منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من أسرار الأسماء فى القرآن (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28624)

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:27 AM

من أسرار الأسماء فى القرآن
 
من أسرار الأسماء فى القرآن
بقلم : د. بسّام جرار

أحـمـد

جاء في ( عمدة الحفاظ ) للسمين الحلبي أن لفظ ( الاسم ) مشتق من السُّمو، وهذا قول البصريين، وقيل من الوسم وهو قول الكوفيين، وعليه فالأصل في الاسم أنّه رفعة وعلامة، وتستخدم الأسماء لتمييز الذوات عن غيرها، ويغلب أن تشير الأسماء إلى صفات، ومن هنا يميل الناس إلى اختيار الأسماء ذات الدلالات الإيجابية، وهم يأملون أن يكون للمرء من اسمه نصيب.

المستقرئ للقرآن الكريم يجد أنّ الاسم يدل على صفة، وأسماء الله تعالى كلها تدل على صفاته عزّ وجل، وعليه يكون المعنى في قوله تعالى :" هل تعلمُ له سميا " أي هل تعلم له مثيلا في صفاته، وقد أخطأ من ظن أنّ أسماء الله مجرد أعلام فقال إن معنى " هل تعلمُ له سميا " أي هل تجد من تسمّى باسمه، وهذا غير مقبول، لأن هناك من تسمى برحمن، ورحيم، وكريم...الخ

جاء في سورة الرعد:" وجعلوا لله شركاء قُل سمّوهم " يقول السمين الحلبي في عمدة الحفاظ:" ليس المعنى أظهروا أساميها فقولوا : اللات، والعزّى، وهبل، ونحو ذلك، وإنما المعنى أظهروا حقيقة ما يدّعون فيها من الالهية، وانكم تجدون تحقيق ذلك فيها " ويقول في قوله تعالى : " تبارك اسم ربّك" المعنى أن البركة والنعمة تفيض في صفاته عز وجل.

جاء في سورة الصف :" ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..." أي أن صفاته عليه السلام تستجلب الحمد في أقوى صوره، وأجلاها، وأفضلها. فهو إذن يحمدُ أكثر من غيره لأن صفاته تجعله يحمد من الناس أكثر. أمّا ( محمد) فدال على كثرة حمد الحامدين إيّاه. وعليه فإذا قصدنا بالاسم الصفة التي تدفع الناس إلى حمده عليه السلام فهو (أحمد)، أمّا إذا نظرنا إلى ردة فعل الناس، من غير الإشارة الصريحة إلى صفاته عليه السلام فهو ( محمد ). فصفته عليه السلام أنه أحمد، فما يخصه في ذاته إذن هو أنه (أحمد) أما ما اشتهر به من لفظ يميزه عن غيره عليه السلام فهو

( محمد). ونقول بعبارة أخرى : المقدمات الموجودة في ذاته عليه السلام يلخصها اسم أحمد، أمّا النتيجة الموجودة خارج الذات فيعبر عنها اسم محمد.

اشتهر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام بأنه الصادق الأمين، وكانت هذه الشهرة نتيجة لما لمسته قريش من صدقه وأمانته عليه السلام، أمّا اليوم وبعد أكثر من 1400 سنة فإننا نجد أن الشخصية التي تمتدح أكثر، لما يتجلى فيها من صفات، هي شخصية الرسول عليه السلام من غير منازع، فهو أحمد من غيره على مدى التاريخ البشري إلى يومنا هذا. فتبشير عيسى عليه السلام كان برسول يأتي من بعده صفاته ستبقى إلى يوم القيامة أحمد من غيره.

بعد كل ما ذكرناه نخلص إلى نتيجة أنّه لا بد لنا من إعادة النظر في التعامل مع الأسماء القرآنية، فلا يجوز لنا أن نظنها مجرد أعلام تخلو من المعاني والأسرار، وعلى وجه الخصوص عندما تكون التسمية ربانية، انظر إلى قوله تعالى:" وإنّي سميتها مريم" فلا بد من سر وراء هذا الاسم الكريم. وانظر إلى قوله تعالى :" اسمه المسيح عيسى ابن مريم " فلا بد من التوقف عند هذا الاسم المركّب. ثم انظر إلى قوله تعالى:" إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا " وانظر إلى قوله تعالى:" فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب " هذه الأسماء وغيرها هي كنوز وأسرار، ونحن نهدف بمثل هذا المقال إلى لفت الانتباه إليها لتصبح في دائرة اهتمام الدارسين.

يعقوب عليه السلام هو أيضاً في القرآن إسرائيل، ويونس عليه السلام هو أيضاً ذو النون، وإدريس عليه السلام فيما يرجح أنه إلياس، ومحمد عليه السلام هو أحمد. وبالتحقيق والمتابعة تتكشف بعض أسرار هذه الأسماء، بشرط أن لا نتعامل معها بسطحية، ولا بأس بالرجوع إلى اللغات السّاميّة، بعيداً عن علماء التوراة والكتاب المقدس، الذين يطوّعون اللغة لتصورات كتبة أسفار العهد القديم، حتى عندما يجمح بهم خيال الأسطورة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:28 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الآخرة


عندما تؤمن المدرسة الوجوديّة بالعبثيّة، وعندما ترفع شعاراً يقول:" لا شيء له معنى إلا الموت" فإنها تكون قد عبّرت بوضوح عن الحقيقة التي يهرب من مواجهتها الماديّون، لأن هذه النتيجة لا بد أن يصل إليها كل من أنكر اليوم الآخر.فعظمة الكون، وإبداع الخلق، والهدفيّة المتجليّة في كل صغير وكبير من هذا الوجود، كل ذلك يفقد معناه عندما نعتبر أنّ الدنيا هي نهاية المطاف.



إذا كان وجودي ينتهي بالموت، فلماذا أعيش ؟! هل يوجد في الحياة الدنيا ما يبرر الاستمرار ؟! ما معنى التزامنا بالمبادئ والقيم؟! ما مدى منطقية القول: هذا يجوز، وهذا لا يجوز ؟! يمكنك أن تشكك في كل القيم، ويمكنك أن ترفض كل شيء، ويمكنك أن تفعل ما تشاء، لأن الدنيا هي نهاية كل شيء. سيكتشف الناس أن إنكار اليوم الآخر يفرغ الحياة الدنيا من معناها، وعندها لا بد أن تكون السيادة للفلسفة العبثيّة، وعندها سيكون الانتحار هو الشجاعة التي تستند إلى العقل والمنطق، وسيكون الاستمرار هو الغباء الذي يورث الجبن والتردد.



وحتى الآخرة عندما يكون لها نهاية تفقد معناها، ومن هنا كان الخلود من أكبر حقائق اليوم الآخر، بل إنّ من أوضح حقائق النفس البشريّة الرغبة الملحة لدى الإنسان في البقاء والاستمرار، إذ لا يصلح لعالم الخلود من ركّب فيه الميل إلى الفناء. وعليه فقد جاء الدين منسجماً مع حقائق الخلق، فكانت الآخرة من حقائق الوجود، وكان الخلود من حقائق الآخرة. وهنا يتحقق الانسجام الكامل في كل شيء، وبذلك تظهر الفلسفة الماديّة كعارض مرضي، وكشذوذ تأباه البشريّة، لأنه يتناقض مع فطرتها، لذا سيبقى الإلحاد استثناءً غير قابل لأن يكون القاعدة.

من يقرأ القرآن الكريم يجد أنّ قضية اليوم الآخرة هي القضية الأولى، وتحظى بمساحة ضخمة في كتاب الله العزيز، ويكتشف أن صلاح الدنيا لا يكون إلا بالايمان بالآخرة، وأن صلاحها هو المقدمة الضرورية لصلاح الآخرة، ولا مجال للفصل بين العالمين، وكل محاولات الفصل عبر التاريخ البشري باءت بالإخفاق الذريع، وأول علامات الإخفاق الشعور بالعبثيّة، وبفقدان الهدفيّة، وانهيار القيم الأخلاقية. وليس عجيباً بعد ذلك أن نسمع أن أعلى نسبة للانتحار في العالم هي في البلاد الاسكندنافيّة، والتي هي الأولى أيضاً في مستوى الرفاه المادّي. وليس غريباً أيضاً أن نجد الجموح والتمرد في المجتمعات الغربية، التي سادت فيها يوماً ما فلسفة احتقار الدنيا، وانتشار الرهبنة، وتقديس العزلة، التي يعبّر عنها أصدق تعبير بعض كتّاب الغرب في تلك العصور عندما قال :" إن القديس فلان لم يرتكب إثم غسل الوجه ثلاثين عاما، وإن القديس فلان لم يرتكب إثم غسل الرجلين خمسين عاما، أمّا نحن، فوا أسفاه، ندخل الحمّام كل يوم !".



تكرر ( اليوم الآخر ) في القرآن الكريم 26 مرّة، وتكررت كلمة ( الآخرة ) بمعنى اليوم الآخر 113 مرّة، وتكرر ( يوم الدين ) 11 مرّة، وتكرر ( يوم القيامة ) 70 مرّة، فكيف بنا إذا أحصينا أيضاً يوم الحساب، ويوم التغابن، والصاخّة، والحاقة، والجنة، والنّار، …… وغير ذلك من الألفاظ الدالّة على اليوم الآخر. في المقابل نريد من الذين قرأوا التوراة الحالية، والعهد القديم، أن يدلونا على نص واحد يصرّح بعقيدة اليوم الآخر لدى اليهود، في حين نجد هناك أكثر من نص في الأناجيل المتداولة ينص على عقيدة اليوم الآخر، وهذا يعني أن قضية اليوم الآخر عند اليهود هي قضيّة اجتهاديّة، وبإمكانك بعد هذا أن تفهم الكثير من مواقف وسلوكيّات اليهود … !!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:29 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الأرض المباركة
بوركت فلسطين في القرآن الكريم خمس مرّات، وقدّست مرّة. وسبق لنا أن ناقشنا مفهوم القداسة، وبالتالي مفهوم الأرض المقدسة أي المطهرة، والتي لا يُعَمِّر فيها ظالم، تميزت فلسطين على باقي بقاع الأرض بأنها المقدسة والمباركة. جاء في الآية 18 من سورة المائدة على لسان موسى عليه السلام : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة... " وجاء في الآية 71 من سورة الأنبياء في حق ابراهيم عليه السلام " ونجيناه ولوطاً إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين " واللافت للإهتمام في هذه الآية أنّ فلسطين مبارك فيها للبشرية جمعاء، وهذا يدعو إلى التدبّر لعلنا ندرك بعض أسرار هذه البركة.

البركة فيها معنى الثبات والأستقرار، وفيها معنى الاستمراروالملازمة، ومنه سمي المكان الذي هو محبس للماء بركة. وعليه فالبركة هنا _ كما جاء في قول المفسرين _ هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء أو هي الخير المستقر في الشيء اللازم له. وهذا يعني أنّ الخير الالهي حلّ في كينونة فلسطين، وهذا الخير يلازمها في كل العصور إلى يوم القيامة.وتتجلى بركتها في كونها مقدّسة ومطهّرة من الشّر، ولا يتجذر فيها باطل.

لقد نجحت الحملات الصليبية في احتلال ساحات شاسعة من العالم العربي والاسلامي، وكانت فلسطين هي الهدف المركزي لهذه الحملات، وعندما حُسم الصراع على أرضها المباركة، رجع الصليبيون الى بلادهم وقد تأثروا تأثراً بالغاً بفكر وأخلاقيات الشرق الاسلامي. وكانت هزيمتهم من اهم المقدمات للنهضة العربية في كافة المجالات. وكان لهذه التجربة الأثر الكبير في انسياح الأوروبيين غرباً مما ادى الى اكتشاف الأمريكيتين. واذا كانت (حطين)نقطة تحوّل هامّة في تاريخ المسلمين والاوروبيين، فإن (عين جالوت) كانت المنعطف الحاد الذي نقل المغول من أمّة مفسدة وسافكة للدماء إلى أمّة متحضرة، تقيم العدل على اساس من الدين الاسلامي الحنيف.

لا نستطيع أن نتخيل صورة العالم لو نجحت حملة نابليون في الشرق العربي، ومعلوم أنّ هزيمته في فلسطين قضت تماماً على طموحه في السيطرة على الشرق الاسلامي، بل قوّضت سيطرته في أوروبا، وقلبت موازين القوى الكبرى في حينه. واليوم شكّل الاحتلال الصهيوني لفلسطين تحدياً كبيراً للعرب والمسلمين، ولا يزال هذا التحدي يشكل استفزازاً لوعي الشعوب في المنطقة، فالإخفاقات قد تسبب إحباطاً مؤقتاً ولكنها تسرّع في الوعي، وتسقط الكثير من الأصنام والوثنيّات، وتدفع بقوة نحو العودة الى الذات الحضارية الواعيّة.

لقد شكلت القضيّة الفلسطينيّة حاجزاً صلباً حمى وحفظ شعوب المنطقة من الذوبان في الحضارة الغربيّة، في الوقت الذي كان فيه العالم العربي والاسلامي يعاني من الأمية والتخلف، وذلك عندما شعرت الشعوب العربية والإسلامية بعداوة الغرب الشرسة الذي أوجد إسرائيل، وأمدها بكل ما لديه من قوة، فخلق هذا التأييد رفضاً لدى العرب والمسلمين، بحيث أصبح الإنتماء إلى الذات الحضارية يقود على رفض التغريب. إن الإخفاق في حل المسألة الفلسطينيّة يعني أنّ الأمّة لم تصل بعد الى طور العالميّة وفي الوقت الذي نستطيع فيه أن نحل هذه المسألة حلاً عادلاً نكون قد أصبحنا في المستوى اللائق لحمل رسالة الاسلام للعالم، وإذا تكلمنا بمنطق من يدرس التاريخ، ويراقب الواقع، ويرصد التحولات، فلن نتردد لحظة في القول بأن حل المسألة الفلسطينيّة هو مسألة وقت. وتاريخ الأرض المباركة يشهد بذلك. ولسنا بحاجة إلى الاصغاء إلى المحبطين لأنهم حالة مرضية، وعقيدة وثنيّة، وبمثل هؤلاء لا يزداد الناس إلا سقوطا.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:29 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الأرض المقدسة

جاء في الآية 21 من سورة المائدة على لسان موسى عليه السلام : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ..." المقصود (بالأرض المقدسة ) في هذه الآية الكريمة فلسطين، ولسنا الآن في مقام تحديد حدودها الجغرافية في المنظار الديني. في الآية يطلب موسى عليه السلام من قومه أن يدخلوا الأرض المقدسة التي فُرض عليهم دخولها في حينه، وقد ارتبط هذا الفرض بوعد أن يتم دخولهم بسهولة ويسر : " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون ... " ولسنا ايضاً في مقام رفع الالتباس الذي حصل عند البعض في فهم هذه الآية بما يؤدي إلى تحريفها بحيث تصبح : " الارض المقدسة التي كتبها الله لكم .." أو " كُتِبت لكم " في صيغة المبني للمجهول . بل نحن الآن في مقام تبيين بعض معاني كلمة (المقدسة) .



(القُدُسُ) و (القُدْس) هو الطُهر ، والارض المقدسة هي الارض المطهّرة، وهناك فرق بين (الارض الطاهرة) و(الارض المطهّرة )، فالطاهرة هي التي لا يلابسها دنس ، أمّا المطهرة فقد يلابسها الدّنس، ولكن لا تلبث أن تُطهّر . وهكذا، فكلما تكرر وجود الدنس تكرر التطهير. ويُفهم من هذا أنّ لفلسطين وظيفة مباركة تتعلق بمسيرة البشرية كلها : " الأرض التي باركنا فيها للعالمين " . فهي الارض التي لايتجذر فيها باطل ،ولا يدوم فيها شر ، لأنها الارض المطهرة من ذلك كله . وقد يعّبر عن هذا المعنى ما ورد من انها لا يُعمّر فيها ظالم.

في الماضي كانت فيها نهاية الرومان الشرقيين، وكان ذلك في (معركة اليرموك)، أما نهاية البطش المغولي فكانت في (عين جالوت )، ولا تسأل عن نهاية نابليون، ولا تنس أن نهاية المسيح الدجّال ستكون في الارض المقدسة ، وكذلك نهاية (يأجوج ومأجوج). أمّا اليوم فإنّ وجود إسرائيل يكاد يُنسينا حقيقة وجوهر هذه الارض، بل قد يظن البعض أنّ عجلة التاريخ ستتوقف عند هذه اللحظة ، أو أنّ سنة الله في المجتمعات ستتخلف، وأنّ كينونة فلسطين المتميّزة في كونها (مُطهّرة) ستزول، وما علموا أنّ وجود (إسرائيل) على الصّورة التي وجدت فيها ، وفي الوقت الذي أصبح فيه إفساد الصهيونية عالمي الأبعاد ، ويصدر عن هيمنة وسيطرة كونية الامتداد ، لهو الدليل على أنّ الامور تسير في طريق التقاء أقدار المفسدين ب(قَدْر) فلسطين الأرض المقدسة.



جاء في الحديث الشريف : " إنّ الارض لا تُقدّس أحداً ، ولكن يُقدِسُ الرجلَ عملُهُ" فوجود الانسان في الارض المقدسة لا يطهره من ذنوبه وأدرانه ، بل لا بد من العمل الصالح حتى تتطهر النفس من أمراضها وأدرانها "...ولكن يطهر الرجلَ عملُه" فعمر الشر في الارض المقدسة قصير، إذا ما قورن بما سواها من أراضٍ وبلاد .وقد يفسر هذا اضطراب المنطقة المستمر عبر العصور، فقدسيتها تأبى عليها أن تتقبل على ظهرها الفساد . ولا ننسى أننا ننظر هنا بمنظار غيبي، بعيداً عما يؤيده في عالم الشهادة. ومن حكمة الدين أنّه يجعل من البعد الغيبي امتداداّ لعالم الشهادة. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى التربية القائمة على بعدين، أحدهما واقعي ويرفده غيبي ،حتى لا يؤدي ثقل الواقع المحسوس إلى الاحباط والتحلل . والدارس للتاريخ يجد أنّ صلاح الدين ومن عاصره من المسلمين كان لديهم هذا المنظار الثنائي المتكامل.

فإذا كانت فلسطين تتميز في تكوينها على باقي بقاع الأرض بأنّها مطهّرة ، فإن ذلك من أهم العوامل التي تساعد أهل الجد والاخلاص على تحقيق العدالة ، في الوقت الذي طغى فيه الشّر واستشرى . وأخيراً نقول ما قاله الرجلان في الآية 23 من سورة المائدة : " ادخلوا عليهم الباب ... "

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:30 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الأقـصـى

في مقال سابق تناولنا بعض أسرار اسم الأقصى، وما نهدف إليه في هذا المقال أن نلقي الأضواء على مساحة المسجد الأقصى، وقد دفعنا إلى هذا ما يتردد تصحيحاً لأوهام النّاس، بأن الأقصى هو البناء الجنوبي وليس قبة الصّخرة، وهذا الأسلوب في تصحيح الخطأ يوقع الناس في بلبلة واضطراب، إضافة إلى أنه يجافي الحقيقة، لأن المسجد الأقصى هو تلك المساحة التي تقارب ال 144 دونما، وهي المساحة المحاطة بحلقة من الأبنية، والتي تشكّل مع السّور حدود المسجد الأقصى. وتشمل هذه المساحة كما هو معروف بناء قبة الصّخرة، والبناء الجنوبي، المسمّى بالأقصى، وأية مساحة تضاف مستقبلاً تأخذ حكم المسجد الأقصى.

ومعلوم في التاريخ الإسلامي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من أنشأ بناءاً في القسم الجنوبي من الأقصى، أمّا لماذا في أقصى الجنوب، فهذا واضح، لأنّ القبلة هي في الاتجاه الجنوبي من فلسطين، ومعلوم أن الإمام يقف في مقدمة المسجد ثم تكون الصفوف من خلفه متكاملة نحو الشمال. وعليه لا يُقبل شرعاً أن يكون محراب الإمام إلا في أقصى الجنوب، وغير هذا من الأوضاع يعني إلغاء جزء من مسجديّة المسجد، ومن هنا وجدنا العامّة تسمي البناء الجنوبي بالأقصى، مع علم الجميع بأن اسم الأقصى يطلق على الكل، ويطلق أيضاً على الجزء. وعليه تكون قبة الصّخرة جزءاً لا يتجزأ من الأقصى، وهذا معلوم بداهة، ولكن قد يتوهم من لم يعش في فلسطين أن الأقصى ينحصر في قبة الصّخرة، وقد يتوهم آخرون بأن الأقصى ينحصر في البناء الجنوبي.

هل هناك خصوصية لصخرة بيت المقدس تجعلها متميّزة دينياً على باقي أرجاء المسجد الأقصى ؟

لقد نسجت حول الصّخرة الأساطير الكثيرة، روجها بعض العلماء قبل أن يروجها العامّة، وقد ساعد عدم وجود أحاديث صحيحة حول خصوصية الصّخرة على ذهاب الخيال مذاهب كثيرة، بل لقد اتخذت الصّخرة في عصور الجهل قبلة في الصلاة، وطاف بها عوام المسلمين كما يطوفون بالكعبة، وتقربوا إليها بأنواع القربات، مما جعل العلماء المحققين يجهرون بأنه لم يصح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام، ما يدل على خصوصية الصّخرة، وبالتالي يحرم شرعاً أن تُخَصّ بطواف أو ذبح أو تعمّد اتخاذها قبلة.

بعد كل ما ذكر يبقى السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة مقنعة وهو: إذا لم يكن للصخرة خصوصية بالنسبة إلى باقي المسجد، فلماذا أقام عبد الملك بن مروان هذا البناء البديع المسمّى قبة الصّخرة؟ ومعلوم أن عبد الملك بن مروان من التابعين الذين عاصروا الصحابة الكرام، وكان من فقهاء المدينة، ومن هنا نجد أنه قد بادر إلى بناء قبة الصّخرة قبل أن يبدأ ببناء الأقصى الجنوبي، وهذا يدل على معرفته بمقام هذه الصّخرة، ووجود البناء يُغني عن كثير الكلام، كيف لا والكل يجمع على شخوصها لأكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين سنة، فهي الشاهد الماثل في الحس، الذي يُغني عن قيل وقال، كما أغنت الأبنيّة المحددة لساحات المسجد الأقصى عن حاجتنا إلى الأسانيد التي تحدد لنا الأطوال والمساحات، وهذا في علم التاريخ أبلغ من قيل وقال.

لقد دفعت بدع العوام بعض العلماء إلى المبالغة في الرّد، إلى درجة الذهول عن معنى بناء قبة الصّخرة في عصر التابعين المعاصرين للصحابة الكرام، بل إنّ بعض كبار العلماء يذهب به رفضه لبدع العوام إلى أن يقبل الرواية التي زعمت أن عبد الملك بن مروان بنى قبة الصّخرة ليصرف الناس عن الكعبة المشرّفة، والغريب أنّهم يقبلون مثل هذه المزاعم من غير أن يطلبوا الدليل على صدق الرواية، وهم يعلمون أنّ أعداء بني أميّة قد أكثروا في ذمّهم، وللكذب علامات لا تخفى على الصادق.

جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها..} 142 من سورة البقرة :" وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس.… قاله ابن عباس والجمهور " وعليه فإننا نستطيع أن نقدّر أنّ الصّخرة هي ثاني بيت وضع للناس، ثم اتسعت المساحات من حولها كما هو في الكعبة أول بيت عبد فيه الناس رب العالمين، ولنا زيادة على هذا التقدير أدلة قرآنية على أن كهف الصّخرة هو كهف أصحاب الكهف، ولعلنا نبسط هذا الأمر في مقام آخر إن شاء الله.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:30 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الآل والأهل
أهل الرجل في الأصل هم من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ونلحظ بالاستقراء أنّ الملازمة هي أبرز دلالات كلمة الأهل، ومن هنا نقول: أهل المدينة، أهل البيت، أهل الكتاب، أهل العلم … أما الآل فهم الذين يؤول إليهم الإنسان، أي يرجع إليهم، أو يرجعون إليه في دين، أو مذهب، أو نسب … ومن هنا يقال للأهل أحياناً آل، ولكن آل تستخدم في بيان شرف من يؤول إليهم الإنسان، أو شرف من يؤولون إليه.

جاء في الآية 33 من سورة الأحزاب:"إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" المتدبر للآيات الكريمة يدرك أنّ مسؤولية الملازمين للرسول صلى الله عليه وسلم من أقرباء وأزواج هي أكبر من مسؤولية الآخرين، ومن هنا خصهم الله تعالى بأحكام فيها من التشدد والاحتياط ما فيها، نظراً لحساسية موقف الرسول القائد عليه السلام، والذي هو القدوة الحسنة: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " وعلى الرغم من وضوح هذا في القرآن والسنة، فقد تصور البعض أن وصف أهل البيت يعطي من ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الأفضلية، فيدعوهم ذلك إلى التحلل من المسؤولية، ويتوسّلون بالنسب الشريف للتسلط على رقاب الناس، ولتبرير خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين. ولما كانت كلمة أهل تدل على الملابسة والملازمة، فلا يستطيع أحد أن يزعمها بعد 1400 سنة، بل يلحظ أن من يزعمها اليوم هم الأبعدون الذين لا ينتمون إلى الأمة بل إلى أعدائها.

جاء في الحديث الشريف أن صحابياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: "كيف نسلّم عليكم أهل البيت؟" فجاء جواب الرسول الكريم ليجعل السلام على المتقين من أمته، الذين يرجعون دوماً إلى دينه وشريعته، بحيث أصبح الرسول مرجعهم ومرجعيتهم، فقال عليه السلام: "قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد … "، نعم، لا معنى لأن نخص بالدعاء أهل البيت، حيث لم يشهد القرآن ولم تشهد السنّة لهم بالعصمة، ولم يرد في الدين ما يدل على تميّزهم وتفضيلهم، بل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد عليه السلام يدها. نعم لا معنى لهذا الاختصاص، وقد وجدنا أنّ من أقربائه عليه السلام من قاوم دعوة الله، وأساء إلى رسوله. وهذا إبراهيم عليه السلام يطلب أن تكون الإمامة في ذريته فجاءه الوحي: "لا ينال عهدي الظالمين"أمّا تكريم المجتمع المسلم لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو دليل على صدق الإيمان، وصدق الاتباع، وصدق المحبة، كيف لا وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل بيته الكرام، وقد شهد الواقع التاريخي بخيريَّتهم، وإمامتهم في التقوى والصلاح، وصبروا وصابروا حتى لقوا وجه الله تعالى.

جاء في الآية 4 من سورة التحريم: "…فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " فإذا كان آل الرسول عليه السلام أعظم منزلة من أهله، فإن أولياءه أعظم منزلة من آله، لأنهم أصحاب النسب الحقيقي، ولأنهم اختاروه، وأحبوه، ونصروه، وقدّموه على كل ما سواه. وقد يحسن أن نختم بكلمات للإمام جعفر الصادق عندما سئل عن آل البيت فقال: "إذا قاموا بشرائط شريعته كانوا آله" وهذا يعني أنّ آله في اعتبار الإمام جعفر الصادق، هم أولياؤه الذين يحملون دعوته، وينصرون شريعته، فيبلغوا بذلك أعلى مراتب القرب والقرابة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:31 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الإيمـان
الإيمان هو التصديق، ولكنه التصديق الذي معه أمن، والإيمان في الدين يحقق الأمن الفردي والجماعي، الدنيوي والأخروي، وأنّى لغير المؤمن أن يحس بالأمن؟! لقد استعاض العلماء في فترة ما عن هذه اللفظة(الإيمان) بلفظة (العقيدة) والتي تدل على الجزم في التصديق، وتبقى لفظة (الإيمان) هي اللفظة التي نص عليها القرآن الكريم والسنّة الشريفة.

يأخذ الإنسان المعرفة إمّا عن طريق العقل كالمبادئ الرياضيّة، وإمّا عن طريق الحس كالألوان، وإمّا عن طريق الخبر الصادق كالمعارف التاريخيّة، والوحي الرباني. ولا يوجد طريق رابع معروف لأخذ المعرفة، أمّا الإلهام والرؤى الصادقة فهي عن طريق الخبر الصادق، وهو ما يُعرَف في الدين بلمَّة المَلَك، في حين يمكن إرجاع ما يُسمّى بالتّخاطُر إلى حاسّة مجهولة في الإنسان. وإذا ما استعرضنا أركان الإيمان في الإسلام نجد أن ركن الإيمان بالله تعالى يثبت عن طريق العقل فقط، وأمّا ركن الإيمان بالملائكة فثبت عن طريق الخبر الصادق(الوحي)، وأمّا ركن الإيمان بالكتب فثبت عن طريق العقل إذا كان المقصود القرآن الكريم، أمّا إيمان المسلم بالتوراة والإنجيل فعن طريق الخبر الصادق، وكذلك ركن الإيمان بالرسل؛ فإذا كان المقصود الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم فلا يكون ذلك إلا عن طريق العقل، ومن هنا كانت المعجزة، وأمّا إذا قصد الإيمان بباقي الرسل فيكون ذلك عن طريق الخبر الصادق، والذي هو هنا الوحي الثابت بالعقل. أمّا ركن الإيمان باليوم الآخِر، وركن القضاء والقدر فيثبتان عن طريق الخبر الصادق.

على ضوء ما سلف نجد أنّ أركان الإيمان في الإسلام لا تثبت إلا من طريقين؛ العقل والخبر الصادق، أمّا الحس فليس من طرق إثبات القضايا الإيمانية، لأنّ الإيمان يتعلق بالمسائل الغيبيّة، ولا يتعلق بالمحسوسات. فالمعارف التي تؤخذ عن طريق الحس لا يتعلق بها إيمان، فلا نقول: نؤمن بوجود اللون الأحمر مثلا، ولا نقول نؤمن بأنّ النار تحرق، وبأنّ الماء يروي … وبذلك يتبين لنا خطأ من ينكر بعض القضايا الإيمانيّة بذريعة أنها غير محسوسة؛ لأنّ الحس هو طريق من ثلاثة طرق تؤخذ بواسطتها المعرفة، وكل طريق يقودنا إلى معرفة تختلف تماماً عن المعارف التي تقودنا إليها الطرق الأخرى. فمعلوم أنّه يستحيل على الأعمى مثلاً أن يدرك حقيقة الألوان، ولكنه يؤمن بوجودها عن طريق الخبر الصادق، فالألوان بالنسبة للمبصر هي قضية حسيّة غير إيمانيّة، وهي بالنسبة للأعمى قضية إيمانيّة غير حسّية.

عُرّف الإيمان الديني بأنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل، وعرّف عند العلماء بأنّه تصديقٌ بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وبهذا يظهر الفرق بين الإيمان الفلسفي والإيمان الديني، فالإيمان الفلسفي لا يستلزم سلوكا، ولا يوجب التزاما، أمّا الإيمان الديني فلا يصح حتى ينعكس سلوكا، فالدين لا يقبل أن يكون الإيمان ترفاً فكريا، بل إن الإيمان الذي لا يصدقه عمل يوشك أن يموت، فالفكرة كالجسد إذا لم تعمل تموت، ومن هنا ليس عجيباً أن نجد على أرض الواقع أن أشد الناس إيماناً أشدهم إلتزاما، وأنّ قوة الإيمان تتجلى في الذين يتحركون بالفكرة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:31 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
التـابوت

جاء في الآية 248 من سورة البقرة : " إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيّة مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ….".

عندما طلب بنو إسرائيل قبل عهد داود عليه السلام أن يجعل الله لهم ملكاً يجمعهم، ويوحّد كلمتهم، ويقودهم في حربهم لأعدائهم، استجاب الله لهم، وجعل طالوت ملكاً عليهم، وجعل علامة اختياره أن تأتي الملائكة بالتابوت الذي استولى عليه أعداؤهم، وهو صندوق فيه بقية من آثار موسى وهارون عليهما السلام، توارثه الصالحون من بني إسرائيل. وبعودته إليهم جعل الله فيه الطمأنينة لنفوسهم، التي بقيت مضطربة لفقده واستيلاء الأعداء عليه.

واضح من النص القرآني الكريم أنّ التابوت له قداسة، وعلى وجه الخصوص الآثار المتوارثة من عهد موسى وهارون، ونحن نعلم أنّ الله تعالى قد أنزل على موسى عليه السلام فيما أنزل الألواح، والتي خطّت فيها الوصايا، وقد ورد في سفر الخروج في التوراة الحالية:" واجعل في التابوت الشهادة التي أعطيكها " والمقصود بالشهادة ما ورد في سفر الخروج أيضاً :" ولما فرغ من مخاطبة موسى على طور سيناء دفع إليه لَوْحَي الشهادة، لوحين من حجر …." وقد ورد في سفر صموئيل أنّ أعداء بني إسرائيل قد سيطروا على التابوت هذا لمدة سبعة أشهر.

ورد أن كلمة التابوت مشتقة من التّوب وهو الرجوع، لأنه يُرجع إليه تكراراً لأخذ وإرجاع المودعات فيه، وعليه تكون اللفظة عربية على قول الكثير من أهل اللغة. وقد ذكرت التوراة الحالية أنّ التابوت المقدس عندهم صنع من الخشب والذهب بأمر من الله تعالى، ويقولون إنّ طوله يبلغ متراً وربع المتر، أما عرضه فيبلغ 75 سم، وكذلك ارتفاعه. وورد أنّ بني إسرائيل كانوا يحملون التابوت ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك دافعاً لهم للاستبسال، لثقتهم بالنصر بوجود التابوت. وقد ورد في أخبار الأيام الأول من العهد القديم على لسان داود عليه السلام :".. حتى نُرجع تابوت إلهنا، لأننا أهملنا طلب المشورة بواسطته منذ أيام شاول " ويقصدون بشاول هنا طالوت المذكور آنفا.

والتابوت عندهم من أقدس المقدّسات، وكانوا في البداية يضعونه في وسط خيمة، ثم أحضره داود عليه السلام حسب رواية العهد القديم إلى (مدينة داود)، وعندما بنى سليمان عليه السلام الهيكل وضعه في أقدس بقعة في الهيكل وهي (قدس الأقداس ) وهي عبارة عن غرفة لا نوافذ لها، وتكون أعلى جزء في الهيكل، وهي محرابه. وهم يعتقدون أن روح الله حلّت في التابوت. وعندما تم تدمير الهيكل 586 ق.م على يد نبوخذ نصّر البابلي فُقدت التوراة، وفقد تابوت العهد، ويبدو أنّه تم إحراقهما مع ما أُحرق من محتويات الهيكل. واللافت للانتباه أنّ سفر أخبار الأيام الثاني من العهد القديم، والذي يرجّح أنّه دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي ينتهي بالحديث عن تدمير الهيكل وإحراق محتوياته، ينص على بقاء العصي التي يحمل بها التابوت، ولم يتطرق إلى ذكر التابوت: " … وهي ما برحت هناك إلى هذا اليوم …" وواضح أن الذي يكتب هذا الكلام يكتبه وهو يقيم بعيدا، ويظهر ذلك من قوله "هناك".

كثرت القصص والأساطير حول مصير التابوت، ومن هذه القصص قصة تقول إن ابن سليمان عليه السلام، من زوجته بلقيس، فرّ بالتابوت إلى مصر، ثم نقل التابوت إلى الحبشة، ولكن اليهود لا يزالون يبحثون عن هذا الصندوق الخشبي الصغير والذي مضى على صناعته ما يقرب من (3200) سنة على أقل تقدير، وبعضهم يتوقّع أن يكون مدفوناً تحت ساحات الأقصى، وهنا لا بد لي أن أذكر أن رجلاً فلسطينيا، ممن شارك في ترميم وإصلاحات الأقصى في العهد الأردني، ذكر بعد أن سمع بالدّرس الذي ألقيته حول التابوت قبل سنين قليلة أنّه رأى من يدفن صندوقاً تنطبق عليه الأوصاف في موضع من المسجد الأقصى. نعم ما الذي يمنعهم من أن يصنعوا تابوتاً وفق الأوصاف الواردة في العهد القديم، ثم يدسّوه في التراب، ثم يزعموا اكتشافه بعد نصف قرن أو يزيد، ليكون الدليل والمستند على أنّ لهم حقّاً في فلسطين، بعد أن كذّبتهم كل الآثار والحفريّات، فقد اعتدنا أن نرى منهم كل غريب، فهم يستخدمون المقدس وغير المقدس لأغراضهم الدنيوية، ولا شيء عندهم مقدس إلا مصالحهم.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:32 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
وإذ تأذّن ربك

لم ترد لفظة تأذّن في القرآن الكريم إلا في الآية (167) من سورة الأعراف، وفي الآية (7) من سورة إبراهيم. واللافت للانتباه أنّ المخاطب في الآيتين هم اليهود. أمّا الآية من سورة إبراهيم، فقد جاء على لسان موسى عليه السّلام مخاطباً قومه : ( وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم، ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) والتأذن فيه معنى الإعلام، ثم هو إعلان مشفوع بالقسم على لسان موسى عليه السّلام أنهم إذا شكروا النعمة، ووضعوها في مواضعها، ليزيدنهم الله من فضله. وهذا يعني أنّه إذا تحقق الشكر فستكون الزيادة حتميّة. ومن لطائف هذه الآية أنّ الله تعالى أقسم بأن الزيادة ستكون بعد حصول الشكر، أمّا في حالة كفرهم فلم يقسم سبحانه على أن العذاب لابد واقع : ( ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ).

أمّا الآية الثانية من سورة الأعراف فهي : ( وإذ تأذّن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب …) هذا الإعلام والإعلان الثاني يخص اليهود، وهذا واضح من سياق الآيات، فقد أعلن الله تعالى على لسان رسله إعلاناً مشفوعاً بالقسم، ليبعثّن على اليهود إلى يوم القيامة، من ينزل بهم أشدّ العذاب. واضح أنّ هذا الحكم النهائي قد جاء بعد أن مُدّ لهم حبل العفو والمغفرة، وجاء بعد أن أنعم الله عليهم بما لم ينعم بمثله على غيرهم. ويستفاد من هذه الآية أمور :

1) أن إرسال من يسوم اليهود أشدّ العذاب هو قانون يسري إلى يوم القيامة، ويتجدد بتجدد الزمن، في أوقات مختلفة.

2) قد يُنَفّس عن اليهود فترات من الزمن، ولكن تكرار العقوبة كائن على صورة حتميّة. انظر إلى اللام ونون التوكيد الثقيلة في كلمة (ليبعثنّ ).

3) العذاب الشديد الذي ينزل باليهود سيكون المقابل المكافئ لأعمالهم ومفاسدهم، لأنّ كلمة (يسومونهم) من السّوم، وهو تقدير العوض المقابل للشيء، وفيها إيحاءات التفاوت في شدة العقوبة، والتفاوت في الزمن.

4) سيبقى أناس إلى يوم القيامة يدينون باليهوديّة المحرّفة، وسيكون تأثير هذه العقيدة عليهم سلبيا، إلى درجة أنهم " يسعون في الأرض فساداً " ، ولدرجة أن ينزل في حقهم وحي يحذر الناس من شرّهم قبل حصوله بآلاف السنين، وهذا يشير إلى عظيم خطرهم على عقائد الناس، ومبادئهم، وقيمهم.

5) لقد تمّ إعلام اليهود وتحذيرهم، ومن أجل ترغيبهم في الخير تمّ إعلامهم إعلاماً مؤكداً بأن ثواب شكرهم سيكون معجلاً لهم في الدنيا قبل الآخرة، فلا يظن ظان أنهم قد فطروا على الشر، ولكنهم إفراز عقيدة زائغة، وحقيقة محرّفةٍ مشوّهة.

والآن، هل اختلف يهود اليوم عن يهود الأمس ؟! هل استفاد اليهود من أخطاء الماضي ؟! المراقب يجد أن التاريخ يعيد نفسه، فهم اليوم يخطّون بجرائمهم لوائح محكمتهم التي ستكون عادلة. سيقع اليهود في الأخطاء، وسيخوضون في الدّماء، وسيعميهم الكبر وتُضلّهم الغطرسة، ومن لا يصدّق فلينظر إلى مكرهم في أمريكا، والذي أصبح لافتاً لانتباه الكثيرين، بل إنّ محاولتهم لحكم أقوى دولة في العالم سيجعلهم في الضوء، في الوقت الذي ساعدهم الظلام على التسلل إلى مواقع التأثير. ويبدو أن صراعهم على القمّة سيغيّر قواعد اللعبة، واللهُ غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:32 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
التقويم


جاء في سورة التين :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". قالوا في التقويم إنّه جعل الشيء ذا قوام، وقوام الشيء ما يقوم به ويثبت، وتصرح الآية الكريمة بأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، ويذهب بعض أهل التفسير إلى أن المقصود هنا القوام الجسدي، وهذا بعيد عن سياق النص القرآني، وإن كان اللفظ يحتمله. والراجح أن المقصود هنا هو تعديل القوى الظاهرة والباطنة معا، أي المادّية والمعنويّة، وعلى وجه الخصوص القوى المعنوية من مثل العقل والإدراك.

واضح من الآية الكريمة أنّ تقويم الإنسان خاص به، وهو يتميز في ذلك عن باقي الكائنات، كيف لا والله قد سخّر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض. وقد يستشكل البعض قوله تعالى :" في أحسن تقويم" إذ على المستوى المادي يمكن أن يكون الإنسان أشد تحصيناً من الأمراض الجسدية، وعلى المستوى المعنوي محفوظاً من الأمراض النفسية، وبذلك يكون في تقويم أحسن. ويزول الإشكال عندما ندرك أن " أحسن" تتعلق بخلق الإنسان على ضوء وظيفته في الأرض، ومن هنا لا يلزم مثلاً أن يكون قوام الإنسان يؤدّي به إلى الخلود في الدنيا، لأن هذا ما سيكون في الآخرة، وقد أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم :"خلقت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة "وهذا من بدهيّات الدين.

الأصل في النّاس الخير، والعدالة، وأمّا الشّر فهو طارئ على الكيان الإنساني، ففي الوقت الذي خلق فيه الإنسان في أحسن تقويم بحيث يحقق وظيفته في الأرض، خلق فيه أيضاً قابلية الانتكاس والارتكاس، والارتداد إلى الأسوأ :"ثم رددناه أسفل سافلين" وهذا يعني أن التقويم المعنوي المنسجم مع وظيفة الإنسان في الأرض يمكن أن يتحول إلى النقيض، وحتى لا يكون هذا الارتداد، لا بد من العمل الصالح، القائم على أساس من الإيمان الصحيح :"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "فكل مولود يولد على الفطرة، أي في أحسن تقويم. ويمكن المحافظة على هذه الفطرة وتوظيفها في تحقيق الخلافة في الأرض إذا ما كانت التربية تستند إلى الإيمان الداعي إلى العمل الصالح، ومن هنا ندرك أن الدين ضرورة بشرية، وليس بخيار يُضاف إلى خيارات الإنسان.

هل استطاع العلم في القرن الحادي والعشرين أن يخلق في الأمم الغربية الإنسان الصالح الذي يقوم بواجب الخلافة ؟! والإجابة تجدها واضحة في واقع البشرية اليوم، ليكتشف النّاس أن الظلم والتجبّر، والغطرسة والفجور هي من أهم مميزات الدول التي تقع في أعلى سُلّم العلم والتكنولوجيا، إنّه إفلاس الغني، وضعف القوي، إنّه العلو الذي هو في حقيقته أسفل سافلين. وتبقى مشيئة الله تعالى فوق الجميع :" فأمّا الزبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض " ولا ينفع الناس إلا ما كان ينسجم مع فطرتهم السّوية.

إن مهمة المصلحين تستند إلى فطرة الإنسان، ومن هنا تكون احتمالات النجاح كبيرة، وهذا ما نلحظه اليوم من سقوط الكثير من الطروحات المتناقضة مع الفطرة، حيث أنه لم يكد يغادرنا القرن العشرون إلا وقد أخذ معهم الكثير من العقائد والأفكار والأوهام، وظهر ذلك جليا في البيئات الاجتماعية التي ظهر فيها مصلحون، ولا نزعم أبدا أن الصورة الآن جميلة ومشرقة بما فيه الكفاية، ولكن مسار الأمور يشير إلى أن الخلاص هو مستقبل الإنسان في المدى غير البعيد.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الحـج

جاء في الآية 97 من سورة آل عمران:"ولله على الناس حجّ البيت …"وجاء في الآية 27 من سورة الحج:"وأذّن في الناس بالحج…" فالحج يمثل الأفق العالمي للدين، وإذا كان الحج هو الركن الخامس، فإن تشريعه أيضاً جاء خامساً بعد الأركان الأربعة. وتمثل هذه الشعيرة خلاصة أساسيات الدين، والمتدبر لرموز كل خطوة من خطوات الحاج يجد الانسجام بين قوانين الحج وقوانين الحياة الإنسانية، فالحج ثري بالرموز والدلالات.

يمكن الحكم على صدقيّة دين بمدى انسجام مبادئه وأحكامه مع قوانين الكون، فمن غير المتصور أن تتناقض مبادئ الدين الحق وأحكامه مع قوانين الخلق وسننه، لأن الذي خلق هو الذي أنزل، فإذا كان الخمر ضاراً كسنّة كونيّة، فلا بد أن يكون محرماً كسنّة تشريعيّة. ومن هنا نجد أنّ الفقهاء وبعد استقراء أحكام الشريعة الإسلامية ذهبوا إلى أنّ الشريعة الإسلامية تقصد في أحكامها إلى المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وبمعنى آخر فقد جاء الدين ليحقق الانسجام بين حركة الإنسان وحركة الكون من حوله. وعليه يمكن تعريف الطاعة بأنها الانسجام بين القانون الشرعي والقانون الكوني، ويمكن تعريف المعصية بأنها التعارض والتناقض بين القانون الكوني والسلوك البشري. وعندما نقول إنّ الإسلام هو الحل، فإنما نقصد أن نقول إنّ الانسجام هو الحل.

يجعل الحاج المسلم الكعبة عن يساره ويبدأ الطواف في حركة دائرية ومتواصلة، وبذلك يكون الإنسان قد أعلن في حركته هذه عن انسجامه الطوعي مع حركة الكون، من أصغر جزء فيه_الذرة_ إلى المجموعة، والمجرّة. نعم إنّه إعلان المخلوق الحر، بأن الحريّة والتي هي منحة الله تعالى للإنسان، لا تعني الفوضى والخروج، بل هي التوافق والنظام والانسجام. وهذه الرسالة الأولى للدين الحق.

المتدبر لحركة الإنسان في الأرض يجد أن قانون التردد بين الخوف والرجاء هو القانون الأساس في بناء الحضارات الإنسانية، انظر إلى حركة الناس على مستوى الاقتصاد، فستجد أن أهم دوافعها هو الخوف من الفقر ورجاء الغنى، وانظر إلى عالم الدراسة والتعليم، فستجد خوف الإخفاق ورجاء النجاح، وهذا يشمل كل نشاطات الحياة أيضاً. وانظر إلى تقدم الطب، فستجد خوف الألم ورجاء الراحة، وخوف الموت ورجاء الحياة.. وهكذا نجد أن هذا القانون يشمل كل حركة، وفي الوقت الذي ينعدم فيه قطب الخوف أو قطب الرجاء، نجد أن الحركة تتوقف، فالخوف الذي لا رجاء عنده يُحبط القدرات، والرجاء لا يكون رجاءً حتى يلابسه خوف، أمّا الأمن الكامل-إن وُجِد - فهو من أكبر دواعي الخمول والسكون. انظر قوله تعالى:"إنّه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" في المقابل"إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" ثم انظر إلى قوله تعالى:" يدعوننا رغباً ورهباً"، " …خوفاً وطمعاً".

هل كانت هاجر عليها السلام وهي تسعى بين الصفا والمروة تبحث عن الماء وترجع إلى رضيعها إسماعيل عليه السلام لتطمئن عليه، هل كانت تدرك أنّ هذه اللحظات الجليلة ترمز إلى قانون الخوف والرجاء، وكيف بها لو كُشف لها الغيب فرأت الملايين من الحجاج تحاكي حركتها في سعيها الحثيث بين القطبين؟! وأخيراً ألا يفسر لنا هذا شيئاً من حكمة الدين في ذكر الجنّة والنّار ؟

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الخُـلـود

الخُلد: هو المكث الطويل، وهو في الأصل يعني بقاء الأشياء على حالها لا يطرأ عليها تغيير يفسدها، وقد ذهب البعض إلى القول بأن الخلود هو ما لا نهاية له، أي الأزلي في بقائه، ويبدو أنّ ذلك غير صحيح، بدليل أنه جاء في القرآن الكريم مع ألفاظ التأبيد كقوله تعالى:" خالدين فيها أبدا". وقد أجمع العلماء على خلود نعيم الجنّة، بمعنى أنّه أزلي ولا نهاية له. ويظن كثير من الناس بأنّ العلماء قد أجمعوا أيضاً على القول بخلود الكفّار في النار، كما ويظن الكثيرون أنّ الألفاظ القرآنية الدالة على ذلك هي قاطعة ولا تحتمل التأويل.

نعم أجمع العلماء على القول بمكث الكفّار زمناً طويلاً في جهنم، ولكنهم اختلفوا في معنى الخلود، هل هو البقاء الدائم غير المتناهي، أم هو اللبث الطويل. وقد نقل عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين، نقل عنهم القول بفناء النّار، وأنّ الكفار يخلدون فيها ما بقيت، ولكن الله تعالى يفنيها، وذلك لأن رحمة الله تعالى تغلب غضبه، بل إنّ الرحمة هي صفة ذاتية لله تعالى وصف بها نفسه سبحانه، أمّا الغضب فليس من صفاته الذاتية.

هل من الرّحمة أن يخلق الله خلقاً ثم يعذبهم إلى ما لا نهاية ؟ وهل من العدل أن تكون العقوبة على الذنوب المحدودة عذاباً لا يتناهى، ثم ما الحكمة في بقاء الأكثرية من البشر في عذابٍ دائم ؟! وقد يردُّ البعض على ذلك بقولهم : إنّ خطورة المعصية تكمن في معصية الخالق العظيم، والرب الجليل، ولكنهم ينسون أيضاً أنّه الرحيم، وأنّه القائل :" وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً" ثم هم يقولون : إن العقل البشري يعجز عن إدراك الحكمة الربانية، ونحن بدورنا نقول لهم:نعم، ولكن هذا يقال عندما تكون النصوص قاطعة في دلالتها، ويقال هذا عندما نرى العلماء يجمعون على فهم هذه النصوص، والواقع يدل على أنّهم اختلفوا في ذلك، ومن أراد أن يطلع على تفصيل ذلك، فليرجع إلى كتاب (حادي الأرواح) لابن القيم رحمه الله، وليقرأ أدلته وهو ينتصر لمذهب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. أو فليرجع إلى تفسير الآية ( 127) من سورة الأنعام، في تفسير المنار لقوله تعالى :" قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله" أو فليرجع إلى ما نقله الأستاذ القرضاوي من كلام ابن القيّم في كتابه (فتاوى معاصرة).

بعيداً عن الخوض في تفصيلات النصوص، قد يكون من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ أهل السنّة والجماعة يذهبون إلى أنّ الله تعالى لا يُخلِف وعده، ولكنه قد يُخلِف وعيده، وإخلاف الوعيد من الكرم، وهو أليق بالكريم الرحيم. أمّا المعتزلة، فقد ذهبوا إلى أنّ الله تعالى لا يخلف وعده، ولا يخلف وعيده، وهذا تحَكُّم لا دليل عليه من نص ولا عقل، بل إنّ النصوص لتشير إلى احتمال عدم خلود النّار.

لو كان خلق الله البشر لزمن محدود - حتى لو عُدّ بالمليارات - فإنّ ذلك في العقل من العبث، ومن هنا كان الخلودُ اللا متناهي هو الحلّ لمأزق العقل البشري في البحث عن حكمة الوجود الإنساني، على الرغم من عدم إحاطتنا بتفصيلات هذا الخلود، فمعلوم أنّه ليس في الآخرة من الدنيا إلا الأسماء، وقد ورد :" خُلِقَت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة " فجميل أن نُخلق لسعادة غير متناهية، وهذا يجعل الشقاء الدنيوي الفاني كصرخة الطفل عند الميلاد، والتي لا يلبث الطفل أن ينساها، وينسى الدافع إليها. وأمّا القول بخلود العذاب فلا يزيد العقل البشري إلا حيرة، ولا يزيده إلا شكاً في الله الرحيم، أمّا القول باحتمال فناء النّار، وغلبة رحمة الله على غضبه، فإنّه أليق بصفات الكريم الرحيم، وهو من تجليات الحكمة الربّانية، التي تجعل الإنسان يتردد دائماً بين الخوف والرجاء في طريقه نحو الخلاص والارتقاء. وأخيراً قد يحسن أن نلفت الإنتباه إلى أنّ الله تعالى قد وصف العذاب بأنه عذاب (يوم) عظيم، أليم، … ولم يصف نعيم الجنّة بأنّه نعيم (يوم).

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:33 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الروم


سورة الروم سورة مكيّة، نزلت قبل الهجرة بأشهر هي أقل من سنة، وتستهل السورة الكريمة بالإعلان عن هزيمة دولة عظمى هي دولة الروم :"غلبت الروم في أدنى الأرض..." ولم تصرح الآيات باسم دولة الفرس التي غلبت الروم، لأن المهم هنا الحديث عن دولة الروم، حتى ولو كانت هي الطرف الضعيف المنهزم، فالحديث عن الحاضر ينبغي أن يكون من أجل استشراف المستقبل، والمستقبل يقول : "وهم من يعد غلبهم سيغلبون" أمّا دولة الفرس فمستقبلها يقول إنها دولة ستؤول إلى السقوط، ثم هي ستتلاشى إلى الأبد بعد أن يتحول شعبها إلى الإسلام. وإذا كانت المعارك قد دارت قريباً من جزيرة العرب:"في أدنى الأرض"، فإن المستقبل يقول إنها ستشتعل مرّة أخرى وفي زمن قريب:"في بضع سنين" .

أليس عجيباً أن يلفت انتباه القلة المؤمنة المضطهدة في مكة إلى الصراع القائم بين دول عظمى، وإلى التحولات السريعة في الأحداث؟! أليس عجيباً أيضاً أن يشد انتباه هذه القلّة لبضع سنين قادمة إلى خارج الجزيرة العربيّة، لتراقب وترقب الصراعات الدّولية ؟! نعم ونزداد عجباً عندما نعلم أنّ هذه القلّة توشك أن تهاجر إلى المدينة المنورة لتبني دولة ومجتمعاً فاضلاً لا يلبث أن يحمل رسالة عالميّة، ولا يلبث أن يُسقِط كل هذه القوى المتصارعة، ليؤسس حضارة تدوم وتدوم.

ما معنى هذا التزامن العجيب :"ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " فانتصار المسلمين ببدر يزامنه انتصار الروم على الفرس، ألا يوحي هذا بأن خارطة الصراع توشك أن تتبدل ؟! لكن البعد الأهم في هذه الآيات هو ما تلحظه من صرف للانتباه عن الواقع المأساوي المحبط للقلة المؤمنة في مكة، لتنشدّ إلى الأفق البعيد زماناً ومكانا، وهذا هو ما يليق بعقيدة هذه القلّة ورسالتها. ولا شك أن هذا في حينه لا يفهم من قبل جماهير الوثنيين، الذين يفقدون البعد الغيبي الذي تنزلت به الرسالة الإسلامية. أنت يا من تقرأ هذه السّطور وتعيش بعد قرون من الحدث، وقرأت السيرة النبويّة، قف قليلاً وتدبّر هذه الآية التي تختم بها سورة الروم المكيّة :"فاصبر إنّ وعد الله حق، ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون" تدبّر هذه الآية ثم انظر واقع الإعلام الرسمي العربي ودوره في إحباط الأمّة، واستمع إلى خطابات الملوك والزعماء وتصريحاتهم، فإن كان بإمكانك أن تصدقهم لحظات، فسوف تشعر بخفة وزنك وانعدام شعورك بذاتيتك، وعندها لا يحتاج عدوك إلى عاصفة الصحراء، لأن النسيم يكفي.

جاء في الحديث الشريف المروي في صحيح مسلم:"تقوم الساعة والروم أكثر الناس" وإذا عرفنا أنّ الأحاديث الشريفة تنص على أنّ السّاعة تقوم على شرار النّاس، علمنا أنّ أكثر الشر يوجد في الروم، والعجيب أنّ المسيحيّة المنتشرة بينهم تقول :" من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن نازعك ثوبك فدعه له " وتقول :" أحبّوا مبغضيكم، باركوا لاعنيكم"، ثم هم أشد الناس قسوة، وأكثرهم بطشاً بالأمم الضعيفة، يبنون أبراجهم من جماجم الفقراء، لا يملون من التآمر، ولا يكلّون من كثرة القتل، ثم هم أكثر النّاس تبجحاً بحضارتهم وقيمهم الإنسانية، فلا عجب بعد ذلك وغيره أن تقوم السّاعة والروم أكثر النّاس.

ماذا كانت تملك دولة فارس عندما انتصرت بجحافلها الهائلة غير فلسفة مزدك الإباحيّة؟! وكيف لمثل هذا النصر أن يدوم أكثر من بضع سنين؟! وماذا كانت تملك امبراطورية الرومان وهي تواجه بجيوشها الجرارة القلّة المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!

واليوم إذا استثنينا العلم والتكنولوجيا، وسألنا ماذا قدّمت الحضارة الغربيّة للبشرية؟ نعم إذا استثنينا ما هو عام وعالمي، وسألنا: ماذا يمكن أن تُقدِّم الخصوصيّة الغربية للبشرية ؟ ماذا عسى أن تكون إجابة رجل مثل برّسكوني الرئيس الإيطالي الذي تغنّى بالحضارة الغربيّة؟ إنّ ما يحدث اليوم في أفغانستان لهو شاهد على إفلاس هذه الحضارة الغربية وأُفولها، والمستقبل كفيل بإثبات ذلك.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الزبـور


معلوم أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل التوراة على موسى عليه السّلام، ولكن اللافت للانتباه أن القرآن الكريم لم ينص على ذلك بل جاء ذلك في الحديث الشريف. ومعلوم أنّ الله تعالى أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام، وقد نص القرآن الكريم على ذلك، ومعلوم أنّ الله تعالى قد أنزل الزبور على داود، فهل نص القرآن الكريم على ذلك؟!

المستقرئ لآيات الله الكريمة يجد أنّ القرآن الكريم قد نص في موضعين فقط على أنّ الله تعالى آتى داود زبورا، ولم ينص على إيتائه عليه السلام (الزبور) ؛ جاء في الآية 163 من سورة النساء :"وآتينا داود زبوراً"، وجاء في الآية 55 من سورة الإسراء :" وآتينا داود زبوراً"، أمّا قوله تعالى في سورة الأنبياء : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" فلا يوجد دليل على أنّ المقصود هو زبور داود عليه السلام، ومن يرجع إلى كتب التفسير يلاحظ اختلاف المفسرين في تبيان المقصود بـ (الزبور) في سورة الأنبياء.

جاء في الآية 25 من سورة فاطر :" وإن يكذبوك فقد كذّب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزُّبر وبالكتاب المنير" نستفيد من هذه الآية أن الزُّبر والتي هي جمع زبور نزلت على الرسل، ويستفاد أيضاً أن الزبر تحمل معنى يختلف عن معنى الكتب وقد نص العلماء على أنّ الزبور هو الكتاب، وأنّ الزبر هي الكتب، وهذا صحيح لأن الزبر هي فعلاً كتب نزلت وحياً على الرسل، ولو كانت الزبر ترادف في معناها الكتب لاستشكلنا قوله تعالى :" …وبالزُّبر وبالكتاب المنير " من هنا قد يجدر بنا أن نبحث عن معنى الزبر في القرآن الكريم.

جاء في الآية 53 من سورة المؤمنين :" فتقطعوا أمرهم بينهم زُبُرا، كل حزب بما لديهم فرحون" وجاء في الآية 96 من سورة الكهف :" آتوني زُبَرَ الحديد...." أي قطع الحديد. وهذا يعني أن الزَّبْر هو التقطيع، وأنّ الزُبرة هي القطعة وجمعها زُبَر. وعليه يمكن أن نقول إن الزبور هو كتاب اقتطع من غيره من الكتب، أي أنّ هناك احتمالاً أن يكون الزبور جزءاً من كتاب ربّاني سبق نزوله أو جزءاً من كتاب سينـزل ولكنه أشمل وأوسع، فكان الكلُّ كتابا، والجزءُ قطعةً أي زبوراً.

الخلاف بين أهل السنّة والجماعة وبين المعتزلة في القول بخلق القرآن مشهور، ومعلوم أن أهل السنّة والجماعة يرون أنّ القرآن الكريم هو من كلام الله تعالى، والكلام صفة المتكلم، والمتكلم أزلي غير مخلوق، وعليه يكون القرآن أزليا غير مخلوق. وهذه مسألة يجدر بنا ألا نثيرها في عصر تجاوز فيه الإنسان المسلم هذه الجدليّات، ولكن دفعنا إلى هذه الإشارة الرغبة في القول بأن القرآن هو في اللوح المحفوظ قبل نزوله: " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون …"وهذا يعني أن الأسبقية التاريخية في النزول لا تدل على الأسبقية في اللوح المحفوظ، وأسبقية النزول لا تعني أسبقية الكتابة، وبهذا الفهم قد يزول بعض الإشكال في فهمنا لقوله تعالى من سورة الأنبياء: " ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر …"، فمعلوم أن الذكر مُعرَّفا لم يرد صريحا في أيٍّ من الكتب الربّانية سوى القرآن الكريم.

جاء في الآية 196 من سورة الشعراء: " … بلسان عربي مبين، وإنّه لفي زبر الأولين " فكيف يكون القرآن الكريم في كتب الأولين، هل المقصود التبشير بالرسالة الإسلامية، أم المقصود المعاني، أم المعاني والألفاظ؟ هذه مسألة خاض فيها العلماء، والذي قصدنا إليه من هذا المقال أن نلفت الانتباه إلى احتمال أن يكون قد تنـزّل بعض القرآن في كتب الرسل السابقين، فأوتي كل رسول جزءا، أي زبورا، حتى جاء الوقت لنزول القرآن كلاًّ للبشرية جمعاء. ويصبح الأمر مستحقا للبحث عندما نقرأ الحديث الصحيح الوارد في البخاري: " خُفّف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتُسرّج، فيقرأ القرآن من قبل أن تُسرّج دوابه …ً والحديث الوارد في مسند أحمد ولم نُخرّجه: ً ألا أُعلمك خير ثلاث سور أُنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، قال قلت بلى …ً

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الســّامري

ورد اسم السّامري في القرآن الكريم ثلاث مرّات، وذلك في سورة طه. وقد اختلف في معنى هذا الاسم، ويرجح لدينا أنّه نسبة إلى (شومير) والذي يعني بالعبرية الحفظ والحراسة، وهذا يجعل من المحتمل أن يكون السّامري من كبار الكهنة، ومن حرّاس وحفظة العقيدة الوثنية، وإذا كان الاسم نسبة إلى (سامر) بالعربية والتي تعني الساهر، فإنها تلتقي في مآل المعنى مع (شومير) التي تعني الحراسة، وأمثال هؤلاء الكهنة والحراس تكون لديهم العلوم والقدرات التي تميّزهم على أهل عصرهم، ويغلب أن تكون لديهم قدرات قيادية، وقد يفسر هذا السرعة التي استطاع فيها السامري أن يضّل بني إسرائيل، ويستغل غيبة موسى عليه السلام عن قومه أربعين يوما.

إنّ مثل هذه الشخصية يمكن أن تتكرر في حياة الدعاة والدعوات، ومن قبل في حياة الرسل وفي الرسالات. من هنا لا معنى لمحاولة البعض أن يضفي الطابع الأسطوري على هذه الشخصية. والغريب أن نجد اليوم كتابات كثيرة تلقى القبول لدى الناس، ولا يميزها إلا ميلها إلى الأسطورة والخرافة وإغراقها في الأوهام والتخيلات، تماماً كأفلام الخيال العلمي، إلا أنها بعيدة عن العلم، ويستغل هؤلاء الغموض الظاهري لبعض ألفاظ القرآن الكريم، وكذلك السنةّ الشريفة، وأغلبهم يقصد التجارة والربح المادي. فمنهم من كتب عن المهدي، ومنهم من كتب عن إبليس ومثلث برمودا، ومنهم من كتب عن الدجّال والسّامرّي، ومنهم، ومنهم..... وقد لا يعنينا أن نلوم هؤلاء من طلبة الشهرة والمال، ولكننا نلوم العلماء الذين لا يزالون يرددون ما لا يصح من أوهام وأساطير وإسرائيليات أدخلت في كتب التفسير، فكانت هذه الإسرائيليات التربة الخصبة لصائدي السُذّج والبسطاء، فراجت كتبهم في أسواق العامة، وما أكثرهم حتى بين أهل الاختصاص.

لقد استغل السّامري قرب عهد بني إسرائيل بالوثنية، واستغل كهانته السابقة، وكونه من حراس الفكرة الوثنية، فاستطاع بزعمه أن يمحو الأثر الذي أحدثته رسالة موسى وهرون عليهما السلام، لذا نجده لا يستحي من التباهي بقدراته التي مكنته من إزالة الأثر الخيّر الذي أحدثته الرسالة الجديدة فقال : " قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي" (طـه:96).

إن الغموض الظاهري لهذه العبارة فتح المجال للكثير من المفسرين أن يتكئوا على روايات منسوبة إلى ابن عبّاس رضي الله عنه، وليقولوا إنّ السّامري قد رأى جبريل عليه السلام يركب حصانه، واستطاع السّامري أن يأخذ قبضة التراب الذي داسه حصان جبريل، وساعدته هذه القبضة على أن يبعث الحياة في العجل الذي صنعه من ذهب، ليعبده بنو إسرائيل. وبهذا وجدناهم يصنعون حول السّامري هالة تجعله شخصية غامضة، قادرة على بعث الحياة في المادة. ثم نجد بعض المعاصرين تذهب بهم أوهامهم إلى درجة أن يتصوروا استمرار حياة السامري لأن موسى عليه السلام قال له :" وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَه...." (طـه:97) .وهذا في القرآن كثير مثل :" بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً " (الكهف:58). ومن يدقق في النص القرآني يجد أن العجل الذي صنعه السامري هو مجرد ( جسد) لا حياة فيه، ثم هو في غاية الإتقان من ناحية الصناعة إلى درجة أنه يصوت (له خوار ) ومن يعرف تاريخ الفراعنة وحضارتهم يدرك أن هذا كان متوافراً لديهم، وقصة موسى عليه السلام مع السحرة تبيّن المدى الذي وصل إليه الكهان وحراس العقيدة الوثنية.

إذا كان السّامري قد استطاع أن يبعث الحياة في العجل الذهبي بزعمهم فإنّ ذلك يُعدّ دليلاً ملزماً لبني إسرائيل كي يطيعوا السامري، وبالتالي فهم معذورون لا يستحقون اللوم، لأنهم اتبعوا عن دليل. ولو دقق من يزعم ذلك بلفظة ( فنبذتها) لأدركوا أن هذه اللفظة تدل على الرمي والإهمال، ولا تدل على الاعتناء والاستخدام، فهو يتبجح بعلمه الذي جعله يبصر أموراً لم يبصرها الشعب، وبالتالي استطاع أن يمحو آثار رسالة موسى عليه السلام من قلوبهم، واستطاع أن يجعلها فكرة منبوذة.

فماذا كان رد موسى عليه السلام على هذا التبجح ؟ المتدبّر للآيات يلاحظ أنّ موسى عليه السلام أطلق للسامري حرية الكلام، فقال له إن لك مدة حياتك أن تقول ما شئت من غير أن تمس، ومن غير أن يتعرّض لك أحد بإساءة. وهذا الموقف يشبه ما حصل لإبليس من إنظاره، وإطلاق يده في محاولاته لإضلال الناس، ليكون بذلك آلة من آلات اختبار المكلفين من البشر. جاء في سورة الإسراء " قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورا "ً (الإسراء:63) وهنا يقول موسى عليه السلام للسامري المغتر بعلمه "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ " (طـه:97). وهذا يعني أن (لا مساس) ليست مقول القول، وبالتالي لا داعي للخيال المجنّح الذي يحاول أن يتصور المرض الذي مس السّامري، بحيث هام في البيداء بعيداً عن الناس. ويبدو أنه قد بقي في الناس، وترك ليدّعي ما يشاء، فإن العقيدة الحقة يجلّيها ويصفيها كيد الكائدين، فما عرَف الناس الصحوة الإسلامية إلا بعد معاناتهم من ضلالات الملاحدة والماديين. وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:34 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الســّبت

السبت فيه معنى الانقطاع، وفيه معنى الخلود إلى الراحة والدّعة. ووردت كلمة السبت في القرآن الكريم (5) مرات، وإذا أضفنا كلمة (سبتهم) و (يسبتون) يكون المجموع (7) مرات. واللافت للانتباه أنّ السبت عند اليهود مرتبط بالعدد (7)، ولم يرد السبت في القرآن الكريم إلا عند الحديث عن شريعة السبت عند اليهود. والمتدبر للآيات القرآنية المتعلقة بالسبت يدرك أن هناك خصوصية لهذا اليوم عندهم، وإذا أخذنا ما ورد في التوراة الحالية بعين الاعتبار ندرك أن خصوصية يوم السبت تكمن في كونه يوماً ينقطع فيه اليهود عن العمل الدنيوي، ويفترض أن ينقطعوا فيه إلى العبادة، ولا يتناقض هذا مع ظلال معاني الآيات القرآنية الكريمة.

واضح أن تسمية السبت جاءت من خصوصيته، وأحكامه عند اليهود، فهناك علاقة بين الاسم وما يفترض أن يمارس فيه من عبادات، كما أن اسم يوم الجمعة يناسب ما يكون فيه من اجتماع المسلمين في المسجد للصلاة. وخصوصية يوم السبت عند اليهود، وخصوصية يوم الجمعة عند المسلمين يدللان على أن تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام يرجع إلى أساس ديني لا إلى أساس فلكي. وقد نص القرآن الكريم، وكذلك التوراة على أن الله قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وقد يعني هذا أن اليوم السابع هو اليوم الذي جاء بعد تمام الخلق، أي أنه اليوم الذي لم يكن فيه خلق يتعلق بالسماوات والأرض، أي أنه يوم انقطاع. وقد يكون هذا التفسير مقبولاً في توضيح العلاقة بين السبت والعدد (7) ولا يقبل إطلاقاً ما يزعمه اليهود من أن الله تعالى استراح في اليوم السابع.

لا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحالية لما طرأ عليها من إضافات وحذف عبر القرون، ولكن الدارس يلاحظ أن مفهوم السبت عند اليهود يتعلق بيوم السبت الذي هو اليوم السابع من الأسبوع، ثم هو يتعلق بالسنة السابعة التي يجب أن تكون السنة التي لا تزرع فيها أرض فلسطين، بل تكون راحة للأرض، ويتكرر هذا كل سبع سنين. وبعد سبع سبوتات أي (49) سنة تكون السنة أل (50) هي سنة اليوبيل، ولها أحكام فُصّلت في السفر الثالث من أسفار التوراة. ويلحظ الدارس للتوراة أن عدم احترام اليهود لهذه الشريعة يكون سبباً لإخراجهم من الأرض المقدسة، وسبباً لتشتيتهم في الأرض. ويبدو أن ذلك أدى إلى الربط بين الرقم (7) والزوال والانقطاع، لذا يعتقد اليهود أن دنيا الإنسان تكتمل سنة (6000) عبري، أي أنه في الألف السابعة يكون الزوال بزعمهم. وبالرجوع إلى القرآن الكريم نلاحظ أن السبع مرات التي ذكر فيها السبت، تكرر ثلاث منها في السورة السابعة، وهي سورة الأعراف. وآخر ورود لكلمة السبت في القرآن الكريم كان في الآية (124) من سورة النحل والتي هي (128) آية، ثم تأتي سورة الإسراء التي تتحدث عن زوال الإفساد الإسرائيلي من الأرض المقدسة: "إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه…..".

واضح أن جعل السبت كان بعد الاختلاف فيه، وهذا يعني أن (جعل) السبت يختلف عن (فرضه)، فاحتيال اليهود لانتهاك حرمة السبت وذهابهم في هذه الحيل مذاهب شتى أدى إلى التشديد عليهم في أحكام السبت، فكان السبت من الإصر الذي حملوه نتيجة فسوقهم وعصيانهم وانتهاكهم لحرمات السبت. والمتدبر لسياق الآيات من سورة النحل يلاحظ أن هناك شيئاً آخر، ألا وهو حكم الله عليهم بالانقطاع، فلم يعودوا ضمن المسيرة المتصلة لدعاة الخير، ولم يعودوا من قادة الهداية، ولم يعودوا يسيرون تحت لواء التوحيد. فكان اعتداؤهم واحتيالهم، وتفرقهم باتباعهم الأهواء سبباً في حذفهم من قافلة الخير، فانقطع وجودهم وذكرهم في عالم الصلاح والإصلاح، فلا تجدهم إلا أئمة للفسق وقادة للشر.

وأخيراً نقول: من يقرأ عجائب صنعهم في احتياله للقفز على المقدسات، يدرك أن يهود اليوم على استعداد أن يتنكروا لكل مقدس بشرط أن ينسجم ذلك مع مصالحهم المادية، أي مع عجلهم المقدس المصنوع من الذهب.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:35 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
السّعي


الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرض في السنة السادسة للهجرة بعد أن فرضت باقي الأركان الخمسة. ومن سبق له أن حجّ يلحظ أنّ الاستسلام لله تعالى هو أبرز ما يميّز حجاج بيت الله الحرام، فتراهم يقومون بالشعائر المختلفة ولا يسألون عن الحكمة من وراء كل حركة وسكنة، فحسبهم أن يعلموا أن الحكيم الخبير هو الذي شرّع هذا. وما أجمل أن يقتدوا بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام:" إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين" وتجلّى هذا الاستسلام في حادثة الذّبح المشهورة، وإن ذكريات هذه الحادثة الجليلة لترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحج وشعائره ومشاعره.

من عرف الله تعالى حق المعرفة استسلم له حق الاستسلام، وإنما يخشى الله من عباده العلماء، وعليه فقد يجدر بنا أن نتدبّر ونتفكّر في كل ما له صلة بهذا الدين الربّاني، ولا تستثنى من ذلك الشعائر التعبدية، فإن كانت عند العلماء لا تعلل، فإنها عندهم من أجلّ مظان الحكمة. وقد رأينا في هذه العجالة أن نلفت الانتباه إلى بعض رموز شعائر الحج، فالرمزية تتجلى في كل حركة وسكنة يقوم بها الحاج، ويدهشك أن تكتشف أن أعمال الحج تلخص لك أبرز قوانين الحياة، أي أنّ الحاج يرسم بحركاته وسكناته سنن الله في خلقه .

عندما يسعى الحاج بين الصّفا والمروة فإنما هو يحاكي تردد هاجر عليها السّلام بين الخوف والرجاء، خوفها على وليدها إسماعيل عليه السلام، ورجائها في أن تجد الماء. ومن هنا صحّ أن نقول إنّ السّعي يرمز إلى تردد الإنسان بين قطبي الخوف والرجاء؛ بمعنى أن حركة الإنسان في الحياة تنتج عن تردده بين الخوف والرجاء، وفي الوقت الذي ينتفي فيه قطب الخوف أو قطب الرجاء تنتفي الحركة الفاعلة والخلاّقة؛ فالطالب الذي لا يرجو النجاح نتيجة الصعوبة غير العاديّة للامتحانات يغلب أن يتوقف عن مواصلة الاستعداد الجاد للامتحان، وكذلك الأمر في الطالب الذي يأمن من الإخفاق نتيجة السهولة غير العاديّة للامتحانات. من هنا لا بد أن نضع الطالب بين قطبي الخوف والرجاء، فنجعل تحدي الامتحان ضمن إمكانات الطالب، بحيث يخاف من الإخفاق ويرجو النجاح .

من يراقب اندفاع الناس صباحاً نحو أماكن عملهم يدرك أن دافعهم في ذلك هو سنة الخوف والرجاء، فهم يخافون الفقر ويرجون الغنى. وإذا رأيت شخصاً يفر من الأسد أدركت أنّه يخاف الموت ويرجو النجاة، وكذلك الأمر في المريض الذي يطلب الطب خوف الألم والموت، ورجاءً للمعافاة والحياة. وفي الوقت الذي ييْأس فيه المريض من فُرَص الشفاء تراه يرغب في التوقف عن العلاج مستسلماً لقدره. ومن هنا يمكن أن نقول إنّ اليأس هو أخطر ما يواجه الشعوب المستضعفة، وبالتالي لا بد من إبراز الجوانب الإيجابية لنضالاتها، والتركيز على إمكانات الحاضر وآفاق المستقبل.

جاء في سورة يوسف:" .. وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون " في المقابل جاء في سورة الأعراف " فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " . فاليائس يتمادى في المعصية، وكذلك من يشعر بالأمن من العقوبة. أمّا أهل الإيمان فقد جاء في سورة الأنبياء:" وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً " وجاء في سورة السجدة : " يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعا " وهذا يعني أنّ فلسفة اليوم الآخر في الإسلام تقوم على أساس قانون الخوف والرجاء، فالنّار تمثّل قطب الخوف، والجنّة تمثّل قطب الرجاء، ومن هنا نجد أنّ القرآن الكريم يستفيض في الكلام حول الثواب والعقاب، والجنّة والنّار،ويغلب أن تجد آيات الترغيب مقترنة بآيات الترهيب. ومن يقرأ أحاديث الرحمة وحدها في السنّة الشريفة، يظن أن لا أحد يُعذّب، ومن يقرأ أحاديث الترهيب وحدها يظن أن لا أحد ينجو. أمّا الفلسفة التي تقول إنّ الله تعالى محبّة فقط، فإنما هي تنفي قطب الخوف، وبالتالي تعيق حركة الإنسان نحو الصلاح والإصلاح، وتحرّض الإنسان على التمادي بعيداً عن ضوابط الدين .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:35 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الشـجرة الملـعـونـة



"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن"

( الإسراء (60)

يرى جماهير المفسرين أنّ الشجرة الملعونة هنا هي شجرة "الزقوم ". أما الشيعة فإنهم يذهبون إلى أن الشجرة الملعونة هم "بنو أمية" ويستندون في هذا إلى حديث شريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبره كما تنزو القرود فأصبح كالمتغيظ. فما رؤي بعدها صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى مات. والتشيع واضح في هذا التفسير على الرغم من استناده إلى روايات موجودة أيضاً عند أهل السنة. وفي الوقت الذي تجد فيه مفسراً كالطباطبائي، صاحب تفسير الميزان يقوّي هذا التفسير - والطباطبائي مفسر شيعي معاصر - نجد أن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان وهو من كبار علماء الشيعة في القرن السادس الهجري يجعل هذا التفسير وجهاً ثالثاً عندما يتعرض إلى تفسير الآية.

الملاحظ أن القرآن الكريم لم يلعن شجرة الزقوم، وبالتالي كيف يمكننا أن نقول إنها الشجرة الملعونة ؟ لذلك قال بعض المفسرين إن المقصود " بالملعونة " أي الشجرة الملعون آكلها. وهذا تقدير تأباه اللغة العربية، ثم إن اللعن الذي هو الطرد من الرحمة لا يكون إلا للمكلفين، والشجرة كما هو معلوم غير مكلفة ولم ترتكب جُرماً حتى تُلعن، وقال البعض إن الشجرة هي وسيلة لتعذيب الكفار ومن هنا جاء اللعن، وهذا المعنى تأباه اللغة، ويأباه العقل أيضا، ويأباه النص القرآني، لأن هناك ملائكة هم خزنة جهنم ولا يتصور لعنهم لمجرد أنهم يشرفون على تعذيب الكفار. وعليه نرى أن آراء جماهير المفسرين مضطربة في توجيه أن تكون الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم المذكورة في القرآن الكريم. وما نجده اليوم في كتب التفسير هو نوع من المتابعة لما جاء في كتب التفسير القديمة.

الماوردي من أشهر علماء القرن الخامس الهجري، وله تفسير "النكت والعيون " ويقع في ستة مجلدات من القطع المتوسط، ويتميز بجمعه لآراء المفسرين على صورة سهلة ومختصرة. وهو يورد في الشجرة الملعونة أربعة أقوال، ويجعل القول الرابع في القوم الذين يصعدون منبر الرسول صلى الله عليه وسلم أما القول الثالث فيقول فيه : " أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله r مع الأحزاب، قاله ابن بحر ". أما كيف يمكن أن يكون النسل شجرة ؟ فنجد الماوردي يقول :" والشجرة كناية عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة، كالأغصان للشجرة " فالنسل هو في حقيقته شجرة نامية ومتفرعة. إن كل ما يقوم على أصل اعتقادي ويتفرع عن هذا الأصل هو في حقيقته شجرة. والقرآن الكريم مثّل الكلمة الطيبة والتي هي الإسلام بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة. وإذا كان اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن، فهذا يكون على اعتبار انهم يلتقون في أصل اعتقادي، ولا يصح أن تكون اليهودية قائمة على النسل، لأن اليهودي في الحقيقة هو الذي يؤمن بالأصول اليهودية في الاعتقاد والتشريع والأخلاق. والعدل يقتضي أن يكون اللعن نتيجة لممارسة الفرد أو الأمة لأمر اختياري.

الذي يرجح لدينا أن المقصود بـ " الشجرة الملعونة " هم اليهود أمور منها :

أولاً : أن الآية التي نحن بصددها هي الآية "60" من سورة الإسراء والتي تسمى أيضاً "سورة بني إسرائيل" وهي تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة. وتُسْتَهل سورة الإسراء بنبوءة مستقبلية تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة، ويرد الكلام عن هذا الإفساد في خواتيم السورة أيضاً مما يشير إلى مركزية هذا الحدث في السورة التي تسمى "الإسراء " وهذه التسمية تشير إلى المسجد الأقصى. وتسمى سورة " بني إسرائيل " وهذه التسمية تشير إلى الإفساد. ولا يبعد أن تكون الرؤيا تتعلق بهذه القضية المحورية في السورة.

ثانياّ : واضح من طريقة كتابة كلمة "رؤيا" في قوله تعالى : " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة …" أنها رؤيا منامية، ولو كانت رؤية بصرية لكتبت "رؤية ". وقد نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : أن ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج هو الرؤيا المذكورة هنا. وبما أنها تمت ليلاً وتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أصبح فقد سمّاها "رؤيا " وهي أيضاً فتنة للناس الذين كذبوا خبر الرسول عليه السلام. والذي نراه أن المسألة لا تتعلق بالرؤية البصرية أو المنامية، وإنما تتعلق بالأمر الذي رآه الرسول عليه السلام. فإذا كان قد رأى ببصره أموراً واقعة فهي "رؤية " وإذا كان قد رأى أموراً ستقع في المستقبل فهي على أية حال "رؤيا" لأنها غير موجودة في الحال وإنما في الاستقبال. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في سورة الإسراء : " لنريه من آياتنا..." وفي سورة النجم :" لقد رأى من آيات ربه الكبرى …". وإذا كانت هذه الرؤية على خلاف القانون البصري المعتاد فهي أيضاً "رؤيا". على ضوء هذا لا يمنع أن يكون ما رآه الرسول عليه السلام من أمور مستقبلية يتعلق بسيطرة اليهود على المسجد الأقصى وعلى الأرض المباركة، والتي هي عقر دار الإسلام. ثم سيطرة هذه الشجرة الخبيثة على المستوى العالمي في مرحلة سيطرتهم على الأرض المباركة، ولا شك أن هذا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتكون التعزية له عليه السلام أن يقال له :" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " فمقاليد الأمور هي بيد الله، أما ما رأيته يا محمد من سيطرة هؤلاء فهو نوع من الفتنة للبشر، وما رأيته فهو في حقيقته " الشجرة الملعونة " وبالتالي لن تكون لها ثمار ممتدة بل إن السيطرة محكومة بالإخفاق المستمر، وهي مطاردة باللعن الإلهي، وهذا يعني أن سيطرة اليهود في أيامنا هذه تنحصر في كونها فتنة أرادها الله. وهي سيطرة الشجرة الملعونة التي هي شجرة خبيثة، جذورها واهية، وثمارها غير مباركة. ومن هنا يسهل على أهل الحق أن يقتلعوا هذه الشجرة وأن يحموا الناس من آثارها المفسدة.

ثالثاً :حتى نرجّح القول بأن الشجرة الملعونة هم اليهود، لا بد أن نرجع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم، لأن الله تعالى يقول:"الشجرة الملعونة في القرآن" أي الشجرة التي لا بد أن نجد لعنها في القرآن. وبالرجوع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم نجد أن "لعن " ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (41) مرة. ولوحظ أن (18) مرة لعن فيها اليهود على وجه الخصوص ولا يشترك معهم في هذه اللعنات غيرهم. أمّا باقي اللعنات، فإنها كانت للكافرين، أو الظالمين، أو الكاذبين …فإن اليهود لا شك مشتركون في ذلك. وعليه ألا تكون هذه الملاحظة الإحصائية مؤشراً على أن اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن. ولا ننسى أن الكثير من الأفكار والمذاهب والمدارس المنحرفة هي من صنع اليهود بل هي منبثقة من عقائدهم، كالماركسية، والوجودية، والماسونية …والمستهدف في النهاية هم البشر، الذين نزلت رسالات السماء رحمة بهم. أفلا يستحق اللعنة من نصّبوا أنفسهم أعداء للبشرية، ولرسالات السماء والحق والعدل ؟ ألم يخبرنا الواقع أن هذا مسلكهم عبر العصور المختلفة إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة كما نص القرآن الكريم.

" وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن …" فسر العلماء الآية على أساس أن الرؤيا شيء والشجرة الملعونة شيء آخر. والمعنى :وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وكذلك الشجرة الملعونة فتنة أيضاً. وهذا الوجه تحتمله اللغة، والذي نراه أقرب إلى ظاهر النص أن يكون المعنى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وجعلنا ما رأيته الشجرة التي لعنها القرآن. وهذا يعني أن "الرؤيا" هنا هي الشيء المرئي أي موضوع الرؤيا. وعلى هذا يكون ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر هو في واقعه فتنة للناس وابتلاء، وهو عند الله شجرة ملعونة في القرآن الكريم. وفي رأينا أن اليهود هم فتنة للناس على مر العصور وهم أيضاً شجرة ملعونة محكوم أن لا تثمر جهودهم ثمراً يدوم ويستمر. وهذا من رحمة الله بعباده. وحتى يتضح المعنى بشكل أفضل نقول : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وشجرة ملعونة في القرآن الكريم. أما إضافة "ال" إلى "شجرة وملعونة " فإن ذلك يعني أنها هي الشجرة الملعونة الوحيدة في القرآن الكريم. أما لعن باقي الظالمين أو الكافرين أو الكاذبين، فقد ورد دون نسبتهم إلى شجرة.

بالرجوع إلى واقعنا المعاصر يمكن أن نستفيد من هذه الآية الأمور الآتية :

أولاً : أن سيطرة اليهود في فلسطين وعلى مستوى العالم هي فتنة وابتلاء. ومعلوم أن الفتن يقصد منها أن يتميّز الناس في مواقفهم. ولا بد أن ينتج عن هذا واقع أفضل، فالفتن هي قانون في التغيير.

ثانياً :إن المذاهب المنبثقة عن اليهودية والتي تحاول أن تفسد المجتمعات البشرية، لا بد أن تتلاشى. والماركسية من أوضح الأمثلة على ذلك.

ثالثاً : إذا كان الإسلام شجرة مباركة وكانت اليهودية شجرة ملعونة، فإن هذا يعني أن العقبات التي يقيمها اليهود في طريق المسلمين هي من ضرورات الطريق، ولكن لا بد في النهاية من ثمار طيبة يطرحها الإسلام ويقبلها الناس أما الثمار الخبيثة فإن الفطرة البشرية ترفضها وتلقيها بعيداً.

رابعاً : تتجلى حكمة الخالق في أنه سبحانه يجعل الفتن والابتلاءات غير قابلة لأن تكون القانون الذي يسير عليه البشر، لأنها تحمل في طياتها بذور فنائها.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:36 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الشــهيـد

(الشهيد)اسم من أسماء الله الحسنى، فعلم الله تعالى يحيط بكل شيء، فهو سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة. جاء في سورة الرعد : " قل كفى بالله شهيدا ً" وقد كرّم اللهُ بعض خلقه فجعلهم شهداء على النّاس، جاء في سورة النساء : " فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " فالأنبياء شهداء على أقوامهم، والرسول عليه السّلام شهيد على الأمّة الآخرة، والأمّة الإسلامية شاهدة وشهيدة على باقي الأمم حتى تقوم السّاعة. جاء في سورة البقرة : " وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " .

وحتى تكون الأمّة شهيدة على الناس، لا بد أن تكون ممثلة لحقيقة الإسلام في إيمانها، وسلوكها، ولا بد أن تحيط بالواقع من حولها، وتكون قادرة على تقييم هذا الواقع والحكم عليه على ضوء مقاييس الإسلام. وتكتمل صورة الشهيد فيها عندما تقدّم البدائل للواقع السلبي، وبذلك تكون شهيدة في الدنيا، وهذا يؤهلها لأن تكون في مقام الشهادة يوم القيامة، لأنّه مقامُ تكريم. جاء في سورة النساء : " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " وجاء في سورة الزمر :"وجيء بالنبيين والشهداء..".

إنّ الشهداء في الآخرة هم الشهداء في الدنيا، فهم الذين يعملون على إقامة العدل على أساس من شرع الله. جاء في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط " ، وجاء في سورة النساء : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " ومعلوم من النص القرآني الحكيم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل أن يحقق الناس العدل الشامل، جاء في سورة الحديد : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط ". والقيام بالعدل، وإقامة العدل، لا يكفي فيه قوة الفكرة وتماسكها وسمّوها، بل لا بد من القوة التي تحق الحق، أي تجعله واقعاً راسخاً في الأرض. انظر معي إلى تتمة الآية السالفة من سورة الحديد : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "

والقيام بالقسط، والسير في سبيل الله قد يترتب عليه موت أو قتل، وهذا في منطق الذين لا يؤمنون مجازفة وخسارة. جاء في سورة آل عمران " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت، والله بما تعملون بصير " ، ويستفاد من هذه الآية أيضاً أن القرآن الكريم يفرّق بين الموت في سبيل الله، والقتل في سبيل الله. جاء في الآية 157 من سورة آل عمران : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ويظهرمثل هذا الفرق في جعل من يقتل في سبيل الله شهيداً حيّا. جاء في سورة آل عمران " ويتخذ منكم شهداء " فالشهادة اختيار ربّاني، والشهيد شاهد بفعله على صدق مبدئه، وعمق إيمانه، وهو شاهد على تقاعس المتقاعسين، ثم هو يوم القيامة من الشهداء الذين يشهدون على الناس . والشهيد يخرج من الدنيا بطريقة عنيفة ألا وهي القتل، وشاء الله تعالى أن يمد له في حياته، فجاءت الآيات الصريحة لتعلن عن استمرارية هذه الحياة، واستمرار إدراكه لما يحيط به، واستمرار تمتعه وسروره واستبشاره. ولا يصح في إيمان المؤمن أن يظن أنّ الشهيد ميّت، ولا يجوز له أن يتفوّه بما يدل على خلاف هذه الحقيقة الغيبيّة.

من اللافت للانتباه أن كلمة شهيد من الكلمات التي لا مرادف لها في اللغة العربية، وهي من الألفاظ الإسلامية التي يستخدمها غير المسلمين إذا أرادوا تكريم قتلاهم أو حتى موتاهم. ففي الوقت الذي استبدل فيه الناس مثلاً مصطلح (جهاد) فقالوا : كفاح، ونضال، و قتال، …فإنهم لم يستبدلوا مصطلح شهيد. وفي الوقت الذي نقر فيه إسلامياً بأننا نتعامل عند إطلاق هذا الوصف مع الظاهر الذي ظهر لنا من سلوك الشهيد، إلا أننا بحاجة إلى شهداء عَدْل يشهدون بالصدق، ويعلمّون الناس بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الإخلاص في العمل، ليكونوا شهداء في الدنيا والآخرة، وهذا كما قلنا سابقاً تكريم لهم من الله تعالى لأنّهُ سبحانه شهد لهم، "وكفى بالله شهيداً".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:36 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الصـافنـات الجـيـاد

جاء في سورة ص : "ووهبنا لداود سليمان، نعم العبدُ إنه أوّاب، إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد…."

تصف الآية الكريمة الخيل بأنّها صافنات وبأنها جياد، واللافت أن الصفة الثانية نقيض للصفة الأولى، فمعلوم أنّ الخيل عند راحتها تكون قائمة لا تتحرك، بل تنام وقوفا، وصمتها فيه هدوء ووقار، فأنت تعجب من هذا الحيوان الذي يمضي حياته واقفا، وتعجب كيف ينام واقفا، وتعجب كيف لا يرهقه الوقوف، ويزول العجب عندما نعلم أنّ القانون في خلق الخيل، يختلف عنه في الإنسان وفي الكثير من الحيوانات التي تنام مستلقية، فراحة الحصان في وقوفه، والهدوء العميق لهذا الكائن، والصمت والوقار، كل ذلك المقدّمات الضرورية التي ستفجّر حيويته ونشاطه.

نعم إنه الجواد الذي يجود بالحركة، ويفيض بالنشاط، ويندر أن نجد في الحيوانات حيواناً يماثله في هذه المتناقضات، فهو الساكن المتحرك، والصامت المتفجّر.

آية في سورة ص جاءت عقب الآيات سالفة الذكر هي لغز على الرغم من أقوال المفسرين الكثيرة فيها:" ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيّه جسداً ثمّ أناب" وليس هذا مقام الإفاضة في تفسيرها، وكل ما جاء فيها من تفسير لا يستند إلى دليل، وقد يكون الأقرب إلى الصواب القول بأنّ الجسد الذي حلّ في كرسي المُلْك هو سليمان عليه السلام، وقُلتُ (حلّ) ولم أقل (ألقي) لأنني وجدتها ثقيلة في حق سليمان عليه السلام، وقد يكون هذا من لطائف القرآن الكريم عندما قال سبحانه: " وألقينا على كرسيّه" ولم يقل " وألقيناه على كرسيّه" ويبدو أن سليمان عليه السلام قد أصيب بمرض أقعده عن الحركة، أو تحول إلى جسد ساكن لا حراك فيه، واستمر على هذه الحال مدّة من الزمن، ثم شفاهُ الله، وعافاهُ مما حلّ به عليه السلام، وقد يعزز هذا المذهب في التفسير أنّ الآيات التي تلي الحديث عن ذلك ذكرت أيوب عليه السّلام، وصبره على ما حل به من بلاء.

المدّة الزمنية التي قضاها سليمان عليه السلام فاقداً للقدرة على الحركة، والقدرة على إدارة شؤون الدولة لا بُدّ أنّها كانت فرصة للتدبر والتأمل، وإعادة النظر في أمر المُلْك والسلطان، والنظر فيما يمكن أن يفعله الحاكم الذي يملك الجاه والسلطان والقوة. ويمكننا أن نتصور الأماني والأمنيات التي تجول في خاطر من فقد القدرة على الإدارة وهو لا يزال على كرسيّه سلطاناً معترفاً به. إنّ هذه اللحظات الجليلة تجعل المرء يدرك أن الحَوْل والطَوْل كله لله، ولا أظن من مرّ بهذه التجربة يمكن أن يغترّ بالقوة والسلطان، وعلى وجه الخصوص عندما يكون أواباً منيباً لله تعالى.

من يقرأ الآيات التي تلي هذه الآية يجدها مفعمة بالحركة، والقوة والتسخير، والعطاء الوفير، ونجد سلطاناً يُعطى من كل شيء ثم هو لا يحاسب:"هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب"، المتدبر للآيات يجد أن سليمان عليه السلام انتقل من النقيض إلى النقيض، كحالة الصافنات الجياد، فإذا كان سكونها المقدمة الضرورية للحيويّة المتفجرة والحركة الفعّالة، فقد لحظنا هذا في حالة سليمان عليه السلام بعد شفائه من مرضه، فقد أصبح سلطاناً يوظف كل ما سُخّر له من أجل رعيته، ومن أجل الحقيقة التي يؤمن بها، وقد بلغ من الحضارة والمدنية الأوج إلى درجة أن نجد الأمم التي جاءت من بعده تنسب كل شيء خارق إلى عصره عليه السّلام.

ويبقى أخيراً أن نلفت الانتباه إلى أن سليمان عليه السلام قد مات وهو يباشر الفعل، ويرتكز إلى عصاه… ألا يحتاج هذا إلى إعادة نظر وتدبّر لعلنا نجدد الفهم، بعيداً عن التقليد المغيّب للإبداع؟!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الصّرح


جاء في بعض كتب اللغة أنّ الصّرح هو القصر، وكل بناء عالٍ مشرف، ولكن لماذا سمي القصر قصرا، ولماذا سمي البناء المشرف صرحاً ؟ .. يبدو أن الصّرح مأخوذ من الصراحة، والتي هي خلوص من الشوائب، والصراحة فيها وضوح، والتصريح ضد الكناية لظهور المعنى ووضوحه، وإذا صرّح إنسان بالشيء فقد كشفه وأظهره. ونظراً لوضوح القصر والبناء العالي سمي صرحا، ومن هنا لا ينحصر الصرح في البناء العالي المشرف، ولا ينحصر في البناء الضخم الظاهر في الحس. وقد وردت كلمة الصرح في القرآن الكريم أربع مرّات، في سورة النمل عند الحديث عن سليمان عليه السلام وملكة سبأ، وفي سورة القصص وغافر.

جاء في سورة القصص على لسان فرعون:" فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ " وقد تكرر هذا الطلب في سورة غافر:" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً..." هل بلغت السذاجة بفرعون أن يطلب بناءاً عالياً يرقاه فينظر ليتحقق من وجود إله موسى؟! وهل يتصور فرعون أن المستمعين من الملأ بهذه السذاجة أيضاً ؟! وما الذي يمنع أن يكون ما يطلبه فرعون أكثر جدّيّة مما يتبادر إلى الذهن؟ ثم لماذا يبنى هذا الصرح من طين يُطبخ، وهل يصلح ذلك لبناء ضخم يتطاول في السماء، ثم لماذا لا يكون هذا الصرح من الحجارة، وقد عرف الفراعنة بناء الأهرامات الضخمة؟! ثم ألم يصعد فرعون في حياته الجبال العالية ليدرك أن أعلى بناء ممكن هو أقل ارتفاعاً من جبل صغير ؟!

من يدرس تاريخ الفراعنة يجد أنّ لهم السبق في تحديد السنة الشمسية ب 365 يوما، وتقسيم السنة إلى 12 شهرا، والشهر 30 يوما، واليوم 24 ساعة. بل إن بناء الأهرامات له علاقة بأبعاد فلكية، وقد بلغت الدّقة الهندسية لديهم أنّ الشمس تدخل غرفة ملكيّة مرّة في العام، في اليوم المحدد والساعة المحددة. من هنا ندرك أن فرعون كان يريد بناء مرصد يساعده في فهم حقائق البناء السّماوي، ويبدو أن استخدام الزجاج في هذه المراصد كان هو الأساس في عمل المرصد كما هو مفترض، وبذلك يفهم طلبه:" فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحا.." فالأقرب إلى التّصور الجاد أنّه يريد صناعة الزجاج لأنه لا يحتاج إلى بناء عال ليرتقيه، فلديه الأهرامات كافية.

أمّا آيـة سورة غافر :" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى.." يتصور هذا في عالم الرصد والمراصد أكثر منه في عالم الارتقاء إلى أعلى، وعلى وجه الخصوص عندما نعلم أنّ الأمم القديمة قبل الميلاد كان لها سبق في علم الفلك، وقد كانوا يعتقدون أن للأفلاك تأثيراً وتحكماً حتى في مصائر البشر، وبالتالي فإن العلل والأسباب الحقيقيّة عندهم هي في عالم الفلك، وفرعون هنا يريد أن يبلغ عالم الأسباب هذا ليطل منه على حقائق الكون ومنها حقيقة أن موسى عليه السلام مرسل، وهو بذلك يستخدم علم الفلك لينفي أنّ موسى عليه السلام مرسل من ربه، وقد لمّح إلى ذلك بقوله :" وإني لأظنّه كاذبا " وعدم الجزم هنا من فرعون ليظهر نفسه بمظهر الموضوعي الذي يبحث عن الدليل والبرهان.

إذا صحّ فهمنا هذا فلا بد أن نعيد النظر في فهم كلمة الصّرح التي وردت في سورة النمل، فقد كانت ملكة سبأ ممن يعبدون الشمس كما صرّحت الآيات الكريمة، وهذا يعني أنّهم يهتمون بالفلك أيضا، وقد وجدنا ملكة سبأ تصر على دينها حتى عندما تجلت أمامها معجزة إحضار العرش. لذا كان لا بد من مناقشتها في عقيدتها، وتعريفها بحقيقة الشمس والأفلاك التي تعبدها، لذلك لا بد من إدخالها المرصد الزجاجي الضخم لمناقشتها فهي مهيّأة لمثل هذا العلم :" قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِير.." نعم فهو من زجاج مملس وهو شفّاف وخالص من الشوائب، فهو إذن صرح، وهو أيضاً قوارير. ولا ندري كم استغرق وجود ملكة سبأ داخل المرصد، إلا أنّ هذا التواجد هو الذي جعلها تعلن إسلامها :" قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " يبدو أنّه قد تمّ تعريفها بحقيقة عالم الأفلاك الذي كانت تعبد من دون الله، ولا شك أن النقلة في المعارف تساعد على النقلة العقائدية. وتسمية المرصد صرحاً مفهوم إذا عرفنا أنّ المرصد يكشف ويجلّي ويظهر، ثم إنّ عدساته وملحقاتها مصنوعة من الزجاج الخالص الصريح، ثم هو يُبنى في مكان عالٍ ومشرف.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الظَن

هل يستطيع العربي الفصيح أن يستوعب أنّ الظّن قد يأتي بمعنى اليقين ؟! لا أظن ذلك إلا على مضض، لأن الكثير من أهل التفسير يقولون بأن الظّن يرد أحياناً في القرآن الكريم بمعنى اليقين ويستشهدون لذلك بمثل قوله تعالى :" الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" فلمّا وجدوا أنّ العقيدة لا بد لها من جزم، ولما رأوا أن الإيمان لا بد أن يكون قاطعا، قادهم ذلك إلى حتمية أن يكون الظّن بمعنى اليقين، ولم يقولوا لنا لماذا شاء الله تعالى أن يقول " يظنون" بدل "يوقنون" !!

يبدو أن الخطأ بدأ من زعمنا بأنّ العقيدة يجب أن تكون جازمة حتى ينجو المؤمن يوم القيامة، ولا أدري من أين جاءوا بهذا الزعم في مواجهة آيات صريحة تقبل من العبد أن يسلك وفق غلبة الظّن، وإلا ما معنى أن الإيمان يزيد وينقص، فلا مجال للزيادة على ال 100% ولا مجال للنقصان إذا كان المطلوب هو الجزم القاطع والله تعالى يقول :" وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً " وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن القرآن يسمي العقيدة بـ (الإيمان)، وقد نزلت الرسالات لتبني الإيمان في النفوس ليصل إلى درجة اليقين، فعندما يتكلم القرآن الكريم عن وظيفة الرسالات يذكر النتائج المرجو تحققها، والأدلة على ذلك في القرآن كثيرة مثل قوله تعالى :" ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " وهذا لا يعني إطلاقاً أن الذي أسلم نفسه لله على غلبة الظن غير مقبول عند الله بل إنّ الآيات في ذلك واضحة وصريحة، والمشكلة هي تحكيم وجهة النظر السابقة في النص القرآني، والنص القرآني الكريم يصرّح في أكثر من آية بقبول من سلك على أساس غلبة الظن.

يقول سبحانه وتعالى :" إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " ولا يمكن أن يكون كل الظن إثما، لأن هناك الكثير من المسائل في الدين والدنيا لا يمكن الوصول فيها إلى درجة اليقين، فلا بد عندها من الاستناد إلى الظن الغالب، والمقصود بالظن الغالب أي الذي يغلب الظنون الأخرى، ومن هنا إذا كان الظن في مواجهة الدليل اليقيني فإنه يصبح مذموما، وكذلك يذم الظن في مواجهة غلبة الظن. انظر قوله تعالى :" إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً " .

فرق البعض بين العقيدة والشريعة، فقالوا إن العقيدة لا تثبت إلا بالدليل القاطع، أمّا الشريعة فتثبت بالدليل الظني، وعندما تبحث عن سند شرعي لهذا التفريق لا تجده، بل تجد أن الأدلة الكثيرة تثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث آحاد الناس لتعليم العقيدة والشريعة، ولم يكن يفرق. فلم نجده مثلا عند تعليم العقيدة يشترط الكثرة التي هي حد التواتر. ولا ننسى أنّ كل حكم شرعي فيه جانب إخباري (عقدي) وفيه جانب تشريعي (طلب)، فعندما نقول " الصلاة فرض" فهذه العبارة خبر يتضمن طلبا، فمن أنكر فرضية الصلاة كفر، ومن لم يصلّ عصى.

وكما وقع أولئك في الخطأ فوصلوا إلى نتائج عجيبة، كذلك وقع خصومهم في خطأ أفدح عندما زعموا أنّ العقيدة الجازمة تثبت بخبر الواحد، فقالوا إنّ خبر الواحد يوجب العلم، واستدلوا على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث آحاد الناس ليعلموا العقيدة، وما دروا أن هذا الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت بأنه يجوز أن يكون ناقل العقيدة والشريعة شخصاً واحدا، وأنّه يجوز لك أن تصدق آحاد الناس في العقيدة والشريعة، ولكن من أين لهم أنّه يجب الأخذ بخبر الواحد. والله سبحانه وتعالى يقول :" وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم..." وهو القائل سبحانه :" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة..." والعجيب هنا أنهم لا يقبلون في إثبات دَيْن على مدين بشهادة رجل واحد، حتى لو كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم هم يوجبون الأخذ بخبر رجل واحد أو امرأة واحدة في دِين يلتزم به المليارات من البشر إلى يوم القيامة.

وهناك فرق بين التصديق ووجوب التصديق، فمعلوم بداهة أنّه يجوز لي أن أتتلمذ في العقيدة والشريعة على عالم واحد، ولكن من قال أنني ملزم بتصديقه في كل ما يقول، وعلى وجه الخصوص عندما يتعارض قوله مع ظاهر القرآن الكريم أو ظواهر الشريعة، أو بدهيّات العقول ؟!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:37 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الـغـيـب

الغيب هو كل ما غاب عن الحس، أو غاب عن العقل. وفي الوقت الذي يصبح فيه الشيء الغائب محسوسا، أو مُدرَكاً بالعقل، فإنه لا يعود بعدها غيباً. وما يغيب عن الإنسان قد يكون من أمور الماضي، وقد يكون من أمور الحاضر، وقد يكون من أمور المستقبل. وقد فطر الله تعالى الإنسان على حب معرفة الغيب، فهو يسعى دائماً إلى كشف أستار الغيوب، ومن الممكن أن نُرجع تطور المعارف والعلوم إلى شوق الإنسان الدائم إلى معرفة ما غاب عنه حسّاً وعقلاً. وقد يدفعه هذا الشوق الجامح إلى سلوك بعض الطرق العابثة، والتي تهدر وقته وجهده، وتضره ولا تنفعه، ومن هنا وجدنا أنّ الدين يحرّم العرافة والكهانة، والشعوذة، لأنها تصرف الإنسان عن الطرق الصحيحة لمعرفة الغيب.

لا يدّخر الإنسان جهداً في اتخاذ الوسائل المختلفة الموصلة إلى معرفة الغيب، وفي الوقت الذي ينجح فيه في كشف أستار غيبٍ ما، يتحوّل هذا الغيب إلى شهادة، ولا يعود غيباً بالنسبة له، وإن كان لا يزال غيباً بالنسبة إلى غيره من الناس. وسيبقى الإنسان يتوسّل بعالم الشهادة للاطلاع على عالم الغيب، في مسيرة لا تتوقف حتى تنتهي خلافته على الأرض. ولا يقتصر عالم الشهادة على المحسوسات، بل إنّ ما يثبت بالعقل هو أيضاً من عالم الشهادة، وعليه فإن وجود الخالق سبحانه وتعالى هو من عالم الشهادة، وليس من عالم الغيب، وقد يكون هذا من بعض أسرار شهادة أن لا إله إلا الله.

يمكن للإنسان أن يتعرف على ما يغيب عنه بالحس، أو بالعقل، أو بالخبر الصادق. وعندما نصف الخبر بأنّه صادق فإننا نقصد بذلك أن يقوم الدليل العقلي على صدق هذا الخبر، من هنا تتفاوت الأخبار في درجة صدقيتها، وعلى ضوء هذا التفاوت يتفاوت التصديق في قوته ودرجته. فعلى سبيل المثال هناك الحديث الضعيف، والحسن، والصحيح، والمتواتر. فما جاءنا عن طريق الحديث الحسن لا يكون في قوة ما جاءنا عن طريق الحديث الصحيح، وما جاءنا عن طريق الحديث المتواتر فهو القطعي في ثبوته، والتواتر مسألة عقليّة، وليست بمسألة شرعيّة.

إذا كان كل الناس يؤمنون بالغيب، فما معنى أن يثني الله تعالى في كتابه العزيز على المتقين بأنهم:"يؤمنون بالغيب" ؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إذا قام الدليل العقلي على صدق النبي فيما يبلّغ عن ربّه، فإن المؤمن عندها يصدق ما جاء به النبي من أخبار تتعلق بعالم الغيب، حتى وإن كان الحس والعقل عاجزين عن إدراك ذلك، لأن صدق المخبر يغنيك عن ذلك.

يقول تعالى في الآية (26) من سورة الجن :"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول…" معلوم أن الله تعالى لا يغيب عنه شئ، فعلمه مطلق، فما دلالة إضافة الغيب إليه تعالى؟ تشير الآية الكريمة إلى غيب أراد الله تعالى أن يغيّبه عن المخلوقات، وهذا يعني أنّ هناك غيوباً يمكن للخلق أن يحيطوا بها إذا ما توصلوا إليها بالحس، أو بالعقل، أو بالخبر الصادق. وأن هناك غيوباً لم يأذن سبحانه وتعالى بعلمها لأحد من المخلوقات، وقد يستثنى من ذلك بعض الرسل والرسالات. فغيبه سبحانه وتعالى ليس كل ما غاب عنّا، بل هو ما استأثر بعلمه دون خلقه، وهذا يعني أنه قد يكون بإمكاننا أن نطلع على بعض الغيوب بتدبرنا للقرآن الكريم، الذي فيه خبر من قبلنا، وخبر من بعدنا، وليس فقط (من) بل ربما (ما).

وأخيراً نسأل: هل حُرِم الناس الاطلاع على الغيب بختم النبوَات والرسالات؟ نقول: لا، لم يحرموا؛ فالرؤيا الصادقة هي نوع من اطلاع الإنسان على الغيب، وكذلك الإلهام، ولكن هذا لا يتعلق بالغيب الذي شاء الله أن يغيّبه (غيبه)، بل هو مما أراد أن يظهره، أما ما أراد أن يغيّبه، فقد شاء سبحانه وتعالى أن يجعل الوحي هو الطريق الوحيد للإطلال على بعض هذا الغيب. وعليه فهناك غيب يمكن الاطلاع عليه بواسطة الحس، أو العقل، أو الخبر الصادق - ومنه الإلهام، والرؤى - وهناك غيب لا طريق إليه إلا بتدبّر الرسالة الإلهيّة، المتمثلة بالقرآن والسنّة، فأين المشمّرون؟!

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:38 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الفساد

جاء في عمدة الحفاظ للسمين الحلبي :"الفساد: خروج الشيء من الاعتدال والاستقامة، قلّ ذلك الخروج أو كثر" ويرى صاحب التحرير والتنوير أن الفساد في الأصل استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرّة. والذي نراه انطلاقاً من هذا أن الفساد هو خروج الشيء عن وظيفته، فالإنسان مثلاً خُلق ليسلك في الدنيا السلوك الإيجابي النافع، فإذا تحوّل إلى ممارسة السلبيات الضارة عندها يكون قد فسد وأفسد، لأنه خرج عن وظيفته التي خلق للقيام بها. ومعلوم أن الأشياء قد تفسد عن غير خيار، في حين نجد أن فساد الإنسان غالباً ما يفسد عن وعي واختيار، وإن كان أحياناً يظن نفسه مصلحاً :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ".

هذه القابلية للتحول عن الوظيفة إلى ضدها جعلت الملائكة عليهم السلام تتساءل :"أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟" (البقرة: من الآية30). فالقصور في علم الملائكة جعلهم غير قادرين على إدراك الحكمة الإلهية، وأنّ الوجود الإنساني يؤول في الآخرة إلى الصلاح التام، أي أنّ الوظيفة الأخروية للإنسان هي مسوّغ وجوده. ولا شك أن صلاح الدنيا هو المقدمة الضرورية لصلاح آخرة الإنسان، ولا شكّ أن الرسالات الربّانية هي الضمان لصلاح الدنيا، يقول تعالى في سورة الحديد :" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ".

واليوم هل استطاع العلم وحده أن يُصلح الناس ؟ وهل استطاعت التكنولوجيا صانعة الثراء أن تخلق القناعة في نفس الغربي، وهل استطاعت الأناقة والجمال أن تنـزع من نفس الغربي الميل إلى الظلم والعدوان والإجرام ؟ وهل استطاعت المدنية المعاصرة أن تجعل حياة الغربي هادفة وذات معنى ؟ إن الإجابة لتتجلى في واقع العالم الغربي وممارساته، حتى أصبح عبئاً على البشرية، بل وخطراً على الوجود الإنساني. إنه الفساد بعينه.

من كان له عقل، ولم تغلبه الأحقاد، يدرك أنّ ما حصل في أمريكا، في الحادي عشر من أيلول، يغلب أن يكون من فعل قوى يمينيّة أمريكيّة، وأن رائحة الفعل وطعمه لتدل على أنّه إفراز غربي، وعلى الرغم من ذلك يبلغ الإجرام مداه، فتستغل المأساة، لتكون وسيلة للتسلط، وذريعة للاستكبار، وإن طبول الحرب التي تقرع يراد منها أن تغطي على جبن ونذالة القيادات اليمينية الأمريكية، فقد وجدوا أن اعترافهم بأنّ الحدث من فعل أبنائهم سيؤدي إلى :

أ. فقدان العالم ثقته بأمريكا كقبلة لرأس المال والاستثمار، مما سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال المستثمرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من الركود، وماذا يبقى لأمريكا بعد ذلك ؟!

ب. إصابة الشعب الأمريكي بالإحباط عندما يواجه صورته الحقيقية، مما يؤدي إلى فقدان ثقته بنفسه، وبعظمته الزائفة، وقد يؤدي هذا إلى تعاظم الأصوات التي تطالب بانفصال بعض الولايات. وعلى وجه الخصوص بعض الولايات المزدهرة صناعيّا.

ج. سقوط الحزب الجمهوري لعجزه عن إدارة الصراع الداخلي، وحتى لا يكون الحساب الذي لا بُدّ أن يسقط بوش وحزبه الفائز بأصوات الأقلية، كان لا بد من توجيه الأنظار إلى الخارج، وكان لا بد من المسارعة في إعلان الحرب، حتى قبل أن يحددوا العدو، لأن إعلان الحرب هذا سيمنع أية معارضة، وسيمنع أية محاسبة.

د. تجرّؤ العالم على ذلك المارد الذي تكشّفت عورته، وذهبت هيبته التي صنعت عبر الحروب السابقة، ابتداءً من الحرب العالميّة، وانتهاءً بحرب الخليج، والبوسنة، وكوسوفو.. وذهاب الهيبة يعني السقوط والمحاسبة.

معلوم أن الحزب الجمهوري يؤمن بضرورة التدخلات الخارجيّة، ويعمل على بسط هيمنة أمريكا على العالم، بما فيه الحلفاء الأوروبيون، فجاءت الفرصة سانحة لاستغلال الحدث، وابتزاز العالم، وإخضاع القوى التي بدأت تتمرد. نعم إنها الفرصة للسيطرة التي تنفخ الروح مرّة أخرى في الاقتصاد الأمريكي الراكد ، وإنها الفرصة الذهبية لتطويق العالم الإسلامي الناهض، وما ذكر الحروب الصليبية على لسان بوش إلا أصدق تعبير عن حقيقة هذه الهجمة. ومن يراقب السلوك الأمريكي بعد الحدث يلحظ تهافت الادعاءات، ويلحظ الاندفاع غير المتزن لاستغلال الحدث أبشع استغلال، أمّا القيم، والمبادئ فهي تداس تحت أقدام الكاوبوي الأمريكي، الذي يستغل كل شيء، حتى القيم السامية، فيرفع بكل وقاحة شعارات مثل :"النسر النبيل" و" العدالة المطلقة" إنه السقوط في أجلى صوره، وهي عربدة من فقد الضوابط، إنه النجم الذي يتفجر قبل أن يخبو ويموت، ولكن مع الأسف سيكون له ضحايا، وسيكون فساد، وستكون دماء، والذي يعزينا أنه سيكون أيضاً خلاص، إنها سنة الله في خلقه يقول تعالى:"إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:38 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الفضل

الفضل هو الزيادة، وكانت العرب تقول لما يبقى من الماء في الإناء بعد الشرب فضلة، وعليه تكون الفضلة ما يبقى من الشيء، وما يزيد عن الاقتصاد والحاجة، ومن هنا نلحظ معنى الزيادة في الألفاظ المشتقة من (فضل)، والتي يغلب أن تستخدم في الزيادة الايجابية. يقول تعالى في سورة النحل: " والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق" واضح هنا أن المقصود بالفضل الزيادة الإيجابية، ويقول سبحانه في سورة الإسراء:" انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض.." فالتفاوت الإيجابي في خَلْق الناس من أهم أسس التحضّر الإنساني. ويقول سبحانه في سورة الرعد :"... ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل " والمقصود هنا التمايز في أَطعام النباتات، وتفاضل بعضها على بعض، مما يؤدي إلى التنوع الإيجابي.

يخلط الناس أحياناً بين مفهوم (الخيريّة)، ومفهوم (الأفضليّة)، فإذا كانت الأفضليّة تتعلق بزيادة في المال، أو القوة، أو الجمال، أو العقل...، فإن الخيريّة تتعلق فقط بزيادة الخير؛ فإذا كان فلان يفضلني بمال أو قوة أو عقل.. فليس بالضرورة أن يكون هو خيراً مني، فكم من فقير هو خير من ألف غني، وكم من ضعيف هو خير من ألف قوي. ومن هنا كان الحكم الذي صدر على مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم:" كنتم خير أمّة أخرجت للناس "، ولم يقل سبحانه وتعالى :" كنتم أفضل أمة.." لأن الفضل يحتمل وجوهاً كثيرة، ولا يستلزم خيريّة إلا إذا كان فضل تقوى. والتفضيل الأخروي لا يستند إلى الفضل الدنيوي، بل يستند إلى الخيريّة في الحياة الدنيا.

يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، وأنّي فضلتكم على العالمين" هذه الآية الكريمة من الآيات التي قرّعت اليهود لنكرانهم النعمة، وعدم شكرهم لله الذي زادهم في العطاء الدنيوي، بل إن الآيات التي جاءت بعد هذه الآية من سورة البقرة، تعدد النعم التي كانت لبني إسرائيل كما لم تكن لغيرهم من الأمم، فاستحقوا بكفرهم لهذه النعمة أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، بل " وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" وبهذا يتضح بعض أسرار الغضب الربّاني على اليهود " غير المغضوب عليهم " فقد كانت خيانتهم كبيرة، انظر معي إلى بعض هذه النعم التي ذكرت بعد قوله تعالى :" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي..." : " وإذ نجيناكم من آل فرعون..." ، " وإذ فرقنا بكم البحر.."، "وإذواعدنا موسى.."، " .. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون"، " وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المن والسلوى"، " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا.."، " وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب.."، " وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد.." نعم، إنها وغيرها من النعم التي ذكرت في سورة البقرة ولم تحصل لأمّة من الأمم، ولو حصلت لغيرهم لكانت من دواعي الشكر والطاعة، ولكنهم كفروا النعمة، وتمادوا في غيّهم وتنكرهم لفضل الخالق سبحانه، فكان الحكم العادل، الوارد في نهاية الآيات التي عددت تلك النعم، يقول سبحانه:" وضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.." وهذا ليس لهم فقط، بل لكل خائن لا تزيده النعم إلا ضلالا.

وأخيراً نقول : إذا كانت الآية الكريمة من أشد الآيات ذمّاً لليهود ولخيانتهم، فكيف فهمها البعض على أنها آية مدح؟، ولماذا ذهب البعض في تأويلها مذاهب، على الرغم من أن صيغتها صيغة تقريع؟! يبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى الخلط بين الخيريّة والأفضليّة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
القرآن يُصحِّح

نص القرآن الكريم في سورة يوسف على دخول يعقوب عليه السلام وجميع أبنائه مصر، والآيات توحي بأنهم سكنوها واستقرّوا فيها، ولكن من أين لنا أنهم لم يخرجوا منها حتى أخرجهم موسى عليه السّلام؟! ومعلوم أنّ الزمن بين يوسف وموسى عليهما السلام لا يقل عن أربعمائة وخمسين سنة، ومعلوم أيضاً أنّ مُلك الهكسوس والفراعنة شمل بلاد الشام، فيتوقّع على ضوء ذلك أن ينتشر أبناء يعقوب ( أبناء إسرائيل ) وأحفاده، ولا مسوّغ لبقائهم جميعاً في مصر، وهذا ما يفسر ما ورد في لوح مرنبتاح المشهور، والمسمّى عند المؤرخين بلوح إسرائيل، حيث ينص الفرعون مرنبتاح على إبادته لإسرائيل التي كانت تسكن بلاد الشام، والعبارة الواردة في اللوح هي :" وإسرائيل أبيدت ولن يكون لها بذرة " ويبدو أن قطاعاً من المستضعفين من بني إسرائيل تسرّبوا فارّين من الاضطهاد وانضموا إلى أقربائهم الذين سبقوهم عبر قرون، مما جعل مرنبتاح يعمل على اجتثاث هؤلاء حتى لا يكونوا بؤرة جذب لكل من يصبو إلى التحرر من اضطهاد الفراعنة. وأنت تقرأ في بنود معاهدة عقدت بين أحد ملوك الفراعنة وملك الحيثيين بنداً ينص على تسليم الهاربين والمجرمين والمهاجرين من إحدى الدولتين إلى الأخرى.

جاء في سورة يونس:" فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم " وهذا يعني أنّ قلّة من الشباب هم الذين آمنوا لموسى عليه السلام، أمّا بقيّة الشعب من بني إسرائيل فاختلفت مواقفهم، فمنهم من استمرأ الذل وركن إلى الواقع، ومنهم من هو على استعداد أن يلحق بالمؤمنين في حال هجرتهم، ولا يتصور أن يخرج الشعب الإسرائيلي بالكامل، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح الفراعنة ممن هم مثل قارون:" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ..." ، بل إن هناك ملأ من بني إسرائيل يعملون لصالح نظام الفراعنة، بدليل قوله تعالى في الآية السابقة:" على خوف من فرعون وملئهم ... " وكيف يمكن لشعب يعد بمئات الألوف بل هو أكثر أن يخرج خلسة، وأنّى لغير المؤمن أن يثق بموسى عليه السلام فيخرج إلى عالم المجهول ؟! وبهذا نكون قد خلصنا إلى نتيجة تقول: هناك ما يدل على خروج بعض أبناء إسرائيل قبل مجيء موسى عليه السلام إلى مصر، ولا يوجد ما يثبت خروج كل بني إسرائيل مع موسى عليه السلام، بل إنّ الأقرب إلى العقل ومنطق الأمور أن تبقى الأكثرية، وتخرج الأقلية المؤمنة ومن يتبعها من غير المؤمنين لسبب أو آخر.

هناك أدلة كثيرة تثبت أنّ فرعون الخروج هو مرنبتاح بن رمسيس الثاني. ولا مجال هنا لتقديم هذه الأدلة، ولكن من الجيد أن نعلم أنّ الوثائق الفرعونية تنص على حصول فوضى واضطرابات بعد موت مرنبتاح، بل نجد أنّ السلطة الفرعونية تتهاوى، ويسيطر على العرش شخص يوصف بأنّه آسيوي سمّته بعض المصادر( أرسو ). ومن يتدبّر الآيات القرآنية يدرك أنّه بعد غرق الفرعون وجنده ورموز سلطته سيطر الشعب الذي ينتمي إلى طوائف شتى ومنهم شعب بني إسرائيل على كل ما تركه الفرعون وأركان سلطته. انظر قوله تعالى في سورة الشعراء: " فأخرجناهم من جنّات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين " فبمجرد خروج الفرعون تمّ الإرث بدليل استخدام الفاء في قوله تعالى:" فأتبعوهم مشرقين " . ولم يكن شعب إسرائيل هو الوارث الوحيد، بل إنّ هناك شعوباً أخرى كانت من الطبقات الأدنى. انظر في قوله تعالى من سورة الدّخان:" كم تركوا من جنّات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ويبدو أنّ بني إسرائيل كانوا في الدائرة الأقرب إلى القصور الفرعونية بدلالة قوله تعالى في الآيات السابقة:" وكنوز ومقام كريم " أمّا الدائرة الأبعد وهي الأراضي والسهول فقد وقعت تحت سلطة آخرين بدليل قوله تعالى:" وزروع ومقام كريم" .

أمّا الذين خرجوا مع موسى عليه السلام، وحكم الله تعالى أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، فربما أصبحوا في هذه المدة بؤرة جذب لبعض من بقي في مصر، ثم أورثهم الله تعالى الأرض المباركة بدلالة قوله تعالى في سورة الأعراف:" وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها" . فالميراث الفوري كان لمن بقي في مصر، أمّا ميراث الأرض المباركة فكان بعد زمن التيه، وعلى هذا القسم من بني إسرائيل نزلت التوراة، أمّا البقيّة، قلّت أم كثرت، فقد اختلطت بالشعوب الأخرى وبالتالي لم تتميّز لأنها لم تتهوّد .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الكــعـبـة

الكَعَب هو النتوء والبروز، ومن هنا سمي الجزء المرتفع والبارز من القدم كعبا. وورد في اللغة أن الكعبة هي البيت المكعب أي المربع، وقيل المرتفع، وصحح بعضهم المعنى الأول، أي أن الكعبة هي كل بيت مربع. وبما أن الكعبة هي أول بيت وضع للناس للعبادة، كما ينص القرآن الكريم، فلا يبعد أن تكون التسمية ربّانية، ولأن الكعبة بنيت مربعة أصبح الناس يَصِفون كل بيت مربع بأنه كعبة، ثم اشتق منه المكعّب ليعني المربع، ثم أطلق المكعّب على المجسّم ثلاثي الأبعاد ذي الأوجه المربعة. وبما أنّ الكعبة هي أول بيت مرتفع وبارز فوق الأرض، كانت كل الألفاظ المشتقة من هذا الاسم تدل على الارتفاع، وبالتالي لا داعي لأن نرجّح معنى على آخر. ولأن الكعبة هي قبلة المسلمين في الصلاة والحج، وجدنا الناس يجعلون لفظة الكعبة مرادفة للفظة القبلة.

جاء في الآية 97 من سورة المائدة :" جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَام...." .

واضح أن البيت الحرام في البداية كان لا يزيد عن مساحة الكعبة والتي هي تقارب 100 م2، ومن هنا نجد أن الآية تصرّح بأنّ الكعبة هي البيت الحرام، أمّا اليوم فإنّ مساحة البيت الحرام ضخمة جدا، ويمكن أن تزاد وتلحق بها مساحات أخرى حتى تصل الحدود التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم كمنطقة حرام، لها أحكام خاصة. ويبقى للكعبة مركزيتها بل إنّ كل ما أحاط بها اكتسب مكانته لصلته وقربه منها.

جاء في الآية 5 من سورة النساء :" وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً " فقد جعل الله تعالى المال قوام الحياة، فلا تقوم الحياة ولا تثبت ولا تستمر إلا بالمال، وهذا معلوم وبدهي، وليس هو موضوع جدال ولا تشكيك. واللافت للنظر أن القرآن الكريم لم يستخدم مثل هذا التعبير إلا في قوله تعالى من سورة المائدة:" جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَام...." جَعْلُ المال من مقومات الحياة أمر مفهوم ومجمع عليه بين الناس، ولكن الأمر الذي قد لا يفهم بداهة، وليس هو محل إجماع، بل قد يغفل الناس عنه، فتنـزل الرسالات الربّانية لتقيمه وتحرسه وتعززه ألا وهو الإيمان الذي يولّد في النفوس مفهوم القداسة، ومفهوم الواجبات، ومفهوم الحرمات.

فالحياة البشرية لا تقوم بالمال وحده، بل إن الإنسان هو الأهم، ولا مجال لاستمرار الوجود المجتمعي الإنساني بعيداً عن هذه المفاهيم، والتي لا تقوم إلا على أساس ديني، ومن هنا يمكن للمستقرئ أن يلاحظ ذلك، فالمجتمعات التي يضعف فيها تأثير الدين وتزلزل فيها مفاهيمه لا بد أن نُعاين فيها بوادر التفكك والانحلال، بل إن الإنسان يفقد عندها هدفية وجوده واستمراره، ومن هنا نجد مثلاً أنّ الفلسفة الوجودية في الغرب والتي ترفع شعار (لا إله) هي التي ترفع شعار (العبثيّة) بل من أساسيات مبادئهم :" لا شيء له معنى إلا الموت، وغاية إمكانيات الإنسان الانتحار !! " ونحن نعلم أن للدين دورا متناميا في المجتمعات البشرية المختلفة، ومن هنا يصعب اليوم أن نجد مجتمعاً يتجرد من الإيمان، ومن مفهوم القداسة، والواجب، والحرمة، إلا أنه بالإمكان ملاحظة التناسب الطردي بين قوة الإيمان ومفاهيمه في المجتمع وقوة البنيان الاجتماعي المحققة للسعادة. وقد ثبت بالتجربة أن توافر القوام الأول، وهو المال، غير كاف حتى يتحقق القوام الثاني وهو الإيمان بما يغرسه من مفاهيم دينيّة. ويمكن ملاحظة أثر فقدان القوام الثاني في المدرسة الوجودية على المستوى الفلسفي، وفي الماركسية على المستوى الفلسفي والواقعي، وتجربة الاتحاد السوفييتي غنية الآن عن البيان.

فالأحكام المتعلقة بالكعبة والحج إليها، والأحكام المتعلقة بالأشهر الحرم، والأحكام المتعلقة بالهدي والأضاحي، وغيرها من الأحكام الشرعية تشكل في شقها الإيماني وشقها السلوكي القوام الثاني، وقد يكون من السهل على الناس أن يدركوا أهمية نظام العقوبات مثلا وضرورته لقيام الحياة المجتمعيّة، إلا أنهم قد يغفلون عن أهمية وضرورة تشريعات الحج وأحكامه، فيلتبس على البعض فهْم كيف تكون الكعبة قياما للناس. ويبدو أننا بحاجة إلى إعادة نظر وتدبُر لأحكام وأسرار الركن الخامس من أركان الإسلام.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:39 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الكهف

أسماء السّور القرآنية توقيفيّة، أي أنها من الرسّول صلى الله عليه وسلّم وحيا، وهذا يعني أنه لا بد من الاهتمام بهذه الأسماء عند تفسير القرآن الكريم، ويلفت الانتباه عدم التوقف عبر العصور عند هذه الأسماء بما تستحقّه، ونحن في هذه العجالة نهدف إلى لفت الانتباه إلى ضرورة زيادة الاعتناء بدراسة أسماء السّور ومحاولة استجلاء أسرارها، وقد كان لمركز نون للدراسات القرآنية في مدينة البيرة الاهتمام المميّز بالأسماء ولكن من الناحية العدديّة، وليس هذا مقام الكتابة في الإعجاز العددي.

المتدبر لقصة أصحاب الكهف في سورة الكهف يلاحظ أن القصة بدأت بالتركيز على مسألتين، الأولى:" فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" والثانية: " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" وبعد ذلك: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق.. " وهنا تبدأ القصة... وهذا يعني أنّ أهم مسألتين في القصة، هما: مسألة نومهم لمدة طويلة، وقد جاء تبيان هذه المدّة في آخر القصة، مما يدل على أهمية هذه المسألة، أمّا المسألة الثانية فهي ظهور دقة إحصاء إحدى الجماعات المتنازعة في مدة لبث أصحاب الكهف، مما يعني أنّ نومهم كان له حِكم، منها دفع الناس إلى استحداث التقويم والتأريخ، أي الدخول في دورة حضارية تقوم على عنصر الزمن، وقد فصّلنا ذلك في كتاب " ولتعلموا عدد السنين والحساب".

اختلف الناس كثيراً في زمن قصة أصحاب الكهف، واختلفوا أيضا في المكان، ويبدو أن كتب التفسير القديمة والمعاصرة قد تأثرت بالرواية المسيحيّة لقصة أصحاب الكهف، على الرغم من أن القرآن الكريم قد نهى عن الأخذ من الآخرين في هذه المسألة فقال :" ولا تستفت فيهم منهم أحداً"، ووجّهَ المؤمنين إلى الأخذ من القرآن فقط، لأنّ الحق فيه، " نحن نقص عليك نبأهم بالحق.."

على الرغم من أنّ معرفة مكان الكهف من الأمور الثانويّة، إلا أنّ الناس قد خاضوا طويلاً في ذلك، فمنهم من قال في سوريا، ومنهم من قال في تركيا، ومنهم من قال في الأردن، وقالوا، وقالوا... ولم يستطع أحد أن يقدّم الدليل على زعمه، ثم ماذا يترتب على معرفتنا أنّه في منطقة الرجيب في الأردن مثلاً ؟! على أرض الواقع ترتب على ذلك أن أصبح ذلك الكهف معلماً سياحياً لا أكثر، وفي ظننا أنّ للكهف مكانة أعظم، فأين يقع الكهف؟

سورة الإسراء هي السورة السابعة عشرة في ترتيب المصحف، وأبرز المسائل فيها هي المسألة الفلسطينية، أما السورة التاسعة عشرة فهي سورة مريم، وتتعلق أحداثها بأرض فلسطين المباركة أيضا، فلماذا لا تكون أحداث الكهف في فلسطين أيضا، حيث أن سورة الكهف هي السورة التي تتوسط سورة الإسراء وسورة مريم، وقد وجدنا في مركز نون ترابطاً موضوعياً وعددياً بين هذه السور الثلاث. ووجدنا أن هناك أموراً تشير إلى احتمال أن يكون للكهف ارتباط بقصة الإسراء، وارتباط بقصة مريم وعيسى عليهما السلام.

نقول بلغة أخرى: إذا كان علم التناسب بين السور من العلوم المقرّة عند العلماء، فما وجه التناسب بين الكهف والإسراء ؟ وما هو التناسب بين مريم والكهف ؟ نقول لدينا في مركز نون تصور عن هذا الكهف الذي يغلب أن يكون في فلسطين، ولكن الأمر يحتاج إلى بسط وتفصيل، ليس هذا مقامه.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:40 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
المــدينـــة

هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب، وقبل أن ينزل عليه السلام بيتاً من بيوتها كان قد حدد المكان الذي يُبنى فيه المسجد، وهذا الفعل يدل على أهمية المسجد في المجتمع الاسلامي. ثم ما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن استبدل اسم "يثرب" باسم "المدينة" ومن المستغرب أن تسمى مدينة ما باسم "المدينة" ثم لماذا "أل" التعريف، ألا يكفي "مدينة"؟!

أطال المفكرون والفلاسفة الحديث عن أفضل صيغة للاجتماع البشري أو ما يسمى "المدينة الفاضلة" ولا شك أن "المدينة الفاضلة" هي حلم البشرية إلى يومنا هذا. وقد ظن الإنسان المعاصر أن الحل قد يكون في التطور العلمي والتكنولوجي، وقد أثبت العلم بعد قرون من النهضة العلمية أنه قاصر عن إيجاد المجتمع البشري الفاضل بعيداً عن الدين، بل إن التفكك الأسري والاجتماعي، وانتشار الجرائم أصبح من مميزات المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجيا، وبدأ الإنسان يستعين بالدين ليعيد التوازن لمسيرة البشرية.

كان مما نزل في المدينة بعد الهجرة :"كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" واضح أن هذه الآية تعلن عن وجود المجتمع المنشود، والمدينة الفاضلة التي يبحث عنها البشر. ولم تخرج هذه الأمة نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي، لأن كل هذا مجرد وسائل ميسرة للعيش ومساعدة على البقاء، بل إن التطور العلمي والمادي جاء ثمرة لصناعة الإنسان على مستوى الفكرة والسلوك الفردي والاجتماعي، ومن هنا لم يكن من قبيل الصدفة أن يظهر الإمام أبو حنيفة والإمام مالك قبل ظهور الرازي وابن سينا وجابر بن حيان، وليس من قبيل الصدفة أن يشتهر عدل عمر بن الخطاب قبل اشتهار فقه الشافعي أو فلسفة واصل بن عطاء….

الإسلام عقيدة وشريعة، ودين منه الدولة. وإذا كانت الفلسفة يمكن أن تبقى فكرة نظرية بعيدة عن الواقع التطبيقي، فان الدين قد نزل من أجل أن يخلق واقعاً جديداً في عالم الاجتماع الإنساني، ولا يجوز أن يبقى سجين الإطار النظري، ومن هنا كانت ضرورة الهجرة من مكة إلى يثرب، وبما أن الهجرة قد أوجدت الواقع الذي يجب أن يتحرك فيه الدين، فقد كان الإعلان المجلجل عن ميلاد المدينة الفاضلة التي يحلم بها الإنسان منذ فجره الأول، وإذا كانت التسمية للمولود تحمل الرغبة والأمل والتوقع، فقد كان هذا واضحاً تماماً في دلالة تغيير اسم "يثرب"، لتصبح "المدينة".

وبعد مدة من الزمن جاء الإعلان عن تخريج شعب المدينة الفاضلة :"كنتم خير أمة أخرجت للناس……" فإذا أراد الناس أن يصنعوا مجتمعاً فاضلا، فان هذا هو المثال، وهذه هي "المدينة" وليس غريباً أن نجد المسلمين عبر العصور والى يومنا هذا يتوقون إلى المجتمع المدني الأول، ثم هم يحكمون على كل المجتمعات الإسلامية التي جاءت بعد المرحلة الراشدة بالانحراف النسبي، ولا يزال الحنين الشديد إلى تلك الحقبة يشد الجميع، ولا يزال الناس يتخذون من تلك المرحلة مقياساً. ألا يدل ذلك بوضوح على أن المدينة الفاضلة قد ولدت كمن في مجتمع المدينة، لتكون القدوة والميزان؟

أما "يثرب" فقد ماتت، ولم تعد تعني أحدا من الناس إلا بعض المتنفذين في مرحلة الجاهلية، من أمثال عبد الله بن أبي بن سلول، والذي توقع زوال المدينة عندما رأى الأحزاب تطبق بجيوشها على أطرافها، فكانت الصيحة التي تكشف أسرار القلوب، وتعلن عن رغائب الموتورين من أعداء الحقيقة، وأعداء المدينة الفاضلة :"وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا….." الأحزاب 13. وإذا كانت "يثرب" أمنية لبعض المنافقين فان "المدينة" ستبقى أمنية الإنسانية جمعاء.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:40 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
المسجد الأقصى

نعم، وحتى الأسماء يمكن أن تتجلى فيها المعاني والأسرار، كيف لا ونحن نتعامل مع القرآن الكريم؟! وإذا جاز لنا أن نهمل دلالة الاسم في عمل فكري بشري، فهل يجوز لنا أن نفعل ذلك عندما نتعامل مع كتاب رب العالمين؟! كل اسم ورد في القرآن لا بد أن تكون له دلالات وظلال. وقد توصّلنا إلى هذه القناعة بعد أن تحصّل لدينا ملاحظات كثيرة تتعلق بالأسماء القرآنية، نأمل أن يطلع القارئ الكريم على بعضها في أكثر من مقال، وقد يكون من المناسب أن نبدأ بمناقشة دلالات "المسجد الأقصى" بما يتسع له المقام.

لو سألت الياباني: أين تقع أمريكا بالنسبة لليابان؟ سيكون الجواب: هي في الغرب. واضح أن هذه الإجابة خاطئة لان أمريكا تقع شرق اليابان. لذا يسافر الياباني شرقاً ليصل إلى أمريكا، لأن طريق الغرب طويلة جداً. وعلى الرغم من ذلك فانه يتعامل على أساس أن أمريكا هي غرب. وذلك لأن أمريكا تقع إلى الغرب من خط غرينتش، خط التأريخ الدولي، الذي أصطلح عليه عندما كانت بريطانيا دولة عظمى متقدمة، وكان الشرق كله يعاني من التخلف والأمية.وكانت بريطانيا القائد للعالم. واليوم لا زال الغرب هو القائد والمسيطر، ولا يتوقع أن يغير العالم من اصطلاحات الغرب، حتى تتغير موازين القوى، ويختلف مركز الثقل على هذه الأرض.

لقد أراد القرآن الكريم للأمة الإسلامية أن تتميز لتكون القدوة للبشرية، ولتتمكن من التأثير من أجل التغيير الإيجابي لاخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويظهر هذا التميز في أمور كثيرة منها التميز في الاصطلاح، وفي الوقت الذي فقد فيه العالم الاسلامي مركز الصدارة ولم يعد القدوة للشعوب الأخرى، فقدت اصطلاحاته معانيها ولم تعد مستعملة من قبل الآخرين، بل لم يعد العالم الاسلامي يعتز بما لديه من اصطلاحات، لأنه أصبح تابعاً ومقلدا، ويبدو أن هذه نتيجة حتمية للتخلف الذي أصاب المسلمين على مدى قرون من الزمن.

عندما نزل قوله تعالى :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى …" كانت مراكز القوى تتمثل في بلاد فارس وبلاد الرومان، ولا شك أن المسجد في القدس كان الأقرب إلى بلاد الرومان، إلا أن القرآن اعتبره "المسجد الأقصى" لان مكة "هي المقياس الذي يجب أن نقيس عليه. والمساجد التي تشد إليها الرحال في الدين الاسلامي هي المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد النبوي الذي يقع بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى. وقد ذكر بعض العلماء أن تسمية مسجد القدس "بالمسجد الأقصى" فيه إشارة إلى أن المسجد النبوي سيبنى، على اعتبار أن ذكر الأقصى يشير إلى القصي، كما تشير كلمة الأبعد إلى البعيد. أي أن هذه التسمية تتضمن خبراً غيبياً.

إذا فُهم هذا سيكون من السهل علينا أن نفهم عبارة "أدنى الأرض" في قوله تعالى من سورة الروم :"غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين…." فقد كانت هزيمة الروم في أدنى الأرض إلى جزيرة العرب، حيث كانت بلاد الروم مترامية الأطراف شاسعة المساحات، إلا أن هزيمتها المشار إليها كانت في بلاد الشام، أي أدنى الأراضي التي يسيطر عليها الرومان بالنسبة إلى جزيرة العرب، بهذا يتضح أن القرآن يجعل من مكة وما يحيط بها من جزيرة العرب المكان الذي يقاس عليه، أي هو المكان الذي يجب أن تكون له المركزية في فكر المسلم وضميره وحسه وواقعه واصطلاحاته. وعلى أية حال لا يكون هذا واقعاً حتى تتغير أمور كثيرة، والمراقب للتطورات الفكرية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي يلاحظ المؤشرات الكثيرة التي تعلن عن عودة الأمة إلى حضارتها. ويبقى الخطر الأكبر يتمثل في القيادات السياسية والعسكرية العلمانية والتي تعمل على ترسيخ التابعيّة للغرب في عالمنا العربي والإسلامي.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:41 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الوكيل

الوكيل هو الموكول إليه والمفوض إليه الأمر، وعليه فلا وكيل على الحقيقة إلا الله تعالى، وهو سبحانه سبب الأسباب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومعلوم أن التوكل هو من أفعال القلوب، فهو إيمان وتصديق، ثم هو توجه ورغبة، وهو قوة عظيمة تشحن الإرادات، كيف لا وهو الركون إلى ركن شديد؟ وما من إنسان إلا ويرغب في وكيل، وما عالم الحسرة والوهن والإحباط وسوء الظن وما إلى ذلك من أمراض القلوب والإرادات إلا من نتائج التوكل على غير الله، من المخلوقات الضعيفة، والكائنات المحتاجة.

تستهل سورة الإسراء بآية تتحدث عن حادثة الإسراء بالرسول عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم يدهشك أن الآيات التي تلي تتحدث عن إفسادتين لليهود في الأرض المباركة، والذي يهمنا في هذه العجالة الوصية التي أنزلها الله تعالى في التوراة، ثم أنزلها في الآية الثانية من سورة الإسراء : "وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا.." فما السر في هذه الوصية المشددة والمكررة؟ وما علاقتها بالإفساد اليهودي في الأرض المقدسة؟ ويبدو من نصها أنها وصية وتحذير :" ألا تتخذوا من دوني وكيلا.." وقد يكون من أسرارها أن النهايات المفجعة للمجتمعات اليهودية ترجع إلى اعتماد اليهود على وكلاء من عالم الشهادة، وهذا مؤشر على ضعف الإيمان بالله تعالى، وهو دليل أيضا على شدة تعلق هؤلاء بعالم المادة وبالأسباب الأرضية.

إسرائيل شاحاك من الكتاب اليهود الذين يلفتون انتباهك في قربهم من الموضوعية، وهو من القلة التي انتقدت العنصرية الصهيونية، وكشفت حقيقة الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وهو يرى أن المذابح التي تعرّض لها اليهود في المجتمعات الغربية ترجع في الأساس إلى التحالفات التي كان يقيمها اليهود مع القوى المتنفذة والظالمة، والعجيب أن هذا الخطأ يتكرر وكأنه قانون في حياة اليهود، على الرغم من أن النتائج كانت دائما مفجعة، وعلى وجه الخصوص عندما تنقضّ الشعوب على جلاديها، والأعجب من هذا أن اليهود لم يستخلصوا العبر، وما زالوا يؤمنون بإمكانية الركون والتوكل على القوى البشرية والمادية، حتى باتت المادة، وبات رأس المال هو المعبود الذي يتوكلون عليه.

عندما شعر اليهود بصعود أمريكا القوة الجديدة وجدناهم يسارعون إلى الهجرة إليها، حتى باتوا في أعلى السلم السياسي والاقتصادي، وأصبح الأمريكي شيئا فشيئا يشعر بوطأة أقدامهم على رقبته، وهذا الشعور قابل للتصاعد على ضوء المعطيات التي تخبرنا بان المجتمع الأمريكي يتحول شيئا فشيئا إلى مجتمع الأقلية المالكة، والأكثرية المغلوبة على أمرها، والتي باتت تشكل الآلة التي تخدم الأسياد، ولديها شعور متفاقم بالغبن والإجحاف. هذا في داخل أمريكا، أما في الخارج فقد بات المجتمع الدولي يشعر بالنفور الشديد من هذا المتطفل، الذي يضرب بسيف المارد الأمريكي، ولا يقيم وزنا لمشاعر الآخرين، ولا يشعر أبدا باحتمال انقلاب الموازين، وتغير الوقائع، بل ينطلق في سلوكه من منطلق أن هذه هي نهاية التاريخ، وبهذا نجدهم يكررون الخطأ، ويقعون في المحذور، وليس بإمكانهم أن يستمعوا إلى رب الناس يحذرهم :" ألا تتخذوا من دوني وكيلا...".

إن هذه الوصية لا تخص اليهود دون غيرهم، وإن كانوا هم الأحوج إليها، ونحن لا نعجب من سلوك اليهود هذا عندما نطلع على تراثهم الديني والثقافي، وإنما العجب كل العجب أن يذهل عن هذه الوصية الربانية بعض من عايش الإسلام، ونهل من القرآن، وتنسم عبير تراثه المفعم بالإيمان والثقة واليقين والتوكل، " ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:41 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
أم القــــــرى


جاء في الآية 92 من سورة الأنعام :"وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه، ولتنذر أم القرى ومن حولها.....". وجاء في الآية 7 من سورة الشورى :"وكذلك أوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها....." واضح أن "أم القرى" هنا هي مكة. وقد يقال إن المقصود أنها العاصمة بمفهومها المعاصر. وإذا علمنا أن القرآن الكريم قد نزل الى البشرية جمعاء، أصبح من المحتمل أن يكون المقصود ب "من حولهاط هو مجموع الناس. وقد سبق أن بيّنا في حلقة سابقة أن القرآن الكريم يجعل من مكة البؤرة والمركز، والمكان الذي يقاس عليه غيره من الأمكنة، فالمسجد الأقصى هو الاقصى بالنسبة الى مكة، حيث القصي هو المسجد النبوي. وعليه يصح أن يكون المقصود ب (من حولها) مجموع البشرية. واذا كان هذا صحيحاً فما المقصود ب (أم القرى)؟

القرى هو الجمع، ولما كان الناس يجتمعون في صيغة شعوب وقبائل، فقد سميت مجموعاتهم هذه قرى، وسميت كل مجموعة قرية. فالقرية إذن تعبر عن الاجتماع البشري.ولما كان هذا الاجتماع لا بد أن يكون في مكان، فصح ان يسمى مكان الاجتماع قرية. جاء في الآية 59 من سورة الكهف "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا" لا داعي أن نقول هنا أن المقصود (أهل القرى) لأن القرى تطلق كما قلنا على الاجتماع البشري، وعلى مكان الاجتماع ايضاً. وعليه يحتمل أن يكون المقصود ب (أم القرى) أم الأمم. ومعلوم أن (الأم) هي الأصل الذي يصدر عنه الفرع. وهذا يقودنا إلى القول: إن مكة هي المكان الذي خرج منه الناس إلى باقي بقاع الأرض، أي أن مكة هي أول مكان اجتمع فيه البشر، ومنه صدروا بعد أن تكاثروا. وقد يعني هذا أن مكة هي أول نقطة التقاء للبشرية بالأرض. فهل كانت المكان الذي نزل فيه آدم أول ما نزل؟

جاء في الآية 96 من سورة آل عمران :"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين". إذا كان أول بيت وضع للناس -لعبادتهم- كان المسجد الحرام في مكة، فهذا يعني أنه مغرق في القدم، ولا يبعد أن يكون قد وضع للناس في فجر البشرية، لأنه بعيد في العقل أن يبقى الناس فترة من الزمن لا يجتمعون على عبادة الله في مكان يجمعهم، مع علمنا أن آدم عليه السلام كان نبيا، أي أن البشرية بدأت مسيرتها بمعرفة الخالق وعبادته، ثم كانت الانحرافات بعد فترة من الزمن، فبعث الله سبحانه وتعالى (نوحاً) كأول رسول للناس.

فإذا قيل إن قلة عدد الناس في البداية لا يحتم وجود مكان يجمعهم للعبادة، بل لا ضرورة لذلك. قلنا نعم هذا ممكن، ولكن إذا عرفنا أن مساحة الكعبة من الداخل لا يزيد كثيراً عن (80 متر مربع) وإذا أدخلنا (الحجر) قد لا تتجاوز (100متر مربع). وعليه كان يمكن أن يكون عدد الذين يحتشدون فيها من أجل العبادة ؟ ولا يتوقع أن تكون أول عبادة على صيغة طواف، وآلا فما معنى المساحة الداخلية، وما معنى أنه مسجد؟ وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح عن أول بيت وضع للناس فقال المسجد الحرام. قيل : ثم أي؟ قال المسجد الأقصى……ومعلوم أن المسجد الأقصى لا طواف فيه.

"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين" لفظه (وضع) تدل على أن الأمر كان بوحي سماوي، وتكليف رباني. أما لفظه (بيت) فتدل على أن العبادة في البداية كانت في داخله. وأما لفظة (للناس) فتشير إلى انه وضع لجميع الناس. وإذا كانت مساحته كما ذكرنا، فان هذا يشير إلى عدد الناس القليل، مما يدل على انه قد وضع في فجر البشرية، أما جملة (للذي ببكة مباركاً) فلها مقام آخر، أن شاء الله؟. وأما جملة (وهدى للعالمين) فتؤكد أنه وضع لجميع البشر. وإذا كان صحيحاً ما توصلنا إليه من أن مكة هي أول مكان أقام فيه البشر وجودهم الاجتماعي، أفلا يصبح فهمنا للأمور التالية أشد وضوحاً :

أ= أن حج الناس كل الناس يكون إلى مكة.

ب= أن آذان إبراهيم عليه السلام بالحج كان من مكة، والى الناس في كل مكان، كما توحي به الآيات الكريمة من سورة الحج.

ج= أن فريضة الحج يخاطب بها الناس، في حين أن أركان الإسلام الأخرى يخاطب بها المؤمن. ثم نجد أن كلمة الناس اكثر ما تكررت نسبياً في صورة الناس، ثم سورة الحج.

د= إن لباس الحاج يكون بسيطاً ويلغي الفوارق، فيعود الناس كما كانوا في أول اجتماع لهم على الأرض فيذكر هذا باخوتهم الإنسانية.

وحتى لا نطيل في مثل هذا المقام ننبه أخيراً إلى أننا لا ندري كيف كانت الطبيعة والمناخ في مكة في تلك العصور السحيقة، والتي لا يدري أحد مداها الحقيقي.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:42 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
إن لبثتم إلا عشرا

جاء في سورة الإسراء :" يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً " وجاء في سورة المؤمنون : " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ..." وجاء في سورة يونس :" ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم " هذه الآيات وغيرها تكشف عن حقيقة الشعور الإنساني بسرعة انقضاء الحياة الدنيا، وسرعة مضي عالم البرزخ، فالذاكرة البشرية عندها مشغولة بما هو أهم وبما هو أخطر، ثم إن الدنيا وعالم البرزخ في قانون الآخرة لا تزيد عن وحدة صغيرة من الزمن. كيف لا والنهائي لا يذكر في جانب اللانهائي !!



ثلاث آيات من سورة طه تطرح نسبية الزمن في الإدراك البشري، ليس في الدنيا، ولا في عالم البرزخ، بل في يوم الحشر، ولا ندري كم يستمر هذا اليوم، وإن كانت الأحاديث الشريفة لتنص على طول الموقف، ولكنه في النهاية ينقضي ليكون الخلود الذي لا يتناهى، وعلى وجه الخصوص في عالم السعادة.

يقول تعالى :" يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين إلى جهنم زرقا، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلا يوما". الآيات الكريمة تتحدث عن حشر المجرمين وما فيه من ضيق ومعاناة إلى درجة أن تزرق الجلود، وهذا في حدود علمنا ينتج عن نقص الأكسجين والذي يزيد في معاناة المحشورين، وهو أيضاً عند بعض أهل الاختصاص ينتج عن الخوف الشديد الذي لا أمل عنده في النجاة، مما يجعل الدم يندفع باتجاه الجهاز الهضمي بدل أن يندفع إلى الجلد والعضلات . وهذا الواقع المضني يجعل الإنسان حساساً تجاه الأصوات والكلام ومن هنا :" يتخافتون بينهم " فكل واحد منهم يطلب من الآخر أن يغض من صوته، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك قضية في غاية الأهمية تجعلهم يتساءلون بينهم بأصوات خافتة، فطول الموقف ورهبته وشدّته تجعلهم يتساءلون عن طول موقفهم، وكم مضى من الوقت، وهنا يتضح أن أقوالهم تتضارب وتتفاوت تفاوتاً كبيراً، وهنا يتدخل البعض ليحد من المبالغات فيقولون:" إن لبثتم إلا عشراً " نعم لم تزد عن هذا الحد.

إنّ الله تعالى أعلم بأقوالهم هذه ومدى مطابقتها للواقع : " نحن أعلم بما يقولون " فهذه الأقوال كلها مجافية للواقع، ولكن أقلهم إجراماً وبالتالي أمثلهم طريقةً وسلوكاً في عالم الحياة الدنيا يذهب إلى أنّ لبثهم لم يتجاوز اليوم :" إن لبثتم إلا يوماً " وهنا ينكشف سر اختلافهم الاختلاف الكبير، فقد ظهر أن إحساس النّاس بالوقت يتفاوت يوم الحشر بتفاوت أعمالهم، ومدى صلاحهم أو فسادهم، وهذا يعني أنّ هول الموقف يتعلق بمدى الصلاح، أي أنّ هناك تناسباً عكسياً بين الصلاح والشعور بهول الموقف ومداه، وعلى ضوء هذا يمكن فهم الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أهوال الموقف يوم القيامة .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:42 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
أنّى بأرض السلام


تُستهل سورة الإسراء بالحديث حول نبوءة الإفساد الإسرائيلي في الأرض المقدسة، واللافت للانتباه أنّ سورة الكهف تأتي في ترتيب المصحف بعد سورة الإسراء، وتبرز فيها قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، ويدهشك أنّه لا ذكر في القصة لبني إسرائيل، ولم يعد موسى عليه السلام متبوعاً بل أصبح تابعا، يطلب العلم بتواضع وحرص، ومثل هذا الأمر لم يتكرر في القرآن الكريم. وقد يكون من دلالات ذلك أن على الذين يزعمون أنهم أتباع موسى عليه السلام أن يتواضعوا للحق والحقيقة، وأن يدركوا أن الله تعالى يؤتي فضله من يشاء من عباده. وأنه إذا كانت سورة الإسراء تبرز أحداثاً مستقبلية تبشّر بكسر شوكة اليهود، وتعصم البشرية من عنصريتهم القائمة على الاعتقاد الأسطوري، فإنّ سورة الكهف تدعو هؤلاء إلى الاقتداء بموسى عليه السلام، ولا يكون ذلك إلا باتباع الرسول الخاتم عليه السّلام.

جاء في الروايات التاريخيّة أنّ موسى عليه السلام قضى آخر سنوات حياته في جبال الأردن الغربيّة، المطلة على الأرض المقدسة فلسطين، وورد في الأحاديث الصحيحة أنّه عليه السلام عندما حضرته الوفاة طلب من الله تعالى أن يقربه من الأرض المقدس رمية بحجر، فاستجاب الله تعالى له، ومات عليه السلام قريباً منها، ولم يدخلها. ويبدو أن قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، والواردة في سورة الكهف، إنما حدثت في السنوات الأخيرة من عمره عليه السلام، بدليل قوله تعالى في سورة الكهف:" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً". فهو إذن على استعداد أن يمضي دهوراً في طلب العلم، وهذا لا يفعله من هو مكلف بأداء رسالة إلى قومه، مما يعني أنّه قد أتم التبليغ.

جاء في التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور :" ومجمع البحرين لا ينبغي أن يُختلف في أنه في مكان من أرض فلسطين، والأظهر أنه مصب نهر الأردن في بحيرة طبرية ..." وهو هنا يقصد مجمع البحرين المذكور في قصة موسى والعبد الصالح. ويستند ابن عاشور فيما يستند إليه إلى ما ورد من أنّ موسى عليه السلام سار راجلاً مسيرة يوم وليلة، ومن هنا تُستبعد كل الأقوال التي تزعم أن مجمع البحرين في البحر الأحمر، أو في المغرب العربي، أو.. ولدينا أدلة على صواب مذهب ابن عاشور ليس هذا مقامها، ولكنه يكون أقرب إلى الصواب لو قال إن مجمع البحرين هو النهر الذي كان يصل بين بحيرة الحولة وبحيرة طبرية، وكان تواجد موسى عليه السّلام في الجهة الشرقية. وتنص الأحاديث الصحيحة على أن موسى عليه السلام وجد العبد الصالح مغطى بثوب، فسلّم عليه، فرد العبد الصالح قائلاً :" وأنّى بأرضك السّلام ؟! " وورد أيضاً :" وأنّى بأرضٍٍ السلام ؟! ".

هل صحيح أن هذا الاستفهام من العبد الصالح كان لأن المكان خلاء من الناس، أو لكونه مأهولاً بأمّة ليست تحيتهم السلام ؟! الذي نراه أنّ هذا الاستفهام التعجبي كان لأنّ الأرض التي يقفان على مشارفها هي الأرض المباركة، والأرض المقدسة، وبركتها وقدسيتها جزء من وظيفتها الدنيويّة، فهي أرض تنفي خبثها، ولايُعَمّر فيها ظالم، وما يحدث فيها يَعُم خيره البشرية جمعاء، كما جاء في قوله تعالى :" الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" وعليه كيف يمكن لمثل هذه الأرض أن يكون فيها سلام مع الشّر والظلم، وإلا فما معنى كونها الأرض المطهّرة؟! وإذا كان الله تعالى قد جعل البركة والقدسيّة في كينونتها، فما ذلك إلا لتؤدي دورها الإيجابي في تصحيح المسار البشري، ومن يقرأ تاريخ هذه الأرض يدرك أنها المختارة التي تقصم كل جبّار، وتحضن كل بار، ولا يزال الحق يظهر فيها ويغلب ولكنكم تستعجلون .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:43 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
بنو إسرائيل

إسرائيل هو نبي الله (يعقوب) عليه السّلام، وبنوه هم أصحاب القصة التي فصّلت في سورة يوسف، ويوسف عليه السلام هو واحد منهم، وهم الذين سمّوا بـ (الأسباط)، وقصتهم الواردة في القرآن الكريم تبين أنهم سكنوا مصر قبل وفاة والدهم عليه السلام، وبعد ما يقارب ال(450) سنة، بُعث موسى عليه السلام لينقذهم من ظلم واضطهاد الفراعنة، ومن هنا بدأت العلاقة بين بني إسرائيل واليهوديّة، واستمرت هذه العلاقة لقرون بين مد وجزر إلى أن انتهت بفك الارتباط بين اليهودية وبني إسرائيل.

بعد وفاة سليمان عليه السلام(953 ق.م)، انقسمت الدولة اليهودية إلى دولتين: إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب. وكان شعب دولة إسرائيل هم أحفاد عشرة من أبناء يعقوب عليه السلام، أمّا دولة يهوذا فشعبها هم أحفاد اثنين من أبنائه عليه السّلام. وكان بين الدولتين حروب وأحقاد، واستشرى الفساد، وعمّت الانحرافات، إلى درجة نكوصهم إلى الوثنية وعبادة الأصنام، حتى لاقوا مصيرهم المحتوم بغزو الآشوريين للدولة الشمالية عام(722 ق.م)، وتمّ سبي الشعب بكامله إلى العراق. وبذلك تمّ إسدال الستار على علاقة عشرة أسباط بالديانة اليهوديّة، ولم يعودوا يهودا، فقد انخرطوا في الشعب الغازي وتأثروا بعقائده، وذابوا فيه.

عام(586 ق.م ) قام الملك البابلي نبوخذ نصّر بتدمير الدولة الجنوبيّة، وسبى من بقي منهم حيّاً إلى العراق أيضا، وبعد سبعين سنة على هذا الحادث، عادت قلة من هؤلاء إلى فلسطين في عهد الملك كورش الفارسي، وقد اضطرت هذه القّلة أن تكثّر عددها بإدخال قسم من أهل البلاد إلى اليهوديّة، وبذلك بدأت اليهودية تنتشر بين من هم من غير بني إسرائيل، واستمر ذلك إلى أن جاء السبي الروماني في العام(70 م)، والعام(135م) فشُتّت شمل اليهود في أرجاء العالم، ثم أخذوا يذوبون في الأمم، في المقابل كان هناك من يتهوّد كما حصل في مملكة بحر الخزر والتي قامت من عام(860م__1016م)، وكما حصل من تهوّد بعض قبائل العرب وغيرهم، واستمر الخروج من اليهودية والدخول إليها عبر القرون مما أدّى إلى انفكاك العلاقة بين اليهودية وبني إسرائيل، فالغالبية العظمى من بني إسرائيل تحوّلوا إلى الإسلام بعد القادسية واليرموك والفتوح الأخرى، أمّا البقية الباقية فتحول معظمها إلى المسيحيّة. ومن هنا لا علاقة اليوم بين اليهودية وبني إسرائيل، ولا صحة للادعاءات التي تزعم بوجود تاريخي لقومية يهودية في فلسطين، لأن اليهودية هي دين اعتنقته شعوب مختلفة. وكلامنا هذا لا يعني أنّه لا يوجد في يهود اليوم من له علاقة نسب ببني إسرائيل القدماء وعلى وجه الخصوص أحفاد أولئك الذين كانوا في الجزيرة العربية زمن نزول الرسالة الإسلاميّة، والذين تحوّل عدد منهم إلى الإسلام وآخرون إلى المسيحيّة عبر قرون مضت.

واليوم يتكرر في وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبار البعثات اليهودية التي تسافر إلى أفغانستان للبحث عن أحفاد دولة إسرائيل الأولى، اعتقاداً منهم بأن الأغلبية من الشعب الأفغاني، وهم قبائل البشتون، هم الأسباط العشرة الضائعة، ومعلوم أن هؤلاء من المسلمين السنّة، ولا يبعد أن يكون لهم في المستقبل دور في تحرير فلسطين من سلطان الصهيونية، ليعلم الناس أن العقائد والفلسفات هي التي تصنع الأمم والجماعات، وأن العنصريّات تقوم على الأوهام، وأن الصراع في جوهره بين الحق والباطل، وإذا كانت إسرائيل الأولى تضم شعباً متجانساً من الناحية العرقيّة، فإن إسرائيل اليوم تتألف من سبعين قوميّة يتكلمون تسعين لغة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:43 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ثمّ ادعُهنّ

جاء في الآية 260 من سورة البقرة :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ... " واضح من السياق أنّ إبراهيم عليه السّلام يطلب أن يرى كيفيّة إحياء الموتى، فهو إذن يؤمن بأنّ الله تعالى يحيي الموتى، ولكن نفسه عليه السلام تتوق إلى معرفة كيفيّة هذا الإحياء، ولكن أنّى لبشر أن يرى الكيفيّة في جوهرها، فلو دبّت الحياة في ميّت والناس ينظرون، أو اجتمعت الأجزاء المتفرقة وهم يبصرون، فهل يعني ذلك أنهم عرفوا كيفيّة إحياء الموتى؟! إنّ جوهر الكيفيّة هو من الأسرار التي تزال تحيّر العقول، ولا تدركها الأبصار، وعليه كيف يمكن أن نُقرّب هذه الحقيقة إلى الأفهام؟ لقد جاء الرّد في الآية نفسها من سورة البقرة : " ... قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً " قال بعض أهل التفسير أنّ معنى كلمة فصُرهنّ أي قطّعهنّ، وهذا عجيب، لأن الصّر فيه معنى الضّم، والتقطيع فيه تفريق. ويبدو أنّ الذي حملهم على هذا قوله تعالى:" ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً " ومعلوم أنّ الواحد هو جزء من الأربعة، والأربعة الطيور يمكن أن تكون أربعة أنواع مجموعها أكثر من أربعة، وقد ورد في سورة الحجر:"وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " فهل المقصود بالجزء هنا بعض إنسان أم عدد من النّاس؟! وعليه فلا داعي لأن تُصرف لفظة فصرهنّ عن معناها الذي هو الضّم والتقريب .

" ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً " لو كان المقصود كما يقول البعض من أهل التفسير تفريق قطع الطيور الميتة على الجبال لكان هذا من أعجب العجب، لأن المطلوب رؤية كيفية الإحياء وتجميع الأشلاء، ويكفي لتحقيق المطلوب طير واحد، ولا بد أن يكون قريباً وتحت النّظر، أمّا تفريق الأبعاض على جبال فلا يجعلنا نبصر كيفيّة الإحياء، بل ما الذي يُدرينا عندها أنّها الطيور نفسها التي قُطّعت ؟! وحتى لا نقع في مثل هذه التناقضات لا بُدّ من أخذ المعاني وفق الدلالات الظاهرة، أي أنّه قد طلب من إبراهيم عليه السلام أن يأخذ أربعة من أنواع الطير ويضمها إليه حتى تألفه، وبعد أن تتحقق الألفة يفرقها في رؤوس الجبال التي لا ندري عددها ولا ندري مدى بعدها وقربها، وبعد تفريقها يقف ويدعوها إليه، وسيجد أنها تأتيه طائعة مسرعة. وهذه صورة أصبحت اليوم مألوفة ومتكررة، وعلى وجه الخصوص لدى أهل الخليج الذين يُعَلّمون الصقور كيف تطير في جو السماء، ثم تعود مسرعة عندما تُدعى وتنادى باللغة التي ألفتها واعتادتها.

معلوم أنّ الطيور هي الأشد نفوراً بين الكائنات التي تعايش الإنسان، بل لقد عدّ بعضهم اقتراب الطير من إنسان بعينه نوعاً من الكرامات، إلا أنّ هذه الفطرة في الطير يمكن أن تغيّر بضدها أي بالألفة. وبهذا ينكشف لنا بعض أسرار استغراب الناس إحياء الموتى، فهم فقط يعجبون من غير المألوف، على الرغم من أن الإعجاز يتجلى في كل مظاهر الخلق، فلماذا لا يعجب الناس مثلاً من تكوّن الجنين، ونزوله طفلاً كاملاً؟! إنها الألفة إذن، فلو كان الموتى يعودون إلى الحياة لأصبح ذلك واقعاً مألوفاً لا يدعو إلى العجب . وإذا كان واقع الطير أنه شديد النفور، فقد أمكن تغيير هذا الواقع وأصبح الأمر في دائرة الممكن، وغير المستغرب. إنّ الموت تحلل وتفرّق، أمّا الحياة فتآلف واجتماع، وليس هذا في الكائنات فقط، بل هو أيضاً في المجتمعات البشريّة، فتحلل المجتمع وتفرّق النّاس نذير موت، أمّا التآلف والاجتماع فمن أبرز مظاهر الحياة في المجتمع الانساني .

جاء في سورة ق :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "وجاء في سورة الروم:" ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " قيل لإبراهيم عليه السلام أن يُقرّب إليه الطير ويضمها، وبعد أن تحصل الألفة:" ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً " وهذا سرٌّ آخر، فالقرب الشديد الذي ينتج عنه تآلف يجعل من السهل العودة بعد التفرّق ، فكيف بالله القدير الذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد!! خلاصة الأمر أن الموت تفرق وتنافر على مستوى الجسد المادّي، وعلى مستوى علاقة الروح بهذا الجسد. أمّا الحياة فهي تآلف وانجذاب على مستوى الجسد ومكوناته، وعلى مستوى علاقة الروح بهذا الجسد السليم، أي المتآلف، وكلما ازداد القرب ازداد الانجذاب،وكلما ازدادالانجذاب ازداد القرب .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
زُيّن للنّاس


جاء في سورة آل عمران "زُيِّن للناس حُبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنْطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب".

الزّين هو شدة الحسن، والتزيين هو جعل الشيء زيناً، والكلام في الآية الكريمة يتعلق بما فُطر عليه الإنسان من حب الأمور المذكورة، ولذلك حكمة تتعلق بالحياة الدنيا، وبضرورات إعمار الكون، بل إن هذا التزيين من أهم أسس التحضر البشري. وعليه لا صحة لما يقوله بعض أهل التفسير من أن المزيِّن هو الشيطان، بل هي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وهذا ما نجده في كل النفوس، وإن تفاوتت في الإيمان والتقوى. ولا يُذم الإنسان في حبه وميله إلى هذه المذكورات، ولكن تأتي المذمة عندما يبالغ الإنسان في اندفاعه فيخرج عن الطور، ويقوده ذلك إلى الاعتداء وتجاوز حدود الله تعالى.

عندما يتزين الإنسان بزينة ما فإنما يقصد أن يظهر بمظهر أحسن من واقعه. والزينة توجِد فرقا بين الحقيقة والواقع الجديد، وكلما اتسعت الفجوة كانت الزينة أشد. وعليه فإن الزينة في الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة تتفاوت، فتزيين النساء أشد من تزيين البنين، وتزيين البنين أشد من تزيين الذهب والفضة….. وهكذا. أي أن الآية الكريمة سردت المذكورات تنازلياً. وعندما نقول إن تزيين النساء هو الأشد بين المذكورات فإنما نقصد أن نقول إن الفارق بين واقع النساء وحقيقتهن، وبين صورتهن في عيون الرجال ونفوسهم هو فارق كبير، وعليه تكون الزينة أشد ما تكون في النساء إذا نظرنا إليهن من جهة الرجال. أما إذا نظرنا إلى المرأة بعين المرأة فإننا نكون عندها أقرب إلى الواقع، وبالتالي تكون الزينة أقل.

زينة المرأة في عين الرجل أشد من زينة الرجل في عين المرأة، وعليه فإن الفارق بين ظاهر الرجل وواقعه في عين المرأة أقل بكثير من ظاهر المرأة وواقعها في عين الرجل، وهذا يعني أن خيبة أمل الزوجة أقل من خيبة أمل الزوج، إذا ما حيّدنا العوامل الأخرى، فالرجل حسّي في نظرته إلى المرأة، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بالعين والإبصار، ومن هنا لا بد أن تعي المرأة أنها بحاجة أشد إلى الزينة عندما تصبح زوجة. وهذا لا يعني أن الرجل لا يحتاج إلى الزينة، ولكننا نقارن بين فطرتين. وقد نصت الآية الكريمة على تزيين النساء في نفوس الرجال، ولم تنص على تزيين الرجال في عيون النساء ، لأن الكلام هنا عن التزيين الأشد.

نصّت الآية الكريمة على البنين دون البنات، لأن التزيين الفطري في البنين أشد منه في البنات، أي أن الفرق بين واقع البنين الحقيقي وبين موقعهم في نفوس الآباء والأمهات هو أكبر من واقع البنات وموقعهن في نفوس الآباء والأمهات. انظر إلى تفاني الآباء والأمهات، ثم انظر إلى موقف الأبناء من الآباء والأمهات، وعلى وجه الخصوص عند الكبر، ومن هنا كان لا بد من التشديد في الوصية: "إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا". على الآباء والأمهات إذن أن يدركوا أن هذه حقيقة من حقائق الحياة، وفطرة فطر الله الناس عليها، فالدافع الذي يدفع الأب والأم إلى التفاني في رعاية الولد لا يوجد عند الولد، وهذا لا يعني أن الولد لا يتفانى في رعاية الوالدين، ولكن دوافعه تختلف، وهذا من الأمور التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية، فأنت تجد القطة تدافع بشراسة عن صغارها، ولكن هذا الصغير لا يأبه بالأم عندما يكبر، بل قد يعتدي عليها.

أما الذهب والفضة والنقود فإن الفارق بين واقعها وفائدتها للإنسان، وموقعها من نفسه، فهو فارق أقل، أي أن الزينة فيها أقل من النساء والبنين، بمعنى أن حبه لها قريب إلى واقعها من حيث منفعتها وخدمتها له. وتكون الزينة أقل ما تكون في عالم النبات والزراعة، فدرجة حبنا وانشدادنا إلى هذا العالم قريب جدّاً إلى واقعه المنفعي.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
سليمان عليه السلام


تكرر اسم سليمان عليه السّلام، في القرآن الكريم (17) مرّة، واللافت للانتباه أنّ القرآن الكريم لم ينص على أية علاقة لسليمان عليه السلام ببني إسرائيل، ولا بد من دلالة لهذا السكوت، فالقرآن الكريم قد نصّ على نبوة سليمان عليه السلام وكونه ملكا، ولكنه لم يذكر شيئاً عن قومه، ولا عن الأقوام والأمم التي تبعته وآمنت به عليه السلام، وانضوت تحت لوائه، فكانت من رعاياه. بل إنّ في قصة ملكة سبأ لدلالة واضحة على اتساع ملكه، وعلى تعدد الأمم التي استجابت لدعوته. فلم يكن عليه السلام ملكاً لليهود كما يعتقد الكثير من الناس، متأثرين في ذلك بكتب العهد القديم.

ورد ذكر سليمان عليه السلام باستفاضة في سفر الملوك الأول، والذي يقال إنه قد دوّن في القرن السادس قبل الميلاد، في حين يقال إن سليمان عليه السلام قد مات في القرن العاشر قبل الميلاد. ووردت قصته مفصلة أيضاً في سفر أخبار الأيام الثاني، والذي يقال إنّه قد دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد. ولا يستطيع المسلم أن يصدق الكثير مما ورد في هذه الأسفار، فصورة سليمان عليه السلام في القرآن في غاية السمو والجمال، أمّا هذه الأسفار فتزعم أنه - والعياذ بالله- قد عبد الأصنام إرضاءً لزوجاته الوثنيّات، انظر إلى هذا النص من سفر الملوك الأول :" فغضب الربُّ على سليمان، لأن قلبه ضلّ عنه، مع أنّه تجلى له مرتين، ونهاه عن الغواية وراء آلهة أخرى، فلم يطع وصيته، لهذا قال الله لسليمان : لأنّّك انحرفت عني ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها، فإني حتماً أمزق أوصال مملكتك، وأعطيها لأحد عبيدك إلا أنني لا أفعل هذا في أيّامك …" أمّا صورته عليه السلام في القرآن الكريم فيكفيك ما جاء في سورة ص :" ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنّه أوّاب " .

يبدو أنّ ملك سليمان عليه السلام كان شاملاً لعدد من الأمم التي اتبعت دينه الحق، وانضوت تحت لوائه، وهذا ما جعل المنحرفين من بني إسرائيل يحقدون على هذا النبي الصالح، لأنهم يريدونها مملكة عنصرية، تجعل من اليهود سادة يسخّرون الشعوب لخدمتهم، ثم هم يريدونها يهوديّة تتناقض مع نبوة سليمان وإسلامه لله : " وأسلمت مع سليمان لرب العالمين " . فليس غريباً إذاً أن يشوّه اليهود سيرة هذا النبي الصالح، ويصبّوا عليه جام غضبهم، حتى عندما كتبوا قصّته بعد وفاته بخمسمائة سنة. ومن يتدبر النص الذي اقتبسناه من سفر الملوك الأول يلاحظ أنّهم يحقدون على فترة ملكه، ويجعلون الرّب غاضباً منه، ومقرراً أن يدمّر هذا الملك، وهذا يعني أنه ملك لا يعنيهم، بل يغيظهم !!

وإن صحّ ما ورد في أخبار الملوك الثاني فإن الأمر يصبح أكثر وضوحاً فهذا سليمان عليه السلام يذلهم، وكذلك ابنه رحبعام من بعده، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً عندما تعلم أنهم شقّوا الدولة بعد وفاة سليمان عليه السلام بأيّام. تدبّر هذا النص الوارد في أخبار الملوك الثاني والذي إن صحّ يكون عند المسلمين دليلاً آخر على أنّ سليمان عليه السلام لم يكن ملكاً لليهود، بل هو نبي صالح وملك عادل، يرفض العنصريّة ويقمع المنحرفين. هذا هو النص : " فجاء يربعام وكل جماعة إسرائيل وقالوا لرحبعام بن سليمان عليه السلام : إنّ أباك قد أثقل النّير علينا، فخفف أنت الآن من عبء عبودية أبيك وثقل نيره الذي وضعه علينا فنخدمك. فأجابهم بعد أيّام قائلاً : أبي أثقل عليكم النير وأنا أزيد عليه. أبي أدّبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب فكان أن تمرّدوا، وشقّوا عصا الطاعة، وشقّوا الدولة، فكان ذلك بداية فسادهم وعلوهم المنصوص عليه في التوراة والقرآن الكريم. فقد أرادوها عنصرية غاشمة، ويهوديّة متسلطة، فكان لهم ما أرادوا حتى لاقوا حتفهم، وتحقق فيهم وعد الله الأول. وفي القرن العشرين كان لهم ما أرادوا، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ســورة

معلوم لدى المسلمين أنّ القرآن الكريم هو المعجزة الدالة على صدق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعلى وجه الخصوص إعجازه البياني، وقد تحدى القرآن العرب أن يأتوا بسورة من مثله، ولم يتحدّهم بما هو أقل من سورة، لأن السُّورة كلٌّ متكامل تشتمل على ألوان من العلوم والمعارف والتشريعات والآداب … وغير ذلك. واللافت للانتباه أنّ كلمة (سورة) لم تُذكر في أول خمسين سورة نُزّلت على الرسول عليه السلام ؛ فقد جاء التحدي بعشر سور في سورة هود والتي هي السّورة (52) في ترتيب النُزْول، أمّا التحدي بسورة واحدة فقد جاء في سورة يونس، والتي هي السورة (51) في ترتيب النُزْول. وهذا يعني أنّ العرب قد أَلِفَت معنى قرآن قبل أن تألف معنى سورة . وهناك الكثير من السُّور القصار التي نزلت قبل أن يُسَمِّي القرآن كل قطعة متكاملة باسم سورة. ولا يبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق اسم سورة، فلمّا أصبح الاسم مألوفاً نزل التحدي بسورة.

السُّورة مشتقة من السُّور، ومعلوم أنّ السُّور في القديم كان يحيط بالمدينة، ثم هو يرتفع كثيرا، بغرض الحماية والحفظ. وقد يكون هذا الارتفاع في السور جعل من بعض معاني (سورة) الدرجة الرفيعة، والمنزلة العالية. يقول النابغة الذبياني في البيت المشهور :

ألم تر أنّ الله أعطاك سورةً ترى كل مَلكْ دونها يتذبذبُ

ومعلوم أنّ بناء السُّور يتم دورة فوقها أخرى، حتى يكتمل. ولا يبعد أن تكون السُّورة هي كل دورة من هذه الدورات، ويُرَجِّح هذا أنّ بعض علماء اللغة قال إن سورة تجمع على سوَر وكذلك سُوْر. وعليه فإن اسم سورة يتضمن : معنى الإحاطة، ومعنى السُّمو والرفعة. ومعنى الإحاطة يتضمن الاشتمال، والتمييز وتحديد المعالم ؛ لأن السُّور يشتمل على المدينة، وما فيها، ثم هو يحدد معالمها ويميزها عما سواها. واللافت للانتباه أنّ أول آية ذكرت فيها كلمة سورة، وهي الآية 38 من سورة يونس، تلتها الآية الآتية : " أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (38) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه …" .

فسور القرآن الكريم تحيط بعلوم شتّى، وهي تسمو وترتفع، وهي تحفظ وتقي. ونحن هنا سنركز فقط على كون السّورة محددة المعالم. يتكون القرآن الكريم من (114) سورة، لم تتجاوز أطول سورة فيها أل 24 صفحة، على اعتبار أنّ كل صفحة تتألف من (260) كلمة في حين كانت أقصر سورة تتكون من (10) كلمات فقط. وباقي السّور تتراوح بين ذلك. وتتكون كل سورة من عدد من الآيات، بحيث يكون متوسط عدد الآيات (4, 12) كلمة. تَقصُر السّور والآيات في المرحلة المكية التي ركّزت أكثر على الجانب العقائدي. وتطول السّور والآيات في المرحلة المدنية، وعلى وجه الخصوص عندما يكون الكلام في الشريعة والأحكام. ومن هذا نستنتج :

أولاً : عندما نخاطب الناس في العقيدة لا بد أن نوجز ونحدد بما يشبه أسلوب الشعارات، بعيداً من التطويل والإسهاب المستخدم لدى الفلاسفة.

ثانياً : الإكثار من الفُصول، والأبواب، والفقرات، يساعد على الفهم ويجذب القارئ بشكل أفضل ويُبرز الأفكار من خلال تحديدها في إطار يفصلها عن غيرها بفاصل محسوس.

ثالثاً : الإطار العام يعطي فكرة كليّة مع غموض في الأجزاء والتفاصيل، وأسلوب التسوير والتقسيم إلى آيات يساعد كثيراً في إدراك الجزء المؤدي إلى إدراك الكل بشكل أوضح وفهم أعمق.

رابعاً : هناك علاقات بين السّور، تشبه العلاقة بين كل دورة وأخرى في البناء حتى يكتمل السّور. ولا يسهل إدراك العلاقة بين سورتين متلازمتين في المصحف، حتى ندرك معاني كل واحدة منهما. والمفسّر المتمرس في معاني القرآن بكامله، هو الأقدر على إدراك العلاقات بين السّور والآيات، ومن هنا نجد أنّ علم تناسب الآيات والسور جاء متأخراً عن علم التفسير.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:45 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
طواف الوجود


المتدبّر لشعائر الحج يلحظ تجلّي الرمزيّة في كل عمل من أعمال الحجيج، وسبق لنا أن أشرنا في مقال سابق إلى بعض رموز ودلالات السّعي بين الصّفا والمروة. ونهدف في هذا المقال لأن نلفت الانتباه إلى بعض رموز الطواف ورمي الجمار، ومعلوم أنّ الطّواف حول الكعبة المشرفة هو من أهم أعمال الحج وأكثرها تكرراً. والطواف صلاة كما جاء في الحديث الشريف، بل إنّ الطواف مقدّم على الصلاة عند البيت الحرام. وإذا كان الطواف سبعة أشواط، فإنّ رمي الجمار يكون سبع حصيات، وإذا كان الطواف يتكرر بشكل لافت، فإنّ رمي الجمار يتكرر أيضاً.

يقوم الكون في جوهره على الحركة، ولا يعرف العلم وجوداً مادياً ساكناً، وإذا كانت الذرّة هي المكوّن الأساسي للمادّة المعروفة، فإنّ صيغة الطواف هي الأبرز في العلاقة بين مكونات الذرّة؛ فالالكترونات في حالة طواف دائم حول النواة، ويكون ذلك في مدارات لا تزيد عن سبعة، وإن وجد المدار الثامن فمن أجل حلّ هذه العلاقة ونقضها. ويدهشك أن تجد أن هذه العلاقة تتجلى أيضاً في المجموعات والمجرّات الفلكيّة، أي أن صيغة الطواف هي الأبرز في خلق الكون، من أصغر ذرّاته إلى أكبر مجرّاته. إنه الانسجام التام والتناسق البديع.

" بسم الله الرحمن الرحيم " هي أول آية في القرآن الكريم، وإذا كانت كل حركة للإنسان في هذا الوجود تصدر باسم الله الذي تتجلى رحمته بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فستكتمل الصّورة وسيتحقق الانسجام الكامل في حركة الوجود. وإن صحّ التعبير فإن الدين هو الرياضة التي تعلمك كيف تحقق الانسجام مع حركة الكون، لتكتشف أن الكون (سمفونيّة) في غاية الجمال. أمّا الخروج على تعليمات وإرشادات الصانع الحكيم فهي الحركة العشوائيّة التي تجعل الإنسان يظهر كنغمة شاذّة في لحن الكون الرائع، وهذا أمر ملحوظ في حياة البشر.

عندما يجتمع الناس في بيت الله الحرام لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام فإنّ هذا يعني تحقق الآثار المرجوة من القيام بالأركان الأربعة، وإذا كانت الجموع المحتشدة صادقة وهي تعلن :" لبيك اللهم لبيك " فإنّ هذا الإعلان هو تأكيد لرغبة الإنسان في الانسجام مع حركة الكون. ومن هنا نجده يبدأ حجّه بالطواف، ويختمه بالطواف، وبين البداية والخاتمة طواف وطواف. إنّه التعبير العملي عن الاستسلام الكامل، والانسجام التام مع حركة الوجود، إنّه قرار وقناعة الكائن الحر أن ينسجم طواعية مع حركة الكون المستسلم فطرياً. إنّها لحظات جليلة، ويكتمل جلالها عندما يستحضر الحاج هذه الحقيقة، ويدرك أنّه يعيش لحظات الانسجام الكوني.

إذا كان الخير هو الحركة نحو الانسجام الكوني، فإنّ الشر هو الحركة نحو التباين والفوضى، وهو الشذوذ المؤذي، وهو التبعثر المُذهب لجمال الصورة، إنه السير بعكس التيار، لذا لا يمكن لشر أن يدوم، لأنه مناقض للفطرة. ولا يجوز لنا أن ننتظر حتى يلقى الشرّ مصيره باعتباره معاكساً لحركة الوجود، لأننا جزء من هذه الحركة، من هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز الفروض في الشريعة الإسلامية. وفي الوقت الذي أُعلن فيه انسجامي مع حركة الوجود لا بد أن أنسجم أيضاً مع الوجود في رفضه للباطل، وعليه لا بد أن أمارس عملياً هذا الرفض للباطل، وهذا ما يعلنه الحاج مراراً وهو يرمي الجمار، أو كما يقول الحجّاج :" يرجم إبليس".


الساعة الآن 01:55 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى