منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   إيليا أبو ماضي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=14113)

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:28 AM

[frame="8 98"]
وقفت ضحى في شاطيء النيل وقفة يضنّ بها إلاّ على النيل شاعره
تهلّل حتى يبدو ضميره و عبّس حتى كاد يشكل ظاهره
فثمّ جلال يملأ النفس هيبة و ثمّ جلال يملأ العين باهره
فطورا أجيل الطرف في صفحاته و طورا أجيل الطرف فيما يجاوره
و ألحظ شمس الأفق و هي مطله تساير فيها ظلّها إذ تسايره
فأحسبها فيه تساهمني و تحسبني فيها الغرام أشاطره
إذا هي ألقت في حواشيه نورها رأى التبر يجري في حواشيه ناظره
أطالت به لاتحديق حتى كأنّما تحاول منه أن تبين سرائره
فيا لهما إلفين باتا بعزل يخامرها من حبّه ما يخامره
يروح النسيم الرّطب في جنباته يداعبه طورا و طورا يحاوره
و تقبض من مبسوطه نفحاته كما قبض الثوب المطرّز ناشره
فيصدف عنه و هو مقطب كأنّ عدوّا بالنسيم يحاذرة
كأنّي به تدانت سطوره أوائله قد شكّلت و أواخره
إذا ما جلا للناظرين رموزه تجلّى لهم ماضي الزمان و حاضره
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا لعلّ شفاء النفس ما أنت ذاكره
حيالك صبّ بالخطوب مهدّد جوانحه رهن الهموم و خاطره
أطاع شجونا لو أطاع فؤاده عليها لفاضت بالنجيع محاجره
يحثّ إليّ الدهر كلّ رزيئة على عجل حتى كأنّي واتره
و ما أنا بالعبد الذي يرهب العصا و لكنّني حرّ تروع بوادره
أيا نيل فامنحني على الحقّ قوّة فما سوّد الضرغام إلاّ أظافره
و هبني بأسا يسكن الدهر عنده فقد طالما جاشت عليّ مناخره
إذا لم تكن عون الشجيّ على الأسى فخاذله فيه سواء و ناصره
قني البأس وامنع شعبك الضّعف يتّقي و ينصفه من حسّاده من يناكره
هو الدهر من ضدّين ذلّ و عزّة فمن ذلّ شاكيه و من عزّ شاكره
و للقادر الماضي العزيمة حلوة و للعاجز الواهي الشكيمة حازره
و ما للناس إلا القادرون على العلى و ليست صنوف الطير إلاّ كواسر
ألم تره منذ استلينت قناته تمشّت
فأرهق حتى ما يبين كلامه و قيّد حتى ليس تسري خواطره
و لو ملكوا الأقدار استغفر الذي له الملك يؤتيه الذي هو آثره
لما تركوا شمس النهار يزوره سناها ، و لا زهر النجوم تسامره
يريدون أن يبقى و يذهب مجده و كيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟
فغورست في مصر يسدّد سهمه إليه و قنّاص الوحوش يضافره
يلجّون في إعناته فإذا شكا يصيحون أنّ الشعب قد ثار ثائره
لقد هزأوا لما تنّبه بعضه فلم ذعروا لما تنبّه سائره ؟
يقولون جان لا يحلّ فكاكه و لو أنصفوه حمل الإثم أسره
عجبت لقوم ينكرون شعوره و هاتا مجاليه و تلك مظاهره
ألم يك في يوم القناة ثباته دليلا على أن ليس توهى مرائره ؟
يعزّ على المصريّ أن يحمل الأذى و حاضره يأبى الهوان و غابره
لئن تك للتاريخ و الله زينة فما زينة التاريخ إلاّ مفاخره
رعى الله من أبنائه من يذود عن حماه ، و من أضيافه من يظاهره
هم بعثوا فيّ الحياة جديده فشدت أواخيه و عزّت أواصره
و هم أسمعوا الأيّام صوتا كأنّما هو الرعد تدوي في السماء زماجره
و هم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت مكبلة أقلامه و محابره
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصرا فلن يعدم المظلوم حرا يناصره

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:28 AM

[frame="9 98"]
لا تسل أين الهوى و الكوثر سكت الشّادي وبحّ الوتر
فجأة ...وانقلب العرس إلى مأتم ...ماذا جرى ؟ ...ما الخبر ؟
ماجت الدّار بمن فيها ، كما ماج نهر ثائر منكدر
كلّهم مستفسر صاحبه كلّهم يؤذيه من يستفسر
همس الموت بهم همسته إنّ همس الموت ريح صرصر
فإذا الحيرة في أحداقهم كيفما مالوا و أنّى نظروا
علموا ...يا ليتهم ما علموا أنّ دنيا من رؤى تحتضر !
و الذي أطربهم عن قدرة بات لا يقوى و لا يقتدر
يبس الضحك على أفواههم فهو كالسخر و إن لم يسخروا
و إذا الآسي ...يد مخذوله و محيّا ، اليأس فيه أصفر
شاع في الدّار الأسى حتّى شكت أرضها و طأته و الجدر
فعلى الأضواء منه فتره و على الألوان منه أثر
و القناني صور باهته و الأغاني عالم مندثر
ألهنا أفلت من أيديهم و الأماني .. ؟ .. إنّها تنتحر
ذبحت أفراح في لمحة قوّة تجني و لا تعتذر
تقلع النّبت الذي تغرسه و الشّذا فيه ، و فيه الثمر
إعبثي ما شئت يا دنيا بنا و تحكّم ما تشاء يا قدر
إن نكن زهرا فما أمجدنا أو نكن شوكا فهذا الخطر
فلنعش في الأرض زهرا و ليطل أجل الشّوك الذي لا يزهر
...

رحل الشاعر عن دار الأذى و انقضت معه الليالي الغرر
كم حوته و حواها ملكا دولة الروح التي لا تقهر
عاش لا ينكر إلاّ ذاته إنّ حبّ الذات شيء منكر
شاعر ، أعجب معنى صاغه للبرايا ... موته المبتكر
الجمال الحقّ ما يعبده و الجمال الزّور ما لا يبصر
و الحديث الصفو ما ينشره و الحديث السوء ما يختصر
إنّه كان " ملاكا " بشرا فمضى عنّا الملاك البشر
و نفوس الخلق إمّا طينة لا سنا فيها و إمّا جوهر
...

يا رفيقي ! ما بلغت المنتهى ليست الحدّ الأخير الحفر
فاعبر النهر إلى ذاك الحمى حيث " جبران " العميد الأكبر
" و رشيد " نغمة شادية " و نسيب" نغم مستبشر
" و جميلب " فكرة هائمة " و أمين " أمل مخضوضر
قل لهم إنّا غدونا بعدهم لا حديث طيّب ، لا سمر
كسماء ليس فيها أنجم أو كروض ليس فيه زهر
كلّنا منتظر ساعته و المصير الحقّ ما ننتظر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:29 AM

[frame="10 98"]
قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى علم و أغمد صارم بتّار
فتوشّت صور المنى و تناثرت كالزّهر بدّد شملها الإعصار
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء لمّا تولّى ذلك الجبّار
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما قد غاب عنها جحفل جرّار
و بكت " فلسطين " به قيدومها إنّ الرزايا بالكبار كبار
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا شرفت خلائقه و طاب نجار
...

لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس كالنجم لم تعلق به الأوضار
و مشى المشيب برأسه فإذا به كالحقل فيه الزهر و الأثمار
و تطاولت أعوامه ، فإذا به كالطود فيه صلابة ووقار
ترتدّ عنه العاصفات كليلة ويزلّ عنه العارض المدرارا
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن إنّ الكريم على الأذى صبّار
صقلت مكافحة الشدائد نفسه و الروض تجلو حسنة الأمطار
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى إقدامه ، إذ للفتى أوطار
يتهيّب الفجّار صدق يقينه و برأيه يسترشد الأحرار
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى كاللّيث ريع فما له استقرار
و يجشّم النفس المخاطر هادئا كيلا تلمّ بقومه الأخطار
حتى استقرّ به الردى في حفرة و خلا ، لغير جواده ، المضمار
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره تطويه في عرض الثرى أشبار !
...

أيّار مذكور بحسن صنيعه ولئن تولّى وانقضى أيّار
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم " تسبغ عليك ثناءها الأمصار
إنّ السنين كقليلها إن لم تزن صفحاتها الآثار
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى برد الشبيبة كالجمال معار
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد فلقد يجيء غد و أنت غبار
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى و لغيرك الآصال و الأسحار
من ليس يفتح للنهار جفونه هيهات يكحل مقلتيه نهار
...

واحبب بلادك مثل " موسى كاظم " حبّا به الإخلاص و الإيثار
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر إن اتّجارك بالمواطن عار
ودع المنافق لا تثق بعهوده وطن المنافق فضّة و نضار
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده آل ، و خير هباته الأعذار
يدنو إليك بوجهه متودّدا و فؤاده بك هازيء سخّار
هو حين يجري مع هواه خائن و إذا سمت أخلاقه سمسار
كم معشر خلناهم أنصارنا فإذا هم لعداتنا أنصار
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى ألصاحب المتذبذب الخوّار
وحذار أشراك السياسة إنّها بنت أبوها الزئبق الفرّار
فيها من الرقطاء ناقع سمّها و لها نيوب الذئب و الأظفار
ترد المناهل و هي ماء سائغ و تعود عنها و المناهل نار
ألكذب و التمويه خير صفاتها و شعارها أن لا يدوم شعار
لا تطلبنّ من السياسة رحمة هي حيث طلّ دم و حلّ دمار
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم فالصيد أنت و لحمك المختار
يا قومنا !.. إنّ العدوّ ببابكم بئس المغير على البلاد الجار
و له بأرضكم طماعة أشعب و رواغه ، و لكيده استمرار
لا ترقدوا عنه فليس براقد أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟
إنّ الطيور تذود عن أوكارها أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
سيروا على آثار موسى و اعملوا إن شئتم أن لا تضيع ديار
زوروا ثراه قوّة منه فكم أحيا الهوى التذكار
قبر يفوح الطيب من جنباته قبر الكريم خميلة معطار
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة أرجت كأنّ حجارة أزهار

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:30 AM

[frame="6 98"]
لم يبرح الروض فيه الماء و الزهر و لم يزل في السماء الشمس و القمر
لكنها الآن في أذهاننا صور شوهاء لا القلب يهواها و لا النظر
قد انطوى حسنها لمّا انطوى الشاعر

*

قل للمغنّي الذي قد غصّ بالنغم إنّي نظيرك قد خان الكلام فمي
و مثل ما بك بي من شدّة الألم أما العزاء فشيء زال كالحلم
كيف السبيل إلى خمر و لا عاصر !

*

مضى الذي كان في البلوى يعزّينا و كان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا
و يسكب السّحر أنغاما و يسقينا مضى " نسيب " النبيّ المصطفى فينا
و صار جسما رميما في يد القابر

*

كم جاءنا في اللّيالي السود بالألق و بالندى من حواشي القفر و العبق
و بالأغاني و ما من صادح لبق و إنّما هو سحر الحبر و الورق
السحر باق و لكن قد مضى الساحر !

*

كالشمس يسترها عند المسا الغسق و نورها في رحاب الأرض منطلق
تذوي الورود و يبقى بعدها العبق حتى لمن قطفوا منها و من سرقوا
كم عالم غابر في عالم حاضر

*

إن كان مات " نسيب " كالملايين من العبيد الموالي و السلاطين
فالحيّ في هذه الدنيا إلى حين لكن نسيب إلى كلّ الأحايين
و إن نأى و سما للعالم الطاهر

*

لسوف يرجع عطرا في الرياحين أو نسمة تتهادى في البساتين
أو بسمة في ثغور الخرّد العين فالموت ما هدّ إلاّ هيكل الطين
لا تحزنوا فنسيب غائب حاضر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:31 AM

[frame="5 98"]
آه من الحبّ كلّه عبر عندي منه الدموع و السهر
وويح صرعى الغرام إنّهم موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا
يمشون في الأرض ليس يأخذهم زهو و لا في خدودهم صعر
لو ولج الناس في سرائرهم هانت ، و ربّي ، عليهم سقر
ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا عهدا ، و لا مالا و لا غدروا
قد حملوا الهون غير ما سأم لولا الهوى للهوان ما صبروا
لم يبق منّي الضّنى سوى شبح يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
أمسي و سادي مشابها كبدي كلاهما النار فيه تستعر
أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة مثلي فيه القتاد و الإبر
لعلّ طيفا من هند يطرقني فعند هند عن شقوتي خبر
ما بال هند عليّ غاضبة ما شاب فودي و ليس بي كبر
ما زلت غضّ الشباب لا وهن يا هند في عزمتي و لا خور
لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا أن يفسدوا بيننا و قد قدروا
واها لأيّامنا ... أراجعة ؟ فانّهن الحجول و الغرر
أيّام لا الدهر قابض يده عنّي ، و لا هند قلبها حجر
***

لم أنس ليلا سهرته معها تحنو علينا الأفنان و الشجر
غفرت ذنب النّوى بزورتها ذنب النوى باللقاء يغتفر
بتنا عن الراصدين يكتمنا الأسودان : الظلام و الشعر
ثلاثة للسرور ما رقدوا أنا و أخت المهاة و القمر
فما لهذي النجوم ساهية ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ ...
إن كان صبح الجبين روّعها فإنّ ليل الشعور معتكر
أو انتظام العقود أغضبها فإنّ درّ الكلام منتثر
و ما لتلك الغصون مطرقة كأنّها للسلام تختصر
تبكي كأنّ الزمان أرهقها عسرا ، و لكن دموعها الثمر
طورا على الأرض تنثني مرحا و تارة في الفضاء تشتجر
فأجلفت هند عند رؤيتها و قد تروع الجآذر الصور
هيفاء لو لم تلن معاطفها عند التثنّي خشيت تنكسر
من اللّواتي – و لا شبيه لها – يزينهنّ ادلال و الخفر
في كل عضو و كل جارحة معنى جديد للحسن مبتكر
تبيت زهر النجوم طامعة لو أنّها فوق نحرها درر
رخيمة الصوت إن شدت لفتت لها الدّراري و أنصت السحر
أبثّها الوجد و هي لاهية أذهلها الحبّ فهي تفتكر
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا و ما أثمنا و لا بنا وزر
فابتدرت هند و هي ضاحكة : ماذا علينا و إن هم كثروا
فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا و استشعروا الحبّ مثلما عذروا
ما جحد الحبّ غير جاهله أيجحد الشمس من له بصر ؟
ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا و لا تلمهم فما هم بشر !
سرنا الهويناء ما بنا تعب و قد سكتنا و ما بنا حصر
لكنّ فرط الهيام أسكرنا و قبلنا العاشقون كم سكروا
فقل لمن يكثر الظنون بنا ما كان إلاّ الحديث و النظر
حتّى رأيت النجوم آفلة و كاد قلب الظلام ينفطر
ودّعتها و الفؤاد مضطرب أكفكف الدمع و هو ينهمر
وودّعتني و من محاجرها فوق العقيق الجمان ينحدر
قد أضحك الدهر ما بكيت له كأنّما البين عنده وطر
كانت ليالي ما بها كدر و الآن أمست و كلّها كدر
إن نفد الدمع من تذكّها فجادها بعد أدمعي المطر
عسى اللّيالي تدري جنايتها على قتيل الهوى فتعتذر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:31 AM

[frame="8 98"]
سلام عليها طفلة و فتيّة كزهر الربى البسّام باكره القطر
كعاب تلاقى الحسن و الفضل عندها كما يلتقي في الصفحة السّطر و السطر
لها صولة الأبطال إن حمس الوغى و فيها حياء البكر عمّا به وزر
و فيها من الشيخ الحكيم وقارة و فيها من الخود الملاحة و الطهر
ألا إنّ حسنا لا يرافقه النّهى و إن دام يوما لا يدوم له قدر
....

هي الروض فيه النبت و الندّ و الندى و فيه الشوادي المطرباتك و الزهر
هي الشمس تبدو كل يوم جديدة يروح بها ليل و يأتي بها فجر
لكلّ فتاة خدرها و سوارها و لكنّ هذي كلّ قلب لها خدر
يريد سناها الطيّ و النشر رونقا و يخلق حتّى المصحف الطيّ و النشر
أنيس الفتى إن غاب عنه أنيسه و أنجمه إن غابت الأنجم الزهر
و سفر تلذّ المرء محتوياته إذا لم يكن في البيت ناس و لا سفر
إذا رضيت فالنور في كلماتها و إن غضبت فهي الأسنّة و الجمر
و في كلّ حرب يعقد الحقّ فوقها أكاليل نصر يشتهي مثلها البدر
و لا غرو إن عزّت وهان خصومها فللحقّ مهما جعجع الباطل ، النصر
فكم مرجف أغراه فيها سكوتها فلمّا أهابت كاد يقتله الذعر
و كم كاشح غاو أراد بها الأذى ثنى طرفه عنها و في نفسه الضرّ
لها في ربوع الشرق جيش عرمرم و أعوانها في الغرب ليس لهم حصر
و لو كان في المرّيخ أرض و أمّة لكان لها في أرضه عسكر مجر
لتسحب ذيول الفخر تيها فوحدها يحقّ لها ما بين أترابها الفخر
و لا غرو إن أهدى لها الشعر وحيه فيا طالما سارت و سار بها الشهر
و لا غرو إن صغنا لها النثر حلية " ففي عنق الحسناء يستحسن الدرّ "
و إن يكن الأحرار من نصرائها فكم نصر الأحرار صاحبها الحرّ
أديب عفيف قلبه و يراعه بغيض إليه الطيش و الفيش و الهجر
ثمان و عشر و هو يخدم قومه ألا حبّذا تلك الثّمانيّ و العشر
ففي العسر لم يجهر بشكوى لسانه و في اليسر لم يلعب بأعطافه الكبر
وشرّ المزايا أن يصيبك حادث و تجهر بالشكوى و في وسعك الصّبر
أهذا كمن يمسي و يضحي معربدا و قدّمه طبل و من خلفه زمر ؟
أهذا كمغتاب يروح و يغتدي و في نطفة شرّ و في صمته شرّ ؟
أهذا كمفطور على الشرّ و الأذى أحاديثه نكر و أعماله نكر ؟
أهذا كأفعى همّها نفث سمّها و نهش الذي تلقى و لو أنّه صخر
أكمن إلى الوزر عامدا و يضحك مختالا إذا مسّه الوزر ؟
أهذا الذي قد حارب المكر جهده كمن شاب فوداه و ديدنه المكر ؟
إذا الدهر لم يعرف لكلّ مكانه إذن قل لأهل الدهر قد فسد الدهر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:32 AM

[frame="6 98"]
عندي لكم نبأ عجيب شيّق سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة و مضت ، فأكملت الحديث صخوره :
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى مرخيّة فوق العباب ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامه و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه فسها ، فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته ، و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله و بشيره ، و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب إلّا الذي لك قبلنا تدبيره

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:33 AM

[frame="1 98"]
" أيّار " ، يا شاعر الشهور و بسمة الحبّ في الدهور
و خالق الزهر في الروابي و خالق العطر في الزهور
و باعث الماء ذا خرير و موجد السحر في الخرير
و غاسل الأفق و الدراري و الأرض بالنور و العبير
لقد كسوت الثّرى لباسا أجمل عندي من الحرير
ما فيك قرّ و لا هجير ذهبت بالقرّ و الهجير
فلا ثلوج على الروابي و لا غمام على البدور
أتيت فالكون مهرجان من اللّذاذات و الحبور
أيقظت في الأنفس الأماني و الابتسامات في الثغور
و كدت تحيي الموتى البوالي و تنبت العشب في الصخور
و تجعل الشوك ذا أريج و تجعل الصخر ذا شعور
فأينما سرت صوت بشرى و كيفما ملت طيف نور
تشكو إليك الشتاء نفسي و ما جناه من الشرور
كم لذّع الزّمهرير جلدي و دبّ حتى إلى ضميري
فلذت بالصوف أتّقيه فاخترق الصوف كالحرير
و كم ليال جلست وحدي منقبض الصدر كالأسير
يهتزّ مع أنملي كتابي و يرجف الحبر في السطور
تعول فيها الرياح حولي كنائحات على أمير
و الغيث يهمي بلا انقطاع ، و الرعد مستتبع الزئير
و اللّيل محلولك الحواشي و صامت البدء و الأخير
و الشهب مرتاعة كطير مختبئات من الصقور
في غرفتي موقد صغير لله من موقدي الصغير !
يكاد ينقدّ جانباه من شدّة الغيظ لا السعير
لولا لظاه رقصت فيها بغير دفّ على سريري
و ساعة وجهها صفيق كأنّه وجه مستعير
أبطأ في السير عقرباها فأبطأ الوقت في المسير
حتّى كأنّ الزمان أعمى يمشي على الشوك في الوعور
كنّا طوينا المنى و قلنا : ما للأماني من نشور
فلو يزور الصدور حلم عرّج منها على قبور
لقد تولّى الشتاء عنّا فصفّقي ، يا منى و طيري !

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:34 AM

[frame="2 98"]
تأمّل في أمسه الدابر فكاد يجنّ من الحاضر
أهاج التذكّر أشجانه و كم للسعادة من ذاكر .
فتى كان أنعم من جاهل فأصبح أتعس من شاعر
أضاع الغنى و أضاع الصحاب و ربّ مريض بلا زائر
و يا طالما أحدقوا بالفتى كما تحدق الجند بالظافر
فلما انقضى مجده أعرضوا و ما الناس إلا مع القادر
و ما الناس إلا عبيد القوي فكن ذاك أو كن بلا شاكر
أشدّ من الدهر مكرا بنوه فويل لمن ليس بالماكر
فكن بينهم خاتلا غادرا و لا تشتك الغدر من غادر
تعيس تعانقه النائبات عناق الحبائل للطائر
كثير الهموم بلا ناصر كسير الفؤاد بلا جابر
قضى ليله ساهيا ساهرا إلى كوكب مثله ساهر
يفتّش عن آفل في الثّرى و ما كان في الأفق بالسافر
و تالله يجدي فتى بائسا كلام المنجّم و الساحر
و لمّا تولّت دراري السماء و غاب الهلال عن الناظر
بكى ، ثمّ صاح أحتّى النجوم تصدّ عن الرجل العاثر ؟
إلى م أعاند هذا الزمان عناد السفينة للزاجر
و أدعو و ما ثمّ من سامع ، و أشكو ، و لكن إلى ساخر
و أرجو الوفاء و تأبى النفوس و أنّى الولادة للعاقر
سئمت الحياة فليت الحمام يعيد إلى أصله سائري
فتنطلق النّفس من سجنها و يسجن تحت الثّرى ظاهري
وزاد سواد الدّجى يأسه وقد كاد يسفر عن باهر
فشاء التخلّص من دهره الخؤون ، و من عيشه الحازر
فأغمد في صدره مديه أشدّ مضاء من الباتر
و كم مثله قد قضى نحبه شهيد التّأمل في الغابر

[/frame]

صائد الأفكار 19 - 2 - 2011 02:35 AM

[frame="6 98"]
هات اسقني بالقدح الكبير صفراء لون الذهب المصهور
كأنّها في كؤوس البلّور شعلة نار في بقايا نور
*

عجبت للكأس التي تحويها كيف استقرّت و الحياة فيها
لو لم يدرها بيننا ساقيها دارت على القوم بلا مدير
*

هات اسقنيها مثل عين الديك صافية تنهض بالصّعلوك
حتّى يرى التّيه على الملوك و لا يبالي سطوة الأمير
*

بنت الدّوالي ضرّة الرضاب أخت التّصافي زوجة السحاب
أنت ، و إن لام الورى شرابي في الخالدين : القرّ و الهجير
*

أشربها بل أشرب الإكسيرا تخلق في شاربها السّرورا
فقل لمن يحسبها غرورا ما العيش إلاّ ساعة الغرور

[/frame]



الساعة الآن 12:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى