الآن أفزع في الليل وحدي ..
طالتني كآبة الاغتراب , وبت متيقنًا أن ما أنا عليه لن يتركني سُدى ..
أتذكر يوم قولتيها إياك و الحنين ,, إياك و قسوته حين تدب بعروقه هرمونات ذكورته فيأتيك من حيث يشاء ...
ستنام الليل وحيدًا , طريدا , كئيبا ,, ملعونا ,, متململًا. .. تلعن الحاضر و تبكي على ما فات , و تخش الآتي ,,
ثمة غرباء بأحضان أوطانهم , وأيتام ما زالوا يلعقون الحليب من أثداء أمهاتهم , وأصنام ما زالت رغم التطور تُعبد إلى حين .
أي منطق يا أنت أتى بك إلى هنا ,,
حيث لم تتمنى أبدا ,, ولم تسعَّ مطلقًا ..
وحيث لم يكن بمقدورك أن تعيدها بعدما عكرت صفو طفولتك و أرغمتك طوال عِقد مضى أن تحاول التأقلم وإعادة الترتيب لِعقدٍ أول , لوثه أيضا عامان غربة .
صرت مفصولًا .... كالسمكة حين يخرجونها من واديها و يضعونها في " حوض زينة " وبعد عامين يعيدونها إلى نهرها مرة أخرى ,,
لم تكن ناضجة بالقدر الذي يجعلها تحتفظ في أدراج عقلها بما قبل الاختطاف ,, ولم تكن صغيرة بالقدر الذي يجعلها لا تتذكر وتبدأ كل شيء من جديد .. اختطفوها قبل أن تتشكل كاملة .
كذلك أنت ,,
اغتربت قبل أن تتم العشرة الأولى ,, قبل أن يكتمل نموك الاجتماعي ,, ووضعوك في بيئة أخرى .. تحارب وحدك كل شيء متناقض . .
كل شيء لم يكن حسب ما تعودت , لم يكن حسب ما تربيت وكنت ترى ,, ومن ثم أعادوك إلى واديك ,, أعادوك بعد عامين .
إذًا أنت مُتأخر عن أقرانك بعامين كاملين ,, فمن الطبيعي أن يسبقوك !
الآن عُدت ..
لكنك بالنضج الذي جعلك تسخط على كل شيء ,, و تتذكر كل شيء ,,
يا صديقتي ..
أخبرنا نجيب محفوظ أن " آفة حارتنا النسيان " .. وأخبرتكِ أن آفتي أنني لا أنسى !