منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   قصص بأقلام الأعضاء (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=6)
-   -   عدنان حرح (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=15166)

الدكتور طاهر سماق 15 - 4 - 2011 01:01 AM

عدنان حرح
 
اسمٌ لمع بين الطلبةِ، في ردهات كلية الطب أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
كان شاباً نحيل الجسم جِدِّيَ الطباع
في ملامِحِه قسوةٌ ظاهرةٌ
تخفي من ورائها قلباً ليِّنَ العريكة قليل الخبرة.
لم يكن يملِكُ من الوسامة أكثر من جاذبيتِه المنبثَّةِ في جدِّيَّةٍ توحي بثِّقةٍ لا يملكُ المرءُ إلا أن يطرحَها تجاهَه.
كنتُ محظوظاً لأنه كان يخاطبُني باسمي عندما نتقابل في أحد ردهاتِ الكلية.
فقد كان أحد الوجوه القيادية المهمة هناك.
كنتُ أصغُرُهُ بعام .. والعامُ أيَّامَها يفصلُ بين جيلين.
هكذا كنَّا نعتقد.

كان محط احترام أساتذته.
حتى عميدَ الكليةِ، الدكتور بشير الكاتب، أستاذ الجراحةِ الصدرية، كان يبدي له احتراماً ومودة يَحلُمُ بمثلِها أيُّ من طلَبَتِه.
لِمَ لا؟ ..
فهو الأولُ على دفعتِه منذ السنة الأولى.
كان يتولى مهمةً قيادية في الفرقة الحزبية.
وكان قد تسلم سلاحاً فردياً خفيفاً، (مسدس) .. لكنَّي لم أشهدْه يوماً يتباهى بحملِهِ أو تعليقِه على خصرِه خلافاً لما كان يُبديهِ البعضُ الآخَر.
كان، على صغَرِ السن الذي جمعنا، يرتدي دائماً زِيَّاً رسمياً بربطة عنق، خلافاً لما كان يرتديه أقرانُهُ من لباسٍ شبابي مُتحرر.

وكانتْ من سماتِه نحافةُ وجهِهِ الذي تقبعُ فيه عينانِ صغيرتان يملؤهما بريقٌ يسطع من خلف نظارةٍ تقليديةٍ واسعة الزجاج، ثخينة الإطار عسلية اللون.

كأي شاب .. كان يتوق لعلاقةِ حُبٍّ تربِطُهُ بفتاة أحلامِه.
وكان حظُّهُ أن خَطَفَتْ قلبَهُ فتاةٌ لم يكن لديها مانعٌ من مجاراتِه ..
ربما ارتأتْ أن تتزين بتفَرُّدِهِ وتميُّزِهِ إلى أن تخطُفَ بذلك شيئاً من التميز فتنجَذِبُ لها أنظارُ من هم أكثرُ وسامةً منه.
لم أكن أعلم بمدى ما جمعهُما إلا ما سمعتُه من أصحابٍ أكثر منه قرب.
وفي الحادية عشر والنصف من مساء أحد أيام نيسان من عام 1985
وكانت السنةُ الخامسة له في كلية الطب ..
وبعد أن وصلتِ الحافلةُ التي أقلَّتِ الرِّحلة الطلابية إلى دمشق عائدةً إلى ساحة الجامعة ..
سُمِعً صوتُ طلقٍ ناري
اكتنفَ الأمرَ شيءٌ من الغموضُ، أحاطتْهُ فوضى وبعضُ الأصواتِ التي تنادتْ إلى حيث سقطَ أحدهم.

ما الذي جرى؟؟
أجابَنا صوتٌ مجهول:
(عدنان حرح .. انتحر)

وما هي إلا لحظات ..
أو قُلْ خلناها كذلك ..
حتى كان عدنان حرح مُلقى في غرفة العمليات بمشفى حلب الجامعي ..
وكان الدكتور بشير الكاتب يمسكُ مبضَعَهُ ويحيطُ به مساعدوه .. لينقذوا حياة عدنان.
تنادى الزملاء للتبرع بالدم.
وتم نقلُ ما يزيد عن أحد عشر كيس من الدم إلى شرايينه لتعويض النزيف الحاصل.

كانت الطلقة قد اخترقت البطين الأيسر ..
ربما لأنّ الرجلُ كان على درايةٍ دقيقة بتشريح الصدر.
ورغم شدة النزف .. لم ينقطع أمل استاذِهِ في انقاذ حياته.

كان الطلبة يتجمهرون أمام غرفة العمليات .. بانتظار أي خبرٍ يردُّ إليهِم رُشْدَهُم ..

في الواحدة بعد منتصف تلك الليلة .. خرج الدكتور بشير من غرفة العمليات وقد استولى عليه الإرهاق وتملَّكَهُ الأسى ..
قال:
البقية بحياتكم
كانت الفاجعة ..
لقد مات عدنان ..

يا الله .. ما أقسى وقعَ ذلك الخبر

في اليوم التالي ..
كان يشيِّعُهُ معظم زملائه في كافة السنوات .. فكان موكِبُهُ، بحقٍّ، موكباً مهيباً.

بعد أيام ..
أُلصِقَتْ في لوحةِ الإعلانات في الكلِّية أخرُ جملةٍ سطَّرها عدنان قبل أن ينتحر:

(إما كل شيء .. أو .. لا شيء).
واليوم ..
باتَ عدنانُ ذكرى.

14/4/2011

بنت الأردن 15 - 4 - 2011 01:30 AM

دكتور طاهر
ما اروع ما خطه قلمك عن هذه القصة الواقعية لزميلك عدنان
كان خسارة فقده
رحمه الله وسلم لنا قلمك الرائع

أرب جمـال 15 - 4 - 2011 01:40 AM

الدكتور طاهر

تحية طيبة واهلا بك بعد غياب

طالما شدني قلمك في الشعر وهو يشدني هنا اكثر وقد يكون السبب هو اسلوبك او الحزن الذي رايت نفسي اعيشه ما بين اروقة الكلية وساحة الجامعة وترقب ان يخرج الدكتور بشير بخبر يعلن به شفاء عدنان ..

حكايا الذاكرة تجبرنا احيانا على تسطيرها لتبقى تذكرنا باشخاص قد يكون غيبهم الموت وغيب اسمائهم وما عاد يذكرهم الا المقربين لهم .. انت اليوم خلدت اسم عدنان وعرفتنا عليه وعلى صفاته وشخصيته .. رحمه الله
وتبقى عبارة اما كل شيء او لاشي .. عبارة صعب تحقيقها فلا احد يحصل على شيء كامل بالمطلق الا وينقصه شيء قد يغفله صاحبه ..
هناك دوما شيء نحتاجه وقد نعجز عن تحديده لكنه في نظرنا موجود ونعتقد اننا بحاجته ..
اجنح الى اللا شيء فهو المتواجد بكثرة في هذا الوقت بالذات!

شدني اسلوبك وبانتظار المزيد من قصصك الجميلة
طبت بخير

عشتار 15 - 4 - 2011 02:26 AM

قلم مميز وراقي
اسعدني ان اقرأ قصتك الجميلة
احداثها تشد القارئ
رحم الله عدنان

عاشق تراب الأقصى 15 - 4 - 2011 01:09 PM

رحم الله البطل الذي ارجو الله ان يغفر له ان كان منتحرا ويتجاوز عنه
سلمت يداك اخي الدكتور وبورك بك وبقلمك

ترانيم عاشقه 15 - 4 - 2011 01:53 PM

سلمت الايادي التي خطت هذه الرائعه
تحياتي

ملك القلوب 16 - 4 - 2011 01:02 AM

نَثَرْتَ فـ أذهَلتنآ بـ عذْب ِ بَوحِكْ ,
و قصة رائعة ك كـ هذِة ِ هِيَ مَنْ تُعَرِّفُ بـِ نَفْسِهآ ,
حقِيقَةً أَجِدُ عِبَآرآتِ الثَّنآء أمَآمَ فآخِرَتَكَ قَد إنْحَنَتْ .~ْ
فَـ لِلّهِ دَركْ . ( طِبتَ كَمآ شِئْتْ )

الدكتور طاهر سماق 27 - 4 - 2011 04:08 PM

أقف هنا ممتنّاً لأشكر هذا الغدَقَ الذي فاض من أحبةٍ لي على متصفحي هذاكلُّ المحبة لكم جميعاً بنت الأردن، وأرب الجمال وعشتار وترانيم عاشقة وعاشق تراب الأقصى وملك القلوب

حنان عرفه 27 - 4 - 2011 04:17 PM

بعد أيام ..
أُلصِقَتْ في لوحةِ الإعلانات في الكلِّية أخرُ جملةٍ سطَّرها عدنان قبل أن ينتحر:

(إما كل شيء .. أو .. لا شيء).
واليوم ..
باتَ عدنانُ ذكرى.
***********************************
كان عدنان ينشد الكمال المطلق في كل حياته يريد المثالية
في كل شئ وبما ان الطبيعة الانسانية ليست كذلك
انتحر عدنان.
رائع ماخطه قلمك د/ طاهر
دمت بخير

بنت فلسطين 28 - 4 - 2011 01:18 AM

اسلوب راقي جدا دكتور بالطرح وان غمرني الحزن على عدنان وامثاله
حان الوقت للانتقام لعدنان


الساعة الآن 10:30 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى