منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 8 - 8 - 2010 04:17 PM

دولة ابن غانية
الخبر عن دولة ابن غانية من بقية المرابطين وما كان له من الملك والسلطان بناحية قابس وطرابلس واجلابه علي الموحدين ومظاهرة قراقش الغزي له على أمره وأولية ذلك ومصايره كان أمر المرابطين من أوله في كدالة من قبائل الملثمين حتى هلك يحيى بن إبراهيم فاختلفوا على عبد الله بن ياسين أمامهم وتحول عنهم إلى لمتونة وأقصر عن دعوته وتنسك وترهب كما قلناه حتى إذا أجاب داعية يحيى بن عمر وأبي بكر بن عمر من بني ورتانطق بيت رئاسة لمتونة‏.‏ واتبعهم الكثير من قومهم وجاهدوا معه سائر قبائل الملثمين وكان مسوفة قد دخل في دعوة المرابطين كثير منهم فكان لهم بذلك في تلك الدولة حظ من الرئاسة والظهور‏.‏ وكان يحيى المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدماً عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه‏.‏ واتفق أنه قتل بعذر رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهم فتثاور الحيان وفر هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع علياً من مقره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت منه محمداً ويحيى ونشأ في ظل يوسف بن تاشفين وحجر كفالته‏.‏ ورعى لهما علي بن يوسف ذمام هذه الأواصر وعقد ليحيى على غرب الأندلس وأنزله قرطبة‏.‏ وعقد لمحمد على الجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة سنة عشرين وخمسائة وانقرض بعد ذلك أمر المرابطين‏.‏ وتقدم وفد الأندلس إلى عبد المؤمن وبعث معهم أبا إسحق براق بن محمد المصمودي من رجالات الموجدين وعقد له على حرب لمتونة كما يذكر في أخبارهم فملك إشبيلية واقتضى طاعة يحيى بن علي بن غانية واستنزله عن قرطبة إلى جيان‏.‏ والقلعة فسار منها إلى غرناطة يستنزل من بها من لمتونة ويحملهم على طاعة الموحدين فهلك هنالك سنة ثلاث وأربعين ودفن بقصر باديس‏.‏ وأما محمد بن علي فلم يزل والياً إلى أن هلك وقام بأمره بعده ابنه عبد الله‏.‏ ثم هلك وقام بالأمر أخوه إسحق بن محمد بن علي‏.‏ وقيل إن إسحق ولي بعد ابنه محمد‏.‏ وأنه قتله غيرة من أخيه عبد الله لمكان أبيه منه فقتلهما معاً واستبد بأمره إلى أن هلك سنة ثمانين وخمسائة‏.‏ وخلف ثمانية من الولد وهم محمد وعلي ويحيى وعبد الله والغازي وسير والمنصور وجبارة فقام بالأمر ابنه محمد‏.‏ ولما أجاز يوسف بن عبد المؤمن بن علي إلى ابن الزبرتير لاختبار طاعتهم ولحين وصوله نكر ذلك إخوته وتقبضوا عليه واعتقلوه‏.‏ وقام بالأمر أخوه علي بن محمد بن علي وتلوموا في رد ابن الزبرتير إلى مرسله وحالوا بينه وبين الأسطول حين بلغهم أن الخليفة يوسف القسري استشهد في الجهاد بأركش من العدوة وقام بالأمر ابنه يعقوب واعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في اثنتين وثلاثين قطعة من أساطيلهم وأسطوله وركب معه إخوته يحيى وعبد الله والغازي وولي على ميورقة عمه أبا الزبير وأقلعوا إلى بجاية فطرقوها على حين غفلة من أهلها وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان بايميلول من خارجها في بعض مذاهبه واعتقلوا بها السيد أبا موسى بن عبد المؤمن كان قافلاً من إفريقية يؤم المغرب وكان والي القلعة قاصداً مراكش وهو يستخبر خبر بجاية فرجع وظاهر السيد أبا الربيع وزحف إليهما علي بن غانية فهزمهما واستولى على أموالهما وابنتهما ولحقا بتلمسان فنزلا بها على السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأخذ في تحصين تلمسان ورم أسوارها وأقاما عند السيد يرومان الكرة من صاحب تلمسان وعاث علي بن محمد بن غانية في الأموال وفرقها في ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم ورحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها بدر بن عائشة‏.‏ ثم نهض إلى القلعة فحاصرها ثلاثاً ودخلها عنوة وكانت له في المغرب خطة مشهورة ثم قصد قسطنطينة فامتنعت عليه واجتمعت عليه وفود الغزو سرح العساكر في البر لنظر السيد أبي زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وعقد له على المغرب الأوسط‏.‏ وبعث الأساطيل إلى البحر وقائدها أحمد الصقلي وعقد عليها لأبي محمد بن إبراهيم بن جامع وزحفت العساكر من كل جهة فثار أهل الجزائر على يحيى بن أبي طلحة ومن معه وأمكنوا منهم السيد أبايزيد فقتلهم على شلف وعفا عن يحيىى لنجدة عمه طلحة وكان بدر بن عائشة أسرى من مليانة واتبعه الجيش فلحقوه أمام العدو فتقبضوا عليه بعد قتال مع البرابرة حين أرادوا إجارته وقادوه إلى السيد أبي يزيد فقتله وسبق الأسطول إلى بجاية فثار بيحيى بن غانية وفر إلى أخيه علي لمكانه من حصار قسطنطينة بعد أن كان أخذ بمخنقها ونزل السيد أبو زيد بعساكره بتكلات من ظاهر بجاية وأطلق السيد أبا موسى من معتقله ثم رحل في طلب العدو فأفرج عن قسطنطينة بعد أن كان أخذها ومضى شديداً في الصحراء والموحدون في اتباعه حتى انتهوا إلى مغرة ونغارس‏.‏ ثم نقلوا إلى بجاية واستنفر السيد أبا زيد بها وقصد علي بن غانية في قفصة فملكها ونازل بورق وقصطيلة فامتنعت وارتحل إلى طرابلس وفيها قراقش الغزي المطغري وكان من خبره على ما نقل أبو محمد التيجاني في كتاب رحلته أن صلاح الدين صاحب مصر بعث تقي الدين ابن أخيه شاه إلى المغرب لافتتاح ما أمكنه من المدن تكون له معقلاً يتحصن فيه من مطالبة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام الذي كان صلاح الدين عمه من وزرائه‏.‏ واستعجلوا النصر فخشوا عاديته‏.‏ ثم رجع تقي الدين من طريقه لأمر عرض له ففر قراقش الأرمني بطائفة من جنوده‏.‏ وفر إبراهيم بن قراتكين سلاح دار المعظم نسبة للملك المعظم شمس الدولة ابن أيوب أخي صلاح الدين‏.‏ فأما قراقش فلحق بسنترية وافتتحها وذلك سنة ست وثمانين وخطب فيها لصلاح الدين ولأستاذه تقي الدين‏.‏ وكتب لهما بالفتح وافتتح زويلة وغلب بني خطاب الهواري على ملك فزان وكانت ملكاً لعمه محمد بن الخطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب وهو آخر ملوكهم وكانت قاعدة ملكه زويلة‏.‏ وتعرف زويلة ابن خطاب فتقبض عليه وغلبه على المال حتى هلك ولم يزل يفتح البلاد إلى أن وصل إلى طرابلس واجتمع عليه عرب ذياب بن سليم‏.‏ ونهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه واستخلص أموال العرب واتصل به مسعود بن زمام شيخ الدواودة من رياح عند مفره من المغرب كما ذكرناه‏.‏ واجتمعت أيديهم على طرابلس وافتتحها واجتمع إليه ذؤبان العرب من هلال وسليم‏.‏ وفرض لهم العطاء واستبد بملك طرابلس وما وراءها وكان قراقش من الأرمن وكان يقال له المظفري لأنه مملوك المظفر والناصري لأنه يخطب للناصر صلاح الدين‏.‏ وكان يكتب في ظهائره ولي أمير المؤمنين بسكون الميم ويكتب علامة الظهير بخطه‏:‏ وثقت بالله وحده أسفل الكتاب‏.‏ وأما إبراهيم بن قراقش صاحبه فإنه سار مع العرب إلى قفصة فملك جميع منازلها وراسل بني الزند رؤساء قفصة فأمكنوه من البلد لانحرافهم عن بني عبد المؤمن فدخلها وخطب للعباسي ولصلاح الدين إلى أن قتله المنصور عند فتح قفصة كما نذكره في أخبار الموحدين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:18 PM

رجع الخبر إلى ابن غانية
ولما وصل علي بن غانية إلى طرابلس ولقي قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحدين واستمال ابن غانية كافة بني سليم من العرب وما جاورهم من مجالاتهم ببرقة وخالطوه في ولايتهم واجتمع إليه من كان منحرفاً عن طاعة الموحدين من قبائل هلال مثل‏:‏ جشم ورياح والأثبج‏.‏ وخالفتهم زغبة إلى الموحدين فاعتقلوا بطاعتهم سائر أيامهم‏.‏ ولحق بابن غانية فل قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع فانعقد أمره وتجدد بذلك القطر سلطان قومه‏.‏ وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيراً من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العباسية‏.‏ ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الأندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضيئ ببغداد مجدداً ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة والطاعة وطلب المدد والإعانة فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب جاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في إقامة الدعوة العباسية‏.‏ وظاهره ابن غانية على حصار قابس فافتتحها قراقش من يد سعيد بن أبي الحسن وولى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره‏.‏ ثم اتصل بها إلى أن وصل إلى قفصة خلعوا طاعة ابن غانية فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة‏.‏ ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضاً‏.‏ ولما اتصل بالمنصور ما نزل بإفريقية من أجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه‏.‏ ووصل إلى تونس فأراح بها وسرح في مقدمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن ومعه عمر بن أبي زيد من أعيان الموحدين فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده فانهزم الموحدون وقتل ابن أبي زيد وجماعة منهم وأسر علي بن الزبرتير في آخرين وامتلأت أملاك العدو من أسلابهم ومتاعهم‏.‏ ووصل سرعان الناس إلى تونس وصمد المنصور إليهم فأوقع بهم بظاهر الحامة في شعبان من سنته‏.‏ وأفلت ابن غانية وقراقش بحومة الوفر وبادر أهل قابس وكانت خالصة لقراقش دون ابن غانية فأتوا طاعتهم وأسلموا من كان عندهم من أصحابه وذويه فاحتملوا إلى مراكش وقصد المنصور إلى توزر فحاصرها فأسلموا إليه من كان فيها من أصحاب ابن غانية‏.‏ وبادر هلها بالطاعة‏.‏ ثم رجع إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من كان بها من الحشود‏.‏ وقتل إبراهيم بن قراتكين‏.‏ وأمتن على سائر الأعوان وخلى سبيلهم وأمن أهل البلد في أنفسهم وجعل أملاكهم بأيديهم على حكم المساقاة‏.‏ ثم غزا العرب واستباح حللهم وأحياءهم حتى استقاموا على طاعته‏.‏ وفر ذو المراس كثير الخلاف والفتنة منهم إلى المغرب مثل‏:‏ جشم ورياح والعاصم كما قدمناه‏.‏ وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ورجع ابن غانية وقراقش إلى حالهما من الأجلاب على بلاد الجريد إلى أن هلك علي في بعض حروبها مع أهل نفزاوة سنة أربع وثمانين أصابه سهم غرب كان فيه هلاكه فدفن هنالك وعفى على قبره وحمل شلوه إلى ميورقة فدفن بها‏.‏ وقام بالأمر أخوه يحيى بن إسحاق بن محمد بن غانية وجرى في مظاهرة قراقش وموالاته ثم نزع قراقش إلى طاعة الموحدين سنة ست وثمانين فهاجر إليهم بتونس وتقبله السيد أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأقام معه أياماً‏.‏ ثم فر ووصل إلى قابس فدخلها مخادعة وقتل جماعة منهم واستبد على أشياخ ذباب والكعوب من بني سليم فقتل سبعين منهم بقصر العروسيين‏.‏ كان منهم محمود بن طوق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو الجواري‏.‏ ونهض إلى طرابلس فافتتحها ورجع إلى بلاد الجريد فاستولى على أكثرها ثم فسد ما بينه وبين يحيى بن غانية‏.‏ وسار إليه يحيى فانتهز قراقش ولحق بالجبال وتوغل فيها ثم فر إلى الصحراء ونزل ودان ولم يزل بها إلى أن حاصره ابن غانية من بعد ذلك بمدة وجمع عليه أهل الثأر من ذباب واقتحمها عليه عنوة وقتله ولحق ابنه بالموحدين‏.‏ ولم يزل بالحضرة إلى أيام المستنصر‏.‏ ثم فر إلى ودان وأجلب في الفتنة فبعث إليه ملك كام من قتله لسنة ست وخمسين وخمسمائة‏.‏ رجع الخبر‏:‏ واستولى ابن غانية على الجريد واستنزل ياقوت فولى قراقش من طرده كذا ذكره التجاني في رحلته‏.‏ ولحق ياقوت بطرابلس ونازله ابن غانية بها وطال أمر حصاره‏.‏ وبالغ ياقوت في المدافعة وبعث يحيى عن أسطول ميورقة فأمده أخوه عبد الله بقطعتين منه فاستولى على طرابلس وأشخص ياقوت إلى ميورقة واعتقل بها إلى أن أخذها الموحدون‏.‏ وكان من خبر ميورقة أن علي بن غانية لما نهض إلى فتح بجاية ترك أخاه محمداً وعلي بن الزبرتير في معتقلهما‏.‏ فلما خلا الجو من أولاد غانية وكثير من الحامية داخل ابن الزبرتير في معتقله نفر من أهل الجزيرة وثاروا بدعوة محمد وحاصروا القصيبة إلى أن صالحهم أهلها على إطلاق محمد بن إسحاق فأطلق من معتقله وصار الأمر له فدخل في دعوة الموحدين ووفد مع علي بن الزبرتير على يعقوب المنصور‏.‏ وخالفهم إلى ميورقة عبد الله بن إسحاق ركب البحر من إفريقية إلى صقلية وأمدوه بأسطول ووصل إلى ميورقة عند وفادة أخيه على المنصور فملكها ولم يزل بها والياً‏.‏ وبعث إلى أخيه علي بالمدد إلى طرابلس كما ذكرناه وبعثوا إليه ياقوت فاعتقله عنوة أن غلب عليه الموحدون سنة تسع وتسعين فقتل‏.‏ ومضى ياقوت إلى مراكش وبها مات‏.‏ رجع الخبر‏:‏ ولما فرغ ابن غانية من أمر طرابلس ولى عليها تاشفين ابن عمه الغازي وقصد قابس فوجد بها عامل الموحدين ابن عمر تافراكين بعثه إليهم صاحب تونس الشيخ أبو سعيد بن أبي حفص فاستدعاه أهلها لما فر عنهم نائب قراقش أخذ ابن غانية لطرابلس فنازل قابس وضيق عليها حتى سألوه الأمان على أن يخلي سبيل ابن تافراكين فعقد لهم ذلك وأمكنوه من البلد فملكها سنة إحدى وتسعين وأغرمهم ستين ألف دينار وقصد المهدية سنة سبع وتسعين فاستولى عليها وقتل الثائر بها محمد بن عبد الكريم الركراكي‏.‏ وكان من خبره أنه نشأ بالمهدية وصار من جندها المرتدين وهو كوفي الأصل وكانت له شجاعة معروفة فجمع لنفسه خيلاً ورجالاً وصار يغير على المفسدين من الأعراب بالأطراف فداخلهم هيبة وبعد في ذلك صيته وأمده الناس بالدعاء‏.‏ وقدم أبو سعيد بن أبي حفص على إفريقية من قبل المنصور لأول ولايته وولى على المهدية أخاه يونس‏.‏ وطالب محمد بن عبد الكريم بالسهمان في المغانم‏.‏ وامتنع فأنزل به النكال وعاقبه بالسجن فدبر ابن عبد الكريم الثورة وداخل فيها بطانته وتقبض على أبي علي يونس سنة خمس وتسعين واعتقله إلى أن فداه أخوه أبو سعيد بخمسمائة دينار من الذهب العين واستبد ابن عبد الكريم بالمهدية ودعا لنفسه وتلقب المتوكل على الله‏.‏ ثم وصل السيد أبو زيد بمن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن والياً على إفريقية فنازل ابن عبد الكريم بتونس سنة ست وتسعين واضطرب معسكره بحلق الوادي وبرز إليه جيوش الموحدين فهزمهم وطال حصاره لهم‏.‏ ثم سألوه الإفراج عنهم فأجاب لذلك وارتحل عنهم إلى حصار يحيى بن غانية بفاس فنازله مدة‏.‏ ثم ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في أتباعه فانهزم ابن عبد الكريم أمامه ولحق بالمهدية وحاصره ابن غانية بها سنة سبع وتسعين وأمده السيد أبو زيد بقطعتين من الغزاة حتى سأل ابن عبد الكريم النزول على حكمه وخرج إليه فقبض عليه ابن غانية وهلك في اعتقاله واستولى على المهدية واستضافها إلى ما كان بيده من طرابلس وقابس وصفاقس والجريد‏.‏ ثم نهض إلى الجانب الغربي من إفريقية فنازل باجة ونصب عليها المجانيق وافتتحها عنوة وخربها وقتل عاملها عمر بن غالب ولحق شريدها بالأربس وشقبنارية وتركها خاوية على عروشها وبعد مدة تراجع إليها ساكنها بأمن السيد أبي زيد فزحف إليها ابن غانية ثانية ونازلها وزحف إليه السيد أبو الحسن أخو السيد أبي زيد فلقيه بقسطنطينة وانهزم الموحدون واستولى على معسكرهم‏.‏ ثم نهض إلى بسكرة واستولى عليها وقطع أيدي أهلها وتقبض على حافظها أبي الحسن ابن أبي يعلى وتملك بعدها بلنسية والقيروان وبايعه أهل بونة ورجع إلى المهدية وقد استفحل ملكه فأزمع على حصار تونس وارتحل إليها سنة تسع وتسعين واستعمل على المهدية ابن عمه علي بن الغازي ويعرف بالكافي بن عبد الله بن محمد بن علي بن غانية ونزل بالجبل الأحمر من ظاهر تونس ونزل أخوه بحلق الوادي‏.‏ ثم ضايقوها بمعسكرهم وردموا خندقها ونصبوا المجانيق والآلات واقتحموها لأربعة أشهر من حصارها في ختام المائة السادسة وقبض على السيد أبي زيد وابنيه ومن كان معه من الموحدين وأخذ أهل تونس بغرم مائة ألف دينار وولى بقبضها منهم كاتبه ابن عصفور وأبا بكر بن عبد العزيز بن السكاك فأرهقوا الناس بالطلب حتى لاذ معظمهم بالموت واستعجل القتل فيما نقل أن إسماعيل بن عبد الرفيع من بيوتاتها ألقى بنفسه في وارتحل إلى نفوسة والسيد أبو زيد معتقل في معسكره ففعل بهم مثل ذلك وأغرمهم ألف ألف مرتين من الدنانير وكثر عيثه وإضراره بالرعية وعظم طغيانه وعتوه‏.‏ واتصل بالناصر بمراكش ما دهم أهل إفريقية منه ومن ابن عبد الكريم قبله فامتعض لذلك ورحل إليها سنة إحدى وستمائة‏.‏ وبلغ يحيى بن غانية خبر زحفه إليه فخرج من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهن على المظاهرة والدفاع‏.‏ ونازل طرة من حصون مغراوة فاستباحها وانتقل إلى حامة مطماطة‏.‏ ونزل الناصر تونس ثم قفصة ثم قابس وتحصن منه ابن غانية في جبل عمر فرجع عنه إلى المهدية وعسكر عليها واتخذ الآلة لحصارها‏.‏ وسرح الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص لقتال ابن غانية في أربعة آلاف من الموحدين سنة اثنتين وستمائة فلقيه بجبل تاجرا من نواحي قابس وأوقع به وقتل أخاه جبارة بن إسحاق واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله ثم افتتح الناصر المهدية ودخل إليها علي بن الغازي في دعوته فتقبله ورفع مكانه ووصله بهدية وافق وصولها من سبتة إليه على يد واصل مولاه وكان بها ثوبان منسوجان بالجواهر فوصله بذلك كله ولم يزل معه إلى أن استشهد مجاهداً‏.‏ وولى الناصر على المهدية محمد بن يغمور من الموحدين ورجع إلى تونس‏.‏ ثم نظر فيمن يوليه أمر إفريقية لسد فرجها والذب عنها ومدافعة ابن غانية وجموعه دونها‏.‏ فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص فعقد له على ذلك سنة ثلاث كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ورجع الناصر إلى المغرب وأجمع ابن غانية النهوض لقتال الموحدين بتونس وجمع ذؤبان العرب من الدواودة وغيرهم‏.‏ وأوفد الدواودة يومئذ محمد بن مسعود بن سلطان وتحيز بنو عوف بن سليم إلى الموحدين والتقوا بشبرو من نواحي تبسة فانهزمت جموع ابن غانية ولجأ إلى جهة طرابلس‏.‏ ثم نهض إلى المغرب في جموعه من العرب والملثمين فانتهى إلى سجلماسة وامتلأت أيدي أتباعه من النهاب وخرقوا الأرض بالعبث والفساد وانكفأ إلى المغرب الأوسط وداخله المفسدون من زناتة وأغزوا به صاحب تلمسان السيد أبا عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن فلقيه بتاهرت فهزمه ابن غانية وقتله وأسر وافده وكر راجعاً إلى إفريقية فاعترضه الشيخ أبو محمد صاحب إفريقية في جموع الموحدين واستنقذ الغنائم من أيديهم‏.‏ ولجأ ابن غانية إلى جبال طرابلس وهاجر أخوه سير بن إسحاق إلى مراكش فقبله الناصر وأكرمه‏.‏ ثم اجتمع إلى ابن غانية طوائف العرب من رياح وعوف وهيث ومن معهم من قبائل البربر وعزم على دخول إفريقية‏.‏ ونهض إليهم الشيخ أبو محمد سنة ست ولقيهم بجبل نفوسة ففل عسكرهم واستلحم أمرهم وغنم ما كان معهم من الظهر والكراع والأسلحة‏.‏ وقتل يومئذ محمد بن الغازي وجوار بن يفرن وقتل معه ابن عمه من كتاب ابن أبي الشيخ ابن عساكر بن سلطان وهلك يومئذ من حكى ابن نخيل‏:‏ أن مغانم الموحدين يومئذ من عساكر الملثمين كانت ثمانية عشر ألفاً من الظهر فكان ذلك مما أوهن من شدته ووطى من بأسه‏.‏ وثارت قبائل نفوسة بكاتبه ابن عصفور فقتلوا ولديه وكان ابن غانية يبعثه عليهم للمغرم‏.‏ وسار أبو محمد في نواحي إفريقية ودفع سلبهم واستثأر أشياخهم بأهلهم وأسكنهم بتونس حسماً لفسادهم‏.‏ وصلحت أحوال إفريقية إلى أن هلك الشيخ أبو محمد سنة ثمان عشرة وولى أبو محمد السيد أبو العلا إدريس بن يونس بن عبد المؤمن‏.‏ ويقال بل وليها قبيل مهلك الشيخ أبي محمد فاستطار بعد مهلكه ثور بن غانية ونجم نفاقه وعيثه فعابه رعيته ونهض إليه السيد أبو العلا ونزل قابس وأقام بقصر العروسيين وسرح ولده السيد أبا زيد بعسكر من الموحدين إلى درج وغدامس وسرح عسكراً آخر إلى ودان لحصار ابن غانية فأرجف بهم العرب ونهضوا وهم بهم السيد أبو العلا‏.‏ وفر ابن غانية إلى الزاب واتبعه السيد أبو زيد فنازل بسكرة واقتحمها عليه‏.‏ ونجا ابن غانية وجمع أوباشاً من العرب والبربر وأتبعه السيد أبو زيد في الموحدين وقبائل هوارة وتزاحفوا بظاهر تونس سنة إحدى وعشرين فانهزم ابن غانية وجموعه وقتل كثير من الملثمين وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم‏.‏ وكان لهوارة يومئذ وأميرهم حناش بن بعرة بن ونيفن‏.‏ في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن‏.‏ وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس فانكف راجعاً وأعيد بنو حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبي محمد بن أثال بإفريقية‏.‏ واستقل الأمير أبو زكريا منهم بأمرها واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن وتناولها من يد أخيه أبي محمد عبد الله‏.‏ وهذا الأمير أبو زكريا هو جد الخلفاء الحفصيين وماهد أمرهم بإفريقية فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرعه في أقطارها‏.‏ ورفع يده شيئاً فشيئاً عن النيل من أهلها ورعاياها‏.‏ ولم يزل شريداً مع العرب بالقفار فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية‏.‏ واستولى على ابن مذكور صاحب السويقة من تخوم برقة وأوقع بمغراوة بواجر ما بين متيجة ومليانة وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر‏.‏ وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من إمارته سنة إحدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين ودفن وعفى أثر مدفنه‏.‏ يقال بوادي الرجوان قبلة الأربس ويقال بجهة مليانة من وادي شلف ويقال بصحراء باديس ومديد من بلاد الزاب‏.‏ وانقرض أمر الملثمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس بمهلكه‏.‏ وذهب ملك صنهاجة من الأرض بذهاب ملكه وانقطاع أمره‏.‏ وقد خلف بنات بعثهن زعموا إلى الأمير أبي زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر فوضعن في يده‏.‏ وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته إياهن فأحسن الأمير أبو زكريا كفالتهن وبنى لهن بحضرته داراً لصونهن معروفة لهذا العهد بقصر البنات‏.‏ وأقمن تحت حراسته وفي سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهن بذلك منهن وحفظهن لوصاته‏.‏ ولقد يقال إن ابن عم لهن خطب إحداهن فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها‏:‏ هذا ابن عمك وأحق بك فقالت لو كان ابن عمنا ما كفلنا الأجانب‏:‏ إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ‏.‏ أخبرني والدي رحمه الله‏:‏ أنه أدرك واحدة منهن أيام حياته في سني العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين‏.‏ قال‏:‏ ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفساً وأسراهن خلقاً وأزكاهن خلالا والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ ومضى هؤلاء الملثمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جوار السودان حجزاً بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المغربين وإفريقية وهم لهذا العهد متصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق‏.‏ وهلك من قام بالملك منهم بالعدوتين وهم قليل من مسوقة ولمتونة كما ذكرناه أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والأقطار وأفناهم الرق واستلحمهم أمراء الموحدين‏.‏ وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأول من افتراق الكلمة واختلاف البين واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وإفريقية‏.‏ فكدالة منهم في مقابلة ذوي حسان من المعقل عرب السوس الأقصى ولمتونة وتريكة في مقابلة ذوي منصور وذوي عبد الله من المعقل أيضاً عرب المغرب الأقصى ومسوقة في مقابلة زغبة عرب المغرب الأوسط ولمطة في مقابلة رياح عرب الزاب وبجاية وقسطنطينة وتاركاً في مقابلة سليم عرب إفريقية وأكثر ما عندهم من المواشي الإبل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم والخيل قليلة لديهم أو معدومة‏.‏ ويركبون من الإبل الفارهة ويسمونها النجيب ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب وسيرها هملجة وتكاد تلحق بالركض وربما يغزوهم أهل القفر من العرب وخصوصاً بنو سعيد من بادية رياح فهم أكثر العرب غزواً إلى بلادهم فيستبيحون من صحبوه منهم يرمونه في بطون مغاير‏.‏ فإذا اتصل الصائح بأحيائهم وركبوا في أتباعهم اعترضوهم على المياه قبل وصولهم من تلك البلاد فلا يكادون يخلصون ويشتد الحرب بينهم فلا يخلص العرب من غوائلهم إلا بعد جهد وقد يهلك بعضهم ولله الخلق والأمر‏.‏ وإذ عرض لنا ملوك السودان فلنذكر ملوكهم لهذا العهد المجاورين لملوك المغرب‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:19 PM

ملوك السودان
الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء الملثمين ووصف أحوالهم والإلمام بما اتصل بنا من دولتهم هذه الأمم السودان من الآدميين هم أهل الإقليم الثاني وما وراءه إلى آخر الأول بل وإلى آخر المعمورة متصلون ما بين المغرب والمشرق يجاورون بلاد البربر بالمغرب وإفريقية وبلاد اليمن والحجاز في الوسط والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق وهم أصناف وشعوب وقبائل أشهرهم بالمشرق الزنج والحبشة والنوبة وأما أهل المغرب منهم فنحن ذاكروهم بعد وأما نسبهم فإلى حام بن نوح بالحبش من ولد حبش بن كوش بن حام والنوبة من ولد نوبة بن كوش بن كنعان بن حام فيما قاله المسعودي وقال ابن عبد البر إنهم من ولد نوب بن قوط بن مصر بن حام والزنج من ولد زنجي بن كوش وأما سائر السودان فمن ولد قوط بن حام فيما قاله ابن عبد البر ويقال هو قبط بن حام‏.‏ وعد ابن سعيد من قبائلهم وأممهم تسع عشرة أمة منهم في المشرق الزنج على بحر الهند لهم مدينة فنقية وهم مجوس وهم الذين غلب رقيقهم بالبصرة على ساداتهم مع دعي الزنج في خلافة المعتمد‏.‏ قال‏:‏ ويليهم مدينة بربرا وهم الذين ذكرهم امرؤ القيس في شعره‏.‏ والإسلام لها العهد فاش فيهم ولهم مدينة مقدشوا على البحر الهندي يعمرها تجار المسلمين ومن غربيهم وجنوبهم الدمادم وهم حفاة عراة‏.‏ قال‏:‏ وخرجوا إلى بلاد الحبشة والنوبة عند خروج الططر إلى العراق فعاثوا فيها ثم رجعوا‏.‏ قال‏:‏ ويليهم الحبشة وهم أعظم أمم السودان وهم مجاورون لليمن على شاطئ البحر الغربي ومنه غزوا ملك اليمن ذي نواس وكانت دار مملكتهم كعبر وكانوا على دين النصرانية وأخذ بالإسلام واحد منهم زمن الهجرة على ما ثبت في الصحيح والذي أسلم منهم لعهد النبب صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهاجر إليه الصحابة قبل الهجرة إلى المدينة فآواهم ومنعهم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما نعي إليه كان اسمه النجاشي وهو بلسانهم‏:‏ انكاش بالكاف المشمة بالجيم عربتها العرب جيماً محضة وألحقتها ياء النسب شأنها في الأسماء الأعجمية إذا تصرفت فيها وليس هذا الاسم سمة لكل من تمتك منهم كما يزعم كثير من الناس ممن لا علم له بهذا ولو كان كذلك لشهروا اسمه إلى اليوم لآن ملكهم لم يتحول منهم‏.‏ وملكهم لهذا العهد اسمه الخطى ما أدري اسم السلطان نفسه أو اسم العشيرة الذين فيهم الملك وفي غربيه مدينة داموت وكان بها ملك من أعاظمهم وله ملك ضخم وفي شماليه ملك آخر منهم اسمه حق الدين محمد بن علي بن ولصمع في مدينة أسلم أولوه في تواريخ مجهولة‏.‏ وكان جده ولصمع مطيعاً لملك دامون وأدركت الخطى الغيرة من ذلك فغزاه واستولى على بلاده‏.‏ ثم اتصلت الفتنة وضعف أمر الخطى فاسترجع بنو ولصمع بلادهم من الخطى وبنيه واستولوا على وفات وخربوها‏.‏ وبلغنا أن حق الدين هلك وملك بعده أخوه سعد الدين وهم مسلمون ويعطون الطاعة للخطى أحياناً وينابذونه أخرى والله مالك الملك‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ويليهم البجاوة وهم نصارى ومسلمون ولهم جزيرة بسواكن في بحر السوس ويليهم النوبة أخوة الزنج والحبشة ولهم مدينة دنقلة غرب النيل وأكثرهم مجاورون للديار المصرية ومنهم رقيق‏.‏ ويليهم زغاوة وهم مسلمون ومن شعوبهم تاجرة ويليهم الكانم وهم خلق عظيم والإسلام غالب عليهم ومدينتهم حميمي ولهم التغلب على بلاد الصحراء إلى فزان‏.‏ وكانت لهم مهادنة مع الدولة الحفصية منذ أولها ويليهم من غربهم كوكو وبعدهم نغالة والتكرور ولمى وتمنم وجالي وكوري وأفكرار بتضلون بالبحر المحيط إلى غانية في الغرب كلام ابن سعيد‏.‏ ولما فتحت إفريقية المغرب دخل التجار بلاد المغرب فلم يجدوا فيهم أعظم من ملوك غانية كانوا مجاورين للبحر المحيط من جانب الغرب وكانوا أعظم أمة ولهم أضخم ملك وحاضرة ملكهم غانية مدينتان على حافتي النيل من أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمراً ذكرها مؤلف كتاب رجار وصاحب المسالك والممالك‏.‏ وكانت تجاورهم من جانب الشرق أمة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صرصو بصادين مضمومتين أو سينين مهملتين ثم بعدها أمة أخرى تعرف مالي ثم بعدها أمة أخرى تعرف كوكو ويقال كاغو ثم بعدها أمة أخرى تعرف بالتكرور‏.‏ وأخبرني الشيخ عثمان فقيه أهل غانية وكبيرهم علماً وديناً وشهرة قدم مصر سنة تسع وتسعين حاجاً بأهله وولده ولقيته بها فقال إنهم يسمون التكرور زغاي ومالي أنكاريه‏.‏ ثم إن أهل غانية ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلي البربر كما ذكرناه وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم واقتضوا منهم الأتاوات والجزى وحملوا كثيراً منهم على الإسلام فدانوا به‏.‏ ثم اضمحل ملك أصحاب غانة وتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم‏.‏ ثم إن أهل مالي كثروا أمم السودان في نواحيهم تلك واستطالوا على الأمم المجاورين لهم فغلبوا على صوصو وملكوا جميع ما بأيديهم من ملكهم القديم وملك أهل غانة إلى البحر المحيط من ناحية الغرب وكانوا مسلمين يذكرون أن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندانة هكذا ضبطه الشيخ عثمان‏.‏ وحج هذا الملك واقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده‏.‏ وكان ملكهم الأعظم الذي تغلب على صوصو وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الأمير الذي يكون من نسل السلطان وجاطة الأسد واسم الحافد عندهم تكن ولم يتصل بنا نسب هذا الملك‏.‏ وملك عليهم خمساً وعشرين سنة فيما ذكروه‏.‏ ولما هلك ولي عليهم من بعده ابنه منساولي ومعنى منسا السلطان ومعنى ولي بلسانهم علي وكان منسا ولي هذا من أعاظم ملوكهم‏.‏ وحج أيام الظاهر بيبرس وولي عليهم من بعده أخوه واتى‏.‏ ثم بعده أخوهم خليفة وكان محدقاً رامياً فكان يرسل السهام على الناس فيقتلهم مخاناً فوثبوا عليه فقتلوه‏.‏ وولي عليهم من بعده سبط من أسباط ماري جاطة يسمى بأبي بكر وكان ابن بنته فملكوه على سنن الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت‏.‏ ولم يقع إلينا نسبه ونسب أبيه‏.‏ ثم ولي عليهم من بعده مولى من مواليهم تغلب على ملكهم اسمه ساكورة‏.‏ وقال الشيخ عثمان ضبطه بلسانهم أهل غانة سبكرة وحج أيام الملك الناصر وقتل عند مرجعه بتاجورا وكانت دولته ضخمة اتسع فيها نطاق ملكهم وتغلبوا على الأمم المجاورة لهم‏.‏ وافتتح بلاد كوكو وأصارها في ملكة أهل مالي‏.‏ واتصل ملكهم من البحر المحيط وغانة بالمغرب إلى بلاد التكرور في المشرق واعتز سلطانهم وهابتهم أمم السودان وارتحل إلى بلادهم التجار من بلاد المغرب وإفريقية‏.‏ وقال الحاج يونس ترجمان التكرور إن الذي فتح كوكو هو سغمنجة من قواد منسا موسى وولي من بعده ساكورة هذا هو ابن السلطان ماري جاطة ثم من بعده ابنه محمد بن قو ثم انتقل ملكهم من ولد السلطان ماري جاطة إلى ولد أخيه أبي بكر فولي عليهم منسا موسى بن أبي بكر وكان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً له في العدل أخبار تؤثر عنه‏.‏ وحج سنة أربع وعشرين وسبعمائة لقيه في الموسم شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطويجن وصحبه إلى بلاده‏.‏ وكان له اختصاص وعناية ورثها من بعده ولده إلى الآن وأوطنوا والاتر من تخوم بلادهم من ناحية المغرب ولقيه في صرفه صاحبنا المعمر أبو عبد الله بن خديجة الكومي من ولد عبد المؤمن كان داعية بالزاب للفاطمي المنتظر وأجلب عليهم بعصائب من العرب فكر به واركلا واعتقله ثم خلى سبيله بعد حين فخاض القفر إلى السلطان منسا موسى مستجيشاً به عليهم وقد كان بلغه توجهه للحج فأقام في انتظاره ببلد غدامس يرجو نصراً على عدوه ومعونة على أمره لما كان عليه منسا موسى من استفحال ملكه بالصحراء الموالية لبلد واركلا وقوة سلطانه فلقي منه مبرة وترحباً ووعده بالمظاهرة والقيام بثأره واستصحبه إلى بلدة أخوى وهو الثقة‏.‏ قال كنا نواكبه أنا وأبو إسحاق الطويجن دون وزرائه ووجوه قومه نأخذ بأطراف الأحاديث حيث يتسع المقام وكان يتحفنا في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات قال‏:‏ والذي تحمل آلته قال الحاج يونس ترجمان هذه الأمة بمصر‏:‏ جاء هذا الملك منسا موسى من بلده بثمانين حملاً من التبر كل حمل ثلاثة قناطير‏.‏ قال‏:‏ وإنما يحملون على الوصائف والرجال في أوطانهم فقط وأما السفر البعيد كالحج فعلى المطايا‏.‏ قال أبو خديجة‏:‏ ورجعنا معه إلى حضرة ملكه فأراد أن يتخذ بيتاً في قاعدة سلطانه محكم البناء مجللا بالكلس لغرابته بأرضهم فأطرفه أبو إسحاق الطويجن ببناء قبة مربعة الشكل استفرغ فيها إجادته‏.‏ وكان صناع اليدين وأضفى عليها من الكلس ووالى عليها بالأصباغ المشبعة فجاء من أتقن المباني ووقعت من السلطان موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم ووصله باثني عشر ألفاً من مثاقيل التبر مبثوثة عليها‏.‏ إلى ما كان له من الأثرة والميل إليه والصلات السنية‏.‏ وكان بين هذا السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهده من بني مرين السلطان أبي الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الأعلام من رجال الدولتين واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحف ممالكه مما تحدث عنه الناس على ما نذكره عند موضعه بعث بها مع علي بن غانم المغفل وأعيان من رجال دولته‏.‏ وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما كما سيأتي واتصلت أيام منسا موسى هذا خمساً وعشرين سنة‏.‏ ولما هلك ولي أمر مالي من بعده ابنه منسا مغا ومعنى مغا عندهم محمد وهلك لأربع سنين من ولايته وولي أمرهم من بعده منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو موسى واتصلت أيامه أربعاً وعشرين سنة‏.‏ ثم هلك فولي بعده ابنه منسا بن سليمان وهلك لتسعة من ولايته فولي عليهم من بعده ماري جاطة بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاماً وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وإفساد الحرم‏.‏ وأتحف ملك المغرب لعهده السلطان أبا سالم ابن السلطان أبي الحسن بالهدية المذكورة سنة اثنتين وستين وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة‏.‏ تحدث الناس بما اجتمع فيه من متفرق الحلى والشبه في جثمانه ونعوته دهراً‏.‏ وأخبرني القاضي الثقة أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسة‏.‏ وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطة القضاء بما لقيه منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لي عن هذا السلطان جاطة أنه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم وكان أن ينتقض شأن سلطانهم‏.‏ قال‏:‏ ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره أن باع حجر الذهب الذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم وهو حجر يزن عشرين قنطاراً منقولاً من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندور مثله في المعدن فعرضه جاطة هذا الملك المسرف على تجار مصر المترددين إلى بلده وابتاعوه قال‏:‏ وأصابته علة النوم وهو مرض كثيراً ما يطرق أهل ذلك الإقليم وخصوصاً الرؤساء منهم يعتاده غشي النوم عامة أزمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ إلا في القليل من أوقاته ويضر صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك‏.‏ قال‏:‏ ودامت هذه العلة بخلطه مدة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين‏.‏ وولوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الوزير وجاطة تقدم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالأمر عليه ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب ودوخ أقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهز إلى منازلة تكرت بما وراءها من بلاد الملثمين كتائب نازلتها لأول الدولة وأخذت بمخنقها‏.‏ ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة‏.‏ وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلي الغربي وفيها من الملثمين يعرف بالسلطان وعليهم طريق الحاج من السودان وبينه وبين أمير الزاب وواركلا مهاداة ومراسلة‏.‏ قال‏:‏ وحاضرة الملك لأهل مالي هو بلد بني‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ بلد متسع الخطة معين على الزرع مستبحر العمارة نافق الأسواق وهو الآن محط لركاب البحر من المغرب وإفريقية ومصر والبضائع مجلوبة إليها من كل قطر‏.‏ ثم بلغنا لهذا العهد أن منسا موسى توفي سنة تسع وثمانين وولي بعده أخوه منسا مغا‏.‏ ثم قتل لسنة أو نحوها وولي بعده صندكي زوج أم موسى صندكي الوزير‏.‏ ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاطة‏.‏ ثم خرج من بلاد الكفرة وراءهم وجاءهم رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولي ابن ماري جاطة الأكبر فتغلب على الدولة وملك أمرهم سنة اثنتين وتسعين ولقبه منسا مغا والخلق والأمر لله وحده‏.‏

زهرة عمان 9 - 8 - 2010 03:22 PM

مشكور ة.

ميارى 12 - 8 - 2010 06:26 AM

الخبر عن لمطة وكزولة وهسكورة بني تصكي
وهم أخوة هوارة وصنهاجة هؤلاء القبائل الثلاث قد تقدم لنا أنهم أخوة لصنهاجة وأن أم الثلاثة تصكي العرجاء بنت زحيك بن مادغيس فأما صنهاجة فمن ولد عاميل بن زعزاع وأما هوارة فمن ولد أوريغ وهو ابنها ابن برنس وأما الآخرون فلا تحقيق في نسبهم‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ إن صنهاجة ولمطة لا يعرف لهما أب وهذه الأمم الثلاث موطنون بالسوس وما يليه من بلاد الصحراء وجبال درن ملأوا بسائطه وجباله‏.‏ فأما لمطة فأكثرهم مجاورون الملثمين من صنهاجة ولهم شعوب كثيرة وأكثرهم ظواعن أهل وبر‏.‏ ومنهم بالسوس قبيلتا زكن ولخس صاروا في عداد ذوي حسان من معقل وبقايا لمطة بالصحراء مع الملثمين ومعظمهم قبيلة بين تلمسان وإفريقية وكان منهم الفقيه واكاك بن زيزي صاحب أبي عمران الفاسي وكان نزل سجلماسة‏.‏ ومن تلميذه كان عبد الله بن ياسين صاحب الدولة اللمتونية على ما مر‏.‏ وأما كزولة فبطونهم كثيرة ومعظمهم بالسوس ويجاورون لمطة ويحاربونهم‏.‏ ومنهم الآن ظواعن بأرض السوس وكان لهم مع المعقل حروب قبل أن يدخلوا السوس فلما دخلوه تغلب عليهم وهم الآن من خولهم وأخلافهم ورعاياهم‏.‏ وأما هسكورة وهم لهذا العهد في عداد المصامدة وينسبون إلى دعوة الموحدين وهم أمم كثيرة وبطون واسعة ومواطنهم بجبالهم متصلة من درن إلى تادلا من جانب الشرق إلى درعة من جانب القبلة وكان دخول بعضهم في دعوة المهدي قبل فتح مراكش ولم يستكملوا الدخول في الدعوة إلا من بعده لذلك لا يعدهم كثير من الناس في الموحدين وإن عدوا فليسوا من أهل السابقة منهم لمخالفتهم الإمام أول الأمر‏.‏ وما كان من حروبهم معه ومع أوليائه وشيعته وكانوا ينادون بخلافهم وعداوتهم ويجهرون بلعنهم‏.‏ فتقول خطباؤهم في مجامع صلواتهم‏:‏ لعن الله هنتاتة وتينملل وهرنة وهرزجة فلما استقاموا من بعد ذلك لم يكن لهم مزية السابقة كما كانت لهنتاتة وتينملل وهرغة وهزرجة فاستقامتهم على الدعوة كان بعد فتح مراكش‏.‏ وبطون هسكورة هؤلاء متعددون فمنهم مصطاوة وغجرامة وفطواكة وزمراوة وانتيفت وبنو نفال وبنو رسكونت إلى آخرين لم يحضرني أسماؤهم‏.‏ وكانت الرئاسة عليهم آخر دولة الموحدين لعمر بن وقاريط المنتسب‏.‏ وذكره في أخبار المأمون والرشيد من بني عبد المؤمن خلفاء الموحدين بمراكش‏.‏ ثم كان من بعده مسعود بن كلداسن وهو القائم بأمر دبوس والمظاهر له على شأنه وأظنه جد بني مسعود بن كلداسن الرؤساء عليهم لهذا العهد من فطواكة المعروفين ببني خطاب لاتصال الرئاسة في هذا البيت‏.‏ ولما انقرض أمر الموحدين استعصوا على بني مرين مدة واختلفت حالهم معهم في الاستقامة والنفرة وكانوا ملجأ للنازعين عن الطاعة من عرب جشم ومأوى للثائرين منهم‏.‏ ثم استقاموا وأذعنوا لأداء الضرائب والمغارم وجبايتها من قومهم والخفوف إلى العسكرة مع السلطان متى دعوا إليها شأن غيرهم من سائر المصامدة‏.‏ وأما انتيفت فكانت رئاستهم في أولاد هنو وكان يوسف بن كنون منهم اتخذ لنفسه حصن تاقيوت وامتنع به ولم يزل ولده علي ومخلوف يشيدانه من بعده وهلك يوسف وقام بأمره ابنه مخلوف وجاهر بالنفاق سنة اثنتين وسبعمائة‏.‏ ثم راجع الطاعة وهو الذي تقبض على يوسف بن أبي عياد المتعلي على مراكش أيام أبي ثابت سنة سبع وسبعمائة كما نذكر في أخباره لما أحيط به فتقبض عليه مخلوف وأمكن منه‏.‏ وكانت وسيلته من الطاعة وكان من بعده ابنه هلال وأما بنو نفال فكانت رئاستهم لأولاد تروميت وكان منهم لعهد السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن كبيرهم علي بن محمد وكان له في الخلاف والامتناع ذكر‏.‏ واستنزله السلطان أبو الحسن من محله لأول ولايته بعد حصاره بمكانه وأصاره في جملته تحت عنايته وأمرائه إلى أن هلك بتونس بعد واقعة القيروان في الطاعون الجارف‏.‏ وولي بنوه من بعده أمر قومهم إلى أن انقرضوا والرئاسة لهذا العهد في أهل بيتهم ولأهل عمومتهم‏.‏ وأما فطواكة‏:‏ وهم أوسع بطونهم وأعظمهم رئاسة فيهم وأقربهم اختصاصاً بصاحب الملك واستعمالا في خدمته‏.‏ وكان بنو خطاب منذ انقراض أمر الموحدين قد جنحوا إلى بني عبد الحق وأعطوهم المقادة واختصوا شيوخهم في بني خطاب بالولاية عليهم‏.‏ وكان شيخهم لعهد السلطان يوسف بن يعقوب محمد بن مسعود وابنه عمر من بعده‏.‏ وهلك عمر سنة أربع وسبعمائة بمكانه من محله وولي بعده عمه موسى بن مسعود وسخطه السلطان لتوقع خلافه فاعتقله‏.‏ وكان خلاصه من الاعتقال سنة ست وسبعمائة وقام بأمر هسكورة من بعده محمد بن عمر بن محمد بن مسعود‏.‏ ولما استفحل ملك بني مرين وذهب أثر الملك من المصامدة وبعد عهدهم صار بنو مرين إلى استعمال رؤسائهم في جباية مغارمهم لكونهم من جلدتهم‏.‏ ولم يكن فيهم أكبر رئاسة من أولاد تونس في هنتاتة‏.‏ وبني خطاب هؤلاء في هسكورة فداولوا بينهم ولاية الأعمال المراكشية وليها محمد بن عمر هذا من بعد موسى بن علي وأخيه محمد شيوخ هنتاتة فلم يزل والياً منها إلى أن هلك قبيل نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان‏.‏ ولحق ابنه إبراهيم بتلمسان ذاهباً إلى السلطان أبي الحسن‏.‏ فلما دعا أبو عنان إلى نفسه رجع عنه إلى محله وتمسك بما كان عليه من طاعة أبيه ورعاه أبو عنان لعمه عبد الحق وقلده الأعمال المراكشية فلم يغن في منازعه إلى أن لحق السلطان أبو الحسن بمراكش فكان من أعظم دعاته وأبلى في مظاهرته‏.‏ فلما هلك السلطان أبو الحسن اعتقله أبو عنان وأودعه السجن ثم قتله بين يدي نهوضه إلى تلمسان سنة ثلاث وخمسين وقام بأمره من بعده أخوه منصور بن محمد إلى أن ملك الأمير عبد الرحمن بن أبي يغلوسن مراكش سنة ست وسبعين فاستقدمه وتقبض عليه واعتقله بدار ابن عمه بجو بن العلام بن مسرى بن مسعود بن خطاب كان في جملته وكان هو وأبوه نازعاً إلى بني مرين خوفاً على أنفسهم من أولاد محمد بن عمر لترشحهم للأمر فلما استمكن منه بداره معتقلا وثب عليه فقتله واستلحم بنيه معه وسخطه السلطان لها فاعتقله قليلا‏.‏ ثم أطلقه واستقل برياسة هسكورة لهذا العهد والله قادر على ما يشاء‏.‏

الطبقة الثالثة من صنهاجة
وهذه الطبقة ليس فيها ملك وهم لهذا العهد أوفر قبائل المغرب فمنهم الموطنون بالجانب الشرقي من جبال درن ما بين تازي وتادلا ومعدن بني فازان حيث الثنية المفضية إلى آكرسلوين من بلاد النخل‏.‏ وتفصل تلك الثنية بين بلادهم وبلاد المصامدة في المغرب من جبال درن‏.‏ ثم اعتمروا قنن تلك الجبال وشواهقها وتنعطف مواطنهم من تلك الثنية إلى ناحية القبلة إلى أن تنتهي إلى آكرسلوين‏.‏ ثم ترجع مغرباً من آكرسلوين إلى درعة إلى ضواحي السوس الأقصى وأمصاره من تارودانت وأيفري إلى فونان وغيرها‏.‏ ويعرف هؤلاء كلهم باسم صناكة حذفت الهاء من اسم صنهاجة وأشموا صاده زاياً وأبدلوا الجيم بالكاف المتوسطة المخرج عند العرب لهذا العهد بين الكاف والقاف أو بين الكاف والجيم‏.‏ وهي معربة النطق‏.‏ ولصنهاجة هؤلاء بين قبائل الغرب وفور عدد وشدة بأس ومنعة وأعزهم جانباً أهل الجبال المطلة على تادلا ورياستهم لهذا العهد في ولد عمران الصناكي ولهم اعتزاز على الدولة ومنعة عن الهضيمة والانقياد للمغرم‏.‏ وتتصل بهم قبائل خباتة منهم ظواعن يسكنون بيوت الخص وينتجعون مواقع القطر في نواحي بلادهم يتغانيمين من قبيلة مكناسة إلى وادي أم ربيع من تامستا في الجانب الشمالي من جانبي جبل درن ورياستهم في ولد هيبري من مشاهيرهم ولهم اعتياد وتتصل بهم قبائل دكالة في وسط المغرب من عدوة أم ربيع إلى مراكش ويتصل بهم من جهة المغرب على ساحل البحر المحيط قبيلة بناحية آزمور وأخرى وافرة العدد مندرجة في عداد المصامدة وطناً ونحلة وجباية وعمالة‏.‏ ورياستهم لهذا العهد في دولة عزيز بن يبورك ورئيسهم لأول دولة زناتة ويأتي ذكره ويعرف عقبه الآن ببني بطال ومن قبائل صنهاصة بطون أخرى بجبال تازى وما والاها مثل بطوية وبخاصة وبني وارتين إلى جبل لكائي من جبال المغرب معروف ببني الكائي إحدى قبائلهم يعطون المغرم عن عزة‏.‏ وبطوية منهم ثلاثة بطون‏:‏ بقوية على تازى وبني ورياغل على ولد المزمة وأولاد علي بتافرسيت‏.‏ وكان لأولاد علي ذمة مع بني عبد الحق ملوك بني مرين وكانت أم يعقوب بن عبد الحق منهم فاستوزرهم‏.‏ وكان منهم طلحة بن علي وأخوه عمر على ما يأتي ذكره في دولتهم‏.‏ ويتصل ببسيط بالمغرب ما بين جبال درن وجبال الريف من ساحل البحر الرومي حيث مساكن حماد الآتي ذكرهم قبائل أخرى من صنهاجة موطنون في هضاب وأودية وبسائط يسكنون بيوت الحجارة والطين مثل قشتالة وسطه وبنو ورياكل وبنو حميد وبنو مزكلدة وبنو عمران وبنو دركون وبنو رتزر وملوانة وبنو وامرد‏.‏ وموطن هؤلاء كلهم بورغة وأمر كو يحترفون بالحياكة والحراثة ويعرفون لذلك صنهاجة البز وهم في عداد القبائل المغارمة ولغتهم في الأكثر عربية لهذا العهد ويتصل بجبال غمارة من ناحيتهم جبل سريف موطن بني زروال‏.‏ من صنهاجة وبني مغالة لا يحترفون بمعاش ويسمون صنهاجة العز لما اقتضته منعة جبالهم‏.‏ ويقولون لصنهاجة آزمور الذين قدمنا ذكرهم صنهاجة الذل لما هم عليه من الذل والمغرم والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ وقد يقال في بعض مزاعم البربر أن بني وديد من صنهاجة وبنو يزناسن وباطويه هم أخوال وأصل يزناسن أجناسن ومعناه بلغة العرب الجالس على الأرض‏.‏ المصامدة الخبر عن المصامدة من قبائل البربر وما كان لهم من الدولة والسلطان بالمغرب ومبدأ ذلك وتصاريفه وأما المصامدة وهم من ولد مصمود بن يونس بن بربر فهم أكثر قبائل البربر وأوفرهم من بطونهم برغواطة وغمارة وأهل جبل درن‏.‏ ولم تزل مواطنهم بالمغرب الأقصى منذ الأحقاب المتطاولة‏.‏ وكان المتقدم فيهم قبيل الإسلام وصدره برغواطة‏.‏ ثم صار التقدم بعد ذلك لمصامدة جبال درن إلى هذا العهد‏.‏ وكان لبرغواطة في عصرهم دولة ولأهل درن منهم دولة أخرى أو دول حسبما نذكر فلنذكر هذه الشعوب وما كان فيها من الدول بحسب ما تأدى إلينا من ذلك‏.‏

الخبر عن برغواطة
من بطون المصامدة ودولتهم ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم وهم الجيل الأول منهم كان لهم في صدر الإسلام التقدم والكثرة وكانوا شعوباً كثيرة مفترقين وكانت مواطنهم خصوصاً من بين المصامدة في بسائط تامستا وريف البحر المحيط من سلا وأزمور وأنفى وأسفى‏.‏ وكان كبيرهم لأول المائة الثانية من الهجرة طريف أبو صالح وكان من قواد ميسرة الخفير طريف المطغري القائم بدعوة الصفرية ومعهما معزوز بن طالوت‏.‏ ثم انقرض أمر ميسرة والصفرية وبقي طريف قائماً بأمرهم بتامستا ويقال أيضاً أنه تنبأ وشرع لهم الشرائع‏.‏ ثم هلك وولي مكانه ابنه صالح وقد كان حضر مع أبيه حروب ميسرة وكان من أهل العلم والخير فيهم‏.‏ ثم انسلخ من آيات الله وانتحل دعوى النبوة وشرع لهم الديانة التي كانوا عليها من بعده وهي معروفه في كتب المؤرخين‏.‏ وادعى أنه نزل عليه قرآن كان يتلو عليهم سوراً منه يسمي منها سورة الديك وسورة الجمل وسورة الفيل وسورة آدم وسورة نوح وكثير من الأنبياء وسورة هاروت وماروت وإبليس وسورة غرائب الدنيا وفيها العلم العظيم بزعمهم حرم فيها وحلل وشرع وقص وكانوا يقرأونه في صلواتهم وكانوا يسمونه صالح المؤمنين كما حكاه البكري عن زمور بن صالح بن هاشم بن وراد الوافد منهم على الحكم المستنصر الخليفة بقرطبة من قبل ملكهم أبي عيسى بن أبي الأنصاري سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة‏.‏ وكان يترجم عنه بجميع خبره داود بن عمر المسطاسي‏.‏ قال‏:‏ وكان ظهور صالح هذا في خلافة هشام بن عبد الملك سنة سبع وعشرين من المائة الثانية من الهجرة‏.‏ وقد قيل إن ظهوره كان لأول الهجرة وأنه إنما انتحل ذلك عناداً أو محاكاة لما بلغه شأن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح‏.‏ ثم زعم أنه المهدي الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان وأن عيسى يكون صاحبه ويصلي خلفه وأن اسمه في العرب صالح وفي السريان مالك وفي الأعجمي عالم وفي العبراني روبيا وفي البربري وربا ومعناه الذي ليس بعده نبي وخرج إلى المشرق بعد أن ملك أمرهم سبعاً وأربعين سنة ووعدهم أنه يرجع إليهم في دولة السابع منهم وأوصى بدينه إلى ابنه إلياس وعهد إليه بموالاة صاحب الأندلس من بني أمية وبإظهار دينه إذا قوي أمرهم‏.‏ وقام بأمره بعده ابنه إلياس ولم يزل مظهراً للإسلام مسراً لما أوصاه به أبوه من كلمة كفرهم‏.‏ وكان طاهراً عفيفاً زاهداً‏.‏ وهلك لخمسين سنة من ملكه وولي أمرهم من بعده ابنه يونس فأظهر دينهم ودعا إلى كفرهم وقتل من لم يدخل في أمره حتى حرق مدائن تامستا وما والاها يقال إنه حرق ثلاثمائة وثمانين مدينة واستلحم أهلها بالسيف لمخالفتهم إياه وقتل منهم بموضع قال زمور‏:‏ ورحل يونس إلى المشرق وحج ولم يحج أحد من أهل بيته قبله ولا بعده وهلك لأربع وأربعين سنة من ملكه وانتقل الأمر عن بنيه وولي أمرهم أبو غفير محمد بن معاد بن إليسع بن صالح بن طريف فاستولى على ملك برغواطة وأخذ بدين آبائه واشتدت شوكته وعظم أمره وكانت له في البربر وقائع مشهورة وأيام مذكورة أشار إليها سعيد بن هشام المصمودي في قوله‏:‏ قفي قبل التفرق وأخبرينا وقولي وأخبري خبراً يقينا وهذي أمة هلكوا وضلوا وغاروا لا سقوا ماء معينا يقولون‏:‏ النبي أبو غفير فأخزى الله أم الكاذبينا ألم تسمع ولم تر لؤم بيت على آثار خيلهم ربينا رنين الباكيات فبين ثكلى وعادمة ومسقطة جنينا سيعلم أهل تامستا إذا ما أتوا يوم القيامة مهطعينا هنالك يونس وبنو أبيه يقودون البرابر حائرينا إذا زر ياور طافت عليهم جبهتهم بأيدي المنكرينا فليس اليوم يومكم ولكن ليالي كنتم متيسرينا المائة الثالثة لتسع وعشرين سنة من ملكه وولي بعده ابنه أبو الأنصار عبد الله فاقتفى سننه وكان كثير الدعة مهاباً عند ملوك عصره يهاودونه ويدافعونه بالمواصلة وكان يلبس الملحفة والسراويل ولا يلبس المخيط ولا يعتم ولا يعتم أحد في بلده إلا الغرباء‏.‏ وكان حافظاً للجار وفياً بالعهد وهلك سنة إحدى وأربعين من المائة الرابعة لأربع وأربعين سنة من ملكه ودفن بأمسلاخت وبها قبره‏.‏ وولي بعده ابنه أبو منصور عيسى ابن اثنين وعشرين سنة فسار بسيرة آبائه وادعى النبوة والكهانة واشتد أمره وعلا سلطانه ودانت له قبائل المغرب‏.‏ قال زمور‏:‏ وكان فيما أوصاه به أبوه‏:‏ يا بني‏!‏ أنت سابع الأمراء من أهل بيتك وأرجو أن يأتيك صالح بن طريف‏.‏ قال زمور‏:‏ وكان عسكره يناهز الثلاثة آلاف من برغواطة وعشرة آلاف من سواهم مثل جراوة وزواغة والبرانس ومجكصة ومطغرة ودمر ومطماطة وبنو وارزكيت‏.‏ وكان أيضاً بنو يفرن وإصادة وركانة وايزمن ورصافة ورنمصزارة على دينهم ولم يتخذ ملوكهم الآلة منذ كانوا انتهى كلام زمور‏.‏ وكان لملوك العدوتين في غزو برغواطة هؤلاء وجهادهم أثناء هذا وبعده آثار عظيمة من الأدارسة والأموية والشيعة‏.‏ ولما أجاز جعفر بن علي من الأندلس إلى المغرب وقلده المنصور بن أبي عامر عمله سنة ست وستين وثلاثمائة فنزل البصرة ثم اختلف ذات بينه وبين أخيه يحيى واستمال عليه أخوه الجند وأمراء زناتة فتجافى له جعفر عن العمل وصرف وجهه إلى جهاد برغواطة يعتده من صالح عمله وزحف إليهم في أهل المغرب وكافة الجند الأندلسيين فلقوه وسط بلادهم وكانت عليه الدبرة ونجا بنفسه في فل من جنده ولحق بأخيه بالبصرة‏.‏ ثم أجاز بعدها إلى المنصور باستدعائه وترك أخاه يحيى على عمل المغرب‏.‏ ثم حاربتهم أيضاً صنهاجة لما غزا بلكين بن زيري المغرب سنة ثمان وستين بعدها وأجفلت زناتة أمامه وارزوا إلى حائط سبتة وامتنعوا منه بأوعارها وانصرف عنهم إلى جهاد برغواطة وزحف إليهم فلقيه أبو منصور عيسى بن أبي الأنصار في قومه وكانت عليهم الهزيمة‏.‏ وقتل أبو منصور وأثخن فيهم بلكين بالقتل وبعث سبيهم إلى القيروان وأقام بالمغرب يردد الغزو فيهم إلى سنة اثنتين وسبعين وانصرف من المغرب فهلك في طريقه إلى القيروان‏.‏ ولم أفق على من هلك أمرهم بعد أبي منصور‏.‏ ثم حاربتهم أيضاً جنود المنصور بن أبي عامر لما عقد عبد الملك بن المنصور لمولاه واضح على المغرب عند قفوله من غزاة زيري بن عطية سنة تسع وثمانين وثلاثمائة فافتتح واضح إمره بغزو برغواطة هؤلاء فيمن قبله من الأجناد وأمراء النواحي وأهل الولاية فعظم الأثر فيهم بالقتل والسبي ثم حاربتهم أيضاً بنو يفرن لما استقل بنو يعلى ابن محمد اليفرني من بعد ذلك بناحية سلا من بلاد المغرب واقتطعوه من عمل أبناء زيري بن عطية المغراوي بعد ما كان بينهما من الحروب‏.‏ وانساق أمر أولاد يعلى هؤلاء إلى تميم بن زيري بن يعلى في أول المائة الخامسة وكان موطناً بمدينة سلا مجاوراً لبرغواطة فكان له أثر كثير في جهادهم وذلك في سنة عشرين وأربعمائة فغلبهم على تامستا وولى عليها من قبله بعد أن أثخن فيهم سبياً وقتلاً‏.‏ ثم تراجعوا من بعده إلى أن جاءت دولة لمتونة وخرجوا من مواطنهم بالصحراء إلى بلاد المغرب واقتحموا الكثير من معاقل السوس الأقصى وجبال المصامدة‏.‏ ثم بدا لهم جهاد برغواطة بتامستا وما إليها من الريف الغربي فزحف إليهم أبو بكر بن عمر أمير لمتونة في المرابطين من قومه وكانت له فيهم وقائع استشهد في بعضها صاحب الدعوة عبد الله بن ياسين الكزولي سنة خمسين وأربعمائة واستمر أبو بكر وقومه من بعده على جهادهم حتى استأصلوا شأفتهم ومحوا من الأرض آثارهم‏.‏ وكان صاحب أمرهم لعهد انقراض دولتهم أبو حفص عبد الله من أعقاب أبي منصور عيسى بن أبي الأنصار عبد الله بن أبي غفير محمد بن معاد بن إليسع بن صالح بن طريف فهلك في حروبهم‏.‏ وعليه كان انقراض أمرهم وقطع دابرهم على يد هؤلاء المرابطين والحمد لله رب العالمين‏.‏ وقد يغلط بعض الناس في نسب برغواطة هؤلاء فيعدهم في قبائل زناتة وآخرون يقولون في صالح أنه يهودي من ولد شمعون بن يعقوب نشأ ببرباط ورحل إلى المشرق وقرأ على عبد الله المعتزلي واشتغل بالسحر وجمع فنوناً وقدم المغرب ونزل تامستا فوجد فيها قبائل جهالا من البربر فأظهر لهم الزهد وسحرهم بلسانه وموه عليهم فقصدوه واتبعوه فادعى النبوة وقيل له برباطي نسبة إلى الموطن الذي نشأ به وهو برباط واد بفحص شريش من بلاد الأندلس فعربت العرب هذا الاسم وقالوا برغواط‏.‏ ذكر ذلك كله صاحب كتاب نظم الجوهر وغيره من النسابين للبربر وهو من الأغاليط البينة‏.‏ وليس القوم من زناتة وبشهد لذلك كله موطنهم وجوارهم لإخوانهم المصامدة‏.‏ وأما صالح بن طريف فمعروف منهم وليس هن غيرهم ولا يتم الملك والتغلب على النواحي والقبائل لمنقطع جذمة دخيل في نسبه‏.‏ سنة الله في عباده وإنما نسب الرجل في برغواطة وهم شعب من شعوب المصامدة معروف كما ذكرناه والله ولي التوفيق‏.‏ غمارة

الخبر عن غمارة
من بطون المصامدة وما كان فيهم من الدول وتصاريف أحوالهم هذا القبيل من بطون المصامدة من ولد غمار بن مصمود وقيل غمار بن مسطاف بن مليل بن مصمود وقيل غمار بن أصاد بن مصمود‏.‏ ويقول بعض العامة أنهم عرب غمروا في تلك الجبال فسموا غمارة وهو مذهب عامي وهم شعوب وقبائل أكثر من أن تنحصر‏.‏ والبطون المشهورة منهم بنو حميد ومتيوة وبنو نال واغصاوة وبنو وزروال ومجكسة وهم آخر مواطنهم يعتمرون جبال الريف بساحل البحر الرومي من عن يمين بسائط المغرب من لدن غساسة فنكور فبادس فتيكيساس فتيطاوين فسبتة فالقصر إلى طنجة خمس مراحل أو أزيد أوطنوا منها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض سياجاً بعد سياج خمس مراحل أخرى في العرض إلى أن ينحط إلى بسائط قصر كتامة ووادي ورغة من بسائط المغرب ترتد عنها الأبصار وتزل في حافاتها الطيور لا بل الهوام وتنفسح في رؤوسها وبين قننها الفجاج سبل السفر ومراتع السائمة وفدن الزراعة وأدواح الرياض‏.‏ ويتبين لك أنهم من المصامدة بقاء هذا النسب المحيط سمة فيهم لبعض شعوبهم يعرفون بمصمودة ساكنين ما بين سبتة وطنجة وإليهم ينسب قصر المجاز الذي يعبر منه الخليج البحري إلى بلد طريف ويعضده أيضاً اتصال مواطنهم بموطن برغواطة من شعوب المصامدة بريف البحر الغربي وهو المحيط إذ كان بنو حسان منهم موطنين بذلك الساحل من لدن أزغار وأصيلا إلى أنفى ومن هنالك تتصل بهم مواطن برغواطة ودكالة إلى قبائل درن من المصامدة فما وراءها من بلاد القبلة‏.‏ فالمصامدة هم أهل الجبال بالمغرب الأقصى إلا قليلا منها وغيرهم في البسائط‏.‏ ولم تزل غمارة هؤلاء بمواطنهم هذه من لدن الفتح ولم يعلم ما قبل ذلك‏.‏ وللمسلمين فيهم أزمان الفتح وقائع الملاحم وأعظمها لموسى بن نصير وهو الذي حملهم على الإسلام واسترهن أبناءهم وأنزل منهم عسكراً مع طارق بطنجة‏.‏ وكان أميرهم لذلك العهد يليان وهو الذي وفد عليه موسى بن نصير ورغبه في غزو الأندلس وكان منزله سبتة كما نذكره وذلك قبل استحداث نكور‏.‏ وكانت في غمارة هؤلاء بعد الإسلام دول قاموا بها لغيرهم وكان فيهم متنبئون ولم تزل الخوارج تقصد جبالهم للمنعة فيها والاعتصام كما نذكرهم‏.‏ سبتة ودولة بني عصام الخبر عن سبتة ودولة بني عصام بها كانت سبتة هذه من الأمصار القديمة قبل الإسلام كانت يومئذ منزل يليان ملك غمارة ولما زحف إليه موسى بن نصير صانعه بالهدايا وأذعن للجزية فأمره عليها واسترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة وضرب عليهم العسكر للنزول معه‏.‏ ثم كانت إجازة طارق إلى الأندلس فضرب عليهم البعوث وكان الفتح الذي لا كفاء له كما مر في موضعه‏.‏ ولما هلك يليان استولى العرب على مدينة سبتة صلحاً من أيدي قومه فعمروها‏.‏ ثم كانت فتنة ميسرة الحقير وما دعى إليه من ضلالة الخارجية وأخذ بها الكثير من البرابرة من غمارة وغيرهم ثم نزل بها ماجكس من رجالاتهم ووجوه قبائلهم وبه سميت مجكسة فبناها ورجع إليها الناس وأسلم‏.‏ وسمع من أهل العلم إلى أن مات فقام بأمره ابنه عصام ووليها دهراً‏.‏ ولما هلك قام بأمره ابنه مجير فلم يزل والياً عليها إلى أن هلك ووليها أخوه الرضي ويقال أنه ابنه وكانوا يعطون لبني إدريس طاعة مضعفة كما نذكره‏.‏ ولما سما للناصر أمل في ملك المغرب وتناول حبله من أيدي بني إدريس المالكين ببلاد وغمارة حين أجهضتهم مكناسة وزناتة عن ملكهم بفاس وقاموا بدعوة الناصر وبثوها في أعمالهم نزلوا حينئذ للناصر عن سبتة وأشاروا له إلى تناولها من بني عصام فسرح عساكره وأساطيله مع قائده نجاح بن غفير فكان فتحها سنة تسع عشرة وثلاثمائة ونزل له الرضي بن عصام عنها وأتاه طاعته وانفرض أمر بني عصام‏.‏ وصارت سبتة إلى الناصر حتى استولى عليها بعد حين بنو حماد واستحدثوا بها دولة أخرى كما نذكره‏.‏

بني صالح بن منصور
الخبر عن بني صالح بن منصور ملوك نكور ودولتهم في غمالة وتصاريف أحوالهم استولى المسلمون أيام الفتح على بلاد المغرب وعمالاته واقتسموه وأمدهم الخلفاء بالبعوث إلى جهاد البربر وكان فيهم من كل القبائل من العرب‏.‏ وكان صالح بن منصور الحميري من عرب اليمن في البعث الأول‏.‏ وكان يعرف بالعبد الصالح فاستخلص نكور لنفسه وأقطعه إياها الوليد بن عبد الملك في أعوام إحدى وتسعين للهجرة قاله صاحب المقياس حد بلد نكور ينتهي من المشرق إلى زواغة وجرواة بن أبي العيص مسافة خمسة أيام وتجاوره من هنالك مطماطة وأهل كبدانة ومرنيسة وغساسة أهل جبل هرك وقلوع جارة التي لبني ورتندي وينتهي من الغرب إلى بني مروان من غمارة وبني حميد وإلى مسطاسة وصنهاجة ومن ورائهم أوربة حزب فرحون وبني وليد وزناتة وبني يرنيان وبني واسن حزب قاسم صاحب صا والبحر جوفي نكور على خمسة أميال فأقام صالح هنالك لما اقتطع أرضها وكثر نسله واجتمع قبائل غمارة وصنهاجة مفتاح وأسلموا على يده وقاموا بأمره وملك تمسامان وانتشر الإسلام فيهم ثم ثقلت عليهم الشرائع والتكاليف وارتدوا وأخرجوا صالحاً وولوا عليهم رجلاً من نفزة يعرف بالرندي‏.‏ ثم تابوا وراجعوا الإسلام ورجعوا صالحاً فأقام فيهم إلى أن هلك بتمسامان سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏ وولي أمرهم من بعده ابنه المعتصم بن صالح وكان شهماً شريف النفس كثير العبادة‏.‏ وكان يلي الصلاة والخطبة لهم بنفسه‏.‏ ثم هلك لأيام يسيرة وولي من بعده أخوه إدريس فاختط مدينة نكور في عدوة الوادي ولم يكملها‏.‏ وهلك سنة ثلاث وأربعين وولي من بعده ابنه سعيد واستفحل أمره‏.‏ وكان ينزل مدينة تمسامان‏.‏ ثم اختط مدينة نكور لأول ولايته ونزلها وهي التي تسمى لهذا العهد المزمة بين نهرين أحدهما نكور ومخرجه من بلاد كزناية ومخرجه ومخرج وادي ورغة واحد والثاني عيس ومخرجه من بلاد بني ورياغل يجتمع النهران في أكدال‏.‏ ثم يفترقان إلى البحر وتقابل نكور من عدوة الأندلس بزليانة‏.‏ وغزا المجوس نكور هذه في أساطيلهم سنة أربع وأربعين فتغلبوا عليها واستباحوها ثمانياً‏.‏ ثم اجتمع إلى سعيد البرانس وأخرجوهم عنها وانتقضت غمارة بعدها على سعيد فخلعوه وولوا عليهم رجلاً منهم اسمه سكن‏.‏ وتزاحفوا فأظهره الله عليهم وفرق جماعتهم وقتل مقدمهم واستوسق أمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين لسبع وثلاثين من ملكه‏.‏ وقام بأمره ابنه صالح بن سعيد فتقبل مذاهب سلفه في الاستقامة والإقتداء وكانت له مع البربر حروب ووقائع إلى أن هلك سنة خمسين ومايتين لاثنين وستين سنة من ملكه‏.‏ وقام من بعده ابنه سعيد بن صالح وكان أصغر ولده فخرج عليه أخوه عبيد الله وعمه الرضي وظفر بهما بعد حروب كثيرة فغرب أخاه إلى المشرق ومات بمكة وأبقى على عمه الرضي لذمة صهر بينهما‏.‏ وقتل سائر من ظفر به من عمومته وقرابته وامتعض لهم سعادة الله بن هارون منهم ولحق ببني يصلتن أهل جبل أبي الحسين ودلهم على عورته وبيتوا معسكره واستولوا عليه وأخذوا آلته وقتلوا آلافاً من مواليه وحاصروا بنكور‏.‏ ثم كانت له الكرة عليهم وقتل منهم خلقاً ونجا سعادة الله إلى تمسامان وتقبض على أخيه ميمون فضرب عنقه‏.‏ ثم صار سعادة الله إلى طلب الصلح فأسعفه وأنزله معه مدينة نكور‏.‏ ثم غزا سعيد بقومه وأهل إيالته من غمارة بلاد بطوية ومرنيصة وقلوع جارة وبني ورتندي وأصهر بأخته إلى أحمد بن إدريس بن محمد بن سليمان صاحب وأنزله مدينة نكور معه‏.‏ وتوطد الأمر لسعيد في تلك النواحي إلى أن خاطبه عبيد الله المهدي يدعوه إلى أمره وفي أسفل كتابه‏:‏ فإن تستقيموا أستقم لصلاحكم وإن تعدلوا عني أرى قتلكم عدلا وأعلو بسيفي قاهراً لسيوفكم وأدخلها عفواً وأملؤها قتلا فكتب إليه شاعره الأحمس الطليطلي بأمر يوسف بن صالح أخي الأمير سعيد‏:‏ كذبت وبيت الله ما تحسن العدلا ولا علم الرحمن من قولك الفصلا وما أنت إلا جاهل ومنافق تمثل للجهال في السنة المثلى وهمتنا العليا لدين محمد وقد جعل الرحمن همتك السفلى فكتب عبيد الله إلى مصالة بن حبوس صاحب تاهرت وأوعز إليه بغزوه فغزاه سنة أربع وثلاثمائة لأربع وخمسين من دولته فحاربه سعيد وقومه أياماً‏.‏ ثم غلبهم مصالة وقتلهم وبعث برؤوسهم إلى رقادة فطيف بها وركب بقيتهم البحر إلى مالقة فتوسع الناصر في إنزالهم وإجارتهم وبالغ في تكريمهم‏.‏ وأقام مصالة بمدينة نكور ستة أشهر ثم قفل إلى تاهرت وولى عليها دلول من كتامة فانقبض العسكر من حوله وبلغ الخبر إلى بني سعيد بن صالح وقومهم بمالقة وهم‏:‏ إدريس المعتصم وصالح فركبوا السفن إليها وسبق صالح منهم فاجتمع إليه البربر بمرسى تمسامان وبايعوه سنة خمس وثلاثمائة ولقبوه اليتيم لصغره وزحفوا إلى دلول فظفروا به وبمن معه وقتلوهم وكتب صالح بالفتح إلى الناصر وأقام دعوته بأعماله‏.‏ وبعث إليه الناصر بالهدايا والتحف والآلة ووصل إليه أخوته وسائر قومه وأتوا طاعته‏.‏ ولم يزل على هدى أوليه من اقتداء إلى أن هلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة‏.‏ وولي بعده ابنه عبد البديع ولقب المؤيد وزحف إليه موسى بن أبي العافية القائم بدعوة العبيديين بالمغرب فحاصره وتغلب عليه فقتله واستباح المدينة وخرب بها سنة سبع عشرة‏.‏ ثم تراجع إليها فلهم وقام بأمرهم أبو أيوب إسماعيل بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور وأعاد المدينة التي بناها صالح بن منصور وعمرها وسكنها ثلاثاً‏.‏ ثم أغزاه ميسور مولى أبي القاسم بن عبيد الله صندلاً مولاه عندما أناخ على فاس فبعث عسكراً مع صندل هذا فحاصر جراوة ثم عطف على نكور وتحصن منه إسماعيل بن عبد الملك بقلعة أكدى‏.‏ وبعث إليه صندل رسله من طريقه فقتلهم فأغذ إليه السير وقاتله ثمانية أيام‏.‏ ثم ظفر به فقتله واستباح القلعة وسباها واستخلف عليها من كتامة رجلاً اسمه مرمازوا ورحل صندل إلى فاس فتراجع أهل نكور وبايعوا لموسى بن المعتصم بن محمد بن قرة بن المعتصم بن صالح بن منصور‏.‏ وكان بجبل أبي الحسين عند بني يصلتن وكان يعرف بابن رومي‏.‏ وقال صاحب المقياس‏:‏ هو موسى بن رومي بن عبد السميع بن إدريس بن صالح بن إدريس بن صالح بن منصور فأخذ مرمازوا ومن معه وضرب أعناقهم وبعث برؤوسهم إلى الناصر‏.‏ ثم ثار عليه من أعياص بيته عبد السميع بن جرثم بن إدريس بن صالح بن منصور فخلعه وأخرجه عن نكور سنة تسع وعشرين ولحق موسى بالأندلس ومعه أهله وولده وأخوه هارون بن رومي وكثير من عمومته وأهل بيته‏.‏ فمنهم من نزل معه المرية ومنهم من نزل مالقة‏.‏ ثم انتقض أهل نكور على عبد السميع وقتلوه‏.‏ واستدعوا من مالقة جرثم بن أحمد بن زيادة الله بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور فبادر إليهم وبايعوه سنة ست وثلاثين فاستقامت له الأمور وكان على مذهب سلفه في الاقتداء والعمل بمذهب مالك إلى أن مات آخر سنة ستين لخمس وعشرين سنة من ملكه‏.‏ واتصلت الولاية في بيته إلى أن غلب عليهم أزداجة المتغلبون على وهران وزحف أميرهم يعلى بن فتوح الأزداجي سنة ست وأربعمائة وقيل سنة عشر فغلبهم على نكور وخربها وانقرض ملكهم بعد ثلاثمائة سنة وأربع عشرة سنة من لدن ولاية صالح وبقيت في بني يعلى بن فتوح وأزداجة إلى أعوام ستين وأربعمائة والله مالك الأمور لا إله إلا هو‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 06:28 AM

الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة
كان غمارة هؤلاء غريقين في الجهالة والبعد عن الشرائع بالبداوة والانتباذ عن مواطن الخير وتنبأ فيهم من مجكسة حاميم بن من الله بن حرير بن عمر بن رحفو بن أزروال بن مجكسة يكنى أبا محمد وأبوه أبو خلف‏.‏ تنبأ سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بجبل حاميم المشتهر به قريباً من تيطاوين‏.‏ واجتمع إليه كثير منهم وأقروا بنبوته وشرع لهم الشرائع والديانات من العبادات والأحكام وصنع لهم قرآناً كان يتلوه عليهم بلسانهم من كلامه‏:‏ يا من يخلي البصر ينظر في الدنيا خلني من الذنوب‏.‏ يا من أخرج موسى من البحر آمنت بحاميم وبأبيه أبي خلف من الله‏.‏ وآمن رأسي وعقلي وما يكنه صدري وأحاط به دمي ولحمي وآمنت بتابعيت عمة حاميم أخت أبي خلف من الله وكانت كاهنة ساحرة إلى غير هذا وكان يلقب المفتري وكانت أخته دبو ساحرة كاهنة وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط وقتل في حروب مصمودة بأحواز طنجة سنة خمس عشرة وثلاثمائة وكان لابنه عيسى من بعده قدر جليل في غمارة ووفد على الناصر‏.‏ ورهطهم بنو رحفو موطنون بوادي لاو ووادي راس قرب تيطاوين وكذلك تنبأ منهم بعد ذلك عاصم بن جميل اليزدجومي وله أخبار مأثورة وما زالوا ينتحلون السحر لهذا العهد‏.‏ وأخبرني المشيخة من أهل المغرب أن أكثر منتحلي السحر منهم النساء العواتق‏.‏ قال ولهن قوة على استجلاب روحانية ما يشاؤونه من الكواكب فإذا استولوا عليه وتكيفوا بتلك الروحانية تصرفوا منها في الأكوان بما شاءوا والله أعلم‏.‏

دولة الأدارسة
الخبر عن دولة الأدارسة في غمارة وتصاريف أحوالهم كان عمر بن إدريس عندما قسم محمد بن إدريس أعمال المغرب بين أخوته برأي جدته كنزة أم إدريس اختص منها بتيكيساس وترغة وبلاد صنهاجة وغمارة واختص القاسم بطنجة وسبتة والبصرة وما إلى ذلك من بلاد غمارة‏.‏ ثم غلب عمر عليها عندما تنكر له أخوه محمد واستضافها إلى عمله كما ذكرنا في أخبارهم‏.‏ ثم تراجع بنو محمد بن القاسم من بعد ذلك إلى عملهم الأول فملكوه واختط منهم محمد بن إبراهيم بن محمد بن القاسم قلعة حجر النسر الدانية من سبتة معقلاً لهم وثغراً لعملهم‏.‏ وبقت الإمارة بفاس وأعمال المغرب في ولد محمد بن إدريس‏.‏ ثم أدالوا منهم بولد عمر بن إدريس وكان آخرهم يحيى بن إدريس بن عمر وهو الذي بايع لعبيد الله الشيعي على يد مصالة بن حبوس قائده وعقد له على فاس‏.‏ ثم نكبه سنة تسع‏.‏ وخرج عليه سنة ثلاث عشرة من بني القاسم الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس ويلقب بالحجام لطعنه في المحاجم وكاق مقداماً شجاعاً‏.‏ وثار أهل فاس بريحان وملكوا الحسن وزحف إليه موسى ففله ومات‏.‏ واستولى ابن أبي العافية على فاس وأعمال المغرب وأجلى الأدارسة وأحجرهم بحصنهم حجر النسر وتحيزوا إلى جبال غمارة وبلاد الريف‏.‏ وكان لغمارة في التمسك بدعوتهم آثار ومقامات واستجدوا بتلك الناحية مكاً توزعوه قطعاً كان أعظمها لبني محمد هؤلاء ولبني عمر بتيكيساز ونكور وبلاد الريف‏.‏ ثم سما الناصر عبد الرحمن إلى ملك العدوة ومدافعة الشيعة فنزل له بنو محمد عن سبتة سنة تسع عشرة وتناولها من يد الرضي بن عصام رئيس مجكسة كان يقيم فيها دعوة الأدارسة فأفرجوا له عنها ودانوا بطاعته وأخذها من يده‏.‏ ولما أغزا أبو القاسم ميسوراً إلى المغرب لمحاربة ابن أبي العافية حين نقض طاعتهم ودعى للمروانية وجد بنو محمد السبيل إلى النيل منه بمظاهرة ميسور عليه ومالأهم على ذلك بنو عمر صاحب نكور‏.‏ ولما استقل ابن أبي العافية من نكبته ورجع من الصحراء سنة خمس وعشرين منصرف ميسور من المغرب نازل بني محمد وبني عمر وهلك بعد ذلك‏.‏ وأجاز الناصر وزيره القاسم بن محمد بن طملس سنة ثلاث وثلاثين لحربهم وكتب إلى ملوك مغراوة محمد بن خزر وابنه الخير بمظاهرة عساكره مع ابن أبي العافية عليهم فسارع أبو العيش بن إدريس بن عمر المعروف بابن مصالة إلى الطاعة وأوفد رسله إلى الناصر فعقد له الأمان وأوفد ابنه محمد بن أبي العيش مؤكداً للطاعة فاحتفل لقدومه وأكد له العقد وتقبل سائر الأدارسة من بني محمد مذهبهم‏.‏ وسألوا مثل سؤالهم فعقد لجميع بني محمد أيضاً‏.‏ وكان وفد منهم محمد بن عيسى بن أحمد بن محمد والحسن بن القاسم بن إبراهيم بن محمد وكان بنو إدريس يرجعون في رئاستهم إلى بني محمد هؤلاء منذ استبد بها أخوهم الحسن بن محمد الملقب بالحجام في ثورته على ابن أبي العافية فقدموا على أنفسهم القاسم بن محمد الملقب بكنون بعد فرار موسى بن أبي العافية وملك بلاد المغرب ما عدا فاس مقيماً لدعوة الشيعة إلى أن هلك بقلعة حجر النسر سنة سبع وثلاثين وقام بأمرهم من بعده أبو العيش أحمد بن القاسم كنون وكان فقيهاً عالماً بالأيام والأخبار شجاعاً كريماً ويعرف بأحمد الفاضل وكان منه ميل للمروانية فدعا للناصر وخطب له على منابر عمله ونقض طاعة الشيعة وبايعه أهل المغرب كافة إلى سجلماسة‏.‏ ولما بايعه أهل فاس استعمل عليهم محمد بن الحسن‏.‏ ووفد محمد بن أبي العيش بن إدريس بن عمر بن مصالة على الناصر عن أبيه سنة ثمان وثلاثين فاتصلت به وفاة أبيه وهو بالحضرة فعقد له الناصر على عمله وسرحه وهجم عيسى ابن عمه أبي العيش أحمد بن القاسم كنون على عمله بتيكيساس في غيبة محمد فملكها واحتوى على مال ابن مصالة‏.‏ ولما أقبل محمد من الحضرة زحف برابرة غمارة إلى عيسى المذكور ابن كنون ففظعوا به وأثخنوه جراحة وقتلوا أصحابه ببلد غمارة‏.‏ وأجاز الناصر قواده إلى المغرب‏.‏ وكان أول من أجاز إلى بني محمد هؤلاء سنة ثمان وثلاثين أحمد بن يعلى من طبقة القواد إليهم في العساكر ودعاهم إلى هدم تيطاوين فامتنعوا انقادوا وتنصلوا وأجابوا إلى هدمها‏.‏ ورجع عنهم فانتقضوا فسرح إليهم حميد بن يصل المكناسي في العساكر سنة تسع وثلاثين وزحفوا إليه بوادي لاو فأوقع بهم فأذعنوا من بعدها‏.‏ وتغلب الناصر على طنجة من يد أبي العيش أمير بني محمد وبقي يصل على بيعة الناصر‏.‏ ثم تخطت عساكر الناصر إلى بسائط المغرب فأذعن له أهله وأخذ بدعوته فيه أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة كما ذكرناه فضعف أمر بني محمد واستأذنه أميرهم أبو العيش في الجهاد فأذن له وأمر ببناء القصور له في كل مرحلة من الجزيرة إلى الثغر فكانت ثلاثين مرحلة فأجاز أبو العيش واستخلف على عمله أخاه الحسن بن كنون‏.‏ وتلقاه الناصر بالمبرة وأجرى له ألف دينار في كل يوم وهلك شهيداً في مواقف الجهاد سنة ثلاث وأربعين‏.‏ ولما أغزا معد قائده جوهراً الكاتب إلى المغرب واستنزل عماله وتحصن الحسن بن كنون منه بقلعة النسر معقلهم‏.‏ وبعث إليه بطاعته فلم يعرض له جوهر‏.‏ ولما قفل من المغرب راجع الحسن طاعة الناصر إلى أن هلك سنة خمسين فاستجد الحكم عزمه في سد ثغور المغرب وإحكام دعوتهم فيه‏.‏ وشحذ لها عزائم أوليائهم من ملوك زناتة فكان بينهم وبين زيري وبلكين ما ذكرناه‏.‏ ثم أغزا معد بلكين بن زيري المغرب سنة اثنتين وستين أولى غزواته فأثخن في زناتة وأوغل في ديار المغرب‏.‏ وقام الحسن بن كنون بدعوة الشيعة ونقض طاعة المروانية فلما انصرف بلكين أجاز الحكم عساكره إلى العدوة مع وزيره محمد بن قاسم بن طملس منه اثنتين وستين لقتال الحسن بن كنون وبني محمد فكان الظهور والفلاح للحسن على عسكر الحكم‏.‏ وقتل قائده محمد بن طملس وخلقاً كثيراً من عسكره وأوليائه‏.‏ ودخل فلهم إلى سبتة واستصرخوا الحكم فبعث غالباً مولاه البعيد الصيت المعروف الشهامة وأمده بكفاء ذلك من الأموال والجنود وأمره باستنزال الأدارسة وإجازتهم إليه وقال له‏:‏ سر يا غالب مسير من لا إذن له في الرجوع إلا حياً منصوراً أو ميتاً معذوراً‏.‏ واتصل خبره بالحسن بن كنون فأفرج عن مدينة البصرة واحتمل منها أمواله وحرمه وذخيرته إلى حجر النسر معقلهم القريب من سبتة ونازله غالب بقصر مصمودة فاتصلت الحرب بينهم أياماً‏.‏ ثم بث غالب المال في رؤساء البربر من غمارة ومن معه من الجنود ففروا وأسلموه وانحجز بقلعة حجر النسر ونازله غالب وأمده الحكم بعرب الدولة ورجال الثغور‏.‏ وأجازهم مع وزيره صاحب الثغر الأعلى يحيى بن محمد بن هاشم التجيبي فيمن معه من أهل بيته وحشمه سنة ثلاث وستين فاجتمع مع غالب على القلعة واشتد الحصار على الحسن وطلب من غالب الأمان فعقد له وتسلم الحصن‏.‏ من يلده‏.‏ ثم عطف على من بقي من الأدارسة ببلاد الريف فأزعجهم وصيرهم أسوة ابن عمهم واستنزل جميع الأدارسة من معاقلهم‏.‏ وسار إلى فاس فملكها واستعمل عليها محمد بن علي بن قشوش في عدوة القرويين وعبد الكريم بن ثعلبة الجذامي في عدوة الأندلس‏.‏ وانصرف غالب إلى قرطبة ومعه الحسن بن كنون وسائر ملوك الأدارسة وقد مهد المغرب وفرق عماله في جهاته وقطع دعوة الشيعة وذلك سنة أربع وستين‏.‏ وتلقاهم الحكم وأركب الناس للقائهم‏.‏ وكان يوم دخولهم إلى قرطبة أحفل أيام الدولة‏.‏ وعفا عن الحسن بن كنون ووفى له بالعهد وأجزل له ولرجاله العطاء والخلع والجعالات وأوسع عليهم الجراية وأسنى لهم الأرزاق ورتب من حاشيتهم في الديوان سبعمائة من أنجاد المغاربة‏.‏ وتجنى عليه بعد ثلاث سنين بسؤاله من الحسن قطعة عنبر عظيمة تأدت إليه من بعض سواحل عمله بالمغرب أيام ملكه فاتخذ منها أريكة يرتفقها ويتوسدها فسأله حملها إليه على أن يحكمه في رضاه فأبى عليه مع سعاية بني عمه فيه عند الخليفة وسوء خلق الحسن ولجاجه فنكبه واستصفى ما لديه من قطعة العنبر وسواها‏.‏ واستقام أمر المغرب للحكم وتظافر أمراؤه على مدافعة بلكين وعقد الوزير المصحفي لجعفر بن علي على المغرب واسترجع يحيى بن محمد بن هاشم‏.‏ وغرب الحسن بن كنون والأدارسة جميعاً إلى المشرق استثقالاً لنفقاتهم‏.‏ وشرط عليه ألا يعودوا فعبروا البحر من المرية سنة خمس وستين ونزلوا من جوار العزيز بن معد بالقاهرة خير نزل وبالغ في الكرامة ووعد بالنصرة والترة‏.‏ ثم بعث الحسن بن كنون إلى المغرب وكتب له إلى آل زيري بن مناد بالقيروان بالمظاهرة فلحق بالمغرب ودعا لنفسه‏.‏ وبعث المنصور بن أبي عامر العساكر لمدافعته فغلبوه وتقبضوا عليه وأشخصوه إلى الأندلس فقتل في طريقه سنة‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏ وانقرض ملك الأدارسة من المغرب أجمع إلى أن كان رجوع الأمر لبني حمود منهم ببلاد غمارة وسبتة وطنجة دولة بني حمود الخبر عن دولة بني حمود ومواليهم بسبتة وطنجة وتصاريف أحوالهم وأحوال غمارة من بعدهم كان الأدارسة لما أجلاهم الحكم المستنصر عن العدوة إلى الشرق ومحا أثرهم من سائر بلاد المغرب واستقامت غمارة على طاعة المروانية وأدعنوا لجند الأندلسيين ورجع الحسن بن كنون لطلب أمرهم فهلك على يد المنصور بن أبي عامر فانقرض أمرهم وافترق الأدارسة في القبائل وانتشروا في الأرض ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعوا شارة ذلك النسب واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة‏.‏ ولحق بالأندلس في جملة البرابرة من ولد عمر بن إدريس رجلان منهم وهما‏:‏ علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس فطار لهم ذكر في الشجاعة والإقدام ولما كانت الفتنة البربرية بالأندلس بعد انقراض الدولة العامرية ونصب البرابر سليمان بن الحكم ولقبوه المستعين واختص به أبناء حمود هذان وأحسنوا الغناء في ولايته حتى إذا استولى على ملكه بقرطبة وعقد للمغاربة الولايات عقد لعلي بن حمود هذا على طنجة وأعمال غمارة فنزلها وراجع عهده معهم فيها‏.‏ ثم انتقض ودعا لنفسه وأجاز إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما ذكرناه فعقد على عمله بطنجة لابنه يحيى‏.‏ ثم أجاز يحيى إلى الأندلس بعد مهلك أبيه علي منازعاً لعمه القاسم واستقل أخوه إدريس من بعده بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه بالعدوة من مواطن غمارة‏.‏ ثم أجاز بعد مهلك أخيه يحيى بمالقة فاستدعى رجال دولتهم وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على عملهم بسبتة وطنجة وأنفذ نجا الخادم معه ليكون تحت نظره واستبداده‏.‏ ولما هلك إدريس واعتزم ابن بقنة على الاستبداد بمالقة أجاز نجا الخادم بحسن بن يحيى من طنجة فملك مالقة وربت أمره في خلافته ورجع إلى سبتة‏.‏ وعقد له حسن على عملهم في مواطن غمارة حتى إذا هلك حسن أجاز نجا إلى الأندلس يروم الاستبداد‏.‏ واستخلف على العمل من وثق به من موالي الصقالبة فلم يزل إلى نطرهم واحدا بعد آخر إلى أن استقل بسبتة وطنجة من موالي بني حمود هؤلاء الحاجب سكوت البرغواطي وكان عبداً للشيخ حداد من مواليهم اشتراه من سبي برغواطة في بعض أيام جهادهم‏.‏ ثم صار إلى علي بن حمود فأخذت النجابة بضبعه إلى أن استقل بأمرهم واقتعد كرسي عملهم بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة‏.‏ واتصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين وتغلب يوسف بن تاشفين على مغراوة بفاس‏.‏ ونجا فلهم إلى بلد الدمنة من آخر بسيط المغرب مما يلي بلاد غمارة‏.‏ ونازلهم يوسف بن تاشفين سنة إحدى وسبعين ودعا الحاجب سكوت إلى مظاهرته عليهم فهم بالانحياش ومظاهرته على عدوه‏.‏ ثم ثناه عن ذلك ابنه الفائل الرأي‏.‏ فلما فرغ يوسف بن تاشفين من أهل الذمة وأوقع بهم وافتتح حصن علودان من حصون غمارة من ورائه وانقاد المغرب لحكمه صرف وجهه إلى سكوت فجهز إليه العساكر وعقد عليها للقائد صالح بن عمران من رجالات لمتونة فتباشرت الرعايا بمقدمهم وانثالوا عليهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى الحاجب سكوت فأقسم أن لا يسمع أحداً من رعيته هدير طبولهم ولحق هو بمدينة طنجة ثغر عمله‏.‏ وقد كان عليها من قبله ابنه ضياء الدولة المعز وبرز للقائهم فالتقى الجمعان بظاهر طنجة وانكشفت عساكر سكوت وطحنت رحى المرابطين وسالت نفسه على ظباهم ودخلوا طنجة واستولوا عليها‏.‏ ولحق ضياء الدولة بسبتة‏.‏ ولما تكالب الطاغية على بلاد الأندلس وبعث ابن عباد صريخه إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مستنجزاً وعده في جهاد الطاغية والذب عن المسلمين وكاتبه أهل الأندلس كافة اهتز إلى الجهاد وبعث ابنه المعز سنة ست وسبعين في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً واقتحموها عنوة‏.‏ وتقبض على ضياء الدولة واقتيد إلى المعز فطالبه بالمال فأساء إيجابه فقتله لوقته وعثر على ذخائره وفيها خاتم يحيى بن علي بن حمود‏.‏ وكتب إلى أبيه بالفتح وانقرضت دولة آل حمود وامحى أثر سلطانهم من بلاد غمارة وأقاموا في طاعة لمتونة سائر أيامهم‏.‏ ولما نجم المهدي بالمغرب واستفحل أمر الموحدين بعد مهلكه تنقل خليفته عبد المؤمن في بلادهم في غزاته الكبرى لفتح المغرب سنة سبع وثلاثين وما بعدها قبل استيلائه على مراكش كما نذكره في أخبارهم فوحدوا صفوفهم واتبعوا أمره ونازلوا سبتة في عساكره‏.‏ وامتنعت عليهم وتولى كبر امتناعها قاضيهم عياض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوته وعلمه ومنصبه‏.‏ ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة إحدى وأربعين فكانت لغمارة هؤلاء السابقة التي رعيت لهم سائر أيام الدولة‏.‏ ولما فشل أمر بني عبد المؤمن وذهبت ريحهم وكثر الثوار بالقاصية ثار فيهم محمد بن محمد الكتامي سنة خمس وعشرين‏.‏ كان أبوه من قصر كتامة منقبضاً عن الناس وكان ينتحل السيميا ولقنه عنه ابنه محمد هذا‏.‏ وكان يلقب أبا الطواجن فارتحل إلى سبتة ونزل إلى بني سعيد وادعى صناعة الكيمياء فاتبعه الغوغاء‏.‏ ثم ادعى النبوة وشرع شرائع وأظهر أنواعاً من الشعوذة فكثر تابعه‏.‏ ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده‏.‏ وزحفت عساكر سبتة إليه ففر عنها وقتله بعض البرابرة غيلة‏.‏ ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وأمصاره سنة أربعين وستمائة واستولوا على كرسي الأمر بمراكش سنة ثمان وستين فامتنع قبائل غمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم وأقاموا بمنجاة من الطاعة وعلى ثبج من الخلاف‏.‏ وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بني مرين بسبب امتناعهم‏.‏ وصار أمرها إلى الشورى واستبد بها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختهم‏.‏ كما نذكر ذلك كله إلى أن وقع بين قبائل غمارة ورؤسائهم فتن وحروب ونزعت إحدى الطائفتين إلى طاعة السلطان بالمغرب من بني مرين فأتوها طواعية‏.‏ ودخل الآخرون في الطاعة تلوهم طوعاً أو كرهاً‏.‏ فملك بنو مرين أمرهم واستعملوا عليهم وتخطوا إلى سبتة من ورائهم فملكوها من أيدي العزفيين سنة تسع وعشرين وسبعمائة على ما نذكره بعد عند ذكر دولتهم‏.‏ وهم الآن على أحسن أحوالهم من الاعتزاز والكثرة يؤتون طاعتهم وجبايتهم عند استقلال الدولة ويمرضون فيها عند التياثها بفشل أو شغل بخارج فيجهز البعوث إليهم من الحضرة حتى يستقيموا على الطاعة‏.‏ ولهم بوعورة جبالهم عز ومنعة وجوار لمن لحق بهم من أعياص الملك ومستأمني الخوارج إلى هذا العهد‏.‏ ولبني يكم من بينهم الحظ الوافر من ذلك لأشراف جبلهم على سائرها وسمو بقاعة إلى مجاري السحب دونها وتوعر مسالكه بهبوب الرياح فيها‏.‏ وهذا الجبل مطل على سبتة من غربيها ورئيسه منهم وصاحب أمره يوسف بن عمر وبنوه ولهم فيه عزة وثروة وقد اتخذوا له المصانع والغروس وفرض لهم السلطان بديوان سبتة العطاء‏.‏ وأقطعهم ببسيط طنجة الضياع والفدن استئلافاً بهم وحسماً لزبون سائر غمارة بإيناس طاعتهم ولله الخلق والأمر بيده ملك السموات والأرض‏.‏ أهل جبال درن الخبر عن أهل جبال درن بالمغرب الأقصى من بطون المصامدة وما كان لهم من الظهور والأحوال ومبادئ أمورهم وتصاريفها هذه الجبال بقاسية المغرب من أعظم جبال المعمور بنا أعرق في الثرى أصلها وذهبت في السماء فروعها وملأت الجو هياكلها ومثلت سياجاً على ريف المغرب سطورها تبتدئ من ساحل البحر المحيط عند أسفى وما إليها وتذهب في الشرق إلى غير نهاية‏.‏ ويقال إنها تنتهي إلى قبلة برنيق من أرض برقة وهي في الجانب مما يلي مراكش قد ركب بعضها بعضاً متتالية على نسق من الصحراء إلى التل‏.‏ يسير الراكب فيها معترضاً من تامسنا وسواحل مراكش إلى بلاد السوس ودرعة من القبلة ثماني مراحل وأزيد تفجرت فيها الأنهار وجلل الأرض خمر الشعراء وتكاثفت بينها ظلال الأدواح‏.‏ وزكت فيها مواد الزرع والضرع وانفسحت مسارح الحيوان ومراتع الصيد وطابت منابت الشجر ودرت أفاويق الجباية يعمرها من قبائل المصامدة أمم لا يحصيهم إلا خالقهم قد اتخذوا المعاقل والحصون وشيدوا المباني والقصور واستغنوا بقطرهم منها عن أقطار العالم فرحل إليهم التجار من الآفاق واختلفت إليهم أهل النواحي والأمصار ولم يزالوا منذ أول الإسلام وما قبله معتمرين بتلك الجبال قد أوطنوا منها أقطاراً بل أقاليم تعددت فيها الممالك والعمالات بتعدد شعوبهم وقبائلهم وافترقت أسماؤها بافتراق أحيائهم‏.‏ تنتهي ديارهم من هذه الجبال إلى ثنية المعدن المعروفة ببني فازاز حيث تبتدئ مواطن صناكة ويحفون بهم كذلك من ناحية القبلة إلى بلاد السوس‏.‏ وقبائل هؤلاء المصامدة بهذه المواطن كثير فمنهم‏:‏ هرغة وهنتاتة وتينملل وكدميوة وكنفيسة ووريكة وركراكة ومزميرة ودكالة وحاحة وأصادن وبنو وازكيت وبنو ماكر وإيلانة ويقال هيلانة بالهاء‏.‏ ويقال أيضاً إن إيلان هو ابن بر أصهر المصامدة فكانوا خلفاءهم‏.‏ ومن بطون أصادن مسفاوة وماغوس ومن مسفاوة دغاغة ويوطانان‏.‏ ولقال إن غمارة ورهون وأمول بن أصادن والله أعلم‏.‏ ويقال إن من بطون حاحة زكن وولخص الظواعن الآن بأرض السوس أحلافاً لذوي حسان المتغلبين عليها من عرب المعقل‏.‏ ومن بطون كنفيسة أيضاً قبيلة سكسيوة الموطنون بأمنع المعاقل من هذه الجبال يطل جبلهم على بسيط السوس من القبلة وعلى ساحل البحر المحيط من الغرب ولهم بمنعة معقلهم ذلك اعتزاز على أهل جلدتهم حسبما نذكره بعد‏.‏ وكان لهؤلاء المصامدة صدر الإسلام بهذه الجبال عدد وقوة وطاعة للدين ومخالفة لإخوانهم برغواطة في نحلة كفرهم‏.‏ وكان من مشاهيرهم كسير بن وسلاس بن شملال من أصادة وهو جد يحيى بن يحيى راوي الموطأ عن مالك‏.‏ ودخل الأندلس وشهد الفتح مع طارق في آخرين من مشاهيرهم استقروا بالأندلس وكان لأعقابهم بها ذكر في دولة الأموية‏.‏ وكذلك كان منهم قبل الإسلام ملوك وأمراء‏.‏ ولهم مع لمتونة ملوك المغرب حروب وفتن سائر أيامهم حتى كان اجتماعهم على المهدي وقيامهم بدعوته فكانت لهم دولة عظيمة أدالت من لمتونة بالعدوتين ومن صنهاجة لإفريقية حسبما هو مشهور ونأتي الآن بذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

المهدي ودعوته
الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يد بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية وبداية ذلك وتصاريفه لم يزل أمر هؤلاء المصامدة بجبال درن عظيماً وجماعتهم موفورة وبأسهم قوياً وفي أخبار الفتح من حروبهم مع عقبة بن نافع وموسى بن نصير حتى استقاموا على الإسلام ما هو معروف مذكور إلى أن أظلتهم دولة لمتونة فكان أمرهم فيها مستفحلا وشأنهم على أهل السلطان والدولة مهماً‏.‏ حتى لقد اختطوا مدينة مراكش لنزلهم جوار مواطنهم من درن ليتمرسوا بهم ويذللوا من صعابهم‏.‏ وفي عنفوان تلك الدولة على عهد علي بن يوسف منها نجم إمامهم العالم الشهير محمد بن تومرت صاحب دولة الموحدين المشتهر بالمهدي أصله من هرغة من بطون المصامدة الذين عددناهم يسمى أبوه عبد الله‏.‏ وتومرت وكان يلقب في صغره أيضاً أمغار وهو محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال بن حمزة بن عيسى فيما ذكره ابن رشيق وحققه ابن القطان‏.‏ وذكر بعض مؤرخي المغرب أنه محمد بن تومرت بن تيطاوين بن سافلا بن مسيغون بن إيكلديس بن خالد‏.‏ وزعم كثير من المؤرخين أن نسبه في أهل البيت‏.‏ وأنه محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان ابن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي إدريس الأكبر الواقع نسب الكثير من بنيه في المصامدة وأهل السوس‏.‏ كذا ذكر ابن نخيل في سليمان هذا وأنه لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب‏.‏ قال‏:‏ فمن ولده كل طالبي بالسوس وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب وإن رباحاً الذي في عمود هذا النسب إنما هو ابن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن وعلى الأمرين فإن نسبه الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة‏.‏ ووشجت عروقه فيهم والتحم بعصبيتهم فلبس جلدتهم وانتسب بنسبتهم وصار في عدادهم‏.‏ وكان أهل بيته أهل نسك ورباط‏.‏ وشب محمد هذا قارئاً محباً للعلم وكان يسمى أسافو ومعناه الضياء لكثرة ما كان يسرج من القناديل بالمساجد لملازمتها‏.‏ وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة‏.‏ ومرة بالأندلس ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم‏.‏ ثم أجاز إلى الإسكندرية وحج‏.‏ ودخل العراق ولقي جلة العلماء يومئذ وفحول النظار‏.‏ وأفاد علماً واسعاً وكان يحدث نفسه بالدولة لقومه على يده لما كان الكهان والحزاء يتحينون ظهور دولة يومئذ بالمغرب ولقي فيما زعموا أبا حامد الغزالي وفاوضه بذات صدره في ذلك فأراده عليه لما كان فيه الإسلام يومئذ بأقطار المغرب من اختلال الدولة وتقويض أركان السلطان المجامع للأمة المقيم للملة بعد أن سأله عمن له من العصابة والقبائل التي تكون بها إلاعتزاز والمنعة وبشأنها يتم أمر الله في درك البغية وظهور الدعوة‏.‏ وانطلق هذا الإمام راجعاً إلى المغرب بحراً منفجراً من العلم وشهاباً وارياً من الدين‏.‏ وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية والذب عنها بالحجج العقلية الدافعة في صدور أهل البدعة‏.‏ وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإمرار المتشابهات كما جاءت فطعن على أهل المغرب في ذلك وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة والتوحيد‏.‏ وكان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأي الإمامية من الشيعة‏.‏ وألف في ذلك كتابه في الإمامة الذي افتتحه بقوله‏:‏ أعز ما يطلب‏.‏ وصار هذا المفتتح لقباً على ذلك الكتاب واحتل بطرابلس أول بلاد المغرب مفتياً بمذهبه ذلك مظهراً النكير على علماء المغرب في عدولهم عنه‏.‏ وأخذ نفسه بتدريس العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع حتى لقد لقي بسبب ذلك أذايات في نفسه احتسبها من صالح أعماله‏.‏ ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد من أمراء صنهاجة‏.‏ وكان من المترفين فأغلظ له ولأتباعه بالنكير‏.‏ وتعرض يوماً لتغيير بعض المنكرات في الطرق فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به فخرج منها خائفاً ولحق بملالة على فرسخ منها وبها يومئذ بنو ورياكل من قبائل صنهاجة‏.‏ وكان لهم اعتزاز ومنعة فآووه وأجاروه‏.‏ وطالبهم السلطان صاحب بجاية بإسلامه إليه فأبوا وأسخطوه وأقام بينهم يدرس العلم أياماً‏.‏ وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريباً من ديار ملالة وهي لهذا العهد معروفة‏.‏ وهنالك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن علي حاجاً مع عمه فأعجب بعلمه وأثنى عزمه عن وجهه ذلك واختص به وشمر للأخذ عنه‏.‏ وارتحل المهدي إلى المغرب وهو في جملته‏.‏ ولحق بوانشريس‏.‏ وصحبه منها البشير من جلة أصحابه‏.‏ ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضي بها ابن صاحب الصلاة ووبخه على منتحله ذلك وخلافه لأهل قطره‏.‏ وظن أن العذل يزعه عن ذلك فصم عن قبوله‏.‏ واستمر على طريقه إلى فاس ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشرار من الغوغاء وأوجموه ضرباً ولحق بمراكش وأقام بها آخذاً في شأنه‏.‏ ولقي علي بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول‏.‏ ولقي ذات يوم الصورة أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملثمين في زي نسائهم فوبخها ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته‏.‏ وكان ملئوا منه حسداً وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الأشعرية في تأويل المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إمراره كما جاء ويرى أن الجمهور لقنوه تجسيماً ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولي الأضعرية في التكفير بمآل الرأي فأغروا الأمير به وأحضره للمناظرة معهم فكان له الفتح والظهور عليهم وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات وغير المناكير على عادته وأغرى به أهلها علي بن يوسف وطيروا إليه بخبره فخرج عنها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته‏.‏ ودعا إسماعيل بن إيكيك من أصحابه مايتين من أنجاد قومه وخرج به إلى منجاة من جبال المصامدة‏.‏ ولحق أولاً بمسفيوة ثم بهنتاتة‏.‏ ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي وهو الشيخ أبو حفص ويعرف بيته بين هنتاتة ببني فاصكات‏.‏ وتقول نسابتهم‏:‏ إن فاصكات هو جد وانودين ويقال لهنتاتة بلسانهم ينتى فلذلك كان يعرف عمر بينتى وسيأتي الكلام في تحقيق نسبه عند ذكر دولتهم‏.‏ ثم ارتحله المهدي عنهم إلى إيكيلين من بلاد هرغة فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة‏.‏ وبنى رابطة للعبادة واجتمعت إليه الطلبة والقبائل فأعلمهم المرشدة والتوحيد باللسان البربري‏.‏ وشاع أمره في صحبته‏.‏ واستدرك رئيس الفئة العلمية بمجلس الأمير علي بن يوسف وهو مالك بن وهيب أغراه به‏.‏ وكان جزاء ينظر في النجوم وكان الكهان يتحدثون بأن ملكاً كائن بالمغرب لأمة من البربر ويتغير فيه شكل السكة لقران بين الكوكبين العلويين من السيارة يقتضي ذلك في أحكامهم وكان الأمير يتوقعها فقال له‏:‏ احتفظ بالدولة من الرجل فإنه صاحب القران‏.‏ والدرهم المربع في كلام سفساف ببسجع سوقي يتناقل الناس نصه وهو‏:‏ اجعل على رجله كبلا ليلاً يسمعك طبلاً‏.‏ وأظنه صاحب الدرهم المربع فطلبه علي بن يوسف فتفقده وسرح الخيالة في طلبه ففاتهم وداخل عامل السوس وهو أبو بكر بن محمد اللمتوني بعض هرغة في قتله ونذر بهم إخوانهم فنقلوا الإمام إلى معقل امتناعهم وقتلوا من داخل في أمره‏.‏ ثم دعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين دونه سنة خمس عشرة وخمسمائة فتقدم إليها رجالاتهم من العشرة وغيرهم‏.‏ وكان فيهم من هنتاتة أبو حفص عمر بن يحيى وأبو يحيى بن بكيت ويوسف بن وانودين وابن يغمور ومن تينملل أبو حفص عمر بن علي أصناك ومحمد بن سليمان وعمر بن تافراكين وعبد الله بن ملويات‏.‏ وأوعب قبيلة هرغة فدخلوا في أمره كلهم ثم دخل معهم كدميوة وكنفيسة ولما كملت بيعته لقبوه بالمهدي وكان لقبه قبلها الإمام‏.‏ وكان يسمي أصحابه الطلبة وأهل دعوته الموحدين‏.‏ ولما تم له خمسون من أصحابه سماهم آيت الخمسين‏.‏ وزحف إليهم عامل السوس أبو بكر بن محمد اللمتوني بمكانهم من هرغة فاستجاشوا بإخوانهم من هنتاتة وتينملل فاجتمعوا إليهم وأوقعوا بعسكر لمتونة فكانت مقدمة الفتح‏.‏ وكان الإمام يعدهم بذلك فاستبصروا في أمره وتسابق كافتهم إلى الدخول في دعوته وترددت عساكر لمتونة إليهم مدة بعد أخرى ففضوهم‏.‏ وانتقل لثلاث سنين من بيعته إلى جبل تينملل فأوطنه وبنى داره ومسجده بينهم حوالي منبع وادي وقاتل من تخلف عن بيعته من المصامدة حتى استقاموا فقاتل أولا‏:‏ هزرجة وأوقع بهم مراراً ودانوا بالطاعة‏.‏ ثم قاتل هسكورة ومعهم أبو درقة اللمتوني فغلبهم وقفل فاتبعه بنو وازكيت فأوقع بهم الموحدون وأثخنوا فيهم قتلا وأسراً‏.‏ ثم غزا بلد عجدامة وكن قد افتتحه وترك به الشيخ أبا محمد عطية من أصحابه فغدروا به وقتلوه فغزاهم واستباحهم‏.‏ ورجع إلى تينملل وأقام بها إلى أن كان شأن البشير وميز الموحد من المنافقين وكانوا يسمون لمتونة الحشم فاعتزم على غزوهم وجمع كافة أهل دعوته من المصامدة‏.‏ وزحف إليهم فلقوه بكيك وهزمهم الموحدون واتبعوهم إلى أغمات فلقيهم هنالك زحوف لمتونة مع بكو بن علي بن يوسف وإبراهيم بن تاعباست فهزمهم الموحدون‏.‏ وقتل إبراهيم واتبعوهم إلى مراكش فنزلوا البحيرة في زهاء أربعين ألفاً كلهم رجلى إلا أربعمائة فارس‏.‏ واحتفل علي بن يوسف في الاحتشاد وبرز إليهم لأربعين من نزولهم عليه من باب إيلان فهزمهم وأثخن فيهم قتلا وسبياً وفقد البشير من أصحابه‏.‏ واستحر القتل في هيلانة وأبلى عبد المؤمن في ذلك اليوم أحسن البلاء‏.‏ وكانت وفاة المهدي لأربعة أشهر بعدها‏.‏ وكان يسمي أتباعه بالموحدين تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم‏.‏ وكان حصوراً لا يأتي النساء‏.‏ وكان يلبس العباءة المرقعة‏.‏ وله قدم في التقشف والعبادة ولم يحفظ عنه فلتة في

ميارى 12 - 8 - 2010 06:30 AM

دولة عبد المؤمن خليفة المهدي
الخبر عن دولة عبد المؤمن خليفة المهدي والخلفاء الأربعة من بيته ووصف لحالهم ومصائر أمورهم لما هلك المهدي سنة اثنتين وعشرين كما ذكرناه وقد عهد بأمره من بعده لكبير صحابته عبد المؤمن بن علي الكومي المقدم ذكره ونسبه عند ذكر قومه فقبر بمسجده لصق داره من تينملل‏.‏ وخشي أصحابه من افتراق الكلمة وما يتوقع من سخط المصامدة ولاية عبد المؤمن لكونه من غير جلدتهم فأرجأوا الأمر إلى أن تخالط بشاشة الدعوة قلوبهم وكتموا موته زعموا ثلاث سنين يموهون بمرضه ويقيمون سنته في الصلاة والحزب الراتب‏.‏ ويدخل صحابته إلى البيت كأنه اختصهم بعبادته فيجلسون حفافي قبره ويتفاوضون في شؤونهم بمحضر أخته زينب ثم يخرجون لإنفاذ ما أبرموه ويتولاه عبد المؤمن بتسليمهم‏.‏ حتى إذا استحكم أمرهم وتمكنت الدعوة من نفوس كافتهم كشفوا حينئذ القناع عن حالهم وتمالأ من بقي من العشرة على تقديم عبد المؤمن‏.‏ وتولى كبر ذلك الشيخ أبو حفص وأراد هنتاتة وسائر المصامدة عليه فأظهروا للناس موت المهدي وعهده لصاحبه وانقياد بقية أصحابه لذلك‏.‏ وروى يحيى بن يغمور عن الإمام أنه يقول في دعائه إثر صلواته‏:‏ اللهم بارك لي في الصاحب الأفضل فرضي الكافة وانقادوا وأجمعوا على بيعته بمدينة تينملل سنة أربع وعشرين فقام بأمر الموحدين وأبعد في الغزوات فصبح تادلا وأصاب منهم‏.‏ ثم غزا درعة واستولى عليها سنة ست وعشرين‏.‏ ثم غزا تاشعبوت وافتتحها وقتل واليها أبا بكر بن مزروال ومن كان معه من قومه غمارة بني ونام وبني مزردع‏.‏ ثم تسابق الناس إلى دعوتهم أفواجاً وانتقض البرابر في سائر أقطار المغرب على لمتونة وسرح علي بن يوسف ابنه تاشفين لقتالهم سنة ثلاث وثلاثين فجاءهم من ناحية أرض السوس واحتشد معه قبائل كزولة وجعلهم في مقدمته فلقيهم الموحدون بأوائل جبلهم وهزموهم‏.‏ ورجع تاشفين ولم يلق حرباً ودخل كزولة من بعدها في دعوة الموحدين‏.‏ وأجمع عبد المؤمن على غزو بلاد المغرب فعزا غزاته الطويلة منذ سنة أربع وثلاثين إلى سنة إحدى وأربعين ولما يراجع فيها تينملل حتى انقضت بالفتح والاستيلاء على المغربين خرج إليها من تينملل وخرج تاشفين بعساكره يحاذيه في البسيط والناس يفرون منه إلى عبد المؤمن وهو ينتقل في الجبال في سعة من الفواكه للأكل والحطب للدفء إلى أن وصل إلى جبال غمارة واشتعلت نار الفتنة والغلاء بالمغرب وامتنعت الرعايا من المغرم وألح الطاغية على المسلمين بالعدوة‏.‏ وهلك خلال ذلك علي بن يوسف أمير لمتونة وملك العدوتين سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وولي أمرهم تاشفين ابنه وهو في غزاته هذه وقد أحيط به‏.‏ وحدث بعد موت أبيه فتنة بين لمتونة ومسوفة ففزع أمراء مسوفة مثل براز بن محمد ويحيى بن تاكغت ويحيى بن إسحاق المعروف بانكمار وكان والي تلمسان‏.‏ ولحقوا بعبد المؤمن فيمن إليهم من الجملة ودخلوا في دعوته ونبذ إليهم لمتونة العهد وإلى سائر مسوفة‏.‏ واستمر عبد المؤمن على حاله فنازل سبتة وامتنعت عليه وتولى كبر دفاعه عنها القاضي عياض الشهير الذكر‏.‏ كان رئيسها يومئذ بدينه وأبوته ومنصبه‏.‏ ولذلك سخطته الدولة آخر الأيام حتى مات مغرباً عن سبتة بتادلا مستعملا في خطة القضاء بالبادية وتمادى عبد المؤمن في غزاته إلى جبال غياثة وبطوية فافتتحها ثم نزل ملوية فافتتح حصونها‏.‏ لنظر يوسف بن وانودين وابن يرمور فخرج إليهم محمد بن يحيى بن فانوا عامل تلمسان فيمن معه من عساكر لمتونو وزناتة فهزمهم الموحدون وقتل ابن فانوا‏.‏ وانفض عسكر زناتة ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ وولى ابن تاشفين على تلمسان أبا بكر بن مزدلي ووصل إلى عبد المؤمن بمكانه من الريف أبو بكر بن ماخوخ ويوسف بن يدر أمراء بني ومانوا فبعث معهم ابن يغمور وابن وانودين في عسكرهم من الموحدين فأثخنوا في بلاد بني عبد الواد وبني يلومي سبياً وأسراً وأمدتهم عساكر لمتونة ومعهم الزبرتير قائد الروم فنزلوا منداس واجتمعت عليهم زناتة في بني يلومي وبني عبد الواد وشيخهم حمامة بن مطهر وبني ينكاسن وبني ورسيفان وبني توجين فأوقعوا ببني ومانوا واستنقذوا غنائمهم من أيديهم‏.‏ وقتلوا أبا بكر بن ماخوخ في ستمائة من قومه‏.‏ وتحصن الموحدون وابن وانودين بجبال سيرات ولحق تاشفين بن ماخوخ بعبد المؤمن صريخاً على لمتونة وزناتة فارتحل معه إلى تلمسان‏.‏ ثم أجاز إلى سيرات وقصد محلة لمتونة وزناتة فأوقع بهم ورجع إلى تلمسان فنزل ما بين الصخرتين من جبل بني ورنيد‏.‏ ونزل تاشفين باصطفصف ووصل مدده صنهاجة من قبل يحيى بن العزيز صاحب بجاية لنظر طاهر بن كباب من قواده أمدوا به تاشفين وقومه لعصبية الصنهاجية‏.‏ وفي يوم وصوله أشرف على معسكر الموحدين وكان يدل بإقدام وبأس فزارى بلمتونة وأميرهم لقعودهم عن مناحزة الموحدين وقال‏:‏ إنما جئتكم لأمكنكم من صاحبكم عبد المؤمن هذا وأرجع إلى قومي فامتعض تاشفين لكلمته وأذن له في المناجزة فحمل على القوم فركبوا وصمموا للقائه فكان آخر العهد به وبعسكره‏.‏ وكان تاشفين بعث من قبل ذلك قائده على الروم الزبرتير في عسكر ضخم كما قلناه فأغار على بني سنوس وزناتة الذين كانوا في بسيطهم ورجع بالغنائم فاعترضه الموحدون من معسكر عبد المؤمن فقتلوهم وقتل الزبرتير وصلب‏.‏ ثم بعث بعثاً آخر إلى بلاد بني ومانوا فلقيهم تاشفين بن ماخوخ ومن كان معه من الموحدين وأوقعوا بهم‏.‏ واعترضوا عسكر بجاية عند رجوعهم فنالوا منهم أعظم النيل‏.‏ وتوالت هذه الوقائع على تاشفين فأجمع الرحلة إلى وهران وبعث ابنه إبراهيم ولي عهده إلى مراكش في جماعة من لمتونة وبعث كاتباً معه أحمد بن عطية‏.‏ ورحل هو إلى وهران سنة تسع وثلاثين وأقام عليها شهراً ينتظر قائد أسطوله محمد بن ميمون إلى أن وصله من المرية بعشرة أساطيل فأرساها قريباً من معسكره‏.‏ وزحف عبد المؤمن من تلمسان وبعث في مقدمته الشيخ أبا حفص عمر بن يحيى‏.‏ وبني ومانوا من زناتة فتقدموا إلى بلاد بني يلومي وبنى عبد الواد وبني ورسيفن وبني توجين وأثخنوا فيهم حتى دخلوا في دعوتهم‏.‏ ووفد على عبد المؤمن برؤسائهم وكان منهم سيد الناس ابن أمير الناس شيخ بني يلومي فتلقاهم بالقبول وسار في جموع الموحدين إلى وهران ففجعوا لمتونة بمعسكرهم ففضوهم ولجأ تاشفين إلى رابطة هنالك فأحدقوا بها وأضرموا النيران حولها حتى غشيهم الليل فخرج تاشفين من الحصن راكباً على فرسه فتردى من بعد حافات الجبل وهلك لسبع وعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة‏.‏ وبعث برأسه إلى تينملل‏.‏ ولجأ فل العسكر‏.‏ إلى وهران فانحصروا مع أهلها‏.‏ حتى جهدهم العطش ونزلوا جميعاً على حكم عبد المؤمن يوم الفطر من تلك السنة‏.‏ وبلغ خبر مقتل تاشفين إلى تلمسان مع فل لمتونة وفيهم أبو بكر بن ويحيى وسير بن الحاج وعلي بن فيلو في آخرين من أعيانهم ففر معهم من كان بها من لمتونة‏.‏ وقدم عبد المؤمن فقتل من وجد بتاكرارت بعد أن كانوا بعثوا ستين من وجوههم فلقيهم يصلين من مشيخة بني عبد الواد فقتلهم جميعاً‏.‏ ولما وصل عبد المؤمن إلى تلمسان استباح أهل تاكرارت لما كان أكثرهم من الحشم وعفا عن أهل تلمسان ورحل عنها لسبعة أشهر من فتحها بعد أن ولى عليها سليمان بن محمد بن وانودين وقيل يوسف بن وانودين‏.‏ وفيما نقل بعض المؤرخين أنه لم يزل محاصراً لتلمسان والفتوح ترد عليه وهناك وصلته بيعة سجلماسة‏.‏ ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وترك إبراهيم بن جامع محاصراً لتلمسان فقصد فاس سنة أربعين وقد تحصن بها يحيى الصحراوي‏.‏ ولحق بها من فل تاشفين من تلمسان فنازلها عبد المؤمن وبعث عسكراً لحصار مكناسة ثم رحل في أتباعه وترك عسكراً من الموحدين على فاس وعليهم الشيخ أبو حفص وأبو إبراهيم من صحابة المهدي العشرة فحاصروها سبعة أشهر‏.‏ ثم داخلهم ابن الجياني مشرف البلد وأدخل الموحدين ليلا وفر الصحراوي إلى طنجة وأجاز منها ابن غانية بالأندلس وبلغ خبر فاس إلى عبد المؤمن وهو بمكانه من حصار مكناسة فرجع إليها وولى عليها إبراهيم بن جامع وولى على حصار مكناسة يحيى بن يغمور ورحل إلى مراكش وكان إبراهيم بن جامع لما افتتح تلمسان ارتحل إلى عبد المؤمن وهو محاصر لفاس فاعترضه في طريقه المخضب بن عسكر أمير بني مرين بادسف ونالوا منه ومن رفقته فكتب عبد المؤمن إلى يوسف بن وانودين بن عامل تلمسان أن يجهز إليهم العساكر فبعثها صحبة عبد الحق بن منغفاد شيخ بني عبد الواد فأوقعوا ببني مرين وقتل المخضب أميرهم‏.‏ ولما ارتحل عبد المؤمن من فاس إلى مراكش وصلته في طريقه بيعة أهل سبتة فولى عليهم يوسف بن مخلوف من مشيخة هنتاتة ومر بسلا فافتتحها بعد مواقفة قليلة ونزل منها بدار ابن عشرة ثم تمادى إلى مراكش‏.‏ وسرح الشيخ أبا حفص لغزو برغواطة فأثخن فيهم ورجع‏.‏ ولقيه في طريقه ووصلوا جميعاً إلى مراكش وقد ضموا إليها جموع لمطة فأوقع بهم الموحدون وأثخنوا فيهم قتلا واكتسحوا أموالهم وظعائنهم‏.‏ وأقاموا على مراكش سبعة أشهر وأميرهم إسحاق بن علي بن يوسف بايعوه صبياً صغيراً عند بلوغ خبر أبيه‏.‏ ولما طال عليهم الحصار وجهدهم الجوع برزوا إلى مدافعة الموحدين فانهزموا وتتبعهم الموحدون بالقتل واقتحموا عليهم المدينة في أخريات شوال سنة إحدى وأربعين وقتل عامة الملثمين‏.‏ ونجا إسحاق في جملته وأعيان قومه إلى القصبة حتى نزلوا على حكم الموحدين وأحضر إسحاق بين يدي عبد المؤمن فقتله الموحدون بأيديهم وتولى كبر ذلك أبو حفص بن واكاك منهم وامحى أثر الملثمين واستولى الموحدون على جميع بلاد المغرب‏.‏ ثم خرج عليهم بناحية السوس ثائر من سوقة سلا يعرف محمد بن عبد الله بن هود وتلقب بالهادي وظهر في رباط ماسة فأقبل إليه الشرار من كل جانب وانصرفت إليه وجوه الأغمار من أهل الآفاق وأخذ بدعوته أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة وركراكة وقبائل تامسنا وهوارة‏.‏ وفشت ضلالته في جميع المغرب فسرح إليه عبد المؤمن عسكراً من الموحدين لنظر يحيى انكمار المسوفي النازع إليه من إيالة تاشفين بن علي‏.‏ ولقي هذا الثائر المآسي ورجع منهزماً إلى عبد المؤمن فسرح الشيخ أبا حفص عمر بن يحيى وأشياخ الموحدين واحتفل في الاستعداد فنهضوا إلى رابطة ماسة‏.‏ وبرز إليهم الثائر في نحو ستين ألفاً من الرجال وسبعمائة من الفرسان فهزمهم الموحدون وقتل داعيتهم في المعركة مع أكثر أتباعه وذلك في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين‏.‏ وكتب الشيخ أبو حفص بالفتح إلى عبد المؤمن من إنشاء أبي جعفر بن عطية الشهير الذكر كان أبوه أبو أحمد كاتباً لعلي بن يوسف وابنه تاشفين وتحصل في قبضة الموحدين فعفا عنه عبد المؤمن‏.‏ ولما نزل على فاس اعتزم أبو أحمد هذا على الفرار فقبض عليه في طريقه واعتذر فلم يقبل عذره وقتل‏.‏ وكان ابنه أحمد كاتباً لإسحاق بن علي بمراكش فشمله عفو السلطان فيمن شمله من ذلك الفل وخرج في جملة الشيخ أبي حفص في وجهته هذه وطلبه للكتاب في ذلك فأجاد واستحسن كتابه عبد المؤمن لما وقف عليه فاستكتبه أولا‏.‏ ثم ارتفع عنده بخلاله فاستوزره وبعد في الدولة صيته وقاد العساكر وجمع الأموال وبذلها ونال من الرتبة عند السلطان ما لم ينله أحد في دولتهم إلى أن دلت عقارب السعاية إلى مهاده الوثير فكان فيها حتفه ونكبه الخليفة سنة ثلاث وخمسين وقتله بمحبسه حسبما هو مشهور‏.‏ ولما انصرف الشيخ أبو حفص من غزاة ماسة أراح بمراكش أياماً‏.‏ ثم خرج غازياً إلى القائمين بدعوة الماسي بجبال درن فأوقع بأهل نفيس وهيلانة وأثخن فيهم القتل والسبي حتى أذعنوا بالطاعة ورجع‏.‏ ثم خرج إلى هسكورة وأوقع بهم وافتتح معاقلهم وحصونهم‏.‏ ثم نهض إلى سجلماسة فاستولى عليها ورجع إلى مراكش ثم خرج ثالثة إلى برغواطة فحاربوه مدة ثم هزموه‏.‏ واضطرمت نار الفتنة في المغرب وانتقض أهل سبتة وأخرجوا يوسف بن مخلوف التينمللي وقتلوه ومن كان معه من الموحدين وأجاز القاضي عياض البحر إلى يحيى بن علي بن غانية المسوفي الوالي بالأندلس فلقيه بالخضراء وطلب منه والياً على سبتة فبعث معه يحيى بن أبي بكر الصحراوي الذي كان بفاس منذ منازلة عبد المؤمن لها‏.‏ وذكرنا أنه لحق بطنجة فأجاز وبعثه ابن غانية إلى سبتة مع القاضي عياض كما ذكرناه‏.‏ وقام بأمرها ووصل يده بالقبائل الناكثة لطاعة الموحدين من برغواطة ودكالة على حين هزيمتهم للموحدين كما ذكرناه‏.‏ ولحق بهم من مكانه بسبتة وخرج إليهم عبد المؤمن بن علي سنة اثنين وأربعين فدوخ بلادهم واستأصل شأفتهم حتى انقادوا للطاعة وتبرأوا من يحيى الصحراوي ولمتونة ورجع إلى مراكش لستة أشهر من خروجه ووصلته الرغبة من مشيخة القبائل في يحيى الصحراوي فعفا عنه وصلحت أحوال المغرب‏.‏ وراجع أهل سبتة طاعتهم فتقبل منهم وكذلك أهل سلا فصفح عنهم وأمر بهم سورهم‏.‏ فتح الأندلس فتح الأندلس وشؤونها ثم صرف عبد المؤمن نظره إلى الأندلس وكان من خبرها أنه اتصل بالملثمين

مقتل تاشفين بن علي ومنازلة الموحدين مدينة فاس
وكان علي بن عيسى بن ميمون قائد أسطولهم قد نزع طاعة لمتونة وانتزى بجزيرة قادس فلحق بعبد المؤمن بمكانه من حصار فاس ودخل في دعوته وخطب له بجامع قادس أول خطبة خطبت لهم بالأندلس عام أربعين وخمسمائة‏.‏ وبعث أحمد بن قسي صاحب مرتلة ومقيم الدعوة بالأندلس أبا بكر بن حبيس رسولا إلى عبد المؤمن فلقيه على تلمسان وأدى كتاب صاحبه فأنكر ما تضمنه من النعت بالمهدي ولم يجاوب‏.‏ وكان سداري بن وزير صاحب بطليوس وباجة وغرب الأندلس قد تغلب على أحمد بن قسي هذا وغلبه على مرتلة فأجاز أحمد بن قسي البحر إلى عبد المؤمن بعد فتح مراكش لمداخلة علي بن عيسى بن ميمون ونزل بسبتة فجهزه يوسف بن مخلوف ولحق بعبد المؤمن ورغبه في ملك الأندلس وأغراه بالملثمين فبعث معه عساكر الموحدين لنظر براز بن محمد المسوفي النازع إلى عبد المؤمن من جملة تاشفين وعقد له على حرب من بها من لمتونة والثوار وأمده بعسكر آخر لنظر موسى بن سعيد وبعده بعسكر آخر لنظر عمر بن صالح الصنهاجي ولما أجازوا إلى الأندلس نازلوا أبا الغمر بن عزون من الثوار بشريش وكانت له مع رندة‏.‏ ثم قصدوا لبلة وبها من الثوار يوسف بن أحمد البطورجي فأعطاهم الطاعة ثم قصدوا مرتلة وهي تحت الطاعة لتوحيد صاحبها أحمد بن قسي‏.‏ ثم قصدوا شلب فافتتحوها وأمكنوا منها ابن قسي‏.‏ ثم نهضوا إلى باجة وبطليوس فأطاعهم صاحبها سداي بن وزير‏.‏ ثم رجع براز في عسكر الموحدين إلى مرتلة حتى انصرم فصل الشتاء فخرج إلى منازلة إشبيلية فأطاعه أهل طلياطة وحصن القصر واجتمع إليه سائر الثوار وحاصروا إشبيلية براً وبحراً إلى أن اقتحموها في شعبان سنة إحدى وأربعين‏.‏ وفر الملثمون بها إلى قرمونة وقتل من أدرك منهم‏.‏ وأنى القتل على عبد الله بن القاضي أبي بكر بن العربي في هيعة تلك الدخلة من غير قصد‏.‏ وكتبوا بالفتح إلى عبد المؤمن بن علي‏.‏ وقدم عليه وفدهم بمراكش يقدمهم القاضي أبو بكر فتقبل طاعتهم وانصرفوا بالجوائز والإقطاعات لجميع الوفد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة‏.‏ وهلك القاضي أبو بكر في طريقه ودفن بمقبرة فاس‏.‏ وكان عبد العزيز وعيسى أخوا المهدي من مشيخة العسكر بإشبيلية فساء أثرهما في البلد واستطالت أيديهما على أهله واستباحوا الدماء والأموال‏.‏ ثم اعتزما على الفتك بيوسف البطروجي صاحب لبلة فلحق ببلده وأخرج الموحدين الذين بها وحول الدعوة عنهم‏.‏ وبعث إلى طلياطة وحصن القص ووصل بالملثمين الذين كانوا بالعدوة وارتد ابن قسي في مدينة شلب وعلي بن عيسى بن ميمون بجزيرة قادس ومحمد بن علي بن الحجام بمدينة بطليوس‏.‏ وثبت أبو الغمر بن عزون على طاعة الموحدين بشريش ورندة وجهاتها‏.‏ وتغلب ابن غانية على الجزيرة الخضراء وانتقض أهل سبتة كما ذكرناه وضاقت أحوال الموحدين بإشبيلية فخرج منها عيسى وعبد العزيز أخوا المهدي وابن عمهما يصليتن بمن كان معهم‏.‏ ولحقوا بجبل بيستر جاءهم أبو الغمر بن عزون واتصلت أيديهم على حصار الجزيرة حتى افتتحوا وقتلوا من كان بها من لمتونة ولحق أخوا المهدي بمراكش وبعث عبد المؤمن على إشبيلية يوسف بن سليمان في عسكر من الموحدين وأبقى براز بن محمد على الجباية فخرج يوسف ودوخ أعمال البطروجي بلبلة وطلياطة وعمل ابن قسي بشلب ثم أغار على طلبيرة وأطاعه عيسى بن ميمون صاحب شنتمرية وغزا معهم وأرسل محمد بن علي الحجام صاحب بطليوس بهداياه فتغلبت ورعيت له ورجع يوسف إلى إشبيلية‏.‏ وفي أثناء ذلك استغلظ الطاغية على يحيى بن علي بن غانية بقرطبة ولج على جهاته حتى نزل له عن بياسة وأبدة وتغلب على الأشبونة وطرطوشة ولاردة وأفراغة وشنتمرية وغيرها من حصون الأندلس وطالب ابن غانية بالزيادة في ضريبته أو الإفراج له عن قرطبة فراسل ابن غانية براز بن محمد واجتمعا بأسجة وضمن له براز إمداد الخليفة على أن يتخلى عن قرطبة وقرمونة ويدال منها بجيان فرضي بذلك وتم العقد ووصل خطاب عبد المؤمن بإمضائه فارتحل ابن غانية إلى جيان ونازله الطاغية بها فغدر بأقماطه واعتقلهم بقلعة ابن سعيد وأفرج الطاغية عن جيان ولحق هو بغرناطة وبها ميمون بن بدر اللمتوني في جماعة من المرابطين قصده ابن غانية ليحمله على مثل حاله مع الموحدين فكان مهلكه بها بشعبان سنة ثلاث وسبعين وقبره بها معروف لهذا العهد‏.‏ وانتهز الطاغية فرصته في قرطبة فزحف إليها ودفع الموحدون بإشبيلية أبا الغمر بن عزون لحمايتها ووصل إليه مدد يوسف البطروجي من لبلة‏.‏ وبلغ الخبر عبد المؤمن فبعث إليها عسكراً من الموحدين لنظر يحيى بن يغمور‏.‏ ولما دخلها أفرج عنها الطاغية لأيام من مدخله وبادر الثوار إلى يحيى بن يغمور في طلب الأمان من عبد المؤمن‏.‏ ثم تلاحقوا به بمراكش فتقبلهم وصفح لهم ونهض إلى مدينة سلا سنة خمس وأربعين‏.‏ واستدعى منها أهل الأندلس فوفدوا عليه وبايعوه جميعاً وبايعه الرؤساء من الثوار على الانخلاع من الأمر مثل‏:‏ سداراي بن وزير صاحب باجة ويابورة والبطروجي صاحب لبلة وابن عزون صاحب شريش ورندة وابن الحجام صاحب بطلوس وعامل ابن منيب صاحب طابيرة‏.‏ وتخلف ابن قسي وأهل شلب عن هذا الجمع فكان سبباً لقتله من بعد‏.‏ ورجع عبد المؤمن إلى مراكش وانصرف أهل الأندلس إلى بلادهم واستصحب الثوار فلم يزالوا بحضرته‏.‏

فتح إفريقية
فتح إفريقية وشؤونها ثم بلغ عبد المؤمن ما هي عليه إفريقية من اختلاف الأمراء واستطالة العرب عليها بالعيث والفساد وأنهم حاصروا مدينة القيروان وأن موسى بن يحيى الرياحي المرداسي دخل مدينة باجة وملكها فأجمع الرحلة إلى غزو إفريقية بعد أن شاور الشيخ أبا حفص وأبا إبراهيم وغيرهما من المشيخة فوافقوه‏.‏ وخرج من مراكش سنة ست وأربعين مورياً بالجهاد حتى انتهى إلى سبتة واستوضح أحوال أهل الأندلس ثم رحل عن سبتة مورياً بمراكش وأغذ السير إلى بجاية فدخل الجزائر على حين غفلة وخرج إليه الحسن بن علي صاحب المهدية فصحبه واعترضته جيوش صنهاجة بأم العلو فهزمهم وصبح بجاية من الغد فدخلهما‏.‏ وركب يحيى بن العزيز البحر في أسطولين كان أعدهما لذلك واحتمل فيها ذخائره وأمواله ولحق بقسطنطينة إلى أن نزل بعد ذلك عنها على أمان عبد المؤمن واستقر بمراكش تحت الجراية والعناية إلى أن هلك رحمه الله‏.‏ ثم سرح عبد المؤمن عساكر الموحدين وعليهم ابنه عبد الله إلى القلعة وبها جوشن بن العزيز في جموع صنهاجة فاقتحمها واستلحم من كان بها منهم وأضرم النار ساكنها وقتل جوشن‏.‏ ويقال إن القتلى بها كانوا ثمانية عشر ألفاً وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم والسبي وبلغ الخبر إلى العرب بإفريقية من الأثبج وزغبة ورياح وقسرة فعسكروا بظاهر باجة وتدامروا على الدفاع عن ملكهم يحيى بن العزيز وارتحلوا إلى سطيف‏.‏ وزحف إليهم عبد الله بن عبد المؤمن في الموحدين الذين معه‏.‏ وكان عبد المؤمن قد قفل إلى المغرب ونزل متيجة فلما بلغه الخبر بعث المدد لابنه عبد الله والتقى الفريقان بسطيف واقتلوا ثلاثاً‏.‏ ثم انفضت جموع العرب واستلحموا وسبيت نساؤهم واكتسحت أموالهم وأسر أبناؤهم‏.‏ ورجع عبد المؤمن إلى مراكش سنة سبع وأربعين ووفد عليه كبراء العرب من أهل إفريقية طائعين فوصلهم ورجعهم إلى قومهم‏.‏ وعقد على فاس لابنه السيد أبي الحسن واستوزر له يوسف بن سليمان‏.‏ وعقد على تلمسان لابنه السيد أبي حفص واستوزر له أبا محمد بن وانودين‏.‏ وعلى سبتة للسيد أبي سعيد واستوزر له محمد بن سليمان‏.‏ وعلى بجاية للسيد أبي محمد عبد الله‏.‏ واستوزر له يخلف بن الحسين‏.‏ واختص ابنه عبد الله بولاية عهده‏.‏ وتقلب بذلك كله ضمائر عبد العزيز ويحيى أخوي المهدي فلحقا بمراكش مضمرين الغدر وأدخلوا بعض الأوغاد في شأنهم فوثبوا بعمر بن تافراكين وقتلوه بمكانه من القصبة‏.‏ ووصل على أثرهما الوزير أبو جعفر بن عطية وعبد المؤمن على أثره فأطفأ نار تلك الثورة وقتل أخوا المهدي ومن داخلهم فيها والله أعلم‏.‏

بقية فتح الأندلس
وبلغه بمراكش سنة تسع وأربعين أن يحيى بن يغمور صاحب إشبيلية قتل أهل لبلة بما كان من غدر الوهبي لها ولم يقبل معذرتهم في ذلك فسخط يحيى بن يغمور وعزله عن إشبيلية بأبي محمد عبد الله بن أبي حفص بن علي التينمللي وعن قرطبة بأبي زيد بن بكيت وبعث عبد الله بن سليمان فجاء بابن يغمور معتقلا إلى الحضرة وألزمه منزله إلى أن بعثه مع ابنه السيد أبي حفص إلى تلمسان واستقام أمر الأندلس‏.‏ وخرج ميمون بن يدر اللمتوني عن غرناطة للموحدين فملكوها وأجاز إليها السيد أبو سعيد صاحب سبتة بعهد أبيه عبد المؤمن إليه بذلك‏.‏ ولحق الملثمون بمراكش ونازل السيد أبو سعيد مدينة المرية حتى نزل من كان بها من النصارى على الأمان‏.‏ وحضر لذلك الوزير أبو جعفر بن عطية بعد أن أمدهم ابن مردنيش الثائر بشرق الأندلس والطاغية معه وعجزوا جميعاً عن المدافعة‏.‏ ثم وفد أشياخ إشبيلية سنة إحدى وخمسين ورغبوا من عبد المؤمن ولاية بعض أبنائه عليهم فعقد لابنه السيد أبي يعقوب عليها وافتتح أمره بمنازلة علي الوهبي الثائر بطبرية ومعه الوزير أبو جعفر بن عطية حتى استقام على الطاعة‏.‏ ثم استولى على عمل ابن وزير وابن قسي واستنزل تاشفين اللمتوني من مرتلة سنة اثنتين وخمسين وكان الذي أمكن الملثمين منها ابن قسي واستتم الفتح‏.‏ ورجع السيد إلى إشبيلية وانصرف أبو جعفر بن عطية إلى مراكش فكانت نكبته ومقتله‏.‏ واستوزر عبد المؤمن بعده عبد السلام الكومي كان يمت إليه بذمة صهر فلم يزل على وزارته‏.‏

بقية فتح إفريقية
لما بلغ عبد المؤمن سنة ثلاث وخمسين ما كان من إيقاع الطاغية بابنه السيد أبي يعقوب بظاهر إشبيلية ومن استشهد من أشياخ الموحدين وحفاظهم ومن الثوار مثل ابن عزون وابن الحجام نهض يريد الجهاد واحتل سلا فبلغه انتقاض إفريقية وأهمه شأن النصارى بالمهدية‏.‏ فلما توافت العساكر بسلا استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب وعقد ليوسف بن سليمان على مدينة فاس ونهض يغذ السير حتى نازل المهدية ومن بها من نصارى أهل صقلية فافتتحها صلحاً سنة خمس وخمسين‏.‏ واستنقذ جميع البلاد الساحلية مثل صفاقس وطرابلس من أيدي العدو‏.‏ وبعث ابنه عبد الله من مكان حصاره للمهدية إلى قابس فاستخلصها من يد بني كامل المتغلبين عليها من دهمان بعض بطون رياح‏.‏ واستخلص قفصة من يد بني الورد وزرعة من يد بني بروكسن وطبرقة من يد علال وجبل زغوان من يد بني حماد بن خليفة وشقبنارية من يد بني عياد بن نصر الله‏.‏ ومدينة الأربص من يد ملكها من العرب حسبما ذلك مذكور في أخبار هؤلاء الثوار في دولة صنهاجة‏.‏ ولما استكمل الفتح وثنى عنانه إلى المغرب سنة ست وخمسين بلغه أن الأعراب بإفريقية انتقضوا عليه فرجع إليهم عسكراً من الموحدين فنهضوا إلى القيروان وأوقعوا بالعرب وقتل كبيرهم محرز بن زياد الفارغي من بني علي إحدى بطون رياح‏.‏ أخبار ابن مردنيش الثائر بشرق الأندلس كان بلغ عبد المؤمن وهو بإفريقية أن محمد بن مردنيش الثائر بشرق الأندلس خرج من مرسية ونازل جيان‏.‏ وأطاعه واليها محمد بن علي الكومي‏.‏ ثم نازل بعدها قرطبة ورحل عنها وغدر بقرمونة وملكها ثم رجع إلى قرطبة‏.‏ وخرج ابن بكيت لحربه فهزمه وقتله فكتب إلى عماله بالأندلس بفتح إفريقية وأنه واصل إليهم وعبر البحر إلى جبل الفتح‏.‏ واجتمع إليه أهل الأندلس ومن بها من الموحدين ثم رجع إلى مراكش وبعث عساكره إلى الجهاد ولقيهم الطاغية فهزموه‏.‏ وتغلب السيد أبو يعقوب على قرمونة من يد ابن هشمك صهر ابن مردنيش‏.‏ وكان السيدان أبو يعقوب صاحب إشبيلية وأبو سعيد صاحب غرناطة ارتحلا لزيارة الخليفة بمراكش فخالف ابن همشك إلى مدينة غرناطة وغدر بها ليلا بمداخلة من بعض أهلها‏.‏ واستولى عليها وانحصر الموحدون بقصبتها وخرج عبد المؤمن من مراكش لاستنقاذها فوصل إلى سلا‏.‏ وقدم السيد أبا سعيد فأجاز البحر ولقيه عامل إشبيلية عبد الله بن أبي حفص بن علي ونهضوا جميعاً إلى غرناطة فنهض إليهم ابن همشك وهزمهم‏.‏ ورجع السيد أبو سعيد إلى مالقة وردفه عبد المؤمن بأخيه السيد أبي يعقوب في عساكر الموحدين ونهضوا إلى غرناطة وكان قد وصلها ابن مردنيش في جموع من النصارى مدداً لابن همشك فلقيهم الموحدون بفحص غرناطة وهزموهم‏.‏ وفر ابن مردنيش إلى مكانه من المشرق ولحق ابن همشك بجيان فنازله الموحدون‏.‏ وارتحل السيدان إلى قرطبة فأقاما بها إلى أن استدعى السيد أبو يعقوب إلى مراكش سنة ثمان وخمسين لولاية العهد والإدالة به من أخيه محمد فلحق بمراكش وخرج في ركاب أبيه الخليفة عبد المؤمن لما نهض للجهاد‏.‏ وأدركته المنية بسلا في جمادى الآخرة من هذه السنة وقبر بتينملل إلى جانب المهدي والله أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 06:33 AM

دولة الخليفة يوسف بن عبد المؤمن
لما هلك عبد المؤمن أخذ البيعة على الناس السيد أبو حفص لأخيه أبي يعقوب باتفاق من الموحدين كافة ورضي من الشيخ أبي حفص خاصة واستقل في رتبة وزارته ورجعوا إلى مراكش‏.‏ وكان السيد أبو حفص هذا وزيراً لأبيه عبد المؤمن استوزره عند نكبة عبد السلام الكومي فرجعه من إفريقية سنة خمس وخمسين‏.‏ وكان أبو العلى بن جامع متصرفاً بين يديه في رسم الوزارة إلى أن هلك عبد المؤمن فأخذ أبو حفص البيعه لأخيه أبي يعقوب‏.‏ ثم هلك إثر وفاة عبد المؤمن ابنه السيد أبو الحسن صاحب فاس والسيد أبو محمد صاحب بجاية في طريقه إلى الحضرة‏.‏ ثم استقدم أبو يعقوب السيد أبا سعيد من غرناطة سنة ستين فقدم ولقيه السيد أبو حفص بسبتة‏.‏ ثم سرح الخليفة أبو يعقوب معه أخاه السيد أبا حفص إلى الأندلس في عساكر الموحدين لما بلغه من إلحاح ابن مردنيش على قرطبة بعد أن احتشد معه قبائل العرب من زغبة ورياح والاثبج فاجتاز البحر وقصد ابن مردنيش وقد جمع جموعه وأولياءه من النصارى‏.‏ ولقيهم عساكر الموحدين بفحص مرسية فانهزم ابن مردنيش وأصحابه وفر إلى مرسية ونازله الموحدون بها ودوخوا نواحيه‏.‏ وانصرف السيد أبو حفص وأخوه أبو سعيد سنة إحدى وستين إلى مراكش وخمدت نار الفتنة من ابن مردنيش‏.‏ وعقد الخليفة على بجاية لأخيه السيد أبي زكريا وعلى إشبيلية للشيخ أبي عبد الله بن إبراهيم‏.‏ ثم أدال منه بأخيه السيد أبي إبراهيم وأقر الشيخ أبا عبد الله على وزارته‏.‏ وعقد على قرطبة للسيد أبي إسحاق وأقر السيد أبا سعيد على غرناطة ثم نظر الموحدون في وضع العلامة في المكتوبات بخط الخليفة فاختاروا‏:‏ الحمد لله وحده لما وقفوا عليها بخط الإمام المهدي في بعض مخاطباته فكانت علامتهم إلى آخر دولتهم‏.‏ فتنة غمارة وفي سنة اثنتين وستين تحرك الأمير أبو يعقوب إلى جبال غمارة لما كان ظهر بها من الفتنة التي تولى كبرها سبع بن منغفاد منهم‏.‏ وناغاهم في الفتنة صنهاجة جيرانهم فبعث الأمير أبو يعقوب عساكر الموحدين لنظر الشيخ أبي حفص ثم تعاظمت فتن غمارة وصنهاجة فخرج إليهم بنفسه وأوقع بهم واستأصلهم وقتل سبع بن منغفاد وانحسم داؤهم وعقد لأخيه السيد أبي علي الحسن على سبتة وسائر بلادهم‏.‏ في سنة ثلاث وستين اجتمع الموحدون على تجديد البيعة واللقب بأمير المؤمنين وخاطب العرب بإفريقية يستدعيهم إلى الغزو ويحرضهم‏.‏ وكتب إليهم في أخبار الأندلس لما استوسق الأمر للخليفة أبي يعقوب بالعدوه وصرف نظره إلى الأندلس والجهاد واتصل به ما كان من غدر العدو دمره الله بمدينة ترجالة‏.‏ ثم مدينة يابرة ثم حصن شبرينة ثم حصن جلمانية إزاء بطليوس ثم مدينة بطليوس فسرح الشيخ أبا حفص في عساكر من الموحدين احتفل في انتقائهم‏.‏ وخرج سنة أربع وستين لاستنقاذ بطليموس من هوة الحصار فلما وصل إلى إشبيلية بلغه أن الموحدين ببطليوس هزموا ابن الرنك الذي كان يحاصرهم بإعانة ابن أذفونش‏.‏ وأن ابن الرنك تحصل في قبضتهم أسيراً وفر جراندة الجليقي إلى حصنه فقصد الشيخ أبو حفص مدينة قرطبة وبعث إليه إبراهيم بن همشك من جيان بطاعته وتوحيده ومفارقته صاحبه ابن مردنيش لما حدث بينهما من الشحناء والفتنة فألخ عليه ابن مردنيش بالحرب وردد إليه الغزو فبعث إلى الشيخ أبي حفص بطاعته‏.‏ وكتب الشيخ أبو حفص بذلك إلى الخليفة وبما كان من عيث النصارى بجوانب الأندلس فسرح أخاه ووزيره أبا حفص في عسكر الموحدين فنهض من مراكش سنة خمس وستين وفي جملته السيد أبو سعيد أخوه فوصل إغغشبيلية وبعث أخاه أبا سعيد إلى بطليموس فعقد الصلح مع الطاغية وانصرف ونهضوا جميعاً إلى مرسية ومعهم ابن همشك فحاصروا ابن مردنيش‏.‏ وثار أهل لورقة بدعوة الموحدين فملكها السيد أبو حفص‏.‏ ثم افتتح مدينة بسطة وطاع ابن عمه محمد بن مردنيش صاحب المرية فحص بذلك جناحه‏.‏ واتصل الخبر بالخليفة بمراكش وقد توافت عنده جموع العرب من إفريقية صحبة السيد أبي زكريا صاحب بجاية والسيد أبي عمران صاحب تلمسان وكان يوم قدومهم عليه يوماً مشهوداً فاعترضهم وسائر عساكره ونهض إلى الأندلس‏.‏ واستخلف على مراكش السيد أبا عمران أخاه فاحتل بقرطبة سنة سبع وستين‏.‏ ثم ارتحل بعدها إلى إشبيلية ولقيه السيد أبو حفص هنالك منصرفاً من غزاته‏.‏ وكان ابن مردنيش لما طال عليه الحصار ارتاب ففتك بهم وبادر أخوه أبو الحجاج إلى الطاعة وهلك هو في رجب من هذه السنة‏.‏ ودخل ابنه هلال في الطاعة وبادر السيد أبو حفص إلى مرسية فدخلها وخرج هلال في جملته وبعثه إلى الخليفة بإشبيلية‏.‏ ثم ارتحل الخليفة غازياً إلى بلاد العدو فنازل وبدة أياماً وارتحل عنها إلى مرسية‏.‏ ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمان وستين واستصحب هلال بن مردنيش وأصهر إليه في ابنته وولى عمه يوسف على بلنسية وعقد لأخيه السيد أبي سعيد على غرناطة‏.‏ ثم بلغه خروج العدو إلى أرض المسلمين مع القومس الأحدب فخرج للقائهم وأوقع بهم بناحية قلعة رباح وأثخن فيهم ورجع إلى إشبيلية وأمر ببناء حصن بالقلعة ليحضن جهاتها وقد كانت خراباً منذ فتنة ابن حجاج فيه مع كريب بن خلدون بمورة أزمان المنذر بن محمد وأخيه عبد الله من أمراء بني أمية‏.‏ ثم انتقض ابن اذفونش وأغار على بلاد المسلمين فاحتشد الخليفة وسرح السيد أبا حفص إليه فغزاه بعقر داره وافتتح قنطرة السيف وهزم جموعه في كل جهة‏.‏ ثم ارتحل الخليفة من إشبيلية راجعاً إلى مراكش سنة إحدى وسبعين لخمس سنين من إجازته إلى الأندلس وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى إشبيلية لأخيه علي وأصاب مراكش الطاعون فهلك من السادة أبو عمران وأبو سعيد وأبو زكريا وقدم الشيخ أبو حفص من قرطبة فهلك في طريقه ودفن بسلا‏.‏ واستدعى الخليفة أخويه السيدين أبا علي وأبا الحسن فعقد لأبي علي على سجلماسة ورجع أبو الحسن إلى قرطبة وعقد لابني أخيه السيد أبي حفص‏:‏ لأبي زيد منهما على غرناطة ولأبي محمد عبد الله على مالقة‏.‏ وفي سنة ثلاث وسبعين سطا بوزرائه بني جامع وغربهم إلى ماردة‏.‏ وفي سنة خمس وسبعين عقد لغانم بن محمد بن مردنيش على أسطوله وأغزاه مدينة الأشبوبة فغنم ورجع‏.‏ وفيها كانت وفاة أخيه السيد الوزير أبي حفص بعدما أبلى في الجهاد وأبلغ في نكاية العدو‏.‏ وقدم ابناه من الأندلس وأخبرا الخليفة بانتقاض الطاغية واعتزم على الجهاد وأخذ في استدعاء العرب من إفريقية‏.‏ كان علي ابن المعز ويعرف بالطويل من أعقاب بني الزند ملوك قفصة قد ثار سنة خمس وتسعين كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏ وبلغ الخليفة خبره فنهض إليه من مراكش وصار إلى بجاية وسعى عنده بعلي بن المنتصر الذي كان عبد المؤمن استنزله من قفصه أنه يواصل قريبه الثائر بها ويخاطب العرب فتقبض عليه ووجدت مخاطبات عنده شاهدة بتلك السعاية واستصفى ما كان بيده وارتحل إلى فقصة ونازلها‏.‏ ووفدت عليه مشيخة العرب من رياح بالطاعة فتقبلهم ولم يزل محاصراً لقفصة إلى أن نزل على ابن المعز‏.‏ وانكفأ راجعاً إلى تونس‏.‏ وأنفذ عساكر العرب إلى المغرب وعقد على إفريقية والزاب للسيد أبي علي أخيه وعلى بجاية للسيد أبي موسى فقفل إلى الحضرة‏.‏ معاودة الجهاد لما قفل من فتح قفصة سنة سبع وسبعين وفد عليه أخوه السيد أبو إسحاق من إشبيلية والسيد أبو عبد الرحمن يعقوب من مرسية وكافة الموحدين ورؤساء الأندلس يهنونه بالإياب فأكرم موصلهم وانصرفوا إلى بلادهم‏.‏ واتصل به أن محمد بن يوسف بن وانودين غزا بالموحدين من إشبيلية إلى أرض العدو فنازل مدينة يابرة وغنم ما حولها وافتتح بعض حصونها ورجع إلى إشبيلية وإن عبد الله بن إسحاق بن جامع قائد الأسطول بإشبيلية التقى بأسطول أهل أشبونة ثم بلغ الخبر بأن اذفونس بن شانجة نازل قرطبة وشن الغارات على جهة مالقة ورندة وغرناطه‏.‏ ثم نازل أسجة وتغلب على حصن شنغيلة‏.‏ وأسكن بها النصارى وانصرف فاستنفر السيد أبو إسحاق سائر الناس للغزو ونازل الحصن نحو أربعين يوماً‏.‏ ثم بلغه خروج أذفونش من طليطلة لمدده فانكفأ راجعاً‏.‏ وخرج محمد بن يوسف بن وانودين من إشبيلية في جموع الموحدين ونازل طلبيرة وبرز إليه أهلها فأوف وانصرف بالغنائم فاعتزم الخليفة أبو يوسف على معاودة الجهاد وولى على الأندلس أبناءه وقدمهم للاحتشاد فعقد لابنه أبي إسحاق على إشبيلية كما كان ولابنه السيد أبي يحيى على قرطبة ولابنه السيد أبي زيد الحرضاني على غرناطة ولابنه السيد أبي عبد الله على مرسية‏.‏ ونهض سنة تسع وسبعين إلى سلا ووافاه بها أبو محمد بن أبي إسحاق بن جامع من إفريقية بحشود العرب‏.‏ وسار إلى فاس وبعث مقدمته هنتاتة وتيمنلل وحشود العرب وأجاز البحر من سبتة في صفر من سنة ثمانين فاحتل جبل الفتح وسار إلى إشبيلية فوافته بها حشود الأندلس‏.‏ وسخط محمد بن وانودين وغربه إلى حصن غافق ورحل غازياً إلى شنترين فحاصرها أياماً‏.‏ ثم أقلع عنها وأسحر الناس يوم إقلاعه وخرج النصارى من الحصن فوجدوا الخليفة في غير أهبة ولا أستعداد فأبلى في الجهاد هو ومن حضره وانصرفوا بعد جولة شديدة‏.‏ وهلك في ذلك اليوم الخليفة يقال من سهم أصابه في حومة القتال وقيل من مرض طرقه عفا الله عنه‏.‏

دولة ابنه يعقوب المنصور
لما هلك الخليفة أبو يعقوب على حصن شنترين سنة ثمانين بويع ابنه يعقوب ورجع بالناس إلى إشبيلية واستكمل البيعة‏.‏ واستوزر الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص واستنفر الناس للغزو مع أخيه السيد أبي يحيى فأخذ بعض الحصون وأثخن في بلاد الكفار‏.‏ ثم أجاز البحر إلى الحضرة ولقيه بقصر مصمودة السيد أبو زكرياء بن السيد أبي حفص قادماً من تلمسان مع مشيخة زغبة ومضى إلى مراكش فقطع المناكر وبسط العدل وباشر الأحكام وكان أول الأحداث في دولته شأن ابن غانية‏.‏ الخبر عن شأن ابن غانية كان علي بن يوسف بن تاشفين لما تغلب العدو على جزيرة ميورقة وهلك واليها من موالي مجاهد وهو مبشر وبقي أهلها فوضى وقد كان مبشر بعث إليه بالصريخ والعدو محاصر له‏.‏ فلما أخذها العدو وغنم وأحرق وأقلع وبعث علي بن يوسف والياً عليها وأنور بن أبي بكر من رجالات لمتونة وبعث معه خمسمائة فارس من عسكره فأرهف لهم حده وأرادهم في بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فامتنعوا وقتل مقدمهم فثاروا به وحبسوه‏.‏ ومضوا إلى علي بن يوسف فأعفاهم منه وولى عليهم محمد بن علي بن يحيى المسوفي المعروف بابن غانية‏.‏ وكان أخوه يحيى على غرب الأندلس وكان نزله بإشبيلية‏.‏ واستعمل محمد أخاه على قرطبة فكتب إليه علي بن يوسف يأمره بصرف أخيه محمد إلى ولاية ميورقة فارتحل إليها من قرطبة ومعه أولاده عبد الله وعلي وإسحاق والزبير وإبراهيم وطلحة وكان عبد الله وإسحاق في تربية عمهما يحيى وكفالته فتبناهما‏.‏ ولما وصل محمد بن علي بن غانية إلى ميورقة قبض على أنور وبعثه مصفداً إلى مراكش وأقام على ذلك عشراً‏.‏ وهلك يحيى بن غانية ولد ولى عبد الله ابن أخيه محمد على غرناطة وأخاه إسحاق بن محمد على قرمونة‏.‏ ثم هلك علي بن يوسف وضعف أمر لمتونة وظهر عليهم الموحدون فبعث محمد عن ابنيه عبد الله وإسحاق فوصلا إليه في الأسطول وانقضى ملك لمتونة‏.‏ ثم عهد محمد إلى ابنه عبد الله فنافسه أخوه إسحاق وداخل جماعة من لمتونة في قتله فقتلوه وقتلوا أباه محمداً‏.‏ ثم أجمعوا على الفتك به فارتاب بهم وداخل لب بن ميمون قائد البحر في أمرهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم‏.‏ وتمت بيعته سنة ست وأربعين وخمسمائة وبقي أميراً لميورقة‏.‏ واشتغل أول أمره بالبناء والغراسة وضجر منه الناس لسوء ملكته وفر عنه لب بن ميمون إلى الموحدين‏.‏ ثم رجع آخراً إلى الغزو وكان يبعث بالأسرى والعلوج للخليفة أبي يعقوب إلى أن هلك قبيل مهلكه سنة ثمانين‏.‏ وخئف من الولد محمداً وعلياً ويحيى وعبد الله والغازي وسير والمنصور وجبارة وتاشفين وطلحة وعمر ويوسف والحسن فولى ابنه محمد وبعث إلى الخليفة أبي يعقوب بطاعته فبعث هو علي بن الزبرتير لاختبار ذلك منه وأحس بذلك أخوته فنكروه وتقبضوا عليه وقدموا علياً منهم‏.‏ وبلغهم مهلك الخليفة وولاية ابنه المنصور فاعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في أسطولهم إلى بجاية‏.‏ وولى على ميورقة أخاه طلحة وطرق بجاية في أسطوله على حين غفلة وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان خارجها في بعض مذاهبه فاستولوا عليها سنة إحدى وثمانين‏.‏ وتقبضوا على السيد أبي الربيع والسيد أبي موسى عمران بن عبد المؤمن صاحب إفريقية وكان بها مجتازاً واستعمل أخاه يحيى على بجاية ومضى إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى ابن أخيه طلحة ثم إلى مليانة فولى عليها بدر بن عائشة‏.‏ ونهض إلى القلعة ثم إلى قسطنطينة فنازلها‏.‏ واتصل الخبر بالمنصور وهو بسبتة مرجعه من الغزو فسرح السيد أبا زيد ابن عمه السيد أبي حفص وعقد له على حرب ابن غانية‏.‏ وعقد لمحمد بن أبي إسحاق بن جامع على الأساطيل وإلى نظره أبو محمد بن عطوش وأحمد الصقلي‏.‏ وانتهى السيد أبو زيد إلى تلمسان وأخوه يومئذ السيد أبو الحسن واليها وقد أنعم النظر في تحصينها ثم ارتحل بعساكره من تلمسان ونادى بالعفو في الرعية فثار أهل مليانة على ابن غانية فأخرجوه وسبقت الأساطيل إلى الجزائر فملكوها وقبضوا على يحيى بن طلحة وسيق يدر ابن عائشة من أم العلو فقتلوا جميعاً بشلف‏.‏ وتقدم القائد أحمد الصقلي بأسطوله إلى بجاية فملكها ولحق يحيى بن غاينة بأخيه علي بمكانه من حصار قسطنطينة فأقلع عنها‏.‏ ونزل السيد أبو زيد بتكلات‏.‏ وهرج السيد أبو موسى من اعتقاله فلقيه هنالك‏.‏ ثم ارتحل في طلب العدو فأفرج عن قسطنطينة وخرج إلى الصحراء واتبعه الموحدون إلى مقرة ونقاوس‏.‏ ثم قفلوا إلى بجاية واستقر السيد أبو زيد بها وقصد علي بن غانية قفصة فملكها ونازل توزر فامتنعت عليه ولحق بطرابلس‏.‏ وخرج غزي الصنهاجي من جموع ابن غانية في بعض أحياء العرب فتغلب على أشير وسرح إليهم السيد أبو زيد ابنه أبا حفص عمر ومعه غانم بن مردنيش فأوقعوا بهم واستولوا على حللهم‏.‏ وقتل غزي وسيق رأسه إلى بجاية ونصب بها وألحق به عبد الله أخوه‏.‏ وغرب بنو حمدون من بجاية إلى سلا لاتهامهم بالدخول في أمر ابن غانية‏.‏ واستقدم الخليفة السيد أبا زيد من مكانه ببجاية وقدم مكانه أخاه السيد أبا عبد الله وانصرت إلى الحضرة‏.‏ وبلغ الخبر أثناء ذلك باستيلاء علي بن الزبرتير على ميورقة‏.‏ وكان من خبره أن الأمير يوسف بن عبد المؤمن بعثه إلى ميورقة لدعاء بني غانية إلى أمره لما كان أخوهم محمد خاطبه بذلك‏.‏ فلما وصل ابن الزبرتير إليهم نكروا شأنه على أخيهم واجتمعوا دونه وتقبضوا عليه وعلى ابن الزبرتير وقدموا عليهم أخاه علياً وركبوا الأساطيل إلى بجاية‏.‏ فلما خلا الجو منهم دبر ابن الزبرتير في أمره وداخل مواليهم من العلوج في تخلية سبيله من معتقله على أن يخلي سبيلهم بأهليهم وولدهم إلى أرضهم فتم له مراده منهم وثار بقفصة واستنقذ محمد بن إسحاق من مكان اعتقاله ولحقوا جميعاً بالحضرة‏.‏ وبلغ الخبر علي بن غانية بمكانه من طرابلس فبعث أخاه عبد الله إلى صقلية وركب منها إلى ميورقة ونزل في بعض قراها‏.‏ وعمل الحيلة في تملك البلد فاستولى عليه واضطرمت نار الفتنة بإفريقية‏.‏ ونازل علي بن غانية بلاد الجريد وتغلب على الكثير منها وبلغ الخبر باستيلائه على قفصة فخرج إليه المنصور من مراكش سنة اثنين وثمانين ووصل فاس فأراح بها وسار إلى رباط تازى‏.‏ ثم سار على التبعية إلى تونس وجمع ابن غانية من إليه من الملثمين والأعراب وجاء معه قراقش الغزي صاحب طرابلس فسرح إليه المنصور عساكره لنظر السيد أبي يوسف بن السيد أبي حفص ولقيهم بغمرة فانفضت جموع الموحدين وانجلت المعركة عن قتل علي بن الزبرتير وأبي علي بن يغمور وفقد الوزير عمر بن أبي زيد ولحق فلهم بقفصة فأثخنوا فيهم قتلاً ونجا الباقون إلى تونس‏.‏ وخرج المنصور متلافياً جبر الحال في هذه الوقائع ونزل القيروان وأغذ السير إلى الحامة فتثاور الفريقان وتزاحفوا فكانت الدبرة على ابن غانية وأحزابه وأفلت من المعركة بدماء نفسه ومعه خليله قراقش وأتى القتل على كثيرهم وصبح المنصور قابس فافتتحها ونقل من كان بها من حرم ابن غانية وذويه في البحر إلى تونس‏.‏ وثنى العنان إلى توزر فافتتحها وقتل من وجد بها ثم إلى قفصة فنازلها أياماً حتى نزلوا على حكمه‏.‏ وأمن أهل البلد والأغراب أصحاب قراقش وقتل سائر الملثمين ومن كان معهم من الحشود وهدم أسوارها وانكفأ راجعاً إلى تونس فعقد على إفريقية للسيد أبي زيد وفصل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ومر بالمهدية وأسحر على طريق تاهرت والعباس بن عطية أمير بني توجين دليله على تلمسان فنكب بها عمه السيد أبا إسحاق لشيء بلغه عنه وأحفظه‏.‏ ثم ارتحل إلى مراكش ورفع إليه أن أخاه السيد أبا حفص والي مرسية الملقب بالرشيد وعمه السيد أبا الربيع والي تادلا عندما بلغهم خبر الوقيعة بغمرة حدثوا أنفسهم بالتوثب على الخلافة فلما قدموا عليه للتهنئة أمر باعتقالهما برباط الفتح خلال ما استجلى أمرهما‏.‏ ثم قتلهما وعقد للسيد أبي الحسن بن السيد أبي حفص على بجاية وقصد يحيى بن غانية قسطنطينة فزحف إليه السيد أبو الحسن من بجاية فهزمه ودخل قسطنطينة وارتحل ابن غانية إلى بسكرة فقطع نخلها وافتتحها عنوه‏.‏ ثم حاصر قسطنطينة وامتنعت عليه فارتحل إلى بجاية وحاصرها وكثر عيثه إلى أن كان من خبره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم‏.‏

أخباره في الجهاد
لما بلغه تغلب العدو على قاعدة شلب وأنه أوقع بعسكر إشبيلية وترددت سراياهم على نواحيها وافتتح كثيراً من حصونها وخاطبه السيد أبو يوسف بن أبي حفص صاحب إشبيلية بذلك‏.‏ استنفر الناس للجهاد وخرج سنة ست وثمانين إلى قصر مصمودة فأراح به‏.‏ ثم أجاز إلى طريف وأغذ السير منها إلى شلب ووافته بها حشود الأندلس فتركهم لحصارها‏.‏ وخف إلى حصن طرش فافتتحه ورجع إلى إشبيلية‏.‏ ثم رجع إلى منازلة شلب سنة سبع وثمانين فافتتحه‏.‏ وقدم عليه ابن وزير بعد أن كان افتتح في طريقه إليه حصوناً أخرى‏.‏ ثم قفل إلى حضرته بعد استكمال غزاته‏.‏ وكتب بعهده لابنه الناصر‏.‏ وقدم عليه سنة ثمان وثمانين السيد أبو زيد صاحب إفريقية ومعه مشيخة العرب من هلال وسليم فلقاهم مبرة وتكريماً وانقلب وفدهم إلى بلادهم‏.‏ ثم بلغه سنة تسعين استفحال ابن غانية بإفريقية وكثرة العيث والفساد بها فاعتزم على النهوض إليها ووصل إلى مكناسة فبلغه من أمر الأندلس ما أهمه فصرف وجهه إليها ووصل قرطبة سنة إحدى وتسعين فأراح بها ثلاثاً وأمداد الحشود تتلاحق به من كل ناحية‏.‏ ثم ارتحل للقاء العدو ونزل بالأرك من نواحي بطليوس وزحف إليه العدو من النصارى وأمراؤهم يومئذ ثلاثة‏:‏ ابن أذفونش وابن الرنك ولببوج‏.‏ وكان اللقاء يوم كذا سنة إحدى وتسعين‏.‏ وأبو محمد ابن أبي حفص يومئذ على المطوعة وأخوه أبو يحيى على العساكر والموحدين فكانت الهزيمة المشهورة على النصارى واستلحم منهم ثلاثون ألفاً بالسيف‏.‏ واعتصم فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف من زعمائهم فاستنزلهم المنصور على حكمه وفودي بهم عددهم من المسلمين‏.‏ واستشهد في هذا اليوم أبو يحيى بن الشيخ أبي حفص بعد أن أبلى بلاء حسناً وعرف بنوه بعدها ببني الشهيد‏.‏ وانكفأ المنصور راجعاً إلى إشبيلية‏.‏ ثم خرج منها سنة اثنتين وتسعين غازياً إلى بلاد الجوف فافتتح حصوناً ومدناً وخربها كان مها ترجالة وطلبيرة‏.‏ وأطل على نواحي طليطلة فخرب بسائطها واكتسح مسارحها وقفل إلى إشبيلية سنة ثلاث وتسعين فرفع إليه في القاضي أبي الوليد بن رشد مقالات نسب فيها إلى المرض في دينه وعقله‏.‏ وربما ألف بعضها في خطه فحبس‏.‏ ثم أطلق وأشخص إلى الحضرة وبها كانت وفاته‏.‏ ثم خرج المنصور من إشبيلية غازياً إلى بلاد ابن أذفونش حتى احتل بساحة طليطلة وبلغه أن صاحب برشلونة أمد ابن أذفونش بعساكره وأنهم جميعاً بفحص مجريط فنهض إليهم‏.‏ ولما أطل عليهم انفضت جموع ابن أذفونش من قبل القتال وانكفأ المنصور راجعاً إلى إشبيلية‏.‏ ثم رغب إليه الملوك النصرانية في السلم فبذله لهم‏.‏ وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد ابن الخليفة‏.‏ وعلى مدينة بطليوس للسيد أبي الربيع بن السيد أبي حفص وعلى المغرب للسيد أبي عبد الله بن السيد أبي حفص‏.‏ وأجاز إلى حفص‏.‏ وأجاز إلى حضرته سنة أربع وتسعين فطرقه المرض الذي كان منه حمامه وأوصى وصيته التي تناقلها الناس‏.‏ وحضر لوصيته عيسى ابن الشيخ أبي حفص‏.‏ وهلك رحمه الله سنة خمس وتسعين آخر ربيعها والله تعالى أعلم‏.‏

الخبر عن وصول ابن منقذ بالهدية من قبل صاحب الديار المصرية
كان الفرنج قد ملكوا سواحل الشام في آخر الدولة العبيدية منذ تسعين سنة وملكوا بيت المقدس فلما استولى صلاح الدين بن أيوب على ديار مصر والشام اعتزم على جهادهم‏.‏ وكان يفتتح حصونها واحداً بعد واحد حتى أتى على جميعها‏.‏ وافتتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وهدم الكنيسة التي بنوها عليها‏.‏ وامتعضت أمم النصرانية من كل جهة واعترضوا أسطول صلاح الدين في البحر فبعث صريخه إلى المنصور سنة خمس وثمانين يطلب إعانته بالأساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس‏.‏ ووفد عليه أبو الحارث عبد الرحمن بن منقذ بقية أمراء شيزر من حصون الشام‏.‏ كانوا استبدوا به عند اختلال الدولة العبيدية‏.‏ فلما استقام الأمر على يد صلاح الدين وانتظم ملك مصر والشام واستنزل بني منقذ هؤلاء ورعى لهم سابقتهم وبعثه في هذه إلى المنصور بالمغرب بهدية تشتمل على مصحفين كريمين منسوبين ووزن مائة درهم من دهن البلسان وعشرين رطلا من العود وستمائة مثقال من المسك والعنبر وخمسين قوساً أعرابية بأوتارها وعشرين من النصول الهندية وسروج عدة ثقيلة‏.‏ ووصل إلى المغرب ووجد المنصور بالأندلس فانتظره بفاس إلى حين وصوله فلقيه وأدى إليه الرسالة فاعتذر له عن الأسطول وانصرف‏.‏ ويقال أنه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا ومنع النصارى من سواحل الشام‏.‏ دولة الناصر بن المنصور لما هلك المنصور قام بأمره ابنه محمد ولي عهده وتلقب الناصر لدين الله‏.‏ واستوزر أبا زيد بن يوجان وهو ابن أخي الشيخ أبي حفص‏.‏ ثم استوزر أبا محمد بن الشيخ أبي حفص وعقد للسيد أبي الحسن بن السيد أبي حفص على بجاية وفوض إليه في شؤونها‏.‏ وبلغه سنة ست وتسعين إجحاف العدو بإفريقية وفساد الأعراب في نواحيها ورجوع السيد أبي الحسن من قسطنطينة منهزماً أمام ابن غانية فأنفذ السيد أبا زيد بن أبي حفص إلى تونس في عسكر من الموحدين لسد ثغورها‏.‏ وأنفذ أبا سعيد بن الشيخ أبي حفص رديفاً له وتغلب ابن غانية خلال ذلك على حصن المهدية‏.‏ وثار بالسوس سنة ثمان وتسعين ثائر من كزولة يعرف بأبي قفصة فسرح الناصر إليه عساكر الموحدين فقصدوا جموعه وقتل‏.‏ وفي أيامه كان فتح ميورقة على ما يتلو من خبرها‏.‏

فتح ميورقة
وكان من خبرها أن محمد بن إسحاق لما فصل أخوته علي ويحيى إلى إفريقية وولوا على ميورقة أخاهم طلحة داخل محمد بعض الحاشية وخرج من الاعتقال هو وابن الزبرتير وقام بدعوة المنصور وبعث بها مع ابن الزبرتير فبعث المنصور أسطوله مع أبي العلى بن جامع ليملك ميورقة فأبى محمد عن ذلك‏.‏ وراسل طاغية برشلونة في المدد بجند من النصارى يستخدمهم فأجابه وانتقض عليه أهل ميورقة لذلك وخشوا عادية المنصور فطردوا محمد بن إسحاق وولوا عليهم أخاه تاشفين‏.‏ وبلغ ذلك علياً وهو على قسطنطينة فبعث أخويه عبد الله والغازي فداخلوا بعض أهل البلد وعزلوا تاشفين وولي عبد الله وبعث المنصور أسطوله مراراً مع أبي العلى بن جامع‏.‏ ثم مع يحيى ابن الشيخ أبي إبراهيم الهزرجي فامتنعوا منهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وقوي أمره وذلك سنة ثلاث وثمانين‏.‏ ثم لما هلك المنصور بعث الناصر أسطوله مع عمه السيد أبي العلى والشيخ أبي سعيد بن أبي حفص فنازلوه وانخذل عنه أخوه تاشفين بالناس ودخل البلد عنوة واستفتحت وقتل‏.‏ وانصرف السيد إلى مراكش وولى عبد الله بن طاع الله الكومي‏.‏ ثم ولى الناصر عليها أبا زيد وجعل ابن طاع الله على قيادة البحر‏.‏ وبعد السيد أبي زيد وليها السيد أبو عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ثم أبو يحيى بن علي بن أبي عمران التينمللي ومن يده أخذها النصارى لسنة سبع وعشرين وستمائة‏.‏

خبر إفريقية وتغلب ابن غانية عليها
وولاية أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص لما هلك المنصور قوي أمر ابن غانية بإفريقية وولى الناصر السيد أبا زيد والشيخ أبا سعيد بن أبي حفص ويقال إن المنصور ولاهما وكثر الهرج بإفريقية‏.‏ وثار بالمهدية محمد بن عبد الكريم الركراكي ودعا لنفسه ونازع ابن غانية والموحدين الأمر وتسمى صاحب قبة الأديم محمد بن عبد الكريم‏.‏ ونازل تونس وعاث في قراها سنة ست وتسعين‏.‏ ونازل ابن غانية بقابس فامتنع عليه وكان محمد بن مسعود البلط شيخ رياح من أشياعه فانتقض عليه وراجع ابن غانية فلأتيح له الظهور على محمد بن عبد الكريم وقصده وهو على قفصة فهزمه‏.‏ واتبعه إلى المهدية فنازله بها‏.‏ وبعث إلى صاحب تونس إلى المدد بأسطوله فأمده فضاقت حال ابن عبد الكريم فسأل الأمان من ابن غانية فأمنه‏.‏ وخرج إليه فتقبض عليه واستولى على المهدية سنة تسع وتسعين وقتله‏.‏ وبعث الناصر أسطوله في البحر مع عمه أبي العلى وعساكر الموحدين مع السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن‏.‏ ونازلوا ابن عبد الكريم قبل استيلاء ابن غانية عليها فاعتذر ابن عبد الكريم بأنه حافظ للحصن من العدو ولا يمكنه إلا لثقة الخليفة‏.‏ وانصرف السيد أبو الحسن إلى بجاية موضع عمله وقسم العسكر بينه وبين أخيه السيد أبي زيد صاحب تونس وصلحت الأحوال‏.‏ ثم إن ابن غانية لما تغلب على المهدية وعلى قراقثس الغزي صاحب عمل طرابلس وقد مرت أخباره في أخبار ابن غانية‏.‏ ثم تغلب بلاد الجريد ثم نازل تونس سنة تسع وتسعين وافتتحها عنوة وتقبض على السيد أبي زيد وطالب أهل تونس بالنفقة التي أنفق وبسط عليهم العذاب‏.‏ وتولى ذلك فيهم كاتبه ابن عصفور حتى هلك في الامتحان كثير من بيوتاتهم‏.‏ ثم دخل في دعوته أهل بونة وبنزرت وشقبنارية والأربص والقيروان وتبسة وصفاقس وقابس وطرابلس‏.‏ وانتظمت له أعمال إفريقية وفرق العمال وخطب للعباسي كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ثم ولى على تونس أخاه الغازي ونهض إلى جبال طرابلس فأغرمهم ألف ألف دينار مكررة مرتين ورجع إلى تونس‏.‏ واتصل بالناصر كثرة الهرج بإفريقية و استيلاء ابن غانية عليها وحصول السيد أبي زيد في قبضته فشاور الموحدين في أمره فأشاروا بمسألة ابن غانية‏.‏ وأشار أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص بالنهوض إليها والمدافعة عنها فعمل على رأيه ونهض من مراكش سنة إحدى وستمائة‏.‏ وبعث الأسطول في البحر لنظر أبي يحيى بن أبي زكرياء الهزرجي فبعث ابن غانية ذخيرته وحرمه إلى المهدية مع علي بن الغازي بن محمد بن علي‏.‏ وانتقض أهل طرابلس على ابن غانية وأخرجوا عاملهم تاشفين بن الغازي بن محمد بن علي بن غانية‏.‏ وقصدهم ابن غانية فاقتحمها وخربها‏.‏ ووصل أسطول الناصر إلى تونس فدخلوها وقتلوا من كان بها من أشياع ابن غانية ونهض الناصر في أتباع ابن غانية فأعجزه ونازل المهدية وبعث أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص للقاء ابن غانية فلقيه بتاجرا فأوقع به وقتل أخاه جبارة‏.‏ وكاتبه ابن اللمطي وعامله الفتح بن محمد‏.‏ قال ابن نخيل‏:‏ وكانت الغنائم من عسكره يومئذ ثمانية عشر ألفاً من أحمال المال والمتاع والخرثى والآلة‏.‏ ونجا بأهله وولده وأطلق السيد أبو زيد الاعتقال بعد أن هم حرسه بقتله عند الهزيمة‏.‏ ثم تسلم الناصر المهدية من يد علي بن الغازي المعروف بالحاج الكافي على أن يلحق بابن عمه فقبل شرطه ومضى لوجهه‏.‏ ثم رجع من طريقه واختار التوحيد فقبل وناله من الكرامة والتقريب ما لا فوقه‏.‏ وهلك في يوم العقاب الآتي ذكره‏.‏ ثم قوض الناصر عن المهدية واستعمل عليها محمد بن يغمور الهرغي وعلى طرابلس عبد الله بن إبراهيم بن جامع ورجع إلى تونس فأقام إلى سنة ثلاث وستمائة‏.‏ وسرح أخاه السيد أبي إسحاق في عسكر من الموحدين لأتباع العدو فدوخوا ما وراء طرابلس‏.‏ واستأصلوا بني دمر ومطماطة وجبال نفوسة وتجاوزها إلى سويقة بني مذكور‏.‏ وقفل السيد أبو إسحاق بهم إلى أخيه الناصر بتونس وقد كمل الفتح‏.‏ ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وأجمع رأيه على تولية أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص وكان شيخ دولته وصاحب رأيه فامتنع إلى أن بعث إليه الناصر في ذلك بابنه يوسف فأكبر مجيئه وأناب لذلك على أن يقيم بإفريقية ثلاث سنين خاصة خلال ما يستحكم صلاحها وأن يحكم فيمن يقيم معه من العسكر فتقبل شرطه‏.‏ ورجع الناصر إلى مراكش فدخلها في ربيع سنة أربع وستمائة وقدم عبد العزيز بن أبي زيد الهنتاتي على الأشغال بالعدوتين وكان على الوزارة أبو سعيد بن جامع وكان صديقاً لابن عبد العزيز‏.‏ وعند مرجعه من إفريقية توفي السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن صاحب تلمسان وسجلماسة والسيد أبو الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن صاحب بجاية وقد كان أبو الربيع هذا ولي بجاية من قبل وهو الذي جدد الرفيع والبديع من رياضها‏.‏ وكان بنو حماد شيدوها من قبل فأصابهما الخراب وجددهما السيد أبو الربيع‏.‏ وفي سنة خمس بعدها عقد للسيد أبي عمران بن يوسف بن عبد المؤمن على تلمسان أدال به من السيد الحسن فوصل إلى تلمسان في عساكر الموحدين وتطوف بأقطارها‏.‏ وزحف إليه ابن غانية هنالك فانفض الموحدون وقتل السيد أبو عمران‏.‏ وارتاع أهل تلمسان وأسرع السيد أبو زكرياء من فاس إليها فسكن نفوسهم خلال ما عقد الناصر لأبي زيد بن يوجان على تلمسان وسرحه في العساكر فنزل بها‏.‏ وفر ابن غانية إلى مكانه من قاصية إفريقية ومعه محمد بن مسعود البلط شيخ الدواودة من رياح وغيره من أعراب رياح وسليم‏.‏ واعترضهم أبو محمد بن أبي حفص فانكشفوا واستولى الموحدون على محلاتهم وما بأيديهم ولحقوا بجهات طرابلس‏.‏ ورجع عنهم سير بن إسحاق آخذاً بدعوة الموحدين‏.‏ وفي هذه السنة عقد الناصر على جزيرة ميورقة لأبي يحيى بن أبي الحسن بن أبي عمران أدال به من السيد أبي عبد الله بن أبي حفص وعقد له على بلنسية وعقد على مرسية لأبي عمران بن ياسين الهنتاتي أدال به من أبي الحسن به واكاك‏.‏ وعقد للسيد أبى زيد على كورة جيان أدال به من أبي موسى بن أبي حفص وعقد للسيد أبي إبراهيم بن يوسف على إشبيلية ولأبي عبد الله بن أبي يحيى ابن الشيخ أبي حفص على غرناطة إلى أن كان ما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏ لما بلغ الناصر تغلب العدو على كثير من حصون بلنسية أهمه ذلك وأقلقه وكتب إلى الشيخ أبي محمد بن أبي حفص يستشيره في الغزو فأبى عليه فخالفه وخرج من مراكش سنة تسع ووصل إشبيلية واستقر بها واستعد للغزو‏.‏ ثم خرج من إشبيلية وقصد بلاد أذفونش فافتتح قلعة شلبطرة وأثلج في طريقه‏.‏ ونازل الطاغية قلعة رباح وبها قادس وأخذ بمخنقه فصالحه على النزول ووصل إلى الناصر فقتله وسار على التعبئة إلى الموضع المعروف بالعقاب‏.‏ وقد استعد له الطاغية وجاءه طاغية برشلونه مدداً فكانت الدبرة على المسلمين‏.‏ وانكشفوا في يوم بلاء وتمحيص أواخر صفر سنة تسع وستمائة‏.‏ وانكفأ راجعاً إلى مراكش فهلك في شعبان من السنة بعدها‏.‏ وكان ابن أذفونش قد باطن ابن عمه الببوج صاحب ليون في أن يوالي للناصر ويجري الهزيمة على المسلمين ففعل ذلك‏.‏ ثم رجعوا إلى الأندلس بعد الكائنة للإغارة على بلاد المسلمين فلقيهم السيد أبو زكرياء بن أبي حفص بن عبد المؤمن قريباً من إشبيلية فهزمهم وانتعش المسلمون بها واتصلت الحال على ذلك‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 06:35 AM

ثورة ابن الفرس
كان عبد الرحيم بن عبد الرمن بن الفرس من طبقة العلماء بالأندلس ويعرف بالمهر وحضر مجلس المنصور في بعض الأيام وتكلم بها حتى خشي عاقبته في عقده وخرج من المجلس فاختفى مدة ثم بعد مهلك المنصور ظهر في بلاد كزولة وانتحل الإمامة وادعى أنه القحطاني المراد في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يقود الناس بعصاه يملأها عدلا كما ملئت جوراً ‏"‏ إلى آخر الحديث وكان مما ينسب له من الشعر‏:‏ قولوا لأبناء عبد المؤمن بن علي تأهبوا لوقوع الحادث الجلل قد جاء سيد قحطان وعاملها ومنتهى القول والغلاب للدول والناس طوعاً عصاه وهو سائقهم بالأمر والنهي بحر العلم والعمل تبادروا أمره فالله ناصره والله خاذل أهل الزيغ والميل فبعث الناصر إليه الجيوش فهزموه وقتل وسيق رأسه إلى مراكش فنسب بها‏.‏

دولة المستنصر بن الناصر
لما هلك محمد الناصر بويع ابنه يوسف سنة إحدى عشرة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وغلب عليه ابن جامع ومشيخة الموحدين فقاموا بأمره‏.‏ وتأخرت بيعة أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص من إفريقية لصغر سن المستنصر‏.‏ ثم وقعت المحاولة من الوزير ابن جامع وصاحب الأشغال عبد العزيز بن أبي زيد فوصلت بيعته واشتغل المستنصر عن التدبير بما يقتضيه الشباب وعقد للسادة على عمالات ملكه‏:‏ فعقد للسيد أبي إبراهيم أخي المنصور وتلقب بالظاهر على فاس وهو أبو المرتضى‏.‏ وعقد على إشبيلية لعمه السيد أبي إسحاق الأحول‏.‏ واستولى الفنش على المعاقل التي أخذها الموحدون وهزم حامية الأندلس ووفد رسوله ابن الفخار فحاوله ابن جامع في السلم فعقده‏.‏ ثم صرف ابن جامع عن الوزارة بعد مهلك ابن أبي زيد بسعاية أبي بن يوجان واستوزر أبا يحيى الهزرجي وولى على الأشغال أبا علي بن أشرفي‏.‏ ثم رضي عن ابن جامع وأعاده وعزل أبا زيد بن يوجان من ولاية تلمسان بأبي سعيد بن المنصور وبعثه إلى مرسية فاعتقل بها‏.‏ واستمرت أيام المستنصر في هدنة وموادعة إلى أن ظهر بنو مرين بجهات فاس سنة ثلاث عشره فخرج إليهم واليها السيد أبو إبراهيم في جموع الموحدين فهزموه وأسروه‏.‏ ثم عرفوه وأطلقوه ثم وصل الخبر بمهلك أبي محمد بن أبي حفص صاحب إفريقية فولى عليها السيد أبا العلى أخا المنصور وكان والياً بإشبيليه فعزل‏.‏ وولى على إفريقية بسعاية ابن مثنى خاصة السلطان فتوجه إليها كما نذكر في أخبار بني أبي حفص‏.‏ وخرج بناحية فاس رجل من العبيديين انتسب للعاضد وتسمى بالمهدي فبعث السيد أبو إبراهيم أخو المنصور والي فاس إلى شيعته وبذل لهم المال فتقبضوا عليه وساقوه إليه فقتل‏.‏ وفي سنة تسع عشرة عقد المستنصر لعمه أبي محمد المعروف بالعادل على مرسية وعزله عن غرناطة‏.‏ وهلك الخبر عن دولة المخلوع أخي المنصور لما هلك المستنصر في الأضحى من سنة عشرين اجتمع ابن جامع والموحدون وبايعوا للسيد أبي محمد عبد الواحد أخي المنصور فقام بالأمر وأمر بمطالبة لبن أاشرفي بالمال‏.‏ وكتب لأخيه أبي العلى بتجديد الولاية على إفريقية بعد أن كان المستنصر أوعز بعزله فأدركته الولاية ميتاً فاستبد بها ابنه أبو زيد المشمر كما نذكره في أخبار إفريقية‏.‏ وأنفذ المخلوع أمره بإطلاق ابن يوجان فأطلق‏.‏ ثم صده ابن جامع عن ذلك وأنفذ أخاه أبا إسحاق في الأسطول ليغربه إلى ميورقة كما كان المستنصر أنفذ قبل وفاته‏.‏ وكان الوالي بمرسية أبو محمد عبد الله بن المنصور فأغراه ابن يوجان بالتوثب على الأمر وشهد له أنه سمع من المنصور العهد له بالخلافة من بعد الناصر‏.‏ وكان الناس على كره ابن جامع‏.‏ وولاة الأندلس كلهم بنو المنصور فأصغى إليه وكان متردداً في بيعة عمه فدعا لنفسه وتسمى العادل‏.‏ وكان أخوته أبو العلى صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سراً‏.‏ وكان أبو محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن المعروف بالبياسي صاحب جيان وعزله المخلوع بعمه أبي الربيع بن أبي حفص فانتقض وبايع للعادل‏.‏ وزحف مع أبي العلى صاحب قرطبة وهو أخو العادل إلى إشبيلية وبها عبد العزيز أخو المنصور والمخلوع فدخل في دعوتهم‏.‏ وامتنع السيد أبو زيد بن أبي عبد الله أخي البياسي عن بيعة العادل وتمسك بطاعة المخلوع‏.‏ وخرج العادل من مرسية إلى إشبيلية فدخلها مع أبي زيد بن يوجان وبلغ الخبر إلى مراكش فاختلف الموحدون على المخلوع وبادروا بعزل ابن جامع وتغريبه إلى هسكورة‏.‏ وقام بأمر هنتاتة أبو زكرياء يحيى بن أبي يحيى الشهيد ابن أبي حفص وبأمر تينملل يوسف بن علي وبعث على أسطول البحر أبا إسحاق بن جامع وأنفذه لمنع الجواز من الزقاق‏.‏ وكان أسر إلى ابن جامع حين خرج إلى هسكورة أن يحاول عليه من هنالك فلم يتم أمره وقتل بمكان خفي ربيع سنة إحدى وعشرين وبعث الموحدون بيعتهم إلى العادل والله أعلم‏.‏

الخبر عن دولة العادل بن المنصور
لما بلغت بيعة الموحدين للعادل وكتاب ابن زكرياء بن الشيهد بقصة المخلوع قارن ذلك تغييره للبياسي فانتقض عليه ودعا لنفسه ببياسة وتلقب الظافر وشغل بشأنه‏.‏ وبعث أخاه أبا العلى لحصاره فامتنع عليه وبعث بعده أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص فامتنع عليه أيضاً‏.‏ واختلفت الأحوال بالأندلس على العادل‏.‏ وكثرت إغارة النصارى على إشبيلية ومرسية وهو مقيم بها‏.‏ وانهزمت جيوش الموحدين على طلياطة وأغراه خاصته بابن يوجان فأخذ إلى سبتة‏.‏ وعظم أمر البياسي بالأندلس وظاهره النصارى على شأنه فأجاز العادل إلى العدوة وولى أخاه أبا العلى على الأندلس‏.‏ ولما كان بقصر المجاز دخل عليه عبو بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص فقال له كيف حالك فأنشد‏:‏ حال متى علم ابن منصور بها جاء الزمان إليه منها تائبا فاستحسن ذلك وولاه أفريقية‏.‏ وكتب للسيد أبي زيد ابن عمه بالقدوم ووصل إلى سلا وأقام بها‏.‏ وبعث عن شيوخ جشم وكان لابن يوجان عناية واختصاص بهلال بن حميدان بن مقدم أمير الخلط فتثاقل ابن جرمون أمير سفيان عن الوصول واقتتل الخلط وبادر العادل إلى مراكش فدخلها واستوزر أبا زيد بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص وتغير لابن يوجان ففسد باطنه‏.‏ وتغلب على الدولة ابن الشهيد ويوسف علي شيخا هنتاتة وتينملل‏.‏ ثم خالفت هسكورة والخلط وعاثوا في نواحي مراكش وخرج إليهم ابن يوجان فلم يغن شيئاً فخربوا بلاد دكالة فأنفذ إليهم العادل عسكراً من الموحدين لنظر إبراهيم بن إسماعيل ابن الشي أبي حفص وهو الذي كان نازع أولاد الشيخ أبي محمد بإفريقية كما نذكره فانهزم وقتل‏.‏ وخرج ابن الشهيد ويوسف بن علي إلى قبائلهما للحشد ومدافعة هسكورة فاتفقا على خلع العادل والبيعة ليحيى بن الناصر وقصدوا مراكش فاقتحموا عليه القصر ونهبوه وقتل العادل خنقاً أيام الفطر سنة أربع وعشرين‏.‏ ومزاحمة يحيى بن الناصر له كان المأمون لما بلغه انتقاض الموحدين والعرب على أخيه وتلاشي أمره دعا لنفسه بإشبيلية فبويع وأجابه أكثر أهل الأندلس‏.‏ وبايع له السيد أبو زيد صاحب بلنسية وشرق الأندلس‏.‏ ثم كان ما قدمناه من انتقاض الموحدين على العادل وقتله بالقصر وبيعتهم ليحيى ابن أخيه الناصر فكاتب ابن يوجان سراً وعمل على إفساد الدولة فداخل هسكورة والعرب في الغارة على مراكش وهزموا عساكر الموحدين‏.‏ وفطن ابن الشهيد لتدبير ابن يوجان فقتله بداره‏.‏ وخرج يحيى بن الناصر إلى معتصمه كما ذكرناه فخلع الموحدون العادل وبعثوا ببيعتهم إلى المأمون‏.‏ وتولى كبر ذلك الحسن أبو عبد الله الغريغر والسيد أبو حفص بن أبي حفص فبلغ خبرهم إلى يحيى بن الناصر وابن الشهيد فنزلوا إلى ماركش سنة ست وعشرين وقتلوهم‏.‏ وبايع للمأمون صاحب فاس وصاحب تلمسان محمد بن أبي زيد بن يوجان وصاحب سبتة أبو موسى بن المنصور وصاحب بجاية ابن أخيه ابن الأطاس‏.‏ وامتنع صاحب أفريقية وكان ذلك سبباً لاستبداد الأمير أبي زكريا على ما نذكر‏.‏ ولم يبق على دعوة يحيى بن الناصر إلا أفريقية وسجلماسة‏.‏ وزحف البياسي إلى قرطبة فملكها ثم زحف إلى إشبيلية فنازل بها المأمون والطاغية معه بعد أن نزل له عن قجاطة وغيرها من حصون المسلمين فهزمهم المأمون بنواحي إشبيلية ولحق البياسي بقرطبة فثاروا به ونجا إلى حصن المدور فغدر به وزيره أبو يبورك‏.‏ وجاء برأسه إلى المأمون بإشبيلية‏.‏ ثم ثار محمد بن يوسف بن هود وملك مرسية واستولى على الكثير من شرق الأندلس كما ذكرناه في أخباره‏.‏ وزحف إليه المأمون وحاصره فامتنع عليه فرجع إلى إشبيلية ثم خرج سنة ست وعشرين إلى مراكش لما استدعاه أهل المغرب وبعثوا إليه بيعاتهم وبعث إليه هلال بن حميدان أمير الخلط يستدعيه‏.‏ واستمد الطاغية عسكراً من النصارى فأمده على شروط تقبلها منه المأمون وأجاز إلى العدوة‏.‏ وبادر أهل إشبيلية بالبيعة لابن هود واعترضه يحيى بن الناصر فهزمه المأمون واستلحم من كان معه من الموحدين والعرب ولحق يحيى بجبل هنتاتة‏.‏ ثم دخل المأمون الحضرة وأحضر مشيخة الموحدين وعدد عليهم فعلاتهم وتقبض على مائة من أعيانهم فقتلهم وأصدر كتابه إلى البلدان بمحو اسم المهدي من السكة والخطبة والنعي عليه في النداء للصلاة باللغة البربرية وزيادة النداء لطلوع الفجر وهو‏:‏ ‏"‏ أصبح ولله الحمد ‏"‏ وغير ذلك من السنن التي اختص بها المهدي وعبد المؤمن وجرى على سننها أبناؤه‏.‏ فأوعز بالنهي عن ذلك كله‏.‏ وشنع عليهم في وصفهم الإمام المهدي بالمعصوم وأعاد في ذلك وأبدى‏.‏ وأذن للنصارى القادمين معه في بناء الكنيسة بمراكش على شرطهم فضربوا بها نواقيسهم‏.‏ واستولى ابن هود بعده على الأندلس وأخرج منها سائر الموحدين وقتلهم العامة في كل قطر‏.‏ وقتل السيد أبو الربيع ابن أخي المنصور كان المأمون تركه والياً بقرطبة‏.‏ واستبد الأمير أبو زكريا ابن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص بأفريقية وخلع طاعته سنة سبع وعشرين فعقد للسيد أبي عمران ابن عمه محمد الحرضاني على بجاية مع أبي عبد الله اللحياني أخي الأمير أبي زكريا‏.‏ وزحف إليه يحيى بن الناصر فانهزم ثم ثانية كذلك واستلحم من كان معه ونصبت رؤوسهم بأسوار الحضرة‏.‏ ولحق يحيى بن الناصر ببلاد درعة وسجلماسة‏.‏ ثم انتقض على المأمون أخوه أبو موسى ودعا لنفسه بسبتة وتسمى بالمؤيد فخرج المأمون من مراكش وبلغه في طريقه أن قبائل بني فازاز ومكلاتة حاصروا مكناسة وعاثوا في نواحيها فسار إليها وحسم عاملها واستمر إلى سبتة فحاصرها ثلاثة أشهر واستمد أخوه أبو موسى صاحب الأندلس ابن هود فأمده بأساطيله‏.‏ وخالد يحيى بن الناصر المأمون إلى الحضرة فاقتحمها مع عرب سفيان وشيخهم جرمون بن عيسى ومعهم أبو سعيد بن واندين شيخ هنتاتة وعاثوا فيها فأقلع المأمون عن سبتة يريد الحضره وهلك في طريقه بوادي أم ربيع مفتتح سنة ثلاثين ولحين إقلاعه دخل أخوه السيد أبو موسى في طاعة ابن هود وأمكنه من سبتة فأداله منها والله تعالى

الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون
لما هلك المأمون بويع ابنه عبد الواحد ولقب بالرشيد وكتموا موت أبيه وأغذوا السير إلى مراكش واقيهم يحيى بن الناصر في طريقهم بعد أن استخلف بمراكش أبا سعيد بن وانودين فهزموه وقتل أكثر من معه‏.‏ وصبح الرشيد مراكش فامتنعوا عليه ساعة ثم خرجوا أليه واستقاموا على بيعته‏.‏ وكان وصل في صحبته عمه السيد أبو محمد سعد فحل من الدولة بمكان وكان إليه التدبير والحل والعقد‏.‏ وبعد استقرار الرشيد بالحضرة وصل إليه عمر بن وقاريط كبير الهساكرة بمن كان عنده من أولاد المأمون السيد وأخوته جاءوا من إشبيلية عند ثورة أهلها بهم واستقروا بسبتة عند عمهم أبي موسى ومنها إلى الحضرة عند استيلاء ابن هود على سبتة ومروا بهكسورة وكان ابن وقاريط حذراً من المأمون ومعتقداً أن لا يعود إليه فتذمم بصحابة هؤلاء الولد وقدم علياً لرشيد فتقبله واعتلق بوصلة من السيد أبي محمد سعد وصحابة لمسعود بن حميدان كبير الخلط‏.‏ ولما هلك السيد أبو محمد لحق ابن وقاريط بقومه ومعتصمه وكشف وجه الخلاف وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر واستنفر له قبائل الموحدين ونهض إليهم الرشيد سنة إحدى وثلاثين واستخلف على الحضرة صهره أبا العلى إدريس وصعد إليهم الجبل فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزرجة واستولى على معسكرهم‏.‏ ولحق يحيى بسجلماسة وانكفأ الرشيد راجعاً إلى حضرته واستأمن له كثير من الموحدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمنهم ولحقوا بحضرته‏.‏ وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدموي وجاء الباقون على أثره وبسعيه بعد أن شرطوا عليه إعادة ما كان أزاله المأمون من رسوم المهدي فأعيدت‏.‏ وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التينمللي رسولاً عن يوسف بن علي بن يوسف شيخ تينملل ومحمد بن يزريكن الهنتاني رسولاً عن أبي علي بن عزوز ورجعا إلى مرسليهما بالقبول فقدما على الحضرة وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره‏.‏ وجاء على أثرهم أبو محمد بن أبي زكريا وأنسوا لإعادة رسوم الدعوة المهدية‏.‏ وكان مسعود بن حميدان الخلطي قد أغراه عمر بن وقاريط بالخلاف لصحبة بينهما وكان مدلاً ببأسه وكثرة جموعه‏.‏ يقال إن الخلط كانوا يومئذ يناهزون اثني عشر ألفاً سوى الرجل والأتباع والحشود فمرض في الطاعة وتثاقل عن الوفادة‏.‏ ولما علم بمقام الموحدين أجمع اعتراضهم وقتلهم تمكيناً للفرقة والشتات في الدولة فأعمل الرشيد الحيلة في استدعائه وصرف عساكره إلى حاحة لنظر وزيره السيد أبي محمد حتى خلا لابن حميدان الجو وذهب عنه الريب واستقدمه فأسرع اللحاق بالحضرة وقدم معه معاوية عم عمر بن وقاريط فتقبض عليه وقتل لحينه‏.‏ واستدعى مسعود بن حميدان إلى المجلس الخلافي للحديث فتقبض عليه وعلى أصحابه وقتلوا ساعتئذ بعد جولة وهيعة وقضى الرشيد حاجة نفسه فيهم‏.‏ واستقدم وزيره وعساكره من حاجة فقدموا ولما بلغ خبر مقتل هم إلى قومهم قدموا عليهم يحيى بن هلال بن حميدان وأجلبوا على سائر النواحي وأخذوا بدعوة يحبى واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء‏.‏ وداخلهم في ذلك عمر بن وقاريط وزحفوا لحصار الحضرة وخرجت العساكر لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان فرجع ابن وقاريط في جموعه من العساكر فانهزموا وأحيط بجند النصارى فقتلوا وتفاقم الأمر بالحضرة وعدمت الأقوات‏.‏ واعتزم الرشيد على الخروج إلى جبال الموحدين فخرج إليها‏.‏ وسار منها إلى سجلماسة فملكها واشتد الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة والخلط وساء أثرهم فيها وتغيرت أحوال الخلافة‏.‏ وتغلب على السلطان السيد أبو إبراهيم بن أبي حفص الملقب بأبي حاقة‏.‏ وفي سنة ثلاث وثلاثين خرج الرشيد من سجلماسة بقصد مراكش وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من سفيان فأجاز وادي أم ربيع وبرز إليه يحيى في جموعه والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحر القتل فيهم ودخل الرشيد إلى الحضره ظافراً‏.‏ وأشار يحيى بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ بابن هود صاحب الأندلس والأخذ بدعوته فنكثوا بيعة يحيى وبعثوا وفدهم إلى ابن هود صحبة عمر بن وقاريط فاستقر هنالك‏.‏ وخرج الرشيد من مراكش وفر الخلط أمامه وسار إلى فاس وسرح وزير السيد أبا محمد إلى غمارة وفازاز لجباية أموالهم‏.‏ وكان يحيى بن الناصر لما نكث الخلط بيعته سته لحق بعرب المعقل فأجاوره ووعدوه النصرة واشتطوا عليه في المطالب وأسف بعضهم بالمنع فاغتاله في جهات تازى وسيق رأسه إلى الرشيد بفاس فبعثه إلى مراكش وأوعز إلى نائبه بها أبي علي بن عبد العزيز بقتل العرب الذين كانوا في اعتقاله وهم‏:‏ حسن بن زيد شيخ العاصم وفائد وفائد ابنا عامر شيخا بني جابر فقتلهم وانكفأ راجعاً إلى حضرته سنة أربع وثلاثين‏.‏ وبلغه استيلاء صاحب درعة أبي محمد بن وانودين على جلماسة وذلك أن الرشيد لما فصل من سجلماسة استخلف عليها يوسف بن علي يوسف التينمللي فاستعمل ابن خالته من بني مردنيش وهو يحيى بن أرقم بن محمد مردنيش فثارعليه ثائر من صنهاجة وقتله في خبائه‏.‏ وقام ابنه أرقم يطلب الثأر وبلغ منه ما أراد‏.‏ ثم حدثته نفسه بالانتقاض خوفاً من عزلة الرشيد إياه فانتقض‏.‏ ونهض إليه الرشيد سنة اثنتين وثلاثين فلم يزل أبو محمد بن وانودين يعمل الحيلة في استخلاصها حتى تمكن منها وعفى عن أرقم‏.‏ وكان ابن وقاريط لما فصل إلى ابن هود سنة أربع وثلاثين ركب البحر في أسطول ابن هود وقصد سلا وبها السيد أبو العلى صهر الرشيد فكاد أن يغلب عليها‏.‏ وفي سنة خمس وثلاثين بايع أهل إشبيلية للرشيد ونقضوا طاعة ابن هود وتولى كبر ذلك أبو عمر بن الجد وأشخص ببني حجاج إلى سبتة ووصل وفدهم إلى الحضرة ومروا في طريقهم بسبتة فاقتدى أهلها بهم في بيعة الرشيد‏.‏ وخلعوا أميرهم اليانشي الثائر بها على ابن هود وقدموا على الحضرة‏.‏ وولى عليهم الرشيد أبا علي بن خلاص منهم‏.‏ ولأيام من مقدمهم وصل عمر بن وقاريط معتقلاً من إشبيلية أغراهم بالقبض عليه القاضي أبو عبد الله المؤمناني كان توجه رسولاً إلى ابن هود عن الرشيد فأمكنهم من ابن وقاريط‏.‏ وبعثه إلى الرشيد في وفد من رسله فاعتقله بأزمور وقتل وصلب برباط هسكورة بعد أن طيف به على جمل وانصرف وفد إشبيلية وسبتة واستقدم الرشيد رؤساء الخلط فتقبض عليهم وبعث عساكره فاستباحوا حللهم وأحياءهم ثم أمر بقتل مشيختهم وقتل معهم ابن وقاريط وقطع دابرهم‏.‏ وفي سنة ست وثلاثين وصلت بيعة محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الثائر بالأندلس على ابن هود‏.‏ وفي سنة سبع وثلاثين اشتدت الفتنة بالمغرب وانتشر بنو مرين في بسائطه وقاتلهم رياح بازغار وشيخهم عثمان بن نصر فهزمهم بنو مرين وقتلوهم قتلاً ذريعاً‏.‏ وكان الرشيد استقدم أبا محمد بن وانودين من سجلماسة سنة خمس وثلاثين وعقد له على فاس وسجلماسة وغمارة ونواحيها من أرض المغرب فكان هنالك‏.‏ ولما انتشر بنو مرين بالمغرب زحف إليهم فهزموه ثم زحف ثانية وثالثة فهزموه وأقام في محاربتهم سنتين ورجع إلى الحضرة‏.‏ واشتد عدوان بني مرين بالمغرب وألحوا على مكناسة حتى أعطوا الأتاوة لبني حمامة منهم فأسفوا بني عسكر بذلك واتصل عيثهم في نواحيها‏.‏ وفي سنة تسع وثلاثين قتل الرشيد كاتبه ابن المؤمناني لمداخلة له مع بعض السادة وهو عمر ابن عبد العزيز أخي المنصور وقف على كتابه إليه بخطه‏.‏ وغلظ الرسول بها فدفعها بدار الخليفة‏.‏ وفي سنة أربعين بعدها كانت وفاة الرشيد غريقاً زعموا في بعض حوائز القصر‏.‏ ويقال إنه أخرج من الماء وحم لوقته وكان فيها مهلكه‏.‏ الخبر عن دولة السعيد بن المأمون لما هلك الرشيد بويع أخوه أبو الحسن السعيد بتعيين أبي محمد بن وانودين وتلقب المعتضد بالله‏.‏ واستوزر السيد أبا إسحاق بن السيد أبي إبراهيم ويحيى بن عطوش‏.‏ وتقبض على جملة من مشيخة الموحدين واستصفى أموالهم واستخلص لنفسه رؤساء العرب من جشم‏.‏ واستظهر بجموعهم على أمره وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون كبير مجلسه ولأول بيعته انتقض عليه أبو علي بن خلاط البلنسي صاحب سبتة وكذلك أهل إشبيلية وبايعوا جميعاً للأمير أبي زكريا صاحب أفريقية‏.‏ ثم انتقض عليه بسجلماسة عبد الله بن زكريا الهزرجي لمقالة كانت منه يوم بيعة الرشيد أسرها له فبايع للأمير أبي زكريا‏.‏ ثم وصلته في هذه السنة هدية يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان فنهض الأمير أبو زكريا صاحب أفريقية بسبب ذلك إلى تلمسان واستولى عليها‏.‏ ثم عقد عليها ليغمراسن حسبما نذكر في أخباره‏.‏ وخرج السعيد من مراكش لتمهيد بلاد المغرب سنة اثنتين وأربعين وتغير لسعيد بن زكريا الكدميوي فتقبض عليه في معسكره بتانسفت وفر أخوه أبو زيد ومعه أبو سعيد العود الرطب ولحقوا بسجلماسة فاستصفى أموالهم بمراكش وارتحل بقصد سجلماسة وأخذ واليها عبد الله الزرجي في أسباب الامتناع فغمر به أبو زيد بن زكريا الكدميوي وداخل أهل سجلماسة في الثورة عليه وملك البلد‏.‏ واستدعى السعيد لها فوصل وقتل الهزرجي‏.‏ وفر أبو سعيد العود الرطب إلى تونس‏.‏ ثم رجع السعيد إلى المغرب وقتل سعيد بن زكريا ونزل المقرمدة من أحواز فاس‏.‏ وعقد المهادنة مع بني مرين وقفل إلى مراكش فتقبض على أبي محمد بن وانودين واعتقله بأزمور‏.‏ واعتقل معه يحيى بن مزاحم ويحيى بن عطوش لنظر ابن ماكسن فأعمل الحيلة في الفرار من معتقله‏.‏ وخلص ليلاً إلى كانون بن جرمون فأركبه وبعث معه من عرب سفيان من أوصله إلى قومه هنتاتة‏.‏ وراسله لسعيد على أثرها وسكنه واعتذر له انتقض على السعيد كانون بن جرمون وسفيان وخالفهم إليه بنو جابر والخلط وخرج من مراكش واستوزر السيد أبا إسحاق بن السيد أبي إبراهيم إسحاق أخي المنصور‏.‏ واستخلف أخاه أبا زيد على مراكش وأخاهما أبا حفص عمر على سلا وفصل من مراكش سنة‏.‏ وجمع له أبو يحيى بن عبد الحق جموع بني راشد وبني ورا وسفيان حتى إذا تراءى الفريقان للقاء خالف كانون ابن جرمون الموحدين إلى أزمور‏.‏ واستولى عليها ورجع السعيد أدراجه في أتباعه ففر كانون واعترضه السعيد فأوقع به واستلحم كثيراً من سفيان قومه واستولى على ماله من مال وماشة‏.‏ ولحق كانون في فله ببني مرين ورجع السعيد إلى الحضرة‏.‏ وفي سنة ثلاث وأربعين ثارت للعامة بمكناسة على واليها من أبل السعيد فقتلوه‏.‏ وحذر مشيختها من سطوته فحولوا الدعوة إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص صاحب إفريقية وبعثوا إليه بيعتهم وكانت من إنشاء أبي المطرف بن عميرة وذلك بمداخلة أبي يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين ووفاقه لهم على ذلك‏.‏ وشارطوا أبا يحيى بن عبد الحق بمال دفعوه إليه على الحماية‏.‏ ثم راجوا رأيهم وأوفدوا صلحاءهم ببيعتهم فرضي عنهم السعيد ورضوا عنه‏.‏ وفي هذه السنة بعث أهل إشبيلية وأهل سبتة بطاعتهم للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية‏.‏ وبعث ابن خلاص بهديته مع ابنه في أسطول أنشأه لذلك فغرق عند إقلاعه من المرسى‏.‏ وفي وأربعين كان سنة ست وأربعين كان استيلاء الطاغية على إشبيلية لسبع وعشرين من رمضان‏.‏ ولما بلغ السعيد بيعة أهل إشبيلية وسبتة للأمير أبي زكريا إلى ما كان من تغلبه على تلمسان وأخذ يغمراسن بدعوته ثم ما كان من بيعة أهل مكناسة وأهل سجلماسة له أعمل نظره في الحركة إلى تلمسان ثم إلى إفريقية‏.‏ وخرج من مراكش في ذي الحجة في سنة خمس وأربعين ووافاه كانون بن جرمون فعاود الطاعة واستحشد سفيان وجاء في جملة السعيد مع سائر القبائل من جشم‏.‏ ولما احتل السعيد بتازى وافاه وفد بني مرين عن أميرهم أبي يحيى بن عبد الحق فأعطوه الطاعة وبعثوا معه عسكراً من قومهم مدداً له‏.‏ ثم سار السعيد إلى تلمسان فكان مهلكه بتامزردكت على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين حسبما نشرح في أخبارهم‏.‏ ويقال إن ذلك كان بمداخلة من الخلط فاستولوا على المحلة وقتلوا عدوهم كانون وانفض العسكر إلى المغرب وقد اجتمعوا إلى عبد الله بن السعيد واعترضهم بنو مرين بجهات تازى فقتلوا عبد الله بن السعيد ولحق الفل بمراكش فبايعوا للمرتضى كما نذكره‏.‏

الخبر عن دولة المرتضى ابن أخي المنصور
لما لحق فل العسكر بعد مهلك السعيد بمراكش اجتمع الموحدون على بيعة السيد أبي حفص عمر بن السيد أبي إبراهيم إسحاق أخي المنصور واستقدموه لها من سلا فلقيه وافدهم بتامستا من طريقه ومعه أشياخ العرب فبايعوه وتلقب المرتضى‏.‏ وعقد ليعقوب بن كانون على بني جابر ولعمه يعقوب بن جرمون على عرب سفيان بعد أن كان قومه قدموه عليهم ودخل الحشرة فاستوزر أبا محمد بن يونس وتقبض علي حاشية السعيد‏.‏ ثم وصل أخوه السيد أبو إسحاق من الفل أخذاً على طريق سجلماسة فاستوزره واستبد عليه‏.‏ واستولى أبو يحيى بن عبد الحق وبنو مرين إثر مهلك السعيد على رباط تازى من يد السيد أبي علي أخي أبي دبوس وأخرجوه فلحق بمراكش‏.‏ ثم استولوا بعدها على مدينة فاس سنة سبع وأربعين كما نذكره في أخبارهم بعد‏.‏ وفي هذه السنة ثار بسبتة أبو القاسم العزفي وأخرج ابن الشهيد الوالي على سبتة من قرابة الأمير أبي زكريا صاحب إفريقية وحول الدعوة للمرتضى حسبما نذكر في أخبار الدولة الحفصية وأخبار بني الغزي‏.‏ وفي سنة تسع وأربعين وفد على المرتضى موسى بن زيان الونكاسي وأخوه على من قبائل بني مرين وأغروه بقتال بني عبد الحق فخرج إليهم‏.‏ ولما انتهى إلى أمان يملولن أشاع يعقوب بن جرمون قضية الصلح بينهما فأصحوا راحلين وقد استولى الجزع على قلوبهم فانفضوا ووقعت الهزيمة من غير قتال‏.‏ ووصل المرتضى إلى الحضرة فعزل أبا محمد بن يونس عن الوزارة لشيء بلغه عنه وأسكنه بجبلة مع حاشيته وفر من جملته علي بن يدر إلى السوس سنة إحدى وخمسين وجاهز بالعناد‏.‏ وسرح إليه السلطان عسكراً من الجند فرجعوا عنه ولم يظفروا به‏.‏ وتقاقم أمره سنة اثنين وخمسين‏.‏ وجمع أعراب الشبانات وبني حسان وحمل أموال ونازل تارودنت فحاصر من كان بها‏.‏ وسرح المرتضى إليه عسكراً من الموحدين فأفرج عنها‏.‏ ثم رجع بعد قفولهم إلى حاله وعثر على خطابه لقريبة ابن يونس وكتاب ابن يونس إليه بخطه فاعتقل هو وأولاده ثم قتل‏.‏ وفي هذه السنة استدعى مشيخة الخلط إلى الحضرة وقتلوا لما كان منهم في مهلك السعيد‏.‏ وفيها خرج أبو الحسن بن يعلو في معسكر من الموحدين إلى تامستا ليكشف أحوال العرب ومعه يعقوب بن جرمون وعهد إليه المرتضى بالقبض على يعقوب بن محمد بن قيطون شيخ بني جابر فتقبض عليه وعلى وزيره ابن مسلم وطير بهما إلى الحضرة معتقلين‏.‏ وفي سنة ثلاث وخمسين خرج المرتضى من مراكش لاسترجاع فاس ونواحيها من أيدي بني مرين المتغلبين عليها فوصل إلى بني بهلول وزحف إليه بنو مرين وأميرهم أبو يحيى فكانت الهزيمة على الموحدين بذلك الموضع‏.‏ ورجع المرتضى مفلولاً إلى مراكش ووادع بني مرين من بعد ذلك سائراً وفي سنة خمس وخمسين بعث المرتضى إلى السوس عسكراً من الموحدين لنظر أبي محمد بن أصناك فلقيهم علي بن يدر وهزمهم واستبد بأمره في السوس‏.‏ وفي هذه السنة استولى أبو يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وتقبض على واليها عبد الحق بن أصكو بمداخلة من خديم له يعرف بمحمد القطراني كان أبوه تاجراً في القطران بنواحي سلا فصرف عبد الحق ابنه محمد هذا في مهمة وقربه من بين أهل خدمته وحدثته نفسه بالثورة فاستمال عرب المعقل أولا بالمشاركة في حاجتهم عند مخدومه والإحسان إليهم حتى اشتملوا عليه‏.‏ ثم داخل أبا يحيى بن عبد الحق في تمكينه من البلد فجاء بجملته وقدم وفده إلى البلد رسلا في بعض الحديث فتقبض محمد القطراني على عبد الحق بن أصكو وأخرجه إلى أبي يحيى بن عبد الحق فقاده وسرحه إلى مراكش‏.‏ وكان القطراني شرط على أبي يحيى أن يكون والي سجلماسة فأمضى له شرطه وأنزل معه بها من رجالات بني مرين حتى إذا هلك أبو يحيى بن عبد الحق أخرجهم محمد القطراني واستبد بأمر سجلمانة وراجع دعوة المرتضى واعتذر إليه واشترط عليه الاستبداد فأمضى له شرطه إلا في الأحكام الشرعية‏.‏ وبعث أبا عمر بن حجاج قاضياً من الحضرة وبعض السادات للسكنى في القصبة وقائداً من النصارى بعسكر للحماية فعمل ابن حجاج الحيلة في قتل القطراني وتولاه قائد النصارى‏.‏ واستبد السيد بأمر سجلماسة بدعوة المرتضى واستفحل أمر بني مرين أثناء ذلك‏.‏ ونزل يعقوب بن عبد الحق بسائط تامستا فسرح إليهم المرتضى عسكر الموحدين لنظر يحيى بن وانودين فأجفلوا إلى وادي أم ربيع واتبعهم الموحدون فرجعوا إليهم وغدر بهم بنو جابر فانهزم الموحدون بأم الرجلين‏.‏ ولحق شيخ الخلط علي بن أبي علي ببني مرين وارتحلوا إلى أوطانهم‏.‏ وكان المرتضى قدم يعقوب بن جرمون على قبائل سفيان وكان يعقوب ابن أخيه كانون يناهضه في رياسة قومه وغص به فقتله‏.‏ وثار به أخواه مسعود وعلي بعد حين فقتلاه‏.‏ وولى المرتضى مكانه ابنه عبد الرحمن فاستوزر يوسف بن وارزك ويعقوب بن علوان‏.‏ وشغل بلذاته وتصدى لقطع السابلة ثم نكث الطاعة ولحق ببني مرين فولى مكانه عمه عبيد الله بن جرمون ويكنى بأبي زمام‏.‏ وعقد له المرتضى ثم أدال منه بأخيه مسعود لعجزه‏.‏ ووفد على المرتضى عواج بن هلال من أمراء الخلط نازعاً إلى طاعته ومفارقاً لبني مرين فأنزل مع أصحابه بمراكش وجاء على أثره عبد الرحمن بن يعقوب بن جرمون فتقبض على عواج ودفعه إلى علي بن أبي علي فقتله وكان تقبض معه على عبد الرحمن بن يعقوب ووزيريه فقتلوا جميعاً واستبد برياسة سفيان مسعود بن كانون وبرئاسة بني جابر إسماعيل بن يعقوب بن قيطون‏.‏ ونجي سنة ستين عند رجوع يحيى بن وانودين من واقعة أم الرجلين خرج عسكر من الموحدين إلى السوس لنظر محمد بن علي أزلماط‏.‏ ولقبه علي بن يدر فهزم جموعه وقتله وعقد المرتضى من بعده على حرب علي بن يدر للوزير أبي زيد بن بكيت وسرح معه‏.‏ عسكراً من الجند وكان فيهم دنلب من زعماء النصرانية فدارت الحرب بين الفريقين ولم يكن للموحدين فيها ظهور على كثرتهم وقوة جلدهم وحسن بلائهم قعد بهم عن ذلك تكاسل دنلب وخروجه عن طاعة الوزير‏.‏ وكتب بذلك للمرتضى فاستقدمه وأمر أبا زيد بن يحيى الكدميوي باعتراضه في طريقه وقتله‏.‏ وفي سنة اثنتين وستين أقبل يعقوب بن عبد الحق في جموع بني مرين فنازلوا مراكش واتصلت الحرب بينهم وبين الموحدين بظاهرها أياماً هلك فيها عبد الله أنعجوب بن يعقوب فبعث المرتضى إلى أبيه بالتعزية ولاطفه وضرب له أتاوة يبعث بها إليه في كل عام فرضي وارتحل عنهم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 06:37 AM

الخبر عن انتقاض أبي دبوس وتغلبه علي مراكش
ومهلك المرتضى وما كان في دولته من الأحداث لما ارتحل بنو مرين عن مراكش بعد مهلك أنعجوب فر من الحضرة قائد حروبه السيد أبو العلى الملقب بأبي دبوس بن السيد أبي عبد الله محمد بن السيد أبي حفص بن عبد المؤمن لسعاية تمكنت فيه عند المرتضى وصحبه ابن عمه السيد أبو موسى عمران بن عبد الله بن الخليفة فلحقا بمسعود بن كلداسن كبير هسكورة فأجاره‏.‏ ثم لحق بيعقوب بن عبد الحق بفاس صريخاً به على شأنه واشترط له المقاسمة في العمالة والذخيرة فأمده بالمال يقال خمسة آلاف دينار عشرية‏.‏ وأوعز إلى علي بن أبي علي الخلطي بمظاهرته وأعطاه الآلة‏.‏ ورجع إلى علي بن أبي علي الخلطي فأمد بقومه‏.‏ ثم سار إلى هسكورة ونزل على صاحبه مسعود بن كلداسن فأطاعه قبائل هسكورة وهزرجة‏.‏ وبعث إليه عزوز بن يبورك كبير صنهاجة في ناحية أزمور وكان منحرفاً عن طاعة المرتضى إلى جملة يعقوب بن عبد الحق ووفد عليه جماعة من السادة والموحدين والجند والنصارى‏.‏ وارتاب المرتضى بمسعود بن كانون شيخ سفيان وبإسماعيل بن قيطون شيخ بني جابر فتقبض عليهما واعتقلهما وصار الكثير من قومهما إلى أبي دبوس‏.‏ وقتل إسماعيل بن قيطون في معتقله فانتقض أخوه ثائراً ولحق بهم وحذر علوش بن كانون مثلها على أخيه فاتبعهم وزحف أبو العلى إلى مراكش‏.‏ ولما بلغ أغمات وجد بها الوزير أبا زيد بن بكيت في عسكر لحمايتها فناجزه الحرب فانهزم ابن بكيت وقتل عامة أصحابه‏.‏ وسار أبو دبوس إلى مراكش وأغار علوش بن كانون على باب الشريعة والناس في صلاة الجمعة وركز رمحه بمصراعه‏.‏ ودخلت سنة خمس وستين والمرتضى بمراكش غافل عن شأن أبي دبوس والأسوار خالية من الحراس والحامية فقصد أبو دبوس باب أغمات فتسور البلد من هنالك ودخلها على حين غفلة‏.‏ وقصد القصبة فدخلها من باب الطبول وفر المرتضى ومعه الوزيران أبو زيد بن يعلو الكومي وأبو موسى بن عزوز الهنتاتي فلحقوا بهنتاتة وألفوهم قد بعثوا بطاعتهم فرحل إلى كدميوة ومر في طريقه بعلي بن زكداز الوتكاسي كان نزع إليه عن قومه ولم يفد عليه بعد فنزل به المرتضى ورحل معه علي بمن معه إلى كدميوة وكان فيها وزيره أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الكريم فأراد النزول عليه فمنعه ابن سعد الله فسار إلى شفشاوة ووجد بها عدداً من الظهر فمنحها علي بن زكداز‏.‏ وكتب إلى ابن وانودين بمسكره من حاحة‏.‏ وإلى عطوش بمعسكره من ركراكة باللحاق به فأقلعا إلى الحضرة‏.‏ وخاطب أبو دبوس علي بن زكداز يرغبه في القدوم عليه فارتاب المرتضى لذلك ولحق بأزمور فتقبض عليها واليها ابن عطوش‏.‏ وكان أصهره واعتقله وطير الخبر إلى أبي دبوس فأمر وزيره السيد أبا موسى أن يكاتبه في كشف أماكن الذخيرة فأجابه بإنكار أن يكون ذخر شيئاً عندهم والحلف على ذلك‏.‏ وسألهم بالرحم فعطف أبو دبوس عليه وجنح إلى الإبقاء‏.‏ وبعث وزيره السيد أبا مسعود بن كانون في إزعاجه إليه‏.‏ ثم بدا له في استحيائه بإشارة بعض السادات فكتب خاله إلى السيد أبي موسى بقتله واستقل أبو دبوس بالأمر وتلقب الواثق بالله والمعتمد على الله‏.‏ واستوزر السيد موسى وأخاه السيد أبا زيد وبذل العطاء ونظر في الولايات ورفع المكوس عن الرعية وحدث بينه وبين مسعود بن كلداسن وحشة فارتحل إليه لإزالتها‏.‏ وقدم عبد العزيز بن عطوش سفيراً إليه في ذلك‏.‏ وبلغه أن يعقوب بن عبد الحق نزل تامستا فأوفد عليه حميدي بن مخلوف الهسكوري بهدية فقبلها وأكد بينهما العهد وانكفأ راجعاً إلى وطنه‏.‏ ورجع حميدي إلى الواثق ووافق وصول عبد العزيز بن عطوش بطاعة مسعود بن كلداسن فرجع أبو دبوس إلى مراكش بعد أن عقد لأبي موسى بن عزوز على بلاد حاحة‏.‏ وبلغه في طريقه عن عبد العزيز بن السعيد أنه حدث نفسه بالملك وإن ابن بكيت وابن كلداسن داخلوه في ذلك‏.‏ وساءل عن ذلك السيد أبا زيد بن السيد أبي عمران خليفته وأخبره بما سمع وأمره بالقبض عليه وقتله فأنفذ ذلك‏.‏ ثم ارتحل إلى السوس لتمهيده وحسم علل ابن يدر فيه‏.‏ وقدم يحيى بن وانودين لاستنفار قبائل السوس من كزولة ولمطة وكنفيسة وصناكة وغيرهم وسار يتقرى المنازل ويستنفر القبائل ومر بتارودنت فوجدها قفراً خلاء إلا قلائل من الدور بخارجها‏.‏ ونزل على حميدي صهر علي بن يدر وقريبه بحصن تيسخت على وادي السوس كان لصنهاجة فغلبهم عليه ابن يدر وملكه فنازله أبو دبوس وحاصره أياماً وهزم فيها جموعه وداخل حميدي علي بن زكداز في إفراج أبي دبوس على سبعين ألف دينار يؤديها إليه فأعجله الفتح عن ذلك ونجا بدمائه إلى بيته‏.‏ وطولب بالمال وبقي معتقلا عند ابن زكداز وامتنع ابن يدر بحصنه‏.‏ ثم أطاع ووصلت رسله بطاعته فانصرف الواثق إلى حضرته ودخلها سنة خمس وستين‏.‏ وبلغه الخبر بانتقاض يعقوب بن عبد الحق وأنه زاحف إلى‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فبعث بهديته إلى تلمسان صحبة أبي الحسن بن قطرال وابن أبي عثمان رسول يغمراسن وخرج بهم من مراكش ابن أبي مديون السكاسني دليلا‏.‏ وسلك بهم على القفر إلى سجلماسة وبها يحيى بن يعمراسن فبعثهم مع بعض المعقل إلى أبيه فألفوه بجهة مليانة فأقام أبو قطرال بتلمسان ينتظره‏.‏ وكان يعقوب بن عبد الحق لما بلغه ذلك نهض إلى مراكش بجيوش بني قرين وعسكر المغرب ونزل بضواحي مراكش وأطاعه أهل النواحي ونهض إليه أبو دبوس في عساكر الموحدين فاستجره يعقوب إلى وادي أغفو ثم ناجزه الحرب فاختل مصافه وغر عسكره وانهزم يريد مراكش والقوم في أتباعه فأدرك وقتل‏.‏ وبادر يعقوب بن عبد الحق فدخل مراكش في المحرم فاتح سنة ثمان وستين وفر بقية المشيخة من الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبوس وسموه المعتصم مدة خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض أمر بني عبد المؤمن والبقاء لله وحده‏.‏

الخبر عن هسكورة
وأما هسكورة وهم أكثر قبائل المصامدة وفيهم بطون كثيرة أوسعها بطن هسكورة‏.‏ وأما سواهم من بطون كنفيسة فأنفقتهم الدولة بما تولوا من مشايعتها وإبرام عقدتها فهلك رجالاتهم في إنفاقها سبل الأمم قبلهم في دولتهم‏.‏ وأما هسكورة فكان لهم بين الموحدين مكان واعتزاز بكثرتهم وغلبهم إلا أنهم كانوا أهل بدو ولم يخالطوهم في ترفهم ولا أنعموا في نعيمهم‏.‏ وكان جبلهم الذي أوطنوه من حالة دون القنة منها والذروة‏.‏ واعتصموا منه بالآفاق الغدد واليفاع الأشم والطود الشاهق قد لمس الأفلاك بيده ونظم النجوم في مفرقه وتلفع بالسحاب في مروطه وآوى الرياح العواصف الدجوة وألقى إلى خبر السماء بإذنه وأظل على البحر الأخضر بشماريخه واستدبر القفر من بلاد السوس بظهره وأقام سائر جبال درن في حجره‏.‏ ولما انقرض أمر الموحدين وتغلب بنو مرين على المصامدة أجمع وساموهم خطة الخسف في وضع الضرائب والمغارم عليهم فاستكانوا لعزهم وأعطوهم يد الطواعية واعتصم هسكورة هؤلاء بمعقلهم واعتزوا فيه بمنعتهم فلم يغمسوا في خدمتهم يداً ولا أعطوهم مقاداً ولا رفعوا بدعوتهم راية إنما هي منابذة لأمرهم وامتناع عليهم سائر الأيام‏.‏ فإذا زحفت الحشود وتمرست بهم العساكر دافعوهم بطاعة معروفة وأتاوة غير ملتزمة ورئيسهم مع ذلك يستخلص جبايتهم لنفسه ويدفعهم في المضايق لحمايته وربما تخطاهم إلى بعض قبائل الجبل ومن قاربه من أهل بسائط السوس يعسكر بذلك للرجل من قومه هكسورة وكنفيسة وبالحشد من العرب الموطنين بأرض السوس‏.‏ وسفيان وهم بطن الحارث ومن المعقل وهم بطن الشبانات وكان رئيسهم في ما ذكرنا - بعد انقراض عبد المؤمن بن يوسف وتحرير لسان الأعجمين - هو عبد الواحد وكان له في الاستبداد والصرامة ذكر‏.‏ وهلك سنة ثمانين وستمائة وكان منتحلاً للعلم واعية له جماعة لكتبه ودواوينه حافظاً لفروع الفقه‏.‏ يقال إن الأحاديث المدونة كانت من محفوظاته محباً في الفلسفة مطالعاً لكتبها حريصاً على نتائجها من علم الكيمياء والسيمياء والسحر والشعوذة مطلعاً على الشرائع القديمة والكتب المنزلة بكتب التوراة‏.‏ ويجالس أحبار اليهود حتى لقد اتهم في عقيدته ورمي بالرغبة عن دينه‏.‏ ثم ولي من بعده ابنه عبد الله وكان مقتفياً سنن أبيه في ذلك وخصوصاً في انتحال السحر والاستشراف إلى صنعة الكيمياء‏.‏ ولما فرغ السلطان أبو حسن من شأن أخيه عمر وسكن فتنة المغرب ودوخ أقطاره وحل معتصمه بالعساكر وأوطأ ساحاته لكتائب رجاله دون من يمده من أعراب السوس من ورائه بما كان من تغلبه على بلادهم واقتضائه بطاعتهم وإنزال عماله بالعساكر بينهم فلاذ منه عبد الله السكسيوي بطاعة معروفة رهن فيها ابنه واشترط للسلطان الهدية والضيافة فتقبل ولما كانت نكبة السلطان بالقيروان واضطراب المغرب فتنة وخلا جو البلاد المراكشية من المشايخ اجتمع رأي الملأ من المصامدة على النزول إلى مراكش وأحكموا عقد الاتفاق بينهم وأجمعوا تخريبها بما كانت داراً للإمرة ولمقام الكتائب المجمرة وزعم عبد الله السكسيوي هذا بإنفاذ ذلك فيها وضمن هو تخريب المساجد لتجافيهم عنها فكانت مذكورة على الأيام‏.‏ ثم انحل عزمهم وافترقت جماعتهم وكلمتهم بما كانت من استقامة الدولة بفاس واجتماع بني مرين على السلطان أبي عنان كما يذكر بعد فانحجر كل منهم بوجاره‏.‏ ولما فرغ أبو عنان من شأن أبيه واستولى على المغرب الأوسط وغلب عليه بنو عبد الواد‏.‏ ولحق أخوه أبو الفضل بن مطرح اغترابه في الأندلس بالطاعة يروم الإجازة إلى المغرب لطلب حقه فأركبه السفير إلى مراحل السوس فنزل به ولحق بعبد الله السكسيوي فأواه وظاهره على أمره‏.‏ فجرد أبو عنان العزائم إليهم وعقد لوزيره فارس بن ميمون بن وادرار على حربهم‏.‏ واستخرج جيوش المغرب وأناخ بساحته سنة أربع وخمسين واختط بسفح الجبل مدينة لحصاره سماها القاهرة‏.‏ وأخذت بمخنقه وزاحت بمناكبها أركان معقله حتى لاذت للسلم واشترط أن ينبذ العهد إلى أبي الفضل المصري عنده يذهب حيث يشاء فتقبل منه وعقد له سلماً على عادته وأفرج عنه‏.‏ وخرج على عبد الله السكسيوي لأيام السلطان أبي سالم ابنه محمد المعروف في لغتهم أيزم ومعناه الأسد فغلبه على أمره ولحق عبد الله بعامر بن الهنتاتي كبير المصامدة لعهده وعامل السلطان عليهم فاستجاش به ووعده عامر النصرة وأمهله عاماً ونصه حتى وفد على سلطان واستوهب في ذلك‏.‏ ثم أجمع على نصره من عدوه فجمع له الناس وخاطب أهل ولايته أن يكون معه يداً‏.‏ وزحف عبد الله حتى نزل بالقاهرة وأخذ بمخنق أبيه وأشياعه‏.‏ ثم داخله بعض بطانته ودله على بعض العورات اقتحم منها الجبل وثاروا بابنه أيزم فصاح به عبد الله وقومه‏.‏ وفر محمد أمامهم فأدرك بتلاسف من نواحي الجبل وقتل واسترجع عبد الله ملكه واستقلت قدمه إلى أن مكر به ابن عمه يحيى بن سليمان حين بلغ استبداد الوزير عمر بن عبد الله على سلطان المغرب واستبداد عامر بن محمد بولاية مراكش وثأر منه يحيى هذا بأبيه سليمان وهو عم عبد الله وكان قتله أيام إمارته الأولى‏.‏ وأقام مملكاً على سكسيوة إلى سنة خمس وسبعين فثار عليه أبو بكر بن عمر بن خرو فقتله بأخيه عبد الله واستقل بأمر سكسيوة ومن إليهم‏.‏ ثم خرج عليهم لأعوام من استقلاله ابن عم له من أهل بيته لم ينقل لي من تعريفه إلا أن اسمه عبد الرحمن لأن ثورته كانت بعد رحلتي الثانية من المغرب سنة ست وسبعين فأخبرني الثقة بأمره وأنه ظفر بأبي بكر بن عمر وقتله‏.‏ واستبد بأمر الجبل إلى هذا العهد فيما زعم وهو سنة تسع وسبعين‏.‏ ثم بلغني سنة ثمان وثمانين أن عبد الرحمن هذا ويعرف بأبي زيد بن مخلوف بن عمر آجليد قتله يحيى بن عبد الله بن عمر واستبد بأمر هذا الجبل وهو الآن مالكه وهو أخو أيزم بن عبد الله‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

بقية قبائل المصامدة
وأبا بقية قبائل المصادمة من سوى هؤلاء السبع مثل هيلانة وحاحة ودكاكة وغيرهم ممن أوطن هضاب الجبل أو ساحته فهم أمم لا تنحصر‏.‏ ودكالة منهم في ساحة الجبل من جانب الجوف مما يلي مراكش إلى البحر من جانب الغرب‏.‏ وهناك رباط آسفي المعروف ببني ماكر من بطونهم وبين الناس اختلاف في انتسابهم في المصامدة أو صنهاجة وتجاورهم من جانب الغرب في بسيط ينعطف ما بين ساحل البحر وجبل درن في بسيط هناك يفضي إلى السوس يعمره من حاحة هؤلاء خلق أكثرهم في خمر الشعراء من الشجر المعروف بأرجان يتحصنون بملتفها وأدواحها ويعتصرون الزيت لأدامهم من ثمارها‏.‏ وهو زيت شريف طيب اللون والرائحة والطعم يبعث منه العمال إلى في دار الملك في هداياهم فيطوفون به‏.‏ وبآخر مواطنهم مما يلي أرض السوس وفي القبلة عن جبل درن دنست وبها معظم هذه الشعراء ينزلها رؤساؤهم ورياستهم في بطن منهم يعرفون بمغراوة وكان شيخهم لعهد السلطان أبي عنان إبراهيم بن حسين بن حماد بن حسين وبعده ابنه محمد بن إبراهيم بن حسين وبعده ابن عمهم خالد بن عيسى بن حماد‏.‏ واستمرت رياسته عليهم إلى أعوام ست وسبعين وسبعمائة أيام استيلاء السلطان عبد الرحمن بن بطوسن على مراكش فقتله شيخ بني مرين علي بن عمر الورتاجي من بني ويغلان منهم وما أدري لمن صارت رياستهم من بعده وهم دكالة جميعاً أهل مغرم واسع وجباية موفورة فيما علمناه ولله الخلق والأمر وهو خير الوارثين‏.‏ كان الواثق جهز لحرب أحد أمراء المصامدة فكان وزيره داخله في ذلك السيد أبا زيد بن السيد أبي عمران خليفته وأخبره بما سمع وأمره بالقبض عليه وقتله فأنفذ ذلك‏.‏ ثم ارتحل إلى السوس لتمهيده وحسم هلال بن يدر فيه علله وقدم يحيى بن وانودين لاستنفار قبائل السوس من كزولة ولمطة وصناكة وغيرهم وسار يتعدى المنازل ويستنفر القبائل وهو بتارودنت فوجدها قفراً خلاء إلا قليلاً من الدور بخارجها‏.‏ ونزل على حميدين صهر علي بن يدر وقريبه بحصن تيسخت على وادي السوس كان لصنهاجة فغلبهم عليه ابن يدر وملكه فنازله أبو دبوس وحاصره أياماً وهزم فيها جموعه‏.‏ وداخل محمد بن علي بن زكدان في إفراج أبي دبوس على سبعين ألف دينار يؤديها إليه فأعجله الفتح من ذلك ونجا بدمائه إلى بيته وطولب بالمال وبقي معتقلاً عند ابن زكدان وامتنع علي بن يدر بحصنه ثم أطاع ووصلت رسله بطاعته فانصرف الواثق إلى حضرته ودخلها سنة خمس وستين وبلغه الخبر بانتقاض يعقوب بن عبد الحق وأنهى إليه فبعث بمرتبه إلى تلمسان صحبة أبي الحسن بن قطران وابن أبي عثمان رسول يغمراسن‏.‏ خرج إليهم من مراكش ابن أبي مديون الونكاسي دليلاً وسلك بهم على الثغر إلى سجلماسة وبها يحيى بن يغمراسن فبعثهم مع بعض المعقل إلى أبيه وألفوه بجهة مليانة فأقام ابن قطرال بتلمسان ينتظره‏.‏ وكان يعقوب بن عبد الحق لما بلغه ذلك نهض إلى مراكش بجيوش بني مرين ونزل بضواحي مراكش وأطاعه على النواحي ونهض إليه أبو دبوس بعساكر الموحدين فاستجرة يعقوب إلى وادي أعفر‏.‏ ثم ناجزه الحرب فاختل مصافه وفر عسكره وانهزم يريد مراكش والقوم في أتباعه فأدرك وقتل‏.‏ وبادر يعقوب بن عبد الحق فدخل مراكش في المحرم فاتح سنة ثمان وستين وفر بقية المشيخة من الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الحق أحد بني أبي دبوس وسموه متصم مدة من خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض مر بني عبد المؤمن والبقاء لله وحده‏.‏

بقايا قبائل الموحدين
الخبر عن بقايا قبائل الموحدين من المصامدة بجبال درن بعد انقراض دولتهم بمراكش وتصاريف أحوالهم لهذا العهد لما دعى المهدي إلى أمره في قومه من المصامدة بجبال درن وكان أصل دعوته نفي التجسيم الذي إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترك التآويل في المتشابه من الشريعة وصرح بتكفير من أبى ذلك أخذاً بمذهب التكفير بالمثال‏.‏ فسمى لذلك دعوته دعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين نعياً على الملثمين مثال مذاهبهم إلى اعتقاد الجسمية وخص بالمزية من دخل في دعوته قبل تمكنها وجعل علامة تمكنها فتح مراكش فكان إنما اختص بهذا اللقب أهل السابقة قبل ذلك الفتح‏.‏ وكان أهل تلك السابقة‏.‏ قبل فتح مراكش ثماني قبائل سبعة من المصامدة‏:‏ هرغة وهم قبيلة الإمام المهدي وهنتاتة وتينملل وهم الذين بايعوه مع هرغة على الإجارة والحماية وكنفيسة وهزرجة وكدميرة ووريكة‏.‏ وثمانية قبائل الموحدين‏:‏ كومية قبيلة عبد المؤمن كبير صحابته دخلوا في دعوته قبل الفتح فكانت لهم المزية بسابقة عبد المؤمن وسابقتهم فاختص هؤلاء القبائل بمزية هذه السابقة واسمها‏.‏ وقاموا بالأمر وحملوا سريره وأنفقوا في مذاهبه وممالكه في سائر الأقطار على نسبة قربهم من صاحب الأمر وبعدهم‏.‏ وبقي من بقي منهم بجبالهم ومعاقلهم بقية حتوف‏.‏ وجرت عليهم ذيل زناتة من بعد الملك أذيال الغلب والقهر حتى ألقوهم بالأتاوات وانتظموا في عداد الغارمين من الرعايا وصاروا يولون عليهم من زناتة ومن رجالاتهم أخرى وفي ذلك عبرة هرغة فأما هرغة وهم قبيل الإمام المهدي قد دثروا وتلاشوا وانتفقوا في القاصية من كل وجه لما كانوا أشد القوم بلاء في القيام بالدعوة وأصلاهم لنارها بقرابتهم من صاحبها وتعصبهم على أمره‏.‏ ولم يبق منهم إلا أخلاط وأوشاب أمرهم إلى غيرهم من رجالات المصامدة لا يملكون عليهم منه شيئاً‏.‏ تينملل وكذا تينملل إخوانهم في التعصب على دعوة المهدي والاشتمال عليه والقيام بأمره حتى تهيز إليهم وبنى داره ومسجده بينهم فكان حظهم من الفناء بمقدار حظهم من الاستيلاء وأبعدوا في ممالك الدولة وعمالاتها فانقرض رجالاتهم وملك غيرهم من المصامدة أمرهم عليهم وقبر الإمام بينهم لهذا العهد على حاله من التجلة والتعظيم وقراءة القرآن عليه أحتزاباً بالغدو والعشي وتعاهده بالزيارة وقيام الحجاب دون الزائرين من الغرباء لتسهيل الإذن واستشعار الأبهة وتقديم الصدقات بين أيدي زيارته على الرسم المعروف في احتفال الدولة وهم مصممون مع ذلك وكافة المصامدة أن الأمر سيعود وإن الدولة ستظهر على أهل المشرق والمغرب وتملأ الأرض كما وعدهم المهدي لا يشكون في ذلك ولا يستريبون فيه‏.‏ وأما هنتاتة وهم تلو القبيلتين في الأمر وكل من بعدهم فإنما جاء على أثرهم وتبعاً لهم بما كانوا عليه من الكثرة والبأس ومكان شيخهم أبي حفص عمر بن يحيى من صحابة الإمام والاعتزاز على المصامدة‏.‏ وكانت لهم بأفريقية دولة كما نذكره فأنفقت الدولتان منهم عوالم في سبيل الاستظهار بهم وبقي بموطنهم المعروف بهم من جبال درن وهو الجبل المتاخم لمراكش على توسط من الاستبداد والخضوع‏.‏ ولهم في قومهم مكان بامتناع معقلهم وإطلاله على مراكش‏.‏ ولما تغلب بنو مرين على المصامدة وقطعوا عنهم أسباب الدعوة كان لرؤسائهم أولاد يونس انحياش إليهم بما كانوا مسخوطين في آخر دولة بني عبد المؤمن فاختصوهم بالأثرة والمخالصة‏.‏ وكان علي بن محمد كبيرهم لعهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق خالصة له من بين قومه‏.‏ وهلك سنة سبع وسبعين على يد ابن الملياني الكاتب بكتاب لبس فيه وأنفذه عن السلطان لابنه أمير مراكش بقتل رهط من مشيخة المصامدة في اعتقاله كان منهم‏:‏ علي بن محمد فقام السلطان لها في ركائبه وندم على ما فرط من أمره في إفلات ابن الملياني على ما نذكره من أمر هذه الواقعة في أخبار السلطان يوسف بن يعقوب‏.‏ ولما ولي السلطان أبو سعيد وانقطع عن المصامدة ما كان لهم من أثر الملك والسلطان وانقادوا للدولة رجع بنو مرين إلى التولية عليهم من رجالاتهم وتداولوا بينهم في ذلك واختار السلطان بعد صدر من دولته موسى بن علي بن محمد للولاية على المصامدة وجبايتهم فعقد له وأنزله مراكش فاضطلع بهذه الولاية سنين رسخت فيها قدمه وأورثها أهل بيته وصار لهم بها في الدولة مكان انتظموا به في الولاية وترشحوا للوزارة‏.‏ ولما هلك موسى عقد السلطان من بعده لأخيه محمد وأجراه على سننه إلى أن هلك فاستعمل السلطان بنيه في وجوه خدمته وعقد لعامر منهم على قومه‏.‏ ولما ارتحل السلطان أبو الحسن إلى أفريقية صحبة عامر فيمن صحبه من أمراء المصامدة وكافة الوجوه حتى إذا كانت نكبة القيروان سنة تسع وأربعين وسبعمائة عقد له على الشرطة بتونس على رسم الموحدين من تنويه الخطة وسعة الرزق‏.‏ واستنام إليه فيها فكفاه مهمها‏.‏ ولما فصل من تونس ركب الكثير من حرمه وحظاياه السفن لنظر عامر هذا حتى إذا غرق الأسطول بالسلطان أبي الحسن بما أصابهم من عاصف الريح رمى الموج بالسفينة التي كانوا بها إلى المرية من ثغور الأندلس فأنزل بها كرائم السلطان لنظره وبعث عنهن ابنه أبو عنان المستبد على أبيه بملك المغرب فامتنع من إسلامهن إليه وفاء بأمانته في خدمتهم‏.‏ وخلص السلطان أبو الحسن بعد النكبة البحرية إلى الجزائر سنة خمسين وزحف إلى بني عبد الواد ففلوه ونهض إلى المغرب وسلك إليه القفر حتى نزل بسجلماسة فقصده أبو عنان فخرج عنها إلى مراكش وقام بدعوته المصامدة وعرب جشم فاحتشد ولقي ابنه أبا عنان بجهات أم ربيع فكانت الدبرة عليه ونجا إلى جبل هنتاتة‏.‏ وكان عبد العزيز بن محمد شيخاً عليهم منذ مغيب عامر وكان في جملته وخلص معه فأنزله عبد العزيز بداره وتدامر هو وقومه على إجارته والموت عونه فاعتصم بمعقلهم‏.‏ وجاء السلطان أبو عنان في كافة بني مرين إلى مراكش فخيم بظاهرها واحتشد لحصارهم أشهراً حتى هلك السلطان أبو الحسن كما نذكره بعد فحملوه على الأعواد ونزلوا على حكم أي عنان فكرمهم ورعى لهم وسيلة هذا الوفاء وعقد لعبد العزيز على إمارته واستقدم عامراً كبيره من مكانه بالمرية فقدم بمن لأمانته من حظايا السلطان وحرمه فلقاه السلطان مبرة وتكريماً وأناله من اعتنائه حظاً‏.‏ وتخلى له أخوه عبد العزيز عن الأمر فأقره نائباً‏.‏ ثم عقد السلطان لعامر سنة أربع وخمسين على سائر المصامدة واستعمله لجبايتهم فقام بها مضطلعاً وكفاه مهم الأعمال المراكشية حتى عرف عناءه فيها وشكر له كفايته‏.‏ وهلك السلطان أبو عنان واستبد على ابنه السعيد وزيره الحسن بن عمر الفودودي وكان ينفس عليه ما كان له من الترشيح للرتبة وبينهما في ذلك شحناء فخشي بادرته وخرج من مراكش إلى معقله في جبل هنتاتة وحمل معه ابن السلطان أبي عنان الملقب بالمعتمد‏.‏ وكان أبوه عقد له يافعاً قبيل وفاته على مراكش لنظر عامر فخلص به إلى الجبل حتى إذا استوت قدم السلطان أبي سالم في الأمر واستقل بملك المغرب سنة ستين‏.‏ وفد عليه عامر بن محمد مع رسله إليه وأوفد ابن أخيه محمد المعتمد فتقبل السلطان وفادته وشكر وفاءه وأقام ببابه مدة‏.‏ ثم عقد له على قومه ثم استنفره معه إلى تلمسان ولم يزل مقيماً ببابه إلى قبيل وفاته فأنفذه لمكان إمارته‏.‏ ولما هلك السلطان أبو سالم واستبد بالمغرب بعده عمر بن عبد الله بن علي على ما نذكره وكانت بينه وبين عامر بباب السلطان صداقة وملاطفة وصل يده بيده وأكد العهد معه على سد تلك الفرجة وعول عليه في حوط البلاد المراكشية وأن لا يؤتى من قبله وكان زعيماً بذلك وعقد له على الأعمال المراكشية وما إليها إلى وادي أم ربيع‏.‏ وفوض إليه أمر تلك الناحية واقتسما المغرب شق الأبلمة وخلص إليه الأعياص من ولد السلطان أبي سعيد أبو الفضل بن السلطان أبي سالم وعبد المؤمن بن السلطان أبي علي فاعتقل عبد المؤمن وأمكن أبا الفضل من إمارته على ما نذكر بعد‏.‏ وساءت الحال بينه وبين عمر ونهض إليه من فاس بجموع بني مرين وكافة العسكر واعتصم بجبلة وقومه واستبد على الأميرين عنده‏.‏ وحل عبد المؤمن من معتقله يجاجئ به بني مرين لما كانوا يؤملون من ولايته واستبداده لما أسفهم من حجر الوزراء لملوكهم‏.‏ فلما رأوا استبداد عامل عليه أعرضوا عنه وانعقد السلم بينه وبين عمر بن عبد الله على ما كان عليه من مقاسمته إياه في أعمال المغرب ورجع‏.‏ واستقل عامر بناحية مراكش وأعمالها حتى إذا هلك عمر بن عبد الله بيد عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن كما نذكره حدثت أبا الفضل ابن السلطان أبي سالم نفسه بالهتك بعامر بن محمد كما فتك عمه بعمر بن عبد الله‏.‏ ونذر بذلك فاحتمل كرائمه وصعد إلى داره بالجبل ففتك أبو الفضل بعبد المؤمن ابن عمه كان معتقلاً بمراكش‏.‏ واستحكمت لذلك السفرة بينه وبين عامر بن محمد‏.‏ وبعث إلى السلطان عبد العزيز فنهض من فاس في جموعه سنة تسع وستين‏.‏ وفر أبو الفضل فلحق بتادلا وتقبض عليه عمه السلطان عبد العزيز وقتله كما نذكر في أخباره‏.‏ وطلب عامراً في الوفادة فخشيه على نفسه واعتصم بمعقله فرجع إلى حضرته واستجمع عزائمه‏.‏ وعقد على مراكش وأعمالها لعلي بن أجانا من صنائع دولتهم وأوعز إليه بمنازلة عامر فدافعه عامر وقومه عن معتصمه وأوقع به وتقبض على طائفة من بني مرين وصنائع السلطان في المعركة أودعهم سجنه فحرك بها عزائم السلطان ونهض إليه في قومه من بني مرين وعساكر المغرب وأحاط به ونازله حولا كريتا‏.‏ ثم تغلب عليه سنة إحدى وسبعين وانفضت جموعه‏.‏ وتقبض عليه عند اقتحام فسيق أسيراً إلى السلطان فقيده وقفل به إلى الحضرة‏.‏ ولما قضى نسك الفطر من سنته أحضره ووبخه‏.‏ ثم أمر به فتل إلى مصرعه وامتحن جلداً بالسياط وضرباً بالمقارع حتى فاض عفى الله عنه‏.‏ وعقد السلطان على قومه لفارس ابن أخيه عبد العزيز كان نزع إليه بين يدي مهلك عمه وعفا عن ابنه أبي يحيى بسابقته إلى الطاعة قبيل اقتحام الجبل عليهم أشار عليه بذلك أبوه نظراً له فظفر من السلامة بحظ وأصاره السلطان في جملته‏.‏ ثم هلك بعد ذلك فارس بن عبد العزيز واضطرم المغرب فتنة بعد مهلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين‏.‏ وصارت أعمال مراكش في إيالة السلطان عبد الرحمن بن علي الملقب بأبي يفلوسن ابن السلطان أبي علي‏.‏ ونزع إليه أبو يحيى بن عامر فعقد له على قومه‏.‏ ثم اتهمه باحتجاز الأموال منذ عهد أبيه وشره إلى استصفائه ونفر به ابن عامر فلحق ببعض قبائل المصامدة جيرانهم بأطراف السوس ونزل عليهم‏.‏ وكان مهلكه فيهم أعوام ثمانين وسبعمائة والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

كدميوة
وأما كدميوة وكانوا تبعاً لهنتاتة وتينملل في الأمر وجبلهم لصق جبل هنتاتة‏.‏ وكان رؤساؤهم لعهد الموحدين بنو سعد الله‏.‏ ولفا تغلب بنو مرين على المصامدة ووضعوا عليهم الضرائب وامتنع يحيى بن سعد الله بعض الشيء بحصن تافركا وتيسخت من جبلهم وخالفه عبد الكريم بن عيسى وقومه إلى طاعة بني مرين واختلفت إليهم العساكر إلى أن هلك يحيى بن سعد الله سنة أربع وتسعين وستمائة وعساكر يوسف بن يعقوب مجهزة على حصاره فهدموا حصونه وأذلوا من قومه‏.‏ واستخلص السلطان يوسف بن يعقوب عبد الكريم بن عيسى منذ عهد أبيه فعقد له عليهم‏.‏ ثم تقبض على أمراء المصامدة واعتقله فيمن اعتقل منهم حتى إذا فعل ابن الملياني فعلته في استهلاكهم لعداوة عمه بتلبيس الكتاب على لسان السلطان لابنه على أمير مراكش فقتل عبد الكريم فيمن قتل منهم وقتل معه بنوه عيسى وعلي ومنصور وابن أخيه عبد العزيز بن محمد‏.‏ وامتعض السلطان لذلك وأفلت ابن الملياني من عسكره لحصار تلمسان فدخلها‏.‏ ثم قام بأمر كدميوة عبد الحق بن‏.‏ ‏.‏ من بيت بني سعد الله أيام السلطان أبي الحسن وابنه أبي عنان‏.‏ وكانت بينه وبين عامر بن محمد فتنة جرها لصق العمالة شأن المجتورين من القبائل وقديم العداوة بين السلف‏.‏ فلما استفحل أمر عامر بالولاية على مراكش وسائر المصامدة نبذ إلى عبد الحق العهد ونحلة الخلاف والمداخلة للسكسيوي شيخ الفتنة المستعصي منذ أول الدولة فصمد إليه سنة سبع وخمسين وسبعمائة في قومه ومسالح السلطان التي كانت بمراكش لنظره فافتتح عليه معقله عنوة وقتله‏.‏ واستولى على كدميوة ولحق بنو سعد الله بفاس وأقاموا بها حتى إذا خاض السلطان أبو سالم البحر إلى ملكة بعد أخيه أبي عنان ونزل بغمارة نزع إليه يوسف بن سعد الله واعتقد منه ذمة بسابقته تلك‏.‏ فلما استولى على البلد الجديد واستقل بسلطانه عقد له على قومه رعياً لوسيلته فأقام في ولايته مدة السلطان أبي سالم‏.‏ وكان عامل مراكش محمد بن أبي العلى من حاشية السلطان‏.‏ وبيوت الولاة بالمغرب معولا فيها على مظاهرته‏.‏ ولما هلك السلطان أبو سالم واستبد عمر بن عبد الله على الملوك بعده بادر لحين ثورته بالعقد لعامر على أعمال مراكش ليستظهر به وطير إليه الكتاب بذلك فنزل إلى مراكش وقتل بها يوسف بن سعد الله ونكب بأبي العلى ثم قتله وألحقه بأبي عبد الحق‏.‏ وذهبت الرئاسة من كدميوة برهة من الدهر ثم رجعت إليهم في بني سعد الله والله قادر على ما يشاء وبيده تصاريف الأمور‏.‏


الساعة الآن 02:04 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى