منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏ (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=29438)

محمد عيسى موسى ابراهيم 8 - 2 - 2013 12:35 AM

( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
تفسير آية 2/سورة الملك

‏( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏


الطبرى

‏ وقوله: الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ فأمات من شاء وما شاء, وأحيا من ‏أراد وما أراد إلى أجل معلوم لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً يقول: ليختبركم ‏فينظر أيكم له أيها الناس أطوع, وإلى طلب رضاه أسرع. وقد:‏
‏ حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في ‏قوله: الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ قال: أذلّ الله ابن آدم بالموت, وجعل ‏الدنيا دار حياة ودار فناء, وجعل الاَخرة دار جزاء وبقاء.‏
‏ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة الّذِي خَلَقَ ‏المَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوكُمُ ذكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ‏‏«إنّ اللّهَ أذَلّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ».‏
‏ وقوله: وَهُوَ العَزِيزُ يقول: وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه, ‏وخالف أمره الغَفُورُ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه.‏


البغوى

‏"الذي خلق الموت والحياة"، قال عطاء عن ابن عباس: يريد الموت في ‏الدنيا والحياة في الآخرة. وقال قتادة: أراد موت الإنسان وحياته في ‏الدنيا، جعل الله الدنيا دار حياة وفناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء. ‏قيل: إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب: وقيل: قدمه لأنه أقدم لأن ‏الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما، ثم ‏اعترضت عليها الحياة. وقال ابن عباس: خلق الموت على صورة كبش ‏أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على ‏صورة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر ‏بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري قبضة من ‏أثرها فألقى على العجل فحيي. "ليبلوكم"، فيما بين الحياة إلى الموت، ‏‏"أيكم أحسن عملاً"، روي عن ابن عمر مرفوعاً: "أحسن عملاً" أحسن ‏عقلاً وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله/. وقال فضيل بن ‏عياض "أحسن عملاً" أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون ‏خالصاً صواباً، الخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة. ‏وقال الحسن: أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها. وقال الفراء: لم يوقع ‏البلوى على أي إلا وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ‏ومثله: "سلهم أيهم بذلك زعيم" (القلم- 40) أي: سلهم وانظر أيهم، فـ ‏أي: رفع على الابتداء وأحسن خبره، "وهو العزيز"، في انتقامه ممن ‏عصاه، "الغفور"، لمن تاب إليه.‏


الكشاف للزمخشرى

والحياة‏:‏ ما يصح بوجوده الإحساس‏.‏‎ ‎
وقيل‏:‏ ما يوجب كون الشيء حياً وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر‏.‏‎ ‎
والموت عدم ذلك فيه ومعنى خلق الموت والحياة‏:‏ إيجاد ذلك المصحح‏‎ ‎وإعدامه‏.‏‎ ‎
والمعنى‏:‏ خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون ‏"‏ ليلبوكم ‏"‏ وسمى‏‎ ‎علم الواقع ‏منهم باختبارهم بلوى وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر‏.‏‎ ‎
وحوه قوله تعالى‏:‏ ‏‎{‎‏ولنبلونكم حتى نعلم‎ ‎المجاهدين منكم‏‎}‎‏ محمد‏:‏ 31‏.‏‎ ‎
فإن قلت‏:‏ من أين تعلق قوله‏:‏ ‏"‏ أيكم أحسن عملاً ‏"‏ بفعل‏‎ ‎البلوى قلت‏:‏ من ‏حيث أنه تضمن معنى العلم فكأنه قيل‏:‏ ليعلمكم أيكم أحسن عملا‏‎ ‎وإذا قلت‏:‏ ‏علمته أزيد أحسن عملا أم هو كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من‎ ‎مفعوله كما تقول‏:‏ علمته هو أحسن عملا‏.‏‎ ‎
فإن قلت‏:‏ أتسمي هذا تعليقاً قلت‏:‏ لا إنما التعليق أن توقع بعده‏‎ ‎ما يسد مسد ‏المفعولين حميعاً كقولك‏:‏ علمت أيهما عمرو وعلمت أزيد منطلق‏.‏‎ ‎
ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده‎ ‎مصدراً ‏بحرف الإستفهام وغير مصدر به ولو كان تعليقاً لا فترقت الحالتان كما ‏افترقتا‎ ‎في قولك‏:‏ علمت أزيد منطلق‏.‏‎ ‎
وعلمت زيداً منطلقاً‏.‏‎ ‎
‏"‏ احسن عملا ‏"‏‏.‏‎ ‎
قيل‏:‏ أخلصه وأصوبه لأنه إذا كان خالصاً غير صواب لم يقبل وكذلك‏‎ ‎إذا ‏كان صواباً غير خالص فالخالص‏:‏ أن يكون لوجه الله تعالى والصواب‏:‏ أن ‏يكون‎ ‎على السنة‏.‏‎ ‎
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلاها فلما بلغ قوله‏:‏ ‏"‏ أيكم‏‎ ‎أحسن عملا ‏‏"‏ قال‏:‏ أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله‎ ‎يعني‏:‏ ‏أيكم أتم عقلا عن الله وفهما لأغراضه والمراد‏:‏ أنه أعطاكم الحياة التي‏‎ ‎تقدرون بها على العمل وتستمكنون منه وسلط عليكم الموت الذي هو ‏داعيكم إلى اختيار‎ ‎العمل الحسن على القبيح لأن وراءه البعث والجزاء الذي ‏لا بد منه‏.‏‎ ‎
وقدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته‎ ‎بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ‏"‏ وهو ‏العزيز ‏"‏‎ ‎الغالب الذي لا يعجزه من أسماء العمل ‏"‏ الغفور ‏"‏ لمن تاب من ‏أهل الإساءة ‏"‏


البيضاوى

‏^ الذي خلق الموت والحياة ^ قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره وقدم الموت ‏لقوله ^ وكنتم أمواتا فأحياكم ^ ولأنه أدعى إلى حسن العمل ليبلوكم ليعاملكم المختبر ‏بالتكليف أيها المكلفون ^ أيكم أحسن عملا ^ أصوبه وأخلصه وجاء مرفوعا أحسن ‏عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته جملة واقعة موقع
المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به ‏وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين ^ وهو العزيز ‏‏^ الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل الغفور لمن تاب منهم


القرطبى

‏{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}‏
قوله تعالى: "الذي خلق الموت والحياة" قيل: المعنى خلقكم للموت والحياة؛ ‏يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الوت على الحياة؛ لأن ‏الموت إلى القهر أقرب؛ كما قدم البنات على البنين فقال: "يهب لمن يشاء ‏إناثا" [الشورى: 49]. وقيل: قدمه لأنه أقدم؛ لأن الأشياء في الابتداء كانت ‏في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه. وقال قتادة: كان رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم يقول: (إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار ‏حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء). وعن أبي الدرداء ‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر ‏والمرض والموت وإنه مع ذلك لو ثاب). ‏

قدم الموت على الحياة، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته ‏بين عينيه؛ فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم قال ‏العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق ‏الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة ببنهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى ‏دار. والحياة عكس ذلك. وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل: أن الموت ‏والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه ‏إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل ‏والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر، فوق الحمار ودون ‏البغل، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي. وهي ‏التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي. حكاه الثعلبي ‏والقشيري عن ابن عباس. والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي.‏
‏ قلت: وفي التنزيل "قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم"، [السجدة: ‏‏11]، "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة" [الأنفال: 50] ثم "توفته ‏رسلنا" [الأنعام: 61]، ثم قال: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" [الزمر: ‏‏42]. فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم. وهو سبحانه المميت ‏على الحقيقة، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط؛ ‏حسب ما ورد به الخبر الصحيح. وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر ‏صحيح يقطع العذر. والله أعلم. وعن مقاتل أيضا: خلق الموت؛ يعني ‏النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة؛ يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح ‏فصار إنسانا.‏
‏ قلت: وهذا قول حسن؛ يدل عليه قوله تعالى "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" ‏وتقدم الكلام فيه في سورة "الكهف". وقال السدي في قوله تعالى: "الذي ‏خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" أي أكثركم للموت ذكرا ‏وأحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا. وقال ابن عمر: تلا النبي صلى ‏الله عليه وسلم "تبارك الذي بيده الملك - حتى بلغ - أيكم أحسن عملا" فقال: ‏‏(أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله). وقيل: معنى "ليبلوكم" ‏ليعاملكم معاملة المختبر؛ أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، ‏وبالحياة ليبين شكره. وقيل: خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة ‏للابتلاء. فاللام في "ليبلوكم" تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت؛ ذكره ‏الزجاج. وقال الفراء والزجاج أيضا: لم تقع البلوى على "أي" لأن فيما بين ‏البلوى و"أي" إضمار فعل؛ كما تقول: بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ومثله قوله ‏تعالى: "سلهم أيهم بذلك زعيم" [القلم: 40] أي سلهم ثم انظر أيهم. "فأيكم" ‏رفع بالابتداء و"أحسن" خبره. والمعنى: ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن ‏عملا. "وهو العزيز" في أنتقامه ممن عصاه. "الغفور" لمن تاب.‏


ابن كثير

قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} واستدل بهذه الاَية من قال إن ‏الموت أمر وجودي, لأنه مخلوق, ومعنى الاَية أنه أوجد الخلائق من العدم ‏ليبلوهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملاً, كما قال تعالى: {كيف تكفرون بالله ‏وكنتم أمواتاً فأحياكم} فسمى الحال الأول وهو العدم موتاً وسمى هذه النشأة ‏حياة, ولهذا قال تعالى: {ثم يميتكم ثم يحييكم} وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو ‏زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى: ‏‏{الذي خلق الموت والحياة} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ‏‏«إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل ‏الاَخرة دار جزاء ثم دار بقاء» ورواه معمر عن قتادة, وقوله تعالى: ‏‏{ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} أي خير عملاً كما قال محمد بن عجلان, ولم ‏يقل أكثر عملاً ثم قال تعالى: {وهو العزيز الغفور} أي هو العزيز العظيم ‏المنيع الجناب, وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه ‏وخالف أمره, وإن كان تعالى عزيزاً هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ‏ويتجاوز,‏


الجلالين

‎2 - (‎الذي خلق الموت) في الدنيا (والحياة) في الآخرة أوهما في الدنيا ‏فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الاحساس والموت ضدها أو عدمها ‏قولان والخلق على الثاني بمعنى التقدير (ليبلوكم) ليختبركم في الحياة (أيكم ‏أحسن عملا) أطوع لله (وهو العزيز) في انتقامه ممن عصاه ‏‎(‎الغفور) لمن ‏تاب إليه


فتح القدير للشوكانى

‏"الذي خلق الموت والحياة" الموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ‏له، والحياة تعلق الروح بالبدن واتصاله به، وقيل هي ما يصح بوجوده ‏الإحساس، وقيل ما يوجب كون الشيء حياً، وقيل المراد الموت في الدنيا ‏والحياة في الآخرة. وقدم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم ‏الحياة، والحياة عارضة لها، وقيل لأن الموت أقرب إلى القهر. وقال ‏مقاتل: خلق الموت: يعني النطفة والضغة والعلقة، والحياة يعني خلقه ‏إنسانا وخلق الروح فيه، وقيل خلق الموت على صورة كبش لا يمر على ‏شيء إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا تمر بشيء إلا حيي، ‏قاله مقاتل والكلبي. وقد ورد في التنزيل "قل يتوفاكم ملك الموت الذي ‏وكل بكم" وقوله: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة" وقوله: "توفته ‏رسلنا" وقوله: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" وغير ذلك من الآيات ‏‏"ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" اللام متعلقة بخلق: أي خلق الموت والحياة ‏ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملاً، فيجازيكم على ذلك، وقيل ‏المعنى: ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكراً وأشد منه خوفاً، وقيل أيكم أسرع ‏إلى طاعة الله، وأروع عن محارم الله. وقال الزجاج: اللام متعلق بخلق ‏الحياة، لا بخلق الموت. وقال الزجاج أيضاً والفراء: إن قوله: ليبلوكم لم ‏يقع على أي، لأن فيما بين البلوى وأي إضمار فعل كما تقول: بلوتكم ‏لأنظر أيكم أطوع، ومثله قوله: "سلهم أيهم بذلك زعيم" أي سلهم ثم انظر ‏أيهم، فأيكم في الآية مبتدأ وخبره أحسن، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما ‏قبله، وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم ‏المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن ‏المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان ‏المحسنين "وهو العزيز" أي الغالب الذي لا يغالب "الغفور" لمن تاب ‏وأناب.‏


التحرير لإبن عاشور

الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور[2]( صفة ‏ل)الذي بيده الملك( فلما شمل قوله )وهو على كل شيء قدير( تعلق القدرة بالموجود ‏والمعدوم أتبع بوصفه تعالى بالتصرف الذي منه خلق المخلوقات وأعراضها لأن الخلق أعظم ‏تعلق القدرة بالمقدور لدلالته على صفة القدرة وعلى صفة العلم. ‏
‏ وأوثر بالذكر من المخلوقات الموت والحياة لأنهما أعظم العوارض لجنس الحيوان الذي هو ‏أعجب الموجود على الأرض والذي الإنسان نوع منه، وهو المقصود بالمخاطبة بالشرائع ‏والمواعظ، فالإماتة تصرف في الموجود بإعداده للفناء، والإحياء تصرف في المعدوم بإيجاده ‏ثم إعطائه الحياة ليستكمل وجود نوعه. ‏
‏ فليس ذكر خلق الموت والحياة تفصيلا لمعنى الملك بل هو وصف مستقل. ‏
‏ والاقتصار على خلق الموت والحياة لأنهما حالتان هما مظهرا تعلق القدرة بالمقدور في ‏الذات والعرض لأن الموت والحياة عرضان والإنسان معروض لهما. ‏
‏ والعرض لا يقوم بنفسه فلما ذكر خلق العرض علم من ذكره خلق معروضه بدلالة ‏الاقتضاء. ‏
‏ وأوثر ذكر الموت والحياة لما يدلان عليه من العبرة بتداول العرضين المتضادين على ‏معروض واحد، وللدلالة على كمال صنع الصانع، فالموت والحياة عرضان يعرضان ‏للموجود من الحيوان، والموت يعد الموجود للفناء والحياة تعد الموجود للعمل للبقاء مدة. ‏وهما عند المتكلمين من الأعراض المختصة بالحي، وعند الحكماء من مقولة الكيف ومن ‏قسم الكيفيات النفسانية منه. ‏
‏ فالحياة: قوة تتبع اعتدال المزاج النوعي لتفيض منها سائر القوى. ‏
‏ والموت: كيفية عدمية هو عدم الحياة عما شأنه أن يوصف بالحياة أو الموت، أي زوال ‏الحياة عن الحي، فبين الحياة والموت تقابل العدم والملكة. ‏
‏ ‏


‏ ومعنى خلق الحياة: خلق الحي لأن قوام الحي هو الحياة، ففي خلقه خلق ما به قوامه، ‏وأما معنى خلق الموت فإيجاد أسبابه وإلا فإن الموت عدم لا يتعلق به الخلق بالمعنى الحقيقي، ‏ولكنه لما كان عرضا للمخلوق عبر عن حصوله بالخلق تبعا كما في قوله تعالى )والله ‏خلقكم وما تعملون(. ‏
‏ وأيضا لأن الموت تصرف في الموجود القادر الذي من شأنه أن يدفع عن نفسه ما يكرهه. ‏والموت مكروه لكل حي فكانت الإماتة مظهرا عظيما من مظاهر القدرة لأن فيها تجلي ‏وصف القاهر. ‏
‏ فأما الإحياء فهو من مظاهر وصف القادر ولكن مع وصفه المنعم. ‏
‏ فمعنى القدرة في الإماتة أظهر وأقوى لأن القهر ضرب من القدرة. ‏
‏ ومعنى القدرة في الإحياء خفي بسبب أمرين بدقة الصنع وذلك من آثار صفة العلم، ‏وبنعمة كمال الجنس وذلك من آثار صفة الإنعام. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى ‏‏)وكنتم أمواتا فأحياكم( في سورة البقرة. ‏
‏ وفي ذكرهما تخلص إلى ما يترتب عليهما من الآثار التي أعظمها العمل في الحياة والجزاء ‏عليه بعد الموت، وذلك ما تضمنه قوله )ليبلوكم أيكم أحسن عملا( فإن معنى الابتلاء ‏مشعر بترتب أثر له وهو الجزاء على العمل للتذكير بحكمة جعل هذين الناموسين البديعين ‏في الحيوان لتظهر حكمة خلق الإنسان ويفضيا به إلى الوجود الخالد، كما أشار إليه قوله ‏تعالى )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون(. ‏
‏ وهذا التعليل من قبيل الإدماج. ‏
‏ وفيه استدلال على الوحدانية بدلالة في أنفسهم قال تعالى )وفي أنفسكم أفلا تبصرون(. ‏
‏ والمعنى: أنه خلق الموت والحياة ليكون منكم أحياء يعملون الصالحات والسيئات، ثم أمواتا ‏يخلصون إلى يوم الجزاء فيجزون على أعمالهم بما يناسبها. ‏
‏ فالتعريف في )الموت( و )الحياة( تعريف الجنس. وفي الكلام تقدير: هو الذي خلق الموت ‏والحياة لتحيوا فيبلوكم أيكم أحسن عملا، وتموت فتجزوا على حسب تلك البلوى، ‏ولكون هذا هو المقصود الأهم من هذا الكلام قدم الموت على الحياة. ‏
‏ وجملة )ليبلوكم( إلى آخرها معترضة بين الموصولين. ‏
‏ واللام في )ليبلوكم( لام التعليل، أي في خلق الموت والحياة حكمة أن يبلوكم. الخ. ‏
‏ وتعليل فعل بعلة لا يقتضي انحصار علله في العلة المذكورة فإن الفعل الواحد تكون له ‏علل متعددة فيذكر منها ما يستدعيه المقام، فقوله تعالى )ليبلوكم أيكم أحسن عملا( ‏تعليل لفعل )خلق( باعتبار المعطوف على مفعوله، وهو )والحياة( لأن حياة الإنسان حياة ‏خاصة تصحح للموصوف بمن قامت به الإدراك الخاص الذي يندفع به إلى العمل ‏باختياره، وذلك العمل هو الذي يوصف بالحسن والقبح، وهو ما دل عليه بالمنطوق ‏والمفهوم قوله تعالى )أيكم أحسن عملا( أي وأيكم أقبح عملا. ‏
‏ ولذلك فذكر خلق الموت إتمام للاستدلال على دقيق الصنع الإلهي وهو المسوق له ‏الكلام، وذكر خلق الحياة إدماج للتذكير، وهو من أغراض السورة. ‏
‏ ولا أشك في أن بناء هذا العالم على ناموس الموت والحياة له حكمة عظيمة يعسر على ‏الإفهام الاطلاع عليها. ‏
‏ والبلوى: الاختبار وهي هنا مستعارة للعلم أي ليعلم علم ظهور أو مستعارة لإظهار الأمر ‏الخفي، فجعل إظهار الشيء الخفي شبيها بالاختبار. ‏
‏ وجملة )أيكم أحسن عملا( مرتبطة ب)يبلوكم(. ‏
‏ و)أي( اسم استفهام ورفعه يعين أنه مبتدأ وأنه غير معمول للفظ قبله فوجب بيان موقع ‏هذه الجملة، وفيه وجهان: أحدهما قول الفراء والزجاج والزمخشري في تفسير أول سورة ‏هود أن جملة الاستفهام سادة مسد المفعول الثاني، وأن فعل )يبلوكم( المضمن معنى ‏‏)يعلمكم( معلق عن العمل في المفعول الثاني، وليس وجود المفعول الأول مانعا من تعليق ‏الفعل عن العمل في المفعول الثاني وأن لم يكن كثيرا في الكلام. ‏
‏ والوجه الثاني أن تكون الجملة واقعة في محل المفعول الثاني ليبلوكم أي تؤول الجملة بمعنى ‏مفرد تقديره: ليعلمكم أهذا الفريق أحسن عملا أم الفريق الآخر. ‏
‏ وهذا مختار صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية. ومبناه على أن تعليق أفعال العلم عن ‏العمل لا يستقيم إلا إذا لم يذكر للفعل مفعول فإذا ذكر مفعول لم يصح تعليق الفعل عن ‏المفعول الثاني، وحاصله: أن التقدير ليعلم الذين يقال في حقهم )أيهم أحسن عملا( على ‏نحو قوله تعالى )ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا( أي لننزعن الذين ‏يقال فيهم: أيهم أشد . ‏
‏ ‏


‏ وجوز صاحب التقريب أن يكون التقدير: ليعلم جواب سؤال سائل: أيكم أحسن ‏عملا. ‏
‏ قلت: ولك أن تجعل جملة )أيكم أحسن عملا( مستأنفة وتجعل الوقف على قوله ‏‏)ليبلوكم( ويكون الاستفهام مستعملا في التحضيض على حسن العمل كما هو في قول ‏طرفة: ‏
‏ إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتـبـلـد ‏فجعل الاستفهام تحضيضا. ‏
‏ و)أحسن( تفضيل، أي أحسن عملا من غيره، فالأعمال الحسنة متفاوتة في الحسن إلى ‏أدناها، فأما الأعمال السيئة فإنها مفهومة بدلالة الفحوى لأن البلوى في أحسن الأعمال ‏تقتضي البلوى في السيئات بالأولى لأن إحصاءها والإحاطة بها أولى في الجزاء لما يترتب ‏عليها من الاجتراء على الشارع، ومن الفساد في النفس، وفي نظام العالم، وذلك أولى ‏بالعقاب عليه ففي قوله )ليبلوكم أيكم أحسن عملا( إيجاز. ‏
‏ وجملة )وهو العزيز الغفور( تذييل لجملة )ليبلوكم أيكم أحسن عملا( إشارة إلى صفاته ‏تعالى تقتضي تعلقا بمتعلقاتها لئلا تكون معطلة في بعض الأحوال والأزمان فيفضي ذلك إلى ‏نقائضها. فأما العزيز فهو الغالب الذي لا يعجز عن شيء، وذكره مناسب للجزاء المستفاد ‏من قوله )ليبلوكم أيكم أحسن عملا( كما تقدم آنفا، أي ليجزيكم جزاء العزيز، فعلم أن ‏المراد الجزاء على المخالفات والنكول عن الطاعة. وهذا حظ المشركين الذين شملهم ضمير ‏الخطاب في قوله )ليبلوكم(. ‏
‏ وأما الغفور فهو الذي يكرم أولياءه ويصفح عن فلتاتهم فهو مناسب للجزاء على ‏الطاعات وكناية عنه، قال تعالى )وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى( فهو ‏إشارة إلى حظ أهل الصلاح من المخاطبين. ‏


السعدى

وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ ‏أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه ‏الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات ‏المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء ‏في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.‏
‏{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت ‏له المخلوقات.‏
‏{ الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا ‏وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو ‏كانت ملء الدنيا.‏

زوج السيدة المدير 8 - 2 - 2013 12:54 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

أرب جمـال 8 - 2 - 2013 01:33 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

ابو فداء 8 - 2 - 2013 01:39 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
بااارك الله بك وأتابك الجنه
موودتي

منتصر أبوفرحة 8 - 2 - 2013 08:28 PM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
نفع الله بك وجزيت خيرا على الاختيار الجيد والموفق

شيماء يوسف 8 - 2 - 2013 10:23 PM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
بارك الله تعالى فيك واحسن الله اليك
جزاك الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء


B-happy 8 - 2 - 2013 11:51 PM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

صائد الأفكار 9 - 2 - 2013 12:25 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/04.gif
غفر الله لكـ على الطرح القيم ...
جهد رائع ....واختيار موفق للموضوع
وفقكـ الله وأسعدكـ سعادة لاشقاء بعدها ابدا
جعله
الله في ميزان حسناتكـ,,,آمين

أبجدية أنثى 9 - 2 - 2013 12:27 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 

اسعدني المرور بصفحتك
تحياتي

المُنـى 9 - 2 - 2013 01:21 AM

رد: ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور)‏
 
اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يعطيك اكثر من امانيك ويحفظ عليك دينك وعافيتك ويديم عليك نعمه وستره وواسع رحمته وفضله
وأن ينظر اليك نظرة رضى لا يعقبها سخط أبدا ..
وأن يلبسك ثوب العافية لا ينزعه عنك ابدا ..
وأن يرزقك رزقاً حلالا لا ينقطع عنك أبدا ..
وجميع المسلمين اللهم آمين.
لك مني صافي الود وأجل التقدير ..

تحياااتي


الساعة الآن 09:21 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى