منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   من مذاكرت أميرة عربية ..الأميرة سالمة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4281)

أرب جمـال 16 - 2 - 2010 10:07 PM

من مذاكرت أميرة عربية ..الأميرة سالمة
 
في الجزء الأول من مذاكرت أميرة عربية ..زنجبار مدينة عربية متحضرة
سعاد سليمان


http://www.shahro.com/vb/images/no.jpg
علي عكس ما حاول قراء هذه المذكرات "مذكرات أميرة عربي’ –سالمة بنت سعيد أو اميلي رويته فيما بعد" أن يثبتوا مقولة الشرق المتخلف والذي يضطهد المرأة ، فقد جاءت المذكرات لترسم صورة حقيقية عن عالم الشرق من خلال الأميرة سالمة ، وقد كتبت هذه المذكرات عام 1886،وصدرت حديثا من دار منشورات الجمل بألمانيا ، وترجمتها إلي العربية الدكتورة سالمة صالح .
غادرت الأميرة سالمة بنت سعيد عام 1867 زنجبار لتتزوج التاجر الألماني الذي أحبته , هاينريش رويته , وتعيش في ألمانيا . لكن زوجها توفي في حادث في شتاء 1870 , فبدأت بالنسبة لها كأم لثلاثة أطفال حياة كفاح شاقة , لا نعرف عنها إلا القليل . فقد تنقلت بين عامين 1870 و 1885 من مدينة إلى أخرى : دار مشتادت , دريسدن , رودولشتادت , برلين وكولونيا , وحاولت في بعض هذه المدن أن تكسب بعض المال بتدريس اللغة العربية , إلا أن ما أعاق عملها لم يكن قلة الراغبين في التعلم فحسب وإنما أيضاَ فضول طلابها بشأن وضعها الأرستقراطي , مما كان يجرح كبرياءها . وقد عاشت السنوات الأخيرة من حياتها في بيت والدي زوج ابنتها في مدينة يينا . وبالمقابل نتعرف فيها من خلال مذكراتها على امرأة ذكية وطموح لم تكتف بدور المرآة والأم وحسب وإنما حاولت أن تقتحم عالم السياسة والدبلوماسية وشغلتها شئون ومشكلات وطنها زنجبار رغم إقامتها في ألمانيا . لم تكتب سالمة بنت سعيد هذه المذكرات التي نشرتها عام 1886 للنشر في الأصل , فقد دونتها وهي في وضع نفسي وجسدي اعتقدت معه أنها لن تعيش حتى يبلغ أطفالها سناَ تستطيع أن تروي لهم فيها شيئاَ عن حياتها . لكن بعض أصدقائها أقنعها بنشر هذه المذكرات . فتهيأ لنا بذلك كتاب عن الحياة في بيت السلطان عربي من القرن التاسع عشر لا نكاد نعرف عنها شيئاَ . ولما كان الكتاب موجهاَ إلي القارئ الألماني الذي لا يكاد يعرف شيئاَ عن بلد بعيد مثل زنجبار , حاولت كتابة المذكرات تقريب بعض الصور فيوم الجمعة هو " يوم أحد المسلمين " , وشجرة البرتقال هي شجرة في حجم شجرة كرز كبيرة , وأمراض التخمة التي يصاب بها المرء أثناء الرحلات تشبه " أمراض أعياد الميلاد هنا ".
لم يترجم الكتاب إلي اللغة العربية من اللغة الألمانية " اللغة التي كتب بها " مباشرة حتى الآن , إذ كان الدكتور عبد الحميد القيسي قد ترجمه إلي العربية معتمداَ ترجمتين إلي الإنكليزية صدرت الأولى عام 1888 ونشرت الثانية عام 1905 . وحاول كما يذكر في مقدمته التوفيق بينهما . من الواضح أن الترجمة الانكليزية التي اعتمدها القيسي كانت قد دمجت بعض الفصول ونقلت مقاطع كثيرة من موضعها ووضعتها في سياق آخر دون أن تخل بالمعنى العام . كما لم تخل تلك الترجمة من الأخطاء التي تخل بالمعنى فقد ورد في فصل " الأمراض والعلاج الطبي " أن العرب كانوا يمسحون جلد المصاب بالجدري بالدم , وهو النص الكركم , وكما هو معروف فإن الكركم مادة شافية للجروح عرفتها الشعوب البدائية في الهند , وتحول الندى الذي يتجمع علي أوراق الموز ويستخدم في علاج السعال الديكي إلي عصير يستخرج من أوراق الموز . وفي سياق حديث الكتابة عن الرق تنتقل عن ب . ريتشارد أنه استيقظ ذات ليلة علي صراخ امرأة طرقت بابه علي أثر خصامها مع زوجها , تريد أن تكسر شيئاَ ثميناَ له لتصبح بذلك مدينة له , فيستطيع أن يمتلكها كأمة لقاء هذا الدين , لكن النص العربي يتحدث عن امرأة تخاصمت مع زوجها و أتلفت له بضاعة نفيسة , وبينما تتحدث الكاتبة في الفصل " سيد برغش في لندن عن الخبرة التي اكتسبتها في الآداب الدبلوماسية , ينفى نص الترجمة السابق هذه الخبرة" والظاهر أنني ما أزال غرة جاهلة بالأساليب واللغة الدبلوماسية" . وقد حاولت الترجمة السابقة تفسير النص في بعض المواضع " فتذكر المذكرات مثلاَ أن الأميرة سالمة استأجرت مزرعة ببوبو لأن مالكها لم يرد بيعها , ولأنها لم تعد إلي ذكر المالك لدى الحديث عن تخيلها عن هذه المزرعة للقنصل الانكليزي بطلب من أخيها ماجد , فقد ذهبت الترجمة إلي أنها اشترت المزرعة , وغير هذا كثير . ومن أجل أن يبدو النص سائغاَ فقد جرى الإسهاب في الوصف في مواضع عديدة دون الالتزام بدقة الترجمة , فإذا ما ورد في النص الحقول , جاءت في الترجمة " حقول القمح والشعير , أو ولدت له ابنة سوداء كالقار أصبحت سوداء جميلة وهكذا ". وإذا كان الفضل في تعريف القارئ العربي بالكتاب لأول مرة يعود إلي الدكتور القيسي الذي قدم لنا نصاَ جميلاَ سائغاَ إلا أن هذا النص فقد قيمته الوثائقية مرة بسبب الحذف ومرة بسبب الإضافة والإسهاب في الوصف الذي يعتمد علي المعرفة الشخصية بالموضوع أكثر مما يعتمد علي النص . وبعد هذه المقدمة التي رصدت فيها المترحمة بعض المشكلات التي واجهتها في ترجمة هذه المذكرات نبدأ معها الدخول إلي عالم الأميرة سالمة بنت سعيد فتقول :
مرت تسع سنوات منذ أن سجلت هذه الأفكار , كتبت شيئا من حياتي لأطفالي الذين لم يعرفوا عن أصولي أكثر من أنني عربية وأنني أنحدر من زنجبار . كنت يومذاك منهكة جسديا ونفسيا , ولم أعتقد أنني يمكن أن أعيش من أجلهم حتى يكبروا , لأستطيع أن أحدثهم عن تقلب مصيري وذكريات صباي . لذلك قررت أن أكتب لهم تجاربي. قمت بهذا بمحبة كبيرة وتفان . فعلته حقا لأطفالي الغاليين الذين عزاني حنوهم في السنوات العصيبة , ولم تنضب مشاركتهم العميقة في همومي التي كثيرا ما كانت ثقيلة .
وهكذا فإنني لم أكتب مذكراتي للنشر وإنما لأطفالي الذين أردت أن أترك لهم كوصية حبا أموميا صادقا . ولكنني قررت بعد أن حاول أكثر من شخص إقناعي أن أنشرها أخيراَ . كنت قد انتهيت هذه الأوراق منذ سنوات , ولم أضف إليها سوى المقطع الأخير . وقد نشأ هذا في أعقاب زيارة تيسرت لي ولأطفالي في السنوات السابقة إلي زنجبار , وطني القديم . فعسى أن ينشر كتابي هذا ويطوف في الغربة , ويقرؤه أصدقاء كثيرون . ولدت في بيت المتوني ؛ أقدم قصورنا في جزيرة زنجبار وعشت هناك حتى سن السابعة . يقع بيت المتوني علي البحر , ويبعد حوالي ثمانية كيلو مترات عن مدينة زنجبار , في محيط جميل للغاية , مختفياَ تماماَ في بستان أشجار جوز هند هائلة , وأشجار مانجو ونباتات استوائية عملاقة . استمد مكان ولادتي " بيت المتوني " اسمه من نهر المتوني الصغير الذي يبعد بضع ساعات قادماَ من الداخل , متشبعاَ إلي عدد كبير من الامتدادات التي تشبه الأحواض , يخترق القصر بأكمله ويصف خلف أسواره مباشرة في ذراع البحر الرائع الذي ينشط فيه المرور ويفصل الجزيرة عن القارة الأفريقية . تمتد ساحة واسعة واحدة بين البنايات الكثيرة التي يتكون منها بيت المتوني . نتيجة لاختلاف أنواع هذه البنايات التي أقيمت تدريجياَ حسب الحاجة , حيث يمكن للمرء أن يقول عن الكل بممراته ودهاليزه التي لا تحصى والتي يتيه فيها من لا يعرفها إنه أقرب إلى القبح منه إلى الجمال . لا تعد أيضاَ غرف قصرناَ . لقد غاب عن ذاكرتي تقسيم الغرف , وعلي العكس مازلت أتذكر بدقة تماماَ الحمامات الكثيرة في بيت المتوني . كانت دزينة من الغرف تقوم في صف في الطرف الأقصى من الفناء , حتى أن المرء ما كان ليستطيع الوصول إلي هذا المكان المنعش المحبوب في الأيام المطيرة إلا وهو يحمل مظلة . وكان يقوم في الطرف الآخر في معزل عن غيره ما يسمي بالحمام " الفارسي " , وهو في الحقيقة حمام بخار تركي , فريد في طراز بنائه الفني في زنجبار .
كان كل حمام يتكون من غرفتين يقرب طول كل منهما من أربعة أمتار وعرضها ثلاثة أمتار . وكان عمق الماء فيها يصل إلى صدر الشخص الشارد . كان جميع سكان البيت يحبون هذه الحمامات المريحة , حيث يمضي أغلبهم عدة ساعات من اليوم هنا , يصلون , ينامون , يعملون , يقرأون وحتى يأكلون ويشربون . لا تتوقف الحركة هنا من الرابعة صباحاً وحتى منتصف الليل . فقد كان المرء يرى أشخاصاً داخلين أو خارجين ليلاً ونهاراً . ما أن يعبر المرء باب واحد من هذه الحمامات التي بنيت بطريقة واحدة داخلاً , حتى يرى دكتين للاستراحة إلي اليمين واليسار مفروشتين بحصر فاخرة ملونة , يصلي المرء فوقها أو يستريح . تخلو هذه الغرفة من السجاد وكل ما يعتبر بذخاً . يحتاج كل مسلم للصلاة ثوباً نظيفاً نظافة تامة , لا ينبغي استعماله إلا لهذا الغرض , ويكون أبيض اللون إذا أمكن . الأكثر ورعاً وحدهم بالطبع يتبعون فرض الدين غير المريح هذا بدقة كبيرة . لكل حمام رواده الخاصون , وويل لمن لا يلتزم بدقة هذا التمييز . لقد سادت في بيت المتوني روح طبقية كبيرة لدرجة أنها روعيت من قبل الأعلى بكل رسمية للنفس بنفس المقدار . كان الناس والحيوانات يتواجدون معاً بصورة مريحة تماماً في الفناء العظيم بأكمله , دون أن يسبب بعضهم للآخر أية مضايقة , كانت ثمة طواويس وغزلان , دجاج ماء وغرانيق وأوز , وبط ونعام تتجول بحرية , يحيطها الصغار والكبار بالعناية ويطعمونها . وكان يسعدنا نحن الصغار على الدوام أن نجمع البيض الكثير الموضوع هنا وهناك , خاصة بيض النعام الكبير ونحمله إلي كبير الطهاة , الذي اعتاد أن يكافىء جهدنا بمختلف أنواع الحلوى . كنا نتلقى نحن الأطفال من سن الخامسة في هذه الساحة دروساً في ركوب الخيل لدى الخصيان مرتين في اليوم , في الصباح الباكر وفي المساء , بينما كان سكان حديقة حيواناتنا الصغيرة يتابعون حياتهم دون كلفة . حالما نكون قد نلنا ما يكفي من التدريب في هذا الفن يحصل كل منا على دابة خاصة به هدية من أبينا . كان يسمح للصبيان أن يختاروا بأنفسهم حصانا من الحظيرة , بينما كنا نحصل نحن الفتيات على حمير مسقطية كبيرة ناصعة البياض , أغلى ثمناً في الغالب من الخيول العادية . وكانت هذه الحيوانات الجميلة طبعاً مزودة بكامل عدتها .
كان ركوب الخيل في البيوت العائلية من هذا الطراز المتعة الرئيسية , إذ لم يكن هناك لا مسرح ولا حفلات موسيقيه للترفيه . ولم يكن نادرا أن تجري سباقات في الخلاء , كثيرا ما تنتهي للأسف بحادث . وقد كاد أحد هذه السباقات أن يكلفني حياتي . لم أر وأنا في غمرة حماستي الشديدة , وكي لا أدع أخي حمدان يسبقني , نخلة عظيمة محنية الجذع سدت علي الطريق فجأة . لم أنتبه إلى العائق غير متوقع إلى حين أصبح جذع الشجرة أمام جبيني .
ولأن الإحصاء في زنجبار شيء غير معروف , فما كان أحد ليعرف كم عدد النفوس الذين كانوا يسكنون البيت . إذا أردت التخمين فلا أعتقد أنني أبالغ إذا قدرت عدد سكان بيت المتوني عامة بألف شخص . ولكي يفهم المرء هذا عليه ألا يغفل أنه من التقاليد في كل مكان في الشرق , أن يجري تشغيل أيدي كثيرة جدا , حين يريد المرء أن يعتبر وجيها وغنيا . وليس عدد سكان قصر أبينا الآخر أيضا , بيت الساحل الواقع في المدينة , أقل منه. يشغل أبي السعيد , إمام مسقط وسلطان زنجبار , الجناح الواقع قريبا من البحر في بيت المتوني مع زوجته الرئيسة , التي تربطها به قرابة بعيدة . إلا إنه كان يقيم هنا في الريف أربعة أيام من الأسبوع فقط . أما ما يتبقى من الوقت فإنه يقضيه في بيت الساحل , قصره في المدينة . لقب الإمام هو لقب ديني من النادر جدا أن يمنح لحاكم . ويعود الفضل فيه إلى جدي الأكبر أحمد في الأصل . منذ ذلك الحين أصبح هذا اللقب يورث لعائلتنا بأجمعها , فلكل واحد منا الحق في أن يرفقه باسمه .
ولأنني كنت واحدة من أصغر أطفال والدي , فإنني لم أره دون لحيته البيضاء المهيبة . كان طوله يزيد عن المتوسط , ووجهه يتسم بما يشعر بالانجذاب والارتياح بصورة استثنائية , وكان بذلك ظاهرة تفرض الاحترام من كل النواحي . رغم حبه للحرب والفتوحات كان النموذج لنا جميعا كرب العائلة أو كأمير على السواء . لم يعرف ما هو أعلى من العدالة , وإذا ما حدث تجاوز لم يكن ثمة فرق بالنسبة إليه بين ابنه أو عبد بسيط . وكان قبل كل شيء هو الخشوع بعينه أمام الله العلى .
وكان يسميني " العجوز " بسبب حبي لحساء الحليب البارد الذي يحبه عندنا الشيوخ الدرد .
كانت أمي شركسية الأصل , انتزعت في وقت مبكر من وطنها. كانت قد عاشت في سلام مع أبيها وأمها وأخويها , وكان أبوها مزارعا . ثم إذ اندلعت الحرب , وامتلأت البلاد بأفواج اللصوص , لجأت العائلة بأكملها إلى مكان تحت الأرض , كما تقول أمي , ولابد أنها كانت تعني قبوا , وهو ما لم نكن نعرفه في زنجبار . لكن قطيعا متوحشا اقتحم هذا الملجأ أيضا , قتلوا الأب والأم واختطف ثلاثة من الألبان الأطفال الثلاثة ومضوا بهم علي خيولهم . اختفى الأول الذي يحمل الأخ الأكبر عن أنظارهم بعد وقت قصير , بينما بقي الاثنان اللذان حملا أمي وأختها الصغرى ذات السنوات الثلاث التي لم تتوقف من الصراخ طالبة أمها , معا حتى المساء , ثم انفصلا ولم تسمع أمي عن أختها وأخيها شيئا ثانية .
وصلت أمي إلي حيازة أبي وهي لا تزال طفلة , يبدو أنها كانت في سن السابعة أو الثامنة , فقد فقدت في بيتنا أول أسنانها اللبنية .

أرب جمـال 16 - 2 - 2010 10:10 PM

في الجزء الثاني من مذكرات الأميرة سالمة : أبي نموذج للديكتاتور العادل





نواصل مع الأميرة سالمة بنت سعيد الجزء الثاني من مذكراتها التي صدرت حديثا في ألمانيا، وقامت بترجمتها الدكتورة سالمة صالح، وفي هذا الجزء تروي لنا الأميرة سالمة المرحلة الأولي من شبابها قبل هروبها إلي ألمانيا وزواجها من التاجر الألماني رودولف هاينريش رويته فتقول:

وصلت أمي إلي حيازة أبي وهي لا تزال طفلة, يبدو أنها كانت في سن السابعة أو الثامنة, فقد فقدت في بيتنا أول أسنانها اللبنية, وسرعان ما أصبحت وحتى سن اليفاعة رفيقة في اللعب لاثنتين من أخواتها كانتا في مثل سنها ونشأت وعوملت مثلهما. تعلمت القراءة معهما أيضا, وهي فن رفعها عاليا عن مثيلاتها اللائي كن يأتين غالبا بين سن السادسة عشرة والثامنة عشرة إن لم يتجاوزون هذه السن, فلا يشعرن بالطبع برغبة في الجلوس مع أطفال صغار تماما علي حصيرة المدرسة القاسية. كانت بالنسبة لي أما محبة حنونا, ولكن هذا لم يمنعها من معاقبتي بشدة حين كان ذلك ضروريا.

وتقول الأميرة سالمة عن مهارة أمها في فن الطبخ: أما المطبخ فكانت تعد فيه ـ سواء في بيت المتوني أو بيت الساحل ـ عدا الأطعمة العربية الأطعمة الفارسية والتركية أيضاً.

كان لها في بيت المتوني أصدقاء كثيرون, وهو أمر نادر في بيت حريم عربي.

كان لأبي في حياته زوجة واحدة قدر ما أتذكر, أما باقي النساء فكن سرارى (الواحدة سرية), وكان عددهن لدى موته سبعا وسبعين, اشتراهن جميعا واحدة بعد الأخرى . وكانت زوجته الشرعية عزة بنت سيف, وهي أميرة عمانية, صاحبة الكلمة المطلقة في البيت. كانت تملك رغم صغر حجمها وعدم وجود ما يميزها في المظهر, سلطة كبيرة على أبي, حتى أنه كان يتبع تعليماتها طائعا. وكانت متعجرفة إزاء النساء الأخريات وأطفالهن , متعالية ومتطلبة. وكان من حسن حظنا أنه لم يكن لها أطفال, وإلا لكان طغيانها لا يطاق. جميع أولاد أبي ـ وكان عددهم لدى موته 36 ـ من أبناء السراري. وكنا بذلك متساوين فيما بيننا , ليس ثمة ما يميزنا عن بعضنا. ولم يفضل أبي الأبناء الذكور على البنات في أوساطنا العائلية, كما يفترض الكثيرون هنا. ولا أعرف حالة واحدة فضل فيها أب وأم أن يكون لهما ابن وليس ابنة, أو فضلا الابن عليها لأنه ذكر وحسب.

فقد عاشت في البيتين أجناس مختلفة. وكان الجمال الساحر وعكسه تماماً موجودين بين هؤلاء بوفرة. ولكن لم يسمح لنا بلبس غير الزى العربي, والسواحيلي للزنوج. فإذا ما جاءت إمرأة شركسية بملابسها ذات التنورة العريضة أو حبشية بزيها الرائع ذي القماش الملفوف عليها, توجب عليها أن تخلع هذه الثياب وتلبس الثياب العربية المخصصة لها خلال ثلاثة أيام.

كان لأبي في كلا بيتيه في زنجبار وفي قصوره في مسقط في مملكة عمان خزائن وكنوز خاصة, مليئة بعملات أسبانية كبيرة من الذهب, وغينية وفرنسية وألمانية, ولكن عدا هذا كان جزء منها حلياً نسائية مختلفة, من البسيطة وحتى التيجان المرصعة بالماس, كل هذا اقتني ليقدم هدايا. كلما زاد عدد أفراد العائلة سواء عن طريق شراء سرار أو ولادة أمراء وأميرات وهو ما يحدث كثيراً, افتتح باب الخزانة لتقديم الهدية للقادم الجديد حسب مرتبته ومكانته. فقد اعتاد أبي حين يولد طفل, أن يزور الوليد والأم في اليوم السابع حاملا معه حلياً هدية للرضيع. وكذلك كانت السرية الجديدة تحصل عند وصولها مباشرة هدية من الحلي الضرورية, وكان رئيس الخصيان يخصص لهم الخدم.

كان أبي غريباً فيما يتعلق بمحيطه رغم أنه كان شخصياً يحب البساطة الشديدة لنفسه. لم يسمح لنا جميعاً أبداً أن نظهر أمامه غير الزى الكامل, من الأبناء , وحتى أصغر الخصيان . كنا نحن الفتيات نعقد شعرنا في ضفائر دقيقة كثيرة ( يصل عددها إلى العشرين غالباً ) ترتبط نهايتها بصورة مائلة من الجهتين , وتتدلى في الوسط حلية ذهبية ثقيلة مرصعة بالأحجار الكريمة غالباً , أو كانت تعلق بكل ضفيرة قطعة نقود ذهبية كتبت عليها آيات قرآنية , وهي أجمل من التسريحة الأخرى الموصوفة أعلاه . كانت هذه الحلي تنزع عنا عند الذهاب إلى النوم ويعاد ربطها في الصباح التالي.

ثمة أمران يظلان مجهولين في البيت العربي الأصيل, وهما كلمتا "الصدفة" و"المادية" ، فالمسلم لا يعرف ربه كخالق وحفيظ وحسب, وإنما يشعر بحضور الله دائما, وهو مقتنع أن ما يحدث ليست إرادته إنما هي إرادة الله فيما صغر أو كبر من الأمور.

كانت غرفتنا الكبيرة بمناسبة الفراق المزمع تشبه خلية نحل لكثرة الأصدقاء والمعارف، أتانا الجميع بهدية وداع, كل حسب إمكاناته ودرجة محبته لنا. كان يحرص لدينا على هذا التقليد. وحين لا يكون لدى العربي إلا أقل القليل, فإنه لن يتردد في تقديمه لأصدقائه عند الوداع كهدية.

بعد ذلك ذهبنا إلي جناح زوجة أبي المبجلة لنودعها أيضا. وقد وقفت لتوديعنا , وهو إكرام أيضا على طريقتها , فقد اعتادت أن تستقبل وتودع وهي جالسة . وقد سمح لأمي ولي أن نقبل يدها الرقيقة قبل أن ندير لها ظهرنا بعد ذلك إلي الأبد .

كانت الغرفة المخصصة لنا واسعة تطل مباشرة على مسجد مجاور. وهي مؤثثة مثل أغلب الغرف العربية, فلم يكن ثمة ما نفتقده. ولم نكن نحتاج إلا إلى غرفة واحدة, فالمرء يرتدي هناك نفس الملابس في الليل والنهار, ولدى العرب الموسرين المتشددين في النظافة فإن غرفة خاصة للنوم هي شيء فائض . تكون غرف الأغنياء والوجهاء مؤثثة علي النحو التالي: يغطي الأرض سجاد فارسي, سجاد أو بسط ناعمة دقيقة الصنع. الجدران السميكة مطلية بالون الأبيض مقسمة إلي عدة أقسام من خلال أقواس ذات عمق مناسب تمتد من الأرض إلي السقف. وتقسم الأقواس إلى ألواح من الخشب مطلية باللون الأخضر تشكل طوابق صفت عليها بصورة متناظرة أفخر وأثمن أواني البلور والخزف. ولا يبخل العربي بثمن من أجل تزيين هذه الأقواس, قدح مصقول بدقة, صحن يحمل رسما جميلا أو إبريق أنيق مهما كلف ذلك. فهذه الأشياء تشتري إذا كانت جميلة.

يسعى المرء إلي تغطية الجدران العارية الضيقة بين الأقواس, حيث تعلق عليها مرايا كبيرة تمتد من الديوان الذي يرتفع قليلا عن الأرض حتى السقف , تطلب من أوروبا حسب ارتفاعها وعرضها. أما الصور فهي مستنكرة بشكل عام لدي المسلمين باعتبارها تقليدا للخلق الإلهي, ولكن جري في الفتة الأخيرة التساهل فيها. وعلي العكس فإن الساعات محبوبة جدا ويجد المرء في البيت الواحد مجموعة كبيرة منها, حيث يعلق بعضها فوق المرايا ويعلق البعض الآخر أزواجا علي جهتيها. وتزين الجدران في غرف الرجال رموز من أنواع مختلفة من الأسلحة الثمينة من البلاد العربية ومن بلاد فارس وتركيا. وهي زينة اعتاد كل عربي أن يزين بها بيته حسب مكانته وثرائه.
وتستدعي ذاكرتها الحديث عن أخيها ماجد فتقول:

اكتشفت في ماجد لحسن الحظ شخصا محبا للحيوانات , وأنه يملك في بيته مجموعة من مختلف الأحياء , بينها أعداد كبيرة من الأرانب البيضاء ، وهو ما كان يزعج أمي ، فقد خربت البيت الجديد تماما . ثم كان لديه عدد كبير من ديكة المصارعة من كل بلدان العالم , لم أر مجموعة غنية كهذه ثانية حتى في حديقة حيوان .
علمني فيما بعد المبارزة بالسيف و الخنجر والرمح , وحين سافرنا معا إلي الريف علمني استخدام البندقية والمسدس . باختصار أصبحت من خلاله نصف أمازونية وهو ما أرعب أمي الغالية التي لم تكن تحب المبارزة والرمي . نتيجة لذلك فقدت كل رغبة في الأعمال اليدوية , كان استخدام كل الأسلحة الممكنة أحب إلي من الجلوس هادئة بضع ساعات أمام مخدة حياكة الدانتيل .

وعن العبيد الذين يستخدمون كرسل تقول :

لا يحب أحد في الشرق المراسلة حتى لو كان قد تعلم الكتابة, حيث يملك كل وجيه وثري هناك بعض العبيد الذين يستطيعون أن يمضوا بسرعة في الحال ويستخدمون لهذا الغرض وحسب. يكون علي كل واحد من هؤلاء السعاة أن يقطع بضعة أميال في اليوم. ولكنهم يعاملون أيضا معاملة حسنة بصورة خاصة وتوفر لهم احتياجاتهم. فكثيرا ما تتوقف علي كتمانهم وإخلاصهم راحة أسيادهم , فهم يؤتمنون علي أكثر الأخبار سرية . ولم يكن ليندر أن تخرب علاقات صداقة إلي الأبد من خلال فعل انتقامي لأحد هؤلاء الرسل . ومع ذلك لم يكن كل هذا العنت ليدفع إلا القليلين لتعلم الكتابة ليصبحوا مستقلين . ليست لكلمة " يرسل " في أي مكان ذلك المعني الكبير كما هو عندنا في ألمانيا .

كما أنها تذكر بعض العادات الخاصة بالنساء فتقول :

لم تكن السيدات القادمات جميعهن من المعارف والأصدقاء , علي العكس كانت الكثيرات منهن غريبات علي بيتنا تماما. أتي أغلبهن من عمان, وطننا الأصلي, من أجل طلب المساعدة المادية من أبي وحسب, والتي كن يحصلن عليها دائما تقريبا . كان وطننا مثل أبناء عشيرتنا هناك فقيرا, وقد بدأ رخاؤنا الشخصي منذ أن استولي والدنا علي زنجبار.


رغم أن القانون يمنع المرأة من أن تحادث على نحو ما رجلا غريبا , فإن ثمة استثناءين يسمحان لها بالظهور أمام الحاكم والقاضي . ولما كانت الكتابة غير معروفة كليا بالنسبة للآلاف المؤلفة , لم يبق أمام هاته الملتمسات إلا أن يحضرن بأنفسهن ويتحملن مشقة الرحلة من آسيا إلي أفريقيا .

تقدم لهن الهدايا هنا حسب مكانتهن وموقعهن , دون أن توجه إليهن الأسئلة عن مئات الأشياء التي يسأل المرء الفقراء عنها هنا في أوروبا . يحصل علي كل حاجته وما يستطيع المرء أن يعطيه . يفترض المرء هناك بوجه عام أن الإنسان المستقيم لا يتلقى مساعدة غريبة من أجل التسلية ".

وتسترسل في سرد بعض العادات الخاصة بالأسرة قائلة:

"في زاوية من الفناء تذبح المواشي بأعداد كبيرة وفي نفس الوقت تسلخ وتنظف , كل هذا سداً لحاجة بيتنا وحده , إذ يتوجب علي كل بيت هنا أن يوفر اللحوم لنفسه . في جانب بعيد يجلس زنوج لحق رؤوسهم . وإلي جانبهم يتمطى عدة رجال من السائقين , يريحون أعضاءهم الكسولة ولا يصغون لجميع النداءات لطلب الماء , حتى يأتي أحد الخصيان المهابين ليذكرهم بغلطة بواجبهم الذي لم يؤدوه . كثيراً ما كان هؤلاء الرجال يجرون بمجرد رؤية رئيسهم الصارم بجرارهم مسرعين فيثيرون ضحك الأخرين.

لا يظهر التمييز الاجتماعي بين الناس في الشرق في أية مناسبة بمثل الحدة التي يظهر فيها لدي تناول الطعام . فالمرء ودود ومحب لضيوفه تماماً مثلماً هي الحال لدي السادة الوجهاء هنا في هذه البلاد , وكثيراً ما يكون حتى أكثر تواضعاً , ولكن عند الطعام يفصل المرء نفسه عنهم بكل أدب . هذا تقليد عميق الجذور حتى أن أحداً لا يشعر بالإهانة الشخصية من جراء هذا الفصل . وقد وضعت السراري بينهن تراتبية أخرى . الشركسيات الجميلات الثمينات اللائي يعين قيمتهن لا يردن أن يتناولن الطعام مع الحبشيات اللائي لهن لون القهوة ، وهكذا كانت كل مجموعة عنصرية تتناول طعامها علي حدة وفق اتفاق معلن ، إلا أن لون البشرة لم يلعب بالنسبة للأطفال كما أشرت دورا في التمييز بالطبع .

ولأن الأخوة كثير والبيت يعج بالجنسيات المختلفة من الذكور والإناث فإن هناك عديداً من اللغات التي كان يرطن بها البعض في كثير من الأوقات ، وكان ذلك بالطبع من وراء الأب ، وفي ذلك تقول الأميرة : كان خليط اللغات في هذا المجتمع بالنسبة لنا نحن الأطفال في الواقع ، كان ينبغي الكلام بالعربية وحدها وفي حضور أبي جري الالتزام بذلك بصرامة. ولكن ما أن يذهب حتى تسود فوضي لغوية هائلة , فكان المرء يسمع عدا العربية الفارسية والتركية والشركسية والسواحيلية والنوبية والحبشية مختلطة ببعضها , بغض النظر عن اللهجات المختلفة لهذه اللغات . كانت أخواتنا اللائي في عروقهن دم حبشي يطلقن علينا نحن أطفال الشركسيات عادة " القطط " , لأن بعضنا كان له لسوء الحظ عينان زرقاوان . وكن يلقبننا بـ: " أصحاب السيادة " سخرية , وهو دليل علي عظم امتعاضهن من أننا ولدنا ببشرة بيضاء . ولم يغفرن لوالدي أبدا أن يكون قد اختار ابنتيه المفضلتين شريفة وخولة من أمهات شركسيات ـ من نسل القطط المكروهة.
وعن بعض زوجات أبيها تقول : كانت قد سكنت في الطابق الأول من هذا البيت ذات يوم , قبل سنوات طويلة شيزادة , زوجة شرعية ثانية لأبي, وهي أميرة فارسية ذات حسن يشرح الصدر. وقد روي عنها أنها كانت تميل إلي ما هو غريب , ولكن كانت تحب أولاد زوجها حباً عميقاًُ . وقد سكن في الطابق الأرضي مائة وخمسون فارساً , من الفرس بالطبع , هم حاشيتها الصغيرة . كانت تخرج معهم راكبة إلي الصيد في وضح النهار , وقد كان هذا أكثر مما ينبغي من وجهة النظر العربية .


أما ما يتعلق بالتربية البدنية قد كانت النساء الفارسيات يحصلن علي نوع من التربية السبارطية , إنهن يتمتعن بالحرية , وهن أكثر تحرراً من العربيات, ولكنهن أيضاً أكثر خشونة في التفكير والسلوك.
وكما يروى, كان بذخ شيزادة يفوق الوصف , كانت فساتينها (وكانت ترتدي دائماً موديلات فارسية) مطرزة بلآلئ من الأعلى حتى الأسفل فعلاً. وكانت خادماتها يجدن كمية غير قليلة من اللآلئ عند قيامهن بالتنظيف في الصباح كانت الأميرة ترفض استعادتها رفضاً قاطعاً. ولم تنهب خزينة أبي دون شعور بالمسئولية فقط , وإنما خرجت أيضاً علي بعض الوجبات لدينا. لقد تزوجت أبي الطيب لمقامه وثروته وحسب , بينما كانت تحب شخصاً أخر. وقد كاد أبي أن يرتكب خطأ قتلها في فورة غضب حين كانت قد عادت من واحدة من نزهاتها, هنا منعه سعيد النوبي المخلص من فعل متسرع. بعد هذا الحادث لم يكن ممكناً سوى الطلاق. ولحسن الحظ لم يكن لشيزادة أطفال. لاحقاً, بعد عدة سنوات , حين خاض أبي حرباً في بلاد فارس وكان له حظ الاستيلاء علي قلعة بندر عباس علي الخليج الفارسي. قيل أن شيزادة الجميلة شوهدت مع القطعات العسكرية, تصوب النار إلي أفراد عائلتنا . هنا في البيت السابق لتلك الأميرة بدأت أيضاً بتعلم الكتابة بنفسي بطريقة بدائية. وكان ينبغي أن يحدث ذلك سراً بالطبع , فلم يكن يسمح للنساء أن يحصلن علي دروس في الكتابة وإظهار معرفتهن بها. استرشدت بالقرآن وحاولت أن أقلد الحروف بدقة , بكتابتها علي عظمة.

خبر الوفاة
ثم تنتقل الأميرة سالمة بنت سعيد إلى روي ما يتعلق بوفاة أبيها والخلاف على العرش من بعده، فتقول:
لم يكن المرحوم رئيسا محبوبا لعائلته فقط , بل كان أيضا الأمير الأنقى ضميرا والأب الحقيقي لشعبه. وقد أظهر الحزن علي وفاته مقدار حب الشعب له. رفت علي جميع البيوت أعلام سوداء, ورفع حتى أكثر الأكواخ فقرا راية صغيرة سوداء. كانت التقاليد لدينا تقضي أن تحل المنازعات علي العرش أمام جثة الأب أو الأخ, منطلقين من أن الاحترام الطبيعي يساعد الوريث الشرعي عادة. لكن برغش أراد أن يفوز بالسلطة, وكان يعرف أن كل شيء سيكون في مثل هذه المفاوضات الاحتفالية من نصيب أخيه الأكبر ماجد فقرر أن يحبط مثل هذه النتيجة. اعتمد أكثر من ذلك علي القوة المكشوفة وخاصة علي مباغتة سريعة للناس الذين كان خبر الموت قد هزهم.

وقد احتفظ ماجد الذي كان ينوب عن أبي بعد وفاة خالد كما ذكرت بالعرش, وأعلن نفسه حاكما في الصباح التالي.

مأتمنا
ثم تصف الأميرة حال مأتم والدها قائلة :

كان مأتمنا مليئا بالشكليات . كان علينا جميعا صغارا وكبارا أن نخلع في البدء ثيابنا الثمينة, ونلبس بدلا منها الثياب القطنية السوداء البسيطة, ووجب استبدال الأقنعة المطرزة بأخرى بسيطة سوداء . جرى الابتعاد عن أي نوع من العطر والمسوحات , وإذا ما رشت أحداهن ثيابها المصبوغة بزيت الورد أو حتى قطرات من ماء الورد لإزالة رائحة الصبغة اعتبرت بلا قلب , أو ساءت سمعتها واعتبرت لعوبا . نام جميع الراشدين في الأيام الأولى علي الأقل ليس علي الأسرة , وإنما علي الأرض مباشرة كما ينام أبي , لا يجوز لأفراد عائلته إذا أرادوا أن يظهروا البر , أن يتمتعوا بهذه الراحة.

أرب جمـال 16 - 2 - 2010 10:12 PM

الجزء الثالث من مذكرات أميرة عربية .. خدعتني الحكومة الإنجليزية لتسيطر على أخي السلطان


http://www.shahro.com/vb/images/no.jpg

بموت السلطان سعيد والد الأميرة سالمة انتهت الأيام السعيدة في حياتهاخاصة أن والدتها قد رحلت بعده بقليل ، وساد في المملكتين " عمان وزنجبار " جو مشحون بالمؤامرات والاغتيالات بين الإخوة ، وتحكي سالمة في أسلوب دقيق ورشيق ومليء بالتفاصيل كيف دارت الحروب بين أخواتها ، وكيف تورطت شخصيا في الاشتراك في أهم مؤامرة للإطاحة بأخيها ماجد الذي تصفه بالرجل النيبل لصالح برغش أخيها أيضا والذي رفض عودتها لوطنها مع أطفالها الثلاثة بعد موت زوجها . ولنبدأ معها الجزء الثالث والأخير في عرض هذه المذكرات الهامة مع بداية الخلافات الأسرية فتقول :
بقيت قضية خلافة العرش غير محلولة . ولم يهتم ماجد الذي كان يمسك بزمام الأمور في زنجبار ما إذا كان ثويني الذي تسلم الحكم كاملا في عمان , راضيا بهذا التحديد غير الشرعي , ولم يعترف ثويني به كسلطان لزنجبار أبدا . جري التوصل بعد ذلك بوساطة إنكليزية إلي نوع من التسوية , يقوم ماجد بدفع مبلغ معين من المال سنويا لأخيه الأكبر . وقد التزم ماجد بهذا وقتا قصيرا فقط ثم أوقف الدفع , لأن هذا يمكن أن يعتبر نوعا من الإتاوة وينظر إليه كتابع لعمان . لم يكن ثويني قادرا علي فعل شيء إزاء هذا , وكان لديه في عمان نفسها نزاعات عليه أن يخوضها , ولم تكن إمكاناته المادية تكفي لمواجهة إمكانات حاكم زنجبار الغنية ومحاولة استعادة حقوقه بقوة السلاح . فأصبحت عمان وزنجبار ، منذ ذلك الوقت ومن غير نزاع رسمي يستند إلي عقد , مملكتين منفصلتين مستقلتين عن بعضهما البعض.
ولأن هذه المذكرات تستهدف تحديدا القاريء الأوروبي فقد حرصت الأميرة سالمة علي تناول موضوعات يدور حولها الكثير من اللغط في أوربا وأهمها مكانة المرأة العربية في الشرق وقضية الرق ، والتي تعتبرها سالمة أنها السلاح الذي سيطرت به أوروبا علي الشرق بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان المستعبد في الشرق ، وحول مكانة المرأة تقول :
أنا مقتنعة أن المرء هنا في ألمانيا سيعتبرني متحيزة لأنني شرقية الأصل ولن أنجح تماما في القضاء علي وجهات النظر المخطئة ، فلا يزال الشرق رغم سهولة الموصلات حاليا البلد الأسطوري القديم ن حيث يستطيع المرء أن يتحدث عنه بما يريد بغير عقاب، ويكتفي بتسجيل قصص تنتقل من فم إلي فم وتزداد تشويها من خلال ذلك ، لقد حدث معي الشيء ذاته فقد حكمت علي أوروبا من خلال المظاهر الخارجية ، حين رأيت الوجوه المشرقة في المجتمعات اعتقدت أن العلاقة بين الرجل والمرأة منظمة بصورة أفضل ، وأن الزيجات لابد أن تكون أكثر سعادة مما هي في الشرق المسلم ، إلا أنني عرفت أن حكمي هذا خطأ وأن الظاهر أعشي بصري ، لقد راقبت بعض العلاقات التي يسمونها زيجات ورأيتها لا تهدف إلا إلي تعريض الزوجيين المقيدين إلي بعضهما لعذاب الجحيم ، فليس الدين ولا الأعراف السائدة والرؤيا تجعل الزيجات سعيدة أو تعيسة حسب قناعتي ،إنه من الخطأ أن يعتقد المرء أن المجتمع في الشرق أقل احتراما للمرأة من الرجل ، فالزوجة مساوية للرجل من كل النواحي ، فهي تحتفظ بمرتبتها وبالحقوق التي تنتج عن ذلك بصورة كاملة ، وتتساءل سالمة هل يعامل الزوج في الغرب كشيء مقدس ؟ وتضيف أليس الحديث عن زوجة واحدة مجرد وهم غالبا ؟
وتكمل : لا يجوز للمسيحي بالطبع أن يتزوج بأكثر من واحدة بدعوى أن القانون المسيحي يريد ما هو طيب وصحيح بينما يسمح القانون الإسلامي بما هو سيء ، ولكن العادة المتبعة والأوضاع القائمة تخفف في الشرق من حدة عواقب القانون ، بينما تطغي الخطيئة هنا بكثرة رغم القانون .
وتمضي الأميرة سالمة في عرض سريع لطبيعة العلاقات الاجتماعية في الدول العربية في ذلك العهد مقارنة بالحياة الأوروبية التي تعيشها فترصد طريقة تربية الأطفال وعلاقة الرجل العربي بزوجاته وجواريه وكذلك الزيارات التي تقوم بها العربيات بعضهن لبعض وأزياء المرأة في المنزل وأثناء المناسبات الخاصة وحين الخروج إلي الشارع ، كما أنها تتحدث بالتفصيل عن صوم المسلمين في رمضان واحتفالات الأعياد وأنواع الطعام الذي يتم إعداده في كل مناسبة سواء عيد الفطر أو الأضحى وتنوع العبادات وطرق أداء الصلوات .
وحول الرق تفرد الأميرة سالمة فصلا تراه مثيرا للنقاش فتقول : أعرف أنني لن أكسب أصدقاء كثيرين من خلال وجهة نظري فيه ، أننا هنا لسنا أمام مجرد مساع إنسانية من جانب الأوروبيين وإنما تختفي وراء ذلك مصالح سياسية ، ولا عجب أن يشعر العرب بالريبة الشديدة إزاء الأوروبيين ، فهم يرون أن إلغاء العبودية يهدف إلي تدميرهم والإضرار بالإسلام ، كما أنهم يتوقعون من الإنجليز خططا غادرة .
وهنا نصل إلي الجزء الهام من هذه المذكرات والتي أثارات فيه الأميرة السؤال الهام ؛ كيف جرؤت فتاة عربية في القرن التاسع عشر علي الهروب من بلدها خاصة أنها أميرة ؟ وكيف استطاعت التخلي عن اسمها ودينها ولقبها وتسافر في مغامرة غير مأمونة العواقب لبلد آخر لا تتقن لغته ؟ ودعونا لانفرط في الأسئلة بل ننصت إلي ما قالته الأميرة سالمة في هذا الجزء الأخير من مذكراتها .
في هذا الزمن المقبض حيث ساد الكدر والشقاق في عائلتنا شعرت بالسعادة من خلال حبي لشاب ألماني كان يقيم في زنجبار كممثل لبيت تجاري من هامبورج . كثيرا ما وصل إلي الإعلام عرض غير صحيح للأحداث ذات الأهمية الخاصة لي , التي ارتبطت بهذا , لذا أحس بالحاجة إلي أن أتحدث عن الموضوع بكل ارتباطاته باختصار . تمتع الأوروبيون في ظل حكومة أخي ماجد بمكانة محترمة جدا . كانوا ضيوفا ، مرحبا بهم في بيته وفي مزارعه ، وكانوا يصادفون في كل مناسبة ترحيبا ملحوظا . وقد كانت تربطنا أنا وأختي خولة علاقات صداقة مع أوروبيي زنجبار , عبرت عن نفسها في بعض الهدايا الصغيرة , كما تسمح به عادات البلاد . وحين كانت الأوروبيات يأتين إلي زنجبار كن يزرننا غالبا أنا وخولة فقط . تعرفت علي زوجي المقبل بعد انتقالي من بيت يقع بجوار بيته , وكان سطح بيته أوطأ من سطح بيتي , وكثيرا ما شاهدت من أحد شبابيك الطابق الأعلى مجالس الرجال .
البهيجة التي كان ينظمها من أجل أن يريني وجبات الطعام الأوروبية . شاع في المدينة بعد وقت قصير أمر صداقتنا التي تحولت مع الزمن إلي حب عميق , وعرف بها أخي ماجد أيضا . لم يبد لذلك إزائي أي عداء أو يسجنني كما روت الأساطير .
بالطبع شعرت بالرغبة في مغادرة وطني سرا حيث لم يمكن الارتباط بالحبيب علي الإطلاق . أخفقت المحاولة الأولي بهذا الصدد . ولكن تهيأت لي بعد وقت قصير فرصة أفضل . من خلال وساطة زوجة الطبيب الإنكليزية ونائب القنصل يومذاك السيدة س. , والتي كانت صديقة لي , اصطحبني ذات ليلة قائد السفينة الحربية البريطانية " هاي فلاير " السيد ب. في قارب . حين وصلت إلي ظهر السفينة , انطلقت في الحال متجهة إلي الشمال . وصلنا سالمين إلي عدن ؛ هدف رحلتنا . نزلت هنا عند زوجين أسبانيين كنت أعرفهما من زنجبار , وانتظرت بصبر حتى وصل خطيبي الذي كان يحتاج إلي بضعة أشهر لينظم شئونه في زنجبار إلي عدن أيضا .
تلقيت خلال تلك الفترة دروسا في تعاليم الديانة المسيحية . وقد جرى تعميدي الذي حصلت خلاله علي اسم اميلي , في الكنيسة البريطانية في عدن وبعده مباشرة عقد قراننا وفق الطقوس الإنكليزية . حين انتهت الاحتفالات أخذنا السفينة مرور بمارسيليا إلي همبورج , مسقط رأس زوجي , حيث استقبلنا والداه وأقاربه أفضل استقبال . اعتدت بعد وقت قصير الأوضاع الغريبة علي وتعلمت بحماس كل ما هو ضروري لحياتي الجديدة . وقد تابع زوجي الذي لا أنساه بحيوية المراحل المختلفة من تطوري , وشعر بفرح خاص وهو يلاحظ الانطباعات الأولي التي تشكلت لدي عن الحياة الأوروبية وعادات العالم المتحضر .
لم تدم حياتنا السعيدة الراضية طويلاً , فقد مضي علي انتقالنا إلي همبورج أكثر من ثلاث سنوات حين تعرض زوجي الحبيب لحادث إذ سقط من عربة الخيول ودهس . وفارق الحياة بعد ثلاثة أيام من الآلام المبرحة . وجدت نفسي وحيدة في العالم الكبير الغريب مع ثلاثة أطفال صغار عمر أصغرهم ثلاثة أشهر فقط . فكرت طيلة من الزمن أن أعود إلي بلادي , لكن القدر أراد أن يموت أخي ماجد أيضاً الذي كان طيباً معي , بعد شهرين من تلك الضربة الكبيرة . لم يمس خطيبي بعد سفري قيد شعرة وتركه يصفي أعماله في زنجبار دون عائق . ولم يضغن علي فيما بعد بسبب هروبي سراً بأية صورة ، ولقد آمن كمسلم ورع بإرادة الله وكان مقتنعاً أنها هي التي قادتني إلى ألمانيا . وقد قدم لي دليلاً مؤثراً على استمرار شعوره الأخوي قبل وفاته بوقت قصير ، إذ حمل سفينة بخارية بأشياء من كل الأنواع ، وطلب تسليمها إلىّ في هامبورج كهدية ، وكانت السفينة لا تزال في طريقها حين فارق المعطي الكريم الحياة فجأة . لم أستلم أياً من الأشياء التي أرسلت إليّ ، ولم أكن قد عرفت في ذلك الوقت بوجه عام عن نية ماجد النبيل ، ولم أسمع إلا لاحقاً أن نيته الطيبة أحبطت وأنني خدعت . لقد نشرت إشاعة في هامبورج بأن السفينة وصلت إلى الميناء من أجل إصلاحها فقط . بعد تسع سنوات روى لي صديق شاهد سفينة ماجد في جبل طارق وتحدث إلى قبطانها بأن الحمولة كانت مخصصة لي ، وقد وجد أفراد طاقم السفينة الطريق إلى بيتي في هامبورج . وقد كان الرجال المساكين سعداء جداً لأنهم نجحوا في ذلك وأظهروا لي بطريق مؤثرة تعلقهم بي. عشت سنتين أخريين في هامبورج ، وقد تبعني سوء الحظ هنا باستمرار . خسرت بسبب خطأ الغير جزءاً مهماً من ثروتي وكان علي الآن أن أدير شئوني بنفسي . كرهت الإقامة في موضع سعادتي العائلية السابقة ، سيما وأن بعض الأوساط في تلك المدينة الساحلية لم تراعني كثيراً كما توقعت .
بقيت على اتصال مع وطني عبر تبادل الرسائل ، ولم أتخل أبداً عن الأمل في أن أراه ثانية . إلا أن عناد أخي برغش جعل كل تقارب حتى الآن غير ممكن ، ولم يكن سبب عدم استعداده للمصالحة التطرف بأية حال من الأحوال ، ولكنه العناد والحقد اللئيم ، فلم يستطع أن يغفر لي أبداً أنني كنت قد استعدت العلاقة الودية مع خصمه السابق ماجد ، لكن شوقي إلى أحبائي في الوطن البعيد لم يتضاءل بسبب ذلك ، وقد أملت سراً في مصالحتهم .

صائد الأفكار 6 - 3 - 2010 12:28 AM

شكرا لك على الافادة والطرح


يسلمو كثيرررررر

لي عودة,,,

أبو جمال 19 - 3 - 2010 02:52 PM

مشكورة


الساعة الآن 11:33 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى