منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   قصص بأقلام الأعضاء (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=6)
-   -   من أسرار الأرامل (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=15018)

عمرالقروي 8 - 4 - 2011 12:10 AM

من أسرار الأرامل
 




هنالك على مد البصر حيث تلتقي الأرض بالسماء...أفق ضيق يحاصره الضباب من كل جانب،ووراء تلك الخيوط التي شكلها الضباب لطخات طينية متفاوتة البعد انتشرت في مساحة ضيقة على نحو غير منتظم،يفترض أن تكون

أغناما ترعى وخلفها الراعي.

وفي الجانب الأقرب مني يسارا وعلى بعد ميل هضبة ممتدة بلا نهاية انتصب على سفحها من جهة الخلف شجر شامخ متطاول بنفسه نحو السماء، وتحته مباشرة من نفس الجهة خط أفقي قصير محدود الجانبين بخطين مائلين نحو الأسفل ذكرني بالقطعة المستقيمة التي درسناها أيام الابتدائي، كما ذكرتني ببيت الأم مريم تماما،وبين يدي هذه الصورة أقف مشدودا ومن على قطار الزمن الذي لايتوقف أحاول أن أستجمع أشتات الذكريات..ولكن عبثا أحاول لأن ما أتذكره لايعدوا الا جزءا من الذي نسيته.

أما ما أتذكره من فرح أوترح فيبدوا وكأنه حدث البارحة فقط، فما أشبه اليوم بالبارحة...!

أتذكر وكيف بي أن لاأتذكر أحداثا من الصبا ظلت عالقة بخلدي رغم مر السنين

كنت اذ ذاك شابا لم أتجاوز العاشرة من عمري، أعيش بقرية صغيرة أقل ما يقال عنها أكواخ والتي أصبحت فيما بعد تعرف بالبساتين،ولما كانت الفلاحة بها متواثة أبا عن جد فقد كنت أكثرهم ميلا الى خدمتها واعطائها النصيب الأوفر من وقتي.

وحدث ذات يوم من أيام الشتاء الماطرة أني عدت الى البيت صباحا بعد أن تفقدت الماشية وأحواض الحقل،كان عهدي بالأم مريم أني أراها كل صباح تتفقد دجاجها في الخم وأرانبها وهذه هي عادتها وعادة المسنات من أمثالها في قريتنا.

على أني كنت أحب هذه الأم وأكن لها تقديرا كبيرا جعلاني أسعى دائما لمساعدتها في أعمالها أخص التي لاتطيقها كما أنها كانت هي الأخرى تبادلني نفس الشعور.

عدت بسرعة خشية المطر وجلست على مقعد خشبي متهاد كان قد وضع بالقرب من النافذة وبدا لى أن الأمطار قد زادت غزارة، فبلاشك أنها ستفسد ساحة الدار وستجبرني على البقاء في البيت طيلة النهار.

لمحت حينها امرأة ملفعة برداء أسود،سرعان ماانحرفت صوب الباب الخلفي..

خرجت من دار الضيوف لأستطلع الأمر من جهة الحوش ، كان على ما يبدوا ثمة حديث دار بينها وبين والدتي،ثم أغفلت والدتي راجعة الى غرفتها فلم أتبين من الأمر شيئا.

دخلت على الوالدة وسألتها:

ما الأمر؟

-جارتنا توفيت(أعني الأم مريم)

لشد ماكانت الصدمة قوية علي حين سمعت موتها، انكببت على وجهي وبكيت.

بكيت لأن ماأعرفه عنها من مآسي آلمني جدا ولك أن تصدق.

كانت الأم مريم هذه فتاة تعرفها أمي جيدا كما تعرف نفسها بحكم القرابة التي تربطها بها.

ومما اطلعت عليه من الولدة أنها كانت من أسرة فقيرة تسكن بمنأى عن تلك الأكواخ المتناثرة تشتغل الرعي وتهوى الترحال الى حيث وجد الكلأ.

وفي صائفة على ماتذكر الوالدةأنه تقدم اليها شاب من قريتنا لم تكن تعرف عنه شيئا قبلوا به دون شرط وهذه هي عادة أجدادنا المهم أن تتستر المرأة بزوج، بعدئذ تمت الترتيبات وزفت العروس و في الأسبوع الثاني وفيما كانت العروس غارقة في أحلى أيامها كان القدر يرتب لها مالم تكن تعلم، ولست أدري ان كان ماتعلمه كثيرا أو قليلا ان لم تكن تفاهات...الشيء الذي تعرفه تماما أن زوجها كان ولايزال يبحث عن عمل وهذا ما تظنه.

كانت لاتحب التدخل في شؤونه -وهذاطبعها - ولاتعر أدنى اهتمام للأشخاص الذين يترددون عليه بين الحين والآخر.

وفي احدى المرات طلب منها زوجها اعداد الطعام ولم يكن ماتقدمه بالقدر الكافي لثمانية أفواه، صاحت فيه قائلة:

ألاترى أن أصحابك كثر هذه الأيام...وأنا أحوالنا سيئة للغاية..!؟

تنهدت ثم أردفت قائلة :أنت الذي أتيت بهم وعليك وحدك اطعامهم وان دام الحال لسوف..قاطعها زوجها بشيء من الغلظة كفى...كفى...!

أنت تهرفين..ماذا تريديني أن أصنع؟

أأطردهم من بيتي...!؟

مرت سحابة الغضب تلك على مضض كما ولى الليل مسرعا ولحق الأجل المضروب،كان الزوج آنئذ يتقلب في فراشه تارة ويستمع لأنفاس زوجته تارة أخرى،كان يقول في في نفسه..سلاما يازوجتي..!

لسوف يأتي الدفء كدفء الربيع وسأعود اليك محملا بالورود.

فك نفسه من هذا الشرود ونهض ببطء ثم عالج الباب حتى لايحدث صريرا وانسل الى حيث لايعلم أحد

ومع صياح الديك كانت لزوجة قد أفاقت فتلمست بعفوية تامة كما اعتادت تفعل فلم تجده ، لم يساورها ادنى شك وتماهلت عودته زمنا طويلا ثم قالت :

لا شك أن أمرا شده لسوف أرى، تركت مكانها وخرجت تبحث عنه في الحوش ثم في الزريبة فلم تجده، تملكها الخوف ولم تدرما تفعل..وضعت شالها على كتفيها وخرجت تبحث عنه في كل مكان فلم تعثر عليه أبدا.

ولكم حاول أهل القرية بعد ذلك أن يعثروا عليه في الوهاد والشعاب ولكن عبثا يحاولون لأن صاحبنا كان قد اتصل بالمجاهدين في الجبل.

ولما كانت الأمور تسير على هذا النحو آثرت أن تعود الى أسرتها تاركة وراءها بيتا مغلقا أملها أن تعود اليه ان كان في العمر بقية.

وفيما روت الولدة عما حصل بعد ذلك أن زوجها صار يتردد عليهم باستمرار لأغراض متعلقة بالحرب الدائرة.

وفي أحد أيام الخريف وقع في أذن الجندرمة الفرنسية نبأ وجوده بالقرية فحاصروها وقبض عليه ثم قتل على مرأى من الناس ولم يكن في مقدور أحد أن يفعل شيئا وتأجل موعد اللقاء.
عمر القروي


شيماء يوسف 8 - 4 - 2011 12:21 AM

أعجبني ما كتبت
وتسلسل الاحداث جميل دون ملل
سلمت يداك اخي

قلب., 8 - 4 - 2011 12:35 AM

عمر القروي
اسلوب جميل جدا وقصة تتكرر احداثها بكل قرية ولكن وصفك وتسللك شدني اليه
قلم لاائع وقصصي بارع انت
تحياتي وبانتظار المزيد من قصصك الجميلة

تراتيل المطر 8 - 4 - 2011 12:47 AM

قصة جميلة ابهرتني تفاصيلها
سلمت يداك عمر القروي
بانتظار اسرار جديدة

shreeata 8 - 4 - 2011 12:52 AM

قصة جميلة ورائعة
سلمت يداك اخ عمر
تحيات لك


أرب جمـال 8 - 4 - 2011 01:45 AM

هذا هو قلم عمر الذي اعرفه ..

سرد جميل لوقائع ادخلتني غصبا في هذا الجو الريفي الجميل فعشت مع الطفل مطرا حتتى أحسست بقشعريرة ..
شاهدت الدجاج والأرانب والخم وشاهدت الأم مريم ..
ما اجمل سردك ووصفك واسلوبك المشوق
بانتظار ابداعك ..
وعدتني يوما بأحد ردودك بانك ستكتب .. وهذا بداية الغيث

تحيتي وتقديري لك

الآماكن 8 - 4 - 2011 01:47 AM

مشكور اخي عمر على القصة الرائعه
لا عدمنا قلمك وتميزك
بانتظار جديدك

نصير عبد الرحمان 8 - 4 - 2011 02:04 AM

قصة تنضح جمالا ترسم لوحة فنية من تاريخ المرأة الجزائرية
وما عانته
جميل سردك القصصي
رأيت هنا لقطة من لقطات لاتعد ولا تحصى تحكي الجهاد الجزائري!
شكرا أخي

hakimnexen 8 - 4 - 2011 12:43 PM

سرد جميل لوقائع جميل من زمن اجمل
سردك ووصفك واسلوبك المشوق
ينمو من عاطفة جياشة
بانتظار ابداعك ..

رائع منك عمر

حنان عرفه 10 - 4 - 2011 09:21 AM

أبحرت في الحكاية ، وجدتني بين الأحداث

أراقب تلك المرأة وما فعله بها الزمان

كنت حاضرة مشهد القبض عليه وانتفض قلبي

خوفا عليه ونزفت دما حزنا عليها عندما وأدوا اللقاء

****************************************
عزيزي عمر تأخذنا بالحكاية لنعيش فيها
لحرفك دوما مذاقا خاصا
دمت بكل ود
وشكرا بحجم الكون

الآماكن 10 - 4 - 2011 10:11 PM

قصة رائعه اخي الفاضل عمر واحداث وذكريات لا تغيب عن ذاكرة طفل وان شاب
تحياتي وودي لك
بانتظار جديدك

زمان الصمت 12 - 4 - 2011 03:35 PM

مشكور يا عمر على هذه الرائعه
قصة جميلة
يعطيك العافية على السرد وسلم قلمك

شيرين 14 - 4 - 2011 12:57 AM

كم انت رائع يا عمر
نسجت قصة بانفاس رائعه وحنين الى ذكريات تحاكي الم ولكنها اكثر من رائعه
يسلمو الايادي

ملك القلوب 16 - 4 - 2011 01:04 AM

نَثَرْتَ فـ أذهَلتنآ بـ عذْب ِ بَوحِكْ عمر,
و قصة رائعة ك كـ هذِة ِ هِيَ مَنْ تُعَرِّفُ بـِ نَفْسِهآ وتعرفنا برقي اسلوبك,
حقِيقَةً أَجِدُ عِبَآرآتِ الثَّنآء أمَآمَ فآخِرَتَكَ قَد إنْحَنَتْ .~ْ
فَـ لِلّهِ دَركْ . ( طِبتَ كَمآ شِئْتْ )

عاشقة الوطن 17 - 4 - 2011 12:37 PM

قصة جميلة هدف أجمل أسلوب ممتع مشوقة سعدت بتواجدي في هذه الصفحة.
شكرا لك.

اشراقة شمس 19 - 4 - 2011 01:25 AM

سردك الجميل لواقع المرأة اثار بي الفضول لأقرأ المزيد من قصصك لاحقا
فحروفك لا تُمل والحبكة القصصية قوية
كن بخير عمر القروي

همسه 19 - 4 - 2011 02:03 AM

قصة تحمل رقة الاحاسيس والمشاعر والذكريات الجميلة والحزينة....

وتحمل نبض الشعور النبيل ...


فسلمت وسلم بوح قلبك الندي عمر القروي
راقني ما قرأت ها هنا .....

ننتظر جديدك بكل الشوق والود ،،

تقبل مروري المتواضع

روح الياسمين 4 - 6 - 2011 01:48 PM

لوحة ولا اجمل في سرد قصصي رائع
مذهل انت يا عمر القروي في الكتابة القصصية
سلمت الايادي

ناجي أبوشعيب 19 - 11 - 2011 02:19 PM

جميل ما أتيت به هنا
أسلوب مشوّق

ابو فداء 22 - 11 - 2011 03:05 AM

سافرت بنا بعيداً عن المدن ودوشتها
أعدتنا للماضي الذي نسمع به من خلال الأجداد
دمت أخ


الساعة الآن 01:18 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى