منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من أسرار الأسماء فى القرآن (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28624)

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الصّرح


جاء في بعض كتب اللغة أنّ الصّرح هو القصر، وكل بناء عالٍ مشرف، ولكن لماذا سمي القصر قصرا، ولماذا سمي البناء المشرف صرحاً ؟ .. يبدو أن الصّرح مأخوذ من الصراحة، والتي هي خلوص من الشوائب، والصراحة فيها وضوح، والتصريح ضد الكناية لظهور المعنى ووضوحه، وإذا صرّح إنسان بالشيء فقد كشفه وأظهره. ونظراً لوضوح القصر والبناء العالي سمي صرحا، ومن هنا لا ينحصر الصرح في البناء العالي المشرف، ولا ينحصر في البناء الضخم الظاهر في الحس. وقد وردت كلمة الصرح في القرآن الكريم أربع مرّات، في سورة النمل عند الحديث عن سليمان عليه السلام وملكة سبأ، وفي سورة القصص وغافر.

جاء في سورة القصص على لسان فرعون:" فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ " وقد تكرر هذا الطلب في سورة غافر:" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً..." هل بلغت السذاجة بفرعون أن يطلب بناءاً عالياً يرقاه فينظر ليتحقق من وجود إله موسى؟! وهل يتصور فرعون أن المستمعين من الملأ بهذه السذاجة أيضاً ؟! وما الذي يمنع أن يكون ما يطلبه فرعون أكثر جدّيّة مما يتبادر إلى الذهن؟ ثم لماذا يبنى هذا الصرح من طين يُطبخ، وهل يصلح ذلك لبناء ضخم يتطاول في السماء، ثم لماذا لا يكون هذا الصرح من الحجارة، وقد عرف الفراعنة بناء الأهرامات الضخمة؟! ثم ألم يصعد فرعون في حياته الجبال العالية ليدرك أن أعلى بناء ممكن هو أقل ارتفاعاً من جبل صغير ؟!

من يدرس تاريخ الفراعنة يجد أنّ لهم السبق في تحديد السنة الشمسية ب 365 يوما، وتقسيم السنة إلى 12 شهرا، والشهر 30 يوما، واليوم 24 ساعة. بل إن بناء الأهرامات له علاقة بأبعاد فلكية، وقد بلغت الدّقة الهندسية لديهم أنّ الشمس تدخل غرفة ملكيّة مرّة في العام، في اليوم المحدد والساعة المحددة. من هنا ندرك أن فرعون كان يريد بناء مرصد يساعده في فهم حقائق البناء السّماوي، ويبدو أن استخدام الزجاج في هذه المراصد كان هو الأساس في عمل المرصد كما هو مفترض، وبذلك يفهم طلبه:" فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحا.." فالأقرب إلى التّصور الجاد أنّه يريد صناعة الزجاج لأنه لا يحتاج إلى بناء عال ليرتقيه، فلديه الأهرامات كافية.

أمّا آيـة سورة غافر :" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى.." يتصور هذا في عالم الرصد والمراصد أكثر منه في عالم الارتقاء إلى أعلى، وعلى وجه الخصوص عندما نعلم أنّ الأمم القديمة قبل الميلاد كان لها سبق في علم الفلك، وقد كانوا يعتقدون أن للأفلاك تأثيراً وتحكماً حتى في مصائر البشر، وبالتالي فإن العلل والأسباب الحقيقيّة عندهم هي في عالم الفلك، وفرعون هنا يريد أن يبلغ عالم الأسباب هذا ليطل منه على حقائق الكون ومنها حقيقة أن موسى عليه السلام مرسل، وهو بذلك يستخدم علم الفلك لينفي أنّ موسى عليه السلام مرسل من ربه، وقد لمّح إلى ذلك بقوله :" وإني لأظنّه كاذبا " وعدم الجزم هنا من فرعون ليظهر نفسه بمظهر الموضوعي الذي يبحث عن الدليل والبرهان.

إذا صحّ فهمنا هذا فلا بد أن نعيد النظر في فهم كلمة الصّرح التي وردت في سورة النمل، فقد كانت ملكة سبأ ممن يعبدون الشمس كما صرّحت الآيات الكريمة، وهذا يعني أنّهم يهتمون بالفلك أيضا، وقد وجدنا ملكة سبأ تصر على دينها حتى عندما تجلت أمامها معجزة إحضار العرش. لذا كان لا بد من مناقشتها في عقيدتها، وتعريفها بحقيقة الشمس والأفلاك التي تعبدها، لذلك لا بد من إدخالها المرصد الزجاجي الضخم لمناقشتها فهي مهيّأة لمثل هذا العلم :" قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِير.." نعم فهو من زجاج مملس وهو شفّاف وخالص من الشوائب، فهو إذن صرح، وهو أيضاً قوارير. ولا ندري كم استغرق وجود ملكة سبأ داخل المرصد، إلا أنّ هذا التواجد هو الذي جعلها تعلن إسلامها :" قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " يبدو أنّه قد تمّ تعريفها بحقيقة عالم الأفلاك الذي كانت تعبد من دون الله، ولا شك أن النقلة في المعارف تساعد على النقلة العقائدية. وتسمية المرصد صرحاً مفهوم إذا عرفنا أنّ المرصد يكشف ويجلّي ويظهر، ثم إنّ عدساته وملحقاتها مصنوعة من الزجاج الخالص الصريح، ثم هو يُبنى في مكان عالٍ ومشرف.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الظَن

هل يستطيع العربي الفصيح أن يستوعب أنّ الظّن قد يأتي بمعنى اليقين ؟! لا أظن ذلك إلا على مضض، لأن الكثير من أهل التفسير يقولون بأن الظّن يرد أحياناً في القرآن الكريم بمعنى اليقين ويستشهدون لذلك بمثل قوله تعالى :" الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" فلمّا وجدوا أنّ العقيدة لا بد لها من جزم، ولما رأوا أن الإيمان لا بد أن يكون قاطعا، قادهم ذلك إلى حتمية أن يكون الظّن بمعنى اليقين، ولم يقولوا لنا لماذا شاء الله تعالى أن يقول " يظنون" بدل "يوقنون" !!

يبدو أن الخطأ بدأ من زعمنا بأنّ العقيدة يجب أن تكون جازمة حتى ينجو المؤمن يوم القيامة، ولا أدري من أين جاءوا بهذا الزعم في مواجهة آيات صريحة تقبل من العبد أن يسلك وفق غلبة الظّن، وإلا ما معنى أن الإيمان يزيد وينقص، فلا مجال للزيادة على ال 100% ولا مجال للنقصان إذا كان المطلوب هو الجزم القاطع والله تعالى يقول :" وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً " وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن القرآن يسمي العقيدة بـ (الإيمان)، وقد نزلت الرسالات لتبني الإيمان في النفوس ليصل إلى درجة اليقين، فعندما يتكلم القرآن الكريم عن وظيفة الرسالات يذكر النتائج المرجو تحققها، والأدلة على ذلك في القرآن كثيرة مثل قوله تعالى :" ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " وهذا لا يعني إطلاقاً أن الذي أسلم نفسه لله على غلبة الظن غير مقبول عند الله بل إنّ الآيات في ذلك واضحة وصريحة، والمشكلة هي تحكيم وجهة النظر السابقة في النص القرآني، والنص القرآني الكريم يصرّح في أكثر من آية بقبول من سلك على أساس غلبة الظن.

يقول سبحانه وتعالى :" إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " ولا يمكن أن يكون كل الظن إثما، لأن هناك الكثير من المسائل في الدين والدنيا لا يمكن الوصول فيها إلى درجة اليقين، فلا بد عندها من الاستناد إلى الظن الغالب، والمقصود بالظن الغالب أي الذي يغلب الظنون الأخرى، ومن هنا إذا كان الظن في مواجهة الدليل اليقيني فإنه يصبح مذموما، وكذلك يذم الظن في مواجهة غلبة الظن. انظر قوله تعالى :" إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً " .

فرق البعض بين العقيدة والشريعة، فقالوا إن العقيدة لا تثبت إلا بالدليل القاطع، أمّا الشريعة فتثبت بالدليل الظني، وعندما تبحث عن سند شرعي لهذا التفريق لا تجده، بل تجد أن الأدلة الكثيرة تثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث آحاد الناس لتعليم العقيدة والشريعة، ولم يكن يفرق. فلم نجده مثلا عند تعليم العقيدة يشترط الكثرة التي هي حد التواتر. ولا ننسى أنّ كل حكم شرعي فيه جانب إخباري (عقدي) وفيه جانب تشريعي (طلب)، فعندما نقول " الصلاة فرض" فهذه العبارة خبر يتضمن طلبا، فمن أنكر فرضية الصلاة كفر، ومن لم يصلّ عصى.

وكما وقع أولئك في الخطأ فوصلوا إلى نتائج عجيبة، كذلك وقع خصومهم في خطأ أفدح عندما زعموا أنّ العقيدة الجازمة تثبت بخبر الواحد، فقالوا إنّ خبر الواحد يوجب العلم، واستدلوا على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث آحاد الناس ليعلموا العقيدة، وما دروا أن هذا الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت بأنه يجوز أن يكون ناقل العقيدة والشريعة شخصاً واحدا، وأنّه يجوز لك أن تصدق آحاد الناس في العقيدة والشريعة، ولكن من أين لهم أنّه يجب الأخذ بخبر الواحد. والله سبحانه وتعالى يقول :" وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم..." وهو القائل سبحانه :" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة..." والعجيب هنا أنهم لا يقبلون في إثبات دَيْن على مدين بشهادة رجل واحد، حتى لو كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم هم يوجبون الأخذ بخبر رجل واحد أو امرأة واحدة في دِين يلتزم به المليارات من البشر إلى يوم القيامة.

وهناك فرق بين التصديق ووجوب التصديق، فمعلوم بداهة أنّه يجوز لي أن أتتلمذ في العقيدة والشريعة على عالم واحد، ولكن من قال أنني ملزم بتصديقه في كل ما يقول، وعلى وجه الخصوص عندما يتعارض قوله مع ظاهر القرآن الكريم أو ظواهر الشريعة، أو بدهيّات العقول ؟!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الـغـيـب

الغيب هو كل ما غاب عن الحس، أو غاب عن العقل. وفي الوقت الذي يصبح فيه الشيء الغائب محسوسا، أو مُدرَكاً بالعقل، فإنه لا يعود بعدها غيباً. وما يغيب عن الإنسان قد يكون من أمور الماضي، وقد يكون من أمور الحاضر، وقد يكون من أمور المستقبل. وقد فطر الله تعالى الإنسان على حب معرفة الغيب، فهو يسعى دائماً إلى كشف أستار الغيوب، ومن الممكن أن نُرجع تطور المعارف والعلوم إلى شوق الإنسان الدائم إلى معرفة ما غاب عنه حسّاً وعقلاً. وقد يدفعه هذا الشوق الجامح إلى سلوك بعض الطرق العابثة، والتي تهدر وقته وجهده، وتضره ولا تنفعه، ومن هنا وجدنا أنّ الدين يحرّم العرافة والكهانة، والشعوذة، لأنها تصرف الإنسان عن الطرق الصحيحة لمعرفة الغيب.

لا يدّخر الإنسان جهداً في اتخاذ الوسائل المختلفة الموصلة إلى معرفة الغيب، وفي الوقت الذي ينجح فيه في كشف أستار غيبٍ ما، يتحوّل هذا الغيب إلى شهادة، ولا يعود غيباً بالنسبة له، وإن كان لا يزال غيباً بالنسبة إلى غيره من الناس. وسيبقى الإنسان يتوسّل بعالم الشهادة للاطلاع على عالم الغيب، في مسيرة لا تتوقف حتى تنتهي خلافته على الأرض. ولا يقتصر عالم الشهادة على المحسوسات، بل إنّ ما يثبت بالعقل هو أيضاً من عالم الشهادة، وعليه فإن وجود الخالق سبحانه وتعالى هو من عالم الشهادة، وليس من عالم الغيب، وقد يكون هذا من بعض أسرار شهادة أن لا إله إلا الله.

يمكن للإنسان أن يتعرف على ما يغيب عنه بالحس، أو بالعقل، أو بالخبر الصادق. وعندما نصف الخبر بأنّه صادق فإننا نقصد بذلك أن يقوم الدليل العقلي على صدق هذا الخبر، من هنا تتفاوت الأخبار في درجة صدقيتها، وعلى ضوء هذا التفاوت يتفاوت التصديق في قوته ودرجته. فعلى سبيل المثال هناك الحديث الضعيف، والحسن، والصحيح، والمتواتر. فما جاءنا عن طريق الحديث الحسن لا يكون في قوة ما جاءنا عن طريق الحديث الصحيح، وما جاءنا عن طريق الحديث المتواتر فهو القطعي في ثبوته، والتواتر مسألة عقليّة، وليست بمسألة شرعيّة.

إذا كان كل الناس يؤمنون بالغيب، فما معنى أن يثني الله تعالى في كتابه العزيز على المتقين بأنهم:"يؤمنون بالغيب" ؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إذا قام الدليل العقلي على صدق النبي فيما يبلّغ عن ربّه، فإن المؤمن عندها يصدق ما جاء به النبي من أخبار تتعلق بعالم الغيب، حتى وإن كان الحس والعقل عاجزين عن إدراك ذلك، لأن صدق المخبر يغنيك عن ذلك.

يقول تعالى في الآية (26) من سورة الجن :"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول…" معلوم أن الله تعالى لا يغيب عنه شئ، فعلمه مطلق، فما دلالة إضافة الغيب إليه تعالى؟ تشير الآية الكريمة إلى غيب أراد الله تعالى أن يغيّبه عن المخلوقات، وهذا يعني أنّ هناك غيوباً يمكن للخلق أن يحيطوا بها إذا ما توصلوا إليها بالحس، أو بالعقل، أو بالخبر الصادق. وأن هناك غيوباً لم يأذن سبحانه وتعالى بعلمها لأحد من المخلوقات، وقد يستثنى من ذلك بعض الرسل والرسالات. فغيبه سبحانه وتعالى ليس كل ما غاب عنّا، بل هو ما استأثر بعلمه دون خلقه، وهذا يعني أنه قد يكون بإمكاننا أن نطلع على بعض الغيوب بتدبرنا للقرآن الكريم، الذي فيه خبر من قبلنا، وخبر من بعدنا، وليس فقط (من) بل ربما (ما).

وأخيراً نسأل: هل حُرِم الناس الاطلاع على الغيب بختم النبوَات والرسالات؟ نقول: لا، لم يحرموا؛ فالرؤيا الصادقة هي نوع من اطلاع الإنسان على الغيب، وكذلك الإلهام، ولكن هذا لا يتعلق بالغيب الذي شاء الله أن يغيّبه (غيبه)، بل هو مما أراد أن يظهره، أما ما أراد أن يغيّبه، فقد شاء سبحانه وتعالى أن يجعل الوحي هو الطريق الوحيد للإطلال على بعض هذا الغيب. وعليه فهناك غيب يمكن الاطلاع عليه بواسطة الحس، أو العقل، أو الخبر الصادق - ومنه الإلهام، والرؤى - وهناك غيب لا طريق إليه إلا بتدبّر الرسالة الإلهيّة، المتمثلة بالقرآن والسنّة، فأين المشمّرون؟!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:38 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الفساد

جاء في عمدة الحفاظ للسمين الحلبي :"الفساد: خروج الشيء من الاعتدال والاستقامة، قلّ ذلك الخروج أو كثر" ويرى صاحب التحرير والتنوير أن الفساد في الأصل استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرّة. والذي نراه انطلاقاً من هذا أن الفساد هو خروج الشيء عن وظيفته، فالإنسان مثلاً خُلق ليسلك في الدنيا السلوك الإيجابي النافع، فإذا تحوّل إلى ممارسة السلبيات الضارة عندها يكون قد فسد وأفسد، لأنه خرج عن وظيفته التي خلق للقيام بها. ومعلوم أن الأشياء قد تفسد عن غير خيار، في حين نجد أن فساد الإنسان غالباً ما يفسد عن وعي واختيار، وإن كان أحياناً يظن نفسه مصلحاً :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ".

هذه القابلية للتحول عن الوظيفة إلى ضدها جعلت الملائكة عليهم السلام تتساءل :"أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟" (البقرة: من الآية30). فالقصور في علم الملائكة جعلهم غير قادرين على إدراك الحكمة الإلهية، وأنّ الوجود الإنساني يؤول في الآخرة إلى الصلاح التام، أي أنّ الوظيفة الأخروية للإنسان هي مسوّغ وجوده. ولا شك أن صلاح الدنيا هو المقدمة الضرورية لصلاح آخرة الإنسان، ولا شكّ أن الرسالات الربّانية هي الضمان لصلاح الدنيا، يقول تعالى في سورة الحديد :" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ".

واليوم هل استطاع العلم وحده أن يُصلح الناس ؟ وهل استطاعت التكنولوجيا صانعة الثراء أن تخلق القناعة في نفس الغربي، وهل استطاعت الأناقة والجمال أن تنـزع من نفس الغربي الميل إلى الظلم والعدوان والإجرام ؟ وهل استطاعت المدنية المعاصرة أن تجعل حياة الغربي هادفة وذات معنى ؟ إن الإجابة لتتجلى في واقع العالم الغربي وممارساته، حتى أصبح عبئاً على البشرية، بل وخطراً على الوجود الإنساني. إنه الفساد بعينه.

من كان له عقل، ولم تغلبه الأحقاد، يدرك أنّ ما حصل في أمريكا، في الحادي عشر من أيلول، يغلب أن يكون من فعل قوى يمينيّة أمريكيّة، وأن رائحة الفعل وطعمه لتدل على أنّه إفراز غربي، وعلى الرغم من ذلك يبلغ الإجرام مداه، فتستغل المأساة، لتكون وسيلة للتسلط، وذريعة للاستكبار، وإن طبول الحرب التي تقرع يراد منها أن تغطي على جبن ونذالة القيادات اليمينية الأمريكية، فقد وجدوا أن اعترافهم بأنّ الحدث من فعل أبنائهم سيؤدي إلى :

أ. فقدان العالم ثقته بأمريكا كقبلة لرأس المال والاستثمار، مما سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال المستثمرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من الركود، وماذا يبقى لأمريكا بعد ذلك ؟!

ب. إصابة الشعب الأمريكي بالإحباط عندما يواجه صورته الحقيقية، مما يؤدي إلى فقدان ثقته بنفسه، وبعظمته الزائفة، وقد يؤدي هذا إلى تعاظم الأصوات التي تطالب بانفصال بعض الولايات. وعلى وجه الخصوص بعض الولايات المزدهرة صناعيّا.

ج. سقوط الحزب الجمهوري لعجزه عن إدارة الصراع الداخلي، وحتى لا يكون الحساب الذي لا بُدّ أن يسقط بوش وحزبه الفائز بأصوات الأقلية، كان لا بد من توجيه الأنظار إلى الخارج، وكان لا بد من المسارعة في إعلان الحرب، حتى قبل أن يحددوا العدو، لأن إعلان الحرب هذا سيمنع أية معارضة، وسيمنع أية محاسبة.

د. تجرّؤ العالم على ذلك المارد الذي تكشّفت عورته، وذهبت هيبته التي صنعت عبر الحروب السابقة، ابتداءً من الحرب العالميّة، وانتهاءً بحرب الخليج، والبوسنة، وكوسوفو.. وذهاب الهيبة يعني السقوط والمحاسبة.

معلوم أن الحزب الجمهوري يؤمن بضرورة التدخلات الخارجيّة، ويعمل على بسط هيمنة أمريكا على العالم، بما فيه الحلفاء الأوروبيون، فجاءت الفرصة سانحة لاستغلال الحدث، وابتزاز العالم، وإخضاع القوى التي بدأت تتمرد. نعم إنها الفرصة للسيطرة التي تنفخ الروح مرّة أخرى في الاقتصاد الأمريكي الراكد ، وإنها الفرصة الذهبية لتطويق العالم الإسلامي الناهض، وما ذكر الحروب الصليبية على لسان بوش إلا أصدق تعبير عن حقيقة هذه الهجمة. ومن يراقب السلوك الأمريكي بعد الحدث يلحظ تهافت الادعاءات، ويلحظ الاندفاع غير المتزن لاستغلال الحدث أبشع استغلال، أمّا القيم، والمبادئ فهي تداس تحت أقدام الكاوبوي الأمريكي، الذي يستغل كل شيء، حتى القيم السامية، فيرفع بكل وقاحة شعارات مثل :"النسر النبيل" و" العدالة المطلقة" إنه السقوط في أجلى صوره، وهي عربدة من فقد الضوابط، إنه النجم الذي يتفجر قبل أن يخبو ويموت، ولكن مع الأسف سيكون له ضحايا، وسيكون فساد، وستكون دماء، والذي يعزينا أنه سيكون أيضاً خلاص، إنها سنة الله في خلقه يقول تعالى:"إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:38 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الفضل

الفضل هو الزيادة، وكانت العرب تقول لما يبقى من الماء في الإناء بعد الشرب فضلة، وعليه تكون الفضلة ما يبقى من الشيء، وما يزيد عن الاقتصاد والحاجة، ومن هنا نلحظ معنى الزيادة في الألفاظ المشتقة من (فضل)، والتي يغلب أن تستخدم في الزيادة الايجابية. يقول تعالى في سورة النحل: " والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق" واضح هنا أن المقصود بالفضل الزيادة الإيجابية، ويقول سبحانه في سورة الإسراء:" انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض.." فالتفاوت الإيجابي في خَلْق الناس من أهم أسس التحضّر الإنساني. ويقول سبحانه في سورة الرعد :"... ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل " والمقصود هنا التمايز في أَطعام النباتات، وتفاضل بعضها على بعض، مما يؤدي إلى التنوع الإيجابي.

يخلط الناس أحياناً بين مفهوم (الخيريّة)، ومفهوم (الأفضليّة)، فإذا كانت الأفضليّة تتعلق بزيادة في المال، أو القوة، أو الجمال، أو العقل...، فإن الخيريّة تتعلق فقط بزيادة الخير؛ فإذا كان فلان يفضلني بمال أو قوة أو عقل.. فليس بالضرورة أن يكون هو خيراً مني، فكم من فقير هو خير من ألف غني، وكم من ضعيف هو خير من ألف قوي. ومن هنا كان الحكم الذي صدر على مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم:" كنتم خير أمّة أخرجت للناس "، ولم يقل سبحانه وتعالى :" كنتم أفضل أمة.." لأن الفضل يحتمل وجوهاً كثيرة، ولا يستلزم خيريّة إلا إذا كان فضل تقوى. والتفضيل الأخروي لا يستند إلى الفضل الدنيوي، بل يستند إلى الخيريّة في الحياة الدنيا.

يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، وأنّي فضلتكم على العالمين" هذه الآية الكريمة من الآيات التي قرّعت اليهود لنكرانهم النعمة، وعدم شكرهم لله الذي زادهم في العطاء الدنيوي، بل إن الآيات التي جاءت بعد هذه الآية من سورة البقرة، تعدد النعم التي كانت لبني إسرائيل كما لم تكن لغيرهم من الأمم، فاستحقوا بكفرهم لهذه النعمة أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، بل " وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" وبهذا يتضح بعض أسرار الغضب الربّاني على اليهود " غير المغضوب عليهم " فقد كانت خيانتهم كبيرة، انظر معي إلى بعض هذه النعم التي ذكرت بعد قوله تعالى :" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي..." : " وإذ نجيناكم من آل فرعون..." ، " وإذ فرقنا بكم البحر.."، "وإذواعدنا موسى.."، " .. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون"، " وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المن والسلوى"، " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا.."، " وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب.."، " وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد.." نعم، إنها وغيرها من النعم التي ذكرت في سورة البقرة ولم تحصل لأمّة من الأمم، ولو حصلت لغيرهم لكانت من دواعي الشكر والطاعة، ولكنهم كفروا النعمة، وتمادوا في غيّهم وتنكرهم لفضل الخالق سبحانه، فكان الحكم العادل، الوارد في نهاية الآيات التي عددت تلك النعم، يقول سبحانه:" وضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.." وهذا ليس لهم فقط، بل لكل خائن لا تزيده النعم إلا ضلالا.

وأخيراً نقول : إذا كانت الآية الكريمة من أشد الآيات ذمّاً لليهود ولخيانتهم، فكيف فهمها البعض على أنها آية مدح؟، ولماذا ذهب البعض في تأويلها مذاهب، على الرغم من أن صيغتها صيغة تقريع؟! يبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى الخلط بين الخيريّة والأفضليّة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
القرآن يُصحِّح

نص القرآن الكريم في سورة يوسف على دخول يعقوب عليه السلام وجميع أبنائه مصر، والآيات توحي بأنهم سكنوها واستقرّوا فيها، ولكن من أين لنا أنهم لم يخرجوا منها حتى أخرجهم موسى عليه السّلام؟! ومعلوم أنّ الزمن بين يوسف وموسى عليهما السلام لا يقل عن أربعمائة وخمسين سنة، ومعلوم أيضاً أنّ مُلك الهكسوس والفراعنة شمل بلاد الشام، فيتوقّع على ضوء ذلك أن ينتشر أبناء يعقوب ( أبناء إسرائيل ) وأحفاده، ولا مسوّغ لبقائهم جميعاً في مصر، وهذا ما يفسر ما ورد في لوح مرنبتاح المشهور، والمسمّى عند المؤرخين بلوح إسرائيل، حيث ينص الفرعون مرنبتاح على إبادته لإسرائيل التي كانت تسكن بلاد الشام، والعبارة الواردة في اللوح هي :" وإسرائيل أبيدت ولن يكون لها بذرة " ويبدو أن قطاعاً من المستضعفين من بني إسرائيل تسرّبوا فارّين من الاضطهاد وانضموا إلى أقربائهم الذين سبقوهم عبر قرون، مما جعل مرنبتاح يعمل على اجتثاث هؤلاء حتى لا يكونوا بؤرة جذب لكل من يصبو إلى التحرر من اضطهاد الفراعنة. وأنت تقرأ في بنود معاهدة عقدت بين أحد ملوك الفراعنة وملك الحيثيين بنداً ينص على تسليم الهاربين والمجرمين والمهاجرين من إحدى الدولتين إلى الأخرى.

جاء في سورة يونس:" فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم " وهذا يعني أنّ قلّة من الشباب هم الذين آمنوا لموسى عليه السلام، أمّا بقيّة الشعب من بني إسرائيل فاختلفت مواقفهم، فمنهم من استمرأ الذل وركن إلى الواقع، ومنهم من هو على استعداد أن يلحق بالمؤمنين في حال هجرتهم، ولا يتصور أن يخرج الشعب الإسرائيلي بالكامل، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح الفراعنة ممن هم مثل قارون:" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ..." ، بل إن هناك ملأ من بني إسرائيل يعملون لصالح نظام الفراعنة، بدليل قوله تعالى في الآية السابقة:" على خوف من فرعون وملئهم ... " وكيف يمكن لشعب يعد بمئات الألوف بل هو أكثر أن يخرج خلسة، وأنّى لغير المؤمن أن يثق بموسى عليه السلام فيخرج إلى عالم المجهول ؟! وبهذا نكون قد خلصنا إلى نتيجة تقول: هناك ما يدل على خروج بعض أبناء إسرائيل قبل مجيء موسى عليه السلام إلى مصر، ولا يوجد ما يثبت خروج كل بني إسرائيل مع موسى عليه السلام، بل إنّ الأقرب إلى العقل ومنطق الأمور أن تبقى الأكثرية، وتخرج الأقلية المؤمنة ومن يتبعها من غير المؤمنين لسبب أو آخر.

هناك أدلة كثيرة تثبت أنّ فرعون الخروج هو مرنبتاح بن رمسيس الثاني. ولا مجال هنا لتقديم هذه الأدلة، ولكن من الجيد أن نعلم أنّ الوثائق الفرعونية تنص على حصول فوضى واضطرابات بعد موت مرنبتاح، بل نجد أنّ السلطة الفرعونية تتهاوى، ويسيطر على العرش شخص يوصف بأنّه آسيوي سمّته بعض المصادر( أرسو ). ومن يتدبّر الآيات القرآنية يدرك أنّه بعد غرق الفرعون وجنده ورموز سلطته سيطر الشعب الذي ينتمي إلى طوائف شتى ومنهم شعب بني إسرائيل على كل ما تركه الفرعون وأركان سلطته. انظر قوله تعالى في سورة الشعراء: " فأخرجناهم من جنّات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين " فبمجرد خروج الفرعون تمّ الإرث بدليل استخدام الفاء في قوله تعالى:" فأتبعوهم مشرقين " . ولم يكن شعب إسرائيل هو الوارث الوحيد، بل إنّ هناك شعوباً أخرى كانت من الطبقات الأدنى. انظر في قوله تعالى من سورة الدّخان:" كم تركوا من جنّات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ويبدو أنّ بني إسرائيل كانوا في الدائرة الأقرب إلى القصور الفرعونية بدلالة قوله تعالى في الآيات السابقة:" وكنوز ومقام كريم " أمّا الدائرة الأبعد وهي الأراضي والسهول فقد وقعت تحت سلطة آخرين بدليل قوله تعالى:" وزروع ومقام كريم" .

أمّا الذين خرجوا مع موسى عليه السلام، وحكم الله تعالى أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، فربما أصبحوا في هذه المدة بؤرة جذب لبعض من بقي في مصر، ثم أورثهم الله تعالى الأرض المباركة بدلالة قوله تعالى في سورة الأعراف:" وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها" . فالميراث الفوري كان لمن بقي في مصر، أمّا ميراث الأرض المباركة فكان بعد زمن التيه، وعلى هذا القسم من بني إسرائيل نزلت التوراة، أمّا البقيّة، قلّت أم كثرت، فقد اختلطت بالشعوب الأخرى وبالتالي لم تتميّز لأنها لم تتهوّد .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الكــعـبـة

الكَعَب هو النتوء والبروز، ومن هنا سمي الجزء المرتفع والبارز من القدم كعبا. وورد في اللغة أن الكعبة هي البيت المكعب أي المربع، وقيل المرتفع، وصحح بعضهم المعنى الأول، أي أن الكعبة هي كل بيت مربع. وبما أن الكعبة هي أول بيت وضع للناس للعبادة، كما ينص القرآن الكريم، فلا يبعد أن تكون التسمية ربّانية، ولأن الكعبة بنيت مربعة أصبح الناس يَصِفون كل بيت مربع بأنه كعبة، ثم اشتق منه المكعّب ليعني المربع، ثم أطلق المكعّب على المجسّم ثلاثي الأبعاد ذي الأوجه المربعة. وبما أنّ الكعبة هي أول بيت مرتفع وبارز فوق الأرض، كانت كل الألفاظ المشتقة من هذا الاسم تدل على الارتفاع، وبالتالي لا داعي لأن نرجّح معنى على آخر. ولأن الكعبة هي قبلة المسلمين في الصلاة والحج، وجدنا الناس يجعلون لفظة الكعبة مرادفة للفظة القبلة.

جاء في الآية 97 من سورة المائدة :" جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَام...." .

واضح أن البيت الحرام في البداية كان لا يزيد عن مساحة الكعبة والتي هي تقارب 100 م2، ومن هنا نجد أن الآية تصرّح بأنّ الكعبة هي البيت الحرام، أمّا اليوم فإنّ مساحة البيت الحرام ضخمة جدا، ويمكن أن تزاد وتلحق بها مساحات أخرى حتى تصل الحدود التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم كمنطقة حرام، لها أحكام خاصة. ويبقى للكعبة مركزيتها بل إنّ كل ما أحاط بها اكتسب مكانته لصلته وقربه منها.

جاء في الآية 5 من سورة النساء :" وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً " فقد جعل الله تعالى المال قوام الحياة، فلا تقوم الحياة ولا تثبت ولا تستمر إلا بالمال، وهذا معلوم وبدهي، وليس هو موضوع جدال ولا تشكيك. واللافت للنظر أن القرآن الكريم لم يستخدم مثل هذا التعبير إلا في قوله تعالى من سورة المائدة:" جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَام...." جَعْلُ المال من مقومات الحياة أمر مفهوم ومجمع عليه بين الناس، ولكن الأمر الذي قد لا يفهم بداهة، وليس هو محل إجماع، بل قد يغفل الناس عنه، فتنـزل الرسالات الربّانية لتقيمه وتحرسه وتعززه ألا وهو الإيمان الذي يولّد في النفوس مفهوم القداسة، ومفهوم الواجبات، ومفهوم الحرمات.

فالحياة البشرية لا تقوم بالمال وحده، بل إن الإنسان هو الأهم، ولا مجال لاستمرار الوجود المجتمعي الإنساني بعيداً عن هذه المفاهيم، والتي لا تقوم إلا على أساس ديني، ومن هنا يمكن للمستقرئ أن يلاحظ ذلك، فالمجتمعات التي يضعف فيها تأثير الدين وتزلزل فيها مفاهيمه لا بد أن نُعاين فيها بوادر التفكك والانحلال، بل إن الإنسان يفقد عندها هدفية وجوده واستمراره، ومن هنا نجد مثلاً أنّ الفلسفة الوجودية في الغرب والتي ترفع شعار (لا إله) هي التي ترفع شعار (العبثيّة) بل من أساسيات مبادئهم :" لا شيء له معنى إلا الموت، وغاية إمكانيات الإنسان الانتحار !! " ونحن نعلم أن للدين دورا متناميا في المجتمعات البشرية المختلفة، ومن هنا يصعب اليوم أن نجد مجتمعاً يتجرد من الإيمان، ومن مفهوم القداسة، والواجب، والحرمة، إلا أنه بالإمكان ملاحظة التناسب الطردي بين قوة الإيمان ومفاهيمه في المجتمع وقوة البنيان الاجتماعي المحققة للسعادة. وقد ثبت بالتجربة أن توافر القوام الأول، وهو المال، غير كاف حتى يتحقق القوام الثاني وهو الإيمان بما يغرسه من مفاهيم دينيّة. ويمكن ملاحظة أثر فقدان القوام الثاني في المدرسة الوجودية على المستوى الفلسفي، وفي الماركسية على المستوى الفلسفي والواقعي، وتجربة الاتحاد السوفييتي غنية الآن عن البيان.

فالأحكام المتعلقة بالكعبة والحج إليها، والأحكام المتعلقة بالأشهر الحرم، والأحكام المتعلقة بالهدي والأضاحي، وغيرها من الأحكام الشرعية تشكل في شقها الإيماني وشقها السلوكي القوام الثاني، وقد يكون من السهل على الناس أن يدركوا أهمية نظام العقوبات مثلا وضرورته لقيام الحياة المجتمعيّة، إلا أنهم قد يغفلون عن أهمية وضرورة تشريعات الحج وأحكامه، فيلتبس على البعض فهْم كيف تكون الكعبة قياما للناس. ويبدو أننا بحاجة إلى إعادة نظر وتدبُر لأحكام وأسرار الركن الخامس من أركان الإسلام.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الكهف

أسماء السّور القرآنية توقيفيّة، أي أنها من الرسّول صلى الله عليه وسلّم وحيا، وهذا يعني أنه لا بد من الاهتمام بهذه الأسماء عند تفسير القرآن الكريم، ويلفت الانتباه عدم التوقف عبر العصور عند هذه الأسماء بما تستحقّه، ونحن في هذه العجالة نهدف إلى لفت الانتباه إلى ضرورة زيادة الاعتناء بدراسة أسماء السّور ومحاولة استجلاء أسرارها، وقد كان لمركز نون للدراسات القرآنية في مدينة البيرة الاهتمام المميّز بالأسماء ولكن من الناحية العدديّة، وليس هذا مقام الكتابة في الإعجاز العددي.

المتدبر لقصة أصحاب الكهف في سورة الكهف يلاحظ أن القصة بدأت بالتركيز على مسألتين، الأولى:" فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" والثانية: " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" وبعد ذلك: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق.. " وهنا تبدأ القصة... وهذا يعني أنّ أهم مسألتين في القصة، هما: مسألة نومهم لمدة طويلة، وقد جاء تبيان هذه المدّة في آخر القصة، مما يدل على أهمية هذه المسألة، أمّا المسألة الثانية فهي ظهور دقة إحصاء إحدى الجماعات المتنازعة في مدة لبث أصحاب الكهف، مما يعني أنّ نومهم كان له حِكم، منها دفع الناس إلى استحداث التقويم والتأريخ، أي الدخول في دورة حضارية تقوم على عنصر الزمن، وقد فصّلنا ذلك في كتاب " ولتعلموا عدد السنين والحساب".

اختلف الناس كثيراً في زمن قصة أصحاب الكهف، واختلفوا أيضا في المكان، ويبدو أن كتب التفسير القديمة والمعاصرة قد تأثرت بالرواية المسيحيّة لقصة أصحاب الكهف، على الرغم من أن القرآن الكريم قد نهى عن الأخذ من الآخرين في هذه المسألة فقال :" ولا تستفت فيهم منهم أحداً"، ووجّهَ المؤمنين إلى الأخذ من القرآن فقط، لأنّ الحق فيه، " نحن نقص عليك نبأهم بالحق.."

على الرغم من أنّ معرفة مكان الكهف من الأمور الثانويّة، إلا أنّ الناس قد خاضوا طويلاً في ذلك، فمنهم من قال في سوريا، ومنهم من قال في تركيا، ومنهم من قال في الأردن، وقالوا، وقالوا... ولم يستطع أحد أن يقدّم الدليل على زعمه، ثم ماذا يترتب على معرفتنا أنّه في منطقة الرجيب في الأردن مثلاً ؟! على أرض الواقع ترتب على ذلك أن أصبح ذلك الكهف معلماً سياحياً لا أكثر، وفي ظننا أنّ للكهف مكانة أعظم، فأين يقع الكهف؟

سورة الإسراء هي السورة السابعة عشرة في ترتيب المصحف، وأبرز المسائل فيها هي المسألة الفلسطينية، أما السورة التاسعة عشرة فهي سورة مريم، وتتعلق أحداثها بأرض فلسطين المباركة أيضا، فلماذا لا تكون أحداث الكهف في فلسطين أيضا، حيث أن سورة الكهف هي السورة التي تتوسط سورة الإسراء وسورة مريم، وقد وجدنا في مركز نون ترابطاً موضوعياً وعددياً بين هذه السور الثلاث. ووجدنا أن هناك أموراً تشير إلى احتمال أن يكون للكهف ارتباط بقصة الإسراء، وارتباط بقصة مريم وعيسى عليهما السلام.

نقول بلغة أخرى: إذا كان علم التناسب بين السور من العلوم المقرّة عند العلماء، فما وجه التناسب بين الكهف والإسراء ؟ وما هو التناسب بين مريم والكهف ؟ نقول لدينا في مركز نون تصور عن هذا الكهف الذي يغلب أن يكون في فلسطين، ولكن الأمر يحتاج إلى بسط وتفصيل، ليس هذا مقامه.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:40 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
المــدينـــة

هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب، وقبل أن ينزل عليه السلام بيتاً من بيوتها كان قد حدد المكان الذي يُبنى فيه المسجد، وهذا الفعل يدل على أهمية المسجد في المجتمع الاسلامي. ثم ما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن استبدل اسم "يثرب" باسم "المدينة" ومن المستغرب أن تسمى مدينة ما باسم "المدينة" ثم لماذا "أل" التعريف، ألا يكفي "مدينة"؟!

أطال المفكرون والفلاسفة الحديث عن أفضل صيغة للاجتماع البشري أو ما يسمى "المدينة الفاضلة" ولا شك أن "المدينة الفاضلة" هي حلم البشرية إلى يومنا هذا. وقد ظن الإنسان المعاصر أن الحل قد يكون في التطور العلمي والتكنولوجي، وقد أثبت العلم بعد قرون من النهضة العلمية أنه قاصر عن إيجاد المجتمع البشري الفاضل بعيداً عن الدين، بل إن التفكك الأسري والاجتماعي، وانتشار الجرائم أصبح من مميزات المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجيا، وبدأ الإنسان يستعين بالدين ليعيد التوازن لمسيرة البشرية.

كان مما نزل في المدينة بعد الهجرة :"كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" واضح أن هذه الآية تعلن عن وجود المجتمع المنشود، والمدينة الفاضلة التي يبحث عنها البشر. ولم تخرج هذه الأمة نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي، لأن كل هذا مجرد وسائل ميسرة للعيش ومساعدة على البقاء، بل إن التطور العلمي والمادي جاء ثمرة لصناعة الإنسان على مستوى الفكرة والسلوك الفردي والاجتماعي، ومن هنا لم يكن من قبيل الصدفة أن يظهر الإمام أبو حنيفة والإمام مالك قبل ظهور الرازي وابن سينا وجابر بن حيان، وليس من قبيل الصدفة أن يشتهر عدل عمر بن الخطاب قبل اشتهار فقه الشافعي أو فلسفة واصل بن عطاء….

الإسلام عقيدة وشريعة، ودين منه الدولة. وإذا كانت الفلسفة يمكن أن تبقى فكرة نظرية بعيدة عن الواقع التطبيقي، فان الدين قد نزل من أجل أن يخلق واقعاً جديداً في عالم الاجتماع الإنساني، ولا يجوز أن يبقى سجين الإطار النظري، ومن هنا كانت ضرورة الهجرة من مكة إلى يثرب، وبما أن الهجرة قد أوجدت الواقع الذي يجب أن يتحرك فيه الدين، فقد كان الإعلان المجلجل عن ميلاد المدينة الفاضلة التي يحلم بها الإنسان منذ فجره الأول، وإذا كانت التسمية للمولود تحمل الرغبة والأمل والتوقع، فقد كان هذا واضحاً تماماً في دلالة تغيير اسم "يثرب"، لتصبح "المدينة".

وبعد مدة من الزمن جاء الإعلان عن تخريج شعب المدينة الفاضلة :"كنتم خير أمة أخرجت للناس……" فإذا أراد الناس أن يصنعوا مجتمعاً فاضلا، فان هذا هو المثال، وهذه هي "المدينة" وليس غريباً أن نجد المسلمين عبر العصور والى يومنا هذا يتوقون إلى المجتمع المدني الأول، ثم هم يحكمون على كل المجتمعات الإسلامية التي جاءت بعد المرحلة الراشدة بالانحراف النسبي، ولا يزال الحنين الشديد إلى تلك الحقبة يشد الجميع، ولا يزال الناس يتخذون من تلك المرحلة مقياساً. ألا يدل ذلك بوضوح على أن المدينة الفاضلة قد ولدت كمن في مجتمع المدينة، لتكون القدوة والميزان؟

أما "يثرب" فقد ماتت، ولم تعد تعني أحدا من الناس إلا بعض المتنفذين في مرحلة الجاهلية، من أمثال عبد الله بن أبي بن سلول، والذي توقع زوال المدينة عندما رأى الأحزاب تطبق بجيوشها على أطرافها، فكانت الصيحة التي تكشف أسرار القلوب، وتعلن عن رغائب الموتورين من أعداء الحقيقة، وأعداء المدينة الفاضلة :"وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا….." الأحزاب 13. وإذا كانت "يثرب" أمنية لبعض المنافقين فان "المدينة" ستبقى أمنية الإنسانية جمعاء.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:40 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
المسجد الأقصى

نعم، وحتى الأسماء يمكن أن تتجلى فيها المعاني والأسرار، كيف لا ونحن نتعامل مع القرآن الكريم؟! وإذا جاز لنا أن نهمل دلالة الاسم في عمل فكري بشري، فهل يجوز لنا أن نفعل ذلك عندما نتعامل مع كتاب رب العالمين؟! كل اسم ورد في القرآن لا بد أن تكون له دلالات وظلال. وقد توصّلنا إلى هذه القناعة بعد أن تحصّل لدينا ملاحظات كثيرة تتعلق بالأسماء القرآنية، نأمل أن يطلع القارئ الكريم على بعضها في أكثر من مقال، وقد يكون من المناسب أن نبدأ بمناقشة دلالات "المسجد الأقصى" بما يتسع له المقام.

لو سألت الياباني: أين تقع أمريكا بالنسبة لليابان؟ سيكون الجواب: هي في الغرب. واضح أن هذه الإجابة خاطئة لان أمريكا تقع شرق اليابان. لذا يسافر الياباني شرقاً ليصل إلى أمريكا، لأن طريق الغرب طويلة جداً. وعلى الرغم من ذلك فانه يتعامل على أساس أن أمريكا هي غرب. وذلك لأن أمريكا تقع إلى الغرب من خط غرينتش، خط التأريخ الدولي، الذي أصطلح عليه عندما كانت بريطانيا دولة عظمى متقدمة، وكان الشرق كله يعاني من التخلف والأمية.وكانت بريطانيا القائد للعالم. واليوم لا زال الغرب هو القائد والمسيطر، ولا يتوقع أن يغير العالم من اصطلاحات الغرب، حتى تتغير موازين القوى، ويختلف مركز الثقل على هذه الأرض.

لقد أراد القرآن الكريم للأمة الإسلامية أن تتميز لتكون القدوة للبشرية، ولتتمكن من التأثير من أجل التغيير الإيجابي لاخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويظهر هذا التميز في أمور كثيرة منها التميز في الاصطلاح، وفي الوقت الذي فقد فيه العالم الاسلامي مركز الصدارة ولم يعد القدوة للشعوب الأخرى، فقدت اصطلاحاته معانيها ولم تعد مستعملة من قبل الآخرين، بل لم يعد العالم الاسلامي يعتز بما لديه من اصطلاحات، لأنه أصبح تابعاً ومقلدا، ويبدو أن هذه نتيجة حتمية للتخلف الذي أصاب المسلمين على مدى قرون من الزمن.

عندما نزل قوله تعالى :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى …" كانت مراكز القوى تتمثل في بلاد فارس وبلاد الرومان، ولا شك أن المسجد في القدس كان الأقرب إلى بلاد الرومان، إلا أن القرآن اعتبره "المسجد الأقصى" لان مكة "هي المقياس الذي يجب أن نقيس عليه. والمساجد التي تشد إليها الرحال في الدين الاسلامي هي المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد النبوي الذي يقع بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى. وقد ذكر بعض العلماء أن تسمية مسجد القدس "بالمسجد الأقصى" فيه إشارة إلى أن المسجد النبوي سيبنى، على اعتبار أن ذكر الأقصى يشير إلى القصي، كما تشير كلمة الأبعد إلى البعيد. أي أن هذه التسمية تتضمن خبراً غيبياً.

إذا فُهم هذا سيكون من السهل علينا أن نفهم عبارة "أدنى الأرض" في قوله تعالى من سورة الروم :"غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين…." فقد كانت هزيمة الروم في أدنى الأرض إلى جزيرة العرب، حيث كانت بلاد الروم مترامية الأطراف شاسعة المساحات، إلا أن هزيمتها المشار إليها كانت في بلاد الشام، أي أدنى الأراضي التي يسيطر عليها الرومان بالنسبة إلى جزيرة العرب، بهذا يتضح أن القرآن يجعل من مكة وما يحيط بها من جزيرة العرب المكان الذي يقاس عليه، أي هو المكان الذي يجب أن تكون له المركزية في فكر المسلم وضميره وحسه وواقعه واصطلاحاته. وعلى أية حال لا يكون هذا واقعاً حتى تتغير أمور كثيرة، والمراقب للتطورات الفكرية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي يلاحظ المؤشرات الكثيرة التي تعلن عن عودة الأمة إلى حضارتها. ويبقى الخطر الأكبر يتمثل في القيادات السياسية والعسكرية العلمانية والتي تعمل على ترسيخ التابعيّة للغرب في عالمنا العربي والإسلامي.


الساعة الآن 09:20 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى