الملمتونيين بعد جوازه إلى الأندلس وظهوره على طايفة الروم أن فسد ما بينه وبين رؤساء الطوائف بالأندلس وعزم على خلعهم‏.‏
فأجاز من سبتة العساكر وضرب الأمداد‏.‏
وأخذ المعتمد بالعزم يحصن حصونه وأودع المعاقل عدته وقسم على مظان الامتناع ولده وصمدت الجموع صمدة بنيه ونازل الأمير سير إشبيلية دار المعتمد وحضرة ملكه ونازل الأمير محمد بن الحاج قرطبة وبها المأمون ونزل جرور من قواده رندة وبها الراضي ابن المعتمد‏.‏
واستمر الأمر واتصلت المحاصرة ووقعت أمور يضيق الكتاب عن استقصايها‏.‏
فدخلت قرطبة في جمادى الآخرة عام أربع وثمانين وأربعمائة وقتل الراضي وجلب رأسه فطيف به بمرأى من أبيه‏.‏
وكان دخول إشبيلية على المعتمد دخول القهر والغلبة يوم الأحد لعشر بقين من رجب‏.‏
وشملت الغارة‏.‏
واقتحمت الدور وخرج ابن عباد في شكته‏.‏
وابنه مالك في أمته معيمًا فقتل مالك الملقب بفخر الدولة ورهقت الخيل وكثر فدخل القصر ملقيًا بيده‏.‏
ولما جن الليل وجه ابنه الأكبر الرشيد إلى الأمير فحجب عنه ووكل بعض خدمه به وعاد إلى المعتمد فأخبره بالإعراض عنه فأيقن بالهلكة وودع أهله وعلا البكاء وكثر الصراخ وخرج هو وابنه فأنزلا في خباء حصين ورقبا بالحرس وأخرج الحرم من قصره وضم ما اشتمل عليه وأمر بالكتب إلى ولده برندة ففعل‏.‏
ولما نزل واستوصلت ذخيرته سلا وأجيز المعتمد البحر‏.‏
ومن معه إلى طنجة‏.‏
فاستقر بها في شعبان من العام‏.‏
وفي هول البحر عليه في هذا الحال يقول رحمه الله‏:‏ لم أنس والموت يدنيني ويقصيني والموت كأن المني يأتيني قد كنت ضانًا بنفس لا أجود بها فبعتها باضطرار بيع مغبون كم ليلة بت مطويًا على حرق في عسر من عيون الدبر في العين فتلك أحسن أم ظلت به في ظل عزة سلطان وتمكين ولم يكن والذي تعنو الوجوه له عرضى مهانًا ولا مالي بمخزون وكم خلوت من الهيجا بمعترك والحرب ترفل في أثوابها الجون يا رب إن لم تدع حالًا أسر به فهب لعبدك أجرًا غير ممنون وجرى على بناته شيء يوم خروجهن وأضطرتهن الضيعة إلى معيشتهن من غزل أيديهن وجرت عليه محن طال لها شجنه وأقعده قيده‏.‏
إلى أن نقل إلى أغمات وريكة وحل عنه الاعتقال وأجرى عليه رزقه تبلغ به لمدة من أعوام أربعة واستنقذه حمامه رحمة الله عليه‏.‏
وصوله إلى غرناطة قال ابن الصيرفي وقد أجرى ذكر تملك يوسف بن تاشفين غرناطة وخلع أميرها عبد الله بن بلقين حفيد باديس يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب عام ثلاثة وثمانين‏:‏ ولحق ابن عباد وحليفة ابن مسلمة بخيل ورجل ورماة وعدد وحل ذلك من ابن عباد تضمنًا لمسرة أمير المسلمين وتحققًا موالاته فدخلا عليه وهنياه وقد تحكمت في نفس ابن عباد الطماعية في إسلام غرناطة إلى ابنه بعد استصفاء نعمة صاحبها عوضًا عن الجزيرة الخضراء وكان قد أشخصه معه فعرض بغرضه فأعرض أمير المسلمين عن الجميع إعراضًا كانت منية كل منهما التخلص من يده والرجوع إلى بلده‏.‏
فأعمل ابن عباد الحيلة‏.‏
فكتب يزعم أنه وردت عليه تحثه من إشبيلية في اللحاق أثناء مهمة طرقت بتحرك العدو واستأذن بها في الصدور فأخذ له ولحليفه ابن مسلمة فانتهزا الفرصة وابتدرا الرجعة‏.‏
ولحق كل بموضعه يظن أنه ملك رياسة أمره‏.‏
مولده ولد المعتمد على الله بمدينة باجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة‏.‏
وولي سنة إحدى وستين‏.‏
وخلع سنة أربع وثمانين‏.‏
وفاته كانت وفاة المعتمد على الله بأعمات في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بعد أن تقدمت وفاته وفاة الحرة اعتماد‏.‏
وجزع عليها جزعًا أقرب سرعة لحاقه بها‏.‏
ولما أحس بالمنية رثى قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقًا ظفرت بأسلاء ابن عباد بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب أن أجدبوا بالري لصادي بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا بالموت أحمر بالضرغامة العادي بالدهر في نقم بالبحر في نعم بالبدر في ظلم بالصدر في النادي نعم هو الحق فاجأني على قدر من السماء ووافاني لميعاد ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه أن الجبال تهادي فوق أعواد كفاك فارفق بما استودعت من كرم رواك كل قطوب البرق رعاد يبكي أخاه الذي غيبت وابله تحت الصفيح بدمع رائح غادي حتى يجودك دمع الضل منهمرًا من أعين الزهر لم تبخل بإسعاد فا تزل صلوات الله نازلة على دفينك لا تحصى بتعداد بعض ما رثي به قال ابن الصيرفي وخالف في وفاة المعتمد‏.‏
فقال‏:‏ كانت في ذي حجة‏.‏
فلما انفصل الناس من صلاة العيد‏.‏
حف بقبره ملأ يتوجعون ويترحمون عليه وأقبل ابن عبد الصمد فوقف على قبره ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماع عوادي لما خلت منك القصور فلم تكن فيها كما قد كنت في الأعياد أقبلت في هذا الثرى لك خاضعًا وتخذت قبرك موضع الإنشاد ثم خر يبكي ويقبل القبر ويعفر وجهه في التراب فبكى ذلك الملأ حتى أخضلوا ملابسهم وارتفع نشيجهم فلله در ابن عبد الصمد وملاذ ذلك البلد‏.‏
محمد بن مردنيش الجذامي محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي قال بعضهم ينتمي في تجيب الأمير أبو عبد الله‏.‏
أوليته معروفة وعلى يد أبيه جرت الوقيعة الكبرى بظاهر إفراغة‏.‏
على ابن رذمير الطاغية فجلت الشهرة وعظمت الأثرة قال بعضهم تولى أبوه سعد قيادة إفراغة وما إليها‏.‏
وضبطها‏.‏
ونازلها ابن رذمير‏.‏
فشهر غناؤه بها في دفاعه‏.‏
وصبره على حصاره إلى أن هزمه الله عز وجل على يدي ابن غانيه‏.‏
وظهر بعد ذلك فحسن بلاؤه‏.‏
وبعد صيته‏.‏
ورأس ابنه محمد ونفق في القته‏.‏
وكان بين هوبين ابن عياض المتأمر بمرسية صهر ولاه لأجله بليسة‏.‏
فلما توفي ابن عياض بادرها ابن سعد وبلغه أثناء طريقه غدر العدو بحصن جلالن فكر وقاد له وفتحه‏.‏
وعاد فملك بلنسية وقد ارتفع له صيت شهير ثم دخلت مرسية في أمره واستقام له الشرق‏.‏
وعظمت حاله‏.‏
حاله قال ابن حمامة ساد من صغره بشجاعته ونجابته وصيت أبيه فمال بذلك إلى القيادة‏.‏
وسنه أحجى وعشرون سنة ثم ارتقى إلى الملك الراسخ والسلطان الشامخ بباهر شجاعته وشهامته‏.‏
فسما قدره‏.‏
وعظم أمره‏.‏
وفشي في كل أمة ذكره‏.‏
قال غيره كان بعيد الغور قوي الساعد أصيل الرأي‏.‏
شديد العزم بعيد العفو مؤثرأ للانتقام مرهوب العتوبة‏.‏
قوال في مختصر ثورة المريدين كان عظيم القوة في جسمه ذا أيد في عظمته‏.‏
جزارة في لحمه وكان له فروسية وشجاعة وشهامة ورياسة‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:08 AM


بطالته وجوده قال وكان له يومان في كل جمعة‏.‏
الاثنين والخميس يشرب مع ندمايه فيهما ويجود على قواده وخاصته وأجناده ويذبح البقر فيهما ويفرق لحومها على الأجناد ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن ويتخلل ذلك لهو كثير حتى ملك القلوب من الجند وعاملوه بغاية النصح وربما وهب المال في مجالس أنسه‏.‏
ذكر أنه ستدعى يومًا ابن الأزرق أحد قواده فشرب معه ومع القرابة في مجلس قد كسان بأحمر الوشي والوطئ والآنية من الفضة وغيرها وتمادى في لهو وشراب عامة اليوم‏.‏
فلما كمل نهاره معهم وهبهم الآنية‏.‏
وكل ما كان في المجلس من الوشي أو غير ذلك‏.‏
ما نقم عليه ووصم به قالوا‏:‏ كان عظيم الانهماك في ميدان البطالة واتخذ جملة من الجواري‏.‏
فصار يراقد منهن جملة تحت لحاف واحج‏.‏
وانهمك في حب القيان والزمر والرقص‏.‏
قالوا‏:‏ وكان له فتى اسمه حسن ذو رقبة سمينة وقفًا عريض فإذا شرب كان يرزه ويعطيه بعد ذلك عطاء جزيلًا‏.‏
وفي ذلك يقول كاتبه المعروف بالسالمي وكان يحضر شرابه‏.‏
ويخمر‏.‏
أدر كؤوس المدام والرز فقد ظفرنا بدولة العز نعم ما لكف من قفا حسن فإنها في ليانة الخز وصاحب إن طلبت أخدعه فلم يكن في بذله بمعتز انحنى على أخذاعي فاطربني وهز عطفي أيما هز وأجزل صلة السالمي حين أنشدها إياه واشتهرت هذه الأبيات بالشرق واستظرفها الناس‏.‏
فرد مرسية دار مجونه وبلغ في زمانه ألفا وأربعين‏.‏
وآثر زي النصارى من الملابس والسلاح واللجم والسروج‏.‏
وكلف بلسانهم بتكلم مباهتة وألجأه الخروج عن الجماعة‏.‏
والانفراد بنفسه إلى الاحتماء بالنصارى ومصانعتهم والاستعانة بطواغيتهم‏.‏
فصالح صاحب برشلونة لأول أمره على ضرية‏.‏
وصالح ملك قشتالة على أخرى‏.‏
فكان يبذل لهم في السنة خمسي ألف مثقال‏.‏
وابتنى لجيشه من النصارى منازل معلومات وحانات للخمور وأجحف برعيته لأرزاق من استعان به منهم فعظمت في بلاده المغارم وثقلت واتخذ حوانيت بيع الأدم والمرافق تخنتنق بجانبه وجعل على الأغنام وعروض البقر مؤنًا غريبة‏.‏
وأما رسوم الأعراس والملاهي فكانت قبالاتها غريبة‏.‏
حدث بعض المز رخين عن الثقة قال كنت بجيان مع الوزير أبي جعفر الوقشي فوصل إليه رجل من أهل مرسية كان يعرفه فسأله الوزير عن أحوال ابن مردنيش وعن سيره فقال الرجل أخبرك بما رأيته من جور عماله وظلمهم‏.‏
وذلك أن أحد الرعية بشاطبة واسمه محمد بن عبد الرحمن كان له بنظر شاطبة ضويعة يعيش بها وكان لازمها أكثر من فايدها فأعطى لازمها حتى افتقر وفر إلى مرسية‏.‏
وكان أمر ابن مردنيش أنه من فر من الرعية أمام الغزو أخذ ماله للمخزن‏.‏
قال الرجل الشاطبي فلما وصلت إلى مرسية فارًا عن وطني وخدمت الناس في البنيان فاجتمع لي مثقالان سعديان فبينما أنا أمشي في السوق‏.‏
وإذا بقوم من أهل بلدي شاطبة ومن قرابتي فسألتهم عن أولادي وزوجتي فقالوا إنهم باقية بيد أولادك فقلت لهم عسى تبيتوا عندي الليلة فاشتريت لحمًا وشرابًا وضربنا دفًا‏.‏
فلما كان عند الصباح وإذا بنقر عنيف بالباب‏.‏
فقلت من أنت فقال أنا الطرقون الذي بيده قبالة اللهو وهي متفقة بيدي وأنتم ضربتم البارحة الدف فأعطنا حق العرس الذي عملت‏.‏
فقلت له والله ما كانت لي عرس‏.‏
فأخذت وسجنت‏.‏
حتى افتديت بمثقال واحد من الذي خدمت به‏.‏
وجئت إلى الدار‏.‏
فقيل لي أن فلانًا وصل من شاطبة الساعة‏.‏
فمشيت لأسأله عن أولادي‏.‏
فقال تركتهم في السجن‏.‏
وأخذت الضويعة من أيديهم في رسم الجبالى فرجعت إلى الدار‏.‏
إلى قرابتي‏.‏
وعرفتهم بالذي طرأ علي‏.‏
وبكيت طول ليلتي وبكوا معي‏.‏
فلما كان من الغد‏.‏
وإذا بناقر بالباب‏.‏
فخرجت فقال أنا رجل صاحب المواريث‏.‏
أعلمنا أنكم بكيتم البارحة‏.‏
وأنه قد مات لكم ميت من قرابتكم غني‏.‏
وأخذتم كل ما ترك‏.‏
فقلت والله ما بكيت إلا نفسي فكذبني وحملني إلى السجن فدفعت المثقال الثاني ورجعت إلى الدار وقلت أخرج إلى الوادي إلى باب القنطرة أغسل ثيابي من درن السجن وأفر إلى العدوة فقلب لإمرأة تغسل الثياب إغسلي مما علي‏.‏
وجردتها‏.‏
ودفعت لي زنارًا ألبسه‏.‏
فبينا أنا كذلك‏.‏
وإذا بالخصى قائد ابن مردنيش يسوق ستين رجلًا من أهل الجبل لابس الزنانير‏.‏
فرآني على شكلهم فأمر بحملي إلى السخرة والخدمة بحصن مسقوط عشرة أيام‏.‏
فلبثت أخدم وأحضر مدة عشرة أيام وأنا أبكي واشتكي للقايد المذكور حتى أشفق علي وسرحني‏.‏
فرجعت أريد مرسية فقيل لي عند باب البلد كيف أسمك فقلت محمد بن عبد الرحمن فأخذني الشرطي وحملت إلى القابض بباب القنطرة‏.‏
فقالوا هذا من كتبته من أرباب الحالي بكذا وكذا دينار‏.‏
فقلت والله ما أنا إلا من شاطبة‏.‏
وإنما إسمي وافق ذلك الاسم ووصفت له ما جرى علي فأشفق وضحك مني وأمر بتسريحي فسرت على وجهي إلى هنا‏.‏
بعض الأحداث في أيامه ونبذ من أخباره استولى على بلاد الشرق مرسية وبلنسية وشاطبة ودانية ثم اتسع نطاق ملكه فولي جيان وأبدة وبياسة وبسطة ووادي آش وملك قرمونة ونازل قرطبة وإشبيلية وكاد يستولي علة جميع بلاد الأندلس‏.‏
فولي صهره ابن همشك وقد مر في باب إبراهيم مدينة جيان وأبدة وبياسة وضيق منها على قرطبة واستولى على إستجة ودخل غرناطة سنة سبع وخمسين وخمسماية وثار عليه يوسف بن هلال من أصهاره بحصن مطرنيش وما إليه‏.‏
ثم تفاسد ما بينه وبين صهره الآخر ابن همشك‏.‏
فكان سبب إدبار أمره واستولى العدو في مدة ابن سعد على مدينة دخوله غرناطة ولما دخل ابن همشك مدينة غرناطة وامتنعت عليه قصبتها وهزم الجيش المصرخ لمن حصر بها من الموحدين بمرج الرقاد وثاب أثناء ذلك أمر الموحدين‏.‏
فتجهز لنصرهم السيد أبو يعقوب‏.‏
وأجار البحر‏.‏
واجتمعوا بالسيد أبي سعيد بمالقة‏.‏
استمد ابن همشك صهره الأسعد أبا عبد الله محمد بن سعد فخرج بنفسه في العسكر الكبير من أهل الشرق والنصارى‏.‏
فوصل إلى غرناطة واضطربت محلته بالربوة السامية المتصلة برابض البيازين‏.‏
وتعرف إلى اليوم بكدية مردنيش وتلاحق جيش الموحدين بأحواز غرناطة‏.‏
فأبينوا جيش عدوهم فكانت عليه الدبر وفر ابن مردنيش فلحق بجيان واتصلت عليه الغلبة من لدن منتصف عام ستين فلم يكن له بعده ظهور‏.‏
وفاته وظهر عليه أمر الموحدين فاستخلصوا معظم ما بيده وأوقعوا بجنده الوقايع العظيمة‏.‏
وحصر بمدينة مرسة واتصل حصاره فمات أثناء الحصار في عشر رجب من عام سبعة وستين وخمسماية وله ثمانية وأربعون عامًا ووصل أمره أبو القمر هلال وألقى باليدين إلى الموحدين فنزل على عهد ورسوم حسيما يأتي في موضعه‏.‏
محمد بن يوسف بن هود الجذامي أمير المسلمين بالأندلس يكنى أبا عبد الله ويلقب من الألقاب السلطانية بالمتوكل على الله‏.‏
أوليته من ولد المستعين بن هود‏.‏
وأوليتهم معروفة ودولتهم مشهورة وأمراؤهم مذكورون‏.‏
خرج من مرسية تاسع رجب عام خمسة وعشرين وستماية إلى الصخور من جهاتها في نفر يسير من الجنود معه وكان الناس يستشعرون ذلك‏.‏
ويرتقبون ظهور مسمى باسمه واسم أبيه وينددون‏.‏
بإخمرته وسلطانه‏.‏
وجرى عليه بسبب ذلك امتحان في زمن الموحدين مرات إذ كان بعض الهاتفين بالأمور الكاينة والقضايا المستقبلة يقول لهم يقوم عليكم قايم من صنف الجند اسمه محمد بن يوسف‏.‏
فقتلوا بسبب ذلك شخصًا من أهل جيان‏.‏
ويقال إن شخصًا ممن ينتحل ذلك لقي ابن هود فأمعن النظر إليه ثم قال له أنت سلطان الأندلس فانظر لنفسك وأنا أدلك على من يقيم ملكك فاذهب إلى المقدم الغشتي فهو القايم بأمرك‏.‏
وكان الغشتي رجلًا صعلوكًا يقطع الطريق وتحت يده جماعة من أنجاد الرجال وسباع الشرار قد اشتهر أمرهم فنهض إلى المقدم وعرض عليه الأمر وقال نسستفتح بمغاورة إلى أرض العدو على اسمك وعلى سعدك ففعلوا فجلبوا كثيرًا من الغنايم والأسرى وانضاف إلى ابن هود طوايف مثل هؤلاء وبايعوه بالصخيرات كما ذكر من ظاهر مرسية وتحرك إليه السيد أبو العباس بعسكر مرسية فأوقع به وشرده ثم ثاب إليه ناسه وعدل إلى الدعاء للعباسيين فتبعه اللفيف ووصل تقليد الخليفة المستنصر بالله ببغداد فاستنصر الناس في دعوته وشاع ذكره وملك القواعد وجيش الجيوش وقهر الأعداء ووفي للغشتي بوعده فولاه أسطول إشبيلية ثم أشطول سبتة مضافًا إلى أمرها وما يرجع إليه فصار به أهلها بعد وخلعوه وفر أمامهم في البحر وخفي أثره إلى أن تحقق استقراره أسيرًا في البحر بغرب الأندلس ودام زمانًا ثم تخلص في سن الشيخوخة ومات برباط آسفي‏.‏
حاله كان شجاعًا ثبتًا كريمًا حييًا فاضلًا وفيًا متوكلًا عليه سليم الصدر قليل المبالاة فاستعلى لذلك عليه ولاته بالقواعد كأبي عبد الله بن الرميمي بألمرية وأبي عبد الله بن زنون بمالقة وأبي يحيى عتبة بن يحيى الجزولي بغرناطة‏.‏
وكان مجدودًا لم ينهض له جيش‏.‏
ولا وفق بعض الأحداث في أيامه جرت عليه هزائم منها هزيمة السلطان الغالب بالله إياه مرتين إحداهما بظاهر إشبيلية وركب البحر فنجا بنفسه‏.‏
ثم هزمه بإلبيرة من أحواز غرناطة زعموا ذلك في سنة أربع وثلاثين وستماية أو نحوها‏.‏
وفي سنة خمس وثلاثين كان اللقاء بينه وبين المأمون إدريس أمير الموحدين بإشبيلية فهزمه المأمون أقبح هزيمة واستولى على محلته ولاذ منه بمدينة مرسية‏.‏
ثم شغل المأمون الأمر وأهمته الفتنة الواقعة بمراكش فصرف وجهه إليها وثاب الأمر للمتوكل فدخلت في طاعته ألمرية ثم غرناطة ثم مالقة‏.‏
وفي سبع وعشرين وستماية تحرك بفضل شهامته بجيوش عظيمة لإصراخ مدينة ماردة وقد نازلها العدو وحاصر ولقي الطاغية بظاهرها فلم يتأن زعموا حتى دفع بنفسه العدو ودخل في مصافه‏.‏
ثم لما كر إلى ساقته وجد الناس منهزمين لما غاب عنهم فاستولت عليه هزيمة شنيعة‏.‏
واستولى العدو على ماردة بعد ذلك‏.‏
وفتح عليه في أمور منها تملكه إشبيلية سنة تسع وعشرين وستماية وولي عليها أخاه الأمير أبا النجاة سالمًا الملقب بعماد الدولة‏.‏
في سنة إحدى وثلاثين‏.‏
رجعت قرطبة إلى طاعته واستوسق أمره‏.‏
وتملك غرناطة ومالقة عام خمسة وعشرين وستمائة ودانت له البلاد‏.‏
وفي العشر الأول من شوال‏.‏
دخل في طاعته الريسان أبو زكريا وأبو عبد الله إبنا الرئيس أبي سلطان عزيز بن أبي الحجاج بن سعد‏.‏
وخرجا عن طاعة الأمير أبي جميل وأخذا البيعة لابن هود على ما في أيديهما‏.‏
وفي سنة ست وعشرين وستمائة تملك الجزيرة الخضراء عنوة يوم الجمعة التاسع لشعبان من العام‏.‏
وفي العشر الوسط من شوال ورد عليه الخبر ليلًا بقصد العدو وجهة مدينة وادي آش‏.‏
فأسرى ليله مسرجًا بقية يومه ولحق بالعدو على ثمانين ميلًا فأتى على آخرهم ولم ينج منه أحد‏.‏
أخوته الرئيس أبو النجاة سالم وعلامته وثقت بالله ولقبه عماد الدولة والأمير أبو الحسن عضد الدولة وأسره العدو في غارة وافتكه بمال كثير والأمير أبو إسحاق شرف الدولة‏.‏
وكلهم يكتب عنه من الأمير فلان‏.‏
ولده أبو بكر الملقب بالواثق بالله أخذ له البيعة على أهل الأندلس‏.‏
في كذا وولي بعده ولي عهده واستقل بملك مرسية‏.‏
ثم لم ينشب أن هلك‏.‏
‏.‏
دخوله غرناطة دخل غرناطة مرات عديدة إحداها في سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقد وردت عليه الراية والتقليد من الخليفة العباسي ببغداد‏.‏
وبمصلى غرناطة قرئ على الناس كتابه وهو قايم وزيه السواد ورايته السوداء بين يديه وكان يوم استسقاء فلم يستتم على الناس قراءة الكتاب يومئذ إلا وقد جادت السماء بالمطر وكان يومًا مشهودًا وصنعًا غريبًا وأمر بعد انصرافه أن يكتب عنه بتلك الألقاب التي تضمنها الكتاب المذكور إلى البلاد‏.‏
وفاته اختلف الناس في سبب وفاته فذكر أنه قد عاهد زوجه ألا يتخذ عليها امرأة طول عمره فلما تصير إليه الأمر أعجبته رومية حصلت له بسبب السبي من أبناء زعمائهم من أجمل الناس فسترها عند ابن الرميمي خليفته فزعموا أن الن الرميمي علق بها‏.‏
ولما ظهر حملها خاف افتضاح القصة فدبر عليه الحيلة فلما حل بظاهر ألمرية عرض عليه الدخول إليها فاغتاله ليلًا بأن أقعد له أربعة رجال قضوا عليه خنقًا بالوسايد‏.‏
ومن الغد داعي أنه مات فجأة ووقف عليه العدول والله أعلم بحقيقة الأمر سبحانه‏.‏
وكانت وفاته ليلة الرابع والعشرين من جمادى الآخرة عام خمسة وثلاثين وستماية‏.‏
وفي إرجاف الناس بولاية ابن هود والأمر قبل وقوعه يقول الشاعر‏:‏ همام به زاد الزمان طلاقة ولذت لنا فيه الأماني موردا فقل لبني العباس ها هي دولة أغار بها الحق المبين وأنجدا فإن الذي قد جاء في الكتب وصفه بتمهيد هذي الأرض قد جاء فاهتدا فإن بشرتنا بابن هود محمد فقد أظهر الله ابن هود محمدا محمد بن أحمد الغافقي محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن بن أيوب ابن حامد بن زيد بم منخل الغافقي يكنى أبا بكر من أهل غرناطة‏.‏
وسكن وادي آش أوليته أصل هذا البيت من إشبيلية وذكره الرازي في الاستيعاب فقال وبإشبيلية بيت زيد الغافقي وهم هناك جماعة كبيرة فرسان ولهم شرف قديم وقد تصرفوا في الخدمة‏.‏
بلديون ثم انتقلوا إلى طليطلة ثم قرطبة ثم غرناطة‏.‏
وذكر الملأحي في كتابه الحسن بن أيوب بن حامد بن زيد ابن الحسن هو المقتول يوم قيام بني خالد بدعوة السلطان أبي عبد الله الغالب بالله بن مصر وكان عامل المتوكل على الله بن هود بها وعمن جمع له بين الدين والفضل والمالية‏.‏
حاله ونباهته وحنته ووفاته كان هذا الرجل عينًا من أعيان الأندلس وصدرًا من صدورها‏.‏
نشأ عفًا متصاونًا عزوفًا وطلاوة نزيهًا أبيًا كريم الخؤولة طيب الطعمة حر الأصالة نبيه الصهر‏.‏
ثم استعمل في الوزارة ببلده ثم قدم على من به من الفرسان فأوردهم الموارد الصفية بإقدامه واستباح من العدو الفرصة وأكسبهم الذكر والشهرة وأنفق في سبيل الله إلى غضاضة الإيمان وصحة العقد وحسن الشيعة والاسترسال في ذكر التواريخ والأشعار الجاهلية والأمثال والتمسك بأسباب الدين وسحب أذيال الطهارة وهجر الخبايث وإيثار الجد والانحطاط في هوى الجماعة‏.‏
مشيخته قرأ بغرناطة على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخار وببلده على الأستاذ أبي عبد الله الطرسوني وبه انتفاعه وكان جهوري الصوت متفاضلًا قليل التهيب في الحفل‏.‏
ولما حدث بالسلطان أبي عبد الله من كياد دولته وتلاحق بوادي آش مفلتًا قام بأمره وضبط البلد على دعوته ولم المداهنة في أمره وجعل حيل عدوه دبر أذنه إلى أن خرج عنها إلى العدوة فكان زمان طريقه مفديًا له بنفسه حتى لحق بمأمنه فتركها مغربة‏.‏
خبر في وفاته ومعرجه وكانت الحمد لله على محمده واستأثر به الداخل فشد عليه يد اغتباطه وأغرى به عقد ضنانته وخلطه بنفسه ثم أغرى به لمكانته من الشهامة والرياسة فتقبض عليه وعلى ولده لباب بني وقته وغرة أبناء جنسه فأودعهما مطبق أرباب الجرايم وهم باغتيالهما ثم نقلهما إلى مدينة المنكب ليلة المتصف لمحرم من عام اثنين وستين وسبعمائة في جملة من النبهاء مأخوذين بمثل تلك الجريرة ثم صرف الجميع في البحر إلى بجاية في العشر الأول لربيع الأول مصفدين‏.‏
ولما حلوا بها أقاموا تحت بر وتجلة ثم ركبوا البحر إلى تونس فقطع بهم أسطول العدو بأحواز تكرنت ووقعت بينه وبين المسلمين حرب فكرم مقام المترجم يومئذ وحسن بلاؤه‏.‏
قال المخبر عهدي به وقد سل سيفًا وهو يضرب بالعدو ويقول اللهم اكتبها لي شهادة‏.‏
واستولى العدو على من كان معه من المسلمين ومنهم ولده وكتب افتك الجميع ببلد العناب وانصرف ابنه إلى الحج وآب لهذا العهد بخلال حميدة كريمة‏.‏
من سكون وفضل ودين وحياء وتلاوة إلى ما كان يجده من الركض ويعانية من فروسية فمضى على هذا السبيل من الشهادة نفعه الله في ليلة الجمعة الثامن لرجب من عام اثنين وستين وسبعمائة‏.‏
شعره أنشدني قاضي الجماعة أبو الحسن بن الحسن له‏:‏ يا أيها المرتجى لطف خالقه وفضله في صلاح الحال والمال فإن لله لطفًا عز خالقنا عن أن يقاس بتشبيه وتمثال وكل أمر وإن أعياك ظاهره فالصنع في ذاك لا يجري على بال محمد بن أحمد بن محمد الأشعري من أهل غرناطة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن المحروق الوكيل بالدار السلطانية القهرمان بها المستوزر آخر عمره سداد من عون‏.‏
حاله وأوليته وظهوره كان رحمه الله من أهل العفاف والتصاون جانحًا إلى الخير محبًا في أهل الإصلاح مغضوض الطرف عن الحرم عفيفًا عن الدماء متسمسكًا بالعدالة من أهل الخصوصية كتب الشروط وبرز في عدول الحضرة وكان له خط حسن ومشاركة في الطلب وخصوصًا في الفرايض وحظه تافه من الأدب امتدح الأمراء فترقى إلى الكتابة مرؤوسًا مع الجملة‏.‏
وعند الإيقاع بالوزير ابن الحكيم تعين لحصر ما استرفع من منتهب ماله وتحصل بالدار السلطانية من آثاثه وخرثيه فحزم واضطلع بما كان داعية ترقيه إلى الوكالة فساعده الوقت وطلع له جاه كبير تملك أموالًا غريضة وأرضًا واسعة فجمع الدنيا بحزمه ومثابرته على تنمية داخله وترقى إلى سماء الوزارة في الدولة السادسة من الدول النصرية بتدبير شيخ الغزاة وزعيم الطايفة عثمان بن أبي العلاء فوصله إلى إدوار دنياه والله قد خبأ له المكروه في المحبوب وتأذن الله سبحانه بنفاد أجله على يده فستولى وحجب السلطان‏.‏
ثم وقعت بينه وبين مرشحه الوحشة الشهيرة عام سبع وعشرين وسبعمائة مارسًا لمكان الفتنة صلة فارط في حجب السلطان وأجلى جمهور ما كان ببابه ومنع من الدخول إليه فاضطربت حاله وأعمل التدبير عليه فهجم عليه بدار الحرة الكبيرة جدة السلطان وكان يعارضها في الأمور ويجعلها تكأة الغرضه فتيان من أحداث المماليك المستبقين مع محجوبه تناولاه سطًا بالخناجر ورمى نفسه في صهريج الدار وما زالا يتعاورانه من كل جانب حتى فارق الحياة رحمه الله تعالى‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وكانت له فيه فراسة صادقة‏.‏
محمد بن فتح بن علي الأنصاري يكنى أبا بكر ويشهر بالأشبرون‏.‏
قاضي الجماعة‏.‏
حاله كان طرفًا في الدهاء والتخلق والمعرفة بمقاطع الحقوق ومغامز الريب وعلل الشهادات فذًا في الجزالة والصرامة مقدامًا بصيرًا بالأمور حسن السيرة عذب الفكاهة ظاهر الحظوة علي الرتبة خرج من إشبيلية عند تغلب العدو عليها وولي القضاء بمالقة وبسطة‏.‏
ثم ولي الحسبة بغرناطة ثم جمعت له إليها الشرطة ثم قدم قاضيًا واستمرت ولايته نحوًا من ثلاثين سنة‏.‏
محمد بن الزيات الكلاعي محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن الزيات الكلاعي ولد الشيخ الخطيب أبي جعفر بن الزيات من أهل بلش يكنى أبا بكر‏.‏
حاله من عائد الصلة من تأليفنا‏.‏
كان رحمه الله شبيهًا بأبيه في هديه وحسن سمته ووقاره إلا أنه كان حافظًا للرتبة‏.‏
مقيمًا للأبهة مستدعيًا بأبيه ونفسه للتجلة بقية من أبناء المشايخ ظرفًا وأدبًا ومروءة وحشمة إلى خط بديع قيد البصر ورواية علاية ومشاركة في فنون وقراءة وفقه وعربية وأدب وفريضة ومعرفة بالوثاق والأحكام‏.‏
تولى القضاء ببلده وخلف أباه على الخطابة والإمامة فأقام الرسم واستعمل في السفارة فسد مسد مثله وأقرأ ببلده فانتفع به‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ الخطيب أبي محمد بن أبي السداد الباهلي‏.‏
وبغرناطة على شيخ الجماعة الأستاذ أبي جعفر بن الزبير‏.‏
ومن أعلام مشيخته جده للأم خال أبيه الحكيم العارف أبو جعفر ابن الخطيب أبي الحسن بن الحسن المذحجي الحمى والخطيب الرباني أبو الحسن فضل بن محمد بن علي بن الحاج محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج يكنى أبا بعد الله ويعرف بابن الحاج‏.‏
أوليته وحاله كان أبوه نجارًا من مدجنى مدينة إشبيلية من العارفين بالحيل الهندسية بصيرًا باتخاذ الآلات الحربية الجافية والعمل بها وانتقل إلى مدينة فاس على عهد أبي يوسف المنصور بن عبد الحق واتخذ له الدولاب المنفسخ القطر البعيد المدى ملين المركز والمحيط المتعدد الأكواب الخفي الحركة حسبما هو اليوم مائل بالبلد الجديد دار الملك بمدينة فاس أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الركاب وبناء دار الملك بمدينة فاس أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الركاب وبناء دار الصنعة بسلا‏.‏
وانتقل بعد مهلك أبيه إلى باب السلطان ثاني الملوك من بني نصر ومت إليه بوسيلة أدنت محله وأسنت جراياته إلى أن تولى وزارة ولده أمير المسلمين أبي الجيوش نصر واضطلع بتدبيره‏.‏
ونقم الناس عليه إيثاره لمقالات الروم وانحطاطه في مهوى لهم والتشبيه بهم في الأكل والحديث وكثير من الأحوال والهيئات والاستحسان وتطريز المجالس بأمثالهم وحكمهم سمة وسمت منه عقلًا لنشأته بين ظهرانيهم وسبقت إلى قوى عقله المكتسب في بيوتهم فلم بفارقه بحال وإن كان آية في الدهاء والنظر في رجل بعيد الغور عميق الفكر قايم على الدمنة منطو على الرضف لين الجانب مبذول البشر وحيد زمانه في المعرفة بلسان الروم وسيرهم محكم الأوضاع في أدب الخدمة ذرب بالتصرف في أبواب الملوك‏.‏
وكان من ثورة العامة بسلطانه ما تقدم وجهروا بإسلامه إليهم وقد ولوه بسبب الثورة وطوقوه كياد الأزمة‏.‏
فضن به السلطان ضنانة أعربت عن وفايه وصان مهجتة واستمر الأمر إلى أن خلع الملك عن الملك‏.‏
وكان نزول الوزير المذكور تحت خفارة شيخ الغزاة وكبير الطايفة عثمان بن أبي العلي فانتقل محفوظ الجملة محوط الوفر ولم ينشب إلى أن لجأ إلى العدوة واتصل بالأمير أبي علي عمر بن السلطان الكبير أبي سعيد فحركه‏.‏
زعموا على محادة أبيه وحمله على الانتزاء فكان ما هو معلوم من دعاية إلى نفسه ومنازعة أبيه ولقايه إياه بالمقرمدة وفل جيشه وفي أثناؤه هلك المترجم به‏.‏
وفاته توفي بفاس الجديد في العشر الأول من شعبان عام أربع عشرة وسبعماية‏.‏
محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أرقم النميري من أهل وادي آش يكنى أبا يحيى‏.‏
حاله كان صدرًا شهيرًا عالمًا علما حسيبًا أصيلًا جم التحصيل قوي الإدراك مضطلعًا بالعربية واللغة إمامًا في ذلك مشاركًا في علوم من حساب وهيئة وهندسة‏.‏
قال الشيخ‏:‏ كان في هذا كله أبرع من لقيته إلى سراوة وفضل وتواضع ودين جاريًا في ذلك على سنن سلفه‏.‏
وعلو محتده‏.‏
جالسته‏.‏
رحمه الله كثيرًا عند علية من أدركته بغرناطة لإقامته بها وتكرر لقائي إياه بها وبغيرها فرأيت أصيلًا جليلًا قد جمع علمًا وفضلًا وحسن خلق وكان حسن التقييد لخطه رونق يمتاز به ويبعد عن غيره ولي القضاء ببلجه ثم ولي بعد مدة ببرشانة فحمدت سيرته‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:10 AM

مشيخته أخذ القراءات السبع عن أبي كرم جودى بن عبد الرحمن وقرأ عليه الغريب واللغة ولازمه في ذلك وأجاز له إجازة عامة‏.‏
وأخذ من غيره ببلده وصحب بغرناطة جملة من العلماء بها أيام تواليفه ألف كتابًا سماه الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأحوال وهو كتاب ضخم وفقت عليه من قبله وأفدته‏.‏
واختصر الغريب المصنف وله تقاييد منثور ومنظوم في علم النجوم ورسالة في الإسطرلاب الخطى والعمل به‏.‏
وشجرة في أنساب العرب‏.‏
وفاته توفي ليلة السبت السابع عشر لشهر ربيع الآخر عام سبع وخمسين وسبعماية‏.‏
محمد بن محمد أبو عيشون محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار بن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عياش المكنى بأبي عيشون بن حمود الداخل إلى الأندلس صحبة موسى بن نصير ابن عنبسة بن حارثة بن العباس بن المرداس يكنى أبا البركات بلفيقي الأصل مروى النشأة والولادة والسلف يعرف بابن الحاج وشهر الآن في غير بلده بالبلفيقي وفي بلده بالمعرفة القديمة‏.‏
أوليته قد تقدم اتصال نسبه بحارثة بن العباس بن مرادس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد خطبايه وشعرايه رييس في الإسلام ورييس في الجاهلية‏.‏
وكان لسلفه وخصوصًا لإبراهيم من الشهرة بولاية الله وإيجاب الحق من خلقه ما هو مشهور حسبما تنطق به الفهارس يعضد هذا المجد من جهة الأمومة كأبي بكر بن صهيب وابن عمه أبي إسحاق وغيرهم الكثير ممن صنف في رجال الأندلس كأبي عبد المجيد المالقي وابن الأبار وابن طلحة وابن فرتون وابن صاحب الصلاة وابن الزبير وابن عبد الملك فلينظر هناك‏.‏
حاله نشأة ببلده ألمرية عمود العفة فضفاض جلباب الصيانة غضيض طرف الحياء نائي جنب السلام حليف الانقباض والازورار آويًا إلى خالص النشب وبحت الطعمة لا يرى إلا في منزل من سأله وفي حلق الأسانيد أو في مسجد من المساجد خارج المدينة المعدة للتعبد لا يجيئ سوقًا ولا مجمعًا ولا وليمة ولا مجلس حاكم أو وال ولا يلابس أمرًا من الأمور التي جرت عادته أن يلابسها بوجه من الوجوه‏.‏
ثم ترامى إلى رحلة فجاس خلال القطر الغربي إلى بجاية نافضًا إياه من العلماء والصلحاء والأدباء والآثار بتقييده وأخذه قيام ذكر وإغفال شهرة‏.‏
ثم صرف عنانه إلى الأندلس فتصرف في الإقراء والقضاء والخطابة‏.‏
وهو الآن نسيج وحده في أصالة عريقة وسجية على السلامة مفطورة فما شيت من صدر سليم وعقد وثيق وغور قريب ونصح مبذول وتصنع مرفوض ونفس ساذجة وباطن مساو للظاهر ودمعة سريعة وهزل يثمر تجلة‏.‏
وانبساط يفيد حسن نية إلى حسن العهد وفضل المشاركة ورقة الحاشية وصلابة العود وصدق العزيمة وقوة الحامية وبلاغة الموعظة وجلة الوقت‏.‏
وفايدة العصر تفننًا وإمتاعًا فارس المنابر غير الهيابة ولا الجزوع طيب النغمة بالقرآن مجهشًا في مجال الرقة كثير الشفقة لصالح العامة متأسفًا لضياع الأوقات مدمعًا على الفيئة مجمًا محولًا في رياسة الدين والدنيا‏.‏
هذا ما يسامح فيه الإيجاز ويتجافى عنه الاختصار ويكفى فيه الإلماع والإشارة أبقى الله شيخنا أبا البركات‏.‏
مشيخته ولايته تقدم قاضيًا بقنالش في جمادى الثانية عام خمسة عشر وسبع مائة ثم ولي مربلة وإستبونة ثم كانت رحلته إلى بجاية‏.‏
ثم عاد فقعد بمجلس الإقراء من مالقة للكلام على صحيح مسلم متفقًا على اضطلاعه بذلك‏.‏
ثم رحل إلى فاس‏.‏
ثم آب إلى الأندلس واستقر ببلده ألمرية فقعد بمسجدها الجامع للإقراء ثم قام قاضيًا ببرجة ودلاية والبنيول وفنيانة ثم نقل عنها إلى بيرة ثم غربي ألمرية‏.‏
ثم قدم قاضيًا بمالقة ثم قدم بغربها مضافًا إلى الخطابة ثم أعيد إلى قضاء ألمرية بعد وفاة القاضي أبي محمد بن الصايغ‏.‏
ومن كتاب طرفة العصر من تأليفنا في خبر ولايته ما نصه‏:‏ فتقلد الحكم في الثالث والعشرين لشعبان من عام سبع وأربعين وسبعمائة ثالث يوم وصوله مستدعي وانتابه الطلبة ووجوه الحضرة والدولة مهنئين بمثواه من دار الصيانة ومحل التجلة إحدى دور الملوك بالحمراء فطفقوا بغشونه بها زرافات ووجدانًا في إتاحة الخير وإلهام السداد وتسويغ الموهبة‏.‏
وكان وصوله والأفق قد اغبر والأرض قد اقشعرت لانصرام حظ من أيام الشتاء الموافق لشهر ولايته لم يسح فيه الغمام بقطرة ولا لمعت السماء بنزعة حتى أضرت الأنفس الشح وحسر العسر عن ساقه وتوقفت البذور فساعده الجد بنزول الرحمة عند نزوله من مرقاة المنبر مجابة دعوة استسقايه ظاهرة بركة خشوعه ولذلك ما أنشدته في تلك الحال‏:‏ ظمئت إلى السقيا الأباطح والربا حتى دعونا العام عاما مجدبًا والغيث مسدول الحجاب وإنما علم الغمام قدومكم فتأدبا وتولى النظر في الأحكام فأجال قداحها مضطلعًا بأصالة النظر وإرجاء المشبهات وسلك في الخطابة طريقة مثلى يفرغ في قوالب البيان أغراضها ويصرف على الأحكام الكواين والبساطات أساليبها‏.‏
من المحاكاة باختلاف القبض والبسط والوعد والوعيد حظوظها على مقبض العدل‏.‏
وسبب الصواب يقوم على كثير مما يصدع به من ذلك شاهد البديهة‏.‏
ودليل الاستيعاب قال شيخنا أبو البركات‏:‏ ثم صرفت عنها للسبب المتقدم‏.‏
وبقيت مقيمًا بها لما اشتهر من وقوع الوباء بألمرية ثم أعدت إلى القضاء والخطابة بألمرية وكتب بذلك في أوايل رجب عام تسعة وأربعين‏.‏
وبقيت على ذلك إلى أن صرفت بسبب ما ذكر‏.‏
ثم أعدت إليها في أواخر رجب سنة ست وخمسين عسى أن سكون الانقطاع لله سبحانه‏.‏
فأنا الآن أتمثل بما قاله أبو مطرف بن عميرة رحمه الله‏:‏ قد نسبنا إلى الكتابة يومًا ثم جاءت خطة القضاء تليها وبكل لم نطق للمجد إلا منزلًا نابيًا وعيشًا كريها نسبة بدلت فلم تتغير مثل ما يزعم المهندس فيها بدل من لفظ الكتابة إلى الخطابة‏.‏
وأغرب ما رأيت ما أحكى لك وأنت أعلم ببعض ذلك أن أفضل ما صدر عني في ذلك الخطة من العمل الذي أخلصت لله فيه ورجوت منه المثوبة عليه وفيه مع ذلك مفتخر لمن أراد أن يفتخر غير ملفت للدنيا فعليه عولت سبحانه‏.‏
انتهى كلامه‏.‏
تصانيفه كتب إلي بخطه ما نصه وهو فصل من فصول‏:‏ وأما تواليفي فأكثرها أو كلها عير متممة في مبيضات‏.‏
منها كتاب قد يكبو الجواد في أربعين غلطة عن أربعين من النقاد وهو نوع نمن تصحيق الحفاظ لدار قطني منها سلوة الخاطر فيما أشكل من نسبة النسب الرتب إلى الذاكر‏.‏
ومنها كتاب قدر جم في نظم الجمل‏.‏
ومنها كتاب خطر فبطر ونظر فحظر على تنيهات على وثائق ابن فتوح ومنها كتاب الإفصاح فيمن عرف بالأندلس بالصلاح‏.‏
ومها حركة الدخولية في المسألة المالقية‏.‏
ومنها خطرة المجلس في كلمة وقعت في شعر استنصر به أهل الأندلس جزء صغير‏.‏
ومنها تاريخ ألمرية غير تام‏.‏
ومنها ديوان شعره المسمى بالعذب والأجاج في شعر أبي البركات ابن الحاج‏.‏
ومختصرة سماه القاضي الشريف اللؤلؤ والمرجان اللذان من العذاب والأجاج يستخرجان‏.‏
ومنها عرايس بنات الخواطر المجلوة على منصات المنابر يحتوي على فصول الخطب التي أنشئت بطول بني والخطابة‏.‏
ومنها المؤتمن على أنباء أبناء الزمن‏.‏
ومنها تأليف في أسماء الكتب والتعريف بمؤلفيها على حروف المعجم‏.‏
ومنها ما اتفق لأبي البركات فيما يشبه الكرامات ومنها كتاب ما رأيت وما رؤى لي من المقامات‏.‏
ومنها كتاب المرجع بالدرك على من أنكر وقوع المشترك ومنها مشبهات اصطلاح العلوم‏.‏
ومنها ما كثر وروده في مجلس القضاء‏.‏
ومنها الغلسيات وهو ما صدر عني من الكلام على صحيح مسلم أيام التكلم عليه في التغليس‏.‏
ومنها الفصول والأبواب في ذكر من أخذ عني من الشيوخ والأتباع والأصحاب‏.‏
ثم قال‏:‏ وقد ذهب شرخ الشباب ونشاطه وتقطعت أوصاله ورحل رباطه وأصبحت النفس تنظر لهذا كله بعين الإمهال والإغفال وقلة المبالاة التي لا يصل أحد بها إلى منال‏.‏
وهذه الأعمال لا ينشط إليها إلا المحركات التي هي مفقودة عندي أحدها طلبة مجتمعون متعطشون إلى ما عندي متشوفون غاية التشوف وأين هذه بألمرية‏.‏
الثاني طلب رياسة على هذا متى يرأس أحد بهذا اليوم وعلى تقدير أن برأسي به وهو محال في عادة هذا الوقت فالتشوف لهذه الرياسة مفقود عندي‏.‏
الثالث سلطان يملأ يد من يظهر مثل هذا على يده غبطة وما تم هذا‏.‏
الرابع نية خالصة لوجه الله تعالى في الإفادة وهذا أيضًا مفقود عندي ولا يد من الإنصاف‏.‏
الخامس قصد بقاء الذكر وهذا خيال ضعيف بعيد عني‏.‏
السادس الشفقة على شيء ابتدى وسعى في تحصيل مباديه أن يضيع على قطع ما سوى هذا الإشفاق وهذا السادس هو الذي في نفسي منه شيء وبه أنا أقيد أسماء من لقيت وما أخذت ويكون إن شاء الله إبراز إذا الصحف نشرت‏.‏
وأكثر زماني يذهب في كيفية الخروج عما أنا فيه فإذا ينظر إلى العاقل في هذا الوقت بعين البصيرة لا يسعه إلا الشفقة علي‏.‏
والرحمة لي‏.‏
فإنه يرى رجلًا مطرقًا أكثر نهاره ينظر إلى مآله فلا ينشط إلى إصلاحه وهو سابع ولا يلبس بالعبادة وهو في زمانها المقارب للفوت ولا ينهض إلى إقامة حق كما ينبغي لعدمك المعين ولا يجنح إلى شيء من راحات الدنيا ويشاهد من علوم الباطل الذي لا طاقة له على رفعه ما يضيق صدر الحر يقضى نصف النهار محتلًا في مكان غير حسن تارة يفكر وتارة يكتب ما هو على يقين منه أنه كذا لا ينتفع به ونصف النهار يقعد للناس تارة يرى ما يكره وتارة يسمع مايكره لا صديق يذكره بأمر الآخرة ولا صديق يسليه بأمر الدنيا يكفيني من هذه الغزارة‏.‏
اللهم إليك المشتكى يا من بيده الخلف ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
شعره من مطولاته في النزعة الغربية التي انفرد بها منقولًا من ديوانه‏.‏
قال‏:‏ ومما نظمته بسبتة في ذي الحجة من عام خمسة وعشين وسبعمائة في وصف حالي وأخذها عني الأستاذ بسبتة أبو عبد الله بن هانئ والأديب البارع أبو القاسم الحسيني وأبو القاسم بن حزب الله وسواهم‏.‏
ولما انفصلت من سبتة إلى بلاد الريف زدت عليها إبياتًا في أولها وكثر ذلك بوادي لو من بلاد الريف وهي‏:‏ تأسفت لا كن حين عز التأسف وكفكت دمعًا حين لا عين تذرف ورام سكونًا وهو في رجل طاير ونادى بأنس والمنازل تعنف أراقب قلبي مرة بعد مرة فالفيه ذياك الذي أنا أعرف سقيم ولا كن لا يحس بدايه سوى من له في مأزق الموت موقف وجاذب قلبًا ليس يأوى لمألف وعالج نفسًا داؤها يتضاعف وأعجب ما فيه استواء صفاته إذ الهم يشقيه أو السر ينزف إذا حلت الضراء لم ينفعل لها وإن حلت السراء لم يتكيف مذاهبه لم تبد غاية أمره فؤاد لعمري لا يرى منه أطرف فما أنا من قوم قصارى همومهم بنوهم وأهلهم وثوب وأرغف ولا لي بالإسراف فكر محدث سيغدو جبيبي أو سيشعر مطرف ولا أنا ممن لهوه جل شأنه بروض أنيق أو غزال مهفهف ولا أنا ممن تزدهيه مصانع ويسبيه بستان وليهيه مخرف ولا أنا ممن همه جمعها فإن تراءت يثب بسعي لها وهو مرجف على أن دهري لم تدع لي صروفه من المال إلا مسحة أو مجلف ولا أنا ممن هذه الدار همه وقد غره منها جمال وزخرف ولا أنا ممن للسؤال قد انبرى ولا أنا ممن صان عنه التعطف ولا أنا ممن نجح اله سعيهم فهمتهم فيها مصلى ومصحف فلا في هوى أضحى إلى اللهو قايدًا ولا في تقي أمس إلى الله يزلف أحارب دهري في نقيض طباعه وحربك من يقضى عليك تعجرف وأنظره شزرًا بأصلف ناظر فيعرض عني وهو أزهى وأصلف وأضبطه ضبط المحدث صحفه فيخرج في التوقيع أنت المصحف ويأخذ مني كل ما عز نيله ويبدو بجهلي منه في الأخذ محتف أدور له في كل وجه لعلني سأتبته وهو الذي ظل يحذف وصرفت نفسي في شئون كثيرة لحظة فلم يظفر بذاك التصرف وخضت فلأنواع المعارف أبحرًا ففي الحين ما استجرتها وهي تترف ولم أحل من تلك المعاني بطايل وإن كان أهلوها أطالوا وأسرفوا وقد مر من عمري الألذ وها أنا على ما مضى من عهده أتلهف وإني على ما قد بقي منه إن بقي لحرمة ما قد ضاع لي أتخوف أعد ليالي العمر والفرض صومها وحسبك من فرض المحال تعف على أنها إن سلمت جدليه تعارض آمالًا عليها ينيف تحدثني الآمال وهي كدينها تبدل في تحديثها وتحرف بأني في الدنيا سأقضي مآربي وبعد يحق الزهد لي والتقشف ورب أخلاء شكوت إليهم ولكن لفهم الحال إذ ذاك لم يف فبعضهم يزوي علي وبعضهم يغض وبعض يرثي ثم يصدف وبعضهم يومي إلي تعجبًا وبتعض بما قد رأيته يتوقف وما أمرنا إلا سواء وإنما عرفنا وكل منهم ليس يعرف فلو قد فرغنا من على نفوسنا وحطوا الدنية من عليل وأنصف أما لهم من علة أرمت بهم ولم يعرفوا أغوارها وهي تتلف وخضنا لهم في الكتب عن كنه أمرهم ومثلي عن تلك الحقائق يكشف وصنفت في الآفات كل غريبة فجاء كما يهوى الغريب المصنف وليس عجيبًا من تركب جهلهم فإن يحجبوا عن مثل ذاك وصرف إذا جاءنا بالسخف من نزو عقله إذا ما مثلناه أزهى وأسخف فما جاءنا إلا بأمر مناسب أينهض عن كف الجبان المثقف ولا كن عجيب الأمر علمي وغفلتي فديتكم أي المحاسن أكشف إلا أنها الأقدار يظهر سرها إذا ما وفي المقدور فالرأي يخلف أيا رب إن اللب طاش بما جرى به قلم الأقدار والقلب يرجف وإنا لندعوهم ونخشى وإنما على رسمك الشرعي من لك يعكف إذا جاء يوم قلت هو الذي يلي ووقتك في الدنيا جليس مخفف أقدم رجلًا عند تأخير أختها إذا لاح شمس فالنفس تكف كأني لداني المراقد منهم ولم أودعهم والخض ريان ينسف وهبني أعيش هل إذا شاب مفرقي وولي شبابي هل يباح التشوف وكيف ويستدعى الطريق رياضة وتلك على عصر الشباب توظف متى يقبل التقويم غير عطوفة وبي بعد حسًا فالنار تنسف ولو لم يكن إلا ظهورة سره إذا ما دنا التدليس هان التنطف أمولي الأسارى أنت ألى بعذرهم وأنت على المملوك أحق وأعطف قذفنا بلج البحر والقيد آخذ بأرجلنا والريح بالموج تعصف وفي الكون من سر الوجود عجايب أطل عليها العارفون وأشرف وكعت عليهم نكثة فتأخروا وددت بأن القوم بالكل أسعف فليس لنا إلا أن نحط رقابنا بأبواب الاستسلام والله يلطف خمس وخمسين وسبعمائة برابكة العقاب متعبد الشيخ ولي الله أبي إسحاق الإلبيري رحمه الله فمنها‏:‏ يأبى شجون حديثي الإفصاح إذ لا تقوم بشرحه الألواح قالت صفية إذ مررت بها أفلا تنزل ساعة ترتاح فأجبتها لولا الرقيب لكان لي ما تبتغى بعد الغدو رواح قالت وهل في الحي حي غيرنا فاسمح فديتك فالسماح رياح فأجبتها إن الرقيب هو الذي بيديه منا هذه الأرواح وهو الشهيد على موارد عبده سيان ما الإخفاء والإفصاح قالت وأين يكون وجود الله إذ تخشى ومنه هذه الأفراح فافرح بإذن الله جل جلاله واشطح فنشوان الهوى شطاح وانهج على ذمم الرجال ولا تخف فالحكم رحب والنوال مباح وانزل على حكم السرور ولا تبل فالوقت صاف ما عليك جناح واخلع عذارك في الخلاعة يا أخي باسم الذي دارت به الأقداح وانظر إلى الجنيا بنظرة رحمة فجفاؤها بوفائها ينزاح فأجبتها لو كنت تعلم ما الذي يبدو لتاركها وما يلتاح ما كان معنى غامض من أجله قد ساح قوم في الجبال وتاح حتى لقد سكروا من الأمر الذي هاموا به عند العيان وساح فاترك صفيك قارعًا باب الرضى والله جل جلاله الفتاح يا حي حي على الفلاح وخلني فجماعتي حثوا المطي وراح وقيدت من خطه في جملة ما كتب إلي ما نصه‏:‏ ومما نظمته بغرناطة وبعضه ببرجة وهو مما يعجبني وأظنه كتبه لك وهو غريب المنزع وإنه لكما قال‏:‏ خذها على رعم الفقيه سلافة تجلى بها الأقمار في شمس الضحى أبدي أطباء القلوب لأهلها منها شرابًا للنفوس مبرحا وإذا امرؤ قال في نشوانها قل أنت بالإخلاص فيمن قد صحا يا قوتة دارت على أربابها فاهتزت الأقدام منها واللحا وكذاك لا تعتب على مستهتر لم يدر ما الإيضاح لما أوضحا سكران يعثر في ذيول لسانه كفرًا ويحسب أنه قد سبحا كم الهوى حرب بعض وبعض ضاق ذرعًا بالغرام فبرحا لا تخشين على العدالة هاتفًا ثغر ارتياح العاشقين فجرحا الحب خمر العارفين وقد ضفت حتمًا على من ذاقها أن يشطحا فاشطح على هذا الوجود وأهله عجبًا فليس براجح من رجحا كبر عليهم أنهم موتى على غير الشهادة ما أغر وأقبحا واهزأ بهم فمتى يقل نصحاؤهم أهج فقل حتى ألاقي مفلحا وإذا أريبهم استخف فقل له بالله يا يحيى بن يحيى دع جحا أبني سليم قد نجا مجنونكم مجنون ليلى العارفين به قد محا هل يستوي من لم يبح بحبيبه مع من بذكر حبيبه قد أفصحا فافرح وطب وأبهج وقل ما شئت ما أملح الفقراء يا ما أملحا لا غرو أني لم أشاهدكم فالعين لا تبصر إنسانها ومنها قوله في غرض التورية وهو بديع في معناه‏:‏ يلومونني بعد العذار على الهوى ومثلي في وجدي له لا يفند يقولون لي أمسك عنه قد ذهب الصبا وكيف يرى الإمساك والخيط أسود ومنها قوله في المجبنات وهو من الغريب البديع‏:‏ ومصفرة الخدين مطوية الحشا على الجبن والمصفر يؤذن بالخوف لها هيئة كالشمس عند طلوعها ولكنها في الحين تغرب في الجوف ومنها قوله في النصح ولها حكاية تقتضي ذلك‏:‏ لا تبذلن نصيحة إلا لمن تلقى لبذل النصح منه قبولا فالنصح إن وجد القبول فضيلة ويكون إن عدم القبول فضولا ومنها في الحكم‏:‏ ما رأيت الهموم تدخل إلا من دروب العيون والآذان غض طرفًا وسد سمعًا ومهما تلق همًا فلا تثق بضمان ولذاك قد صبغت بلون أزرق أو ما ترى ثوب المآتم أزرقا ومنها قوله في المعاني الغربية قال‏:‏ ومما نظمته في عام أربعة وأربعين في التفكر في المعاني مغلق العينين‏:‏ أبحث فيما أنا حصلته عند انغماض العين في جفنها أحسبنى كالشاة مجترة تمضغ ما يخرج من بطنها وقال‏:‏ ومما نظمته بين أندرش وبرجة عام أربعة وأربعين وأنا راكب مسافر وهو مما يعجبني إذ ليس كل ما يصدر عني يعجبني‏.‏
قلت وبحق أن يعجبه‏:‏ تطالبني نفسي بما ليس لي به يدان فأعطيها الأمان فتقبل عجبت لخصم لج في طلباته يصالح عنها بالمحال فيفصل قال ومما نظمته في السنة المذكورة من ذم النساء‏:‏ ما رأيت النساء يصلحن إلا للذي يصلح الكنيف من أجله فعلى هذه الشريطة صالحهن لا تعد بأمرئ عن محله قال‏:‏ ومما نظمته في السنة المذكورة‏:‏ قد هجرت النساء دهرًا فلم أبلغ آذاني صفاتهن الذميمة أو يبقى لنا قصر العقل والدين إذا عدت المثالب قيمة وقال‏:‏ وما نظمته في تاريخ لا أذكره الآن هذان البيتان ولم أر معناهما لمن مضى‏.‏
ولو رحل رجل إلى خراسان ولم يأت إلا بهما كان ممن لم يخفق مسعاه ولا أجدب مرعاه ينفتح بهما للقلب باب من الراحة فسيح إذا أجهده ما يكابد من المضاضة ونقض العهود واختلاف الوعود‏.‏
وهذه المحنة من شر ما ابتلى به بنو آدم شنشنة نعرفها من أمرهم‏.‏
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي‏:‏ رعى الله إخوان الخيانة إنهم كفونا مؤونات البقا على العهد فلو قد وفوا كنا أسارى عقوقهم نراوح بين النسئة والنقد وقال يداعبني وعلى سبيل الكناية يخاطبني ولقد لقيت رجلًا ببلاد الهند يعرف بأبي البركات ابن الحاج وكان برد في بستان كان له فقلت أهجوه عام أربعة وأربعين وسبعمائة‏:‏ قالوا أبو البركات جم ماؤه فغدا أبو البركات لا أبا البركات قلنا لأن يكنى بموجوداته أولى من أن يكنى بمعدومات ومما نظمته عام خمس وأربعين وسبعمائة‏:‏ قد كنت معذورًا بعلمي وما أبث من وعظي بين البشر فلم أجد أوعظ للناس من أصوات وعاظ جلود البقر ومما نظمته بمرسى تلهى من بلد هنين عام ثلاثة وخمسين وقد أصابني هوس في البحر وخاطبت به بعض الأصحاب‏:‏ رأسي به هوس جديد لا الذي تدريه من هوس قديم فيه قد حل ما أبديه من هذا كما قد حل من ذاك الذي أخفيه ومن الملح قوله قال‏:‏ وبت بحمام الخندق من داخل ألمرية ليلة الجمعة الثامن من شهر محرم عام اثنين وثلاثين منفردًا فطفى المصباح وبقيت مفكرًا فخطر ببالي ما يقول الناس من تخيل الجن في الأرحاء والحمامات وعدم إقدام كافة الناس إلا ما شذ عند دخولها منفردين بالليل لا سيما في الظلام واستشعرت قوة في نفسي عند ذلك أعراض وأوهام فقلت مرتجلًا رافعًا بذلك صوتي‏:‏ زعم الذين عقولهم قدرها إن عرضت للبيع غير ثمين أن الرحا معمورة بالجن والحمام عندهم كذا بيقين إن كان ما قالوه حقًا فاحضروا للحرب هذا اليوم من صفين فلئن حضرتم فاعلموا بحقيقة بأني مصارع قيس المجنون قال‏:‏ ودخلت رياضًا يومًا فوجدت كساء منشورًا للشمس لم أعرفه من حوايجي ولا من حوايج حارسة البستان فسألتها فقالت هو لجارتي فقلت‏:‏ من منصفي من جارتي جارت على مالي كأني كنت من أعدائها عمدت إلى الشمس التي انتشرت على أرضي وأمت فيه بيس كسائها لولا غيوم يوم تيبس الكسا سرت لحجب السحب جل ضياءا لقضيت منهم الخسار لأنني أصبحت مزورًا على بخلائها قلت وصرت إلى مغنى بحمة بدانة وسار معي كلب كان يحرس رياضي اسمه قطمير وهو فيما يذكر كلب أهل الكهف في بعض الأقوال فتبعني من ألمرية إلى الحمة ثم من الحمة إلى ألمرية فقلت‏:‏ رحلت وقطمير كلبي رفيقي يونس قلبي بطول الطريق فلما أنخت أناخ حذائي يلاحظني لحظ خل شفيق ويرعى أذمة رفقي كما يتغنى الصيديق الصدوق على حين قومي بني آدم بلؤمهم لم يوفوا حقوق ولا فرق بين الأباعد منهم وبين أخ مستحب شفيق فما منهم من ولي حميم ولا ذي إخاء صحيح حقيق وناهيك ممن يفضل كلبًا عليهم فيا وليهم من رفيق ألا من يرق لشيخ غريب أبى البركات الفتى البلفيق وقال‏:‏ ومما نظمته بتاريخ لا أذكره هذان البيتان‏:‏ وأين الخير من زماني وأهله على أنني للشر أول سابق لحا الله دهرًا قد تقدمت أهله فتلك لعمر الله إحدى البوايق ومن النزعات الشاذة الأغراض‏:‏ لا بارك الله في الزهاد إنهم لم يتركوا عرض الدنيا لفضلهم بل أثقلتهم تكاليف الحياة فلم يصايروها فملوا ثقل حملهم وعظم الناس منهم تركها فغدوا من غبطة الترك في حرص لأجلهم نعم أسلم أن القوم إذ زهدوا زادًا وأعلى الناس طرًا فضل تركهم من حيث قد أحرز والترجيح دونهم لا شيء أبين من ترجيح فضلهم فالمال والجود والراحات غاية ما يحكى لنا الزهد في ذاعن أجلهم قال‏:‏ ومما نظمته عام أربعين في ذم الخمر من جهة الدنيا لا من جهة الدين إذ ليس بغريب‏:‏ لقد ذم بعض الخمر قوم لأنها تكر على دين الفتى بفساد وقد سلموا قول الذي قال إنها تحل من الدنيا بأعظم ناد وتذهب بالمال العظيم فلن ترى لمدمنها من طارف وتلاد فيمسي كريمًا سيدًا ثم يغتدي سفيهًا حليف الغي بعد رشاد وقالوا تسلى وهو عارية لها وإلا فلم يأتوا لذاك بشاد وصلة ونور وحسناء طفلة ومرأى به للطريف سير جواد وهل يدانوي من مرارتها التي أواخرها مقرونة بمهاد ولو أشرب الإنسان مهلًا بهذه لأصبح مسرورًا بأطيب زاد ومن حسن حال الشاربين يقينها بالرغم من برق وساد ومن حسن ذا المحروم أن مدامه إذا غلبت تكسوه ثوب رقاد فيختلف الندمان طرًا لروحه ويحدوهم نحو المروءة حادي ومن نظمه في الإنحاء على نفسه واستبعاد وجوه المطالب في جنسه مما نظمته يوم عرفة عام خمسين وأنا منزو في غار ببعض جبال ألمرية‏:‏ زعموا أن في الجبال قومًا صالحين قالوا من الأبدال وادعوا أن كل من ساح فيها فسيلقاهم على كل حال فاخترقنا تلك الجبال مرارًا بنعال طورًا ودون نعال ما رأينا فيها سوى الأفاعي وشبا عقرب كمثل النبال وسباعًا يخترون بالليل عدوًا لا تسلني عنهم بتلك الفيال ولو كنا لدى العدوة الأخرى رأينا نواجذ الريبال وإذا أظلم الدجى جاء إبليس إلينا يزور طيف الخيال هو كان الأنيس فيها ولولا ه أصيبت عقولنا بالخبال خل عنك المحال يا من تعني ليس تلقى الرجال غير الرجال قال‏:‏ ومن المنازع الغريبة ذم الأصحاب ومدح الأعداء فمن ذلك قولي‏:‏ جزى الله بالخير أعداءنا فموردهم أنسى المصدر وهم صيرونا أئمة علم ودين وحسبك من مفخر عدوي بأول فدى مأثم وإن جيت بالإثم لم يعذر وأنت ترى تمحيص من يعدل بين المسيء وبين البر ولا زود الله أصحابنا بزاد تقى ولا خير هم جرؤونا على كل إثم وما كنت لو لاهم بالمخبر وعدوا من إكبار آثامنا فكانوا أضر من الفاتر أعارني القوم ثوب التقى وإني مما أعاروني بري إذا خدعوني ولم ينصحوا وإني بالنصح منهم حر فمن كان يكذب حال الرضى يصدق في غضب يفتر بلى سوف تلقى لدى الحالتين يحكم النفس هوى الفر فيا رب أبق علينا عقولنا نبيع بها وبها نشتر قال‏:‏ وما رأيت هذا المعنى قط لأحد ثم رأيت بعد ذلك لبعضهم ما معناه‏:‏ خلنا ليلة من كف دهر ضنين بالليالي الطيبات سلكنا للهوى والعقل فيها مسالك قد جلين عن الشتات قضينا بعض حق النفس فيها وحق الله مرعى الثبات فلم نر قبله في الدهر وقتًا بدت حسناته في السيئات ثم رأيت بعد ذلك على هذا‏.‏
لا وليال على المصلى تسرق في نسكها الذنوب فوقعت ساقي على حافر هذا المحروم إلا أني جردت ذلك في المعنى وأوضحته وجلوته على كرسي التقعيد والتنجيد فلولا التاريخ لعاد سارق البرق‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:12 AM



نثره وأما نثره فنمط مرتفع عن معتاد عصره استنفارًا وبلاغة واسترسالًا وحلاوة قلما يعرج على السجع أو يأمر على التكليف وهو كثير بحيث لا يتعين عيونه ولكن نلمع منه نبذة ونجلب منه يسيرًا‏.‏
كتب إلي عند إيابي من الرسالة إلى ملك المغرب متمثلًا ببيتين لمن قبله صدر بهما‏:‏ يا أيتها النفس إليه اذهبي فحبه المشهور من مذهبي بل محلك أمثل من التمثيل بالشمس فلو كان طلوعك على هذه الأقطار شمسًا لأصبح جلها لك عباد‏.‏
ولو كان نزولك مطرًا لتكيفت الصخور ترابًا دمثًا‏.‏
ولولا معرفتنا معشر إخوان الصفا بأقرار أنفسنا لحكمنا بأن قلوبنا تمايم لأصدقائنا ولكن سبقت عيو السعادة بالكلات فلو تصادف بالرضى محلًا لأن تحصيل الحاصل محال لا زلت محروسًا بعين الذي لا تأخذه سنة ولا نوم مكنوفة ببركة الذي يرومه رايم والسلام‏.‏
وكتب إلي عندما تقلدت من رياسة الإنشاء ما تقلدت‏:‏ تخصكم يا محل الإبن الأرضى ولادة والأخ الصادق إخلاصًا وودًا خصكم الله من السعادة بأعلاها مرقى وأفضلها عقبى وأحمدها غنى وأكرمها مسعى تحية اللهفان إلى أيام لقائك المسلى عنها بتأميل العود إليها المزجى أوقاته بترداد الفكر فيها محمد بن الحاج أبقاه الله عن شوق والذي لا إله إلا هو لم أجد قط مثله إلى ولي حميم‏.‏
والله على ما نقول وكيل معرفًا أنني بعلاقمه وتصليني عن كسره مجامعه لما اعتني به من توقلكم بالرتبة التي ما زال أحباؤكم بها ممطولي بره‏.‏
على أنك لم تزد بذلك رتبة على ما كنت باعتبار الأهلية والمكانة العلية إلا عند الأطفال والأغفال والمحلقين من النساء والرجال لا كن أفزعتنا هذه المخاطبة المحظية في قالب الجمهور ولم نسر فيها على الأصح لا كن على الجمهور‏.‏
ولو كانت مصارف الوجود بيدي والفتك من الوجود منازل أسمايه منازل وأوطأتك أفلاكه مراكب وأوردتك كوثره مشربًا وأحللتك أرفعه معقلًا وأقبستك بدره مصباحًا وأهدتك أسراره تحفًا‏.‏
وقد تبلغ المقاصد مبالغ لا تنتهي أقاصيها الأعمال فنحن وما نضمره لتلك الجملة الجليلة الفاضلة مما الله رقيب عليه ومحيط بدقايقه‏.‏
ولو كانت لهذا العبد الغافل المأسور في قيد نفسه المحزون على انتهاب الأيام رأس عمره في غير شيء دعوة يساعدها الوجد حتى يغلب على ظنه أن العليم بذات الصدور ولاها من قبوله بارقة لخصك بها والله شهيد على ما تكنه الأفئدة وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏
والفضل جم والمحاسن عديدة فلنقصر اضطرارًا ولنكف امتثالًا للرسم وانقيادًا أمتع الله به‏.‏
محمد بن عبد الله بن منظور القيسي من أهل مالقة يكنى أبا بكر أوليته أصله من إشبيلية من البيت المشهور بالتعيين والتقدم والأصالة تشهد بذلك جملة أوضاع منها الروض المحظور ي أوصاف بني منظور‏.‏
وغيره‏.‏
حاله من كتاب عائد الصلة‏.‏
كان جم التواضع والتخلق كثير البر مفرط الهشة مبذول البشر عظيم المشاركة سريع اللسان إلى الثناء مسترسلًا في باب الإطراء دربًا على الحكم كثير الحنكة قديم العالة بصيرًا بالشروط ولي القضاء بجهات كثيرة وتقدم بمالقة بلده فشكرت سيرته وحمدت مدارته وكان سريع العبرة كثير الخشية حسن الاعتقاد معروف الإيثار والصدفة شايع الإقراء لمن ألم بصقعه واجتاز على محل ولايته جاريًا على سنن سلفه ينظم وينثر فلا يقصر‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي ولازمه وانتفع به وسمع على غيره من الأعلام كالخطيب الولي أبي عبد الله الطنجالي والعدل الرواية المسن أبي عبد الله بن الأديب والمسن أبي الحكم مالك بن المرحل وعلى الشيخ الصوفي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأقشري الفاس ولبس عنه خرقة التصوف وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد وعن الشيخ القاضي أبي المجد بن خميس بالجزيرة الخضراء وعلى الخطيب الزاهد أبي عبد الله السلال‏.‏
وكتب إليه بالإجازة أبو عبد الله بن الزبير والفقيه أبو الحسن ابن عقيل الرندي والوزير المعمر أبو عمر الطنجي وأبو الحكم بن منظور ابن عم أبيه والأستاذ أبو عبد الله بن الكماد‏.‏
نقلت ذلك من خطه‏.‏
تواليفه أخبرني أنه ألف نفحات المسوك وعيون التبر المسبوك في أشعار الخلفاء والوزراء والملوك‏.‏
وكتاب السحب الواكفة والظلال الوارفة في الرد على ما تضمنه المضنون به على غير أهله من اعتقاد الفلاسفة‏.‏
وكتاب الصيب الهتان الواكف بغايات الإحسان المشتمل على أدعية مستخرجة من الأحاديث الصحيحة النبوية وسور القرآن‏.‏
وكتاب البرهان والدليل في خواص سور التنزيل وما في قراءتها في النوم من بديع التأويل‏.‏
وكتاب يشتمل على أربعين حديثًا في الرقايق‏.‏
موصولة الأسانيد وكتاب تحفة الأبرار في مسألة النبوة والرساة وما اشتملت عليه من الأسرار‏.‏
وكتاب الفعل المبرور‏.‏
والسعي المشكور فيما وصل إليه أو تحصل لديه من نوازل القاضي أبي عمر بن منظور‏.‏
شعره ومن شعره قوله‏:‏ ما للعطاس ولا للفال من أثر فثق فدينك بالرحمن واصطبر وسلم الأمر فالأحكام ماضية تجري على السن المربوط بالقدر محمد بن هارون الغساني محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني من أهل مالقة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن عسكر حاله من كتاب الذيل والتكملة‏.‏
كان مغربًا مجودًا نحويًا متوقد الذهن متفننًا في جملة معارف‏.‏
ذا حظ صالح من رواية الحديث تاريخًا حافظًا فهيمًا مشاورًا دؤوبًا في الفتوى متينًا في الدين تام المروءة سنيًا فاضلًا معظمًا عند الخاصة والعامة حسن الخلق جميل العشرة رحيب الصدر مسارعًا إلى قضاء الحوايج شديد الإجمال محسنا إلى من أساء إليه نفاعًا بجاهه سمحًا بذات يده متقدمًا في عقد الوثائق بصيرًا بمعانيها سريع البديهة في النظم والنثر مع البلاغة والإحسان في الفنين‏.‏
ولي قضاء مالقة نايبًا عن القاضي أبي عبد الله بن الحسن مدة ثم ولي مستبدًا بتقديم الأمير أب يعبد الله بن نصر يوم السبت لليلتين بقيتا من رمضان عام خمس وثلاثين‏.‏
وأشفق من ذلك وامتنع منه وخاطبه مستقفيًا وذكر أنه لا يصلح للقيام بما قلده من تلك الخطة تورعًا منه فلم يسعفه‏.‏
فتقلدها وسار فيها أحسن سيرة وأظهر الحقوق التي كان الباطل قد غمرها ونفذ الأحكام‏.‏
وكان ماضي العزيمة مقدامًا مهيبًا جزلًا في قضائه لا تأخذه في الله لومة لأئم واستمر على ذلك بقية عمره‏.‏
مشيخته روى عن أبي إسحاق الزوالي وأبي بكر بن عتيق بن منزول وأبي جعفر الجيان وأبي حسن الشقوري وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي الخطاب بن واجب وأبي زكريا الإصبهاني مقيم غرناطة‏.‏
من روى عنه روى عنه أبو بكر بن خميس ابن أخته وأبو العون وأبو عبد الله ابن بكر الإلبيري‏.‏
وحدث عنه بالإجازة أبو عبد الله الأبار وأبو القاسم ابن عمران وكتب بالإجازة للعراقيين من أهل بغداد الذين استدعوها من أهل الأندلس حسبما تقدم في رسم أبي بكر بن هشام وضمنها نظمًا ونثرًا اعترف له بالإجادة فيهما‏.‏
صنف كتبًا كثيرة أجاد فيها وأفاد‏.‏
منها المشرع الروي في الزيادة على المروى‏.‏
ومنها أربعون حديثًا التزم فيها موافقة اسم شيخه اسم الصابي وما أراه سبق إلى ذلك وهو شاهد بكثرة شيوخه وسعة روايته ومنها نزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر‏.‏
ومنها الخبر المختصر في السلوى عن ذهاب البصر ألفه لأبي محمد بن أبي الأحوص الضرير الواعظ‏.‏
ومنها رسالة في ادخار الصبر وافتخار القصر والفقر ومنها الإكمال والإتمام في صلة الإعلام بمجالس الأعلام من أهل مالقة الكرام وله اسم آخر وهو مطلع الأنوار ونزهة الأبصار فيما احتوت عليه مالقة من الرؤساء والأعلام والأخيار وتقيد من المناقب والآثار‏.‏
واختر منه المنية عن إتمامه فتولى إتمامه ابن أخته أبو بكر محمد بن خميس المذكور وقد نقلت منه في هذا الكتاب‏.‏
شعره ومن شعره وقد نعيت إليه نفسه قبل أن تغرب من سماء معارفه شمسه‏:‏ ولما انقضى إحدى وخمسون حجة كأني منها بعد كرب أحلم ترقيت أعلاها لأنظر فوقها مدى الحتف مني على منه أسلم إذا هو قد أدنت إليه كأنما ترقيت في نحوة وهو سلم وأحدب تحسب في ظهره جابه في نهر عايمة مثلث الخلقة لاكنه في ظهره زواية قايمة ومن أمثال نظمه قوله وقد استدعيت منه إجازة‏:‏ أجبتك لأني لما رمته أهل ولا كن ما أجبت محتمل سهل وما العلم إلا بحر طال مدانه ومالي محم في الورود ولا نهل فكيف أراني أهل ذاك وقد أتى على المحيتان البطالة والجهل وأسأل ربي العفو عني فإنهلما يرتجيه العبد من فضل أهل مولده‏:‏ تخمينًا في نحو أربع وثمانين وخمسماية‏.‏
وفاته‏:‏ ظهر يوم الأربعاء لأبرع خلون من جمادى الآخرة عام ستة وثلاثين وستماية‏.‏
محمد بن يحيى الأشعري المالقي محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن بكر من ذرية بلج بن يحيى بن خالد بن عبد الرحمن بن يزيد بن أبي بردة‏.‏
واسمه عامر بن أبي عامر بن أبي موسى‏.‏
واسمه عبد الله بن قيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
ذكره ابن حزم في جملة من دخل الأندلس من العرب‏.‏
حاله من عائد الصلة‏.‏
كان من صدور العلماء وأعلام الفضلاء سذاجة ونزاهة ومعرفة وتفننًا‏.‏
الأشعري المالقي فسيح الدرس أصيل انظر واضح المذهب مؤثرًا للإنصاف عارفًا بالأحكام والقراءات مبرزًا في الحديث تاريخًا وإسنادًا وتعديلًا وتجريحًا حافظًا للأنساب والأسماء والكنى قايمًا على العربية مشاركًا في الأصول والفروع واللغة والعروض والفرايض والحساب مخفوض الجناح حسن التخلق عطوفًا على الطلبة محبًا في العلم والعلماء مجلًا لأهله مطرح التصنع عديم المبالاة بالملبس بادي الظاهر عزيز النفس نافذ الحكم صوالة‏.‏
معروف بنصرة من أزر إليه‏.‏
تقدم للشياخة ببلده مالقة ناظرًا في أمور العقد والحل ومصالح الكافة‏.‏
ثم ولي القضاء بها فأعز الخطة وترك الهوادة وإنفاد الحق ملازمًا للقراءة والإقراء محافظًا للأوقات حريصًا على الإفادة‏.‏
ثم ولي القضاء والخطابة بغرناطة في العشر الأول لمحرم سبعة وثلاثين وسبعماية فقام بالوظايف وصدع بالحق وجرح الشهود فزيف منهم ما ينيف على السبعين عددًا واستهدف بذلك إلى معادة ومناضلة خاض تبجهًا وصادم تيارها غير مبال بالمغبة ولا حافل بالتبعة فناله لذلك من المشقة والكيد العظيم ما نال مثله‏.‏
حتى كان يمشي إلى الصلاة ليلًا في مسلة‏.‏
لا يطمئن على حاله‏.‏
جرت في هذا الباب حكايات إلى أن استمرت الحال على ما أراده الله‏.‏
وعزم عليه الأمير في بعض من الخطة ليرده إلى العدالة فلم يجد في قناته مغمزًا ولا في عوده معجمًا وتصدر لبث العلم بالحضرة يقري فنونًا منه جمة فنفع وخرج ودرس العربية والفقه والأصول وأقرأ القرآن وعلم الفرايض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحًا وسماعًا على سبيل من انشراح الصدر وحسن التجمل‏.‏
وخفض الجناح‏.‏
وذكره القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن فقال وأما شيخنا وقريبنا مصاهرة أبو عبد الله بن أبي بكر فصاحب عزم ومضاء وحكم صادع وقضاء‏.‏
كان له رحمه الله مع كل قولة وصولة وعلى كل رابع لا يعرف ذرة فأحرق قلوب الحسدة والصب وأعز الخطة بما أزال عنها من الشوائب وذهب وفضض كواكب الحق بمعارفه ونفذ في المشكلات وثبت في المذهلات واحتج وبكت وتفقه ونكت‏.‏
قال‏:‏ وحدثنا صاحبنا أبو جعفر الشقوري قال كنت قاعدًا في مجلس حكمه فرفعت إليه امرأة رقعة مضمونها أنها محبة في مطلقها وتبتغي من يستشفع لها في رجها فتناول الرقعة ووقع في ظهرها للحين من غير مهلة‏:‏ الحمد لله من وقف على ما بالمقلوب فليصغ لسماعه إصاغة مغيث وليشفع للمرأة عند زوجها تأسيًا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبربرة في مغيث‏.‏
والله يسلم لنا العقل والدين ويسلك بنا مسالك المهتدين‏.‏
والسلام يعتمد على من وقف على هذه الأحرف من كاتبها ورحمة الله‏.‏
قال صاحبنا فقال لي بعض الأصحاب هلا كان هو الشفيع لها‏.‏
فقلت الصحيح أن الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على النصوص‏.‏
شعره ولم يسمع له شعر إلا بيتين في وصف قوس عربي النسب في شعر من لا شعر له وهما‏:‏ هام الفؤاد في بنت النبع والنشم زورًا تزري بعطف البان والصنم قوام قامتها تمام معطفها من يلق مقتلها تصميه أو تصم مشيخته قرأ على الأستاذ المتفنن الخطيب أبي محمد بن أبي السداد الباهلي القرآن العظيم جمعًا وإفرادًا وأخذ عنه العربية والفقه والحديث ولازمه وتأدب به‏.‏
وعلى الشيخ الراوية الصالح أبي عبد الله محمد بن عياش الخزرجي القرطبي قرأ عليه كثيرًا من كتب الحديث منها كتاب صحيح مسلم وسمع عليه جميعه إلا دولة واحدة‏.‏
ومن أشياخه القاضي أبو القاسم قاسم بن أحمد بن حسن بن السكوت‏.‏
والفقيه المشاور الصدر الكبير أبو عبد الله بن ربيع والخطيب القدوة الولي أبو عبد الله بن أحمد الطنجالي والشيخ القاضي أبو الحسن ابن الأستاذ العلامة أبي الحجاج بن مصامد والأستاذ خاتمة المقريين أبو جعفر بن الزبير والخطيب المحدث أبو عبد الله بن رشيد‏.‏
والخطيب الولي الصالح أبو الحسن بن فضيلة والأستاذ أبو الحسن بن اللباد المشرفي‏.‏
والشيخ الأستاذ أبو عبد الله بن الكماد السطي اللبليسي‏.‏
وأجازه من أهل سبتة شيخ الشرفا أبو علي بن أبي تلنقة تخر بم ربيع والعدل الراوية أبو فارس عبد العزيز بن الهواري وأبو إسحاق التلمساني والحاج العدل الراوية أبو عبد الله بن الحصار والأستاذ المقري ابن أبي القاسم بن عبد الرحيم القيسي والأستاذ أبو بكر ابن عبيدة والشيخ المعمر أبو عبد الله بن أبي القاسم بن عبيد الله الأنصاري‏.‏
ومن أهل إفريقية الأديب المعمر أبو عبد الله محمد بن هارون وأبو العباس أحمد ابن محمد الأشعري المالقي نزيل تونس ومحمد بن سيد الناس اليعمري وعثمان بن عبد القوي البلوى‏.‏
ومن أهل مصر النسابة شرف الدين عبد المؤمن ابن خلف الدمياطي‏.‏
والمحدث الراوية أبو المعالي أحمد بن إسحاق وجماعة غيرهم من المصريين والشاميين والحجازيين‏.‏
مولده في أواخر ذي حجة من عام أربعة وسبعين وستماية‏.‏
وفاته فقد في مصاب المسلمين يوم الناجزة بطريف شهيدًا محرضًا زعموا أن بغلة كان عليها كبت به وأفاق رابط الجأش مجتمع القوى‏.‏
وأشار عليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يكن عند قوة عليه‏.‏
وقال انصرف هذا يوم الفرج إشارة إلى قوله تعالى في الشهداء ‏"‏ فرحين بما آتاهم الله من فضله ‏"‏ وذلك ضحى يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة‏.‏
محمد بن حيون بن القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد ابن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن ناصر بن حيون بن القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه‏.‏
حسبما نقل من خطه‏:‏ أوليته معروفة كان وليته مثله‏.‏
حاله هذا الفضل جملة من جمل الكمال غريب في الوقار والحصافة وبلوغ المدى واستولى على الأمم حلمًا وأناة وبعدًا عن الريب وتمسكًا بعرى النزاهة واستمساكًا مع الاسترسال وانقباضًا مع المداخلة معتدل الطريقة حسن المداراة مالكًا أزمة الهوى شديد الشفقة كثير المواساة مغار حبل الصبر جميل العشرة كثيف ستر الحيا قوي النفس رابط الجأش رقيق الحاشية ممتع المجالسة متوقد الذهن أصيل الإدراك بارعًا بأعمال المشيخة إلى جلال المنتمى وكرم المنصب ونزاهة النفس وملاحة الشيبة وحمل راية البلاغة والإعلام في ميادين البيان رحلة الوقت في التبريز بعلوم اللسان حلية الخصل والفضل في ميدانها غريبة غريزة الحفظ‏.‏
مقنعة الشاهد‏.‏
مستبحرة النظر أصيلة التوجيه برية عن النوك والغفلة مرهفة باللغة والغريب والخبر والتاريخ والبيان‏.‏
وصناعة البديع‏.‏
وميزان العروض وعلم القافية وتقدمًا في الفقه ودرسًا له وبراعة في الأحكام وإتقان التدريس والصبر والدؤوب عليه بارع التصنيف حاضر الذهن فصيح اللسان مفخرة من مفاخر أهل بيته‏.‏
ولايته قدم على الحضرة في دولة الخامس من ملوك بني نصر كما استجمع شبابه يفهق علمًا باللسان ومعرفة بمواقع البيان وينطق بالعذب الزلال من الشعر فسهل له كنف البر ونظم في قلادة كتاب الإنشاء وهو إذ ذاك ثمينة الخزرات محكمة الرصف فشاع فضله وذاع رجله‏.‏
ثم تقدم فثقل من طور الحكم إلى أن قلد الكتابة والقضاء والخطابة بالحاضرة بعد ولاية غيرها التي أعقبها ولاية مالقة في الرابع من شهر ربيع الآخر عام سبع وثلاثين وسبعماية‏.‏
فاضطلع بالأحكام‏.‏
وطبق مفصل الفضل ماضي الصريمة حي الإجهار نافذ الأمر‏.‏
عظيم الهيبة قليل الناقد مطعم التوفيق يصدع في مواقف الخطب بكل بليغ من القول‏.‏
مما يريق ديباجته ويشف صقاله وتبرأ من خلال الخطباء جوانبه وأطرافه‏.‏
واستعمل في السفارة للعدو ناجح المسعى ميمون النقيبة‏.‏
جزيل الحياء والكرامة‏.‏
إلى أن عزل عن القضاء في شعبان من عام سبعة وأربعين وسبعة ماية‏.‏
من غير زلة تخفض ولا هنة تؤثر فتحيز إلى التحليق لتدريس العلم وتفرغ لإقراء العربية والفقه ولم ينشب أميره المنطوي على الهاجس المغري بمثله أن قدمه قاضيًا بوادي آش بنت حضرته معززة بسندها الكبير الخطة‏.‏
فانتقل إليه بجملته وكانت بينه وبين شيخنا أبي الحسن بن الجياب صداقة صادقة ومودة مستحكمة فجرت بينهما أثناء هذه النقلة‏.‏
بدايع‏.‏
منها قوله‏.‏
يوش عنه خطة القضاء التي اخترعها ويوليها خطة الملامة‏:‏ لا مرحبًا بالناشز الفارك إن جهلت رفعة مقدارك لو أنها قد أوتيت رشدها ما برحت تعشو إلى نارك أقسمت بالنور المبين الذي منه بدت مشكاة أنوارك ومظهر الحكم الحكيم الذي يتلو عليه طيب أخبارك ما لقيت منك كفوًا لها ولا أوت أكرم من دارك ثم أعيد إلى القضاء بالحضرة فوليها واستمرت حاله وولايته على متقدم سمته من الفضل والنزاهة والمراجعة فيما يأنف فيه من الخروج عن الجادة إلى أن هلك السلطان مستقضية مأمومًا به مقتديًا بسجدته يوم عيد الفطر خمسة وخمسين وسبعماية وولي الأمر ولده الأسعد فجد ولايته وأكد تجلته ورفع رتبته‏.‏
واستدعى مجالسته‏.‏
مشيخته قرأ ببلده سبتة على أبيه الشريف المطاهر نسيج وحده في القيام‏.‏
وعلى أبي عبد الله بن هاني وبه جل انتفاعه وعليه جل استفادته‏.‏
وأخذ عن الإمام شيخ المشيخة أبي إسحاق الغافقي‏.‏
وروى عن الخطيب أبي عبد الله الغماري والخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد والقاضي أبي عبد الله القرطبي والققيه الصالح أبي عبد الله بن حريث وأخذ عن الأستاذ النظار أبي القاسم بن الشاط وغيره‏.‏
محنته دارت عليه يوم مهلك السلطان المذكور رحى الوقيعة فعركته بالثقال وتخلص من شرارها هولًا لتطارح الأمير المتوثب أمام ألمرية عليه‏.‏
خاتمًا في السجدة ودرس الحماة إياه عند الدجلة من غير التفات لمحل الوطأة‏.‏
ولا افتقاد لمحل صلاة تلك الأمة فغشيه من الأرجل ورجل الربى والتف عليه مرسل طيلسانه‏.‏
سادًا مجرى النفس إلى قلبه‏.‏
فعالج الحمام وقتًا‏.‏
إلى أن نفس الله عنه فاستقل من الرداى وانتبذ من مطرح ذلك الوغى وبودر بالفصاد وقد أشفى فكانت عثرة لقيت لمًا ومتاعًا فسمح له المدى آخر من يوثق به من محل البث‏.‏
ومودعات السر من حظيات الملك أن السلطان عرض عليه قبل وفاته في عالم الحلم كونه في محراب مسجده مع قاضيه المترجم به وقد أقدم عليه كلب أصابه بثوبه ولطخ ثوبه بدمه فأهمته رؤياه وطرقت به الظنون مطارقها وهم بعزل القاضي انقيادًا لبواعث الفكر وسدًا لأبواب التوقيعات‏.‏
وقد تأذن الله بإرجاء العزم وتصديق الحلم وإمضاء الحكم جل وجهه وعزت قدرته‏.‏
فكان من الأمر ما تقرر في محله‏.‏
تصانيفه وتصانيفه بارعة منها رفع الحجب المستورة في محاسن المقصورة شرح فيها مقصورة الأديب أبي الحسن حازم بما تنقطع الأطماع فيه‏.‏
ومنها رياضة الأبي في قصيدة الخزرجي أبدع في ذلك بما يدل على الإطلاع وسداد الفهم وقيد على كتاب التسهيل لأبي عبد الله بن مالك تقييدًا جليلًا وشرحًا بديعًان قارب التمام‏.‏
وشرع في تقييد على الخبر المسمى بدرر السمط في خبر شعره وإما الشعر فله فيه القدح والمعلى والحظ الأوفى والدرجة العليا طبقة وقته ودرجة عصره‏.‏
وحجة زمانه كلامه متكافي في اللفظ والمعنى صريح الدلالة كريم الخيم متحصد الحبل خالص السبك وأنا أثبت منه جزمًا خصني به سماه جهد المقل اشتمل من حر الكلام على ما لا كفاء له‏.‏
الحمد لله تردده أخرى الليالي فهو المسئول أن يعصمنا من الزلل زلل القول‏.‏
وزلل الأعمال‏.‏
والصلاة على سيدنا محمد خاتم الإرسال‏.‏
هذه أوراق ضمنتها جملة من بنات فكري وقطعًا مما يجيش به في بعض الأحيان صدري ولو حزمت لأضربت عن كتبها كل الإضراب ولزمت في دفنها وإخفايها دين الأعراب لاكني آثرت على المحو الإثبات وتمثلت بقولهم إن خير ما أوتيته العرب الأبيات‏.‏
وإذا هي عضت علي ذلك المجد وسألها كيف نجت من الوأد فقد أوتيتها من حرمكم إلى ظل ظليل وأحللتها من بنايكم معرسًا ومقيل وأهديتها علمًا بأن كرمكم بالإغضاء عن عيوبها جد كفيل فاغتنم قلة التهدية مني إن جهد المقل غير قليل فحسبها شرفًا أن تبوأت في جنابك كنفًا وكفاها مجدًا وفخرًا‏.‏
أن عقدت بينها وبين فكرك عقدًا مولده بسبتة في السادس لشهر ربيع الأول من عام سبعة وتسعين وستماية‏.‏
وفاته توفي قاضيًا بغرناطة في أوايل شعبان من عام ستين وسبعماية محمد بن عبد الملك الفشتالي محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي قاضي الجماعة ببيضة الإسلام فاس يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله هذا الرجل له أبوة صالحة وأصالة زاكية قديم الطلب ظاهر التخصص مفرط في الوقار نابه البزة والركبة كثير التهمة يوهم به الفار وصدر الصبور في الوثيقة والأدب فاضل النفس ممحوض النصح جميل العشرة لإخونه مجرى الصداقة نصحًا ومشاركة وتنفيقًا على سجية الأشراف وسنن الحسباء مديد الباع في فن الأدب شاعر مجيد كاتب بليغ عارف بالتحسين والتقبيح من أدركه أدرك علمًا من أعلام المشيخة‏.‏
قدمه السلطان الكبير العالم أبو عنان فارس قاضيًا بحضرته واختصه واشتمل عليه فاتصل بعده سعده وعرف حقه‏.‏
وتردد إلى الأندلس في سبيل الرسالة عنه فذاع فضله وعلم قدره ولما كان الإزعاج من الأندلس نحو النبوة التي أصابت الدولة بلوت من فضله ونصحه وتأنيسه ما أكد الغبطة وأوجب الثناء



الساعة الآن 05:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى