منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   قراءة فى فلسفة الحب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=29989)

المفتش كرمبو 9 - 4 - 2013 06:03 PM

قراءة فى فلسفة الحب
 
جاء في مأدبة أفلاطون، وعلى لسان أرسطوفان، أنّ أصول البشر مخلوقاتٌ مستديرةٌ كروية الشكل برأس واحد ووجهين وأربعة أقدام وأربع أيدٍ وأربع آذان وزوجٍ من الأعضاء التناسلية. كانت تلك المخلوقات قويّة جدّاً تتحرَّك بسرعةٍ كبيرةٍ بالتدحرُج حول نفسها، وقد حرَّضها إحساسها بقوّتها تلك على التفكير في ارتقاء السماء لمحاربة الآلهة، الأمر الذي دفع بزيوس إلى معاقبتها، بشطرها إلى نصفين اثنين قصد إضعافها، قبل أن يَطلب من أبولون أن يعيد ترتيقها وتسويتها (على طريقة العمليات التجميلية) حتى أخذت شكلها الذي نعرفه اليوم. بعد قسمة تلك الكائنات إلى نصفين، شَعُر كُل نصف بالحنين إلى نصفه الآخر الذي انشطر عنه، فأخذ يبحث عنه بين الأنصاف المنفصلة، وعندما كان يجد أحدهما نصفه الآخر، كانا يرتميان في أحضان بعضهما البعض ويتعانقان بقوَّة. هكذا ومنذ حادثة الفصل تلك يبحث كل نصف عن الاتحاد بنصفه الآخر من أجل إعادة تركيب ذلك الكائن الفريد1.
من هنا جاء الحُبّ، وفقاً لأرسطوفان، ليعيدنا إلى نشأتنا الأولى التي خرجنا منها، إنه يفعل كل شيء في سبيل إعادة وصل النصفين المشطورين واستعادة تلك اللُحمة الأصلية التي جسدَّت كمالنا الحقيقي. ولكن لننتبه إلى أن دور الحُبّ ينتهي تماماً عندما يجمع المنفصلين فيتركهما لشأنهما، ويقرِّر الابتعاد إلى أن يفترقا من جديد. وهذا ما سنحاول أن نبرّره في هذا المقال.
لو حاولنا الآن أن نقرأ بانتباه أسطورة أرسطوفان، لوجدنا أنّ النصفين المنفصلين لم يعيا أنهما عاشقان أحدهما للآخر إلا لحظة العقاب الإلهي الشهير الذي قضى بفصلهما وتفريقهما. عندها فقط وُلِد الحُبّ في حياتهما مُمتلكاً منذ لحظة ميلاده وعيه الشقيّ بكونه لا يُمكن أن يكون إلا انفصالاً. وبمعنى آخر لم يكن الحُبّ قادراً على تمييز ذاته بوصفه حُبّاً قبل لحظة البتر والفصل التي أعلنت ميلاده. أي لم يُصبح الآخر المُلتحم كالظلّ معشوقاً إلا في لحظة انفصاله عن آَخَرِهِ أو في لحظة خسارته لهذا الآخر وإدراكه أنه قد ضاع منه أو لم يعد مُلكيةً محصورةً به. لا شكّ أنّ هذه الأسطورة لا تريد أن تتحدّث عن أصول البشر بقدر ما تريد الحديث عن أصل الحبّ الذي وُلِد وامتلك وعياً بوجوده في لحظة الفصل. كان ذلك الوعي وعياً شقيّاً يتمثَّل في الخوف من فقدان الآخر إلى الأبد. لقد شقق الحُبّ جدار الرحم مع تشقُق الجسد الواحد إلى اثنين، فسُمعتْ صرخات مولده مع الانفصال بين الكائنين الملتصقين. يُمكن لنا مُقاربة هذه الأسطورة مع ما جاء في سفر التكوين حين كان آدم وحواء عاريين في الجنة ولم يكن العُري يُمثل لهما
مُشكلةً أبداً. فقد كانا يمثلان كلاً واحداً مع الطبيعة، ولم يشعرا بالخجل من (عورتيهما) إلا بعد أن أكلا من شجرة المعرفة، أي عندما امتلكاً وعياً بذاتهما بوصفهما موجودين وقد انفصلا عن الطبيعة. عندها، وعندها فقط، أدركا المعنى الأخلاقي للعري والستر فوضعا ورقتي توت على عورتيهما. وكما عاقب الله آدم وحواء ذلك العقاب الرباني الشهير بالطرد من الجنة (وربما بالحُبّ إذ راح كلٌ منهما يبحث عن الآخر الذي انفصل عنه بعد الخروج من الفردوس)، يُعاقِب زيوس أصول البشر أيضاً ولكن لنلاحظ أن عقوبة زيوس هنا لا تتمثّل في الطرد، أو في الألم الجسدي الناتج عن عملية القطع أو البتر أو عن العمل الجراحي التجميلي، بل كانت العقوبة كل العقوبة هي في وقوع كل نصف في حبّ نصفه الآخر الذي لم يكن قبل عملية الفصل تلك مُدرَكاً بوصفه عشيقاً ولو للحظةٍ واحدة.

المفتش كرمبو 9 - 4 - 2013 06:04 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
تُقدِّم لنا مأدبة أفلاطون نصاً آخر يُمكن أن يُستشفّ منه بنفس الطريقة أن الحبّ لا يستطيع أن يوجد إلا انفصالاً، فلو عُدنا إلى رأي سقراط في المأدُبة لقرأنا:
في يوم ولادة أفروديت أُقيمَت وليمةٌ للآلهة كلّهم، وكان من بينهم إله الوفرة ابن إلهة الحكمة. مع انتهاء الوليمة جاءت Pénia (الحاجة) ووقفتْ على الأبواب كي تتسوَّل كعادتها في مثل هذه المناسبات، فلمحتْ إله الغنى نائماً في حديقة زيوس. ونظراً لإملاق (الحاجة) الدائم فقد قرَّرتْ أن تحمل مولوداً منه فاضطجعتْ بجانبه وأنجبتْ منه "الحُبّ". هكذا ولأنه ابن مشترك للحاجة والغنى، فإن الحُبّ فقيرٌ دائماً وغنيٌ أبداً، وبما أنه وُلِد في عيد ميلاد أفروديت [آلهة الخصب والجمال] فإنها ستتَّخذ منه رفيقها وخادمها وبما أن أفروديت جميلة، فإنّ الحُبّ سيغدو مُحبّاً للجمال، على الرغم من أنه ليس رقيقاً ولا لطيفاً بل نحيف، قليل النظافة وهو في النهاية مثل أمّه في عوزٍ دائم بدون حِذاء وبدون مأوى ليس له غطاء ولا فراش سوى الأرض. ينام تحت النجوم الجميلة بالقرب من الأبواب وفي الشوارع. ولكن له من جهةٍ أُخرى طبيعة أبيه فهو يبحث دائماً عن الجميل والحسن، وهو ذكرٌ جسورٌ مثابرٌ وصيادٌ ماهر مكيدٌ للمؤامرات راغبٌ في المعرفة متفلسفٌ بلا توقف فاتنٌ ساحرٌ سفسطائي. وهو لا خالدٌ ولا فانٍ من حيث طبيعته، فيكون في نفس اليوم مزدهراً مليئاً بالحياة حين يكون في وفرة ثم ينطفئ ليحيى من جديد بفضل طبيعة أبيه، فكل ما يتلقاه يهرب منه على الدوام بحيث ظل لا فقيراً ولا غنياً2.
هكذا سيتراوح الحُبّ حسب أفلاطون (أو سقراط إذا أحببتم) بين الإشباع والعوز والغنى والفقر، فهو مثل أمه في كربٍ وضيقٍ دائمين، وهو مثل أبيه كذلك في غنى ووفرة مستمرين، إنه الحيُّ الميِّت، والحاضر الغائب. إنّ تأرجح الحُبّ وتوسّطه بين المتناقضات يجعل منه حالةً مأزومةً قلقة الحركة وغير مُستقرة، فهو لا يعرف الأماكن المُستقرَّة ولا يستطيع العيش في البيوت الهادئة، فهو مُتشرِّدٌ ضائعٌ قلقٌ هائمٌ على وجهه، وهو الممزّق بين نقيضين ومأساتين يتأرجح بين الانطلاق وعدم الوصول. ولأنّه "بدون حذاء وبدون مأوى" فإنه ما أن يُوَحِّد العاشقين حتى يفُر راكضاً أو يتسلل حافياً وينسحب دون علم بطليه الغافلين عنه إذ لا مكان له في الوحدة والاستقرار. وبمعنى آخر ما دام الحُبّ مأزوماً قلقاً فهو حيٌّ مُستقر، أما إذا توازن واستقرّ فإنّه يدخُل في سُباتٍ مؤقَّت أو موتٍ دائم. لقد عرف اليونان هذا الطابع الشقي من العشق القلق والذي أطلقوا على أصحابه اسم: عبيد الإيروس.
وأحبّ أن أُّذكِّر هنا، أن هذه الظاهرة لم تكن حصراً على الثقافة اليونانية، إذ لا يعدم تراثنا وثقافتنا العربيين ما يؤكِّد على الحُبّ بوصفه انفصالاً. فقد حرص العُشاق العذريون على إبقاء شُعلة الحُب مُتَّقدة من خلال حفاظهم على مسافة تفصل بين العاشقين وتحول دون امتلاك أحدهما للآخر. نستدلّ على ذلك مثلاً في قول جميل بثينة:
ولستُ على بذل الصفاءِ هويتُها ولكن سبتْني بالدلالِ وبالبُخلِ
أي لقد حرصت بثينة أن تقيم حاجزاً فاصلاً بينها وبين عشيقها جميل، ليس لأنها لا تريده بل لكي تُبقي شُعلة الحُبّ مُتَّقدة حيَّة.

المفتش كرمبو 9 - 4 - 2013 06:04 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
وهذا ما كان ينتظره منها جميل أي التمنع والبقاء على مسافة وليس الوصل والاتحاد فهو يقول في مكانٍ آخر:
يموتُ الهوى مني إذا ما لقيتُها ويحيا إذا فارقتُها فيعودُ
لقد أدرك كلٌ من جميل وبثينة أنّ الحُبّ يموت إذا ما التقيا وتوحّدا، ثم يُبعث حيَّاً من جديد مع كل انفصال يؤجِّج الحُبّ ويحفظ سرّ استمراره. وبسبب تأكيد العشاق العذريين على هذه الحالة المتوترة في الحبّ ودفعهم إياه إلى أقصى تخومه، ينتقل حُبّهم من حُبّ المحبوب المُشخص إلى حُبِّ الحُبِّ المُجرَّد أي أن حُبهم يُصبح للحبّ كفكرة وحالة وليس للمحبوب كشخص.
ولعلنا نجد أبلغ وصف على الحُبّ بوصفه انفصالاً وعلى حُبّ الحُبّ المُجرَّد في كلمات الشاعر حين يقول:
أهوى هواها وطولُ البُعد يُعجبها فالبعدُ قد صار لي في حُبها أربا
فمن رأى والِهاً قبلي أخا كلفٍ ينأى إذا حبه من أرضه قرُبا
كما أننا نجد لدى ابن القيّم الجوزية ما يؤكِّد ما ذهبنا إليه من وصف الحُبّ بحالة القلق الدائم والتأرجح بين المستحيلات والحفاظ على مسافة فاصلة فهو يقول في تعريف المحبّة: "وقيل بل هي مأخوذةٌ من القلق والاضطراب، ومنه سُمّيّ القرط حُبَّاً لقلقه في الأُذن واضطرابه" ثم يُردف و"هي سكونٌ بلا اضطراب، واضطرابٌ بلا سكون فيضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه فيضطرب شوقاً إليه ويسكُن عنده. وهذا معنى قول بعضهم: هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب وسكونه عنده3."
منذ الزمان وسهام الحُبّ تُصيب بني البشر، لكن التاريخ لا يحفظ لنا سوى بعض قصص الحُب والغرام. ولو تأمّلنا قليلاً فيما تختزن الذاكرة من حكايا الهوى لوجدنا أن القصص الخالدة هي القصص التي عرفت الحُب بوصفه انفصالاً أي بإبقاء العاشقين ساغبين لاغبين في البحث عن بعضهما البعض أو كل نصف عن نصفه الآخر دون أن يستطيعا إعادة تكوين تلك الوحدة الأصلية. لقد تغزل جميل ببثينة فحُرم من الزواج بها وتزوجَتْ هي من آخر وهذا هو سر استمرار حبها له وحبه لها ولو أنهما تزوجا من بعضهما البعض وعاشا حياةً طبي
عية هادئة لما كنّا سمعنا بهما أبداً. ورغم تولُه روميو بجولييت إلا أن عائلتيهما المتصارعتان قد حالتا دون ارتباطهما في وحدةٍ هادئةٍ ومستقرة الأمر الذي أبقى حُبهما حيَّاً حتى بعد موتهما فنحن لا نستطيع ذكر اسميهما حتى تتجلى مأساة حُبهما الذي فشل في وصل ما انقطع فبقي هائماً على وجهه وحياً في وجداننا.
أما في حالات الحُب الأُخرى أي حالات الحُب الطبيعي والعادي التي يلتقي فيها كل نصف بما يظن أنه نصفه الآخر فإن الحُب الذي انعقد بينهما سرعان ما ينسل مُنسحباً مُخلياً المكان لحالةٍ وجدانية نبيلة هادئة مُتعقِّلة نبضاتها خافتة لا يحضر فيها الحُب إلا كذكرى آفلة. وهنا تدخل حياة العائلة بحلوها ومرها ويتحوّل الحب العنيف إلى مسؤولية للأولاد وإلى الالتزام والواجب بين الزوجين، وكثيراً ما يلاحظ عاشقا ما قبل الزواج فراغ عُشهما الزوجي من الحُب الذي انتهت مهمته. عندها يختفي وهم الحُب الأبدي، تذهب السكرة لتأتي الفكرة ويكتشف كل شخصٍ أبعاد الشخص الآخر بعد أن قضيا على حالة الانفصال دون أن يدريا أنهما وضعا خاتمةً لحبهما الجميل ليدركا في وحدتهما والتصاقهما أن: الحُب لم يكن سوى حالة تورُّمٍ وانتفاخٍ في المشاعر وضعت على أعينهما نظارةً ذات عدسات مُحدّبة فأضفى كل منهما على الآخر أبعاداً عملاقيةً ما كان ليمتلكها في الواقع.
أو كأن لسان حالهما ما قاله ابن الفارض في سياقٍ مُختلفٍ تماماً:
إن كان منزلتي في الحُبّ عندكم ما قد لقيتُ فقد ضيّعتُ أيامي
أمنيةٌ ظفرت روحي بها زمناً واليوم أحسبها أضغاث أحلا

shreeata 9 - 4 - 2013 08:48 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
سلمت الايادي على الموضوع الرائع
تحيات لك
مبدع دائما واكثر

ابو فداء 9 - 4 - 2013 10:21 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
يعطيك ألف عافية
مواضيع متنووعه
سلمت

المفتش كرمبو 10 - 4 - 2013 12:37 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shreeata (المشاركة 329873)
سلمت الايادي على الموضوع الرائع
تحيات لك
مبدع دائما واكثر

تقديرى وامتنانى لحضورك البهى
zolz

المفتش كرمبو 10 - 4 - 2013 12:54 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو فداء (المشاركة 329891)
يعطيك ألف عافية
مواضيع متنووعه
سلمت

تقديرى وامتنانى لحضورك البهى
zolz

بصيرة الأعمى 11 - 4 - 2013 12:28 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
أنا لا أتفق مع ما جاء في هذه الفلسفة
مع المحبة أخي
بصيرة
#cc#


المفتش كرمبو 12 - 4 - 2013 11:01 AM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بصيرة الأعمى (المشاركة 330192)
أنا لا أتفق مع ما جاء في هذه الفلسفة
مع المحبة أخي
بصيرة
#cc#


مع تقديرى لاختلافك

ارسميه حرفا فوق الابيض الورقى

محبتى واكثر


غزالة نجد 18 - 5 - 2013 10:23 PM

رد: قراءة فى فلسفة الحب
 
شكرا على الطرح
سلمت الايادي


الساعة الآن 09:20 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى