منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   منذ سمعت بالعبارة السديدة القائلة: الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً، بدأت الاعتناء بخطي. (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16415)

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:13 PM

منذ سمعت بالعبارة السديدة القائلة: الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً، بدأت الاعتناء بخطي.
 
منذ سمعت بالعبارة السديدة القائلة: الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً، بدأت الاعتناء بخطي. وعندما باشرت العمل في الصحافة عام 1973 كانت مادتي هي المفضلة لدى عمال المطبعة لأنها مكتوبة بوضوح وأناقة، وكنتُ فخوراً بذلك بالطبع. وبعد مرور السنين واكتشاف هذا الساحر، الذي أسمه الكومبيوتر، تساوت القرعة وأم الشَعر، كما يقال، إذ لم يعد لصاحب الخط الجميل أي امتياز على الآخرين من زملائه، بما في ذلك أصحاب الخطوط الرديئة! فقد أصبح هذا الجهاز العجيب هو صاحب الإمتياز والفضل على الجميع. ثم دارت الأيام دورة أخرى وإذ بيّ أمام مقترح آخر، فبعدما كنتُ أقص من الصحف والمجلات ما أنشر من مواد كي احتفظ بها في أرشيف يدوي فقير، راح الكومبيوتر يتبنى هذه المهمة نيابة عني بكل سرعة ورشاقة وأناقة، فيحفظها لي في ملفات ومجلدات لا تحتاج غير كبسة زر أو ضغطة ناعمة على الماوس حتى أعود إليها، لتصفحها أوطبعها أو لأبعث بها إلى آخر الدنيا.

وها أنذا اليوم، بمعونة من أصدقاء لهم أنامل من ذهب، أستكمل أدواتي في هذا الميدان فأضع بعض ما أنجزت من شعر ومقالات ودراسات تحت تصرف الجميع، من سوق ساروجة بدمشق، مروراً بمدينة الثورة في بغداد وانتهاء بهونولولو وحتى جزر الواق واق، إذا كانت هذه الأخيرة على خارطة الكرة الأرضية، حقاً.وأنا شاكر من الأعماق لهذا الإبداع الإنساني ولأولئك الأصدقاء ولأي زائر لهذا الموقع.
بقي أن أقول أن سيرتي الذاتية أو الشخصية، سيرة متواضعة وبسيطة بدأت في العام 1952 حيث ولدت في "العاصمة" ( منطقة الصرائف خلف السدة الشرقية ببغداد، وهي تكنى بـ العاصمة، نكاية ببغداد!) لعائلة فقيرة كانت هاجرت من أهوار محافظة العمارة في الثلث الأول من القرن العشرين، ولا تزال (أقصد السيرة) ماضية الى حتفها!
بين تاريخ الولادة ومطلع العام الحالي 2004 حيث أسجل هذه الكلمات، درست حتى الثانوية وفصُلت لأسباب سياسية وأشتغلت بمختلف المهن والكارات. إعتقلت ثلاث مرات في مديرية الأمن العامة وأمن بغداد، لمدد تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر.
بدأت العمل في الصحافة في العام 73 بجريدة "طريق الشعب" الشيوعية وأصدرت مجموعتي الشعرية الأولى ( ساعة ويذبل الزيتون) في بغداد العام 76 وبعد أشتداد الحملة القمعية في تلك السنوات هربت من العراق، فعملت في الصحافة اليمنية (اليمن الديمقراطي) ثم في الصحافة الفلسطينية في بيروت ودمشق، ثم في الصحافة العراقية المعارضة.
أصدرت خلال هذه السنوات مجموعتين شعريتين هما (ملّيت/ 1992 ) و(عطر الغايب/ 2000 ) ورواية ( مسار السنونو/ 2003 ) ونشرت العديد من الدراسات والمقالات السياسية والثقافية ومجموعة من القصص القصيرة، وسوى ذلك من النشاطات الإبداعية.
متزوج ولدي: (زينه) مواليد 1976 طبيبة أسنان و(كنان) 1982 يعمل في مجال الإضاءة التلفزيونية.
أعيش منذ العام 1980 في سوريا وأسكن حالياً في محافظة اللاذقية / ضيعة عين البيضا.
أسمي الكامل:
منذ سمعت بالعبارة السديدة القائلة: الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً، بدأت الاعتناء بخطي. وعندما باشرت العمل في الصحافة عام 1973 كانت مادتي هي المفضلة لدى عمال المطبعة لأنها مكتوبة بوضوح وأناقة، وكنتُ فخوراً بذلك بالطبع. وبعد مرور السنين واكتشاف هذا الساحر، الذي أسمه الكومبيوتر، تساوت القرعة وأم الشَعر، كما يقال، إذ لم يعد لصاحب الخط الجميل أي امتياز على الآخرين من زملائه، بما في ذلك أصحاب الخطوط الرديئة! فقد أصبح هذا الجهاز العجيب هو صاحب الإمتياز والفضل على الجميع. ثم دارت الأيام دورة أخرى وإذ بيّ أمام مقترح آخر، فبعدما كنتُ أقص من الصحف والمجلات ما أنشر من مواد كي احتفظ بها في أرشيف يدوي فقير، راح الكومبيوتر يتبنى هذه المهمة نيابة عني بكل سرعة ورشاقة وأناقة، فيحفظها لي في ملفات ومجلدات لا تحتاج غير كبسة زر أو ضغطة ناعمة على الماوس حتى أعود إليها، لتصفحها أوطبعها أو لأبعث بها إلى آخر الدنيا.

وها أنذا اليوم، بمعونة من أصدقاء لهم أنامل من ذهب، أستكمل أدواتي في هذا الميدان فأضع بعض ما أنجزت من شعر ومقالات ودراسات تحت تصرف الجميع، من سوق ساروجة بدمشق، مروراً بمدينة الثورة في بغداد وانتهاء بهونولولو وحتى جزر الواق واق، إذا كانت هذه الأخيرة على خارطة الكرة الأرضية، حقاً.وأنا شاكر من الأعماق لهذا الإبداع الإنساني ولأولئك الأصدقاء ولأي زائر لهذا الموقع.
بقي أن أقول أن سيرتي الذاتية أو الشخصية، سيرة متواضعة وبسيطة بدأت في العام 1952 حيث ولدت في "العاصمة" ( منطقة الصرائف خلف السدة الشرقية ببغداد، وهي تكنى بـ العاصمة، نكاية ببغداد!) لعائلة فقيرة كانت هاجرت من أهوار محافظة العمارة في الثلث الأول من القرن العشرين، ولا تزال (أقصد السيرة) ماضية الى حتفها!
بين تاريخ الولادة ومطلع العام الحالي 2004 حيث أسجل هذه الكلمات، درست حتى الثانوية وفصُلت لأسباب سياسية وأشتغلت بمختلف المهن والكارات. إعتقلت ثلاث مرات في مديرية الأمن العامة وأمن بغداد، لمدد تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر.
بدأت العمل في الصحافة في العام 73 بجريدة "طريق الشعب" الشيوعية وأصدرت مجموعتي الشعرية الأولى ( ساعة ويذبل الزيتون) في بغداد العام 76 وبعد أشتداد الحملة القمعية في تلك السنوات هربت من العراق، فعملت في الصحافة اليمنية (اليمن الديمقراطي) ثم في الصحافة الفلسطينية في بيروت ودمشق، ثم في الصحافة العراقية المعارضة.
أصدرت خلال هذه السنوات مجموعتين شعريتين هما (ملّيت/ 1992 ) و(عطر الغايب/ 2000 ) ورواية ( مسار السنونو/ 2003 ) ونشرت العديد من الدراسات والمقالات السياسية والثقافية ومجموعة من القصص القصيرة، وسوى ذلك من النشاطات الإبداعية.
متزوج ولدي: (زينه) مواليد 1976 طبيبة أسنان و(كنان) 1982 يعمل في مجال الإضاءة التلفزيونية.
أعيش منذ العام 1980 في سوريا وأسكن حالياً في محافظة اللاذقية / ضيعة عين البيضا.
أسمي الكامل: جمعة إبراهيم كاظم الحلفي.

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:20 PM

بساتين الورد
  • من يا نبع مرتوي؟
    من يا غصن تفاح جْبتْ ألوان لخدودك
    من يامجره نزلت
    من ياسما ويا گَاع لميت الْهوُه لْعودك
    وك أنا مجبور..
    أنا مجبور بعيونك
    خليني لْبساتين الورد ناطور
    مَحّدْ يوصل حدودك.
    1989


غصن التين
  • يا مايْ ليوصلنّي لْبساتينك؟
    يا نسمة؟
    يا نهر الْيدلّيني يغصن تينك؟
    وك تِعَبْتْ وتعبتني وياك
    وديت العمر.. كل العمر خطار
    بلچن ترحم سنينك
    تداويني؟
    شتداويني وانا مبضّع على طولي بسچاچينك
    حسافة على الزمان الفات وياك
    وحسافة عليك، فرّطت العشگ ع الرايح وع الجاي
    بس وياي ما عدلت ميازينك
    روح بلا عتب ما تسوه حتى عتاب
    إلي ديني وألك دينك.
    دمشق 1989
http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

نوم الحمام
  • مثل نوم الحمام ينام
    يسكر بأول الكاسات
    ويتثاوب غنج من أول الگرصات
    وآنه...
    آنه اصبر صبر هايم
    ياشباچ روحي..
    يا هواها وليلها وقنديلهه الدايم
    چانه شظل إلي من النوم
    وانتَه النوم كله وياك نايم؟
    دمشق 1991

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:22 PM

حالة عامة
  • لبس حزنه.. وتيمم بالشهاده وفارگ البيت
    تتبعه أمه بصلاة لعتبة الباب
    تلفّت بالدرب وتحاشى العيون
    ولم بعضه على بعضه وغاب
    يبني...
    يبني عله المحن صبر اليحبون
    يگاوون الجرح عن لا يزلون.
    نزع حزنه.. وتيمم بالمحبة وفارگ الروح
    وتذكر طيبة أمه وأهله والناس
    وزهى بطبعه وصداقاته وصبر زاد
    وقره تاريخ همه يشيب الراس
    وقره حزنه على كل حيطان بغداد
    يبني..
    يبني الناس بيها الزين والشين
    بيهم يشتري بدمه الصداقات
    وبيهم يشتري بدمك نياشين.

    نزع گلبه.. وتيمم بالصداقة وشرع العين
    وابحر بالحلم يتمرى الأيام
    ولگه بحلمه محبة الناس سچين
    الوفي تحده وتگص البلوفه يلين
    ولگه بحلمه الوطن لو عزت العين
    تمطر له السما ويخضر بساتين
    وتخضر له الخلايا بطارف الچف
    وتطگ دجله وترويله الشرايين
    يبني..
    يبني الما يشد الناس ع الحيل
    يگل ثگله ويخف بأول السيل!
    بغداد 1979
http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

حاير
  • حاير...
    دايره الدنيا
    وانه ويَّ الدنيا داير
    مبحر.. ومدري لوين يريد بيه الموج
    دوختني الدواير..
    شايل شراعي مثل راية حزن
    مركب بنص بحر ضايع
    شايل شراعي وشواطيك بعيده
    ولاني رايح لاني راجع
    ضيعتني.. وضاعت سنيني غُلب
    ولانه گادر اشتريك ولانه بايع!
    ذابله أيامي مثل نخله وحيده على الشرايع
    واگف بآخر سنين العمر
    ناطر لاچن ماني ناطر
    ليلي طال وحزني يتناسل حزن
    أبچي... تنزل دموعي خناجر
    ومن كثر حزني غدت روحي مگابر.
    دمشق 1992

http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى
مليت
  • راوست الثگل مرات
    وعدلت الثگل مرات
    داريت الحزن مرات
    وخاويت الجرح مرات
    باريت الزعل مرات
    وجاريت الچذب مرات
    وساهرت الليالي البيض وتعديت
    وعديت الليالي السود وتعديت
    لچن مليت...مليت

    عاونتك على الكلفات مرات
    وضگت كاسات من فرگاك مرات
    وعفت لجلك هلي مرات.. مرات
    وشفت منك مصايب ماسدن يا... طيب الذات
    وعلى دربك رحت للموت ومن الموت رديت
    ولجل عينك أنذال الناس باريت
    لچن مليت... مليت

    من ثگل الدمع بالعين.. مليت
    ومن ثگل الحزن بالروح.. مليت
    ومن ثگل الذنب بالراس.. مليت
    أيام عديت الك
    وسنين عديت الك
    وزلات عديت الك
    وحطيتك ابروحي
    يمزيد جروحي
    يا... شمعة البيت
    مليت... مليت

    وديني لهلي ياطيف
    وصلني لهلي ياطيف
    گربني لهلي ياطيف
    هلي...
    ياهلي... ياضيفي العزيزالماوراه ضيف
    يا نسمه عليله بأول الصيف
    يا ليلي الحزين الفارگ الكيف
    يا لحظة حياة بطارف السيف
    هلي..
    ياهلي.. هلُو يالبعيدين
    يا ناسينّا
    وچنكم ولا ناسين
    يمتانينّا ولا چنكم متانين
    ياطعم العشگ ياريحة الطين
    يا نفحة وطن محروگ يا بيت
    أنا مليت...
    مليت..
    مليت..
    مليت
    دمشق 1986
http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

عبود
  • طويله أيامنا.. كلّش طويله
    وحزينه أيامنا.. كلّش حزينه
    غبره أيامنا المرّت يعبود
    وغبره أيامنا اللتمر يعبود
    ومدري شضاملك دهرك يعبود؟
    من ربك خلق آدم..
    خلق بغداد عالصوبين
    نخيل يطاول نجوم السما
    ونجمات من تنزل تكحل العين
    ونهر مغرور..
    چانت دجله مثل العيد
    تجري بوسط لبساتين
    ومن فوگ الجسر...
    چانت تشوف الناس كل بغداد:
    ضويات ومناير، والهوه عذيبي وعرس،
    عرس مجنون.
    وأحنه...
    أحنه هـ... ن..ا..ك
    خلف السده مطمورين
    كومه من الصرايف والبشر والطين
    مهمومين چنه من العطش والجوع
    بشر... لچن بشر من غير نوع
    ما شفنه الطفولة بعينه، مرت..
    مثل كسرة ثلج وتموع!
    چنه زغار...
    چنه زغار ياعبود
    چنه زغار.. نفرح من يجي العيد
    لچن يا عيد مر وما نزفنه دموع؟
    مسموح الفرح.. مسموح يا عبود
    مسموح الفرح بالغنى
    لچن بالفقر ممنوع
    چنه زغار...
    چنه زغار يا عبود
    چنه زغار حفاي بدرابين الصرايف دايرين
    حفاي بدرابين الزمن...
    حفاي منسيين
    نسأل عاليجي والراح
    نتحسر على الخبزه
    ونسمع سمع بالتفاح!
    وك چنه زغار ياعبود... چنه زغار
    وهـ...ن...ا...ك بكواليس الحكومة
    تبيع بينه وتشتري التجار
    بدو ويهود وإقطاع وضواري من دول كبرى
    تنهب واحنه منهوبين
    وك تجار چانت تحكم الأوطان
    وكلشي مسعّر ومختوم:
    الضماير والعقول، الدين والتاريخ،
    البشر والشعر والأحزان.
    كلشي مسعّر ومختوم
    وچان ارخص سعّر بالقايمه... الإنسان!
    وك كلشي مسعّر ومختوم يا عبود
    توكف بالمزاد وتشتري شتريد:
    نقابات وبرامج وانتخابات،
    عمال وفلح وأحزاب ثورية..
    من آخر طراز وكل الألوان
    كلشي مسعّر ومختوم
    وكلشي تشتري لوردت...
    مثل ما تشتري الدخان!
    وغفله...
    غفله من الحچي
    وغفله من البچي
    وغفله من القهر والجوع والحرمان
    كبرنا وكبرت الأيام
    ورجع بينه الزمان أردود يا عبود
    رجع بينه الزمان لأول الميعاد
    ومثل ما زاد فقرك... حزنك ازداد
    صحيح أتغيرت بغداد..
    لچن متغير الحكام
    ومثل ما راح نوري جالها صدام
    ولك عـ..بـ..و..د.. يا عبود
    بسّك لوم.. محد يشتري منك عذابات
    وك أنا شبيدي على سنين الگظت خطوة بمسافات
    وك بسّك لوم يا عبود
    أنا شبيدي على الباعو شعبهم بالمزادات
    وك عليناه وعليناه وصعدناه على آخر سماوات
    على چتوف البشر..
    عَ النجم.. عَ الهامات
    چان يغافل التاريخ ينزل ع الكراسي والوزارات
    وك أنا شبيدي على ثوار يتسمون
    لچنهم خدم عد الحكومات!
    كبرنا وكبرت الأيام يا عبود
    ورد بينه الزمان أردود
    وك كبرنا وكبرت الأيام
    وكبر بينه العراق الضاع بين أحلام وأوهام
    وهذاك انته:
    وحدك تحسب الأيام
    تعد سنينك وترجع تعد وتغلط وترجع...
    تعد الليل والساعات...
    تعد شگد حجيت
    شگد بچيت
    شگد ضاعت عليك أحلام
    وحدك تحسب الأيام..
    تمر جدام عينك تركض الأيام
    تعبرك... تركض ... الأيام
    تبعد .. وانته.. ذ..ا..ك انته
    حزين ومنزوي ومحتام..
    وحدك تحسب الأيام..
    وحدك ترسم سنينك على الريح
    ويذريها الغبار أوهام بأوهام
    وحدك تحسب الأيام
    و..حـ..د..ك تحسب الأيام يا عبود
    ويرد بيك الزمان أردود
    ولك عـ..بـ..و..د يا عبود
    أنا سايم الله عليك..
    اشيّم بيك كل شيمة هلك
    اشيّم بيك تاريخ القهر والظيم والحرمان
    اشيّم بيك أعز ما يملك الإنسان
    اذكرك بالطفوله وبالصبا التعبان
    اذكرك بمك الماتت هـ...نـ..ا..ك
    وانته هـ..نـ..ا..ك مدفون بصدى النسيان
    وك هم تذكر نواعيها؟
    هم تذكر بچيها عليك يا عبود..
    هم تذكر دللول؟..
    أذكرك لو چنت نسيان:

    دللول يالولد يبني دللول
    عدوك عليل وساكن الچول
    يمه.. يمه
    يمه.. راسي وجعني گومي شديه
    ترى شد الغريبه ما يمض بيه
    يبني.. يبني..
    يبني ديار الغريبه ما تلفّيك
    وبرد السفر يازين ياذيك
    وك ميّل..
    ميّل عله أهلك يبني عبود
    ترى هيهات غير أمك تباريك

    اشيّم بيك تاريخ القهر والظيم والحرمان
    اشيّم بيك... لا تنسى..
    لا تنسى هلك ما تنسي الأوطان
    وك وين تروح؟
    يا دنيا التلم حزنك
    وياحلم اليريح راسك التعبان؟
    ولك عبود تهت وتيهتنه وياك
    تهنا بيك وبلياك
    وك ثگل دين العراق عليك
    وثگل لجلك عليه الدين
    تانيناك..... تانيناك
    املنّا الصبر بيك
    وصبّرنا الدمع بالعين
    تانيناك.. مثل نجم الثريا نعاين لملگاك
    وك وين انته؟
    انته بيا سما بيا گاع
    انته بيا مجره نريد نتعنّاك
    نريد نتعنّاك!
    دمشق 1988

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:25 PM

بغداشام

  • سُئلت مرة : لو تغيرت الأحوال هل ستعود إلى مدينتك... بغداد ؟
    قلت : ربما .. وربما ..
    فأستشكل الأمر على السائل، فقلت موضحا :
    لأنني حين غادرت العراق، أو حين غادرني العراق،
    كنت أخذت بغداد معي،
    سرقتها من الدكتاتور وهربتها في حقائبي..
    بيتا بيتا.. نهرا نهرا.. ونخلة نخلة..
    وعندما بلغت دمشق أطلقتها من حقائبي،
    فصرت أشم بغداد في الهواء،
    أينما ارتحلت وحيثما حللت..
    في حارة الورد.. أو في الشويكة..
    في الشيخ محي الدين بن عربي.. أو في سبل قاسيون..
    في عين الكرش.. أو في باب الجابية،..
    هكذا صرت أتنشق بغداد في عبق الشآم
    فتداخلتا وتطامنتا في روحي حتى انتفت أو تكاد، حاجتي لرؤيتها،
    لأنها ليست هناك بل هنا.. هنا في موضع القلب

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:27 PM

مسه الخير..
  • مسه الخير عله بغداد
    مسه الخير.. على شباچ بالبصرة
    عله صحن الإمام بكربلا
    عَ الگبه والحضره
    مسه الخير..
    على عتبه بشمال الورد
    على أبونا الفرات وطينته ودهلهْ
    مسه الخير.. عله دجله الحزينه
    الغافيه الترفه
    مسه الخير عله شاعر بالعراق
    على اوارقه وريشته وشمعه
    مسه الخير عله بستان الحزن
    كل نخله بيه دمعه
    مسه الخير عله گبر أمي
    الغريب المدري وين..
    بيا ثرى وتربه؟
    مسه الخير عله حزن أهلي الغميج
    عله العراقي وحيرته وصبره
    مسه الخير
    مسه الخير
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

من دفاتر العشگ
  • ليله
    ليله... گلت تعود الي وتانيت
    حنيّت بيباني..وزرعت اللوز بالعتبه
    وشعلت شموع وتوضيت
    گلت اصلي لك فرض..
    لوجيت!
    اللاذقية / آب1995
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

كل يوم..
  • كل يوم توعدني تجيني وما تجي
    كل يوم أوصي النجمة ...
    توگفلك على الشباچ
    نار تاخذني ويطفيني البچي
    چنت اريد ارتچي عليك..
    طلعت انته المرتچي!
    آخ..
    آخ لو تدري..شگد ضام لعيونك..حچي؟
    اللاذقية / آب 1995
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

سفر
  • مِن تسافر..
    مدري شيسافر مني،
    مدري شيذّبل بروحي،
    مدري شيجيب الحزن..
    شيجيب الدمع والنوح؟
    وك مجروح يبنادم،
    مجروح من كل كتر..
    وين التفت.. مجروح!
    دمشق /1994
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

غياب
  • من تغيب..
    مثل.. متغيب شمس الله
    تاخذني نوبة برد
    ويمتلي گليبي ظلام
    احچي ويْ روحي بغيابك
    لا روحي تسمع
    ولا أنا حاچي كلام!
    دمشق /تموز 1994

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:28 PM

دفو
  • ردتك شوية دفو
    لآخر ايامي
    ردتك لبردي جمر!
    ردتك تعاونّي مرة
    تكسر الوحشه عليّ
    وتشيل وياي الحِمل
    كثرت الطعنات يبن الناس،
    وگليبي طفل!
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

برد
  • مر الشته
    والروح جرَّحها البرد
    وانتَ..دفو ينطر دفو
    موسم يجي..
    وموسم يرد!
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

البنفسج
  • عند آخر بنفسج ناطرٍت..
    گاعد.. وردي ذبلان،
    وحزين وناسي عمري
    گلت: بلچن يلتفت
    ومُية الخلان عَ الخلان تجري
    ساكت وأيدي عله خدي
    گلت: بلچن يحسب حسابي،
    بمعية هالخلگ ويفك لي قهري
    وك يلي مالي الگاع عطرك
    شوية لوعندك مرّوه
    ولا تخلي الناس تدري!
    دمشق 1994
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى

عيديه
  • من أذكر اسمك
    چنها خفگة جنح روحي
    مسافة حزن وانتَ بعيد
    وآنه بلايا شي مستكثر جروحي
    عيدية عمر ردتك تجيني يوم
    عيدية چذب وأصبر..
    صفگة باب وأَقبل وانتَ ما چنك
    خل ياكل بروحي سؤالك
    منجل مجانين
    ترى گلبي بغيابك باب ومزنجر!

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:30 PM

وداع
  • أرد اودعك..
    أرد ألم اسنيني شدة حزن واْرحل
    ما بقه بيها الينفعك
    أرد اودعك
    من بعيد أومي لك وگلبك يبلغك
    أدري تزعل،
    أدري تحزن،
    وأدري راح يسيل دمعك
    بس راح اودعك
    راح أحط أيدي عله جرحي
    وحيل اوجعك
    أرد اودعك.. راح اودعك!
    http://www.arabna.info/vb/fog.gif الى الاعلى



ملاحظات لغوية
  • 1 ـ تتميز اللغة العربية بعدم ابتداء كلماتها بالساكن وهذا ما يجعل اللهجة العراقية وأغلب اللهجات العربية، مختلفة في هذا الجانب، حيث تشيع هذه الصيغة، وللإشارة إلى الكلمات التي تبدأ بساكن وضعنا أحياناً إشارة السكون على أول الحرف. إضافة إلى ذلك فإن جميع الكلمات تنتهي بالسكون.
    2 ـ يلاحظ القارئ وجود أل التعريف مضافة إلى الأفعال وهي تعني في هذه الحالة، إحدى أدوات الوصل التالية: (الذي التي، الذين)
    3 ـ تستخدم عملية النحت في اللهجة العراقية كما هو شائع في اللهجات العربية الأخرى لهذا نجد من الضروري الإشارة إلى بعض المفردات التي وردت في القصائد كأمثلة على ذلك يمكن أن يقاس عليها:
    وادمك: أبناء آدم الخاصين بك
    شمحي: أي شيء أمحيه
    شگلتي: ما الذي قلتيه
    وشهالگباحة: يا للخجل
    4 ـ في اللهجة العراقية تقرأ بعض الحروف على النحو التالي:
    الكاف المشرّط (گ) أصله (قاف) ويقرأ كما يقرأ حرف g الأجنبية كما في كلمة Glass للمثال: گلب (قلب) گمر (قمر) گلت (قلت).
    الجيم المنقّط بثلاث نقاط (چ) أصله،في الغالب،(ك)،ويقرأ مثل Ch بالإنجليزية كما في كلمة Chair وللمثال: چنت (كنت) بچه (بكى) حچه (حكى).
    5 ـ معاني بعض المفردات العراقية الواردة في المجموعة:

المفردة
المعنى
المفردة
المعنى
كتر
جنب
الگاع
الأرض
مزنّجر
صدئ
راح أحط
سوف أضع
فرهدوك
توزعوك نهباً
مخابيل
مجانين
اْبطرَگ
بمجرد
عود
يقال أنَّ
شايغ
مغشي عليه
حوبه
كرامة دينية
گِصة
قسى، أوغل بالقسوة
شگد
ما أكثر
تلْوهْني
حيرني
جمّار
قلب النخلة
زيبگ
زئبق
بريسم
الحرير
السباية
السبي
أفرزن
أفرز
جيس
تلمّس
هلهولة
زغرودة
گلاص
كأس
حس
صوت
يالبلچن
عسى ولعل
الكاولي
الغجري
إيشانك/الإيشان
العلامة، وأصلها من منطقة الأهوار، وتطلق على تلال تشع نوراً في الليل
وادمك
أبناء آدم
تتاني
تنتظر
الريل
القطار
النشده
السؤال المحير
چودر
أقعى أو خيّم
تجليبه وأبوذيه
نوعان من الغناء الريفي العراقي

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:46 PM

  • كان الوقت عصراً، وكانت الشمس، التي نرقبها من كوة ضيقة، وهي تغرب كل يوم، تسارع إلى الاختفاء وراء الأفق، عندما دخل جبار لفتة حمام المعتقل، وبعد دقائق قليلة تسربت من فتحة باب الحمام السفلى، بضع قطرات من دم أحمر قان مثل لون الرمان الناضج، ثم انسابت بهدوء كما جدول صغير آمن. في تلك الليلة، وعلى غير العادة، احتدم نقاش من نوع خاص لم يألفه معتقل الأمن العامة في بغداد. كانت ردهتنا الضيقة المجاورة للباب الرئيسي، تعج بالمعتقلين، الذين جاؤوا من الردهات الأخرى، كي يستمعوا أو يشاركوا في ذلك النقاش الصاخب. لم يبق أحد لم يشارك في الحديث، حتى محسن فرحان، الذي كنا نتندر على نومه الطويل والثقيل، كان من أشد المتحمسين للنقاش. لم ينم محسن فرحان في تلك الليلة، مع أنه كان مولعاً بـ (نومة العصر) كما يسميها. كان يقول لنا: يا جماعة.. الحل الوحيد للخلاص من كآبة المعتقل ومن صراخ الحراس، هو النوم.. نامو يا جماعة، نامو، تصبحون على قرار إفراج إنشاء الله!

    هكذا كان محسن فرحان يردد على مسامعنا كل يوم تقريباً وهو يهم بتغطية وجهه بتلك البطانية المهترئة، التي اشتراها من عزيز الكردي، نزيل الردهة المجاورة. لكن محسن فرحان ظل، في تلك الليلة سهران حتى الفجر، مهموماً ومكتئبا. فقد كان الوقت عصراً، وكانت الشمس التي نرقبها من كوة ضيقة، وهي تغرب كل يوم، تسارع إلى الاختفاء وراء الأفق، عندما دخل جبار لفتة حمام المعتقل، وبعد دقائق قليلة تسربت من فتحة باب الحمام السفلى، بضع قطرات من دمٍ أحمر قانٍ مثل لون الرمان الناضج، ثم انسابت بهدوء كما جدول صغير آمن. فاحتدم النقاش في المعتقل على غير العادة.

    كانت أمسياتنا، في الأيام الطويلة الماضية، تمر رتيبة وثقيلة في الغالب، عدا تلك الليالي الشحيحة، التي كنا نتوسل فيها حامد الأسود، الصحافي المخضرم، لكي يغني لنا بعض أغاني محمد عبد الوهاب، التي كان يجيدها بطريقة مدهشة تجعل حتى حراس المعتقل يتركون مناوباتهم ويأتون ليتسمعوا الغناء من خلف الكوة الضيقة للردهة. أما مشاغل المعتقلين وأحاديثهم فلم تكن تتعدى تلك المناقشات العابرة أو تلك الذكريات المملة. كان منذر العاني مثلاً، وهو ضابط شاب لم تمض غير بضعة أشهر على تخرجه من الكلية العسكرية، يحدثني يومياً وبتكرار غريب عن خطيبته سميرة، وكيف كانا يلتقيان كل يوم خميس في حديقة الزوراء الكبيرة وسط بغداد. وغالباً ما كنت أقبل بالاستماع إليه مضطراً وهو يكرر عليَ حكايته عينها وبالتفاصيل نفسها، فقد كنت أشعر أنه حين يحدثني عن ذكرياته تلك، إنما كان يتخفف بذلك من مزاج المعتقل الثقيل ومن ضنك الردهة الضيقة. كنت أتركه يواصل سرد حكايته المعهودة، متصنعاً الإنصات إليه بكل اهتمام.

    أول شيء أفعله كنت أتقدم بهدوء نحو مدرب المعسكر العريف حسن مهنا (هكذا يبدأ منذر حكايته اليومية) أخرج من جيبي علبة دخان الروثمان وأقدم له سيجارة منها، فيبادرني العريف حسن بابتسامته الودودة وهو يردد بصخب: أكيد.. أكيد تريد مني شيئاً أستاذ منذر. لكنني لا أبادله الابتسامة بل أبدأ الكلام بهدوء بعد أن أجعل من صوتي رخيماً وحزيناً: أبو فلاح أمي.. أمي أبو فلاح مريضة جداً وعليّ أن أذهب لرؤيتها اليوم قبل أن تموت. فيرد العريف حسن بأسى وتشجيع: لا سمح الله.. لا سمح الله.. روح أخي منذر، بس رجاءً إذا صادفك سيادة المقدم.. أنا غير مسؤول.. مفهوم!

    أما سميرة (يواصل منذر حكايته) فقد كانت تقول لأهلها أنني سأنقل إلى الشمال وعليها رؤيتي قبل السفر. وهكذا كنا نشبر الزوراء شبراً شبراً مع كيس من الحب الأبيض . آهٍ..آه كم كانت تلك الأيام جميلة! وكم كنت أحلم! (يسرح منذر بالحديث وكأنه يحلم حقاً) لقد كنت أتصور في أيام الخميس تلك، إن عليّ أن أعيد صياغة الكون، أن أعيد ترتيب النهار على نحو جديد، أقصره قليلاً وأجعله أكثر هدوءاً، من أجل أن يتاح للعشاق والشعراء تمضية الوقت بأكبر قدر ممكن من المتعة والتأمل والصفاء... أو أن أجعل من زرقة السماء تميل إلى البنفسجي أو إلى النهدي الفاتح.. أن ألوّن الريح ببعض الزهري مع شيء من الأصفر البرتقالي، وأخيراً أن أترك للمطر حرية الهطول الهادىء وقت العصر، مع تعديل بسيط في الغروب.. آهٍ.. آهٍ (يضحك منذر بأسى) كم كانت تلك الأيام جميلة! وكم كنت أحلم!

    وفي يوم من أيام الخميس تلك يكتشف العريف حسن مهنا مصادفة أن منذر العاني كان يكذب عليه وإن أمه متوفاة منذ كان طفلاً في الخامسة من عمره، فيحذره في ذلك اليوم من أن هذا هو آخر خميس يسمح له فيه بالخروج من المعسكر.. يا للحظ العاثر! (هكذا يقطع منذر حكايته دائماً ثم يواصل السرد) تصور.. الشيء نفسه يحدث لسميرة عندما يقف شقيقها الأكبر ويقول لها بكل خشونة: هذه آخر مرة نسمح لك بالخروج من البيت فمنذ أشهر وأنت تقولين أن منذر سينقل إلى الشمال.. هل تلعبين علينا؟ كان ذلك آخر خميس يلتقي فيه منذر وخطيبته سميرة في حديقة الزوراء الكبيرة وسط بغداد، وبعد وقت قصير من ذلك الخميس يعتقل منذر ويأتون به إلى الأمن العامة مقيداً بعد أن ينتزعوا النجيمات الذهبية عن كتفه الصغير.

    ماذا تفعل سميرة الآن؟ كمن يسأل نفسه، كان منذر، في كل يوم وبعد أن ينتهي من سرد حكايته، يسألني هذا السؤال: ماذا تفعل سميرة الآن؟ وكنت أتطلع إليه بعطف دون أن أجيب عن سؤاله بالطبع لأنني، ببساطة، لا أعرف سميرة ولا أعرف ماذا تفعل الآن. أنا متأكد أن سميرة تقرأ الآن (يجيب منذر نفسه ويواصل) إنها تحب القراءة في الليل.. نعم.. نعم.. ولابد أنها تقرأ في ديوان مظفر النواب، إنها تحب الشعر وقد حصلت على نسخة من هذا الديوان جلبها صديق كان في زيارة لبيروت.. إنها النسخة الوحيدة في العراق.. تصور… آه.. آه.. عمر وتعده الثلاثين لا يفلان… عمر وتعده وتعديت ولا طارش جذب وديت.. ولأمره شلت عينك تعرف البيت.. وكالولي عليك هواي.. كالولي.. كالولي.. يا عيني يا مظفر يا عيني يا سميرة. هكذا يختم منذر حكايته اليومية بترديد قصيدة لمظفر النواب ثم يعاجلني بطلب طريف قائلاً بتوسل: الله يخليك.. الله يخليك غني لي أغنية هذا مو إنصاف منك غيبتك هل كد تطول؟ فأبدأ بالغناء مشفقاً عليه أما هو فيغمض عينيه ليتسمع بهدوء ثم يبدأ بالنوم شيئاً فشيئاً، وقبل أن أكون قد أكملت الأغنية يكون منذر قد استغرق ونام.

    ولكن في تلك الليلة، عندما دخل جبار لفتة حمام المعتقل، وبعد دقائق قليلة تسربت من فتحة باب الحمام السفلى، بضع قطرات من دمٍ أحمر قانٍ مثل لون الرمان الناضج، انسابت بهدوء كما جدول صغير آمن، واحتدم النقاش في المعتقل، نسي منذر العاني أن يحكي لي حكايته الأثيرة عن خطيبته سميرة، فقد اندمج في ذلك النقاش الصاخب الذي استمر حتى الفجر.

    إنه هروب من الحياة، وسط جو الكآبة المخيم على المعتقل، جاءت عبارة منذر هذه، مثل ضحكة صاخبة في مجلس عزاء، فقد أشاح بعض المعتقلين بوجوههم نحو الباب وطأطأ البعض الآخر رؤوسهم، عدا محسن فرحان فقد نظر إليِ كمن يريد أن يشهد أحداً على واقعة مريبة، ثم تحدث وهو يتمتم مع نفسه: إنها أسهل الطرق لاختصار مصائر الناس.. هروب من الحياة.. إنها تذكرني بعنوان لفيلم مصري! لم يستسغ منذر تعليق محسن الساخر على كلامه، لكن جو الوقار السائد جعله يرد بهدوء: لكن أستاذ محسن ماذا تسمي انتحار إنسان.. وإنسان مناضل بالذات؟… أنا أحترم جبار لفتة مثلك تماماً لكن ماذا في وسعنا أن نعتبر فعلته غير هروب من الحياة.. من النضال.. من مواجهة التعذيب والـ... أنا أعتبرها أقصى حالات الشجاعة والإقدام (رد محسن مقاطعاً واستطرد) حين يمسك الإنسان بسكينة صدئة ويجز وريده وينظر إلى دمه وهو يتدفق، مثلما فعل جبار، فهذه في اعتقادي أقصى حالات الشجاعة وفعل لا يدانيه فعل آخر في الإقدام! أنا أتفق معك أنه قد يكون نوع من أنواع الشجاعة (عقب منذر بهدوء ثم احتد) لكنها شجاعة سلبية يا أستاذ محسن، فالشجاعة الحقيقية هي أن يواجه الإنسان الظروف والمعاناة وأن يعطي المثال للآخرين على أمكان المضي قدماً بالنضال وتحقيق الأهداف الـ (هنا استشاط محسن غضباً ورد بانزعاج) أخي منذر ممكن ننهي هذا النقاش لأننا لن نتفاهم بهذه الطريقة.. فأنت تتحدث عن الإنسان وكأنه جهاز روبوت، إنسان بدون أحاسيس بدون مشاعر بدون مشكلات روحية ونفسية.. أخي هناك أزمة روحية عامة، كونية. هناك الآلاف في الغرب ينتحرون رغم أن حرياتهم غير مقيدة ولا يشكون من قمع أو إرهاب أو أي شيء يتعلق بحياتهم المعيشية أو السياسية، فماذا نسمي هؤلاء.. ها.. هاربون من النضال وأي نضال؟ ولكن أنا لا أتحدث عن الإنسان العادي (رد منذر بهدوء مرة أخرى) أنا أتحدث عن الإنسان المناضل، الإنسان الذي نذر نفسه لمهمة إنسانية نبيلة. أخي منذر أرجوك ننهي هذا النقاش (كرر محسن طلبه إنهاء النقاش لكنه واصل الحديث) أنا ليس لدي فرق بين إنسان وإنسان آخر. كل البشر لديهم الأحاسيس نفسها، لكن بعضهم يرتضي حياته رغم شعوره باللاجدوى والإحباط والاندحار، وبعضهم الآخر ينهي هذه الحياة بسكينة صدئة أو بشيء آخر! وما هو رأيك أنت؟ (يسأل منذر بتهكم فيرد محسن) أنا اعتبر النوع الثاني أكثر شجاعة وصدقاً مع الذات، لأن النوع الأول، في اعتقادي، يكابر من أجل ملذات صغيرة وتافهة لا أكثر ولا أقل. ولماذا لا تنتحر أستاذ محسن؟ (سأل منذر في محاولة لإحراج محسن الذي رد بكل هدوء) لا أنتحر‍.. لأنني ببساطة لست شجاعاً يا سيادة الملازم، هذه كل القضية.. لا أكثر ولا أقل!

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:47 PM

  • لم يكن هذا النقاش هو الوحيد الذي كشف لنا عن اختلاف وجهتي نظر منذر العاني ومحسن فرحان، فقد كانا يختلفان على الدوام، أو يتناكدان في الحقيقة، فقد كان منذر يتضايق من نوم محسن الطويل والثقيل فيتندر على هذا الموضوع في كل مناسبة، كان يقف على رأس محسن، في اللحظة التي يهم فيها بالنوم ويقول: هل تعرفون لماذا ينام محسن كل هذا الوقت؟ إنه في الواقع يريد أن ينسى حاضره، وأنا بالطبع لا أنكر أن الحاضر مرير وكئيب، لكن محسن لا يدرك إن النوم وسيلة اليائسين لعبور الحاضر أو القفز عليه! (فيرد محسن بعد أن يخرج وجهه من تحت البطانية) وكيف تريدنا أن ننسى هذا الحاضر المرير والكئيب يا سيادة الملازم؟

    أنا أعتقد (يرد منذر) أن عبور الحاضر يتم بمواجهته أستاذ محسن لا بالنوم، لأن النوم على الحاضر يسبب لك سوء هضم في مستقبلك! ( ينزعج محسن فيرد كالمهزوم) أخي هذي وسيلتي الوحيدة، ماذا أفعل؟.. أما أنتم دعاة تغيير الحاضر وامتلاك الماضي والمستقبل، فاترك لكم كل شيء.. اتركوني في همي الله يخليكم.

    هكذا كانت النقاشات والمماحكات تبدأ ولا تنتهي، أما أنا فقد كنت مأخوذاً في تلك الليلة، بقطرات الدم التي انسابت من فتحة باب الحمام السفلى، مثل لون الرمان الناضج، وكما جدول صغير آمن، عندما دخل جبار لفتة حمام المعتقل، وكان الوقت عصراً وكانت الشمس التي كنا نرقبها من كوة ضيقة وهي تغرب كل يوم، تسارع إلى الاختفاء وراء الأفق. كان انسياب قطرات الدم تلك يذكرني بهدوء جبار لفته، وخاصة في تلك الأيام التي سبقت انتحاره. فلم يكن جبار يتحدث إلا نادراً وكنا نمازحه أحياناً ونحاول حمله على الحديث لكنه لم يكن يستجيب إلا بحدود الرد على سؤال أو أن يبتسم قليلاً ثم يعود إلى صمته وعبوسه.

    مرة سألت جبار عن رفيقه فاخر مدلل (أو كما كنا نسميه ابن دعوته) فقد كانا قد اعتقلا معاً، وكانا يستدعيان إلى التحقيق معا أيضاً، لكنهما وفي كل مرة يعودان بها من التحقيق، كان يبدو عليهما الإرهاق من آثار التعذيب وكذلك الانزعاج من بعضهما البعض، وكان ذلك يجلب انتباهي على الدوام. وفي آخر مرة ذهبا فيها إلى التحقيق عاد جبار بدون فاخر، الذي لم نره بعد ذلك. ورغم الأسئلة المتكررة التي كنا نوجهها إلى جبار، فقد كان يتهرب أو يترك الردهة إلى ردهة عزيز الكردي، الذي كان يعطف على جبار كثيراً ويحاول شد أزره. كان عزيز الكردي وحده من يعطينا صورة متخيلة عن تفاصيل التعذيب الذي تعرض له جبار وفاخر، دون أن تكون له أية صلة بالأمر طبعاً. كان يأتي إلى ردهتنا حال يعودان من التحقيق، ينظر إلى عيني جبار المتورمتين ويقول له: أكيد هذي ضربات الحقير ملازم نعمة.. إنه لا يضرب إلا على العينين، أليس كذلك؟.. وهذه.. هذه (ويؤشر عزيز على شفة فاخر المفلوقة) إنها بكل تأكيد من بوكسات الحقير عريف حامد.. فيومىء فاخر موافقاً وهو يبتسم بصعوبة. كان البعض من المعتقلين وهم يتلذذون بسخرية عزيز ولكنته الكردية المحببة، لا يصدقون كلامه، لكن البعض الآخر كانوا يندهشون من حدسه وقدرته على معرفة أسماء الجلادين وطريقة تعذيبهم للمعتقلين. وفي الواقع لا يتمتع عزيز بغير المزاج المرح والساخر وبحصيلة ممتازة من أيام التعذيب التي جعلته يعرف بالضبط أين يضرب ملازم نعمة المعتقل وكيف يضرب العريف حامد. كان عزيز يعطف على جبار لفته كثيراً ويحاول إضحاكه وإدخال السرور على قلبه، خاصة في تلك الأيام التي أصيب فيها جبار بالكآبة بعد عودته من التحقيق بدون رفيقة فاخر. وفي كل مرة كان ضحية سخرية عزيز الكردي هو محسن فرحان، فقد كان عزيز يجعل منه موضوعاً للتنكيت بسبب نومه الطويل والثقيل، كان يأتي إلى ردهتنا في اللحظة التي يبدأ فيها محسن (نومة العصر) يقف على رأسه ويقول: والله والله لو أن السيد العام (هكذا كانوا يسمون مدير الأمن العام) يعرف أنك تنام كل هذا الوقت لأطلق سراحك فوراً.. أكل ونوم يا مال الكوم.. شنو قابل فاتحين فندق؟ فيحاول محسن تجنب الحديث أو الرد على عزيز لكنه لا يتمالك نفسه فيضحك وهو تحت البطانية، ثم يرد عزيز على ضحك محسن: أيه طبعاً تضحك.. غداً يطلق سراحك فتصبح مناضلاً برأس الناس.. من يدري أنت كنت مخلصها نوم بنوم؟

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:49 PM

  • كانت لدى عزيز كردي حكاية طريفة لم يبق أحد في المعتقل لا يعرف تفاصيلها وكان، كلما يريد روايتها، يقوم بتمثيل بعض الأفعال المضحكة فيها فيجتمع المعتقلون حوله من كل الردهات. يقول عزيز: أول أسبوعين من اعتقالي أكلت ضرب لا يتحمله الحمار حاشاكم.. ومرة أشرف على التحقيق معي السيد العام نفسه ( يتلفت ويهمس لنا: يعني الأستاذ ناظم أبو حرب، بذاته!) كان عبوساً ومتجهماً إلى حد مخيف في ذلك اليوم وكان الجلادون من حولي يستعدون للحفلة. بدأ الضرب أول الأمر بالعصي والأيدي، ثم بالصوندات، ثم بالفلقة، لكن أخوكم صمد بقدرة قادر، وأخيراً ومن شدة انزعاجه ونفاذ صبره قام السيد العام نفسه وركلني على بطني ركلة لم أتمالك أعصابي معها، فضرطت ضرطة ترددت أصداؤها داخل غرفة التحقيق، وإذا بالسيد العام يجلس على الأرض من الضحك، وبعد أن هدأ قال لهم: اتركوه.. اتركوه هذا القواد ما راح يطلع منه غير الضراط! ومنذ ذلك اليوم انتهى التحقيق معي. وهكذا يضحك المعتقلون على حكاية عزيز حتى تدمع عيونهم. لكن في تلك الليلة، عندما دخل جبار لفته حمام المعتقل وتسربت بعد دقائق قليلة بضع قطرات من دم أحمر قانٍ مثل لون الرمان الناضج واحتدم النقاش داخل المعتقل، لم يأتِ عزيز الكردي إلى ردهتنا ولم يروِ حكايته الطريفة للمعتقلين. فقد ظل يبكي ويبكي بحرقة وألم في زاوية ردهته المعتمة. وكنت الوحيد الذي لم يشارك في النقاش، كنت مذهولاً بذلك المشهد، وبتلك القطرات الحمراء من الدم القاني التي انسابت بهدوء كما جدول صغير آمن، فذكرتني بهدوء جبار لفته وصمته في أيامه الأخيرة، فقبل يوم واحد، كما أعتقد، من انتحاره، ألححت على جبار بالسؤال عن رفيقه فاخر: ما الذي حدث لفاخر يا جبار.. هل أطلقوا سراحه؟ هل اعترف عليك؟ هل أعدموه؟ احك.. احك، لماذا تتهرب كلما سألناك عنه؟ ألا يحق لنا أن نعرف شيئاً عن مصير صديق ورفيق كان يأكل ويشرب ويسهر معنا طوال أشهر عديدة؟؟ وبعد لحظات فوجئت بجبار وهو يبكي، كان ينشج بحرقة وأنين لا حدود لهما.. ثم نظر إليّ وكان الدمع لا يزال يترقرق في عينيه: ماذا أقول لك ومن أين أبدأ.. ومن يصدقني؟ (تحدث جبار برجاء وتضرع) فقلت له: أنا أصدقك يا جبار.. ثق بذلك، فأنا أعرفك جيداً وأعرف كم أنت طيب وصادق، ولكن قل لي ما الذي حصل لفاخر؟

    لقد أجبرونا في جلسة التحقيق الأخيرة على أن نضرب بعضنا البعض. كيف حدث ذلك؟ تساءلت مندهشاً، فرد جبار قائلاً: هذا الذي حدث.. لا أعرف كيف ولكنه حدث. في البداية امتنعنا عن ذلك لكنهم ضربونا بقسوة، كانوا يضربون من يمتنع عن ضرب رفيقه بقسوة لا تصدق ويطلبون منه تنفيذ أوامرهم! وبعد ذلك، سألت جبار فقال: بعد ذلك نفذنا، أو قل نفذت أنا ما طلبوه مني، فقد قدرت، وكنت أعتقد أن فاخر قدر الشيء نفسه، إن ضربنا لبعض قد يكون أرحم وأقل قسوة مما نتعرض له على أيديهم، فقمت بضرب فاخر أول الأمر لكنه لم يرد عليّ فضربوه بسبب ذلك، ضربوه بوحشية وحقد، ومن شدة حزني عليه رحت أضربه وأطلب منه أن يرد عليّ، أن يضربني بالمثل لكي يكفوا عن ضربه، لكنه كان يمتنع في كل مرة دون أن يقول شيئاً، فصاروا يضربونه بقسوة أكثر وصرت أنا اضربه أيضاً لكي أخلصه منهم. كنت اضرب وأضرب وأصرخ به اضربني.. اضربني يا فاخر ثم أقوم بضربه، أضرب وأضرب وأصرخ به وكانوا هم يضربونه ويضربونه حتى.. حتى ماذا يا جبار، سألته فمضى يحكي ودموعه كانت تنزل على يديه المسبلتين في حضنه: حتى.. حتى بدأ الدم يتفجر من فمه ومن أنفه وحتى من عينيه.. لا أعرف من أين صار الدم يتفجر، لم أعد أرى شيئاً غير الدم، لقد سبح بدمه فسقط مغمياً عليه، وبعد لحظات سقطت أنا أيضا.. لقد سقطنا معاً، فاخر من شدة آلامه المبرحة وجروحه العميقة وأنا من تفاهتي وشعوري بالعار والخزي, وماذا بعد؟ كان ذلك آخر سؤال وجهته لفاخر فرد يائساً: ماذا بعد؟ عندما عدت إلى الوعي، أحسست شيئاً فشيئاً بفعلتي الشنيعة فبكيت كما لم أبكِ من قبل، لقد كان عليّ أن أحترس.. هذا ما انتبهت إليه متأخراً وبعد فوات الأوان، وهكذا صار عليّ لا محالة، أن أدفع الثمن من نفسي.. لقد أحسست في تلك اللحظات، حين تيقنت تماماً إن غلطتي كانت فادحة وإن وهمي كان مريعاً، وكأن شيئاً عظيماً قد تحطم في روحي، شيئاً مهيباً وبراقاً قد انهار دفعة واحدة، شيئاً ناصعاً وشفافاً وخلاباً قد تلوث في مستنقع الخطأ أو تكسر كما تتكسر قطعة من زجاج. في تلك اللحظات شديدة البؤس والخجل والمرارة، فقدت الأشياء، كل الأشياء، معانيها وألوانها وطعمها، لقد استحال كل شيء إلى حجر.. إلى رماد.. وهكذا صار علي أن أدفع الثمن من نفسي لا محالة. وفي تلك الليلة، كان الوقت عصراً وكانت الشمس التي نرقبها من كوة ضيقة وهي تغرب كل يوم، تسارع إلى الاختفاء وراء الأفق، دخل جبار لفته حمام المعتقل، حز وريده بسكينة صدئة فتسربت، بعد دقائق قليلة، من فتحة باب الحمام السفلى، بضع قطرات من دم أحمر قانٍ مثل لون الرمان الناضج، انسابت بهدوء.. بهدوء.. كما جدول صغير آمن.

    * الحكاية حدثت بالفعل عام 1972

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:50 PM

كان أبو علاء، جيراننا لصق الدار، رئيس عرفاء شرطة، مأزوماً نفسياً وكئيباً غالب الوقت. كل يوم خميس يذهب عصراً الى إحدى حانات بغداد، يشرب ثم يعود الى بيته سكران فيبدأ بتكسير كل ما هو مصنوع من الزجاج، بحيث تمتلىء أرضية البيت، كل ليلة خميس، بشظايا الزجاج المتناثر في جميع الزوايا. كنا نحن، جيران أبي علاء، نراه حين يخرج من بيته عصر الخميس، وقوراً مرتدياً بدلته الرمادية، ملمعاً شعره وسابلاً شاربيه الكثين. وكنا نراه عائداً في المساء يترنح ويستند على الجدران الى أن يصل الى داره فيرفس باب بيته رفساً شديداً حتى تسارع زوجته لفتحه قبل أن يتحطم. أما نحن الجيران، شيباً وشباباً، أطفالا ونساء، فقد كنا نبقى صامتين بانتظار الزوبعة.

يبدأ المشهد هكذا: سعال متواصل تقطعه نتف من شتائم موجهة لا على التعيين… ثم أصوات أحذية وشحاطات وأشياء أخرى ترتطم بالجدران.. بعدها يتصاعد لغط كلام أشبه بالعتاب لكنه متشنج ومكبوت. وماهي إلا دقائق.. حتى ينبثق صراخ متوسل مصدره أم علاء. الكلام نفسه يتكرر: لخاطر الله أبو علاء… لخاطر عيون أولادك… ما ظل عدنه شي ينكسر.. والله هاي الصحون اشتريتهن بالدين… عند هذه النقطة تبدأ استعداداتنا، نحن جيران أبي علاء، يذهب أبي، ثم نلحق به، أخوتي وأنا فنقف جميعاً بجوار الحائط الذي يفصل بيتنا عن بيت أبي علاء… استعداداً للقفز عند الضرورة. ومع أول دزينة من الصحون تبدأ تتكسر بعد ارتطامها ببلاط غرفة أبي علاء، تصرخ أم علاء بكل صوتها: يا ويلي دخيلك أبو عبد الواحد. وماهي إلا لحظات حتى يكون أبي، أبو عبد الواحد، قد أصبح في باحة دار أبي علاء. وكما يهبط المظليون من السماء، نهبط من سياج الحائط، الواحد تلو الآخر فنحتل الدار.. أبي وأخي الكبير يمسكان بأبي علاء ويدخلان معه في عراك لكي يخلصا من بين براثنه بقية الصحون وكاسات الشاي، وأنا وأخي الآخر نذهب الى غرفة الأولاد لكي نهدىء من اهتياجهم ورعبهم وصراخهم.
تستمر الجولة نحو نصف ساعة يهدأ أبي علاء شيئاً فشيئاً، وتهدأ معه الشتائم الموجهة الى أم علاء وأجدادها وأعمامها وأخوالها، من دون سبب معلوم.. ثم يجلس على الأرض ويغطي وجهه بكفيه ويذهب في نشيج حار متواصل يخلع القلب. عندها نبدأ، نحن جيران أبي علاء، بالتسلل من بيته الواحد تلو الآخر وهذه المرة من باب الدار وليس عبر الحائط، شاعرين بالأسى والخجل.
هذه هي سهرتنا كل خميس لا يتغير فيها شيء سوى غياب البعض منا أحيانا، وهو الآخر لا يغير من المشهد شيئاً، فأبي، الذي لا يخرج من البيت إلا عند الضرورة، هو من يتكفل بالإمساك بأبي علاء عندما يبدأ يهيجانه والبقية يتولاها الآخرون.. ومع مرور الأيام صرنا نحرص جميعاً على أن لا نغيب مساء الخميس عن البيت، حتى أن أبي أنبني مرة لأنني غبت عن الدار في واحد من الخميسات قائلاً: "يعني ماكو يوم غير الخميس تروح تسهر بيه؟". وفيما بعد علمت أنني لست وحدي من كان غائباً في ذلك الخميس، بل أخوتي أيضاً، الأمر الذي جعل أبي يقوم بفك الاشتباك وحيداً.. وكانت الخسائر في ذلك المساء كبيرة جداً، إذ ليست الصحون والكاسات فقط ما تناثر على الأرض، بل الطناجر المليئة بالطعام والمروحة الحديدية التي (تفصخت) بعد ارتطامها بالحائط. تلا ذلك، العبث بصناديق الملابس التي رميت من الشباك الى الشارع، وتمزيق ثوب أم علاء.. وأخيراً شتم الجميع بما في ذلك أبي (أبو عبد الواحد).
بعد يومين أو ثلاثة أيام من ذلك الخميس الحزين، الذي قيل لي، فيما بعد، إن أبا علاء، ركل فيه زوجته فأخرجها من المطبخ مثل كرة، ثم رماها بصحن كبير تكسر على رأسها وتناثرت شظاياه في كل الاتجاهات، التقيت بأبي علاء تحت جدارية فائق حسن، في حديقة الأمة وسط بغداد. كانت مصادفة غريبة أن التقي به وهو في قمة الصحو، وقوراً وكئيباً، ملمعاً شعره وسابلاً شاربيه ومرتديا بذلته الرمادية ذاتها. وقف حين اقتربت منه وقال في ما يشبه الاعتذار عن قاموس من الأخطاء: أخي جمعة… تعال أبوس رأسك.. وإذا أردت أبوس حذاءك… لأنني تسببت لكم بما يكفي من الإزعاج… قاطعته خجلاً: استغفر الله أبو علاء.. أنت مثل أخي الكبير وكل ما حصل لا يستأهل اعتذارك هذا. قبلني وقبلته وكان يكاد يبكي، أو إنه بكى فعلا، ثم تركته يعود ليجلس على المصطبة في حديقة الأمة وذهبت.
بعد أيام من ذلك اللقاء المؤثر، وكنت عائداً الى البيت في وقت متأخر، وجدت أمي جالسة في باب الدار، على غير العادة، فتعجبت، قالت لي، قبل أن اسألها: أبوك أخذ أم علاء للمستشفى، وأبو علاء أخذوه الشرطة.

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:51 PM

أقمت، خلال الثلاثين عاماً الماضية، علاقات مع نساء كثيرات، بعضها كان مجرد صداقات عابرة، وبعضها الآخر كان أبعد من ذلك. وعلى العموم أتيح لي أن أتبادل القُبل مع غالبية من أقمت معهن علاقة عاطفية.
يختلف طعم هذه القُبل من واحدة الى أخرى، وفقا لطبيعة ونوع العلاقة، أو تبعاً لحساسية الواحدة منهن. وأحياناً تبعاً لطبيعة المكان، بيتا كان أم شارعاً مظلماً، أم حديقة، أم زاوية مظلمة تحت درج بناية. وإن شئنا الدقة يمكن القول أن لكل قُبلة طعمها الخاص. فهناك قبلة طائرة تشبه وخزة الدبوس، لذيذة لكنها سريعة الذوبان. وأخرى هادئة مليئة بالحنان والرقة، وهناك قُبلة ساخنة تغور في أعماق الحواس فتحدث لذة لا توصف. وكما يقول التاويون فإن للقُبلة، ثلاثة ينابيع، الأول يدعى زهرة اللوتس، حيث يتفجر سائله من فتحتين قائمتين تحت لسان المرأة، وهذا السائل يجري بغزارة عند المداعبة، وهو شفاف وذو فائدة عظيمة. والينبوع الثاني وسائله كالثلج الأبيض ينفجر من النهدين، لونه أبيض وطعمه حلو، ومن فوائده تنظيم الدورة الدموية لدى المرأة والرجل، كما أنه يبعث الراحة في الجسد والروح. أما الينبوع الثالث ويعرف بإسم الفطر الأرجواني، أو مغارة النمر الأبيض، فسائله لزج ويدعى زهرة القمر، وهو لا ينفجر أو لا يجري إلا بعد أن تفتح القصور جناتها وتخفت الأصوات حتى تصبح همساً.
على أية حال ليس موضوعنا أية قبلة وإنما تلك القبلة، التي لم تتكرر طوال الثلاثين سنة التالية من حياتي. وقبل أن نتحدث عن القبلة لابد من الحديث عن صاحبتها. ففي الصيف ننام على سطح بيتنا، كما هو حال غالبية العراقيين، هرباً من الحر اللاهب، وفي صباح من الصباحات، وكنت أصحو متأخراً دائماً، فلا أجد سواي على السطح، لاحظت أن هنالك فتاة على سطح الدار المقابلة لنا، تتأخر، هي الأخرى، عن النهوض من فراشها. دفعني الفضول وأشياء أخرى، الى النظر إليها من جدار سطحنا فوجدت أنها، هي الأخرى، تسترق النظر نحوي بدوافعها الخاصة.
توالت الأيام والصباحات المتأخرة، فتحولت النظرات المتبادلة الى تحايا صباحية. ثم الى ابتسامات ووشوشات وإشارات بالأيدي. وتطور الأمر بعد ذلك، فكنت، حين اذهب الى عملي أو أعود منه، تنتظرني تلك الفتاة وراء الباب، الذي تتركه موارباً، فألقي عليها التحية همساً وتردها بتحريكة من شفتيها.. ولمناسبة الحديث عن الشفاه لابد من الإشارة الى فرادة شفاه تلك الفتاة، فهي أشبه بحبتي كرز تميلان الى حمرة شفافة.. منذ اليوم الأول الذي مررت به بجوار بابها الموارب سحرتني تلك الشفاه الى درجة أنني كنت أتلمض بعد أن أتجاوز باب بيتهم. في مرة من المرات، وكنت قادماً من عملي ظهراً، رميت لها من شق الباب برسالة صغيرة مطوية طياً فالتقطتها فوراً وأغلقت الباب.
كتبت لها في الرسالة، أو القصاصة الصغيرة، كلمات حب غاية في الرقة، وطلبت منها أن نلتقي في مساء ذلك اليوم.. كان الطلب صعب التحقيق بطبيعة الحال، بسبب الأجواء المحافظة السائدة من جهة وانعدام وجود أماكن لمثل هذه اللقاءات في المدينة من جهة ثانية. ولهذا فقد هددتها بأنني سأزعل، ولن أنام على السطح، ولن أمر من أمام باب بيتهم، إن لم تلب طلبي باللقاء.
انتظرت المساء بفارغ الصبر والحيرة، فقد كنت شبه متأكد من أنها لن تأتي، لكن أملاً خفياً مدعوماً بتهديداتي، كان يداعب مشاعري بأنها ستفعل ذلك. كنا نسكن عند أطراف المدينة وكانت البيوت والشوارع العامة الضاجة بالحركة وبالمحلات والدكاكين، تقع كلها على يمين بيوتنا، أما على يسارها فكانت هناك فسحة واسعة، خالية من البناء، تحاذي الشارع العريض الفارغ أيضا من أية حركة.
ومما زاد في خلو هذا الشارع، نصف المضاء وشبه المظلم، أن تلك الأيام كانت أيام عاشوراء. ولأن مجالس العزاء الحسينية تقام في الجهة الأخرى من المدينة، فقد كان الناس يذهبون الى تلك الجهة، فلا تبقى في جهة شارعنا الموحش، سوى الكلاب السائبة والقطط الجائعة. في هذا الشارع كان موعدي المؤمل.
بعد أن هبط المساء، كنت قد ارتديت ملابسي وتعطرت وخرجت لأقف بجوار بيتنا منتظراً. وماهي إلا دقائق حتى تحققت المعجزة العاطفية، فقد جاءت متلفعة بعباءتها السوداء لا يظهر منها سوى عيناها وأنفها. سرت متقدما عليها خطوات حتى بتنا بعيدين بعض الشيء عن بيوتنا، فتقاربنا وكاد جسدانا أن يتلامسا لولا حذرها الزائد… تكلمنا كلاماً لا أتذكر منه غير عبارات المجاملة المصحوبة بالخوف والرعشة… خوفها هي ورعشتي أنا، فقد كان في روحي وعقلي هدف واحد من ذلك اللقاء هو تقبيل ذينك الكرزتين اللامعتين بالحمرة الشفافة. اقتربت منها أكثر حتى شعرت بأنفاسها تلفع وجهي. كانت خائفة وكنت مندفعاً فأمسكت بخصرها بكلتا يدي وسحبتها فانضغط نهداها الصغيرين على صدري. كانت تصدر لهاثاً أشبه بلهاث النائم. حاولت أن تدفعني ثم تمسكت بي بقوة فاندفعتُ مقبلاً شعرها وجبينها ورقبتها، فأحسست بأن جسدها كله صار ثقيلاً بيدي، وأخذت ترتجف ويزداد لهاثها… ضغطت على خصرها مرة أخيرة وقبلتها من شفتيها قبلة عميقة، شعرت معها، وكأنني غبت عن الوعي. وما أن صحوت حتى وجدتها وقد انسلت بين يدي وسقطت على الأرض… فوجئت وخفت، حاولت أن أساعدها على النهوض فوجدتها في حالة إغماء حقيقية… ازدادت مخاوفي فرحت افرك لها يديها وأتوسلها أن تنهض… دام الأمر بضع دقائق حتى عادت الى الوعي فنهضت وهي في شبه غيبوبة.
أوصلتها الى مكان قريب من بيتها وتابعتها حتى دخلت، ومنذ ذلك المساء قررت أن لا أعود لرؤية تلك الفتاة مرة أخرى… وللمناسبة كان اسمها زنوبة

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:53 PM

في الخمسينات، وحتى الستينات لم تكن هناك آلات كتلك التي نراها اليوم لتزفيت الشوارع، ولهذا كان العبء الأساسي يقع على (القيارة) وهم عمال مفتولي العضلات يمسكون بألواح مستطيلة من الخشب، أو بلوح واحد طويل يتوزعون للإمساك به، كل من طرف، ويقومون بجرف القير، كما تفعل الآلة الضخمة الآن، حين يرمى في جوفها القير فتأخذ برصفه وتوزيعه على المساحة المطلوبة، قبل أن تمر عليه الحادلة الثقيلة لتسويته بالأرض. عندما كنا نعود من المدرسة، في تلك الأيام، كنا نتوقف طويلا لمشاهدة عمال تزفيت الشوارع، وخاصة علي القيار، أحد هؤلاء العمال وهو يقوم بعملية التزفيت بمفرده ماسكاً بلوحه الخشبي الطويل والضخم جارفاً به القير الملتهب في عز الظهيرة. ماكان يستوقفنا أمام ذلك المشهد هو عضلات علي القيار المفتولة وصدره العريض المفصّل والمجسّم، الذي كان يكاد أن يتفتق حين يقوم بجرف القير بلوحة الخشب. كان علي القيار طويلاً بعض الشيء ومهيباً بعضلاته القوية، ووسيماً في الوقت ذاته. ولهذا كان موضع إعجاب لا النساء وحدهن، بل والشباب كذلك ممن يرون فيه فتوتهم المفتقدة أو المؤملة. وكنا نحن، الذين نقف نتفرج على عضلاته، بعد خروجنا من المدرسة، أولاداً صغاراً لم نكن نفقه ذلك الحسد الدفين في قلوب شباب المدينة إزاء علي القيار، ولا كذلك افتتان النساء به.



تمر السنون وتحل الآلات الجديدة محل عمال القيارة، ولكن علي يظل موضع إعجاب لأنه لم يتوقف عن تنمية وصقل عضلاته. ومع إنه لم يدخل نادياً رياضياً لكمال الأجسام، إلا أنه استطاع أن يفوز ببطولة العالم في هذه الرياضة، وكان ذلك في بداية السبعينات.



كان فوز علي القيار موضع فخر لأبناء تلك المدينة الفقيرة، التي كان علي واحداً منها. إذ كان يعيش وسط عائلة معدمة لاتملك شيئاً، وكان لديه أخوة صغار يعيلهم بمفرده. وحين كبر أحد أخوته وصار شاباً، ذهب ليتعلم رياضة الملاكمة، فأصبح ملاكماً جيداً، خلال فترة قياسية. في أمسيات الخميس كانا، علي وشقيقه الملاكم، يسهران على سطح الدار، وما أن يدب دبيب الخمرة في رأسيهما، حتى تبدأ المناقرات التي تتحول الى مشاجرة وعراك بالأيدي، بدون أسباب معلومة. كانت تلك هي (السهرة) الحقيقية لنا جميعاً، نحن جيران علي القيار وأخيه الملاكم. فبعد العاشرة من مساء الخميس الموعود، يتحول بيتهم الى ما يشبه السيرك الصغير. يقف الناس على سطوح دورهم المجاورة ويذهب آخرون، مجازفين، الى باب البيت، الذي تدور فيه المعركة الطاحنة بين الشقيقين القويين. والملفت في الأمر أنهما كانا يتقاتلان بقسوة غير متناهية. فحين تتاح فرصة للملاكم يشبع أخيه لكما حتى تنفجر الدماء من فمه وأنفه، لكن ما أن تتاح مثل هذه الفرصة لعلي القيار، حتى يتحول الملاكم بين يديه الى ما يشبه الكرة أو الخرقة، يضرب بها هذا الجدار وذاك ثم يرمي به الى السقف.



تنتهي المعركة في ساعة متأخرة من الليل بعد أن ينهك المتقاتلان تماماً، لكنهما يعودان في الأيام التالية الى حياتهما الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن. يظل علي القيار نجماً طوال سنوات السبعينات، محتفظاً بذكرى فوزه ببطولة العالم مثل تعويذة. إلا أن نحس الفقر والبطالة لن يفارقه يوماً. يضاف الى هذا موقف الحكومة السلبي منه. فعندما جاء البعثيون الى السلطة، قبل السبعين بسنتين، أدعو أنهم سيطوون صفحات الماضي ويبدأون بصفحات جديدة، لكنهم ما أن ثبتوا أقدامهم في السلطة، حتى بدأوا بنبش تواريخ الناس والتفتيش فيها. ومن سوء حظ علي القيار أن له صفحة سوداء بالنسبة للبعثيين. فقد سبق له أن خرج في صبيحة 8 شباط 1963 لمواجهة انقلابهم، مثله مثل آلاف من الناس ممن كانوا يعشقون الزعيم عبد الكريم قاسم، أو أن لهم صلة ما بالحزب الشيوعي العراقي. وكان علي، في تلك الأيام، يجمع بين الصفتين: حبه لقاسم وصلته بالشيوعيين. وكان هذا يكفي ويزيد لاعتباره، من قبل البعثيين، شخصاً غير مرغوب فيه، حتى وإن كان فائزاً بجائزة نوبل. في الثمانينات، لف الفقر والإهمال حياة علي القيار حتى لم يعد يتذكره الناس لا سلبا ولا ايجابيا، وتراجعت في أذهان الشباب وقلوب النساء، صورة الفتى الوسيم مفتول العضلات، والفائز ببطولة العالم للكمال الجسماني. وفي أواخر التسعينات بلغت التعاسة بعلي القيار حداً آثار شفقة الصحافة، فكتبت عنه واحدة من الصحف تقول: ترى هل يعقل أن مواطناً بمستوى ما قدمه علي القيار لبلاده من إنجازات، يتقاضى راتباً تقاعدياً لا يساوي ثمن ربع دجاجة كل ثلاثة اشهر؟

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:54 PM

قبل أيام نسيت أسناني في البيت وخرجت على عجل.. ( سيفتح القاريء فمه اندهاشاً: كيف يمكن أن ينسى المرء أسنانه؟) نعم هذا الذي حصل معي وهو مزعج دون ريب، خاصة بالنسبة إلى شاعر. والأكثر إزعاجا هو أنني، عندما نسيت أسناني، كنت ذاهباً إلى أمسية شعرية لإلقاء قصيدة. المهم، قبل أن أصل مكان الأمسية (وهو يقع في شارع فخم من شوارع العاصمة) تنبهت للأمر صدفة فراعني ذلك. قلت لسائق التاكسي، بنبرة يبدو أنها كانت خشنة بعض الشيء، أن يعيدني سريعاً إلى حيث انطلق بي، ففعل بوجوم. في جوار البيت وجدت أبنتي لإنزال واقفةً، بعد أن كانت ودعتني قبل لحظات وهي منزعجة لأنها حاولتْ بإلحاح أن تذهب معي إلى الأمسية، فرفضت ذلك بذرائع شتى (فهي طويلة وأكبر من عمرها، كما كانت تقول والدتي، رحمها الله، وهذا يسبب لي الإحراج على الدوام عندما ترافقني، خصوصاً في الأماسي الشعرية!) قلت لابنتي بنبرة تشبه تلك التي انزعج منها سائق التاكسي، أذهبي سريعاً واجلبي لي أسناني من البيت، فضحكت ابنتي بوجهي بطريقة لم اعهدها منها قبلاً (فهي تكن لي احتراماً كبيراً، بل وتعتبرني أباً روحياً لمحاولاتها المتواضعة في كتابة الشعر والقصة) عادت أبنتي بالأسنان بعد أن أخفتها داخل كومة من المناديل الورقية (وكانت هذه إلتفاتة ذكية منها، فلو رأى أولاد الحارة الأسنان بيد أبنتي لكانت فضيحة) ذهبتُ أبحث عن تاكسي أخرى، وكانت الأمسية قد بدأت بالطبع حسب التوقيت المحدد في بطاقة الدعوة، لكن من حسن الحظ كان هناك شاعران يشاركاني الأمسية، وهما من أصحاب المطولات. وأنا أقبع في التاكسي مغموماً، تذكرت يوم فقدت أسناني الحقيقة، وكان ذلك بمثابة انهيار مروع لشعوري بالشباب والحيوية. كنت أتناول طعام الغداء عندما سقط شيءٌ من فمي في صحن الطعام فأحدث رنيناً خافتاً، لم أصدق الأمر أول وهلة، فمددت إصبعي في فمي لأتأكد وإذا به يلج فراغاً مخيفاً بين صف أسنان المقدمة. تذكرت في الحال أن لي ضرساً كبيراً آخر كان مرتخياً، مددت إصبعي فلم أجده هو الآخر. بحثت أمامي في كومة العظام والفضلات، فإذا به مركونٌ بإهمال يدعو الى الشفقة. صدمتُ حينها واكتأبت كثيراً، وعندما سألتني زوجتي لماذا كففت عن الأكل صمًتُ برهةً ثم بكيت بصمت، لكن دمعة سقطت، بصخب، في صينية الطعام، نبهت زوجتي للأمر. وبعد أن عرفت بالقصة واستني بشيء من المزاح البريء، لكنَ كآبتي بقيت مسيطرة عليّ، خاصة عندما ذهبتُ لأرى شكلي الجديد. وقفت أمام المرآة وابتسمت بانزعاج. كانت ابتسامة باكية في الواقع فقد شعرت حينها وكأن دهراً قد مضى على شبابي. كان شكلي مروعاً. وفي الحال شغلتني فكرة مزعجة: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟. ذهبت الى غرفة النوم، ارتديت ثيابي بسرعة ووضعت منديلاً على فمي وخرجت قاصداً طبيب الأسنان.

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:55 PM

في قاعة الأمسية استقبلني عريف الحفل بترحاب كبير وأعلن على الجمهور وصولي بعد تأخر. جلست في مقدمة الصفوف حزيناً جراء تذكري لقصة سقوط أسناني، حتى أن كأس العرق الكبيرة، التي شربتها قبل أن أخرج من البيت، تبخرت من رأسي فعادت صحوتي القاتلة تحركُ فيَّ الخجل والتردد. لم أصغ لحرف واحد مما كان يقرأه الشاعر الأول في الأمسية، فقد انشغلت مجدداً بالفكرة المزعجة إياها: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ أدرت الفكرة في رأسي مراراً وتكراراً وحاولت تخفيف وطأتها على نفسي (خاصة عندما نبهني صديق جالس بجانبي الى أن الشاعر الأول أنهى قصيدته ولم يبق غير الشاعر الثاني وبعده سيأتي دوري في القراءة) فتذكرت صديقاً، يُعد من أفضل المغنين الشباب، كان هذا الصديق المغني يعاني من مشكلتي ذاتها، لكن الفارق أن له ضرساً اصطناعياً واحداً فقط. وقد أخبرني ذات يوم بأن هذا الضرس سقط من فمه مرة وهو يغني في احتفال كبير ومهيب. ومن شدة فزعه وخوفه من أن يكتشف الجمهور ذلك، مد يده وقطع سلك الكهرباء المربوط بجهاز الميكرفون، وفي الحال بدأ صفير وصراخ الجمهور، وبينما انشغل عمال الإنارة بإصلاح السلك الكهربائي، مد صديقي المغني يده وألتقط ضرسه من الأرض، وبحركة فنية بارعة، (كما وصفها!) أعاده الى فمه دون أن يشعر به أحد. كنت ساهماً عندما نبهني الصديق الجالس الى جانبي أن دوري قد جاء وأن لغط الجمهور بدأ يتعالى لأنني تأخرت في النهوض عندما أعلن عريف الحفل عن اسمي. نهضت، بعد أن تلمستُ أسناني بحركة لا إرادية. وقفت أمام الميكرفون وفي ذهني الفكرة المزعجة إياها: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ تصورت الأمر من زوايا مختلفة، قلت، ربما لن يكون الشاعر مقبولاً من قبل الجمهور إذا لم يكن على شيء من الجمال أو الأناقة في أقل تقدير، وهذا من حق الجمهور دون ريب، فشكل الشاعر وأناقته وطريقة إلقائه لقصيدته، كلها مكملات لقوة وجمال القصيدة، حتى أن معاصري بدر شاكر السياب يقولون أنه كان يتجنب المشاركة في المهرجانات الشعرية لأنه لم يكن وسيماً مثل أدونيس أو أنسي الحاج. وإن محمد الفيتوري أيضاً كان يتردد هو الآخر في قبول دعوات المهرجانات للسبب ذاته. هذا من جانب، ومن جانب آخر تصورت أن الشاعر عندما يكون بدون أسنان قد لا يستطيع إلقاء قصيدته إطلاقاً لأنه سيظل يلثغ بكل الحروف تقريباً، إلى درجة، تخيلت معها، أن القصيدة يمكن أن تسقط من فم الشاعر دون صوت، مثل طفو السيجارة. بل الأكثر مأساة أن يتصور الشاعر إياه، عندما تسقط القصيدة من فمه مثل طفو السيجارة، إنه قد ألقى قصيدته، لذلك سيتساءل مع نفسه: لماذا لم يصفق له الجمهور؟ في حين سيتساءل الجمهور أيضاً: لماذا لم يقرأ الشاعر قصيدته؟



وقفت أمام الميكرفون والفكرة المزعجة إياها لا تزال تشغل ذهني: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ وبعد لحظات، وبدون تردد، طرحت السؤال على الجمهور، وأنا جاد كل الجد في ذلك، قلت: أيها الجمهور الكريم المحترم.. ترى كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ فضحك الجمهور بصخب ثم تعالى التصفيق في القاعة حتى صمّ أذنيّ. وكما تأكدت فيما بعد، من الصديق الذي كان يجلس بجانبي، فأن الجمهور كان يتصور أن سؤالي هذا إنما كان عنواناً لقصيدة جديدة‍!

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:57 PM

أنتظر على الرصيف بملل وحرج، طوال نحو عشرين دقيقة، حتى نقل العمال آخر كيس من تلك الأكياس الكبيرة المحشوة بالرسائل، إلى داخل مؤسسة البريد . همَّ بصعود الدرجات القليلة المتآكلة المؤدية إلى باب المؤسسة الداخلي، ثم توقف فجأة وكأنه تذكر شيئاً (من شبه المستحيل أن يتمكن العمال، خلال هذه الدقائق، التي مضت للتو، من تفريغ كل هذه الأكياس، ومن تصنيف الرسائل ومن ثم إيداعها العلب البريدية!) كان يفكر بملل زائد وبانزعاج (ثم مَن يضمن أن تلك الرسالة الموعودة، التي انتظرها منذ أشهر، وربما سنوات، موجودة مع هذه الشحنة من أكياس الرسائل؟)

تساءل مع نفسه جزعاً ثم عاد أدراجه إلى الرصيف ومنه إلى المقهى الصغير المعتم الواقع تحت جسر فيكتوريا (ماذا يحصل لو أني عدت بعد ساعة، وحتى ساعتين، فإذا كانت رسالتي في واحدة من تلك الأكياس، التي نقلها العمال، فستكون، بكل تأكيد، في طريقها إلى علبتي البريدية الصغيرة) شعرَ براحة لهذا الاستنتاج لكنه لم يتخلص تماماً من ذلك القلق الذي تغذيه هواجس غريبة (ماذا لو كانت الرسالة، التي انتظر بشغف منذ منذ كثير في ذلك الكيس الأزرق الضخم، الذي كان عامل البريد يسحله على الدرجات مثل خروف يُجرجَر للذبح؟! ولِمَ لا يكون ذلك الكيس قد تمزق على الدرجات وسقطت منه تلك الرسالة؟ ماذا لو أن ...)

ـ سادة أُستاذ؟

قطع نادل المقهى، الطويل بإفراط (كما يسميه عادة) منلوجه، فحملق بوجهه برهة ثم أجاب باستسلام:

ـ نعم سادة مع كأس ماء .

نزع نظارته الطبية وبخ على زجاجها نثاراً من فمه ومسحها بقطعة ورق ناعم . أخرج صحيفة صغيرة من حقيبته الجلدية السوداء، (وضع النادل فنجان القهوة وكأس الماء على الطاولة) بدأ يتصفح جريدته بلا مبالاة فوقع نظره فجأة على خبر ملفت، قرأ باندهاش لهذه المصادفة: «حتى الرسائل محرمة على المنفيين» (كان الخبر الصحفي يتحدث عن ضياع، أو عدم وصول الرسائل التي يبعث بها المنفيون إلى أهاليهم ) عاد إليه القلق لكنه تذكر أن الأمر لا يعنيه كان باب المقهى يطل، من موقع جانبي، على بناية البريد الكبيرة الغبراء .... رشف من فنجان القهوة والتفت، دون قصد، ناحية الباب كان هناك شابان وفتاة يقفون عند مدخل المقهى فيمنعون عنه رؤية بناية البريد تضايق أول الأمر لكن الفتاة سرقت انتباهه لم يكن يرى وجهها بيد أن قوامها الرشيق واكتناز خلفيتها المضمومة في بنطال الجينز الأبيض، أغرياه فظل يمعن النظر، خلسة، بتقاطيع ذلك الجسد، مأخوذاً بشهوة دفينة طمرها العوز اليومي وذلك الانتظار الشغوف، لتلك الرسالة الموعودة .


ظل يُقلّب صفحات جريدته الصغيرة باصطناع وفوضى، لكي يواصل اختلاس النظر إلى خلفية الفتاة، ازداد تأججاً وهو يراها تميل صوب أحد الشابين بطريقة أبرزت، أكثر فأكثر، مفاتنها البارزة . كانت تضحك فيهتز جسدها اهتزازات تجعل من خلفيتها المكتنزة تتكور وترتفع ثم تهبط باهتزاز آخر ناعماً لكنه صاخب أيضاً . انتفخت خصيتاه وشعر بارتجاف يجتاح جسده كله. حاول أن يلتقط كأس الماء، الذي اندلق بحركة غير إرادية من يده المتوترة، فأوقع الكأس وفنجان القهوة معاً، فالتفت نحوه رواد المقهى والشابان وفتاتهما أيضاً، شعر بالخجل لكنه تخلص من توتره الجنسي وعاد يقلّب، بلا مبالاة، جريدته الصغيرة .



تطلع إلى الساعة ونهض مسرعاً . سار باتجاه البريد، صعد الدرجات القليلة، التي تؤدي به إلى الباب الدوار، ثم دلف إلى الرواق المعتم المليء بصفوف طويلة من العلب البريدية. توقف أمام علبته ودقق في رقمها جيداً قبل أن يلج فيها مفتاحه الصغير. صمت برهة كأنه يصلي ثم فتح العلبة . لم يكن هناك شيء سوى الغبار والعتمة. مد يده ليتأكد فتركت أصابعه خطوطاً على الغبار، ذكرته بتلك الخطوط، التي تركها الكيس الأزرق الضخم على الدرجات، عندما كان عامل البريد يسحله كما الخروف .



لم ينشغل، من قبل، بانتظار رسالة، كما هو مشغول هذه المرة، وبهذه الرسالة بالذات . ربما كان عوزه المادي، الذي بلغ حدوداً مخزية (كما كان يردد) واحداً من أسباب هذا الانشغال المرير . فهو منذ أشهر يتحايل على صاحب البقالية المجاورة لغرفته، لكي يبقي صفحة ديونه مفتوحة، أو لكي يتهرب من تسديد ما بذمته، أطول فترة ممكنة .

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:57 PM

ولأن أسباب عدم تسديده دين البقالية، ضعيفة، أو غير مبررة في الأقل، بسبب مظهره الأنيق ولغته المهذبة والمثقفة في التعامل مع الآخرين، فقد كان يتجنب، طوال الأسابيع الماضية، المرور في الشارع الذي تقع فيه «بقالية الأمل» فيضطر لقطع مسافة التفافية مرهقة وموحلة، من أجل بلوغ غرفته في الأزبكية . تصادف مرة مع صاحب البقالية وجهاً لوجه، وكان مشهداً كئيباً، فقد حاول الإفلات دون جدوى، إذ لم يجد أمامه غير حل واحد هو عبور الشارع، بسرعة فائقة، إلى الجهة الأخرى. لكن سوء الحظ كان بانتظاره هناك أيضاً، فبعد هذه المخاطرة، وجد "أبو أمل" صاحب البقالية نفسه، يقف قبالته بالضبط، فهو الآخر كان قد قطع الشارع في اللحظة ذاتها، لأن بيته يقع في الجهة الثانية . انتهت المقابلة بسلام إذ لم يفتح "أبو أمل" أي حديث عن الدين واكتفى بسؤاله عن أحواله وعما إذا كانت الرسالة التي ينتظرها قد وصلته، بعد كل هذا الانتظار .



ستصل الرسالة لا محالة (قال لنفسه) ورمى بحقيبته الصغيرة على الطاولة بتكاسل وتعب، كمن يرمي بسيفه بعد معركة منهكة . ذهب إلى الفراش دون أن يفعل شيئاً، مع أن بطنه كانت خاوية (كان قد تساءل في المقهى: كيف يمكن أن يحدث لديه مثل هذا الانتصاب وبطنه خاوية؟) . أشعل سيجارته، التي يدخنها عادة قبل النوم، وهو يضع نصف جسده السفلي تحت الغطاء والنصف الآخر على حافة السرير العليا . تطلع في فضاء غرفته المعتم وكأنه يراه للمرة الأولى . كان الصباغ الزيتي قد تشقق من الرطوبة والقِدم فترك في السقف والجدران ما يشبه فوهات البراكين، يتطاير منها طحين رطب رمادي اللون، مع كل نسمة هواء تدخل من النافذة الوحيدة .



كانت صور النساء، نصف العاريات، قد فقدت بريقها من جراء تراكم ذلك الطحين الرمادي الرطب، فقام، مدفوعاً برغبة متأججة منذ الظهيرة، لينفخ في الصور، وعاد ليتمدد على السرير وهو يحدق بها كأنه يكتشفها للتو .



فكّر ملياً بتلك العبارة، التي انزلقت من ذهنه مثل حكمة عبقرية (ستصل الرسالة لا محالة) فأحس بالاطمئنان لأنه توصل أخيراً إلى حلٍ لتلك المعضلة، التي أرقته طوال الأيام الماضية. فما دامت الرسالة ستصل، كما توصل بفضل حكمته السديدة، فسوف تحل كل المشاكل دفعة واحدة ولا داعي، إذن، للقلق .

المفتش كرمبو 28 - 5 - 2011 01:58 PM

كان يستدعي، في العادة، واحدة من صاحبات الصور، كلما عزم على تهييج نفسه، لكنه قرر الليلة (أو هكذا جرى الأمر) أن يسهر مع صاحبة الجينز الأبيض وتكويرتها المغرية. هدأ ضجيج السيارات في الشوارع المحيطة بغرفته، مع هدوء أعصابه المتوترة، فانزلق، رويداً رويداً، في حوض الماء الدافئ المليء برغوة الشامبو، حتى بلغ الماء رقبته. مرت لحظات غائمة، اختلطت فيها الألوان والأضواء والأصوات والأمكنة. حطت حَمامات، بلا حركة، على حافة حوض الماء الدافئ، فلمح قصاصات ملونة تسقط من أرجل الحمامات، فتتطاير مثل أوراق شجر في الخريف . حاول أن يلتقط واحدة من تلك القصاصات، فانزلقت في حوض الماء وترسبت في القاع . حاول التقاط واحدة أخرى، كانت أشبه بمظروف رسالة ملونة، مد يده، فاستحالت شيئاً صلباً ساخناً ولزجاً، استهوته مداعبة ذلك الشيء، فطارت الحمامات من حافة الحوض وحطت على حافة السرير، لكنه ظل يحاول الإمساك بتلك الرسالة ليفك مظروفها الملون .



مد يده مرة أخرى، فانزلقت يده في منفذ معتم، بسبب لزوجة أصابعه . سقطت قصاصته في الحوض فاستحال الماء الدافئ أحمر قانياً، ثم اندلق على أرضية الحمام وانساب إلى غرفة نومه . ظل يحاول، يدخل يده في الكوة فتعود لزجة خالية، فيما الماء يندلق أكثر فأكثر فيشكل نهراً صغيراً من رغوة الشامبو، يتسرب بهدوء، وهو لا يزال يكرر محاولته للإمساك بقصاصة الورق الخضراء. قطع نهر الرغوة باب غرفة النوم فامتلأت به، ثم صعدت السرير وغطت الشراشف وكادت تصل صور النساء، شبه العاريات، المعلقة على الجدران . كانت فتاة الجينز الأبيض، بين تلك الصور . مد يده ليمسك بها فسمع ضحكات، كان مصدرها فتيات الصور . ترك القصاصة تسقط في الماء الدافئ وذهب يتفحص الفتاة صاحبة الجينز، ويحاول منع الرغوة من الوصول إليها، تلمّس صدرها وبطنها فانزلقت يده في فتحة الحوض، فتلمس شيئاً رخواً ساخناً. عاد يبحث عن القصاصة فلم يجد هناك شيئاً سوى الغبار والعتمة .سقطت يده من على السرير وكانت رطبة ولزجة، فانطبعت أصابعه على الطحين الرمادي المتساقط من السقف، تاركة خطوطاً تشبه تلك التي تركها الكيس الأزرق، الذي كان يسحله عامل البريد، مثل خروف يجرجر للذبح . في صباح اليوم التالي كان جبار العراقي (بطل هذه القصة) خاوياً مهدود الأعصاب، مبللاً بعرقه اللزج، يعاني من حمى شديدة، لا يقوى على تذكر أي شيء سوى تلك القصاصة، الغبراء اللون، التي تسلمها من موظف البريد . مد يده بصعوبة إلى طرف الطاولة والتقط القصاصة وقرأ ثانية: «نبلغكم أن اشتراككم في العلبة البريدية رقم ألفين، التي كانت مسجلة باسمكم، قد إلغّي جراء عدم تسديدكم الاشتراك السنوي ... شكراً رمى بالقصاصة وردد مع نفسه: شكر!


الساعة الآن 10:35 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى