منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   قرأت كتاباً وأعجبني (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22123)

سيما 15 - 6 - 2013 01:31 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
أفضل 50 كتاباً روسياً في القرن العشرين
كلما ابتعدنا عن القرن العشرين، نزداد ـ نحن أبناءه ـ فهماً وقناعة، أنّ عظمته هي عظمتنا وهباته ومآسيه هي هبات لنا ومآسينا. لقد لامس ذلك كلاً منا بهذا الشكل أو ذاك؛ إذ يوجد بيننا من مات آباؤهم بعد الحرب مباشرة متأثرين بجراحهم، كما يوجد من عانى آباؤهم في معسكرات الاعتقال. جميعنا تقريباً، أبناء جيل كامل من أصل ريفي، على الرغم من أننا ولدنا وترعرعنا في مدن كبيرة. لهذا السبب ها أنذا أكتب ثانية عن قرننا العشرين.‏

كرست مجلداتي الثلاثة: «القرن الفضي لعامة الشعب» للكتابة عن أدب الجبهة والريف، عن الشعر الغنائي الصامت، وكتاب «أبناء عام 1937» عن الجيل المجيد والعظيم، الذي ولد على أعتاب الحرب، أما كتابي الذي صدر للتو «جيل الوحيدين» فهو عن أبناء جيلي بالدرجة الأولى، الجيل المذهول والمرتبك والضائع، من أبناء نصر أعوام 1945-1955، عن الجيل السوفييتي الأخير الناضج، عن أولئك الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر في سنوات البيرسترويكا؛ في الجوهر كتبت هذه المجلدات الثلاثة عن الأدب الروسي، وعن مبدعيه في النصف الثاني من القرن العشرين. قد لا تكون شملت جميع الكتاب المتمرسين والجديرين؛ إذ أنّه من المستحيل أن تحتضن، كلّ ما هو فسيح، وشاسع ورحيب ومترامي الأطراف، وعزائي أنني سأهتم وأعالج هذه الثغرات في السنوات المتبقية.‏

وها أنا أقترح للقارئ، من وجهة نظري، أفضل 50 خمسين كتاباً من الأدب الروسي في القرن العشرين. أقدم لكم الآن لائحة فقط بهذه الكتب وأسماء مؤلفيها. سيتبع ذلك تعليق من صفحتين أو ثلاث عن كل كتاب، وذاتية مختصرة عن الكاتب، وسيعرض هذا الكراس المؤلّف من خمس صفحات مطبوعة على رفوف المكتبات. أعتقد أنّ هذه اللائحة، وذلك الكراس سيثيران اهتمام ليس تلاميذ المدارس، والطلاب والمعلمين، فحسب؛ بل وجميع محبي الأدب.‏

سيجد كل من يطلع على هذه القائمة نقصاً وخللاً ما فيها، إن لم يعثر على أحد من كتابه المفضلين، والمحبوبين، لكن 50 هو 50، وقد تظهر عند كل منكم لائحته الخاصة بأفضل خمسين كتاباً. علماً بأنّ الأساس عند الجميع سيكون، من وجهة نظري، واحداً.‏

سيندهش البعض، وقد يرون عيباً في وجود، على سبيل المثال: ليف تولستوي وإيدوارد ليميونوف، أو أنطون تشيخوف ويوري كازاكوف، أو أندري بلاتونوف وألكسندر بروخونوف، أو إيفان بوزين وغريغوري كليموف في قائمة واحدة.‏

وسيرفض البعض المقاربة الحسابية للأدب، قائلاً ها هو بُندارينكو يتذكر سنة ميلاد الكتاب، أو يقدم لوائحه من عشرة، أو خمسين كاتباً. لكن قد يكون هذا الاختيار بالتحديد مفيداً لبعض القراء البسطاء ـ وبالتالي لن يضيع جهدي عبثاً.‏

سيلومني البعض كالعادة للإفراط الزائد في سعة المقاربة، ما حاجتنا لبيتوفي ولماكيناني، وسيلومني آخرون لأنني تجاهلت مدارس ما بعد الحداثة، ولم أذكر، على سبيل المثال، بابلي (الذي، حسب زعمي، لا يذكره أحد الآن، ولا يطبع له). تفضلوا، أيها الأصدقاء، أبدعوا وتقدموا بمقاربتكم. وأنا سأقوم بعملي.‏

ومن الجدير بالذكر أن أفضل خمسين كتاباً، لا يعني، أولاً، أنّها جميعها في مستوٍ واحد، ولا يمكن أن يوجد في روسيا 50 ليف تولستوي في قرن واحد، وثانياً، من الطبيعي، أنّه كلما اقتربنا أكثر من العصر الحديث، كلما ازداد عدد المرشحين، وعدد المنافحين عنهم. ستثبت الأيام كم أنا محق في صحة القائمة التي أقدمها. ويبقى المجال مفتوحاً أمام الراغبين أن يصححوا لي عبر صحيفة «زافترا ـ الغد»، وأن يقدموا تعديلاتهم وإضافاتهم، قبل إصدار الكتاب، وأنا بكل رحابة صدر ورغبة صادقة سأستفيد من نصائحكم، غير متجاهل أسماء مساعدي الأذكياء في الصحيفة.‏

ها هي قائمتي بالرصيد الذهبي للأدب الروسي ـ قائمة بأفضل خمسين مؤلفاً لأفضل الكتاب، الذي وضعه ناقد الأدب في القرن العشرين فلاديمير بُندرينكو:‏

1ـ ليف تولستوي. قصة «الحاج مراد»، التي نشرت من قبل الكاتب العظيم في عام 1902. كنا قد شطبنا ليف تولستوي من بين كتاب القرن العشرين، لكن وفي هذا القرن بالتحديد تمت طباعة «سوناتة كريتسيروف»، و«ما بعد الحفلة الراقصة»، و«القسيمة (الكوبون) المزورة»، و«الأب سيرجي» ـ أهم أعماله وأكثرها إثارة للجدال. وفي القرن العشرين بالتحديد حرموا ليف تولستوي من الكنيسة، وتم الاعتراف به مرآة للثورة الروسية، وفي القرن العشرين بالتحديد غادر ياسني بولياني. مازال الهواء حتى اليوم مشبعاً بأفكاره. ليس مصادفة أن يتحاشاه حتى الآن أمثال فلاديمير كروبين، لأنّهم يعدونه ملحداً، ومجدفاً على الله. ما الذي يمكن قوله عن قصته الشيشانية «الحاج مراد» التي عدها، منذ مدة قريبة، كاتبنا المعاصر ألكسندر سيغين قصة معادية للروس.‏

أنا أعتقد، على العكس تماماً، أن جميع النزعات الإمبراطورية الروسية التقليدية متضمنة في هذه القصة الكلاسيكية الشفافة، والواضحة، والفاتنة. إنّها القصة الرئيسية في القرن العشرين.‏

2ـ انطون تشيخوف: مسرحية «بستان الكرز» التي نشرت في عام 1903. إذا اعتقد أحدهم أن هذه المسرحية تتحدث عن الأيام الغابرة، عن انهيار بنيتنا الإقطاعية والأميرية، فهو مخطئ. هذه المسرحية حول الانهيار الروسي التقليدي، وتتحقق الآن مجمل أفكار «بستان الكرز» في أوهامنا الروسية الخاصة عن سادة الحياة الجدد (المقصود: الليبراليين الجدد ـ المترجم). لكن الانهيار ينتظرهم أيضاً. تبز هذه المسرحية مسرحية «في انتظار جودو» لحبيبي الإيرلندي سمويل بيكيت، إنها تضم في طياتها الانتظار، وتحقيق كل الآمال وانهيارها. لكنها تجبر القارئ على التفكير بالمستقبل.‏

3ـ إيفان بونين. المجموعة القصصية «الدروب الظليلة» الصادرة في عام 1943 الأعجف، لكنّها ليست مكرسة للحرب؛ بل للحب الصادق. إنّها تحفة القصص العالمية. لقد نما ونضج فلاديمير نابوكين بفضل «الممرات المظلمة»، مهما تصنّع تحرره من تأثير بونين عليه.‏

4ـ دميتري مِيريجكوفسكي. روايته غير المنجزة «تيريزا الصغيرة»، وعلى الرغم من عدم اكتمالها، فإنه وبفضل هذه الرواية حول الراهبة الكاثوليكية تيريزا من ليزي، التي كتبها قبل وفاته مباشرة في عام 1941، يبرز لنا القداسة التي سعى الكاتب نفسه إليها. من المعروف أن الراهبة تيريزا تعد من خلال كاثوليكيتها المطلقة «المدافعة والحامية والمبتهلة والمضحية في سبيل الأرض الروسية».‏

5ـ ألكسندر كوبرين. قصة «المبارزة» التي نشرت في عام 1905، بعد الهزيمة في الحرب اليابانية الروسية، عدها الكثيرون قصة مسالمة ومعادية للحرب. مرت السنون، واليوم يعد الملازم روماشوف أحد أفضل رموز الضباط الروس.‏

6ـ مكسيم غوركي. «حياة كليم سامغين». لا تقل هذه الرواية الملحمية التي كتبها مكسيم غوركي قبيل وفاته في عام 1936، من وجهة نظري، أهمية عن «الحرب والسلام» لليف تولستوي، ولا عن «الدون الهادئ» لميخائيل شولوخوف. لم يتم إعطاؤها حقها حتى الآن. ومن المثير للدهشة والإعجاب أن مكسيم غوركي الذي كان ينشر في السنوات الستالينية، مقالاته البلشفية حول الواقعية الاشتراكية، لم يتنازل ولو بسطر واحد في هذه الرواية للدوافع السياسية خارج الرواية. أعتقد أنّ رواية «دكتور جيفاغو» لباسترناك، مثقلة بالدوافع الفردية، ويكمن تميزها في متابعة التقاليد الملحمية الروسية الجبارة.‏

7ـ فيودور سولوغوب. رواية «الشيطان الصغير». يوجد عدد غير قليل من الكتاب الذين أصبحوا في مصاف الأدباء العالميين بفضل عمل أدبي واحد فقط، منهم على سبيل المثال الأب بيرفو، وكذلك الأمر فيودور سولوغوب، الذي كتب الكثير، وخلد في الأدب الروسي بفضل روايته «الشيطان الصغير» التي نشرت عام 1907، وبفضل بطله المعلم بيريدانوف؛ هنا تأسسَ مستقبل كافكا، ومجمل الأدب التجريدي، وأدب المأساة الاجتماعية، في الوقت نفسه. إنّها رواية عظيمة.‏

8ـ أندريه بيلي. «بطرسبورج»، مرة أخرى نتعرف إلى رواية روسية عظيمة لم تنل حقها من التقييم. عندما قرأت «بطرسبورج» وكنت ما أزال تلميذاً في المدرسة، فكرت ملياً لأول مرة في التاريخ الروسي التراجيدي. تتضمن الرواية البيئة الروسية اللامحدودة والمدمرة أحياناً، مجموعة في أشكال رائعة من الرمزية الروسية. إنّها الروح القومية الروسية الحقيقية، دون شوائب.‏

9ـ فاسيلي روزانوف. رواية «قيامة عصرنا». رأت النور في ضاحية سيرغيف في عام 1918. ومع أن روزانوف يلقب بالفيلسوف، فإن جميع الفلاسفة الروس كتاب، وأولهم فاسيلي روزانوف. إنّها جوهرته الأدبية التراجيدية الروسية، التي تضج بالأفكار حول الحياة الروسية، والطبع الروسي. أيوجد من كتب بحماسة ولهفة عن مآسينا وعن آثامنا، مثلما كتب الأدباء القوميون الروس، وهل يوجد بينهم من أحب روسيا، حتى النهاية، حتى الحدود القصوى، مثل فاسيلي روزانوف؟!‏

10ـ يفغيني زامياتين. رواية «نحن». اكتشف هذا الكتابُ المستقبلَ الشمولي الذي ينتظر العالم منذ عام 1920، بدءاً من الاحتمال الألماني، والتجريبية السوفيتية، وحتى العولمة الأمريكية، أو الإسرائيلية. وصدرت لاحقاً رواية «1984» لـجورج أورويل، و«العالم الجديد الرائع» لـ أولدوس هاكسلي. والأخوة ستروغاتسكي وغيرهم، وغيرهم. قرأت الرواية عندما كنت طالباً في بطرسبورج، وأدهشني الأسلوب الحي، والتصوير الدقيق، وأكثر ما أثار إعجابي المقدمة … لفلاديمير بوندارينكو. تعرفت لاحقاً على هذا اللغوي والقاص العبقري في مونتيري في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أنّه كجميع مهاجري الموجة الفلاسوفية الثانية ليس فلاديمير، ولا بوندارينكو. فضلاً عن أنني أتمنى أن أكتب عن يفغيني زامياتين، كالباحث عن المستقبل الذي أضاع جميع الخرائط، بحيث لا تميزوننا الواحدَ من الآخر.‏

11ـ نيقولاي أستروفسكي. رواية «كيف سقينا الفولاذ». انتهت طباعتها في عام 1934. يريدون الآن نسيانها، دون جدوى. لم يعد يوجد في أدبنا من يعترف بالإنسان الذي تمتلكه الأفكار، المخلص للأفكار. أين رواية «ما العمل؟» لنيقولاي تشيرنشيفسكي من هذه الرواية؟ تلك الرواية من العقل، أما هذه فهي رواية من القلب. سيلهب نموذج البطل بافكا لقرون عديدة قادمة قلوب الرومانسيين الشباب. إنّه كتاب عظيم. وكم هو محق أندريه بلاتونوف عندما يقول: «لا نعرف بعد، كل ما هو مخبأ في جوهرنا الإنساني، وقد اكتشف كورتشاغين لنا سرّ قوتنا». إنّهم يريدون سحب الرواية من ذاكرة الأجيال الشابة ليس بسبب بلشفيتها، بل لما تتضمنه من أفكار حول سر القوة الروسية.‏

12ـ أندريه بلاتونوف رواية «تشيفنغور». لم يوجد ولن يوجد كاتب أكثر بلشفية، وحتى أكثر ستالينية (فضلاً عن صاحب الجسم الضعيف نيقولاي أستروفسكي) من أندريه بلاتونوف. ويبقى لغز محير بالنسبة إلي لماذا اشمأز ستالين منه. أيكمن السبب في أنّ بلاتونوف في مجال الكتابة كان نبياً؟ لقد قيمه عالياً ألكسندر فادييف، وميخائيل شولوخوف، وجميع الكتاب السوفيت العظام الحقيقيين في القرن العشرين. ومن المثير للدهشة أن يقيِّمه عالياً جميع المتناقضين من يوسف بارادوسكي، وحتى ألكسندر سونجالستين. من المعلوم أن السلطات السوفيتية تبنت رواية «الدون الهادئ»، وأصبحت كتاباً مفضلاً لجميع المتناقضين.‏

13ـ ليونيد ليونوف. رواية «اللص»، 1927. تدور الرواية حول تحديد شخصية الإنسان، وصعوبات اختيار كل إنسان لطريقه الخاص. سيبقى هذا الخيار موجوداً، وسيبقى الإنسان يبحث عنه. وبالتالي فرواية «اللص» ستبقى موجودة دائماً.‏

14ـ ميخائيل شولوخوف. رواية «الدون الهادئ». الإنتاج العظيم يثير النقاش دائماً. سيبقى الناس يتجادلون حول الأعمال العظيمة، هل وجد شكسبير، هل وجد لاو تسزي، هل وجد شولوخوف؟ من غير المحتمل أن يشك أحد في القدرة على كتابة رواية خشنة، أو في عائدية أية رواية فظة، أو قصة غير ناضجة.. الرواية العظيمة، والأبطال العظماء يستدعون نقاشات عظيمة. لقد جعلت رواية «الدون الهادئ» القرنين المجيدين متعادلي العظمة في مجال الأدب الروسي. انتهت بملحمة ربيع عام 1940. يبدو وكأن كليم سامغين، وغريغوري ميلخوف ـ هذين النموذجين العالميين الجبارين ولدا في زمن أعجف. آه، كم نحن بحاجة الآن إلى من يشبههم ولو قليلاً في أيامنا هذه…‏

15ـ ميخائيل بولغاكوف. رواية «المعلم ومارغاريت». فكرت طويلاً، في الرواية التي سأعطيها الأولوية، أللرواية الأرثوذكسية القريبة من أفكاري: «الحرس الأبيض»، حيث تجري الحياة، بسلاسة وسهولة، وجميع الأبطال والنماذج، والأماني روسية قريبة إلى النفس والقلب، أم للرواية الهرطوقية، المارقة والمرتدة مارغرايت «المعلم»؟!. فالرواية أحرقت وبعثت لحياة الشيطان. وأمامنا رواية وصيغة من صيغ الشيطان. كتبت آنّا أخميتوفا تقول: «أعطوني لحظة هدوء، وخذوا حياتي». وها هو ميخائيل بولغاكوف يقدم هدوء ما بعد موته. وقد تكون الرواية حفظت بفضل زوجته التي امتلكت قوى صوفية غير قليلة. والرواية فاتنة حقاً، ورائعة. مثلها قليل في الأدب العالمي، ودفع ثمناً باهظاً لقاء روعتها. تعد «فاوست» غوته، و«المعلم…» لبولغاكوف أعمالاً خطيرة. لكنّها أدب عظيم.‏

16ـ ألكسندر غرين. رواية «الهاربة فوق الموج». لم يكن الكاتب ابن عالمه، وعاش أبطاله وفق مبادئ وقوانين أخرى. لم يكن بالإمكان تطبيق أفكاره المثالية، علماً بأنّ القضية ليست في الاشتراكية، فلو وجد في عصرنا الحالي لتم التعامل معه بشكل أكثر قسوة في هذا العصر التجاري (السوقي). فطريقه تمتد من «الأشرعة القرمزية» الحماسية (التي أصدرت في عام 1923) ولا تتحقق. وحتى «الهاربة فوق الموج»، (والتي أصدرت في عام 1928). يبدو وكأن أبطال «الهاربة فوق الموج» يمتلكون قوى وإمكانيات أكبر من أبطال «الأشرعة القرمزية الرومانسيين»، لكن لا تساعد أية قدرات خارقة يمتلكها أي بطل أن يخرق قيود المجتمع. ويبقى المخرج في الحلُم. هكذا ذهب رومانسيو سبعينيات القرن العشرين، آخذين من ألكسندر غرين رمزاً لعصرهم.‏

17ـ ألكسندر فادييف.رواية «الدمار». وهي نوع من أنواع مناقضة الروح الفردية عند ألكسندر غرين، والتي كتبت في العام نفسه (1927)، وهي رومانسية أيضاً، وفادييف في أفضل كتبه رومانسي بلا قيد ولا شرط. ولهذا السبب كان أبطاله الثوريون الرومانسيون أبطالاً أحياء، وتضمنت الرواية ـ وهي رمز حي لعشرينيات القرن العشرين ـ انطباعات فادييف المباشرة، بعيداً عن الكليشيهات والغثاثة.‏

18ـ بوريس باسترنياك. رواية «دكتور جيفاغو». صدى غنائي ـ ملحمي متأخر (في عام 1957) على كوارثنا الوطنية في القرن العشرين. كتبت هذه الرواية بالطبع بعد دراسة روايات أندريه بلوتونوف، ومكسيم غوركي، وألكسي تولستوي. توازن ملحمية الرواية باطّراد مقاربتها الشاعرية لأثمن ما في وجود كل إنسان. كما تحافظ على علاقة التقاليد الروائية، ومصير الإنتليجنتسيا الروسية نفسها. ويتم تمزيق هذه العلاقة، حسب زعمي، الآن بالتحديد.‏

19ـ ألكسي تولستوي. أريد أن أسمي، مع تتبع تطور الأحداث، ومع جميع التحفظات، ثلاثيته: «درب الآلام»، لكن من حيث سمو الأفكار، والممارسة، فإنّ أفضل روايات تولستوي الثلاث، هي طبعاً : «بطرس الأول»، التي عمل على إنجازها حتى وفاته في عام 1945. وهذا النموذج أقرب للكاتب، والأقرب لروح عصر بطرس وتاريخه. سمح الكاتب لنفسه في هذه الرواية، وقد يكون لأول مرة، أن يبقى هو نفسه، وأن يبقى صريحاً حتى النهاية. كان بإمكان ألكسي تولستوي، بفضل موهبته أن يصبح أهم رسامي القرن العشرين، لكن أعاقته شخصيته الإنزوائية، واللطافة المفرطة لعالمه القوي. وللعلم، فلقد انتقلت هذه اللطافة بشكل أكثر ثقلاً إلى وريثته، تاتيانا تولستوي.‏

20ـ فلاديمير نابوكوف. رواية «الهدية». طبعاً «الهدية»، وليس «لوليتا» التي كتبها في المهجر، ما وراء البحار، ولا الشخصية النابوكوفية (المتغربة) غربية الملامح. «الهدية» رواية روسية كلاسيكية. لقد برهن نابوكوف برواية «الهدية» التي أصدرت عام 1938، تتويجاً لإنتاجه الروسي المهجري، برهن على مكانة الأدب الروسي المهجري وقيمته. من أبدع في المهجر غيره ـ غايتو غازدانوف، وبوبلافسكي، لا ذكر لأحد غيرهما.‏

21ـ بينيامين كافيرين. رواية «الآمران». يعد كافارين، لاعتبارات كثيرة كاتباً متوسطاً، ففالنتين كاتايف، ويوري أوليشن أو ألكسي تولستوي ـ أكثر عبقرية بكثير. لكن بينيامين كافارين هو بالتحديد من كتب المؤلفات التي تمجد عبادة ستالين، التي أثرت على ثلاثة أجيال سوفيتية، بما في ذلك جيلنا. أنهى بينيامين كافارين روايته في عام 1944 على وقع استعراضات النصر. تقدم رومانسية تصرفاته خدمة جيدة للمجتمع الروسي، بصرف النظر عن التغيير في الأفكار، بما في ذلك أفكاره، وفي الزمن الذي نعيش فيه.‏

22ـ فيكتور نيكراسوف. «في خنادق ستالينغراد». دشنت هذه الرواية أدب الحرب الحقيقي. وجدت صدى عند ستالين الذي منح وسامه مباشرة بعد إصدار الكتاب في عام 1946. أحد أفضل الكتب عن الحرب. لم يكتب فيكتور نيكراسوف ما يستحق الاعتبار أكثر. فضلاً على أنّه صمت في المهجر. مثله مثل أنتولي كوزنتسوف. لا يحتمل الجميع الغربة والمهجر، فهي أسوأ معسكر للبعض.‏

23ـ الكسندر تفوردوفسكي. كتاب عن المناضل ـ «فاسيلي تيركين» ـ إنه ليس شعراً فحسب. إنّه أدب ملحمي شعري عن المقاتل الروسي. ومجمل الجدية الروسية في الوقت نفسه. تشبه ملحمة «يفغيني أونيغن» التي كتبها بوشكين. يقيِّم ديموقراطيونا تفوردوفسكي كمدير تحرير مجلة، لكنّهم لعلة في نفس يعقوب يتجاهلونه كشاعر. علماً بأن أحداً من الشعراء لم يقدم مثل هذا النموذج من الكتابة الشعرية الملحمية بعد بوشكين.‏

24ـ غايتو غازدانوف. رواية «أمسية عند كلير» أصدرت عام 1930 في باريس، أول وأهم رواية تصدر لروسي من أسياتيا. وهي مزاوجة ظريفة وأنيقة، بين الغنائية العاطفية، والود والإلفة، وبين الأحداث العاصفة في التاريخ الروسي.‏

25ـ إيليا إليف ويفغيني بيتروف. رواية «اثنا عشر كرسياً». بالصراحة لم أرد إدراج هذه الرواية في قائمتي، لكن أين المفر منها؟ إن نفي تأثيرها على ذهن القراء، وشهرتها العالمية، ونفي سحر الافتتان السلبي بالمحتال الغشاش الماكر أوستاب بينديرا، يعني أن تكذب على نفسك، وعلى القراء. هذا هو الحال.‏

26ـ فارلام شالاموف. كتاب «أحاديث من كوليم». فارلام شالاموف، ككاتب، من وجهة نظري، أقوى من ألكسندر سونجالستين، على الرغم من أنّه لم يكتب الكثير. لقد كتب عملياً، عما لا يمكن الكتابة عنه، وتفهم ذلك، وهون على القارئ قائلاً: نعم إنّه أمر ثقيل ـ لكننا عشنا في ظله، وسنعيش لاحقاً. يتألف الكتاب من قصص قصيرة كتبت في الفترة ما بين عامي 1954 و1982، قبيل وفاة الكاتب، وأصدرت أولاً في المهجر، ولاحقاً عندنا.‏

27ـ ألكسندر سولجانستين. لا أعلم عند أي عمل يمكن التوقف. أعند قصة «يوم واحد في حياة إيفان دينيسوفيتش» أم قصة «حوش ماتيورين»؟ عملياً العملان متشابهان: كيف يتعايش الإنسان الروسي مع الأيام القاسية. ومع ذلك توقفت عند قصة «حوش ماتيورين». لا تقوم قائمة لقرية من غير وجود مخبر، ولا تقوم قائمة روسيا من غيرهم.‏

28ـ كونستنتين فوروبييف. قصة «ها نحن يا إلهي!..» التي كتبت في عام 1946، وأرسلت إلى «نوفي مير ـ العالم المعاصر» لكنها نشرت بعد وفاة المؤلف في عام 1985. نجد هنا ظهور قوة الروح الإنسانية الحقيقية. لا يمكن أن يوجد أدب روسي في مستوٍ بلاغي واحد، الأدب الروسي الكبير في أقصى حد.‏

29ـ فلاديمير بوغومالوف. رواية «في آب (أغسطس) أربع وأربعين…» رواية مغامرات دقيقة إلى أبعد حد، عن عمل المخابرات السوفييتية. ومهما كتب وألف عن المؤلف، ومهما تكن الحقائق المكتشفة، فالرواية لا تحتاج إلى إخفاء اسم مؤلفها. الرواية أصبحت كلاسيكية.‏

30ـ فيكتور أستافيف. رواية «قتلة وملعونون» طبعت في عام 1994. رواية ثقيلة؛ بل أستطيع القول، إنها رواية شريرة، شريرة بحق الشعب ذاته. لكن الرواية أصبحت علامة شاخصة في أدب نهاية القرن العشرين.‏

31ـ يوري بونداريف. رواية «الثلج الحار»، التي وضعت مؤلفها في مرتبة قائد «أدب الحرب» دون منازع. كل ما هو جميل في كتابات بونداريف، كُتبَ عن الحرب. من الواضح أنّ الحرب طغت على روح الكاتب كلية، ما جعل الصفحات حول الحرب في رواياته المتأخرة عن الإنتيليجنتسيا الوطنية «الشاطئ» و«الاختيار» وكأنّها مكتوبة من قبل كاتب آخر، هنا يختفي اللغو، والحشو والاسترسال، والتفلسف المفرط، ويبعث الأبطال إلى الحياة.‏

32ـ يفغيني نوسوف. قصة «حملة الخوذ المقدسون»، التي وحدت إلى الأبد أدب الحرب مع أدب الريف. لم يكسب الحرب الألوية المسلحة، ولا الضباط حليقو الشوارب، بل الشعب الروسي الريفي، مهما كان عدد الجنرالات والماريشالات فوقهم. لو لم يوجد الشعب، لم يكسب الحرب أحد. ولا وجد حملة خوذ في روسيا…‏

33ـ فاسيلي شوشكين. القصة الأسطورية «حتى صياح الديكة»، هزلية وتراجيدية في آن معاً. جرى التباطؤ في نشرها نتيجة وجود النماذج الشعبية الجريئة حتى عام 1975 (بعد وفاة المؤلف)، كما أنّهم لا يريدون ذكرها اليوم، بما في ذلك أصحاب النزعة الشوكشينية. هذه القصة مناسبة لروسيا دائماً.‏

34ـ فاسيلي بيلوف. بالطبع في قصته «عمل عادي»، التي أصبحت كلاسيكية مباشرة بعد نشرها في مجلة «سيفير ـ الشمال» في عام 1976. إيفان أفريكانوفيتش ـ واحد من النماذج الخالدة المتجذرة في أعماق الشعب الروسي. طالما بقي أمثاله على قيد الحياة، فالشعب الروسي حي. بفضل هؤلاء تحملنا الصعوبات الجمة التي لا تحتمل، وبقي لدينا مجال للمرح.‏

35ـ فلانتين راسبوتين. رواية «وداعاً ماتيورا» (1976) إنها قصة وداع روسيا العجوز، ويمكن أن تكون قصة وداع روسيا، السائرة إلى الماضي. عندما كتبت مسرحيتي التي مازالت تمثل منذ عشر سنوات وحتى اليوم في مسرح (مخات) المسمى باسم غوركي، سبحنا والمخرج أندريه بوريسوف في نهر آمغا في ياكوت، وتبادلنا الآراء والأفكار حول «ماتيورا». النموذج الأسطوري لروسيا الملتهبة والغارقة. رواية عظيمة. لكن هل يستطيع النازحون بناء روسيا الجديدة؟ نأمل من الله ذلك!‏
ـ غرغوري كليموف. رواية «أمير عالمه» (1970). يمكن أن لا تكون هذه الرواية أدبية، بل تصوف خالص، خاصة وأن ما تبعها يصعق القارئ. يوجد شعور بأن الهاوية التي اكتشف مؤلف الرواية سرها وكنهها أغوته وضللته هو نفسه في أغوارها. مما يجعل القارئ الجدي لا يصدق شيئاً. لو لم ينشر بعد «أمير…» شيئاً لأخافت الرواية حتى اليوم القارئ جدياً. سنقرر أنّه لم يصدر لغريغوري كليموف شيء بعد هذه الرواية.‏

37ـ ميخائيل بريشفين. الرواية ـ الأسطورة «طريق أسوداريف» حول شمالي الروسي القريب إلى قلبي، حول الأساطير الروسية، حول طبيعتنا، وكذلك حول بناء قناة بيلومور ـ بالتيسكي، حول إعادة تربية الإنسان الجديد. علماً بأن ميخائيل بريشفين كتب دائماً عن معجزات إبداع الحياة، في مختلف ظروف تحقق هذا الإبداع.‏

38ـ فلاديمير ماكسيموف. رواية «سبعة أيام من الخلق»، التي كتبت في عام 1971، لا شك في أنّها أفضل مؤلفات الكاتب، ومحاولةٌ منه لوعي تاريخ روسيا الوطني والكاثوليكي من خلال أحداث القرن العشرين العاصف.‏

39 ـ بينديكت ايروفييف. ملحمة «موسكو ـ الديكة». أعتقد أن أوراق الكاتب ـ المدمن على شرب الخمر ـ الكاثوليكي.. تميز ليس فقط انحلال الشخصية وسقوطها؛ بل وتفكك المجتمع ككل. استشراف واضح لسقوط الدولة العظمى نفسها. ومجدداً، نقول: هذا هو العمل الوحيد الثمين للكاتب، والذي سيخلده. تستدعي هذه الملحمة الاهتمام الاجتماعي، والاهتمام بمصير الإنسان الفرد الساقط في هذه الحالة. تم الانتهاء من كتابة الملحمة في عام 1969.‏

40ـ يوري كازاكوف. كتاب في المراقبة والتأمل. «مفكرة الشمال». كتاب آخر عن وطني الشمالي، عن الناس، وعن الطبيعة، عن رجولة الحياة. استمر يوري كازاكوف بكتابته أكثر من عشر سنوات، وانتهى منها في عام 1972.‏

41ـ يوري ماملييف. في روايته المكتملة «الأذرع»، عمل سوريالي روسي؛ بل سوفييتي كتب عام 1968، يحاول فيه الكاتب أن ينقب الفكر في مشاكل جدية وعويصة في الحياة والموت.‏

42ـ ألكسندر فامبيلوف. في مسرحيته العبقرية «صيد البط» التي لم يفهمها لا أوليغ يفيموف، ولا المخرجون الآخرون. لأنّه من المخيف التعامل معها جدياً. عندئذ يجب عليك التفكير ملياً في جدوى حياتك نفسها، لماذا أنت تعيش؟ وللعلم فإن كل هذه الحقيقة المرة، قيلت في عام 1970. زيلوف ـ إنّه نموذجنا الوطني الأبدي، وليس الأفضل في زمن الأزمة الدورية للإيمان.‏

43ـ أندريه بيتوف. رواية «بيت بوشكين» تعالج هذه الرواية مع رواية بروخانوف «التوقيع»، ورواية ماكانين «أنديغراوند» كل على طريقتها، ومن وجهات نظر مختلفة نهاية الإمبراطورية، ونهاية القرن.‏

44ـ ألكسندر بروخونوف. رواية «التوقيع» ـ رواية غير تقليدية إطلاقاً، وليست رواية برخونوفية، ولا حربية، ومع ذلك فهي أفضل روايات بروخونوف. فجأة يغرد بلبل هيئة الأركان أفضل أغانيه، عن نفسه وعن العصر. كتبت الرواية في عام 2006، بالتالي هي لا تتلاءم مع أفضل كتب القرن العشرين. ويبقى صديقي أفضل مؤلف روايات حديثة عن الحرب في القرن العشرين.‏

«البلوز الشيشاني» ـ رواية كتبت عام 1998، حيث تتوحد مهارة الأسلوب، والرمزية الطبيعية، والفنية العالية مع حقيقة الحرب الصارمة والقاسية.‏

45ـ فلاديمير ماكانين. رواية «أنديغراوند، أو بطل هذا الزمان»، ليس كما عناه ليرمنتوف إطلاقاً، فأبطالنا مختلفون تماماً. فالبطل بيتروفيتش شخصية جامعة لمجمل أدب ماكانين، هذا ما توصل إليه كليوتشارف، وأليموشكين من مختلف الاتجاهات ـ أبطاله المختلفون تماماً في مؤلفاته الأدبية المبكرة. أردت أن أسمي قصة «الرائد» أفضل أعماله، خاصة وأنني ساعدت في نشرها في مجلة «الشمال» في عام 1982، إنّها أقرب إلي بأبطالها وبحكمتها الشعبية، وبموضوعها، ومع ذلك رجحت الكفة لصالح «أنديغراوند…» آخر رواياته وأكثرها أهمية في عام 1998.‏

46ـ أناتولي كيم. رواية «الأب ـ الغابة» التي كتبت في عام 1989. إنها قصة نثر شرقي؛ حيث يتقاطع كل شيء، ويتغير ويتحول الواحد في الآخر؛ وينقل الكاتب هذا الشرق إلى مقاطعة ريزان، في أعماق الغابات والأنهر الروسية. أيمكن أن تكون هذه هي الواقعية الطبيعية الميتافيزيقية الحقيقية، الموهوبة للكاتب من الأعلى؟‏

47ـ فلاديمير لوتشوتين. ثلاثيته التاريخية «التقسيم». أعتقد أنّه بعد ألكسي تولستوي وفق في الكتابة عن القضايا التاريخية الروسية كل من دميتري بالاشوف، وفلاديمير لوتشوتين. لكن رواية «التقسيم» للوتشوتين تفوق أهمية روايات بالاشوف الرائعة، لغةً، وبطبع أبطالها، وعمق أفكارها. من الواضح أن هذه الرواية لم تنل حقها من التقييم، إنّها أحد أهم الكتب الأدبية الروسية في القرن العشرين، وإلى جانبها جون فاولزو وأيريس ميردوك. تتخلل الرواية صوفية شمالية. إنها الحقيقة، والأسطورة، والخرافة، والصوفية في آن واحد.‏

48ـ إدوارد ليمونوف «كان لدينا عصر عظيم» طبعت القصة في الصحيفة البرجوازية الليبرالية «زناميا»، في بداية البرسترويكا عام 1989، بحثاً عن أسماء جديدة بين المهاجرين، دون أن تقرأ جيداً أو يتم التمعن بها، لاحقاً اعترف محررو الصحيفة بأنهم لم يراجعوا النص. هذه هي قوة الإبداع النادرة. وبالفعل كما كتب كثيراً، أدب ساخر، وكأن ليمونوف عندما يلعب يبين للقارئ العظمة الحقيقية وبطولة العهد السوفيتي..‏

49ـ ساشا سكولوف. رواية «مدرسة المجانين» (1973). محاولة أخرى لإيجاد الطريق الخاص في الأدب. وصف فلاديمير نابوكوف الرواية بأفضل كتاب روسي معاصر. هذا من وجهة نظر نابوكوف. تنساب الأحداث كما في الموسيقى، لكنها لا تضيع. يمكن أن يجذبك البطل الجغرافي نورفيغوف، ويمكن الإنجذاب إلى الأحداث، كما يمكن الانجذاب إلى تدفق الكلمات والأفكار، تخيل وتذكر.‏

50ـ يوري بولياكوف. رواية «الجدي الحلاب» أصدرت عام 1995، وتمت إعادة طباعتها منذ ذلك الحين أكثر من خمسين مرة. تقرأ. تتضمن ما يمكن قراءته، ويوجد فيها عن ماذا تقرأ ـ يوجد ما يثير الضحك، وما يثير التمعن والتفكير. وبسبب هذا الهجاء المضحك على ما بعد الحداثة لا يحب ليبراليونا يوري بولياكوف. تجرأ أن يرفع يده على المقدس. علماً بأنّ هذا الكاتب طوال حياته يرفع يده بلا تكلف تارة على الرتب الوظيفية، وطوراً على الجيش، وعلى الحزب، وعلى البيرسترويكا، وعلى ما بعد الحداثة. ولم ينل القضاة والمدّعون العامون من الكاتب بعد، طالما تتقطع أزرار قمصانهم من الضحك عند قراءتهم لما يكتب. وهذا ما ينقذه ويحميه.‏

سيما 15 - 6 - 2013 01:34 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
السر الاعظم – مصطفى محمود

“ليس إنسانا” من لم يتوقف يوما” في أثناء عمره الطويل ليسأل نفسه .. من أين والى أين وما الحكاية، وماذا بعد الموت. أينتهي كل شيء الى تراب .. أيكون عبثا” وهزلا أم أنها قصة سوف تتعدد فصولها؟”

هكذا يستهل الكاتب البداية، بداية تدفع القارئ حقا” الى التوقف لحظة مع نفسه ليسألها: من أين والى أين. وكل ما قرأ أكثر، وتمعن في المعاني أكثر، يجد نفسه في حيرة أكبر، ويجد الفكرة متعبة مرهقة مشوقة، تتراوح بين الأضداد، بين الحركة والسكون، المادة والروح، العبودية والألوهية، فتتركه النهاية لاهثا” متعطشا” لمعرفة المزيد.



يحلل الكاتب بعض القضايا من التراث الصوفي مستعرضا” أشعار بعض الصوفيين مثل ابن عربي وأبو العزائم، ويصطحب القارئ في رحلة الى الأعماق، رحلة تخرجنا من قيود الزمان والمكان، لنجد أن وراء كل معنى معاني، وكل آية آيات. رياضة روحية مرهقة، قد تشعر في بعض الفصول أنها قد تزيد عن حدود المعقول والمقبول، وقد تقود ممارسها الى المغالاة في التزهد، وفي هذا إفراط يخرج بالإسلام عن جوهره كدين وسط واعتدال. كما أنها عند بعض الصوفيين، قد تصل هذه الحالة الى درجة تشبه السكرة، فتشعره بتوحده مع الإله وتدفعه الى تقمص الذات الإلهية.



العلم الصوفي علم عميق جدا”، لا يمكننا المرور عليه بسرعة، ولا يمكننا أيضا” التسليم بكل ما جاء فيه، ولكن كما وضح الكاتب في النهاية، فهو “تراث يحتاج الى قراءة انتقائية تزن كل حرف فيه بميزان الشريعة، وتعرضه على ضوء الكتاب والسنة والعقيدة السليمة حتى لا نجاوزها قيد شعرة”.

سيما 15 - 6 - 2013 01:34 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
“ولدتُ هُناك، ولدتُ هُنا” مريد البرغوثي
يعيد هذا الكتاب بنثره الأنيق وفكره العميق، رسم تفاصيل الحياة الفلسطينية وصعوبتها، ويصور لنا ببساطة وسلاسة كم هي تلك التفاصيل استثنائية جدا”، متعبة مرهقة، بحيث تتحول ابسط الضروريات التي اعتدناها نحن خارج حدود الاحتلال، الى ترف لا يتمكنون من امتلاكه في الداخل. فتتحول المفردات من مجرد كلمات مخطوطة الى أحاسيس مرهفة تتعبنا وتمتعنا بثنائية متناقضة تواجهنا بحقيقة مجردة … واقعية مؤلمة.



يصطحبنا الكاتب مع ابنه تميم في زيارته الأولى الى فلسطين، فلسطين التي تربى على عشقها وحفظها وحتى تنفس تفاصيلها، فلسطين التي لم يتمكن من رؤيتها حتى حصل على تصريح بالدخول …. ورقة صغيرة تمنح الفلسطيني حق رؤية فلسطينه … أليس هذا هو الاحتلال؟ ولكن اليوم الأهم عند هذا الأب، أن ابنه تميم في فلسطين، وكأن الوطن في عيونه يكتمل بهاءه وقد اجتمع هو وابنه فوق أرضه. اليوم هو “هنا” وليس بعيدا “هناك”، اليوم بصحبة ابنه يحتال على كل تلك المسافات التي فرضها عليه الاحتلال!



في فصوله المتتالية، ينتقل بنا هذا الكتاب من ألم الى ألم، كلها ترتسم فوق وجه هذا الوطن المذبوح، فيستغرب الكاتب من دول تطالب هذا الشعب الفلسطيني المتعب يالتعايش مع هذا اليهودي مع أن “ثلاثة أو أربعة أجيال فلسطينية لم تر من اليهودي إلا خوذته، ويده على الزناد” فالتعايش الحقيقي على أرض الواقع هو تعايش الفلسطيني مع “دبابات اليهودي في غرفة نومه” … يا له من تعايش!



نتنقل مع تميم وأبيه بين منطقة وأخرى، بين ماض أب وحاضر ابن، فنرى في أعينهم قبة الصخرة، رام الله، ودير غسانة، وبينها جميعا يمتد ذاك الجدار اللعين، الجدار الفاصل، “جدار السرقة التاريخية الكبرى .. جدار الترانسفير الصامت” الذي حول الوطن الى سجن صغير يُحَرِم على المكان أن يعيش الزمان، جدار حلله عالم منحل يعيد ” عصر الابارثايد الكوني بين الأقوياء والضعفاء”



كم اختلطت الأزمنة فوق هذه الأرض المحتلة، كم من النوبات مرت على من بقي فيها بلا كلل وملل، من اليأس الى الأمل، من التشاؤم الى التفاؤل، من الحلم الى الوهم، وبالنهاية وبعد كل التضحيات وكل العذابات نعود الى نقطة البداية … نقطة الصفر. فهي كما يصفها الكاتب بأنها نهاية تفضي الى بداية فيقول: ” القضية الفلسطينية تبدأ من البداية مجددا”: ألم تكن البداية أن أرضا” تم احتلالها ويجب أن تُسترَد؟ وأن شعبا” طرد من أرضه ويجب أن يعود؟ وهل النهاية التي وصلنا إليها اليوم إلا تلك البداية؟”



هذه نتيجة عبثية محاولات طرف واحد لسلام لم نحصد منه سوى الاستسلام!

سيما 15 - 6 - 2013 01:35 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
كتاب ونحن نبى حضارتنا

المؤلف :محمد فتح الله كولن

إننا كأمة لابد لنا اليوم أن نعرف البرامج والخطط التي نسير بها إلى المستقبل، والمراحل التي نريد التنقل عَبرها في مسيرنا. لقد أحاط بمجتمعنا في ماضينا القريب أحداث مأساوية زعزعزتنا، وفَتحنا عيوننا على العصر في ضبابِ ودويِ صواعقَ كأنها قيامة حمراء! فكان عسيراً جدا -بطبيعة الحال- أن نبصر بوضوحٍ ونقاءٍ الغايةَ والهدف الذي هو “إحياء أمتنا”، وأن نستدل على الاتجاه القصير الصائب للوصول إلى ذلك الهدف، وقد وجدنا أنفسنا في غبش ذاك الضباب والدخان ومركزِ رجة الكثير من الزلازل. بل لعل ذلك كان محالاً بواقع الأحوال الداخلية والخارجية. نعم، كان عسيراً أو محالا، لكن العجيب أن تتشكل رؤى هذا المجتمع في “الانبعاث من جديد” وأن يتوجه إلى قيمه الذاتية، بالتزامن مع هذا الوقت العصيب بعينه، بعدما سيق إلى التضعضع في كل ما هو ذاتي فيه، وهُيء ليُستَلبَ وجُعل “قابلا للاستعمار”. وكان هذا حالاً خارقاً للعادة… لأن الشعور الفردي كان مهزوزا من الأساس، والشعب كان حائراً ومضطربا في قلب أشد الزلازل وأرهبها، وجموع البشر كانت مقصومة الظهر في مآس مفزعة من أندر ما في التاريخ.

وفي خضم ذلك الضباب والدخان الكثيف حيث لم يكتمل تشكُّل الوجدان والرأي العام الاجتماعي بعدُ… لم يكن هناك غيرُ أفراد منقطعين عن بعضهم البعض، يكدّون من أجل الوصول إلى المستقبل بدافعِ: أن يجدوا لقمتين ومأوى؛ ويعني ذلك أنهم يحسبون المراوحة في مكانهم سيراً وتقدما، غافلين عن غاية حياتهم، وعن وجود قيم سامية تستحق كل شيء حتى الموتَ في سبيلها. نعم، كانت الأفكار مشتتة، والإرادات مهزوزة، والهمم مشلولة، والآفاق مظلمة، والقلوب خاوية. ولكن مع هذه المثبطات كلها، كان المجتمع يصنع كل يوم أحلاماً جديدة ويُسَرِّي عن نفسه بالأماني، ثم يرجع خاوي الوفاض مما أمل في كل يوم جديد ببرنامج جديد!

فحديثه عن تصاميم تشبه أحاديث النيام، وحديثه عن مشاريع، ولو ذات نطاق ضيق، كانت تتزامن مع هذه المرحلة المشؤومة التي تَضاعف فيها وقْعُ النكبات عليه، وتوالت عوامل التعرية الروحية. ولقد بدا كل شيء في البداية كردِّ فعلٍ للأفكار المستهان بها، والمعتقداتِ المتعرضة للتزييف، والضمائرِ المقموعة. ثم تلت ذلك حركاتٌ مستشعرة واعية، وأنشطة مستديمة. فمن اللائق أن نعتبر تلك البداية بداية حقيقية للانبعاث بعد الموت لأمتنا. وكان طبيعيا أن يظهر بعد هذه المرحلة -كما ظهر قبلها- من يريد أن يتحكم في هذه الحركة الواعية المستشعرة، والطاقةِ الحاصلة من إحياء النفوس والأرواح، ويوظِّفَها كما يهوى ويشتهي… وقد ظهر فعلا. ولكن جموع البشر لم تَعُد تَقبل أن تقع -كرة أخرى- في موقع “القابلية للاستعمار”، بعدما بدأت تُدرِك ذاتَها بذاتها، وبمقوماتها الداخلية الذاتية.

بداية واعدة

ومع الزلات والكبوات، كان الانخراط يمضي ويدوم في هذا الإحياء الذي صارت الجموع تستشعره في عوالمها الداخلية وفي أرواحها وقلوبها. وسيحظى الجميع -الجميع من غير استثناء- بوجودٍ ذاتي جديد، عاجلا أو آجلا. صحيح أن موانع كأمثال ذلك الضباب والدخان القديم لا زالت تُعيق الرؤية السليمة والإحساس السليم للمجتمع، لكن كثافة الضباب والدخان اليوم ليست كالقتام الذي عرفناه؛ فبشيء من الهمة والجهد، صارت القلوب قادرة على أن تنهل من منابعها الذاتية وأن تحلم بتحقيق رؤاها الحضارية.

غير أنه ينبغي اليوم، أن نحدد إطار الفهم لتلك الحضارة، ونعيد النظر في كنهها (بتعريف جامع ومانع)، ونقف على المعنى والمحتوى لأمسنا، وفوضوية يومنا وغموضه، والمعالجات المتصوَّرة لغدنا… ثم نتعرفَ على صوت هذا العصر مع الحفاظ على الأصل والذات من جهة، وأخذِ معالجات الزمان الحاضر وتفسيراته بنظر الاعتبار من جهة أخرى. وبدهي أن هذا عمل شاق، لكننا قادرون على القيام بأعبائه بعناية الله عز وجل، ما دمنا قد ألقينا بأنفسنا في هذه الطريق…

ومن مقاربة أنتروبولوجية (Anthropology)، نجد أن الحضارة -والتي يمكن أن نفسرها بأنها مجموع النشاطات المتعلقة بتنظيم الحياة الإنسانية، أو التصورات الفكرية والاعتقادية والفنية لأي أمة، أو كل الأوصاف الخاصة بوجودها المادي والمعنوي- مفهومٌ له أشكال مختلفة وعديدة، وذلك حسب الرؤى والفهوم والفلسفات والقدرة على التلقي. ومهما كثر التنوع في التفسير، فلا شك أن الرؤية السليمة ليست تلك النوعية والأساليب من الحياة التي انتقلت إلينا من رجال فترة الاستعمار، فتقطعت أنفاسنا لهثاً وراءها منذ سنين طويلة، ونزعنا من أجلها عن أنفسنا كثيراً من قيمنا. ولو كانت كذلك، لفَقَد الكفاحُ العظيم ضد الاستغلال والاحتلال كلَّ معانيه وجدواه.. والواقع أن هدف الكفاح كان واضحاً، وهو: الاستقلال التام في كل النواحي.

فإن كنا الآن نفكر في إعادة بناء الذات من جديد، ونبحثُ عن أسلوبنا الذاتي الحضاري، فينبغي أن نتخلص من احتلال المفاهيم والأفكار الغريبة في داخلنا، والمبرمجةِ على تخريب جذور الروح والمعنى فينا، وأن نتَّبع -بالضرورة- سبيلا يُمكّننا من العمل على طبع فكرنا الذاتي ونظامنا الاعتقادي الذاتي، وفلسفتنا الذاتية في الحياة، على نسيجنا الحضاري الخاص.

وبغض النظر عن التحليلات الأنثروبولوجية الحديثة لابد لنا -وبقدر المستطاع- أن نستخدم جميع الوسائل المشروعة للوصول إلى الهدف الجليل الذي يمليه علينا فكرنا الذاتي، ونجدَ حلولاً بديلة للتخلص من الفوضى التي نعيشها… وعلينا -إذ نبحث عن الحلول البديلة- أن نأخذ بنظر الاعتبار كل الحيثيات التي تتعلق بموقعنا الجغرافي والاجتماعي.

ولئن كانت الحضارة عنواناً أو مصدراً لمجموع الأحوال والأشراط المادية والمعنوية، وكانت هذه الأحوال والأشراط واعدةً بتلبية حاجة أفراد ذاك المجتمع من أطفال وشباب وشيوخ ومسنين، بل ملبية لها بالفعل في كل مرتبة من مراتب الحياة، وفي كل مرحلة من مراحل التطور.. فإني أحسبُ أن الأصوب هو أن ننظر إلى القضية بعينٍ عملية إلى جانب المنظور الأنثروبولوجي، بصورة قد تتعدى علم الأنثروبولوجيا البحت. وإذ نفكر في هذا، يلزمنا ألا نُهمل المرحلة الراهنة لتطور للمجتمع. فإننا إذا اقتدينا -بوضعنا الحالي- بدول سبقتنا في وتيرة الإمكانات الحضارية بأشواط بعيدة، أو بأخرى تقطع المسافات بسرعة البرق في الطريق الذي نمشي فيه مرة ونكبو أخرى، ومعنا آخرون ممن يقاسموننا الخطوط والتوجهات نفسها، للوصول إلى الغاية، فأحسب أننا سنقع تحت صفعات الخيبة عند الفشل في نوال المقصود، ونعجز عن الوقوف على أقدامنا تحت وطأة الخذلان.

دور البيئة في ظهور العبقريات

إن المجتمعات المتطورة والمتقدمة اليوم كانت من قبلُ تعاني من مثل ما نعانيه، وتقوم وتقعد في تلبد كتلبدنا، وتكتوي بنارِ عذاب كعذابنا. ثم جاءتها أيامٌ فُتحت فيها أبواب التجديد على مصاريعها بفضل ما كانوا يتمتعون به من شوق البحث وعشق العلم وحثيث العمل ومكافأةِ من وُفقوا، بأجزل المكافآت. فتَحققَ النجاح إثر النجاح مما أدى إلى فوران العزم وشحذِ التوق، وصارت البيئة عندهم مشاتل تحتضن فسائل العبقرية… فتَتَابَعَ الاختراع؛ من مكائن البخار إلى مصانع النسيج، ومن مختبرات الأبحاث إلى المطابع… وبَلَغوا بعد مدةٍ عصرَ العلم والعقول الألكترونية.

ولما كافأ الذين يقدِّرون العلم في تلك الأيام الكشوفاتِ والاختراعات والأبحاثَ العلمية، صاروا وسيلة لانكشاف القابليات العظيمة في كل مكان لِتجدَ فرصتها في النماء والتطور، فكأنّ أطراف أرضهم معرض العجائب، لأعمال النوابغ الذين لا يَعرفون الفتور.

وكما تعاقب ظهور العلماء في عالمنا الإسلامي، من أمثال ابن سينا والفارابي والخوارزمي والرازي والزهراوي… إبان تحقُّق الوسط والبيئة الشبيهة، كذلك استَخدم الغربُ ما توارثه من المكتسباتِ خير استخدام وبأوسع وجه ممكن في ذلك الوسط، واستطاع أن يسِمَ القرون الأخيرة بسِمَتهِ.

قراءة شمولية للتجربة الغربية

لذلك، من الغلط أن نحصر حاضر “الغرب” في آثار جهود علماء ذوي قابليات راقية، مثل كوبرنيك، وغاليلو، وليونارد دافينشي، ومايكل أنجيلو، ودانتي.. أو أديسون، وماكس بلانك، وآينشتين؛ فلا يمكن أن نُرجع “النهضة العلمية” أمس، ولا الفوران العلمي والتكنولوجي اليوم، إلى مساعي عدد قليل من أمثالهم فحسب. وإلا، فإننا فسنواجه مشاكل نعجز عن إيضاح أسبابها بالقاعدة المعروفة بـ”تناسب العلية”. فإن النجاحات الخارقة للعادة، المتحققة أمس واليوم، والتكوينات العالمية الكبرى، مرتبطة -إضافةً إلى عبقرية الأفراد ونبوغهم- بالبناء الاجتماعي المولدِ للعبقرية، والوسطِ المناسب لتنشئة المكتشِفين، والبيئةِ العامة الحاضنة للقابليات.

فنقول بهذا الصدد: إن الحديث عن الوسط والبيئة العامة مازال يرِد حيثما يرِد ذكر همة أصحاب الاستعدادات السامقة وجدُّهم وجهدهم، بل كثيراً ما يظهر الدهاء والقابليات لأصحاب المواهب العظيمة والعباقرة السامقين بقدر ما تسمح به البيئة العامة. وتَوَقُّعُ ما يخالف ذلك غير مُجْدٍ اليوم أيضاً.. فبدهي أنه ما من أحد يقوى على تغيير قواعد “الشريعة الفطرية”. فالذي يناطح السنن الكونية كلَّها فسيخرّ منهزماً، عاجلا أو آجلا. إن العبقرية في أرضٍ غير أرضها محكومٌ عليها أن تكون كعصفٍ مأكول، كما يُحْكَمُ على البذرة بالفناء في أرض لا تُرعى فيها بالهواء والماء والقوة الإنباتية.

رؤية تسلسلية لمراحل الانطلاقة

إذن علينا أن نبحث عما نأمله لغدنا، في نقطةٍ تتلاقى فيها البيئة الصالحة وعشقُ العلم وعزمُ العمل والبحث المنهجي. فإذا ما أثارت البيئةُ الصالحة العشقَ العلمي، وألهبت العزائم على السعي والإنجاز، فستشعر القلوب الحساسة بذلك في أعماق كيانها بعمليةِ امتصاصٍ خارقة، ثم تقوِّمه، ثم تضعه موضع التنفيذ في إطار منهجية معينة. وبعد ذلك، تعمل “الدائرة الصالحة”(1) للارتقاء بإلهاماتٍ وتداعيات وتركيبات وتحليلات جديدة.. تعقبها -باستمرار واطرادٍ- الجهودُ الفكرية والنُّظُم المنسجمة مع مقوماتنا الذاتية والمتوافقةُ مع رؤيتنا ومبادئنا الحضارية.

لكن الحاصل عندنا كان دائماً عَرْضاً خَلاّباً لما أنتجه غيرنا تحت اسم التحديث أو النهضة الإسلامية، وإن كان أكثر هذه المنتجات يناقض مرتكزاتنا الأساسية. فلم نفلح في تفهم “التحديث” أو “النهضة” بمقوماتها الذاتية، أو -قل إن شئت- ذهلنا عن ذلك. ومن هذا الوجه، نستطيع القول بأنَّ تخلف عالمنا عن اللحاق بما بلغته الدول المعاصرة، وعجزَه -مع كده وجهده- عن تحقيق النهضة المأمولة، ليس بسبب الوضع الجغرافي لبلادنا، أو نقص الإمكانات، أو ضعف القدرات والقابليات لإنساننا، بل لقصورٍ عن فهم كنه التحديث ونقصٍ في الفكر، والاكتفاءِ بالقوالب الفكرية النمطية كبديل عن حب العلم وعشق الحقيقة.

نموذج ألمانيا واليابان

وأظن أن التعرف على أنموذج جارتنا القريبة منا: ألمانيا، وعملاقِ الشرق الأقصى: اليابان، يزيح عن أنظارنا ستائر كثيرة لنطلع على نواقصنا.

فألمانيا خرجت من حربين عالميتين مثخنةً بالجراح؛ فكان حالها في النصف الأول من ال قرن العشرين خراباً وركاماً ومأوى للبوم الناعب في كل طرف، وكأنها هي التي وصفها محمد عاكف في بيت شعر:

الديار خرائب،

والصحاري خالية موحشة،

والأيام محرومة من العمل والكد،

والليالي جاهلة بمعنى الغد.

لكنها تغلبت على المثبطات، ولمت شعثها وجمعت أشتاتها في زمن قصير، وانتصبت بلداً عملاقا أمام العالم. ولم يكن أحد يتفوه بكلمة عن الوحدة الألمانية، حينما كنا نحلم نحن بأحلام التحديث في أوائل القرن التاسع عشر. وإذ صارت ألمانيا بلاد الأحلام متحدية كل هذا الخراب، لا زلنا نثرثر عن أحلام التحديث. وقد يقال: “إن ألمانيا غيرت كفنها إلى قميص مرتين لكونها بلدا غربيا محظوظا، فحققت انبعاثاتٍ بعد موتها مرات حسب فلسفة حياتها… إذ ما كانت ألمانيا قادرة على القيام من كبوتها لولا حظها من القرابة الدينية والثقافية من دول أوروبا”. ولئن قبلنا بهذه الفرضيات والتقديرات في شأن ألمانيا، فثم “يابانُ” الشرقِ الأقصى التي تعرضت للحصر والتحديد من العالم الغربي كلِّه ردحاً من الزمن.

إن مشاريع التحديث عندنا تسبق اليابان بنصف قرن من الزمان. إنها بدأت بالسعي الحثيث في طريق التحديث بعدنا بخمسين أو ستين عاماً… فاجتازت كل العوائق وسبقتنا في طفرة واحدة مع أنها كانت قد أصيبت بنكبتين عظيمتين في تاريخها القريب، فأخذت موقعها بين العوائل الكبيرة والقوية التي تتولى شؤون العالم. وإذ نسلي أنفسنا ونُسرِّي عنها بأناشيد الولادة والانبعاث من جديد، بدأ اليابانيون بجني ثمار نهضتهم. وإذ ينهش بعضنا بعضاً بعد مائة وخمسين سنة من المسير، بمناقشةِ صحةِ نقطة الانطلاق بدلا من النقاش حول الهدف المنشود.. سد اليابانيون الفجوة بينهم وبين الغرب في زمن قصير لا يعدو الأربعين عاماً، واكتسبوا قدرةَ منافسةِ عصرهم ومنازلته. فاليابان اليوم قوة عملاقة؛ بقدرة اقتصادها ونشاط مبادراتها، وطاقتها الاستثمارية الفعالة، وسُمْعتها الجيدة على مستوى العالم… وقد ظلت اليابان حَذِرة وانتقائية ومُخْلصة لهويتها القومية إبان تحقيقها التحديثاتِ المتتالية وتبشيرِ شعبها بوعود المستقبل المرفَّه، وأثناء اقتباسها من العالم ما تقتبس، وأخذِها ما تأخذ أو تركِها ما تترك.. فلم تستخف بتاريخها، ولم تلعن ماضيها، ولم تنكر جذورها المعنوية والروحية.. بل ما فتئت تفكر مليا في المهاوي السحيقة بين حالها المتخلف وبين الذرى التي تصبو إليها، وتُقَوِّم الحال بعقلانية وواقعية، فخططت مشاريع قابلة للتطبيق، وَآمنت بأنها ستحل معضلات التخلف كلَّها بمنظومة اجتماعية تقوم -إلى حد كبير- على الأسس الأخلاقية، ومَلَأت الفجواتِ الناجمةَ من نقص القدرات وزيادةِ الحاجات، بالاعتزاز الوطني، والانتساب القومي، والعزم، والحركةِ المنظمة الهادفة، وتنظيمِ المساعي والجهود. فنجحت في الاحتفاظ بهويتها الذاتية، وصارت أنموذجاً يَذكُره التاريخ كشعب أنجز عجائب العصر.

إنَّ ما فعلناه في تاريخنا القريب هو الكدح في محاولة بناء الحضارة فوق إنجازاتها السابقة وأنعُمِها وثمراتها. أما اليابان وأمثالها من البلاد المتقدمة، فقد أقامت كل شيء على أسس الفكر الحضاري والمفاهيم والسلوكيات الحضارية. ومع تقديري وتوقيري لشيء من التطور الحاصل عندنا، فإني أظن أن هذه النظرة المنحرفة -في عالمنا الإسلامي- هي السبب الرئيس في مراوحتنا في مكاننا بينما يتسابق الآخرون من نجاح إلى نجاح. فبينما كنا نكافح نحن في استكشاف طرق سهلة ورخيصة للحصول على أنعم الحضارة ووسائلِ تَقَاسُمها، أقامت الشعوب المتقدمة بناءَ كلِّ شيء على الإنسان والأخلاق والتعليم والثقافة.. واجتازت بسرعة الطير المهاويَ التي سقطنا فيها، فارتقت إلى القمم التي قصرنا عنها.

الإنسان المؤهل وبناء الحضارة

ولننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى؛ إن مجموع النتائج والمعطيات لحضارة معينة هي تلك الحضارة عينها. وعلينا أن لا ننسى أن أهم أركان ظاهرة الحضارة هو الإنسان المؤهل، وأقوى أسسها الحيويةِ هو دولة حرة ومستقلة، وأثمنُ رؤوس أموالها هو الزمن. ولا نشك أن الدول المتقدمة قد استغلت هذه المقومات بأحسن وجه. وعلاوة على استغلالها هذه المقومات استغلالاً حسنا، لم تهمِل أبداً تقسيمَ الوظائف، واحترامَ الاختصاصات، والاهتمامَ بالإنسان، ومكافأة النجاحات، واستثمارَ الإمكانات الأولية التي وهبها الله تعالى لها استثمارا مُجْدِيًا؛ وفي المقابل إذا وقعت هذه المقومات التي تساوي قيما فوق القيم في أيدي المجتمعات التي لم تنظِّم مساعيها تنظيماً دقيقا، ولم توزِّع الواجبات والأعمال توزيعاً جيدا، ولم تتعرف إلى أسرار ثرواتها المكنوزة والظاهرة، ولم تتفهم القيمة الحقيقية للإنسان، ولم تستثمر الزمن استثماراً مجزيا… ففي هذه الحالة ستكون هذه المقومات كالمتاع الذي وقع في يد بائع لا يقدِّر قيمتَها فيبيعها بثمن بخس دراهم معدودة.

إن كل الأمم التي تركت حضاراتُها آثارا وبصمات في التاريخ والخرائط الجغرافية، لم يُنقش اسمها على صفحات التاريخ بأحرف بارزة إلا بمثل هذه المثابرة في التقويم والتنظيم، والقابليةِ في التركيب والتحليل، والتعبئة الروحية والفوران المعنوي..

ففي الخط التاريخي الطويل، الممتد من البراهمانية إلى البوذية، ومن اليهودية إلى المسيحية ثم الإسلام، هناك أمم عديدة تربت في مهد الإيمان والعشق والتصورات الروحية والمعنوية فأكسبت الأرض والزمان والإنسان قيما لا تقدر بثمن لكن الواقع أن الإسلام يمتاز بأوجه كثيرة عن جميع الأفكار والنظم القديمة والحديثة، الدينية واللادينية. وابتداءً، فإنه من المسَلَّم به أن حركات التجديد والتحديث الواقعة في جميع النظم غير الإسلامية، أدت إلى إبعاد الدين عن مركز الحركة. أما في الإسلام، فـ-على خلاف ذلك مطلقاً- قد تولى الدينُ رسالة مهمة في مركز الحركة التجديدية، وتحولت كلُّ حملة إلى تماسكٍ ونضوجٍ واعدٍ بالمستقبل، بتغذيتها المستمرة من معانيه وروحه.

دور الدين في انطلاقنا الحضاري

وما زال إنساننا منذ سنين ينتظر من روح الدين بارقة من هذا النوع كلما هم بالقيام بعمل. وبالفعل لاحظنا أن لمعان بارقة من هذا النوع ولو من بعيد، أو رؤى تحمل رموزا ودلالات حوله… قد كفت لانبعاثِ أرواح بالية منذ مئات السنين.

فما بالك إذا اطلعنا على نتائج الجهود التي تبدو الآن ضعيفة ولكنها في الحقيقة مهمة؟! فإنني أظن أن الآمال حينذاك ستتحفز وتنشدّ بجدةِ “انبعاث بعد الموت”، وتَنهضُُ الإراداتُ، وتَجيش القلوبُ بالإيمان، فإذا بنا نُحَقِّق المشاريعَ الحضارية المترقَّبة منذ مئات السنين واحدا تلو الآخر. هذا، ما لم نستسلم للعوائق المصطنعة والموقوتة التي تريد أن تقطع علينا السبيل، وما لم نتطلع إلى الأجور الدنيوية أو الأخروية لخدماتنا التي نحن ملزمون بأدائها والإيفاء بحقها، وحَصَرْنَا الغاية في طلب رضى الحق تعالى وحده.

إن الفهم للديمقراطية والحرية -ولو بوضعهما الحاضر- قد خلّصت شعباً عاش رهين الغفلة، وجهزته بأحاسيسَ وأفكارٍ وقدرات للعبور إلى الحضارة… فإذا لم ندمر التوازناتِ ضد مصالح أمتنا، في مواجهة الأحوال والمعادلات الداخلية والخارجية، فسنقتدر في العاجل القريب أن نقول: هاكم مشاعرنا الذاتية ومنظومتنا الفكرية وقراءتنا للحياة ورؤيتنا الحضارية وثقافتنا الأصيلة…

سيما 15 - 6 - 2013 01:36 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
القندس

محمد حسن علوان



هي وحدها تلك اللغة السردية الشفافة التي تشفع للكاتب في هذه الرواية، رواية تدخلنا في دوائر مغلقة مواربة وتحصرنا في أحداث عادية روتينية من البداية الى البداية، دون أي ملامح لنهاية.



غاب عن رواية “القندس” البناء الدرامي المشوق الذي قد يقودنا من حدث الى آخر بتسلسل منطقي مثير، واقتصر على سرد لماضٍ عائلي تقليدي لا يكفي لتصوير واقع غير طبيعي، فكانت الأحداث متناثرة وغير مترابطة كمن يزدحم رأسه بأجزاء من الكوابيس غير المنطقية، لذا، تبخرت الوجوه والأحداث بمجرد تقليب الصفحات دون أن تترك أي اثر في الذاكرة.



كثيرة هي أوجه التشابه بين هذه الرواية وروايات الكاتب السابقة، وكان هذا واضحا” في طريقة بناء الشخصيات والأحداث، والتركيز المتكرر على جلد الذات ونقد المجتمع بذات الأسلوب المتبع في رواياته السابقة.



كما كان هناك العديد من الحلقات الضائعة ما بين فصل وآخر، كالزمن الفاصل بين ذهابه الى أمريكا كطالب وذهابه مرة أخرى بعد عشرين عام كمهاجر، وبذات الوقت، هناك تركيز على أحداث ثانوية لا تضيف لبنة في البناء الدرامي للرواية.



ربما هي النهاية التي تعيد للرواية القليل من الزخم، وتخرج القارئ من رتابة الحدث الى نتيجة ممكنة لحلم ينتهي ببساطة، قبل أن يتحول الى كابوس مقيت. يصف الكاتب عودة عشيقته إليه وكأنها غير تلك المرأة التي عشقها، فيخاف من بقائها: “ماذا أفعل بامرأة تعيش معي وكأن شقتي محطة انتظار؟ وماذا سأفعل معها لو أنها قررت أن تجعلها محطة وصول؟”

محمد عيسى موسى ابراهيم 16 - 6 - 2013 12:53 AM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
يعطيك العافية على الطرح
دمت بكل الخير
مودتي

أصدق احساس 13 - 8 - 2014 04:36 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
مائة عام من العزلة


المؤلف : غابرييل غارسيا ماركيز

تمثل هذه الرواية التي حازت على جائزة نوبل في الأدب عام 1982 إحدى الشوامخ في الفن الروائي الغربي قديمه وحديثه وقد برز مؤلفها كواحد من أهم أعلام الأدب اللاتيني المعاصر. في هذه الرواية يمتد الزمان ليتقلص ضمن أوراقها وسطورها حيث يحكي غارسيا ماركيز حكاية لأسرة أوريليانو على مدار عشرة عقود من الزمان، ململماً هذا الزمان باقتدار وبراعة بالغين بما فيه من غرائب الأحداث وخوارق الوقائع ودخائل المشاعر ودقائق التحليلات وعظائم المفاجآت، أتى بها لتروي قصة هذه الأسرة التي كانت الغواية هي القاسم المشترك في حياتها نساءً ورجالاً حتى امتدت لعنتها إلى آخر سليل منهم.
نبذة
“عندها، وحسب، اكتشف أوريليانو أن أمارانتا-أورسولا لم تكن أخته بل خالته، وأن السيد فرانسيس دريك قد هاجم ريوهاشا لسبب واحد هو أن يمكنهم من البحث عن بعضهم، في معارج تيه الدم المتشابكة، حتى بإمكانهم إنجاب الحيوان الخرافي الذي يضع حداً للسلالة كلها…
كما أدرك أوريليانو أن ما كان مدوّناً في تلك الرقاع لا يقبل التكرار، فهو أزلي محتوم منذ بداية الوجود، وهو سرمدي سوف يظل إلى الأبد. فالسلالات التي حكم عليها القدر حكماً حتمياً، بزمن من العزلة يمتد مئة عام، لن تكون لها فرصة أخرى للعيش على وجه الأرض”.

مع غارسيا ماركيز تدخل وكقارئ عوالم ماركيز التي ماجت بها مناخات روايته. تجتاز مساحات الزمان ومساحات المكان… وآفاق الإنسان المترعة بتجاربه التي أغناها ماركيز بالمعاناة الإنسانية المنسحبة على أجيال. وأثراها بالخيال الجامح الذي يجعلك في حلم تصحو منه لتجد أنه وعلى الرغم من سمة العزلة التي تسحب عليها، حتى اختارها لها كاتبها اسماً، وعلى الرغم من الحتمية التي ينظر بها المؤلف للأمور من زاويته، تصحو لتجد سطور الرواية أشبه ما تكون بالحياة: شائعة وشائكة، بسيطة ومعقدة، متفائلة ومتشائمة، حلوة ومرة، إنها ككل الأدب الرفيع، جديرة بأن تقرأ، وككل الحياة تستأهل أن تعاش.

ليل الغريب 13 - 8 - 2014 05:27 PM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
‎تسلم ايديكم على النقل الجميل
دمتم بصحه وعافيه ‏

وفاء بنت غزة 23 - 9 - 2014 01:21 AM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
جميل يعطيك الف عافيه
مشكورة

أبو جمال 25 - 2 - 2015 01:30 AM

رد: قرأت كتاباً وأعجبني
 
من اجمل المواضيع شمولية لمؤلفات قيمهتحياتي واحترامي للجميع


الساعة الآن 08:39 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى