منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   إيليا أبو ماضي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=14113)

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 01:45 AM

[frame="7 98"]
من أسود تسربلت بالحديد و من الجنّ في رواء الجنود
ينشدون الوغى و ما ينشد الحسناء غير المتيّم المعمود
كلّ قرم درع من الصبر و درع مسرودة من حديد
تحته أجرد أشدّ حنينا و اشنياقا ألى الوغى من نجيد
سابح عنده العسير يسير و القصيّ القصيّ غير بعيد
و صبا للنجوم من قد علاه أصبح الجوّ تحته كالصعيد
تحسب الأرض قد جرت يجرى و تراه كأنّه في ركود
إنّما يركب الجواد جواد و يصون الذمار غير بليد
و خميس يحكي النجوم انتظاما عجبا من كواكب في بيد
أوقع الرّعب في قلوب الضواري فاستكانت كأنّها في قيود
أصبحت تهجر المياه و كانت لا ترى الماء غير ماء الوريد
خافقات أعلامه ، أرأيتم كقلوب العشّاق عند الصدود
قاده ذلك الغضنفر ( نوجي ) و يناط الحسام بالصنديد
رجل دونه الرجال مقاما مشبه في الأنام بيت القصيد
كلّ سيف في غير قيضة نوجي فهو عند السيوف غير سعيد
يا يراعي سل ( بورت أرثور ) عنه إنّ تلك الحصون خير شهود
معقل أصبحت جحافل هيتو حوله كالعقود حول الجيد
هجموا هجمة الضراغم لمّا حسبوها فريسة للأسود
و تعالى الضجيج للأفق حتى كاد ذاك الضجيج بالأفق يودي
و توالى هجومهم و المنايا ضاحكات ، فيا لها من صيود
كم جريح مضرّج بدماه و قتيل على الثرى ممدود
و أسير إلى أسير يساقون تباعا إلى الشقاء العتيد
أسطرهم مدافع الروس نارا أصبحوا بعدها بغير جلود
دامت الحرب أشهرا كلّما قيل خبت نارها ذكت من جديد
و المنايا تحوم السرايا حومة العاشقين حول الغيد
حيث حظّ المقدام مثل سواه و كحظّ الكبير حظّ الوليد
صبر الروس صبر أيوب للبلوى على ذلك العدوّ العنيد
غير أنّ االأيّام ( وستوسل ) يمني أجفانه بالهجود
فتولاهم القنوط من النصر فردّوا أسيافهم للغمود
كان هذا للصّفر عيدا و عند الروس ضربا من الليالي السود
قلعة صانها الزمان فلولا كيد نوجي لبشرّت بالخلود

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 01:47 AM

[frame="8 98"]
ما لهند و كلّ حسناء هند كلّ يوم تبدو بزيّ جديد
تلبس الثوب يومها و هي تطريه ، و تطريه عندها كلّ خوذ
فإذا جاء غيره أنكرته فرأينا الحميد غير الحميد
أولعت نفسها بكل طرف ليتها أولعت ببعض التليد
أصبحت تعشق المشدّ و لم أبصر طليقا متيّما بالقيود
رحمة بالخصور أيّتها الغيد و رفقا رفقا بتلك القدود
ما جنته الزنود حتى ينال العري منها ، يا عاريات الزنود ؟
لهف نفسي على المعاصم تغدو غرض الحرّ عرضة للجليد
علام الأذيال أمست طوالا كليالي الصدود أو كالبنود ؟
لو تكون الذيول أعمار قوم لضمنّا لهم نوال الخلود
قصرت همّها الحسان على اللهو و يا ليت لهوها بالمفيد
ساء حال الأزواج في عصرنا هذا ، و ساءت أحوال كلّ وليد
كلّ زوج شاك ، و كلّ صغير دامع الطرف كاره للوجود
يظلم الدهر حين يعزو إليه البؤس ، و البؤس كلّ أم كنود
لا رعى الله زوجة تنفق الأموال و العمر في اقتناء البرود
ليس في اللهو و البطالة فخر إنّما الفخر كلّ عرس كدود

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 01:48 AM

[frame="7 98"]
يا شاعر هذي روعة العيد

فاستجد الوحي و اهتف بالأناشيد

هذا النعيم الذي قد كنت تنشده

لا تله عنه بشيء غير موجود

محاسن الصضيف في سهل و في جبل

و نشوة الصيف حتى في الجلاميد

و لست تبصر وجها غير مؤتلق

و لست تسمع إلّا صوت غرّيد

قم حدّث الناس عن لبنان كيف نجا

من الطغاة العتاه البيض و السود

و كيف هشّت دمشق بعد محنتها

و استرجعت كلّ مسلوب و مفقود

*

فاليوم لا أجنبي يستبدّ بنا

و يستخفّ بنا استخفاف عربيد يا أرز صفق ، و يا أبناءه ابتهجوا ،

قد أصبح السرب في أمن من السيّد

*

ما بلبل كان مسجونا فأطلقه

سحّانه ، بعد تعذيب و تنكيذ

فراح يطوي الفضاء الرحب منطلقا

إلى الربى و السواقي و الأماليد

إلى المروج يصلّي في مسارحها ،

إلى الكروم يغني للعناقيد

منّي بأسعد نفسا قد نزلت على

قومي الصناديد أبناء الصناديد

سماء لبنان بشر في ملامحهم

و فجره في ثغور الخرّد الغيد

إن تسكنوا الطود صار الطود قبلتنا

أو تهبطوا البيد لم نعشق سوى البيد

(هيوز) وقد كان قبلا ((موشّح)) .. شكوت إليه انقلاب الأمور

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 01:48 AM

[frame="10 98"]
لوعة في الضلوع مثل جهنّم تركت هذه الضلوع رمادا
بتّ مرمى للدهر بي يتعلّم كيف يصمي القلوب و الأكبادا
كيف ينجو فؤاده أو يسلم من تمادى به الأسى فتمادي
أنا لولا الشعور لم أتألّم ليت هذا الفؤاد كان جمادا
كيف لا أبكي و في العين دموع كيف لا أشكو و في القلب صدوع
قلّ في الناس من صبر مختار

****

لحظة ، ثمّ صار ضحكي و جيبا و نشيجا ، و النوم صار سهادا
ربّ لمّا خلقت هذي الخطوبا لم لم تخلق الحشا فولاذا
كلّما قلت قد وجدت حبيبا طلع الموت بيننا يتهادى
صرت في هذه الحياه غريبا ليت سهدي الطويل كان رقادا
فتجلّد أيّها القلب الجزوع أو تدفّق كلّما شاء الولوع
عندما أو دما هدر أو نارا

****

كان بين الكرى و بيني صلح فأراد القضاء أن نتعادى
لم أكد أخلع السّواد و أصحو من ذهولي حتّى لبست السوادا
في فؤادي ، لو يعلم الناس ، جرح لا يلاشي حتّى يلاشي الفؤدا
يا خليلي ، هيهات ينفع نصح بعدما ضيّع الحزين الرشادا
أنت لا تستطيع إحياء الصريع و أنا ، حمل الأسى لا أستطيع
ذا الذي صيّر الكدر إكدارا

****

يا ضريحا على ضفاف الوادي جاد من أجلك الغمام البلادا
فيك أودعت ، منذ ست ، فؤادي و برغمي أطلت عنك البعادا
غير أنّي ، و إن عدتني العوادي ما عدتني بالرّوح أن أرتادا
أنبتت حولك الزهور الغوادي و اللّيالي أنبتن حولي القتادا
و ذبول الغصن في فصل الربيع لو رآه شجر الروض المريع
جمد الماء في الشجر محتارا

****

كيف لا يتّقي الكرى أجفاني و جفوني قد استحلن صعادا
و دموعي بلونها الأرجواني منهل ليس يعجب الورّادا
و الذي في الضلوع من نيران صار ثوبا و مقعدا ووسادا
كيف يقوي على الشدائد عان أكل السقم جسمه أو كادا
فإذا ما غشى الطرف النجيع فتذكّر أنّه القلب الصديع
كظّه الحزن فانفجر انفجارا

****

طائر كان في الربى يتغنّى أصبح اليوم يحمل الأصفادا
غصن كان و الصبا يتثنّى هصرته يد الردى فانآدا
نال مني الزمان ما يتمنّى و أبى أن أنال منه مرادا
و تجنّى ما شاء أن يتجنّى و استبدّت صروفه استبدادا
حطّم السيف و ما أبقى الدروع و تداعى دونه السور المنيع
و أراني من العبر أطوارا

****

ما لهذي النجوم تأبى الشروقا أتخاف الكوكب الأرصادا
فرط البين عقدها المنسوقا أم لما بي البياض سوادا
أم فقدن كما فقدت شقيقا فلبسن الدجى عليه حدادا
ما لعيني لا تبصر العيّوفا و لقد كان ساطعا و قّادا
سافرا يختال في هذا الرفيع هل أتاه نبأ الخطب الفظيع
أم رأى مصرع القمر فتوارى

****

سدّد الدهر قوسه ورماني لم تحد مهجتي و لا السّهم حادا
هكذا أسكتت صروف الزمان بلبلا كان نوحه إنشادا
فهو اليوم في يد السّجّان يشتهي كل ساعة أن يصادا
فاحسبوني أدرجت في الأكفان إن أنفتم أن تحسبوا القول بادا
ليس في هذي و لا تلك الربوع ما يسلّي النفس عن ذاك الضّجيج
قبره ، جادك المطر مدرارا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:00 AM

[frame="7 98"]
شهور العام أجمملها " ربيع " و أبغضها إلى الدنيا " جمادى "
و خير المال ما أمسى زكاة و خير الناس من نفع العبادا
بربّك قل لنا و خلاك ذمّ أعيسى كان يذّخر العتادا ؟
تنبّه أيّها الراعي تنبّه فمن حفظ الورى حفظ العبادا
خرافك بين أشداق الضواري و مثلك من حمى ووقى النقادا
تبدّل أمنهم رعبا و خوفا و صارت نار أكثرهم رمادا
لقد أكل الجراد الأرض حتى تمنّوا أنّهم صاروا جرادا
فمالك لا تجود لهم بشيء وقد رقّ العدوّ لهم وجادا ؟
و مالك لا تجيب لهم نداء كأنّ سواك ، لا أنت ، المنادى ؟
...

وربّت ساهر في " بعلبك " يشاطر جفنه النجم السّهادا
يزيد الليل كربته اشتدادا وفرط الهمّ ليلته سوادا
إذا مال النعاس بأخدعيه ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
به الداءان من سغب وخوف فما ذاق الطعام و لا الرقادا
تطوف به أصيبيه صغار كأنّ وجوههم طليت جسادا
جياع كلّما صاحوا و ناحوا توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاق ذرعا نبا عنهم و ما جهل المرادا
و لكن لم يدع بؤس اللّيالي طريفا في يديه و لا تلادا
و لو ترك الزّمان له فؤادا لما تركت له البلوى فؤادا
...

أتفترش الحرير و ترتديه و يفترش الجنادل و القتادا
و يطلب من نبات الأرض قوتا و تأبى غير لحم الطير زادا
و تهجع هانئا جذلا قريرا و قد هجر الكرى وجفا الوسادا
عجيب أن تكون كذا ضنينا و لم تبصر بنا إلّا جوادا
أما تخشى ذي لسان : أمات الناس كي يحيي الجمادا
...

لذاتك همّهم نفع البرايا و همّك أن تكيد و أن تكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلا وزدناك النضار المستفادا
فكان حزاؤنا أن قمت فينا لاتعلّمنا القطيعة و البعادا
فلمّا ثار ثائر حرّ رجعت اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويّ إلى التمادي و تعجب بعد ذلك إن تمادى ؟
سكتّ فقام في الأذهان شكّ و قلت فأصبح الشّكّ اعتقادا
تجهّمت القريض ففاض عتبا و إن أحرجته فاض انتقادا
و لولا أن أثرت الخلف فينا وددنا لو محضناك الودادا

[/frame]

shreeata 19 - 2 - 2011 02:03 AM

صائد الافكار
اخي الفاضل يعطيك العافية على ما ادرجت
واكيد ساعود كل مرة
لارتشف الشعر من هنا
رائع اخي
تحيات لك

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:07 AM

[frame="7 98"]
( بعث بها الى صديقه السيد فهمي يعزيه و قد فجع بموت والدته و كريمته و شقيقته في اسبوع واحد )

------------------

فديناك ، لو أنّ الردى قبل الفدى ، بكلّ نفيس بالنفاس يفتدى
أبى الموت إلاّ ن ينالك سهمه و ألا يرى شمل مبدّدا
فأقدم لا يبغي سواك و كلّما درى أنّه عظيما تشدّدا
دهاك الردى لكن على حين فجأة فتبّت يداه غادر صرح النّدى
دهاك و لم يشفق عل الصبيّة الألى تركتهم يبكون مثنى و موحدا
فقدت و أوجدت الأسى في قلوبنا أسى كاد لولا الدمع أن يتوقّدا
بكيناك حتى كاد يبكي لنا الصفا و حتى بكت ممّا بكينا له العدى
و ما كاد يرقى الدمع حتى جرى به غد عندما ، يا ليتنا لم نر غدا !
قضت طفلة تحكي الملاك طهارة و ألحقها الموت الزؤام بمن عدا
لقد ظعنت تبغي لقاك كأنّما ضربت لها قبل التفرّق موعدا
كأنّ لها نذرا أرادت قضاءه كأنّك أنت الصوت جاوبه الصدى
مشت في طريق قد مشى فيه بعدها فتاك الذي أعددت منه المهنّدا
فتى طاب أخلاقا و طاب محادا و طاب فؤادا مثلما طاب محتدا
فتى كان مثل الغصن في عنفوانه فللّه ذاك الغصن كيف تاوّدا
تعوّد أن يلقاك في كلّ بكرة فكان قبيح ترك ما قد تعوّدا
فجعنا به كالبدر عند تمامه و لم نر بدرا قبله الأرض وسّدا
فلم يبق طرف لم يسل دمعه دما و لم يبق قلب في الملا ما تصعّدا
كوارث لو نابت جبالا شواهقا لخرّت لها تلك الشواهق سجّدا
و لو أنّها في جلمد صار سائلا و لو أنّها في سائل صار جلمدا
( أفهمي ) إنّ الصبر أليق بالفتى و لا سيما من كان مثلك ( سيّدا )
فكن قدوة للصابرين فإنّما بمثلك في دفع الملمّات يقتدى
لعمرك ما الأحزان تنفع ربّها فيجمل بالمحزون أن يتجلّدا
فما وجد الإنسان إلا ليفقدا و ما فقد الإنسان إلا ليوجدا
و ما أحد تنجو من الموت نفسه و لو أنّه فوق السماكين أصعدا
فلا يحزن الباكي و لا تشمت العدا فكل امريء ، يا صاح ، غايته الردى

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:09 AM

[frame="8 98"]
مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى
ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى جفوني جماعات و مثنى و موحدا
تراءى فآنا كالبدور سوافرا و آونة مثل الجمان منضّدا
و طورا أراها حائرات كأنّها فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا
و طورا أراها جازعات كأنّما تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا
أحنّ إليها رائحات و عوّدا سلام عليها رئحات و عوّدا
تهشّ إليها مقبلات جوارحي كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى
و ألقي إليها السّمع ما طال همسها كذلك يسترعي الأذان الموحّدا
و يغلب نفسي الحزن رحيلها كما تحزن الأزهار زايلها الندى
كرهت زوال اللّيل خوف زوالها و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا
و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا
و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما خيالاتها همّت بأن تتقيّدا
فيا ليتني طيف أروح و أغتدي و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا
نحلت إلى أن أنكر صورتي و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا
مبيتي على الوثير ليانه و أحسبني فوق الأسنّة و المدى
كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا كأن وسادي قد تحوّل جلمدا
لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها تقوّم من أضلاعي المتأوّدا
تصوّر لي الخيال حقيقة و أحسب شخصا واحدا متعدّدا
لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن يضعضعني صرف الزمان إذا عدا
إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي رمتني منها بالّذي يوهن اليدا
تغلغل في جسمي النحيل أوارها فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا
رأيت الذي لم يبصر الناس نائما و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا
يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا
تهامس حولي العائدون ورجّموا و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا
فما ساءني شماتة معشر رجوت بهم عند الشدائد مسعدا
أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني ظننتهم شراوي خلقا و محتدا
أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته و أحببته كما يحبّ و يحسدا
وودّ أناس لو يعاجلني الردى كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا
و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما يودّ زوال الشمس من كان أرمدا
إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا
على أنّني والداء يأكل مهجتي أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى
فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا
لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا
و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟
و إنّي في كبت العداة و كيدهم كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا
و لكنّني أعفو و للغيظ سورة أعلّم أعدائي المروءة و الندى
ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا
فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا كما كان يخشاني وقد كنت منشدا
و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا
و من نال منه السيف و هو مجرّد تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا
أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا
و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا
و لو أنّ من أهوى أطال دلاله تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:10 AM

[frame="8 98"]
قالت سكتّ و ما سكتّ سدى أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟
إنّا عرفنا فيك ذا كرم ما إن عرفنا فيك مقتصدا
فاطلق يراعك ينطلق خببا واحلل لسانك يحلل العقدا
ما قيمة الإنسان معتقدا إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟
و الجيش تحت البند محتشدا إن لم يكن للحرب محتشدا ؟
و النور مستترا ؟ فقلت لها كفّي الملامة و اقصري الفندا
ماذا يفيد الصوت مرتفعا إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟
و النور منبثقا و منتشرا إن لم يكن للناس فيه هدى ؟
إنّ الحوادث في تتابعها أبدلني من ضلّتي رشدا
ما خانني فكري و لا قلمي لكن رأيت الشعر قد كسدا ...
***

كان الشّباب ، و كان لي أمل كالبحر عمقا ، كالزمان مدى
و صحابه مثل الرّياض شذى و صواحب كورودها عددا
لكنّني لمّا مددت يدي و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***

ذهب الصّبي و مضى الهوى معه أصبابه و الشيب قد وفدا ؟
فاليوم إن أبصرت غانية أغضي كأنّ بمقلتي رمدا
و إذا تدار الكأس أصرفها عنّي ، و كنت ألوم من زهدا
و إذا سمعت هتاف شادية أمسكت عنها السمع و الكبدا
كفّنت أحلامي و قلت لها نامي ! فإنّ الحبّ قد رقدا
وقع الخطوب عليّ أخرسني و كذا العواصف تسكت الغردا
عمرو صديق كان يحلف لي إن نحت ناح و إن شدوت شدا
و إذا مشيت إلى المنون مشى و إذا قعدت لحاجة قعدا
صدّقته ، فجعلته عضدي و أقمت من نفسي له عضدا
لكنّني لمّا مددت يدي و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***

هند ، و أحسبني إذا ذكرت أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى
كانت إلها ، كنت أعبده و أجلّه ، و الحسن كم عبدا
كم زرتها و الحيّ منبته و تركتها و الحيّ قد هجدا
و لكم و قفت على الغدير بها و الريح تنسج فوقه زردا
و الأرض ترقص تحتنا طربا و الشهب ترقص فوقنا حسدا
و لكم جلسنا في الرياض معا لا طارئا نخشى و لا رصدا
و اللّيل فوق الأرض منسدل و الغيم فوق البدر قد جمدا
قد كاشفتني الحبّ مقتربا و شكت إليّ الشوق مبتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ..
***

قومي ، و قد أطربتهم زمنا ساقوا إليّ الحزن و الكمدا
هم عاهدوني إن مددت يدي ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا
قالوا غدا تهمي سحائبنا فرجعت أدراجي أقول غدا
و ظننت أنّي مدرك أربي إن غار تحت الأرض أو صعدا
فذهبت أمشي في الثرى مرحا ما بين جلّاسي و منفردا
تيه المجاهد نال بغيته أو تيه مسكين إذا سعدا
لكنّني لمّا مددت يدي و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***

هم هدّدوني حين صحت بهم صيحاتي الشّعواء منتقدا
و رأيت في أحداقهم شررا و رأيت في أشداقهم زبدا
و سمعت صائحهم يقول لهم أن أقتلوه حيثما وجدا
فرجعت أحسبهم برابرة في مهمة و أظنّني ولدا
مرّت ليال ما لها عدد و أنا حزين باهت كمدا
أرتاع إن أبصرت واحدهم ذعر الشويهة أبصرت أسدا
و إذا رقدت رقدت مضطربا و إذا صحوت صحوت مرتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***

لا تذكروهم لي ، و إن سألوا لا تذكروني عندهم أبدا
لا يملأ السربال واحدهم و له وعود تملأ البلدا
يا ليتني ضيّعت معرفتي من قبل أعرف منهم أحدا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:11 AM

[frame="8 98"]
( رثى بها فقيد اللغة و الأدب المرحوم الشيخ ابراهيم اليازجي )

- - - -

عدمت قلبي لم يعدم الجلدا و نال نفسي الردى إن لم تذب كمدا
آها و لو نفعت آه أخا شجن لم يبتع غيرها عند الأسى عضدا
آها و لو لم يكن خطب ألمّ بنا ما سطّرتها يدي في كاغد أبدا
ألمرء مجتهد و الموت مجتهد أن ليس يترك فوق الأرض مجتهدا
ساوى الرضيع به شاب مفرقه و العبد سيّده و الثعلب الأسدا
قد غادر الفضل بالأحزان منفردا من كان بالفضل دون الناس منفردا
مات ( البيان ) بموت ( اليازجّي ) فمن لم يبك هذا بكى هذا الذي فقدا
و الله ما ولدت حواء أطهر من هذا الفقيد فؤادا لا ولن تلدا
أين ( الضياء ) الذي زان البلاد كما يزين البدر في جنح الدّجى الجلدا ؟
أين اليراع الذي قد كان يطربنا صريره في أديم الطرس منتقدا ؟
و أين أين سجاياه التي حسدت يبكي الشقيق أخا والوالد الولدا
أقسمت ما اهتز فوق الطرس لي قلم إلاّ جعلت له دمعي البتيت مددا
و لا تخذت أخا في الدهر يؤنسني بعد الجليل سوى الحزن الذي وجدا


[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:12 AM

[frame="7 98"]
تبدّل قلبي من ضلالته رشدا فلا أرب فيه لهند و لا سعدى
و لم تخب نار الوجد فيه و لا انطوت و لكن هيامي صار بالأنفع الأجدى
و ما الزهد في شيء سوى حبّ غيره أشدّ الورى نسكا أشدهم وجدا
أحبّ سواي العيش لهوا وراحة و انكرته لهوا فأحببته كدّا
و ما دام في الدنيا سمو ورفعه فما أنا من يرضى و يقنع بالأردا
...

هو الموت أن نحيا شياها وديعه و قد صار كلّ الناس من حولنا أسدا
و أن نكتفي بالأرض نسرح فوقها و قد ملكوا من فوقنا البرق و الرعدا
و أن ينشروا في كلّ أفق بنودهم و أن لا نرى فوق السّماك لنا بندا
...

تأملت ماضينا المجيد الذي انقضى فزلزل نفسي أنّه انهار و انهدا
و كيف امّحت تلك الحضارات كلّها و صارت بلاد أنبتتها لها لحدا
و صرنا على الدنيا عيالا و طالما تعلّم منا أهلها البذل و الرفدا
و نحن الألى كان الحرير برودهم على حين كان الناس ملبسهم جلدا
...

إذا الأمس لم يرجع فإنّ لنا غدا نضيء به الدنيا و نملأها حمدا
و تلبسنا في الليل آفاقه سنا و تنشرنا في الفجر أنسامه ندّا
فإنّ نفوس العرب كالشهب ، تنطوي و تخفى ، و لكن ليس تبلى و لا تصدا
و مثل اللآلي لا يخيس جمالها و إن هي لم ترصف و لم تنتظم عقدا
إذا اختلفت رأيا فما اختلفت هوى ، أو افترقت سعيا فما افترقت قصدا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:13 AM

[frame="7 98"]
ليت الذي خلق العيون السودا خلق القلوب الخافقات حديد
لولا نواعسها و لولا سحرها ما ودّ مالك قلبه لو صيدا
عوّذ فؤادك من نبال لحاظها أو مت كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال و لم تهم كنت امرءا خشن الطباع ، بليدا
و إذا طلبت مع الصبابة لذّة فلقد طلبت الضائع الموجودا
يا ويح قلبي إنّه في جانبي و أظنّه نائي المزار بعيدا
مستوفز شوقا إلى أحبابه المرء يكره أن يعيش وحيدا
برأ الإله له الضلوع وقاية و أرته شقوته الضلوع قيودا
فإذ هفا برق المنى و هفا له هاجت دفائنه عليه رعودا
جشّمته صبرا فلمّا لم يطق جشّمته التصويب و التصعيدا
لو أستطيع وقيته بطش الهوى و لو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عرضت فصارت في الحشا نارا و صار لها الفؤاد وقودا
و الحبّ صوت ، فهو أنّه نائح طورا و آونة يكون نشيدا
يهب البواغم صدّاحة فإذا تجنّى أسكت الغرّيدا
ما لي أكلّف مهجتي كتم الأسى إن طال عهد الجرح صار صديدا
و يلذّ نفسي أن تكون شقيّة و يلذّ قلبي أن يكون عميدا
إن كنت تدري ما الغرام فداوني أو لا فخلّ العذل و التفنيدا
...

يا هند قد أفنى المطال تصبّري و فنيت حتّى ما أخاف مزيدا
ما هذه البيض التي أبصرتها في لمّتي إلاّ اللّيالي السودا
ما شبت من كبر و لكنّ الذي حمّلت نفسي حمّلته الفودا
هذا الذي أبلى الشباب وردّه خلقا وجعّد جبهتي تجعيدا
علمت عيني أن تسحّ دموعها بالبخل علمت البخيل الجودا
و منعت قلبي أن يقرّ قراره و لقد يكون على الخطوب جليدا
دلّهتني و حميت جفني غمضه لا يستطاع مع الهموم هجودا
لا تعجبي أنّ الكواكب سهّد فأنا الذي علّنتها التسهيدا
أسمعتها وصف الصبابه فانثنت و كأنّما وطيء الحفاة صرودا
متعثّرات بالظلام كأنّما حال الظلام أساودا و أسودا
و أنّها عرفت مكانك في الثرى صارت زواهرها عليك عقودا
أنت التي تنسى الحوائج أهلها و أخا البيان بيانه المعهودا
ما شمت حسنك إلاّ راعني فوددت لو رزق الجمال خلودا
و إذا ذكرتك هزّ ذكرك أضلعي شوقا كما هزّ انسيم بنودا
فحسبت سقط الطلّ ذوب محاجري لو كان دمع العاشقين نضيدا
و ظننت خافقة الغصون أضالعا و ثمارهن القانيات كبودا
و أرى خيالك كلّ طرفة ناظر و من العجائب أن أراه جديدا
و إذا سمعت حكاية من عاشق عرضا حسبتني الفتى المقصودا
مستيقظ و يظنّ أنّي نائم يا هند ، قد صار الذهول جمودا
و لقد يكون لي السلوّ عن الهوى لكنّما خلق المحبّ ودودا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:14 AM

[frame="9 98"]
نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى ، و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ، ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني ، وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا م حسان فإنّه غير جلمد
...

أأماني كلّها من تراب و أمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي و أمانيك للخلود المؤكّد !؟
لا . فهذي و تلك تأتي و تمضي كذويها . و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي . إذا مسّك ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟ و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟ و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟
فلك واحد يظلّ كلينا حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها و أنا مع خصاصتي لست أبعد
...

أنت مثلي من الثرى و إليه فلماذا ، يا صاحبي ، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت ، و لا ما كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟
...

ألك القصر دونه الحرس الشا كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا فوقه ، و الضباب أن يتبلّد
وانظر النور كيف يدخل لا يطلب أذنا ، فما له يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد مأوى و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي أترجى ، و منك تأبى و تجحد
...

ألك الروضة الجميلة فيها الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ، و لا فيك للغنى تتودّد
...

ألك النهر ؟ إنّه للنسيم الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي و هو باق في الأرض للجزر و المد
...

ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟ في أيّ دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟ ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ، و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى من كساء يبلى و مال ينفد

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:14 AM

[frame="11 98"]
(عرج صاحب الديوان في احدى سفراته على فندق فخم ، فلم ير إلا عجائز ، فقال : )

_ _ _

لمن يضوع العبير ؟ لمن تغنّي الطيور ؟
لمن تصفّ القناني ؟ لمن تصبّ الخمور ؟
و لا جمال أنيق و لا شباب نضير
بل موميات عليها أطالس و حرير
راحت تقعقع حولي فكاد عقلي يطير
ولاذ قلبي بصدري كأنّه عصفور
لاحت له في الأعالي بواشق و صقور
و قال : ضويقت فاهرب ! قلت : الفرار عسير
ما لي جناح و لا لي سيّارة أو بعير
صبرا ، فهذا بلاء مقدّر مسطور
و رحت أسأل ربّي و هو اللطيف الخبير
أين الحسان الصبايا إن كان هذا النشور ؟
ليت الحضور غياب و الغائبين حضور
بل ليت كلّ نسيج براقع و ستور
فقد أضرّ و آذى عينيّ هذا السفور
***

هذي العصور الخوالي تطوف بي و تدور
من كلّ شمطاء ولّى شبابها و الغرور
كأنّما الفم منها مقطّب مزرور
كيس على غير شيء من الحلى مصرور
مأنّما هو جرح مرّت عليه شهور
يا طالب الشهد أقصر لم يبق إلا القفير
كأنّما الوجه منها قد عضّه الزمهرير
كالبدر حين تراه يعينك " الناظور "
تبدو لعينيك فيه برازخ و بحور
و أنجد ووهاد لكنّه مهجور !
مثل المسنّ و لكن لا ماء فيه يمور
ما للبعوضة فيه قوت بل التضوير
و لا يؤثّر فيه ناب و لا أظفور
و لليدين ارتعاش و للعظام صرير
أما العيون فغارت و لا تزال تغور
مغاور ، بل صحارى ، بل أكهف ، بل قبور
و الخصر ؟ عفوا و صفحا ! كانت لهنّ خصور !
***

هنّ السعالى و لكن سعالهنّ كثير
حديتهنّ انتفاض و ضحكهنّ هرير
و مشيتهنّ ارتباك و تارة تقدير
يغضبن إن مال ظلّ و إن ضدا شحرور
و إن تهادت غصون و إن تسارى عبير
و إن تمايل عشب و إن تماوج نور
فكلّ شيء قبيح و كلّ شيء حقير
و كيف يفرح قلب رجاؤه مدحور ؟
ما للرماد لهيب ما للجليد خرير
***

من حولهنّ الأقاحي و الورد و المنثور
وهنّ مكتئبات كأنّهنّ صخور
لا يبتسمن لشيء أما لهنّ ثغور ؟
بلى ، لهنّ ثغور و إنّما لا شعور
كأنّما الحسن في الأر ض كلّه تزوير
***

في فندق أنا أم في جهنّم محشور ؟
و هل أنا فيه ضيف لساعة أم أسير
يا ليتني لم أزره و ليته مهجور
فليس يهنأ فيه إلاّ الأصمّ الضرير

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:15 AM

[frame="12 98"]
نسيت عهدي ، فلمّا جئتها زعمت أنّي تناسيت العهود
وادّعت أنّي خليّ زاهد أنا لو كنت كذا كنت سعيد
رغبت في الصدى عنّي بعدما بتّ لا يحزنني مثل الصدود
مثلما أنكر ثغري خدّها أنكرت فاتنتي تلك الوعود
يا شهودي عندما كنّا معا ذكّوها ...أين أنتم يا شهود ؟
سكت البدر الذي راقبنا وذوت في الروض هاتيك الورود
و مشيت ريخ الصبا حائرة في المغاني حيرة الصبّ العميد
يا هواها قل متى تتركني قال أو تصفرّ هاتيك الخدود
أنا لا أدعو عليها بالضنى أتّقي أن يشمت القالي الحسود ....

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:16 AM

[frame="12 98"]
يا من قربت من الفؤاد و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان وجوده ضرر الوجود

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:17 AM

[frame="9 98"]
طوي العام كما يطوي الرقيم و هوى في لجّة الماضي البعيد
*

لم يكن ... بل كان لكن ذهبا وانقضى حتّى كأن لم يكن
لو درى حين أتى المنقلبا لتمنّى أنّه لم يبن
أيّ نجم شارق ما غربا أي قلب خافق لم يسكن
جاهل من حسب الآتي يدوم أحمق من حسب الماضي يعود
*

ما لنا يأخذ منّا الطرب كلّما عام تلاشى واضمحل
أفرحنا أنّنا نقترب من غد ؟ إنّ غدا فيه الأجل
عجب هذا و منه أعجب إنّنا نفنى و لا يفنى الأمل
فكأنّا ما سمعنا بالحتوم أو كأنّا قد نعمنا بالوجود
*

يا رعاه الله من عام خلا فلقد كان سلاما و أمان
صافح الجحفل فيه الجحفلا واستراح السيف فيه و السنان
ما انجلى حتى رأى النقع انجلى و خبت نار الوغى في " البلقان "
لست أنسى نهضة الشعب النؤوم إنّ فيها عبرة للمستفيد
*

و التقى البحران فيه بعدما مرّت الأجيال لا يلتقيان
أصبح السّدّ الذي بينهما ترعة يزخر فيها الأزرقان
فلتندم " آميركا ) ما التطما ما لهذا الفتح في التاريخ ثان
و لتعيش رايتها ذات النجوم أجمل الرايات أولى بالخلود !
*

واعتلى الناس به متن الهواء فهم حول الدراري يمرحون
يمخر المنضاد فيهم في الفضاء مثلما يمخر في البحر السفين
معجزات ما أتاها الأنبياء لا ولم يطمح إليها الأقدمون
سخّر العلم لهم حتّى الغيوم فهم ، مثلهم ، فوق الصعيد
*

حلّق الغربيّ فوق السموات و لبثنا نندب الرسم المحيل
فاذا ما قال أهل المكرمات ما وجدنا ، و أبيكم ، ما نقول
لو فقهنا مثلهم معنى الحياة ما أضعناها بكاء في الطلول
ألفت أنفسنا الضيم المقيم مثلما يستعذب الظبي الهبيد ! .
*

أدركت غايتها كلّ الشعوب نهض الصيني و ما زلنا نيام
عبثت فينا الرزايا و الخطوب مثلما يعبث بالحرّ اللّئام
صودر الكاتب منّا و الخطيب منعت ألسننا حتّى الكلام
نحن في الغفلة أصحاب الرقيم نحن في الذّلّة إخوان اليهود
*

ليت أنّا حين مات الشّمم لحقت أرواحنا بالغابرين
ما تمرّدنا على من ظلموا لا ولم نفكك وثاقا عن سجين
ليس يمحو عارنا إلاّ الدّم فالى كم نذرف الدمع السخين ؟
قام فينا ألف جبّار غشوم غير أنّا لم يمت منّا شهيد
*

يا لقومي بلغ السيل الزبى واستطال البغي و استشرى الفساد
فاجعلوا أقلامكم بيض الظبى و استعيروا من دم الباغي المداد
كتب السيف ...اقرأوا ما كتبا لا ينال المجد إلاّ بالجهاد
أي رجال الشرق أبناء القروم لا تناموا .آفة الماء الركود!!!

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:17 AM

[frame="10 98"]
( رثى بها المغفور له الامام الحكيم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية )

- - -

هيهات بعدك ما يفيد تصبّر و لئن أفاد فأيّ قلب يصبر ؟
إنّ البكاء من الرجال مذمّم إلاّ عليك فتركه لا يشكر
لو كان لي قلب لقلت له ارعوي إنّي بلا قلب فإنّي أزجر
لا زمت قبرك و البكاء ملازمي و اللّيل داج و الكواكب سهّر
أبكي عليك بأدمع هطّالة و لقد يقل لك النجيع الأحمر
ووددت من شجوي عليك و حسرتي لو أن لحدك في فؤادي يحفر
إنّي لأعجب كيف يعلوك و حسرتي لو ان لحدك في فؤادي يحفر
أمسيت مستترا به لكنّما آثار جودك فوقه لا تستر
مرض الندى لمّا مرضت و كاد أن يقضي من اليأس الملمّ المعسر
يرجوط أنّك جابر كسره فإذا فقدت فكسره لا يجبر
و علت على تلك الوجوه سحابة كدراء لا تصفو و لا تستمطر
كم حاولوا كتم الأسى لكنّه قد كان يخترق الجسوم فيظهر
حامت حواليك الجموع كأنّما تبغي وقاء الشرق مما يحذر
و الكلّ يسأل كيف حال إمامنا ماذا رأى حكمائنا ، ما أخبروا ؟
و الداء يقوى ثم يضعف تارة فكأنّه يبلو القلوب و يسبر
أوردته عذبا فأوردك الردى تبّت يداه فذنبه لا يغفر
هيهات ما يثني المنيّة جحفل عمّن تؤم و لا يفيد العسكر
رصد الردى أرواحنا حتى لقد كدنا نعزّي المرء قبل يصور
نهوى الحياة كأنّما هي نعمة و سوى الفواجع حبّها لا يثمر
و نظنّ ضحك الدهر فاتحة الرضى و الدهر يهزأ بالأنام و يسخر
أفقيد أرض النيل أقسم لو درى بالخطب أوشك ماؤه يتهسّر
و ضعوك في بطن التراب و ما عهد ت البحر قلبك في الصفائح يذخر
ورأوا جلالك في الضريح فكلّهم يهوى و يرجو لو مكانك يقبر
لم تخل من أسف عليك حشاشة أبدا فيخلو من دموع محجر
آبو و ما آب العزاء إليهم و الحزن ينظم و المدامع ينشر
و الكلّ كيف يكون حال بلادهم من بعد ما مات الإمام يفكّر
لم يبلنا هذا الزمان بفقده لو كان ممّن بالرزية يشعر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:18 AM

[frame="11 80"]
إن كان ذنبي دفاعي عن حقوقكم فلست أدري وربّي كيف أعتذر
أعيذكم أن يقول الناس قد مدحوا فما أثابوا على قول و لا شكروا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:27 AM

[frame="10 98"]
و تينة غضة الأفنان باسقة قالت لأترابها و الصيف يحتضر
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني عندي الجمال و غيري عنده النظر "
" لأحبسنّ على نفسي عوارفها فلا يبين لها في غيرها أثر "
" كم ذا أكلّف نفسي فوق طاقتها و ليس لي بل لغيري الفيء و الثمر "
" لذي الجناح و ذي الأظفار بي وطر و ليس في العيش لي فيما أرى وطر "
" إنّي مفصلة ظلّي على جسدي فلا يكون به طول و لا قصر "
و لست مثمرة إلا على ثقة إن ليس يطرقني طير و لا بشر "
....

عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه فازّينت واكتست بالسندس الشجر
و ظلّت اتينة الحمقاء عارية كأنّها وتد في الأرض أو حجر
و لم يطق صاحب البستان رؤيتها ، فاجتثّها ، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به فإنّه أحمق بالحرص ينتحر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:28 AM

[frame="8 98"]
وقفت ضحى في شاطيء النيل وقفة يضنّ بها إلاّ على النيل شاعره
تهلّل حتى يبدو ضميره و عبّس حتى كاد يشكل ظاهره
فثمّ جلال يملأ النفس هيبة و ثمّ جلال يملأ العين باهره
فطورا أجيل الطرف في صفحاته و طورا أجيل الطرف فيما يجاوره
و ألحظ شمس الأفق و هي مطله تساير فيها ظلّها إذ تسايره
فأحسبها فيه تساهمني و تحسبني فيها الغرام أشاطره
إذا هي ألقت في حواشيه نورها رأى التبر يجري في حواشيه ناظره
أطالت به لاتحديق حتى كأنّما تحاول منه أن تبين سرائره
فيا لهما إلفين باتا بعزل يخامرها من حبّه ما يخامره
يروح النسيم الرّطب في جنباته يداعبه طورا و طورا يحاوره
و تقبض من مبسوطه نفحاته كما قبض الثوب المطرّز ناشره
فيصدف عنه و هو مقطب كأنّ عدوّا بالنسيم يحاذرة
كأنّي به تدانت سطوره أوائله قد شكّلت و أواخره
إذا ما جلا للناظرين رموزه تجلّى لهم ماضي الزمان و حاضره
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا لعلّ شفاء النفس ما أنت ذاكره
حيالك صبّ بالخطوب مهدّد جوانحه رهن الهموم و خاطره
أطاع شجونا لو أطاع فؤاده عليها لفاضت بالنجيع محاجره
يحثّ إليّ الدهر كلّ رزيئة على عجل حتى كأنّي واتره
و ما أنا بالعبد الذي يرهب العصا و لكنّني حرّ تروع بوادره
أيا نيل فامنحني على الحقّ قوّة فما سوّد الضرغام إلاّ أظافره
و هبني بأسا يسكن الدهر عنده فقد طالما جاشت عليّ مناخره
إذا لم تكن عون الشجيّ على الأسى فخاذله فيه سواء و ناصره
قني البأس وامنع شعبك الضّعف يتّقي و ينصفه من حسّاده من يناكره
هو الدهر من ضدّين ذلّ و عزّة فمن ذلّ شاكيه و من عزّ شاكره
و للقادر الماضي العزيمة حلوة و للعاجز الواهي الشكيمة حازره
و ما للناس إلا القادرون على العلى و ليست صنوف الطير إلاّ كواسر
ألم تره منذ استلينت قناته تمشّت
فأرهق حتى ما يبين كلامه و قيّد حتى ليس تسري خواطره
و لو ملكوا الأقدار استغفر الذي له الملك يؤتيه الذي هو آثره
لما تركوا شمس النهار يزوره سناها ، و لا زهر النجوم تسامره
يريدون أن يبقى و يذهب مجده و كيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟
فغورست في مصر يسدّد سهمه إليه و قنّاص الوحوش يضافره
يلجّون في إعناته فإذا شكا يصيحون أنّ الشعب قد ثار ثائره
لقد هزأوا لما تنّبه بعضه فلم ذعروا لما تنبّه سائره ؟
يقولون جان لا يحلّ فكاكه و لو أنصفوه حمل الإثم أسره
عجبت لقوم ينكرون شعوره و هاتا مجاليه و تلك مظاهره
ألم يك في يوم القناة ثباته دليلا على أن ليس توهى مرائره ؟
يعزّ على المصريّ أن يحمل الأذى و حاضره يأبى الهوان و غابره
لئن تك للتاريخ و الله زينة فما زينة التاريخ إلاّ مفاخره
رعى الله من أبنائه من يذود عن حماه ، و من أضيافه من يظاهره
هم بعثوا فيّ الحياة جديده فشدت أواخيه و عزّت أواصره
و هم أسمعوا الأيّام صوتا كأنّما هو الرعد تدوي في السماء زماجره
و هم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت مكبلة أقلامه و محابره
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصرا فلن يعدم المظلوم حرا يناصره

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:28 AM

[frame="9 98"]
لا تسل أين الهوى و الكوثر سكت الشّادي وبحّ الوتر
فجأة ...وانقلب العرس إلى مأتم ...ماذا جرى ؟ ...ما الخبر ؟
ماجت الدّار بمن فيها ، كما ماج نهر ثائر منكدر
كلّهم مستفسر صاحبه كلّهم يؤذيه من يستفسر
همس الموت بهم همسته إنّ همس الموت ريح صرصر
فإذا الحيرة في أحداقهم كيفما مالوا و أنّى نظروا
علموا ...يا ليتهم ما علموا أنّ دنيا من رؤى تحتضر !
و الذي أطربهم عن قدرة بات لا يقوى و لا يقتدر
يبس الضحك على أفواههم فهو كالسخر و إن لم يسخروا
و إذا الآسي ...يد مخذوله و محيّا ، اليأس فيه أصفر
شاع في الدّار الأسى حتّى شكت أرضها و طأته و الجدر
فعلى الأضواء منه فتره و على الألوان منه أثر
و القناني صور باهته و الأغاني عالم مندثر
ألهنا أفلت من أيديهم و الأماني .. ؟ .. إنّها تنتحر
ذبحت أفراح في لمحة قوّة تجني و لا تعتذر
تقلع النّبت الذي تغرسه و الشّذا فيه ، و فيه الثمر
إعبثي ما شئت يا دنيا بنا و تحكّم ما تشاء يا قدر
إن نكن زهرا فما أمجدنا أو نكن شوكا فهذا الخطر
فلنعش في الأرض زهرا و ليطل أجل الشّوك الذي لا يزهر
...

رحل الشاعر عن دار الأذى و انقضت معه الليالي الغرر
كم حوته و حواها ملكا دولة الروح التي لا تقهر
عاش لا ينكر إلاّ ذاته إنّ حبّ الذات شيء منكر
شاعر ، أعجب معنى صاغه للبرايا ... موته المبتكر
الجمال الحقّ ما يعبده و الجمال الزّور ما لا يبصر
و الحديث الصفو ما ينشره و الحديث السوء ما يختصر
إنّه كان " ملاكا " بشرا فمضى عنّا الملاك البشر
و نفوس الخلق إمّا طينة لا سنا فيها و إمّا جوهر
...

يا رفيقي ! ما بلغت المنتهى ليست الحدّ الأخير الحفر
فاعبر النهر إلى ذاك الحمى حيث " جبران " العميد الأكبر
" و رشيد " نغمة شادية " و نسيب" نغم مستبشر
" و جميلب " فكرة هائمة " و أمين " أمل مخضوضر
قل لهم إنّا غدونا بعدهم لا حديث طيّب ، لا سمر
كسماء ليس فيها أنجم أو كروض ليس فيه زهر
كلّنا منتظر ساعته و المصير الحقّ ما ننتظر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:29 AM

[frame="10 98"]
قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى علم و أغمد صارم بتّار
فتوشّت صور المنى و تناثرت كالزّهر بدّد شملها الإعصار
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء لمّا تولّى ذلك الجبّار
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما قد غاب عنها جحفل جرّار
و بكت " فلسطين " به قيدومها إنّ الرزايا بالكبار كبار
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا شرفت خلائقه و طاب نجار
...

لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس كالنجم لم تعلق به الأوضار
و مشى المشيب برأسه فإذا به كالحقل فيه الزهر و الأثمار
و تطاولت أعوامه ، فإذا به كالطود فيه صلابة ووقار
ترتدّ عنه العاصفات كليلة ويزلّ عنه العارض المدرارا
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن إنّ الكريم على الأذى صبّار
صقلت مكافحة الشدائد نفسه و الروض تجلو حسنة الأمطار
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى إقدامه ، إذ للفتى أوطار
يتهيّب الفجّار صدق يقينه و برأيه يسترشد الأحرار
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى كاللّيث ريع فما له استقرار
و يجشّم النفس المخاطر هادئا كيلا تلمّ بقومه الأخطار
حتى استقرّ به الردى في حفرة و خلا ، لغير جواده ، المضمار
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره تطويه في عرض الثرى أشبار !
...

أيّار مذكور بحسن صنيعه ولئن تولّى وانقضى أيّار
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم " تسبغ عليك ثناءها الأمصار
إنّ السنين كقليلها إن لم تزن صفحاتها الآثار
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى برد الشبيبة كالجمال معار
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد فلقد يجيء غد و أنت غبار
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى و لغيرك الآصال و الأسحار
من ليس يفتح للنهار جفونه هيهات يكحل مقلتيه نهار
...

واحبب بلادك مثل " موسى كاظم " حبّا به الإخلاص و الإيثار
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر إن اتّجارك بالمواطن عار
ودع المنافق لا تثق بعهوده وطن المنافق فضّة و نضار
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده آل ، و خير هباته الأعذار
يدنو إليك بوجهه متودّدا و فؤاده بك هازيء سخّار
هو حين يجري مع هواه خائن و إذا سمت أخلاقه سمسار
كم معشر خلناهم أنصارنا فإذا هم لعداتنا أنصار
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى ألصاحب المتذبذب الخوّار
وحذار أشراك السياسة إنّها بنت أبوها الزئبق الفرّار
فيها من الرقطاء ناقع سمّها و لها نيوب الذئب و الأظفار
ترد المناهل و هي ماء سائغ و تعود عنها و المناهل نار
ألكذب و التمويه خير صفاتها و شعارها أن لا يدوم شعار
لا تطلبنّ من السياسة رحمة هي حيث طلّ دم و حلّ دمار
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم فالصيد أنت و لحمك المختار
يا قومنا !.. إنّ العدوّ ببابكم بئس المغير على البلاد الجار
و له بأرضكم طماعة أشعب و رواغه ، و لكيده استمرار
لا ترقدوا عنه فليس براقد أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟
إنّ الطيور تذود عن أوكارها أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
سيروا على آثار موسى و اعملوا إن شئتم أن لا تضيع ديار
زوروا ثراه قوّة منه فكم أحيا الهوى التذكار
قبر يفوح الطيب من جنباته قبر الكريم خميلة معطار
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة أرجت كأنّ حجارة أزهار

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:30 AM

[frame="6 98"]
لم يبرح الروض فيه الماء و الزهر و لم يزل في السماء الشمس و القمر
لكنها الآن في أذهاننا صور شوهاء لا القلب يهواها و لا النظر
قد انطوى حسنها لمّا انطوى الشاعر

*

قل للمغنّي الذي قد غصّ بالنغم إنّي نظيرك قد خان الكلام فمي
و مثل ما بك بي من شدّة الألم أما العزاء فشيء زال كالحلم
كيف السبيل إلى خمر و لا عاصر !

*

مضى الذي كان في البلوى يعزّينا و كان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا
و يسكب السّحر أنغاما و يسقينا مضى " نسيب " النبيّ المصطفى فينا
و صار جسما رميما في يد القابر

*

كم جاءنا في اللّيالي السود بالألق و بالندى من حواشي القفر و العبق
و بالأغاني و ما من صادح لبق و إنّما هو سحر الحبر و الورق
السحر باق و لكن قد مضى الساحر !

*

كالشمس يسترها عند المسا الغسق و نورها في رحاب الأرض منطلق
تذوي الورود و يبقى بعدها العبق حتى لمن قطفوا منها و من سرقوا
كم عالم غابر في عالم حاضر

*

إن كان مات " نسيب " كالملايين من العبيد الموالي و السلاطين
فالحيّ في هذه الدنيا إلى حين لكن نسيب إلى كلّ الأحايين
و إن نأى و سما للعالم الطاهر

*

لسوف يرجع عطرا في الرياحين أو نسمة تتهادى في البساتين
أو بسمة في ثغور الخرّد العين فالموت ما هدّ إلاّ هيكل الطين
لا تحزنوا فنسيب غائب حاضر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:31 AM

[frame="5 98"]
آه من الحبّ كلّه عبر عندي منه الدموع و السهر
وويح صرعى الغرام إنّهم موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا
يمشون في الأرض ليس يأخذهم زهو و لا في خدودهم صعر
لو ولج الناس في سرائرهم هانت ، و ربّي ، عليهم سقر
ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا عهدا ، و لا مالا و لا غدروا
قد حملوا الهون غير ما سأم لولا الهوى للهوان ما صبروا
لم يبق منّي الضّنى سوى شبح يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
أمسي و سادي مشابها كبدي كلاهما النار فيه تستعر
أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة مثلي فيه القتاد و الإبر
لعلّ طيفا من هند يطرقني فعند هند عن شقوتي خبر
ما بال هند عليّ غاضبة ما شاب فودي و ليس بي كبر
ما زلت غضّ الشباب لا وهن يا هند في عزمتي و لا خور
لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا أن يفسدوا بيننا و قد قدروا
واها لأيّامنا ... أراجعة ؟ فانّهن الحجول و الغرر
أيّام لا الدهر قابض يده عنّي ، و لا هند قلبها حجر
***

لم أنس ليلا سهرته معها تحنو علينا الأفنان و الشجر
غفرت ذنب النّوى بزورتها ذنب النوى باللقاء يغتفر
بتنا عن الراصدين يكتمنا الأسودان : الظلام و الشعر
ثلاثة للسرور ما رقدوا أنا و أخت المهاة و القمر
فما لهذي النجوم ساهية ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ ...
إن كان صبح الجبين روّعها فإنّ ليل الشعور معتكر
أو انتظام العقود أغضبها فإنّ درّ الكلام منتثر
و ما لتلك الغصون مطرقة كأنّها للسلام تختصر
تبكي كأنّ الزمان أرهقها عسرا ، و لكن دموعها الثمر
طورا على الأرض تنثني مرحا و تارة في الفضاء تشتجر
فأجلفت هند عند رؤيتها و قد تروع الجآذر الصور
هيفاء لو لم تلن معاطفها عند التثنّي خشيت تنكسر
من اللّواتي – و لا شبيه لها – يزينهنّ ادلال و الخفر
في كل عضو و كل جارحة معنى جديد للحسن مبتكر
تبيت زهر النجوم طامعة لو أنّها فوق نحرها درر
رخيمة الصوت إن شدت لفتت لها الدّراري و أنصت السحر
أبثّها الوجد و هي لاهية أذهلها الحبّ فهي تفتكر
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا و ما أثمنا و لا بنا وزر
فابتدرت هند و هي ضاحكة : ماذا علينا و إن هم كثروا
فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا و استشعروا الحبّ مثلما عذروا
ما جحد الحبّ غير جاهله أيجحد الشمس من له بصر ؟
ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا و لا تلمهم فما هم بشر !
سرنا الهويناء ما بنا تعب و قد سكتنا و ما بنا حصر
لكنّ فرط الهيام أسكرنا و قبلنا العاشقون كم سكروا
فقل لمن يكثر الظنون بنا ما كان إلاّ الحديث و النظر
حتّى رأيت النجوم آفلة و كاد قلب الظلام ينفطر
ودّعتها و الفؤاد مضطرب أكفكف الدمع و هو ينهمر
وودّعتني و من محاجرها فوق العقيق الجمان ينحدر
قد أضحك الدهر ما بكيت له كأنّما البين عنده وطر
كانت ليالي ما بها كدر و الآن أمست و كلّها كدر
إن نفد الدمع من تذكّها فجادها بعد أدمعي المطر
عسى اللّيالي تدري جنايتها على قتيل الهوى فتعتذر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:31 AM

[frame="8 98"]
سلام عليها طفلة و فتيّة كزهر الربى البسّام باكره القطر
كعاب تلاقى الحسن و الفضل عندها كما يلتقي في الصفحة السّطر و السطر
لها صولة الأبطال إن حمس الوغى و فيها حياء البكر عمّا به وزر
و فيها من الشيخ الحكيم وقارة و فيها من الخود الملاحة و الطهر
ألا إنّ حسنا لا يرافقه النّهى و إن دام يوما لا يدوم له قدر
....

هي الروض فيه النبت و الندّ و الندى و فيه الشوادي المطرباتك و الزهر
هي الشمس تبدو كل يوم جديدة يروح بها ليل و يأتي بها فجر
لكلّ فتاة خدرها و سوارها و لكنّ هذي كلّ قلب لها خدر
يريد سناها الطيّ و النشر رونقا و يخلق حتّى المصحف الطيّ و النشر
أنيس الفتى إن غاب عنه أنيسه و أنجمه إن غابت الأنجم الزهر
و سفر تلذّ المرء محتوياته إذا لم يكن في البيت ناس و لا سفر
إذا رضيت فالنور في كلماتها و إن غضبت فهي الأسنّة و الجمر
و في كلّ حرب يعقد الحقّ فوقها أكاليل نصر يشتهي مثلها البدر
و لا غرو إن عزّت وهان خصومها فللحقّ مهما جعجع الباطل ، النصر
فكم مرجف أغراه فيها سكوتها فلمّا أهابت كاد يقتله الذعر
و كم كاشح غاو أراد بها الأذى ثنى طرفه عنها و في نفسه الضرّ
لها في ربوع الشرق جيش عرمرم و أعوانها في الغرب ليس لهم حصر
و لو كان في المرّيخ أرض و أمّة لكان لها في أرضه عسكر مجر
لتسحب ذيول الفخر تيها فوحدها يحقّ لها ما بين أترابها الفخر
و لا غرو إن أهدى لها الشعر وحيه فيا طالما سارت و سار بها الشهر
و لا غرو إن صغنا لها النثر حلية " ففي عنق الحسناء يستحسن الدرّ "
و إن يكن الأحرار من نصرائها فكم نصر الأحرار صاحبها الحرّ
أديب عفيف قلبه و يراعه بغيض إليه الطيش و الفيش و الهجر
ثمان و عشر و هو يخدم قومه ألا حبّذا تلك الثّمانيّ و العشر
ففي العسر لم يجهر بشكوى لسانه و في اليسر لم يلعب بأعطافه الكبر
وشرّ المزايا أن يصيبك حادث و تجهر بالشكوى و في وسعك الصّبر
أهذا كمن يمسي و يضحي معربدا و قدّمه طبل و من خلفه زمر ؟
أهذا كمغتاب يروح و يغتدي و في نطفة شرّ و في صمته شرّ ؟
أهذا كمفطور على الشرّ و الأذى أحاديثه نكر و أعماله نكر ؟
أهذا كأفعى همّها نفث سمّها و نهش الذي تلقى و لو أنّه صخر
أكمن إلى الوزر عامدا و يضحك مختالا إذا مسّه الوزر ؟
أهذا الذي قد حارب المكر جهده كمن شاب فوداه و ديدنه المكر ؟
إذا الدهر لم يعرف لكلّ مكانه إذن قل لأهل الدهر قد فسد الدهر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:32 AM

[frame="6 98"]
عندي لكم نبأ عجيب شيّق سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة و مضت ، فأكملت الحديث صخوره :
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى مرخيّة فوق العباب ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامه و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه فسها ، فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته ، و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله و بشيره ، و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب إلّا الذي لك قبلنا تدبيره

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:33 AM

[frame="1 98"]
" أيّار " ، يا شاعر الشهور و بسمة الحبّ في الدهور
و خالق الزهر في الروابي و خالق العطر في الزهور
و باعث الماء ذا خرير و موجد السحر في الخرير
و غاسل الأفق و الدراري و الأرض بالنور و العبير
لقد كسوت الثّرى لباسا أجمل عندي من الحرير
ما فيك قرّ و لا هجير ذهبت بالقرّ و الهجير
فلا ثلوج على الروابي و لا غمام على البدور
أتيت فالكون مهرجان من اللّذاذات و الحبور
أيقظت في الأنفس الأماني و الابتسامات في الثغور
و كدت تحيي الموتى البوالي و تنبت العشب في الصخور
و تجعل الشوك ذا أريج و تجعل الصخر ذا شعور
فأينما سرت صوت بشرى و كيفما ملت طيف نور
تشكو إليك الشتاء نفسي و ما جناه من الشرور
كم لذّع الزّمهرير جلدي و دبّ حتى إلى ضميري
فلذت بالصوف أتّقيه فاخترق الصوف كالحرير
و كم ليال جلست وحدي منقبض الصدر كالأسير
يهتزّ مع أنملي كتابي و يرجف الحبر في السطور
تعول فيها الرياح حولي كنائحات على أمير
و الغيث يهمي بلا انقطاع ، و الرعد مستتبع الزئير
و اللّيل محلولك الحواشي و صامت البدء و الأخير
و الشهب مرتاعة كطير مختبئات من الصقور
في غرفتي موقد صغير لله من موقدي الصغير !
يكاد ينقدّ جانباه من شدّة الغيظ لا السعير
لولا لظاه رقصت فيها بغير دفّ على سريري
و ساعة وجهها صفيق كأنّه وجه مستعير
أبطأ في السير عقرباها فأبطأ الوقت في المسير
حتّى كأنّ الزمان أعمى يمشي على الشوك في الوعور
كنّا طوينا المنى و قلنا : ما للأماني من نشور
فلو يزور الصدور حلم عرّج منها على قبور
لقد تولّى الشتاء عنّا فصفّقي ، يا منى و طيري !

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:34 AM

[frame="2 98"]
تأمّل في أمسه الدابر فكاد يجنّ من الحاضر
أهاج التذكّر أشجانه و كم للسعادة من ذاكر .
فتى كان أنعم من جاهل فأصبح أتعس من شاعر
أضاع الغنى و أضاع الصحاب و ربّ مريض بلا زائر
و يا طالما أحدقوا بالفتى كما تحدق الجند بالظافر
فلما انقضى مجده أعرضوا و ما الناس إلا مع القادر
و ما الناس إلا عبيد القوي فكن ذاك أو كن بلا شاكر
أشدّ من الدهر مكرا بنوه فويل لمن ليس بالماكر
فكن بينهم خاتلا غادرا و لا تشتك الغدر من غادر
تعيس تعانقه النائبات عناق الحبائل للطائر
كثير الهموم بلا ناصر كسير الفؤاد بلا جابر
قضى ليله ساهيا ساهرا إلى كوكب مثله ساهر
يفتّش عن آفل في الثّرى و ما كان في الأفق بالسافر
و تالله يجدي فتى بائسا كلام المنجّم و الساحر
و لمّا تولّت دراري السماء و غاب الهلال عن الناظر
بكى ، ثمّ صاح أحتّى النجوم تصدّ عن الرجل العاثر ؟
إلى م أعاند هذا الزمان عناد السفينة للزاجر
و أدعو و ما ثمّ من سامع ، و أشكو ، و لكن إلى ساخر
و أرجو الوفاء و تأبى النفوس و أنّى الولادة للعاقر
سئمت الحياة فليت الحمام يعيد إلى أصله سائري
فتنطلق النّفس من سجنها و يسجن تحت الثّرى ظاهري
وزاد سواد الدّجى يأسه وقد كاد يسفر عن باهر
فشاء التخلّص من دهره الخؤون ، و من عيشه الحازر
فأغمد في صدره مديه أشدّ مضاء من الباتر
و كم مثله قد قضى نحبه شهيد التّأمل في الغابر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:35 AM

[frame="6 98"]
هات اسقني بالقدح الكبير صفراء لون الذهب المصهور
كأنّها في كؤوس البلّور شعلة نار في بقايا نور
*

عجبت للكأس التي تحويها كيف استقرّت و الحياة فيها
لو لم يدرها بيننا ساقيها دارت على القوم بلا مدير
*

هات اسقنيها مثل عين الديك صافية تنهض بالصّعلوك
حتّى يرى التّيه على الملوك و لا يبالي سطوة الأمير
*

بنت الدّوالي ضرّة الرضاب أخت التّصافي زوجة السحاب
أنت ، و إن لام الورى شرابي في الخالدين : القرّ و الهجير
*

أشربها بل أشرب الإكسيرا تخلق في شاربها السّرورا
فقل لمن يحسبها غرورا ما العيش إلاّ ساعة الغرور

[/frame]


صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:36 AM

[frame="8 98"]
من سحر من مجيري يا ضرّة الرّشا الغرير
جسم كخصرك في النحو ل ، و مثل جفنك في الفتور
أصبحت أضأل من هلا ل الشكّ في عين البصير
محق الضّنى جسدي فيت من الهلاك على شفير
و مشى الرّدى في مهجتي الله في النفس الأخير
جهل النّطاسي علّتي لله من جهل الخبير
كم سامني جرع الدّوا ء و كم جرعت من المرير
دع ، أيّها الآسي ، يدي الحبّ يدرك بالشعور
يدري الصّبابة و الهوى من كان في البلوى نظيري !..
***

لو تنظرين إليّ كالمي ت المسجّى في سريري
يتهامس العوّاد حو لي كلّما سمعوا زفيري
و أظنّهم قد أدركوا لا أدركوا ما في ضميري
فأبيت من قلقي عليك كأنني فوق السّعير
و أدرت طرفي في الحضو ر لعلّ شخصك في الحضور
فارتدّ يعثر بالدمو ع تعثّر الشيخ الضرير
قد زارني من لا أحب (م) و أنت أولى أن تزورني
صدّقت ما قال الحوا سد فيّ من هجر و زور
و أطعت بي حتّى العدى و ضننت حتّى باليسير
أمّا خيالك ، يا بخيلة ، فهو مثلك في النفور
روحي فداؤك و هي لو تدرين تفدي بالكثير
تيهي على العاني كما تاه الغنيّ على الفقير
أنا لا أبالي بالمصير و أنت أدرى بالمصير
أهواك رغم معنفي و يلذّ نفسي أن تجوري
ليس المحبّ بصادق حتّى يكون بلا غدير
***

كم ليلة ساهرت فيها النجم أحسبه سميري
و الشّهب أقعدها الونى و اللّيل يمشي كالأسير
أرعى البدور و ليس لي من حاجة عند البدور
متذكّرا زمن الصّبى زمن الغواية و الغرور
أيّام أخطر في المجا مع و المعاهد كالأمير
أيّام في يدي أيّام نجمي في ظهور
لمع الفتير بلمّتي و يل الشباب من القتير
***

لا بالغوير و لا النّقا كلفي و لا أهل الغوير
أرض ( الجزيرة ) كيف حا لك بعد وقع الزمهرير
نزل الشّتاء فأنت ملعب كلّ ساقيه دبور
و تبدّلت تلك العرا ص من النّضارة بالدّثور
أمسيت كالطّلل المحيل و كنت كالرّوض النّضير
آها عليك و آه كيف نأتك ربّات الخدور
المائسات عن الغصو ن السافرات عن البدور
الذّاهبات مع النّهو د الذاهبات مع الصدور
الحاسرات عن السوا عد و الترائب و النحور
القاسيات على القلو ب الجانيات على الخصور
المالكات على اللآ ليء في القلائد و الثغور
الضاحكات من الدّلا ل اللّاعبات من الحبور
الآخذات قلوبنا في زيّ طاقات الزهور
بيض نواعم كالدمى يرفلن في حلل الحرير
مثل الحمائم في الودا عه و الكواكب في السّفور
من كلّ ضاحكة كأنّ بوجهها وجه البشير
أنّى أدرت الطّرف فيها جال في قمر منير
***

يا مسرح العشّاق ، كم لي فيك من يوم مطير
تنسى البريّة عنده يوم الخورنق و السّدير
و لكم هبطتك و الحبيبة فازعين من الهجير
في زورق بين الزّوا رق كالحمامة في الطّيور
متمهّل في سيره و الماء يسرع في المسير
و الشمس إبّان الضحى و الجوّ صاف كالغدير
و لكم وثبنا في التلا ل و كم ركضنا في الوعور
و لكم أصحنا للحفيف و كم شجينا بالخرير
و لكم جلسنا في الرياض و كم نشقنا من عبير
و لكم تبرّدنا بما ء نهيرك الصافي النمير
طورا ننام على النبا ت و تارة فوق الحصير
لا نتّقي عين الرّقي ب و لا نبالي بالغيور
فكأنّها و كأنّني الأبوان في ماضي العصور
حسدت عليّ من الإنا ث كما حسدت من الذكور
ظنّ الأنام الظنو ن و ما اجترحنا من نكير
قد صان بردتها الحيا ء ، و صانني شرفي و خيري
***

و مطيّة رجراجة لا كالمطيّة و البعير
ما تأتلي في سيرها صخّابة لا من ثبور
تجري على أسلاكها جرى الأراقم في الحدور
طورا ترى فوق الجسو ر و تارة تحت الجسور
آنا على قمم و آ نا في كهوف كالقبور
ترقى كما ترقى ( المصا عد ) ثمّ تهبط كالصخور
فإذا علت حسب الورى أنّا نصعّد في الأثير
و إذا هوت من حالق هوت القلوب من الصدور
و الركب بين مصفّق و مهلّل جذل قرير
أو خائف متطيّر أو صارخ أو مستجير
هي في التّقلّب كالزّما ن و إنّما هي للسرور
و مدارة في الجو يحسبها الجهول بلا مدير
لو شئت نيل النجم منها ما صبوت إلى عسير
مشدودة لكنّها أجرى من الفرس المغير
زفّافة زفّ الرئا ل تسف إسفاف النسور
و لها حفيف كالرّيا ح و هدرة لا كالهدير
كالأرض في دورانها و لكالمظلّة في النشور
القوم فيها جالسو ن على مقاعد من وثبر
و الريح تخفق حولهم و كأنّما هم في قصور
و الجمع يهتف كلّما مرّت على الحشد الغفير
***

و لكم تأمّلنا الجمو ع تموج كالبحر الزّخور
يمشي الخطير مع الحق ير كأنّما هو مع خطير
و ترى المهاة كأنّها ليث مع اللّيث الهصور
متوافقون على التبا ين كالقبيل أو العشير
لا يرهبون يد الخطو ب كأنّما هم خلف سور
يمضي النهار و نحن نحسب ما برحنا في البكور
أبقيت يا زمن الحرو ر بمهجتي مثل الحرور
ولّت شهور كنت أر جو أن تخلّد كالدّهور
و أنت شهور بعدها ساعاتها مثل الشهور
ليست حياة المرء في الد نيا سوى حلم قصير
و أرى الشباب من الحيا ة لكاللّباب من القشور
ذهب الربيع ذهابه و أتى الشّتاء بلا نذير
و تبدّد العشّاق مثل تبدّد الورق النثير
رضى المهيمن عنهم و الله يعفو عن كثير

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:37 AM

[frame="8 98"]
ما بالهم نقضوا العهود جهارا و تعمّدوا الإيذاء و الإضرارا ؟
و استأسدوا لمّا رأوا ليث الشّرى عاف الزئير و قلّم الأظفارا
داروا به و الشّر في أحداقهم ذا يدّعي حقّا و ذلك ثارا
لؤم لعمر أبيك لم ير مثله التاريخ منذ استقرأ الأخبارا
و خيانة ما جاءها القوم الألى تخذوا مع الوحش القفار ديارا
أمسى يحرّض عاهل الألمان عن أمسى يحرّض في الخفا البلغارا
أمعاشر الإفرنج ليس شهامة ما تفعلون إذا أمنتم عارا
أمن المروءة أن يساء جوارنا في حين أنّا لا نسيء جوارا ؟
أمن المروءة أن يطأطيء تاجه ملك ليملك في الثرى أشبارا ؟
ألبغي مرتعه وخيم فاعلموا و الظلم يعقب للظلوم دمارا
إن تحرجوا الرئبال في عرينه يذر السّكوت و يركب الأخطارا
و كما علّمتم ذلك الجيش الذي يأبى و يأنف أن يرى خوّارا
فالويل للدنيا إذا نفض الكرى و الويل للأيّام إمّا ثارا
إنّي أرى ليلا يخيّم فوقنا لا ينجلي حتّى يشبّ النارا
فحذار ثمّ حذار من يوم به يجري النجيع على الثرى أنهارا
يوم تباع به النفوس رخيصة يوم يقصّر هوله الأعمارا
يوم يكون به الجميع عساكرا و الكلّ يدخل في الوغى مختارا

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:39 AM

[frame="13 98"]
يا ليتني لصّ لأسرق في الضحى سرّ اللطافة في النسيم الساري
و أجسّ مؤتلق الجمال بإصبعي في رزقه الأفق الجميل العاري
و يبين لي كنه المهابة في الرّبى و السر في جذل الغدير الجاري
و السحر في الألوان و الأنغام وا لأنداء و الأشذاء و الأزهار
و بشاشة المرج الخصيب ، ووحشة الوادي الكئيب ، وصولة التّيار
و إذا الدجى أرخى عليّ سدوله أدركت ما في الليل من أسرار
فلكم نظرت إلى الجمال فخلته أدنى إلى بصري من الأشفار
فطلبته غإذا المغالق دونه و ‘ذا هنالك ألف ألف ستار
باد و يعجز خاطري إدراكه و فتنتي بالظاهر المتواري !

[/frame]
[frame="13 98"]

إذا جدّفت جوزيت على التجديف بالنار و إن أحببت عيّرت من الجاره و الجار
و إن قامرت أو راهنت في النادي أو الدار فأنت الرجل الآثم عند الناس و الباري
...

و إن تسكر لكي تنسى هموما ذات أوقار خسرت الدين و الدنيا و لم تربح سوى العار
...

و إن قلت : إذن فالعيش أوزار بأوزار و إنّ الموت أشهى لي إذا أقض أوطاري
و أسرعت إلى السيف أو السّمّ أو النار لكي تخرج من دنيا ذووها غير أحرار
[/frame]


صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:39 AM

[frame="9 98"]
أبصرتها ، و الشمس عند شروقها فرأيتها مغمورة بالنار
و رأيتها عند الغروب غريقه في لجّة من سندس و نضار
و رأيتها تحت الدجى ، فرأيتها في بردتين : سكينة ووقار
فتنبّهت في النفس أحلام الصبى و غرقت في بحر من التّذكار
...

نفسي لها من جنّة خلّابة نسجت غلائلها يد الأمطار
أنّى مشيت نشقت مسكا أزفرا في أرضها و سمعت صوت هزار
...

ذات الجبال الشّامخات إلى العلا يا ليت في أعلى جبالك داري
لأرى الغزالة قبل سكان الحمى و أعانق النّسمات في الأسحار
لأرى رعاتك في المروج و في الربى و الشّاء سارحة مع الأبقار
لأرى الطيور الواقعات على الثرى و النحل حائمة على الأزهار
لأساجل الورقاء في تغريدها و تهزّ روحي نفحة المزمار
لأسامر الأقمار في أفلاكها تحت الظّلام إذا غفا سمّاري
لأراقب " الدلوار " في جريانه و أرى خيال البدر في " الدلوار "
...

بئس المدينة إنّها سجن النّهى و ذوي النّهى ، و جهنّم الأحرار
لا يملك الإنسان فيها نفسه حتّى يروّعه ضجيج قطار
وجدت بها نفسي المفاسد و الأذى في كلّ زاوية و كلّ جدار
لا يخدعنّ الناظرين برجها تلك البروج مخابيء للعار
لو أنّ حاسد أهلها لاقى الذي لاقيت لم يحسد سوى " بشّار "
غفرانك اللّهم ما أنا كافر فلم تعذّب مهجتي بالنّار ؟
...

لله ما أشهى القرى و أحبّها لفتى بعيد مطارح الأفكار
إن شئت تعرى من قيودك كلّها فانظر إلى صدر السّماء العاري
و امش على ضوء الصّباح ، فإن خبا فامش على ضوء الهلال السّاري
عش في الخلا تعش خليّا هانئا كالطّير ... حرا ، كالغدير الجاري
عش في الخلاء كما تعيش طيوره الحرّ يأبى العيش تحت ستار !
...

شلّال " ملفرد " لا يقرّ قراره و أنا لشوقي لا يقرّ قراري
فيه من السيف الصقيل بريقه و له ضجيج الجحفل الجرّار
أبدا يرش صخوره بدموعه أتراه يغسلها من الأوزار ؟
فاذا تطاير ماؤه متناثرا أبصرت حول السفح شبه غبار
كالبحر ذي التّيار يدفع بعضه و يصول كالضرغام ذي الأظفار
من قمّة كالنهد ، أيّ فتى رأى نهدا يفيض بعارض مدرار ؟
فكأنّما هي منبر و كأنّه " ميراب " بين عصائب الثوّار
من لم يشاهد ساعة و ثباته لم يدر كيف تغطرس الجبّار
ما زلت أحسب كلّ صمت حكمة حتّى بصرت بذلك الثرثار
أعددت ، قبل أراه ، وقفة عابر لاه فكانت وقفة استعبار ! ..
...

يا أخت دار الخلد ؛ يا أم القرى ، يا ربّة الغابات و الأنهار
لله يوم فيك قد قضّيته مع عصبة من خيرة الأنصار
نمشي على تلك الهضاب ودوننا بحر من الأغراس و الأشجار
تنساب فيه العين بين جداول و خمائل و مسالك و ديار
آنا على جبل مكين راسخ راس ، و آنا فوق جرف هار
تهوي الحجارة تحتنا من حالق و نكاد أن نهوي مع الأحجار
لو كنت شاهدنا نهرول من عل لضحكت منّا ضحكة استهتار
الريح ساكنة و نحن نظنّنا للخوف مندفعين مع إعصار
و الأرض ثابتة و نحن نخالها تهتزّ مع دفع النسيم السّاري
مازال يسند بعضنا بعضا كما يتماسك الروّاد في الأسفار
ويشدّ هذا ذاك من أزراره فيشدّني ذيّاك من أزراري
حتى رجعنا سالمين و لم نعد لو لم يمدّ الله في الأعمار
و لقد وقفت حيال نهرك بكرة و الطير في الركنات و الأوكار
متهيّبا فكأنّني في هيكل و كأنّه سفر من الأسفار
ما كنت من يهوى السكوت و إنّما عقلت لساني رهبة الأدهار
مرّ النسيم به فمرّت مقلتي منه بأسطار على أسطار
فالقلب مشتغل بتذكاراته و الطرف مندفع مع التيّار
حتى تجلّت فوق هاتيك الربى شمس الصباح تلوح كالدّينار
فعلى جوانبه وشاح زبرجد و على غراربه و شاح بهار
لو أبصرت عيناك فيه خيالها لرأيت مرآة بغير إطار
يمّمته سحرا و أسراري معي و رجعت في أعماقه أسراري ! ..
...

إنّي حسدت على القرى أهل القرى و غبطت حتّى نافخ المزمار
ليل و صبح بين إخوان الصّفا ما كان أجمل ليلتي و نهاري

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:41 AM

[frame="15 98"]


أدرها قهوة كعصير بكر تجلّت في الكؤوس بكفّ بكر
كأنّ المسك يغلي حين تغلي و يجري في الأواني حين تجري
تعيد إلى الضعيف قوى و تهدي إليه غبطة و صفاء فكر
تعشّقها الشعوب فكلّ شعب أعدّ لها الثغور و كلّ قطر
تلوّح حبّها في كلّ كوخ و لاح حبابها في كلّ قصر
يضوع عبيرها برمال نجد و يعبق عطرها بقصور مصر
تمشّى عنبرا في كلّ أنف و تنزل قرقفا في كلّ ثغر
و يزري طعمها حلوا و مرا بما في الأرض من حلو و مر
***

و سمراء إذا زارت صباحا أحبّ إليّ من بيض و سمر
يحوك لها البخار رداء ند و يكسوها الحباب و شاح در
كسرت الدنّ من عهد بعيد فأمست بعد خمر الدنّ خمري
فإن حلّت قواك جيوش ضعف و هالك عبء همّ مسبطر
عليك بقهوة رقّت وراقت كشعرك لا يجاري أو كشعري
[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:41 AM

[frame="8 98"]
شربناها على سرّ القوافي و سرّ الشاعر السمح الأبرّ
سقانا قهوتين " بغير من " عصير شجيرة و عصير فكر
فنحن اثنان سكران لحين على أمن ، و سكران لدهر
فمن أمسى يهيم ببنت قصر فإنّا هائمون ببنت قفر
إذا حضرت فذلك يوم سعد و إن غابت فذلك يوم قهر
لها من ذاتها ستر رقيق كما صبغ الحياء جبين بكر
إذا دارت على الجلّاس هشّوا كأنّ كؤوسها أخبار نصر
و نرشفها فنرشف ريق خود و ننشقها فننشق ريح عطر
و لا نخشى من الحكام حدا و عند الله لم نوصم بوزر
فما في شربها إثم و نكر و شرب الخمر نكر أيّ نكر
و ليست تستخفّ أخا و قار و بنت الدنّ بالأحلام تزري
و تحفظ سرّ صاحبها مصونا و بنت الكرم تفضح كلّ سرّ
و للصهباء أوقات ، و هذي شراب الناس في حرّ وقرّ
و تصلح أن يطاف بها مساء و تحسن أن تكون شراب ظهر
فلو عرفت مزاياها الغواني لعلّق حبّها في كلّ نحر
كأنّ حبوبها خضرا و صفرا فصوص زمرد و شذور تبر
كأنّ الجنّ قد نفثت رؤاها على أوراقها في ضوء فجر
ألست ترى إليها كيف تطغى و كيف تثور إن مسّت بجمر
كأنّ نخيل مصر قد حساها و إلاّ ما اهتزاز نخيل مصر ؟
جلوت بها من الأكدار ذهني كما أنّي غسلت هموم صدري
و ما هي قهوة تطهى و تحسى و لكن نفحة من روح حرّ
حوى في شعره عبث ابن هاني وزاد عليه فلسفة المعرّي
فيا لك شاعرا لبقا لعوبا كأنّ يراعه أنبوب سحر
يفيض سلاسة في كلّ لفظ و يجري رقة في كلّ سطر
حوت دار " السمير " هديّتيه و تحوي هذه الأوراق شكري

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:42 AM

[frame="9 98"]
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما لبنان و لأمل الذي لذويه
نشتاقه و الصيف فوق هضابه و نحبّه و الثلج في واديه
و إذا تمدّ له ذكاء حبالها بقلائد العقيان تستغويه
و إذا تنقّطه السماء عشيّة بالأنجم الزهراء تسترضيه
و إذا الصّبايا في الحقول كزهرها يضحكن ضحكا لا تكلّف فيه
هنّ اللّواتي قد خلقن لي الهوى و سقيتني السحر الذي أسقيه
هذا الذي صان الشّباب من البلى و أبى على الأيّام أن تطويه
...

و لربّما جبل أشبّهه به مسترسلا مع روعة التشبيه
فأقول يحكيه ، و أعلم أنّه مهما سما هيهات أن يحكيه
يا لذّة مكذوبة يلهو بها قلبي و يعرف أنّها تؤذيه
إنّي أذكّره بذيّاك الحمى و جماله و إخالني أنسيه
و إذا الحقائق أحرجت صدر الفتى ألقى مقالده إلى التمويه
وطني ستبقى الأرض عندي كلّها حتّى أعوذ إليه أرض التيه
سألوه الجمال فقال : هذا هيكلي و الشعر قال : بنيت عرشي فيه
الأرض تستجدّي الخضمّ مياهه و كنوزه و البحر يستجديه
يمسي و يصبح و هو منطرح على أقدامه طمعا بما يحويه
أعطاه بعض وقاره حتّى إذا استجداه ثانية سخا ببنيه
لبنان صن كنز العزائم واقتصد أخشى مع الإسراف أن تفنيه
...

غيري يراه سياسة وطوائفا و يظلّ يزعم أنّه رائيه
و يروح من إشفاقه يبكي له لبنان أنت أحقّ أن تبكيه
لا يسفر الحسن النزيه لناظر ما دام منه الطّرف غير نزيه
...

قل للألى رفعوا التخوم ضيّقتم الدّنيا على أهليه
و لمن يقولون الفرنج حماته الله قبل سيوفهم حاميه
...

يا صاحبي ، يهنيك أنّك في غد ستعانق الأحباب في ناديه
و تلذّ بالأرواح تعبق بالشّذى و تهزّك الأنغام من شاديه
إن حدّثوك عن النعيم فأطنبوا فاشتقته لا تنس أنّك فيه !

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:44 AM

[frame="8 98"]
أبصرتها في الخمس و العشر فرأيت أخت الرئم و البدر
عذراء ليس الفجر والدها و كأنّها مولودة الفجر
بسّامة في ثغرها درر يهفو إليها الشاعر العصري
و لها قوام لو أشبّهه بالغصن باء الغصن بالفخر
مثل الحمامة في وداعتها و كزهرة انّسرين في الطهر
مثل الحمامة غير أنّ لها صوت الهزار و لفتة الصقر
...

شاهدتها يوما وقد جلست في الرّوض بين الماء و الزهر
ويد الفتى " هنري " تطوّقها فحسدت ذاك الطّوق في الخصر
و حسدت مقلته و مسمعه لجمالها و كلامها الدرّي
أغمضت أجفاني على مضض و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه باليأس آونة و بالصّبر
ثمّ انقضى عام و أعقبه ثان و ذاك السرّ في صدري
فعجبت ، منّي كيف أذكرها و قد انقضى حولان من عمري
خلت اللّيالي في تتابعها تزري بها عندي فلم تزر
زادت ملاحتها فزدت بها كلفا ، و موجدة على " هنري "
...

و سئمت داري و هي واسعة فتركتها و خرجت في أمر
فرأيت فتيان الحمى انتظموا كالعقد ، أو كالعسكر المجر
يتفكّهون بكلّ نادرة و على الوجوه علائم البشر
ساروا فأعجبني تدفّقهم فتبعتهم أدري و لا أدري
ما بالهم ؟ و لأية وقفوا ؟ لمن البناء يلوح كالقصر
أوّاه ! هذي دار فاتنتي من قال ما للشمس من خدر
و عرفت من " فرجين " جارتها ما زادني ضرّا على ضرّ
قد كان هذا يوم خطبتها يا أرض ميدي ! يا سما خرّي
و رأيت ساعدها بساعده فوددت لو غيّبت في قبر
و شعرت أن الأرض واجفة تحتى ، و أنّ النار في صدري
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه اليأس آونة و بالصّبر
...

قالوا : الكنيسة خير تعزية لمن ابتلي في الحبّ بالهجر
فنذرت أن أقضي الحياة بها و قصدتها كيما أفي نذري
لازمتها بدرين ما التفتت عيني إلى شمس و لا بدر
أتلو أناشيد النبيّ ضحى و أطالع الإنجيل في العصر
حينا مع الرهبان ، آونة وحدي ، و أحيانا مع الحبر
في الغاب فوق العشب مضطجعا في السّفح مستندا إلى الصّخر
في غرفتي ، و الريح راكدة بين المغارس ، و الصّبا تسري
حتى إذا ما القلب زايلة تبريحه ، و صحوت من سكري
و سلوتها و سلوت خاطبها و ألفت عيش الضنك و العسر
عاد القضاء إلى محاربتي ورجعت للشكوى من الدهر
...

في ضحوة وقف النسيم بها متردّدا في صفحة النهر
كالشاعر الباكي على طلل أو قاريء حيران في سفر
و الشمس ساطعة و لامعة تكسو حواشي النهر بالتبر
و الأرض حالية جوانبها بالزّهر من قان و مصفرّ
فكأنّها بالعشب كاسية حسناء في أثوابها الخضر
و علا هتاف الطير إذ أمنت بأس العقاب و صوله النسر
تتلو على أهل الهوى سورا ليست بمنظوم و لا نثر
يحنو الهزار على أليفته و يداعب القمريّة القمري
و انساب كلّ مصفّق عذب و اهتزّ كلّ مهفهف نضر
فتذكّرت نفسي صبابتها ما أولع المهجور بالذّكر
أرسلت طرفي رائد فجرى و جرى على آثاره فكري
حتى دوى صوت الرئيس بنا فهرعت و الرهبان في إثري
و إذا بنا نلقى كنيستنا بالوافدين تموج كالبحر
و إذا " بها " و إذا الفتى هنري في حلّة بيضاء كالفجر
تمشي بين ذي أدب حلو ، و بين مليحة بكر
رفع الرئيس عليها يده و أنا أرى و يدي على صدري
يا قلب ذب ! يا مهجتي انفطري يا طرف فض بالأدمع الحمر
أغمضت أجفاني على مضض و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه باليأس آونة و بالصبر
و خرجت لا ألوي على أحد و رضيت بعد الزّهد بالكفر
...

أشفقت من همّي على كبدي و خشيت من دمعي على نحري
فكلفت بالصهباء أشربها في منزلي ، في الحان ، في القفر
أبغي الشفاء من الهموم بها فتزيدني وقرا على وقر
و تزيدني و لعا بها و هوى و تزيدني حقدا على هنري
قال الطبيب و قد رأى سقمي : لله من فعل الهوى العذري
ما لي بدائك يا فتى قبل السحر محتاج إلى سحر
و مضى يقلّب كفّه أسفا و لبثت كالمقتول في الوكر
ما أبصرت عيناي غانية إلاّ ذكرت إلى الدمى فقري
...

و سئمت داري و هي واسعة فتركتها و خرجت في أمر
فرأيتها في السوق واقفة و دموعها تنهلّ كالقطر
في بردة كاللّيل حالكة لهفي على أثوابها الحمر
فدنوت أسألها وقد جزعت نفسي ، وزلزل حزنها ظهري
قالت : قضى هنري ! فقلت : قضى من كاد لي كيدا و لم يدر
لا تكرهوا شرّا يصيبكم فلربّ خير جاء من شرّ
رهفا هواها بي فقلت لها : قد حلّ هذا الموت من أسري
قالت : و من أسري ! فقلت : إذن لي أنت ؟ قالت : أنت ذو الأمر
فأدرت زندي حول منكبها و لثمتها في النحر و الثّغر
و شفيت نفسي من لواعجها و تأرت بالتصريح من سرّي
ثمّ انثنيت بها على عجل باب الكنيسة جاعلا شطري
و هناك باركني و هنّأني من هنّأوا قبلي الفتى هنري
...

من بعد شهر مرّ لي معها أبصرت وضح الشيب في شعري
ما كنت أدري قبل صحبتها أنّ المشيب يكون في شهر
فكرت في هنري و كيف قضى فوجدت هنري واضح العذر
يا طالما قد كنت أحسده و اليوم أحسده على القبر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:45 AM

[frame="5 98"]
كانت قبيل العصر مركبة تجري بمن فيها من السّفر
ما بين منخفض و مرتفع عال ، و بين السّهل و الوعر
و تخطّ بالعجلات سائرة في الأرض إسطارا و لا تدري
كتبت بلا حبر و عزّ على الأقلام حرف دون ما حبر
سيّارة في الأرض ما قتئت كالطّير من وكر إلى وكر
تأبى و تأنف أن يلمّ بها تعب ، و أن تشكو سوى الزّجر
حملت من الركاب كلّ فتى حسن الرّواء و كلّ ذي قدر
يتحدّثون فذاك عن أمل آن ، و ذا عن سالف العمر
يتحدّثون و تلك سائرة بالقوم لا تلوي على أمر
فكأنّما ضربت لها أجلا أن تلتقي و الشمس في خدر
حتى إذا صارت بداحية ممدودة أطرافها صفر
سقطت من العجلات واحدة فتحطّمت إربا على الصّخر
فتشاءم الركّاب و اضطربوا مما ألمّ بهم من الضّر
و تفرّقوا بعد انتظامهم بددا و كم نظم إلى نثر
و الشّمس قد سالت أشعّتها تكسو أديم الأرض بالتّبر
و الأفق محمرّ كأنّ به حنقا على الأيّام و الدّهر
قد كان بين الجمع ناهدة الثديين ذات ملاحة تغري
تبكي بكاء القانطين و ما أسخى دموع الغادة البكر
و قفت و شمس الأفق غاربة تذري على كالورد ، كالقطر
شمسان لولا أنّ بينهما صلة لما بكتا من الهجر
و تدير عينيها على جزع كالظّبي ملتفتا من الذّعر
و إذا فتى كالفجر طلعته بل ربما أربى على الفجر
وافى إليها قائلا عجبا ممّ البكاء شقيقة البدر ؟
قالت أخاف اللّيل يدهمني ما أوحش اظلماء في القفر !
و أشدّ ما أخشاه سفك دمي بيد الأثيم اللّصّ ذي الغدر
" هنري " اللّعين و ما الفتى هنري إلاّ لبن أمّ الموت لو تدري
رصد السبيل فما تمرّ به قدم و لا النسمات إذ تسري
وا شقوتي إنّ الطريق إلى سكني على مستحسن النكر
إنّي لأعلم إنّما قدمي تسعى حثيثا بي " القبر
قال الفتى هيهات خوفك لن يجديك شيئا ربّة الطهر
فتشجهي و عليّ فاتّكلي فأنا الذي يحميك من هنري
قالت أخاف من الخؤون على هذا الشباب الناعم النّضر
فأجابها لا تجزعي و ثقي أنّي على ثقة من النّصر
عادت كأن لم يعرها خلل تخد القفار سفينة البرّ
و اللّيل معتكر يجيش كما جاشت هموم النّفس في الصدر
فكأنّه الآمال واسعة و البحر في مدّ و في جزر
و كأنّ أنجمه و قد سقطت دمع الدّلال و ناصع الدّر
و البدر أسفر رغم شامخة قد حاولت تطويه كالسّر
ألقى أشعّته فكان لها لون اللّجين و لؤلؤ الثّغر
فكأنّه الحسناء طالعة من خدرها أو دمية القصر
و كأنّما جنح الظّلام جنى ذنبا فجاء البدر كالغدر
و ضحت مسالك للمطيّة قد كانت شبيه غوامض البحر
فغدت تحاكي السّهم منطلقا في جريها و الطيف إذ يسري
و القوم في لهو و في طرب يتناشدون أطايب الشّعر
حتى إذا صارت بمنعرج و قفت كمنتبه من السّكر
فترجّلت " ليزا " و صاحبها و مشت و أعقبها على الأثر
و استأنفت تلك المطيّة ما قد كان من كرّ و من فر
مشت المليحة و هي مطرقة ما ثمّ من تيه و لا كبر
أنّى تتيه و قد أناخ بها همّ و بعض الهمّ كالوقر
لم تحتسي خمرا و تحسبها ممّا بها نشوى من الخمر
في غابة تحكي ذوائبها في لونها و اللّف و النّشر
ضاقت ذوائبها فما انفجرت إلاّ لسير الذّئب و النمر
كاللّيلة الليلاء ساجية و لربّ ليل ساطع غرّ
قد حاول القمر المنير بها ما حاول الإيمان في الكفر
تحنو على ظبي و قسورة أرأيتم سرين في صدر ؟
صقر وورقاء ، و من عجب أن تحتمي الورقاء بالصّقر
هذا و أعجب أنّها سلمت منه على ما فيه من غدر
ظلّت تسير و ظلّ يتبعها ما نمّ من إثم و لا وزر
طال الطريق و طال سيرها لكنّ عمر اللّيل في قصر
حتّى إذا سفر الصّباح و قد رفع الظّلام و كان كالسّتر
و الغاب أوشك أن يبوح بها و به ، بلا حذر ، إلى النّهر
نظرت إليه بمقلة طفحت سحرا ووجه فاض بالبشر
قالت له لم يبق من خطر جمّ نحاذره و لا نذر
أنظر فإنّ الصّبح أوشك أن يمحو ضياء الأنجم الزّهر
و أراه دبّ إلى الظّلام فهل هذا دبيب الشّيب في الشّعر
و أسمع ، فأصوات الطيور علت بين النّقا و الضال و السّدر ؟
قال الفتى أو كنت في خطر ؟ قالت له عجبا ألم تدر ؟
فأجابها ما كان في خطر من كان صاحبه الفتى هنري
فتقهقرت فزعا فقال لها لا تهلعي واصغي إلى حرّ
ما كنت بالشّرير قطّ و لا الرّجل الذي يرتاح للشّرّ
لكنّني دهر يجوز على دهر يجوز على بني الدّهر
بل إنّني خطر على فئة منها على خطر ذوي الضّر
قتلوا أبي ظلما فقتلهم عدل و حسبي العدل أن يجري
لا سلم ما بيني و بينهم لا سلم بين الهرّ و الفأر
سيرون في الموت منتقما لا شافع في الأخذ بالثّأر
تالله ما أنساك يا أبتي أبدا و لا أغضي على وتر
قالت لقد هيّجت لي شجنا فإليك ما قد كان أمري
بعث المليك إلى أبي فمضى و أخي معا توّا إلى القصر
فإذا أبي في القبر مرتهن و إذا أخي في ربقة الأسر
يا ساعديّ بترتما ويد الدهر الخؤون أحق بالبتر
نابي و ظفري بتّ بعدكما وحدي بلا ناب و لا ظفر
و يلاه من جور الزّمان بنا و الويل منه لكلّ مغترّ
و كأنّنا و الموت يرتع في أرواحنا مرعى و مستمري
لما انتهت و إذا به دهش حيران كالمأخوذ بالسّحر
شاء الكلام فناله خرس كلّ البلاغة تحت ذا الحصر
و كذلك الغيداء أذهلها ميل إلى هذا الفتى الغرّ
قالت أخي و الله و اقتربت
و إذا به ألقى عباءته برح الخفاء بها عن الجهر
صاحت أخي فيكتور وا طربي روحي ، شقيقي ، مهجتي ، ذخري
و تعانقا ، فبكى فرحا إنّ البخار نتيجة الحرّ
و تساقطت في الخدّ أدمعها كالقطر فوق نواضر الزّهر
...

قل للألي يشكون دهرهم لا بدّ من حلو و من مرّ
صبرا إذا جلل أصابكم فالعسر آخره إلى اليسر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:45 AM

[frame="9 98"]
كأنّي في روض أرى الماء جاريا أمامي ، و فوقي الغيم يجهد بالنشر
توهّمته هما فقلت له انجلي فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري
بربّك سر حيث الخلي فإنّني فتى لا أرى غير المصائب في دهري
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى عهودي و أولاني الجميل ولم يدر
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ
و لمّا شكوت الوجد تمايلت كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن عجيبا على مثلي البكاء من الصخر
كأنّي بدر ، و الزهور كواكب ، و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا مليك لي الأغصان كالعسكر المجر
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر ؟
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها فكنت كمخمور أفاق من السّكر
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا ق ، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر
بكيت و لو لم أبك مما بكت له بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر
تحيط به الأشجار من كلّ جانب كما دار حول الجيد عقد من الدّر
و قد رقمت أغصانها في أديمه كتابا من الأوراق ، سطرا على سطر
كأنّ دنانير تساقط فوقه و ليس دنانير سوى الورق النّضر
كأنّي به المرآة عند صفائها تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر ؟ و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله فقالوا به كبر ، فقلت عن الكبر
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي أشدّ به أزري و يعلو به قدري
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر

[/frame]


الساعة الآن 10:25 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى