منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الشعر والأدب العالمي المترجم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=127)
-   -   كتاب : الأخوة الزائفة - جاك تنيّ (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=3877)

المُنـى 1 - 2 - 2010 02:48 AM

الفصل التاسع
حجر الزاوية في سياسة أمريكا الخارجية
كانت الحرب العالمية الثانية، من عدة وجوه، مجرد استمرار للحرب العالمية الأولى التي انتهت بالهدنة في 11 نوفمبر 1918. وقد ظل الصهاينة طيلة سنوات الحرب، من 1939 إلى 1945، يعملون بدون توقف لإحياء عصبة أمم قوية عند نهاية الحرب، وتحت اسم جديد. وقد أوجدت الأمم المتحدة(1)، منذ البداية تقريباً، كوكالة تنسيق بين الحلفاء. وكان المؤتمر اليهودي العالمي قد بدأ يبذل جهوده وموارده للضغط على المسؤولين الأمريكيين لإرساء أساس المنظمة العالمية الجديدة، منذ بداية الحرب. ويقال أن كلمة (الأمم المتحدة) قد اخترعها الرئيس روزفلت سنة 1941 كتعريف للبلدان المحاربة ضد (المحور).
وقد صرح وزيرا خارجية أمريكا، (دين أتشسون) و(جون فوستر دالاس) بأن الأمم المتحدة هي (حجر الزاوية) في سياسة أمريكا الخارجية. لذا أصبح من الأهمية القصوى فهم هذا البناء العالمي الدولي. ويمكن فهمه على أحسن وجه إذا حللنا شخصيات ومقاصد الذين دعوا إليه وشجعوا على إيجاده.
في لقاء طهران أثناء الحرب، بين روزفلت وستالين، أعلن الرئيسان قائلين: (إننا متأكدون من أن اتفاقنا سيؤدي إلى سلام دائم، وإننا نعترف بالمسؤولية القصوى الملقاة على عاتقنا وعلى عاتق جميع الأمم المتحدة لخلق سلام يوجه الإرادة الخيرة للجماهير من شعوب العالم، ويزيل بلاء الحرب ورعبها طيلة أجيال عديدة قادمة).
كانت العبقرية الخبيثة التي أبدعت الأمم المتحدة هي عبقرية (ألجر هيس)، عضو جهاز التجسس السوفييتي في حكومة الولايات المتحدة، الذي أصبح أول أمين عام والمسؤول التنفيذي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة. وكان هيس يحافظ دائماً على اتصاله مع (هاري ديكستر وايت) الذي دبر وسير المؤتمر المالي والنقدي للأمم المتحدة، الذي انعقد في يوليو 1944. وقد عين ترومان (وايت) مديراً للصندوق، وكان (وايت) الأمين التنفيذي لمؤتمر (دومبارتون أوكس)، وأكثر مستشاري روزفلت تأثيراً على مؤتمر (يالطا). وقد نظم كذلك مؤتمر سان فرانسيسكو، واختار سراً معظم شخصيات جهاز أمانة الأمم المتحدة ـ رشح نحو 500 شخص لهذه الوظائف.
كان الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة ينادي منذ زمن بعيد، داعياً لخلق أمن جماعي ترعاه حكومة عالمية اشتراكية البنيان، وبالطبع، عندما يتحدث الحزب الشيوعي الأمريكي، تعبر كلماته، إن لم يكن صوته، عن مشاعر يهود خزر الروس. وقد انكشفت يهودية الحزب الشيوعي الأمريكي عند محاكمة (يوجين دينس) ورفاقه الأحد عشر الذي كانوا يشكلون الأمانة الوطنية للحزب، فقد كان من بينهم ستة من اليهود، واثنان من الزنوج، وثلاثة مجهولون. وقد سمح لإيرل براودر بأن يكون (واجهة) اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي الأمريكي حتى جاء من موسكو قرار بتغيير الخط الدولي العام للحزب، وتمت تصفية براودر. وقد سجل براودر في كتابه الدعائي (النصر وما بعده) الفكرة الشيوعية الداعية لإقامة (الأمم المتحدة). فأعلن عميل موسكو الأمريكي قائلاً: (إن الاتحاد السوفييتي الآن عضو يقابل الآن بالترحيب في الأمم المتحدة، والسبب الواضح لذلك هو أن الجيش الأحمر والشعب السوفييتي يخوضون المعركة من أجلنا، مضحين بملايين الأرواح في أروع كفاح شهده التاريخ كله. ونحن الأمريكيين نعلم كلنا بأنه لولا محالفة الاتحاد السوفييتي لكنا في أسوأ حال. ولولا الاتحاد السوفييتي لما وجدت الأمم المتحدة اليوم.. والدلائل تتضاعف يومياً على أن الشعب الأمريكي يزداد شغفاً بالاتحاد السوفييتي، حتى أنه بدأ يتفهمه.. إن أعظم قوتين في الأمم هنا الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.. وعندما كان الاثنان بعيدين عن بعضهما، ظل تكوين الأمم المتحدة أمراً مستحيلاً، ولكن سرعان ما أنشئت الأمم المتحدة عندما أرسى البلدان علاقة تعاون فيما بينهما. ويمكن القول، بدون مبالغة، إن ازدياد تقارب العلاقات بين أمتنا والاتحاد السوفييتي شرط ضروري للأمم المتحدة كتحالف عالمي. وعندما تبنى هذه العلاقات على أساس متين يمكن حل جميع المشاكل بأدنى صعوبة..).
(إننا لا نعمل على بناء الأمم المتحدة بشكل راسخ متين عندما نسمح بأن يسيطر على تفكير الأمة الاعتقاد بأن (المصادفة) أو أمراً سحرياً هو الذي أدى إلى تحالفنا مع الاتحاد السوفييتي أو حقق الإنجازات السوفييتية العظيمة لنا.. إن علينا أن نفهم الإنجازات العظيمة للاتحاد السوفييتي في الحرب على أنها نتاج تحضير طويل وبطولي شاق، أعد لهذا اليوم، الذي يتحمل فيه، مع الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وجميع الأمم المتحدة، العبء الرئيسي للقتال من أجل مستقبل الإنسانية).
إن هذا الدفاع الشيوعي عن الأمم المتحدة، المصوغ بأسلوب ماركس الجدلي، يكشف بوضوح مبدأ (التورط) الذي أوقع فيه ساسة الولايات المتحدة التافهون بلدهم.. والآن تتضح النتيجة المفجعة لتوريط الولايات المتحدة في (الأمم المتحدة اليهودية ـ الشيوعية).
كان المؤتمر اليهودي العالمي مهتماً بشكل خاص بخلق منظمة أمن عالمية جديدة، ذات فعالية قوية تكفي لتطبيق النظام الدولي الجديد الذي تخيله وفكر فيه المؤتمر. وطالب الصهاينة (باستعادة الحقوق الشرعية لليهود) وإلغاء (كل التشريعات المعادية لليهود) في جميع أنحاء العالم. وطالبوا بأن يخضع (وضع اليهود والجاليات اليهودية للقوانين الدولية) ووصلوا إلى حد المطالبة بأن لا يسمح لأي أمة بالعضوية أو مواصلة عضوية النظام العالمي ما لم (تقبل بهذه الشروط والقوانين وتقدم تأكيدات باستعدادها لتطبيقها).
وحالما انفض (مؤتمر طوارئ الحرب) اتجهت الإدارة السياسية للمؤتمر اليهودي العالمي ومعهد الشؤون اليهودية لصياغة مقترحات (دومبارتون أوكس)، وعكف الدكتور موريس بيرلوزيغ (الذي ترأس الإدارة السياسية) على شن حملة للضغط على حكومات معينة في الأمم المتحدة لوضع مطالب اليهودية في مقترحاتها الرسمية. فكان من الضرورة المطلقة، في نظر قادة اليهودية، أن يدعم ويصون ميثاق (الدولة العالمية) الجديدة قوانين (معاهدات الأقليات)، التي فرضتها عصبة الأمم بجهود لجنة الوفود اليهودية والمؤتمر اليهودي العالمي.
وطالب المؤتمر اليهودي العالمي، بلغة مناسبة، أن تتحد مؤهلات العضوية في المنظمة الدولية الجديدة، حسب اتجاه الأمة المتقدمة لهذه العضوية نحو اليهود المقيمين داخل حدودها ! وكانت مسودة المقترحات قد جعلت صفة (الدولة المحبة للسلام) هي المؤهل الوحيد للعضوية. وكان من المتوقع أن يخول مجلس الأمن والجمعية العامة سلطات واسعة توكل للمنظمتين تحديد مدى انطباق صفة الدولة المحبة للسلام على البلد، حسب قوانينها إزاء اليهود.
وعن طريق الاتصالات مع واشنطن، تم إقناع وزارة خارجية الولايات المتحدة (لدعوة) المؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية، ولجنة العمال اليهودية لترشيح ممثلين عنها للعمل كمستشارين للوفد الأمريكي في مؤتمر سن فرانسيسكو للأمم المتحدة.
وقد ترأس وفد المؤتمر اليهودي العالمي الدكتور موسى بيرلزويغ والدكتور يعقوب روبنسون. وترأس ناحوم جولدمان وستيفن وايز وفد الوكالة اليهودية. ووقع ستيفن وايز المذكرة اليهودية المشتركة التي قدمت لمؤتمر الأمم المتحدة حول (المنظمة العالمية). وقد انتقدت المذكرة مقترحات (دومبارتون أوكس) لإخفاقها في تقديم وسائل لحماية ووقاية الحقوق الإنسانية (اليهودية)، وأعلنت المذكرة بأن (الحماية تتضمن التزامات قوية من جانب الدول المعنية، لأن الالتزامات المفصلة والموضحة تماماً هي وحدها التي يمكن ضمانها أو خرقها).
وبهذا التآمر والتدبير الصهيوني لتدمير سيادة أمم العالم، خططوا لاستغلال القوة العسكرية المجتمعة للأمم كلها، لفرض وضعهم الخاص وإسكات أية أمة تجرؤ على مقاومتهم. وقد أكدت المذكرة أن الحرب العالمية الثانية لم تبدأ عندما هاجمت ألمانيا بولندا، وإنما بدأت فعلاً عندما سنت ألمانيا تشريعات ضد اليهود. ولذلك طالبت المذكرة بتعديل (اقتراحات دومبارتون أوكس) بإلغاء عبارة (تشجيع احترام الحقوق الإنسانية) واستبدالها بعبارة (حماية الحقوق الإنسانية). وطالب اليهود بأن يكون تطبيق ذلك من وظيفة مجلس الأمن، أما إذا أوكل الأمر إلى المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي، فيجب أن يخول هذا المجلس سلطة مناسبة لتنفيذ قوانينه، وطالبت المذكرة اليهودية، بالإضافة لذلك، بإنشاء (لجنة حقوق وحرية الإنسان).
وقد دعت مقترحات (دومبارتون أوكس) لإنشاء (محكمة العدل الدولية)، فطالب اليهود بأن توكل إلى هذه المحكمة مهمة معالجة الحالات التي تخرق فيها الحقوق والحريات الإنسانية، إذا لم يتحقق الحل المطلوب بإجراءات يوصي بها مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي.
وكذلك لفتت المذكرة الانتباه إلى مطالب اليهودية العالمية في فلسطين ـ وبذلك دلت على مدى استخفافها (بالحقوق الإنسانية والحريات الإنسانية) للعرب. وأعلنت المذكرة بوقاحة أن تغيير الوضع في فلسطين لتصبح مكان تجمع لليهود (كان ذا أهمية أساسية لمستقبل الشعب اليهودي كله).
وفي العاشر من مايو 1945 قدمت اللجنة المشتركة للمؤتمر اليهودي مذكرة جديدة. وقد حذفت منها ذريعة (الحقوق الإنسانية والحرية الإنسانية)، وتحدثت المقترحات العشرة، المضمنة في المذكرة، بصراحة تامة عن مطالب اليهود. ونقدم فيما يلي هذه المطالب العشرة، لأن الأمم المتحدة إنما قامت من أجلها:
إعلان ميثاق حقوق الإنسان العالمية.
استعادة يهود أوروبا الفورية لجميع حقوقهم التي ضمنت لهم سابقاً حسب التشريعات العالمية والمعاهدات الدولية.
المعاقبة على الجرائم التي ارتكبتها قوى المحور وعملاؤها، في أي زمان ومكان، ضد الشعب اليهودي.
تحريم معاداة السامية، سواء كانت سياسة قومية أو دولية.
مساعدة الأمم المتحدة لإغاثة وإعادة توطين اليهود حسب حاجاتهم وعلى أساس المساواة الكاملة.
إلغاء الجنسية.
تعويض اليهود، أفراداً وجماعات، عن الخسائر التي ألحقها بهم المحور، وتعويض الشعب اليهودي عن الأضرار العامة.
تقديم الوكالات الحكومية وغير الحكومية المساعدات لإعادة توطين اليهود الذين طردوا من ديارهم.
فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية بدون تقييد، وإعادة بنائها كجامعة يهودية حرة وديمقراطية.
اعتراف الأمم المتحدة بعدالة المطالب اليهودية في تمثيلها، بهدف تقديم المشورة والتعاون، في الوكالات التي أقامتها أو ستقيمها الأمم المتحدة، لمعالجة مشاكل الإغاثة وإعادة الاستيطان، والاستقرار، وغير ذلك من مشاكل إعادة التعمير لما بعد الحرب.
ورغم الضغط الشديد، من داخل وخارج الأمم المتحدة، أسقط (الميثاق) فرض وحماية حقوق الإنسان (اليهودي). ولو حدث مثل ذلك الاعتداء الصفيق على سيادة الأمم لأدى ذلك ربما إلى إفشال الخطة كلها. ومع ذلك، وجد اليهود عزاء في نصوص المادة الأولى، الفقرة الثالثة، من الميثاق، حيث أعلنت أن من أحد أهداف الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي في الدعوة إلى تشجيع وصون حقوق الإنسان والحريات الرئيسية. وتعهدت المادتان 55و56 بأن تقوم الأمم الأعضاء (بعمل مشترك ومنفصل، بالتعاون مع المنظمة) من أجل تعزيز (الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والمحافظة عليها). وتخول المادة 62 المنظمة حق تكوين (لجنة) لحماية حقوق الإنسانية.
ولكن (الاحترام) إنما هو اتجاه وصفة تكتسبان دائماً ولا تشتريان أو تفرضان. وكلمة (احترام)، حسب استخدامها في الميثاق، مغلوطة، واليهودية المنظمة تعرف أكثر من غيرها، أن جيوش العالم كلها لا تستطيع فرض (احترام) أحقر الناس لهم. والواقع أن اليهود يظلون قانعين راضين طالما ظلوا يسيطرون ويستغلون الشعوب التي يقيمون بينها، مع اكتساب حصانة من الانتقام والرد، وهذا هو هدف اليهودية من الحكومة العالمية، وكذلك هي غايتهم التي يسعون لتحقيقها.
ورغم مشاركة الدهماء لليهود في دفع الأمم المتحدة لاستغلال الشعوب، فقد وجدت أسباب عملية أوقفتهم عن جعل الأمم المتحدة الحكومة العالمية القوية التي مازالوا مصممين عليها. فالغزو الشديد لسيادة الولايات المتحدة، مثلاً، ربما يولد تمرداً عند النواب المحبين للحرية، يجعل مصير ميثاق الأمم المتحدة كمصير عصبة الأمم. وعندما تتورط القوى الكبرى في العالم، يمكن تقوية الميثاق، والفقدان التدريجي للسيادة والحرية، حتى في الولايات المتحدة، سيتم دون أن يلاحظ أحد، إلى أن يفوت الأوان كثيراً ويصعب التصرف حيال ذلك. ومن هنا جاءت المادة الثانية، الفقرة السابعة لتقول: (لا يحق لشيء في الميثاق أن يخول الأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي هي أساساً ضمن اختصاص التشريع المحلي لأية دولة، أو أن يطلب من الأعضاء أن تخضع هذه الأمور للتسوية حسب شروط الميثاق). ومع ذلك فقد وضع استثناء لهذا المبدأ لفرض الإجراءات التي يقررها مجلس الأمن ضد التهديد بخرق السلام، وضد الأعمال العدوانية. وبالطبع، تستطيع محكمة العدل الدولية دائماً أن تحكم بأي (قضية محلية لأي دولة) تمثل فعلاً (تهديداً أو خرقاً للسلام)، بحيث يمكن للجيوش الدولية أن تنزل وتستولي على البلد. وفي نفس الوقت يبدو ذلك على الورق شيئاً جميلاً، ولكن الأهم من ذلك أنه نفذ فعلاً(2).
ويستخدم اليهود كلمة (تفسير) كأداة لتدمير النصوص الدستورية، وهي عادة أداة غسل الدماغ. ويمكن أن يتم الأمر بإصدار تشريعات من جانب قضاة يستغلهم اليهود. وقد بدأ التحضير فعلاً لإعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة. فهذا رينيه بروني (يفسر) المادتين 56و62 على أنهما تعنيان بأن (كل القضايا) التي تهتم بحماية حقوق الإنسان قد أزالها الميثاق من مجال اختصاص الحكومة بشكل منفرد، ووضعها تحت الحماية المباشرة للأمم المتحدة، وبالتالي لم تعد أية حكومة تسلم من تدخل الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
لقد نظرت اليهودية المنظمة نظرة إعجاب للأمم المتحدة كأعظم إنجاز دولي هام من إنجازات اليهودية. وإذا كان الميثاق قد ترك بعض القضايا القليلة التي تتمنى اليهودية أن يعالجها. فإنها مقتنعة بأن الميثاق سيلبي أعظم أمانيها. وكانت تلك هي نقطة البداية التي يمكن لليهودية المنظمة منها أن تفرض إرادتها على العالم. ويمكن لليهودية المنظمة الآن أن تنفذ بنجاح أي نشاط سياسي دون تدخل أحد، لأن أية أمة ترفع يدها مدافعة عن نفسها يمكن أن تتهم حالاً بمعاداة السامية وخرق حقوق الإنسان.
عندما تأسست (لجنة حقوق الإنسان) سنة 1946، لم يكن الصهاينة موجودين رسمياً في المجلس، لكنهم لعبوا دوراً هاماً في إقامة اللجنة، لأن الفكرة كانت فكرتهم هم في المقام الأول. وفي ديسمبر 1946 دعي إلى الأمم المتحدة الدكتور (يعقوب روبنسون)، الذي كتب مقالات دعائية حول الموضوع، (للعمل كمستشار خاص) لأول دورة للجنة. وكان الدكتور روبنسون هو الذي أعد ملخصاً لمسودة (الميثاق الدولي للحقوق الإنسانية). وفي دورة اللجنة فيما بين 9و29 يونيو 1947، قدم المؤتمر اليهودي العالمي مذكرة موقعة من الدكتور بيرلزويغ حول الميثاق المقترح. ونظراً لطول الوقت اللازم لغسل دماغ الخمسة والخمسين أمة المشاركة في الأمم المتحدة، طالب الصهاينة بأن تفرض الأمم المتحدة (فترة انتظار) لإجبار كل الأمم الأعضاء على إقرار (المساواة أمام القانون لكل السكان) في كل بلد. وطالبت المذكرة بالطبع بأن يكون لهذا التشريع مخالب قوية، وأن يكون (للأشخاص أو الجماعات المتظلمة) الحق في تخطي حكوماتهم والتقدم مباشرة لرفع شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان.
وقدم اليهود مذكرة أخرى تكرر مطالب المذكرة الأولى وتدعي هذه المرة أن (المساواة) غير كافية !! فقد أعلن اليهود أن اليهودية العالمية لا تقنع بمجرد (عدم التمييز)، بل وتريد الاعتراف دولياً بوضعها الثنائي الخاص، لكي يمكن لليهود أن يتولوا المراكز العامة ويشتركوا في الحرف.. إلخ، في كل دول العالم ! وطلبوا أكثر من ذلك، حرية الكلام والصحافة إلى حد لا يستطيع معه أحد أن يتحدث أو يكتب منتقداً اليهود ونشاطهم !
وفي 21 نوفمبر 1947 تبنت الجمعية العامة قراراً يجعل الإبادة الجماعية جريمة دولية تتحمل مسؤوليتها الأفراد والدول على حد سواء.
وفي أثناء المؤتمر الذي عقد حول الإبادة الجماعية في الدورة السادسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 2 نوفمبر 1948، قدم الدكتور (كوبوتزكي) و(ماركوس) مذكرة تلخص مطالب اليهود. وقد ضربا المثل بمقاومة العرب للغزو اليهودي لبلادهم، كمثال (للإبادة الجماعية) الموجودة حاليا في العالم ! وبالإضافة للمطالب السابقة للحد من حرية الكلام والصحافة، طلب اليهود هذه المرة أن تلتزم الدول الأعضاء بحل المنظمات التي تشن حملات نقد على اليهود، وطرد جميع المسؤولين والمواطنين الذين يشاركون في مثل تلك النشاطات. وتمثلت قمة المطالب الوقحة في تسليم الأشخاص المتهمين بالقتل الجماعي لمحاكمتهم أمام المحكمة الدولية !
وفي 6 إبريل 1948 كان الدكتور ماركوس هو الممثل الوحيد للمنظمات غير الحكومية الذي ظهر أمام (لجنة أدهول) التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في (بحيرة النجاح). وفي هذه المرة أضاف للمطالب اليهودية السابقة، مقترحات تهدف إلى حرمان الأشخاص المتهمين بالإبادة الجماعية من حق الدفاع عن النفس أو الدفاع الوطني، أي حرمانهم من الحقوق المعترف بها عالمياً !
لم يكن العالم في أي وقت خالياً من المنطق إلى هذا الحد ! فلم يحدث في تاريخ العالم أن طالبت جماعة من الناس بمثل ما طلبه اليهود، بينما لم يقدموا هم للبشرية إلا القليل جداً. ورغم غرابة وقاحة اليهود في سلوكهم، فالأغرب من ذلك هو بلادة ساسة العالم. وقد كانت مشاركة الولايات المتحدة في هذه الأنشطة العدائية عاملاً على الوصول إلى حد مدهش من التدهور. فتعريض الدستور وميثاق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة إلى الخطر، في مغامرة دولية مع قوم من الحمقى، يعتبر خيانة لكل التقاليد الأمريكية.
وقد سعى اليهود، تحت ستار الاهتمام بالأشخاص الفاقدين لجنسياتهم، إلى فرض هجرة يهودية غير محددة على شعوب العالم. ومن أجل هذا المشروع الخادع، وجه الدكتور ماركوس في 14 فبراير 1948، خطاباً إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقال أن هناك عدداً كبيراً من الأفراد الذين حرموا من جنسياتهم واعتبرتهم كل البلدان أعداء وغرباء. ورأى الدكتور ماركوس ورفاقه اليهود أنه ليس لأمة أن يكون لها الحق التشريعي في سن القوانين والنظم الخاصة بالجنسية وإسقاطها.. وطالب الأمم المتحدة بأن تصدر جوازات سفر وأن تضمن لليهود حق العيش في أي بلد، دون أن يخضعوا لنظام أو قاعدة محلية، في حين تكون لهم نفس حقوق ومزايا المواطنين المحليين الذي ولدوا في ذلك البلد !!
لم يكن ممثلو المؤتمر اليهودي العالمي وغيره من المنظمات اليهودية ـ الساعين كلهم لغاية واحدة ـ إلا مسيرين من اليهود الذين يحتلون رسمياً مراكز هامة في منظمة الأمم المتحدة. فقد كانت أمانة المؤتمر يهودية في غالبيتها المطلقة(3).
كان من نتيجة الحرب العالمية الثانية أن أصبح الاتحاد السوفييتي قوة عالمية، وكسب ملياراً من الرعايا الجدد وقطعة من أوروبا، وأقيم وطن للصهاينة في فلسطين على حساب العرب، وأضعفت أوروبا، وسيقت الولايات المتحدة داخل فلك عصبة الأمم تحت اسمها الجديد ـ الأمم المتحدة. وبالإضافة لذلك، حطمت الحرب الامبراطورية البريطانية، ودفعت الولايات المتحدة للقيام بدور استعماري عالمي، وتهيأ المسرح لحرب عالمية ثالثة، ربما تكون آخر حرب عظمى !
ليست الحكومة العالمية مجرد حركة يمكن فهمها وإيقافها، بل هي إعلان فريد عن هجوم ضار عميق الجذور، ذكي وحاقد، موجه ضد أسس الحضارة والدين وربما يمكن لها أن تنجح في طمس شمس الحرية وإخماد الثقافة الدينية لعدة أجيال قادمة. وتكمن قوتها في إغراء ادعاءاتها، وجهل المؤمنين الجدد بها. والملاحظ أن أنصارها يحرصون على كتم أنفاس أعدائهم وعدم وصول أصواتهم، ومما يزيد في فعالية ذلك سيطرة اليهود على وسائل الإعلام والاتصال. ومن الصعب مهاجمة أساليبهم الخادعة للدهماء والمذللة للجماهير.. ولكن الحقيقة تظل غالباً مدفونة في أعماق خفية أو نصف مستترة. وينجح فن الدعاية في تلوين أفكار الناس، وتقوم الحواجز الذهنية الغريبة بسد الطرق أمام المنافذ المؤدية إلى الحقائق المخبأة. ولابد، قبل تطويق القوى الخبيثة التي تحيك المؤامرات ضد الحرية، لابد أن نعرف هذه القوى ونكشفها.
(1) ـ كان قرار (مؤتمر الحزب الطارئ للمؤتمر اليهودي العالمي) الداعي لإنشاء نظام عالمي جديد، في نوفمبر 1942، يستهدف الأمم المتحدة، وذلك قبل أشهر من انعقاد (مؤتمر سان فرانسيسكو). صحيح أن لقاء (دمبارتون اوكس) عبر عن رغبة أشخاص معنيين في إنعاش عصبة الأمم، لكنه لم يوجد تعبير واضح يبين أي طموح من هذا القبيل عند الشعب الأمريكي.

(2) ـ ربما من المفيد أن نتمعن في قراءة هذا الكلام في الزمن الذي نحن فيه مطلع الألفية الثالثة حيث أصبح الكثير من التطلعات اليهودية التي يشير إليها المؤلف أمراً واقعاً. (مركز الشرق العربي).

(3) ـ من اليهود الذين كانوا يحتلون وقتذاك المراكز الرسمية: الدكتور بلوك، رئيس قسم التسلح والتنفيذ، وانطوان جولدت، المدير العام لإدارة الشؤون الاقتصادية، وانسغر روزنبرغ، المستشار الخاص لإدارة الشؤون الاقتصادية، وديفيد ونتراوب، مدير قسم التوازن الاقتصادي والتنمية، وكارل لاكمان، المستشار المالي الأول، وهنري لانغلر، الأمين العام المساعد لإدارة الشؤون الاجتماعية ، والدكتور ليون ستينغ، من قسم المخدرات، والدكتور شويلب، المدير المساعد لقسم حقوق الإنسان، ويستشاف، من قسم التحليل والأبحاث الرئيسية بإدارة الوصاية على المناطق غير المستقلة، وبنيامين كوهين، الأمين العام المساعد لإدارة المعلومات العامة، وبنوات ليفي، مدير المعلومات المرئية والأشرطة (الأفلام)، والدكتور ايفانو كيرنو، الأمين العام المساعد المسؤول عن الإدارة القانونية، ومارك سريبر، المستشار القانوني لقسم التنمية وتبويب القانون الدولي، وديفيد زبلودسكي، مدير قسم الطباعة، وجورج رابينفتش، مدير الترجمة.. وغيرهم الكثير.

يتبع

المُنـى 1 - 2 - 2010 02:49 AM

الفصل العاشر
سيادة قانون إسرائيل
(يجب أن يسود قانون صهيون)
(يجب أن ينبع القانون من صهيون)
((عن الفكر الصهيوني، تمخضت دولة إنسانية،
وعن الفكر الصهيوني، تمخض المجتمع العظيم
في الشرق الأوسط (إسرائيل) ))
من خطاب جون ف. هننج، وكيل وزارة العمل، ألقاه أمام الهداسا صحيفة (لوس أنجلز تايمز) بتاريخ18/8/1965
بدأ اليهود في فلسطين سنة 1946 شن حملة إرهابية عنيفة ومركزة ضد الإدارة البريطانية، ونفذت عمليات الاغتيال وإلقاء القنابل والأعمال الإجرامية بشكل منظم، بينما واصل المتحدثون باسم العرب احتجاجهم على الهجرة اليهودية وأصدر الملوك والرؤساء العرب بيانات مشتركة في يناير من تلك السنة يعلنون فيها أن فلسطين بلد عربي، يؤكدون عزمهم على بذل الجهود لمساعدة العرب الفلسطينيين ودعمهم.
وفي 29 مارس أوصت (اللجنة الأنجلو أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين) في تقريرها، بالإجماع، بوجوب إصدار مائة ألف شهادة هجرة ليهود أوروبا بحيث تستخدم غالبيتها سنة 1946، وأوصى التقرير بمواصلة الانتداب البريطاني حتى يتم الاتفاق على تنفيذ وصايا الأمم المتحدة على فلسطين، بحجة أن (أي محاولة لإقامة حكومة فلسطينية أو حكومات فلسطينية مستقلة، سينتج عنها صراع مدني يمكن أن يهدد السلام العالمي).
وأعلن كلمنت أتلي (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) في أول مايو أن تنفيذ بريطانيا للتقرير سيعتمد أولاً على (الحد الذي تكون الولايات المتحدة عنده مستعدة للمشاركة في المسؤوليات العسكرية والمالية الناتجة عن ذلك). ولكن البلدان العربية رفضت بالإجماع توصيات التقرير.
وقام يهود فلسطين، بالتشجيع والدعم اليهودي الخارجي، بتصعيد أنشطتهم الإرهابية الحاقدة. وكان اليهود يشنون كل يوم هجمات على المطارات ومحطات الرادار والمراكز العسكرية. وحطموا خطوط ومحطات السكك الحديدية، ونسفوا الطرق، وحتى السفن في ميناء حيفا. واستولى اليهود على بعض المصارف. وفي 22 من يوليو قامت منظمة (زافي ليومي) الإرهابية بنسف جزء من فندق الملك داود(1) في القدس، وكان مركز رئاسة الإدارة البريطانية في فلسطين والقيادة العسكرية. وقد قتل في العملية واحد وتسعون بريطانياً وجرح خمسة وأربعون.
وفي أول يوليو اقترح هيربرت موريسون إصدار المائة ألف شهادة هجرة، شريطة أن تقسم فلسطين إلى منطقتين، عربية ويهودية، وأن يبقى جزء من القدس وجزء من النقب، وكذلك السيادة العامة في البلد، في يدي المندوب السامي البريطاني، الذي يظل مسؤولاً أيضاً عن الدفاع والعلاقات الخارجية والجمارك والضرائب. ولكن الوكالة اليهودية واللجنة العربية وفضتا المقترحات وقاطعتا مؤتمر فلسطين الذي افتتح في لندن في التاسع من إبريل.
وتواصلت الهجرة اليهودية غير الشرعية، وبلغت في يوليو حداً كبيراً. وفي 12 أغسطس نفد صبر بريطانيا وأعلنت أنها لم تعد (تتحمل هذه المحاولة الرامية لفرض سياسة جديدة في فلسطين). وبعد ذلك أخذت تبعد اليهود الذين يحاولون دخول البلد بشكل غير شرعي، وترسلهم إلى معسكرات في قبرص.
وفي نفس الوقت كان الصهاينة الأمريكيون ينشطون في واشنطن. فأبرق هاري ترومان إلى أتلي رافضاً خطة موريسون، وحث على السرعة في إصدار المائة ألف شهادة، على أساس اقتراح الوكالة اليهودية في خلق (دولة يهودية تدير قضية المهاجرين والسياسة الاقتصادية، وتكون في منطقة مناسبة من فلسطين، بدلاً من فلسطين كلها).
وفي الثامن من يوليو اعتقل البريطانيون ثمانية من الأعضاء القياديين في الوكالة اليهودية بفلسطين، واحتجزوهم في معسكر (اللطرون). وسرعان ما أصدر المؤتمر اليهودي العالمي قراراً يندد فيه بالاعتقال على أنه اعتداء على الشعب اليهودي بكامله، وجريمة ضد القانون الدولي !
وفي أول يوليو 1946 عبرت صحيفة (المصري) اليومية التي كانت تصدر بالقاهرة، عن مشاعر العرب والمرارة التي تصاعدت منذ ذلك الحين، فقالت الصحيفة: (إن هناك في الولايات المتحدة مستعمرة أمريكية، وقد جعل اليهود لأنفسهم قوة في الميدان السياسي، فيستطيعون التأثير بنفوذهم على البيت الأبيض، وعندما تحيط الشخصيات اليهودية، من أمثال الحبر وايز، وبروخ، ومورجان ثوا، بالرئيس الأمريكي، فإن الصهيونية تضمن وقوفه في صفها، بل إن قبضتها قوية لا فكاك منها.. لقد فقد العرب أملهم في عدالة الرئيس الأمريكي ومجلس الشيوخ والصحافة الأمريكية..).
كانت استراتيجية الصهيونية واضحة: فقد كان اليهود يعتقدون بأن أعمال العنف والإرهاب المتواصلة ضد البريطانيين في فلسطين، مع الدعم اليهودي لهم في كافة أنحاء العالم، ستؤدي إلى استسلام البريطانيين للضغط اليهودي داخل الحكومة، وإحالة القضية الفلسطينية برمتها إلى الأمم المتحدة.. وهذا ما حدث تماماً.
أصبحت الأرض المقدسة معسكراً حربياً. فصعدت عصابة شتيرن وإرهابيو أرغون زافي ليومي الهجمات على القوات والشرطة البريطانية، واغتيل اللورد مايني، الحاكم البريطاني. وقام جيش اليهود السري (الهاجانا) بتنظيم الهجرة اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، رغم المحاولات البريطانية لإرجاع اليهود المهاجرين إلى فلسطين بطريقة غير شرعية.
وتم خلال سنة 1947 وضع 24 ألف يهودي في قبرص. وفي يوليو عمد الإرهابيون اليهود إلى شنق اثنين من العسكريين البريطانيين برتبة رقيب، وربطوا الجثتين بالمتفجرات التي انفجرت عندما أنزلت الجثتان.
وفي 15 مايو 1947 ظهر في مجلة (هيرالد تربيون) الأمريكية إعلان من صفحة كاملة، يتوسل إلى الأمريكيين لتقديم التبرعات كي يتمكن السفاحون اليهود من مواصلة أعمال الرعب في فلسطين. وقال الإعلان مخاطباً الإرهابيين الصهاينة في فلسطين: (إن يهود أمريكا معكم.. وكلما نسفتم مخزن سلاح بريطاني أو دمرتم سجناً بريطانياً، أو نسفتم قطاراً بريطانياً ليتطاير في السماء، أو نهبتم مصرفاً بريطانياً، أو هاجمتم ببنادقكم وقنابلكم المخادعين البريطانيين الذي غزوا بلدكم، فإن يهود أمريكا سيحتفلون بذلك في قلوبهم). وقد وقع الإعلان (بن هيشت) بصفته مساعد رئيس الجامعة الأمريكية لفلسطين الحرة.
وقدم المجلس اليهودي العالمي مذكرة إلى الولايات المتحدة في 6 أغسطس 1947 يطالب بدولة يهودية في فلسطين. وادعى المجلس بأنه يمثل العناصر المهاجرة، وكذلك المنظمات اليهودية في كافة أنحاء العالم.
عمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في اجتماعها بنيويورك، إلى تكوين لجنة لمناقشة المشكلة وطلب انتزاع فلسطين من العرب وإعطائها لليهود. وعندما جرى التصويت في الجمعية العامة في التاسع والعشرين من أغسطس، نجح الاقتراح، الداعي لإقامة دولة يهودية وأخرى عربية، مع تدويل القدس بأغلبية 33 صوتاً مقابل 13 صوتاً، مع امتناع عشرة عن التصويت وغياب مندوب واحد.
إنه لم يحدث قط في تاريخ العالم أن قامت مجموعة من الأجانب بالتصويت على انتزاع بلد من سكانه الشرعيين وإعطائه لغاز معتد. فرح اليهود لذلك، ولكن العرب شعروا بالمرارة، فانفجرت أعمال العنف مجدداً في فلسطين، وقتل الكثير من اليهود والعرب.
وفي فبراير 1948، قام المؤتمر اليهودي العالمي بتجنيد وحشد طاقات اليهود الأمريكيين لشر الدعاية المؤثرة على الشعب الأمريكي لدعم تصرف الأمم المتحدة غير الأخلاقي. وقد تم، في سياق هذه الحملة، جمع 160 ألف توقيع على بيان موجه إلى نورمان آرمر، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، مطالبين بإرسال قوات دولية إلى فلسطين، ومحتجين على حظر الأسلحة الأمريكية على يهود فلسطين.
إن الأمم المتحدة، بتقسيمها فلسطين، إنما تصرفت دون أن تكون لها سلطة قانونية مستقاة من ميثاقها. فتقسيم البلدان ليس إلا عملاً من أعمال السيادة داخل البلد نفسه، لا السيادة العالمية. ولقد خرقت المنظمة الدولية العدالة العالمية، بينما خلقت تلك المنظمة للحفاظ على هذه العدالة العالمية.
ولكن ليس من الصعب أن نتصور ما جرى خلف الكواليس في الأمم المتحدة. فقد استحضر سادة الديبلوماسية العالمية السرية القذرة كل مواهبهم لتأدية أدوارهم جيداً في اللعبة. وهذا جيمس فورستال، وزير دفاع الولايات المتحدة يصرح قائلاً: (كانت الوسائل التي استخدمت في الضغط على بقية البلدان في الجمعية العامة تكاد تسفر عن فضيحة). وصرح وزير خارجية بلجيكا، معلقاً على قرار الأمم المتحدة: (إننا غير متأكدين من عدالته، ونشك في أنه قرار عملي، بل نخشى أن ينطوي ذلك على مخاطر كبيرة..).
وقد صدمت الكنيسة المسيحية في القدس، وكانت خيبة أملها مريرة لظلم الأمم المتحدة. وفي 3 مارس 1948 التقى الزعماء المسيحيون من كل حدب وصوب، ونددوا بمشروع التقسيم في وثيقة مكتوبة، وكان مما جاء فيها: (إن الاتحاد المسيحي يرغب في أن يعلن بجلاء تنديد المسيحيين بمشروع التقسيم، مقتنعين بأن هذا المشروع ينطوي على خرق لجلال الأرض المقدسة، التي هي، بطبيعتها وتاريخها، غير قابلة للتجزئة، ويمثل ذلك انتهاكاً للحقوق الطبيعية للعرب، سكان البلاد. ويرغب الاتحاد المسيحي أيضاً في الإعلان بأن أية محاولة لفرض السياسة الظالمة بالقوة، لا بد وأن تؤول إلى الفشل، لان الحق سلاح أمضى من القوة).
ولا بد من التذكير بأن العرب قد حذروا الأمم المتحدة من أن تقسيم فلسطين إلى دولتين سيجلب للمنطقة حرباً دائمة. وقد طالب العرب بقيام دولة ديمقراطية مستقلة في فلسطين، تكون الحقوق فيها متساوية لكل السكان.
ولكن اليهود سخطوا عندما علموا أن (دولتهم) الجديدة، كما صممتها الأمم المتحدة، تحتوي على عدد مساو من السكان العرب. فكيف يمكن لهم أن يظفروا بدولة يهودية إذا كان نصف سكانها من العرب ؟ لذلك صعد الإرهابيون نشاطهم، فنسفوا فندق سيمراميس بالقدس، وذلك في 5 يناير 1948، دافنين تحت أنقاضه اثنين وعشرين عربياً. وفجروا كميات كبيرة من الديناميت في الميدان العام بمدينة يافا، قتل فيها ثلاثون عربياً، وجرح ثمانية وتسعون آخرون. ووجه اليهود هجماتهم الرئيسية على القرى العربية الكثيرة والمعزولة. ففي دير ياسين ذبح اليهود كامل سكان القرية، وهم 250 من رجال ونساء وأطفال، وكانت مذبحة رهيبة لا رحمة فيها ولا هوادة. والأكثر من ذلك أن الإرهابيين تبجحوا وافتخروا بفعالهم على أنها فنون عسكرية فريدة من نوعها. وكتبوا يقولون: (تقدمت كل القوات اليهودية عبر حيفا كما تتقدم السكين في الزبدة، وبدأ العرب يهربون مذعورين صارخين: دير ياسين !) ولكن اليهود يتحدثون عن شعب أعزل من الرجال والنساء والأطفال حديثهم عن جيش مثلهم. وأصبح كاتب هذه العبارة، هو مناحيم بيغن، زعيم عصابة الارغون، عضواً في البرلمان الإسرائيلي !
وقد أعلن المؤرخ آرنولد توينبي، مشيراً إلى هذه الأعمال الوحشية: (في سنة 1948، كان اليهود، من تجربتهم الشخصية، يعرفون ما كانوا يفعلون، وكانت مأساتهم الكبرى أن الدرس الذي تعلموه من مواجهتهم مع الأمميين النازيين، هو ألا يتحاشوا، بل يقلدوا بعض الأعمال الشريرة التي ارتكبها النازيون ضد اليهود).
ومع اقتراب موعد انتهاء الانتداب البريطاني، شدد اليهود حملاتهم وركزوا ضرباتهم، وبدأوا احتلال المدن فلسطين، طاردين العرب المسلمين والمسيحيين من بيوتهم، واحتلوا معظم المدن الرئيسية أثناء الانتداب (أي برضا البريطانيين).
ولم يقنع اليهود بالمنطقة التي منحتها إياهم الأمم المتحدة، بل هاجموا السكان العرب في المناطق الأخرى. واستولى اليهود، نتيجة لهذه المناورة (التوسعية) على معظم الأراضي الخصيبة، والتي كانت تقع في صلب (الدولة) العربية، حسب قرار التقسيم.
لا بد من التأكيد مرة ثانية بأن هذه العمليات (العسكرية) اليهودية، كانت ضد شعب مسالم أعزل، لا يملك ما يدافع به عن نفسه، وأن كل هذه (الانتصارات) وعمليات (الاحتلال)، إنما تمت قبل الانسحاب البريطاني في 15 مايو 1948 ـ في الوقت الذي لم يكن فيه جندي واحد من أي دولة عربية قد وطئت أقدامه تربة فلسطين ! ولم يقصر البريطانيون فقط في حماية السكان العرب، بل إنهم اشتركوا فعلاً في إجلاء السكان المسلمين والمسيحيين عن بلدان مثل طبريا وسمخ، وقدموا للهاربين من يافا وحيفا سبل النقل والمواصلات.
وفي 15 مايو 1948 أعلن المجلس القومي الإسرائيلي قيام إسرائيل اليهودية. وكما كان متوقعاً، رفضت الشعوب العربية والسكان العرب في فلسطين عملية السرقة التي اقترفتها الأمم المتحدة ضد فلسطين، ورفضوا الاعتراف بالدولة اليهودية. وفي محاولة لإزالة المتاعب المتوقع حدوثها بين اليهود والعرب، قامت القوى الخمس الكبرى، الأعضاء في مجلس الأمن، بتعيين الكونت برنادوت السويدي، للعمل كوسيط بين الطرفين.
كانت توصيات الكونت برنادوت إلى الأمم المتحدة شاهدة على نزاهته وشجاعته العاليتين. فمن بين الحلول التي اقترحها: (وضع القدس تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان احترام الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية للعرب واليهود). وطلب من الأمم المتحدة تأكيد حق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم، في المنطقة التي يسيطر عليها اليهود، في أسرع وقت ممكن، ووجوب (إشراف لجنة ومساعدتها لتوطين وتعويض الذي لا يختارون العودة منهم).
إزاء ذلك، أعلنت (مفراك)، النشرة التي كانت تصدرها المنظمة الإرهابية المسماة (عصابة شتيرن)، قائلة: (إننا نعرف كيف نهتم بأمر برنادوت، ولتبارك اليد التي تفعل ذلك).
قدمت توصيات الكونت برنادوت للأمم المتحدة في 16 سبتمبر، وبعد يوم واحد نفذ اليهود مخططهم في اغتياله هو ومساعده العقيد سيروت. أما الأمم المتحدة فلم تعمل على وقف مقترحاته فقط وإنما عمدت إلى إقرار حدود إسرائيل كما كانت عليه، حتى يتحقق السلام !
وقد صدم العالم المتحضر بالجريمة الوحشية، واضطرت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة إلى تمثيل مسرحية، فاعتقلت 226 من أعضاء عصابة شتيرن، ووضعوا في معسكر، حيث سهلت لهم فيما بعد عملية الهروب منه. وأخيراً حوكم (ناتان فريدمان ايلين) القائد الأعلى للعصابة، هو ومساعده متياهن وثبت جرمهما في القيام بنشاطات إرهابية، وصدر الحكم على الأول بالسجن لمدة ثماني سنوات، والثاني خمس سنوات، ولكن، وبعد اثني عشر يوماً فقط، أطلق سراح الاثنين، بعد إصدار قانون عفو عام. ثم انتخب ايلين في مجلس النواب الإسرائيلي (الكنيست)!!
لقد هاجم اليهود، المدعومون جيداً بالمال والسلاح من اليهودية العالمية، العرب الفلسطينيين المفتقرين للسلاح، بنوبة جنونية. وتوغل اليهود في المدن التي لم تحددها لهم الأمم المتحدة، ومنها المدن العربية يافا واللد والرملة، والجليل الغربي، والأحياء الجديدة من مدينة القدس، والسهل الساحلي ووضعت إسرائيل هذه المناطق تحت إدارتها، واضطر معظم العرب في المناطق المحتلة إلى اللجوء منها إلى مناطق أخرى، تاركين بيوتهم وبساتينهم وحقولهم، وصل عددهم إلى نحو مليون نسمة.
واليوم، يعيش ضحايا العدوان اليهودي على تبرعات العالم، وأصبحوا بعد طردهم من بيوتهم يعيشون في الصحراء، يتلقون مساعدة تافهة من الأمم المتحدة بمعدل 25 سنتاً للشخص الواحد يومياً !
وحول المحنة الرهيبة للاجئين العرب، كتب الأب رالف جولدمان في مجلة (الإشارة) الكاثوليكية، في عدد إبريل 1957 تحت عنوان (الدموع التي تبتهل إلى الله):
(كثيراً ما يسألني القراء عن سر اهتمامي بالشرق الأدنى، والأرض المقدسة بصفة خاصة. وإذا سمح لي بأن أقول رأيي في هذه الصفحة فإنني ولا ألني أنتت نننشك أود الإجابة على هذا السؤال:
لقد أجريت طيلة ثلاث سنوات دراسات عليا في المدرسة الإنجيلية الشهيرة بالقدس، تحت توجيه بير لاغرين وغيره من الأساتذة العظام، وقمت كذلك بدراسة آثار وجغرافية وتاريخ فلسطين. والحق أننا نحن التلاميذ قد درسنا كل شبر من مدينة القدس، سيراً على الأقدام، وتنقلنا على كل ميل من الأرض المقدسة على ظهور الحمير والخيول وبالسيارات.
(كان ذلك فيما بين 1925و1928. وقد كانت فلسطين بلداً عربياً، وكان بوسع الإنسان السفر من غزة أو بئر السبع في الجنوب حتى حدود سورية في الشمال، أو من حيفا ويافا على ساحل البحر المتوسط والاتجاه شرقاً فيما بعد البحر الميت دون أن يقابل يهودياً، إلا فيما ندر. كان هنالك القليل منهم. فلم تكن تل أبيب سوى قرية صغيرة، وكان بعض اليهود يتجمعون في أجزاء من بعض المدن كالقدس وحيفا ويافا.. ولم يكن يوجد إلا القليل من المستعمرات اليهودية المتباعدة المتناثرة هنا وهناك، على السهول الخصبة.
(ولكن أهل البلد هم العرب، هم الذين كانوا يملكون الأرض ويزرعونها.. وهم أهل المدن والقرى.. لقد كانت فلسطين بلداً عربياً، بدون شك وبلا تحفظ.
(وقد عدت إلى الأرض المقدسة في ربيع 1953 لأمور تتعلق بتحرير المجلة.. لكنني وجدت أن الأجزاء الجنوبية والغربية والشمالية من البلد قد استولى عليها قوم غرباء عنها، جاءوا من أوروبا الشرقية، وكان ادعاؤهم الوحيد بملكية الأرض هو أن أجدادهم عاشوا هناك قبل ألفي سنة ‍! وقد احتل أولئك الغرباء السهول (الخصيبة) على طول البحر المتوسط، ومن حيفا غرباً إلى البحر الميت شرقاً، واحتلوا المناطق الخصيبة التي كانت تغطيها فيما مضى المزارع والحدائق وبساتين العنب والبرتقال العربية. وفي المدن استولى الغزاة على المنازل والدكاكين والخدمات العامة، وكل شيء..
(ولكن، أين العرب الذين ولدوا هناك، ممن أتى أجدادهم إلى هذه الأرض قبل ألف سنة، والذين عمروا الأرض المقدسة الآمنة وعبدوا فيها الله طيلة حياتهم؟
(لقد ذهبوا.. وأصبحوا مكدسين في المخيمات البالية البائسة بالأردن ولبنان وسورية وغزة.. ولقد زرت اللاجئين، لكنني بالطبع لم أتمكن من زيارتهم كلهم فهم يقاربون المليون نسمة. رأيتهم مكدسين، كل أسرة كاملة من رجال ونساء وأطفال في غرفة واحدة من كوخ حقير أو خيمة بالية.. لقد كان الكثير منهم ينعمون بحياة طيبة، أما الآن فقد غدوا لا متاع لهم ولا ممتلكات، لا نقود ولا عمل، بل يعيشون من يوم لآخر على صدقة بائسة من الأمم المتحدة.
(إنهم الآن، ومنذ عشر سنوات، يعانون هذا المصير البائس غير الإنساني، ويبدو أنهم فقدوا معنوياتهم، إلا عندما يذكرون بيوتهم أو أراضيهم أو بساتين العنب أو المتاجر. وعندما ينظرون إلى ما وراء التلال حيث كانوا يعيشون، تلتهب عيونهم حقداً ويتعطشون للانتقام.
(إن الشرق الأدنى هام لبقاء الغرب، نظراً لنفطه وموقعه الاستراتيجي، ولكنه مهم للغرب أيضاً لأن آثاماً قد ارتكبت فيه، يمكن مقارنتها بما فعله هتلر باليهود. وقد ارتكبت هذه الآثام بينما تغاضينا عنها، بل إنها ارتكبت بتعاون من جانبنا. وإذا كان دم قابيل قد ارتفع صوته من الأرض شاكياً إلى الله، فليست أقل منه صيحات دموع هذا الشعب المغلوب على أمره. وهو يعلم أن زعماءنا قد شاركوا في إلحاق البؤس به، والسبب في ذلك هو الجهل (بحقيقة الأمور) وأصوات الناخبين اليهود، والدولارات اليهودية التي تسقط في صناديق مالية الحزب.
(إن بوسع رجال السياسة أن يتحدثوا كما يشاؤون عن قطاع غزة والعقبة، وعن سد أسوان وقناة السويس والنفط والاستراتيجية. ولكن هذا غير مجد ولا بد أن نتحرك بشكل فعال لتصحيح هذا الخطأ الفاجع، ونكفر عن هذه الجريمة التي هي أشبه ما تكون بالإبادة الجماعية. ولا بد أن يكون ذلك الخطوة الأولى نحو سلام حقيقي في الشرق الأوسط.
(أما إذا فشلنا ولم تكن عندنا الشجاعة الكافية لنكفر عن الجريمة التي شاركنا فيها الصهاينة الغزاة، فإننا ربما سنتعرض معهم للعقاب.. فربما نخسر الشرق الأوسط للروس، ونخوض حرباً باردة تكون خاسرة بالنسبة لنا، الأمر الذي ستتولد عنه موجة من معاداة السامية، ستكون مصيبة، لا على إسرائيل وحدها، بل وعلى اليهود في كافة أنحاء العالم.
(إن دم قابيل لم تذهب صيحته إلى الله سدى، وكذلك لن تذهب عبثاً دموع اللاجئين العرب).
إن من الجدير بالاعتبار أن اليهود كلهم يشاركون الإسرائيليين في أخلاقهم شبه النازية، غير أن هناك من اليهود في إسرائيل من تصدمهم الحقيقة عندما يعيدون النظر في الحلم الذي كانوا يتوقون لتحقيقه. وكما أشرت من قبل، هناك في أمريكا (المجلس الأمريكي لليهودية)، الذي يضم جماعة من يهود أمريكا ممن لا يخجلون من اعتبار أنفسهم أمريكيين، ويلتزمون بأفضل مثل ومبادئ ديانتهم. ومن بين أعضاء هذه المنظمة الحبر (المر بيرغر). ولكن صوته، كأصوات الكثير من الآخرين، تطغى عليه أصوات الأغلبية الساحقة من المنظمات اليهودية الصهيونية المرعبة. وقد زار هذا الحبر إسرائيل والأرض المقدسة سنة 1955، ودوّن انطباعاته في سلسلة من الرسائل، صدرت تحت عنوان (من يعرف لا بد أن يعلن). ويعتبر بيانه النزيه الصريح حول اللاجئين العرب ذا أهمية عظمى. فهو يقول ضمن رسائله: (ولكن حالة اللاجئين ليس هي المأساة كلها. فليس أقل من ذلك رعباً وحزناً عقلية أولئك المهتمين (بحل) أو (تلطيف) هذه المشكلة. وأن من الصعب إخماد نار الغضب الذي ينتاب من ينظر إلى اللاجئين ويسمع قصتهم من أفواه المحايدين، من أمثال رجال (وكالة الغوث الدولية) (ناهيك عن سماعها من المتحدثين باسم اللاجئين أنفسهم)، وينظر إلى نصيحة (ايبان) المرتجلة بأن عند الدول العربية الأراضي الواسعة وأن عليها استيعاب هؤلاء الناس.. إنني لم أستطع الوقوف في تلك الأماكن التي يوجد فيها اللاجئون ـ تذكر أنني يهودي دون أن أتوارى خجلاً وأسفاً وبغضاً للعنصرية (اليهودية) التي خلقت دولة تقول اليوم إن هؤلاء الناس (الفلسطينيون) لا يمكن أن يعيشوا فيها، لأنهم ليسوا يهوداً.
(1) ـ كان العقل المدبر للعملية هو الإرهابي مناحيم بيغن، وأيدته في ذلك جميع المنظمات اليهودية.. وقد صدر ضده حكم بالإعدام، لكنه ظل متخفياً.. وقد توصل سنة 1977 إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

يتبع

المُنـى 1 - 2 - 2010 02:51 AM

الجزء الثالث
الانحطاط السريع في العالم الغربي
الفصل الحادي عشر
غسيل الدماغ في الولايات المتحدة
تحكي لنا (يوميات) جيمس فورستال القصة المخزية لاشتراك أمريكا في بيع عرب فلسطين مقابل تبرعات وأصوات اليهود في حملة الانتخابات. وقد أدرك فورستال، كوزير للدفاع، مدى تنافس الحزبين على كسب ود اليهود، وناقش الموضوع مع السنتور هوارد مكجراث، الذي كان حينها رئيساً للجنة الديمقراطية الوطنية. وقال أن مكجراث قد اعترف بخطورة الأمر. وكذلك عرف فورستال بأن (المصادر اليهودية كانت مسؤولة عن جزء كبير من التبرعات التي وصلت إلى اللجنة الديمقراطية الوطنية، وأن الكثير من هذه التبرعات إنما دفعت بناء على تفاهم واضح مع المتبرعين بأن تمنح لهم فرصة التعبير عن آرائهم، وأن تناقش هذه الآراء بجد حول بعض المشاكل، مثل مشكلة فلسطين). ويعلق فورستال على ذلك قائلاً: (كنت آمل بأن يعطي السنتور مكجراث هذا الأمر جزءاً كبيراً من تفكيره، لأنه لا يعني عرب الشرق الأوسط فقط، بل ربما يعني أيضاً العالم الإسلامي كله، بما فيه من أربعمائة مليون مسلم في مصر وشمال أفريقيا والهند وأفغانستان وغيرها).
ويمضي فورستال فيقول (ص 347) أن جيمي بيرنز قد أخبره بأن نايلز، المستشار الإداري للرئيس ترومان، وسام رزنمان، كانا المسؤولين الرئيسيين عن قرار الرئيس (في قبول البرنامج اليهودي)، وأن كليهما أخبر الرئيس بأن ديوي كان على وشك الخروج ببيان (للحزب المنافس في الانتخابات) يتعاطف مع موقف الصهيونية في فلسطين، وأنهما أصرا على أنه ما لم يسرع الرئيس بالتحرك، فإن ولاية نيويورك ستصبح لصالح خصومه.
وقد ناقش فرانكلين روزفلت ذلك الأمر مع فورستال. يقول فورستال: (لم تكن لي سلطة لصنع السياسة، ولكنني اعتبرت نفسي مقصراً في واجبي لو لم أوضح ما كنت أعتقد بأنه سيولد خطراً على أمن هذا البلد. وقد قلت إنني كنت أبذل جهدي لإبعاد هذا الموضوع (قضية فلسطين واليهود) عن السياسة، وحمل الحزبين على الاتفاق بعدم التنافس على الأصوات (اليهودية) حيال ذلك الموضوع. ولكنه (روزفلت) قال إن ذلك مستحيل وأن الأمة كانت متورطة إلى حد كبير، والأكثر من ذلك أن الديمقراطيين سيخسرون الانتخابات وأن الجمهوريين سيكسبونها بمثل هذا الاتفاق. عندها قلت له إنني مضطر لأكرر له ما قلته للسنتور مكجراث رداً على ملاحظته الأخيرة في أن فشلنا في السير مع الصهيونية ربما يفقدنا ولاية نيويورك، وربما كذلك ولايتي بنسلفانيا وكاليفورنيا، وقلت إنني كنت أرى أنه قد حان الوقت لكي يعطي المرء بعض الاهتمام والتفكير في احتمال خسراننا للولايات المتحدة) (في ظل السياسة الصهيونية).
ولكن جهود وزير الدفاع لم تفلح مع بيرنز أكثر من فلاحها مع مكجراث أو روزفلت. وقد عمد بيرنز إلى تذكير فورستال بأن الحبر (أبّا هليل سيلفر) كان شديد القرب من السنتور تافت، وأن تافت هذا قد اتفق مع الحبر اليهودي حول موضوع فلسطين، فيقول فورستال (ص347): (أوضحت رأيي في أنه من المفجع والمؤسف أن تتقرر السياسة الخارجية لهذا البلد تحت تأثير تبرعات كتلة معينة ذات مصالح خاصة، تضاف إلى أرصدة الحزب).
وفي مناقشة فورستال مع السنتور فاندبرغ، الزعيم الجمهوري (ص 347)، علم فورستال أن الجمهوريين شعروا بضرورة استغلال القضية الفلسطينية سياسياً، كما كان يفعل الديمقراطيين.
لقد اتحدت الولايات المتحدة مع روسيا لتفرضا على الأمم المتحدة تقسيم الأرض المقدسة. كان ساسة أمريكا المرتشون يريدون بلوغ المناصب العالية، وكان أشرار الروس في اللجنة المركزية العليا يريدون وضع حجر الأساس للقلاقل في الشرق الأوسط.
أما وزير الدفاع الأمريكي فورستال فقد نال جزاءه العادل على وطنيته وشجاعته.. فقد شوهت سمعته وحقر وطرد من منصبه وسيق إلى حتفه.
***
بعد انتهاء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، أخذت تتضح الشخصية الدولية لجماعة (أبناء العهد) الصهيونية. كان الموضوع الأول الذي يشغل بالها ويستولي على اهتمامها هو (القومية اليهودية)، بالإضافة لموضوع محافلها الخارجية. وأصبحت تلك الجماعة، بما تقوم به من نشاط باسم اليهودية الدولية، بعيدة تماماً عن ولائها لأمريكا. ولكن الجنسية الأمريكية لأعضائها كانت تمنحهم درعاً وسيفاً للقيام بنشاطهم. فكان (السيف) قوتهم السياسية كجبهة انتخابية في المراكز السكانية الكبيرة، وكان (درعهم) عاملاً على إجراء أول تعديل على الدستور. فقامت منظمة (أبناء العهد)، باسم (الحرية الدينية) بشن هجمات سياسية على الحكومة الأجنبية التي تحارب الثوريين اليهود داخل بلادها، وباسم التسامح الديني حثت أعضاء مجلس الشيوخ على التدخل. وازدادت سلطتها ونفوذها على مر السنين. فكان اتصالها مع محافلها الخارجية عاملاً على مد نفوذها داخل الحكومات الأجنبية حيث كان الأعضاء اليهود يلعبون الدور القديم لسياستهم (القذرة) الخفية، ويزاولون سلطان القوة الرهيبة لأموالهم.
لا يعرف إلا القليل النادر من اليهود الأمريكيين شيئاً عن العمليات الفعلية التي تقوم بها (رابطة محاربة الافتراء) التابعة لحماية أبناء العهد (بعناي بعريث). وإذا كان من الواضح أن أنشطتها تدور في مجال التجسس وتصيد وكشف (معاداة السامية)، فليس من العدالة أن نصفها بأنها يهودية محضة. فقادتها على المستوى القومي والمحلي يحافظون على سيادة مزدوجة في علاقاتهم العامة، والصورة التي تبدو عليها أمام (أبناء العهد) تختلف عن الصورة التي تبدو عليها أمام الجمهور وعامة الناس.
إن الواضح لكل عالم ببواطن الأمور أن (رابطة محاربة الافتراء) هي من خلق الزمرة الطموحة التي تسيطر عليها وتوجهها.
وبينما تؤكد بيروقراطية الرابطة شخصيتها اليهودية من أجل الأغراض الدفاعية، فإنها لا تتحدث باسم اليهود الأمريكيين. وهي كذلك لا تكشف طبيعتها السياسية أمام المتبرع اليهودي العادي، وتعمد إلى حجب أنشطتها في هذا الميدان عن اليهودية الأمريكية والجمهور، تحت ستارة عرقية أو دينية.
وتقوم البيروقراطية التي توجه وتتحكم في شبكة المنظمة باستغلال مخاوف اليهود وعقدهم، مدعية بأن المنظمة إنما أنشئت باسمهم ولحمايتهم. فيقال لليهودي إن قوانين أمريكا غير كافية، ولا بد من وجود حشد من اللجان والمجالس، وسلاسل واسعة متشابكة من المنظمات التي تعمل لمصالحه فقط.
وتعتبر رابطة محاربة الافتراء إحدى أشد الوكالات اليهودية عدوانية، ومن خلال وسائلها الاستغلالية في طلب المساعدات، أصبح الكثير من اليهود الأمريكيين تستحوذ عليهم فكرة أن كل من عداهم من غير اليهود، إما أن يكونوا معادين للسامية عن وعي أو بدون وعي، أو معادين للسامية بشكل سلبي وخطير. وقد عملت دعاية الخوف التي تقوم بها الرابطة على إبقاء وتعميق عقدة الاضطهاد في العقل اليهودي الجماعي. والجدير بالذكر أن المعلومات السرية التي ترسل بالبريد إلى اليهود الأمريكيين من جانب المنظمات التي تطلب التبرعات، تدمغ بعبارة (تتلف بعد القراءة)، وبذلك تخلق جواً من السرية المرعبة والهلاك المنتظر. وأن لا جدوى من اللجوء إلى الوكالات الحكومية العادية، وتقطع صلة اليهودي بزملائه الأمريكيين.
ويرمي هذا الأسلوب إلى رفع مكانة الرابطة في أعين اليهود وجعلها بطلهم الوحيد، والقوة الروحية التي تحرس اليهود من الأمميين الفاشيين المعادين للسامية، ومن جهة أخرى تقوم رابطة محاربة الافتراء والمنظمات اليهودية الأخرى بوضع اليهود في صورة تمثل كل فضيلة، بينما تلصق بالأمميين صفات الاضطهاد والشر وكل ما هو شيطاني ورذيل وحقير.
وهذا متحدث باسم (النداء اليهودي الموحد) يعلن بأنه (يقدر حالياً أن لدى خمسة وعشرين في المائة من يهود أمريكا تحامل ضارب الجذور ضد إخوانهم المواطنين. وتبين أربعة عشر استطلاعاً أجرتها منظمات أبحاث ميدانية، أن من بين كل أربعة شباب بالغين تم استجوابهم، يوجد واحد على الأقل مصاب بداء معاداة السامية.. وواحد معارض للمعاداة، بينما لم يقرر الثالث والرابع رأياً بعد..).
وبذلك يعتبر 75% ممن البالغين، حسب هذا البيان، إما معاد للسامية بشكل خطير، أو مؤهل للقيام بهذا الدور. أما الخمسة وعشرون في المائة، وهي نسبة المعارضين لمعاداة السامية، ويشملون بالتأكيد اليهود الأمريكيين، فتدل على أن الأمريكيين الأمميين البالغين سن الرشد معادون للسامية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وإذا أردنا أن ندخل عالم اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء ونلج أبوابها المزدوجة، نجد في أول الطريق باباً كتب عليه (أقسام تقصي الحقائق والبحث والقانون). أندخل الباب ؟
هنا يخبرنا متحدث باسم رابطة محاربة الافتراء قائلاً: (لقد ظلت هذه المكاتب منذ زمن طويل تقوم بمهمة المراقبة الدقيقة لنشاطات أعداء الديمقراطية).
رغم أن كلمة (الديمقراطية) تحتمل معنيين، لكننا فهمنا ما كان يقوله المتحدث.
هذه أنظارنا تطوف مع صفوف الخزائن المملوءة بالملفات، وقد اعتقدنا في إحدى اللحظات أننا داخل إدارة السجلات في المكتب الاتحادي للاستخبارات الأمريكية بواشنطن، حيث ينشط الكتبة في تنظيم الأوراق وترتيبها في ملفاتها الخاصة بها.
كان المتحدث باسم (الرابطة) صريحاً للغاية، ومطلعاً على كل العمليات، رغم أنه كان يتحتم علينا من حين لآخر أن نفسر دعايته بمعنيين كي نفهمها بوضوح. وقد كنا نتوق لفحص بعض الأوراق والبطاقات الموجودة هناك، لكننا لم نمنح الفرصة لذلك، وقيل لنا: (إن هذه الوثائق المكدسة في الملفات قد رتبت بدقة وبجهود مضنية).
وهنا أتساءل ببراءة: (ماذا يعني ذلك ؟ ).
فيجيب مرشدنا: (ذلك يعني أنه لا يمكن أن ننكر بعد اليوم التشابة المذهل بين صعود النازية إلى السلطة في ألمانيا، وبين الأساليب الحالية لأعداء حقوق الإنسان داخل حدودنا (أمريكا).
ولكن يبدو أن عاطفته وعنفه تدلان على براءته، إذ الواضح أنه كان ضحية دعايته الخاصة.
(وماذا تفعلون بكل هذه المعلومات عن معاداة السامية، والمكدسة في خزائن الملفات ؟ ).
عندها أطلعنا على حجرة مليئة بالفتيات العاكفات على آلات الطباعة، ورأينا بطاقات الآلات المبرقة الكاتبة تحزم، ومطابع الحروف (اللينوتايب) تصب أسطراً من المعدن لتصف وتجهز للطباعة. وعلمنا أن آلات الصف تطبع أطناناً من الورق، بينما تتحرك مئات آلاف الكتب الدعائية عبر الدباسات الآلية. ورأينا الكثير والكثير من الكتبة، ولوحات تحويل الهاتف، وآلات عرض الأشرطة، وآلات التصوير، وأميالاً من الأشرطة تحت التحميض في المختبرات. وكذلك المذيعين والمعلقين في حجرات البث الإذاعية، وأبراج الإذاعة تنشر دعاية (رابطة محاربة الافتراء) إلى الجهات الأربع من الكرة الأرضية..
كل هذه الجهود إنما تبذل لإحباط معاداة السامة، كما قيل لنا.. ويضيف الدليل (المرشد) بحماس: (إن رابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، وكذلك اللجنة اليهودية الأمريكية، تعكفان دون ملل أو كلل، وبتصميم كبير، على تنفيذ أحد أضخم البرامج لتعليم الجماهير، وبرامج العلاقات العامة).
وضاع صوته وسط ضجة المطابع وطقطقة الآلات الكاتبة وآلات الطباعة وصف الحروف، والآلات المبرقة.
ودخلنا باباً كتب عليه (قسم الصحافة)، فرأينا رجلاً يجلس على كرسي ويملي على أمينة سره ـ دون أن يعير انتباهاً لوجودنا: (أخرجي رقم 61.. يعتبر ما يلي خلفية إضافية أينا نمننننللمادة..).
وعندما سألنا عما تفعله الصحف بالمادة التي يغذونها بها كانت الإجابة: (إن المعلومات التي تقدم للصحف تصل إلى الجمهور على شكل افتتاحيات للصحف).
ثم دخلنا باباً كتب عليه (قسم الصحافة ـ فرع المجلات)، وهناك اكتشفنا مائدة كبيرة وسط الغرفة، حولها عدد من المنهمكين في قراءة عدة نسخ من المجلات التي تكدست على المائدة، ومن بينها: غرائب القصص الغربية، والحب المثالي، والقصص الجاسوسية.
لم نستطع أن نتأكد إذا ما كان قراءة المجلات التي يبحثون فيها عن الإشارة المعادية للسامية أن يصنفوا المقالات والقصص التي بثتها رابطة محاربة الافتراء، ولكن قيل لنا إن قسم المجلات يتولى مسؤولية استغلال صفحات المجلات ووضع القصص التي تحتوي على مقالات تمجد اليهود. غير أن مرشدنا لم يخبرنا عن كيفية إنجاز العمل، وما إذا كانت المقالات والقصص التي ترسلها (الرابطة) تنشر أو تعاد إليها دون نشر. ولكنه أعلن أن (المجلات بتوزيعها الهائل تضم قصصاً حقيقية عن البطولة الأمريكية ـ اليهودية في الحرب والسلم).
أي حفنة أخرى من الأفراد كان لها في تاريخ العالم مثل تلك القبضة القوية؟ وأي منظمة خاصة أخرى يمكنها التأكيد بأن دعايتها تصل إلى الجمهور على شكل افتتاحيات صحف، وأن بوسعها استغلال صفحات طويلة من المجلات ؟
ودخلنا حجرة أخرى.
وقيل لنا: هذا هو (قسم الكتب الهزلية).
وتساءلنا: هل تزرع الرابطة الدعاية في كتب الأطفال الهزلية ؟
فكان الجواب: إن الكتب الهزلية تضم قصاصات تندد بالفاشيين المحليين واستغلالهم للتوتر الموجود داخل المجتمع كسلاح ضد الديمقراطية.
إن هذه العبارة تذكرنا بصحيفة (عالم الشعب اليومية)، و(العامل اليومية)، وما فيهما من تكرار لعبارات (الفاشية المحلية).. و(التوتر داخل المجتمع)، وغيرهما من العبارات المشابهة التي تغطي البصيرة، والمستوحاة من معجم ماركس ولينين الجدلي.
ثم دخلنا قاعة من باب كتب عليه: (قسم الصحافة ـ فرع الرسوم المتحركة)، وفيه رجال عاكفون على ألواح الرسم، وأخذ مرشدنا يشرح لنا قائلاً: (إن الرسوم المتحركة مفيدة للغاية، وبعضها ـ يحضر على أيدي أشهر فناني ورسامي صحف البلد ـ والتي تشير بأصابع السخرية والاحتقار للتعصب الأعمى والحقد العنصري)(1).
ثم وصلنا باباً كتب عليه: (قسم الصحافة ـ الكتب)، وأخبرنا المتحدث باسم رابطة محاربة الافتراء أن (قسم الكتب مكلف بتعرية الحيل الفاشية في استغلال معاداة السامية في حملتها التي شعارها (فرق تسد). وقد قيل لنا إن جهود قسم الكتب تصل ثمراتها إلى رفوف الكتب الأمريكية بأعداد متزايدة.
وأعلن لنا المرشد: (الحقيقة أن نسبة عظيمة من المواد التي يعدها قسم الكتب إنما تحضر بطلبات من خدمات المطبوعات ‍! ).
وقد لاحظنا من بين عناوين المجلدات: (هذا جزاؤهم)، (واحد من كثيرين)، (نحن الأمريكيين)، (هؤلاء هم جيراننا)، (المدينة الأخت)، (متحدون)، (قوي كالشعب)، (الحياة الأمريكية المبكرة)، (هذا هو ميراثنا)، (إله واحد)، (خطر على الحق).
وأسرعنا الخطى داخل (قسم الأبحاث)، ثم داخل مكتبة (اللجنة اليهودية الأمريكية)، وهناك قيل لنا إننا وسط (مستودع من المعلومات)، وأن المكتبة تحتوي على أكثر من 21 ألف مجلد وأكثر من مليوني موضوع أخر حول مشاكل اليهود ومعاداة السامية في أمريكا.
وسألنا: (وماذا تفعلون بكل هذه المعلومات ؟ )
(هناك قسم خاص بإحالة هذه المادة الموثقة إلى مجموعة من الرجال والنساء ممن تؤثر آراؤهم تأثيراً مؤكداً وقاطعاً على مستقبل أمريكا !! ).
والآن يصل المرشد إلى باب كتب عليه: (قسم قدماء المحاربين) حيث يبين لنا المرشد أن (من الأهمية الكبرى لقدماء المحاربين الأمريكيين، الذين خاطروا بحياتهم في كفاحهم ضد الفاشية وواجهوها وعرفوها عن كثب، أن يحذروا أنفسهم من الخطر داخل الوطن، لكي لا يخاطروا بحياتهم مرة أخرى).
من الواضح أنه لا يوجد قطاع واحد من الأمريكيين لم تلتفت إليه الرابطة واللجنة اليهودية الأمريكية.
ثم وصلنا إلى قسم (العلاقات العمالية).
يقول مرشدنا: يعمل هذا القسم بالتعاون مع الاتحادات العمالية على المستوى المحلي والوطني، مصمماً على قطع الطريق أمام الذين يحدثون التوتر بين الجماعات وينشرون سمومهم..
كانت زيارتنا لقسم الكتب سريعة بحيث لم يتركوا لنا فرصة كافية لأخذ فكرة كاملة عن ميدان العمل بهذا القسم، وبينوا لنا بعض الكتب التي تجد طريقها بأعداد متزايدة إلى رفوف كتب الأمريكيين، لكنهم لم يذكروا لنا شيئاً عن (حرق الكتب).
ولكن يبدو أن رابطة محاربة الافتراء لم تكن قد دخلت بعد مرحلة حرق الكتب، لأن ذلك يتطلب درجة أكبر من القوة. وإلى أن تصل الرابطة إلى القدرة على الحرق، تقوم بما يسمى (خنق الكتب)، وهذا ينطبق على الكتب التي لا تسرها، وهذا الأسلوب له فعالية الحرق، بل إنه ربما كان أكثر فعالية، لأن يأخذ الكتب من مصادرها ويمنع انتشارها.
ومثال ذلك كتاب (غزو قارة) لمؤلفه (ماديسون جرانت). فقد سحب هذا الكتاب من السوق وأوقف بيعه. ولكن كيف حدث ذلك ؟
نجد الإجابة في الرسالة التالية الموقعة من ريتشارد غوتستات، العامل بقرطاسية الرابطة، مؤرخة في 13 ديسمبر 1933 ـ بشيكاغو:
(إلى ناشري الدوريات الانجلو ـ يهودية:
السادة المحترمون:
لقد نشر (سكربنرز وأولاده)، حديثاً، كتاباً من تأليف ماديسون جرانت بعنوان (غزو قارة). وهو يعادي تماماً المصالح اليهودية، وتسيطر عليه نظرية (تفوق الشماليين) (الجرمان)، والرفض المطلق لفلسفة الانصهار داخل البوتقة الأمريكية.
(ويشير سكربنرز في نشرة دعاية الكتاب إلى هتلر على أنه الرجل الذي أظهر قيمة (النقاء العنصري) في ألمانيا. ويصر المؤلف على أن تطور أمريكا يعتمد على إبعاد الجماهير الغريبة التي لا تتجانس داخلها. وينظر البعض إلى هذا الكتاب على أنه أخطر من كتاب هتلر (كفاحي)، ويؤكد جرانت بأن المشكلة الوطنية هي في النهاية مشكلة عنصرية.
(إننا نرغب في خنق هذا الكتاب، ونرى أن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي رفض القيام بأي دعاية له، لأن كل نقد أو عرض عام لكتاب من هذا النوع يوجه إليه أنظار الكثيرين الذين، لولا ذلك، لن يعرفوا شيئاً عنه. والدعاية للكتاب ستؤدي إلى المزيد من المبيعات له، وكلما قلّت المناقشة حوله، كلما زادت إمكانية مقاومته.
(لذا نأمل منكم الامتناع عن التعليق عن هذا الكتاب، الذي سيصل إليكم عاجلاً أم آجلاً. ونحن على قناعة من أن التجاوب العام مع طلبنا هذا سيكون إنذاراً لدور النشر الأخرى حتى لا تخوض في هذا النوع من المخاطرة).
إننا لا نهتم في هذا المقام بحسنات الكتب أو سيئاتها وإنما الذي يهمنا هو الطريقة التي تعمل بها رابطة محاربة الافتراء..
ونعود مع المتحدث باسم الرابطة لنصل إلى قسم اللغات الأجنبية، التابع للرابطة واللجنة اليهودية الأمريكية، والذي يهتم بترجمة دعاية الرابطة إلى اللغات الأجنبية.
ويشرح لنا المرشد هذا العمل بقوله: (يحافظ هذا القسم على استمرار فحص الصحف من مختلف اللغات والتي تمثل نحو ست عشرة لغة متنوعة. ويقدم القسم تقديراً دقيقاً لاتجاهات التفكير السائدة).
وفي قسم الإذاعة بينوا لنا أنه (لا يوجد طريق واحد للوصول إلى عقول الأمريكيين) وأنه (يجب استغلال كل سبيل) ممكن. لذا تقوم اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء باستغلال الإذاعة أعنف استغلال. وفي سنة 1946 كان هناك 216 محطة إذاعة منفصلة عن بعضها وتقوم ببث مواد تعدها يومياً لجنة محاربة الافتراء، ويقال إن هذا العدد تضاعف منذ سنة 1946 (إلى سنة 1965).
وقد أعلن مرشدنا قائلاً: إننا نصل إلى كل الاتجاهات ونقد البرامج المختلفة لأشهر الممثلين، ويتهافت مخرجو البرامج على المواد التي يحضرها هذا القسم، وهؤلاء المخرجون يتمتعون باهتمام أكبر عدد من المستمعين في البلد.
وهنا سألت المرشد: وماذا عن الآفاق الدينية، هل بوسعكم أن تصلوا إليها ؟
ويجيب قائلاً: (إن هناك أكثر من ثمانية آلاف مفكر ديني من مذاهب مسيحية مختلفة، من الذين قلقوا للعداء ضد اليهودية، وهم يتمكنون عبر قنواتنا من الحصول على الحقائق اللازمة لأبرشياتهم ومواعظهم، وتعتبر هذه الحقائق ذخيرة تساعدهم في حربهم ضد الحقد العنصري..).
إن المتحدث باسم الرابطة يتكلم عن تكوين منظمة (الأصدقاء المسيحيون لرابطة محاربة الافتراء)، وكأن هذه المنظمة إنما هي حركة ذاتية، يدعمها ثمانية آلاف من رجال الدين من طوائف مسيحية مختلفة، ولا صلة للرابطة بخلق هذه المنظمة.
ويعلن المتحدث رأيه بأن هذا (من أوضح الدلائل على أن جميع الأمريكيين يزدادون وعياً بالطبيعة الحقيقية لمعاداة السامية، والخطر الذي تشكله على البلد).
لقد أصبحنا نعتاد سماع العبارات الدعائية من أمثال: (الخطر المحدق بالبلد كله.. من يهاجم أقلية واحدة يهاجم كل الأقليات..) الخ، وهذا يسمى في الحرب النفسية (فن الدمج)، وهو شديد الفعالية. ويستخدم كذلك في الإعلانات التجارية المؤثرة على القارئ.. والملاحظ أن الحزب الشيوعي يستخدم بكثرة أسلوب (الدمج)، فهؤلاء رجال الدعاية في الحزب الشيوعي يعلنون أن (قانون سميث) وقانون (مكران) ليسا في الواقع موجهين ضد الحزب الشيوعي وإنما ضد المنظمات العالمية والأقليات !
وعندما أردنا أن نستوضح عن (معهد الديمقراطية الأمريكية)، قال المتحدث باسم الرابطة:
(يقوم معهد الديمقراطية الأمريكية برعاية الدعاية الديمقراطية ذات الفعالية الشديدة التي تظهر على لوحات الإعلان في جميع أنحاء البلد. ولما كان هذا البرنامج قد أثار الحماس الشديد عند زعماء المدن، من أمثال موريس توبين، حاكم مسشوتز، فقد وجد الدعم من جانب أنصار المعهد. ويتم عرض ستة عشر ألف رسالة على اللوحات الإعلانية في شباك مواصلات أربع وعشرين مدينة. وعلاوة على ذلك فقد أنتج معهد الديمقراطية الأمريكية سلسلة من الأفلام مدتها دقيقة واحدة، لكنها شديدة التأثير في ترويج رسالة المعهد، وتعرض كجزء من المواد الإعلامية في مختلف النشاطات..).
ومررنا بمنظمة أو جبهة متفرعة عن (رابطة محاربة الافتراء) اليهودية، وقيل لنا إن عملها يشبه عمل معهد التعليم الديمقراطي، ولكن مرشدنا أراد أن يجعلنا نعتقد بأن المعهد والمنظمة مستقلان عن الرابطة، وأنهما مجرد منظمتين (تتعاونان تعاوناً تاماً في هذه المعركة الحيوية ضد التعصب الأعمى).
وقد لاحظنا أن (هذا كله لا بد وأن يكلف الكثير من الأموال). ثم لمحنا باباً كتب عليه عبارة (النشاطات الدولية)، ولكن مرشدنا اندفع بنا ومررنا به دون أن ندخله، ولم يقدم تفسيراً لذلك، ووصل بنا إلى إدارة (النشاطات الثقافية).
هنا يقول الدليل: (يشرف على تنسيق العمل المختص بشؤون المدارس قسم خاص تقع على عاتقه مهمة تطوير العلاقات بين الثقافات المختلفة. ويعمل هذا القسم بالتحديد بالتعاون مع مكتب تعليم الثقافات المختلفة، ومع مثقفي وزعماء كل الجماعات الثقافية، لخدمة المدارس العامة والخاصة، والحلقات الدراسية الخاصة بالأساتذة، وناشري الكتب المدرسية المتنوعة، وتخضع أعمال كل قسم للتجارب المستمرة لتقدير مدى فعاليتها).
ثم تحركنا مسرعين داخل ممر، وتوقفنا عند باب كتب عليه (معهد الأبحاث الاجتماعية).
وأخذ الدليل يشرح لنا حول ذلك، وقال: (يستخدم قسم البحث والتحليل العلمي الأساليب التي أجريت عليها الاختبارات الجامعية، في قياس قيمة الطرق والأساليب المستخدمة. ويعمل فيه اجتماعيون خبراء في ميدان التوتر داخل الجماعات. وتجري باستمرار مراجعة للمفاهيم والأساليب المستخدمة، حسب النتائج التي تم التوصل إليها).
ثم توقفنا أمام باب آخر كتب عليه (قسم خدمة الطوائف). وأشار الدليل المرافق لنا إلى هذا الباب قائلاً: (تقع المسؤولية على هذا القسم للتأكد من وصول هذا البرنامج الوطني الواسع إلى كل فرد في البلد).
وواصل كلامه أثناء السير نحو باب آخر (مكتب الخطباء):
(ومن إحدى الوسائل المتبعة صيانة مكتب الخطباء الذي يقدم لأكثر من سبعة آلاف ناد من نوادي الروتري والكيوانس وغيرها، خطباء يتمتعون بسمعة وطنية طيبة، يحملون رسالة الديمقراطية داخل الطوائف الخاصة. وينتشر نشاط هذا القسم من أدنى البلد إلى أقصاه، موزعاً على أربعة عشر مكتباً إقليمياً، ويرعى نحو ألفي رجل قياديين آخرين في ألف مدينة داخل البلد).
وتساءلنا ببراءة: وماذا يفعل هؤلاء الألف رجل ؟
(لقد ساعدونا في معالجة أكثر من أربعة آلاف قضية فردية من قضايا معاداة السامية، وذلك خلال العام الماضي.. إن اللجنة اليهودية الأمريكية، ورابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، تشكلان درعاً وقائياً للأمة.. درعاً من الفكر المستنير، يقي من أكاذيب القوى المعادية التي تطعن المصالح الحيوية للأمريكيين.. وتشكلان خط الدفاع الأول في معركة الحفاظ على أرواح وحرية وسعادة كل فرد فينا).
(وتواجه اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء هؤلاء المهاجمين عند كل منعطف طريق، ممن يهاجموننا الآن ـ هذه اللحظة.. والقتال يكلف الأموال، ومواصلة استمرار المعركة يحتاج إلى التبرعات.. ولن أهين ذكاءك بتكرار الأسباب التي لا تحصى لوجوب التبرع لنداء الدفاع المشترك.. ويكفي القول إنك يهودي، لا بد وأنك تريد التبرع.. وكأمريكي لا تستطيع أن تفعل أقل من ذلك.. إنه واجب الجميع).
ونقدم هنا مثالاً لفن استغلال اليهود لليهود.. إنه رسالة مؤرخة في 7 يوليو 1952 باسم (صندوق الإنعاش اليهودي الموحد)، موجه إلى أحد اليهود المؤمنين على الحياة:
(عزيزي الزميل المؤمِّن:
(أعتذر للإخفاق في الاتصال بكم شخصياً بشأن مساهمتكم في صندوق الإنعاش (الخدمة الاجتماعية) اليهودي الموحد، وأعرف أنك تفهم السبب، لأننا مثلك نريد أن نعيش.
(ورغم أن قيمة وحاجة هذه القضية لا يحتاجان إلى توضيح، فإنني أريد تقديم مثل واحد ـ القصة المرفقة، وهي حقيقة ومذهلة.. فهي تثير مشاعر كل واحد فينا، سواء كنا داخلين في التأمين على الحياة أو ضد الحوادث أو غير ذلك. إن المعادين للسامية الذين ينشرون القذارة الخطرة الموضحة هنا، يجدون الدعم المالي القوي، ولا يملون من جمع التبرعات.. ولكن مصدر الأموال اللازمة لمحاربتهم ـ صناديق الإنعاش اليهودي الموحدة الأربعة ـ تجد صعوبة كبيرة في تلقي الدعم..
(إن مواردنا لا تصل إلى الحد اللازم لمواجهة أدنى قدر من مطلوب هذا العام، لا لمحاربة معاداة السامية فقط، بل ولدعم الوكالات الأخرى، مثل: العناية بالحاجات اليهودية للرجال والنساء المنظمين، ودعم أكثر من ثلاثين وكالة محلية لنا، والمحافظة على أرواح اليهود في إسرائيل وأوروبا والعالم الإسلامي.
(هل تؤدي دورك ؟
(عند تلقي هذه (الرسالة) لم نكن بعد تلقينا مساهمتك. إنني أنضم إلى زملائك في قسم التأمين لنحثك على قراءة النشرة المطوية المرفقة، ثم التقدم فوراً للتبرع لصندوق الإنعاش اليهودي الموحد ـ ونأمل أن يكون التبرع سخياً بما يكفي لتمكيننا من قهر الكراهية التي تهددنا جميعاً.
(نرفق لكم بطاقة التعهد (بالتبرع). وقعها متبرعاً بأكبر مبلغ ممكن، واضعاً في اعتبارك أنك ربما تقدم هذا التبرع على دفعات شهرية أو كل ثلاثة أشهر. نرجو الاهتمام بهذا الأمر هذا اليوم، لكي يمكننا جميعاً العودة إلى عملنا..).
وقد أرفقت الرسالة بنشرة مفزعة من خمس صفحات.. الصفحة الأولى منها سوداء اللون، كتب عليها باللونين الأحمر والأبيض وبحروف مخيفة الشكل تحت عنوان (العنف ضد اليهود). وقد رسم فوق عدد كبير من الأسهم الملتوية البيضاء شبح يلتف كالثعبان.. ويعطي التأثير الكلي انطباعاً بالخوف والفزع، ويوحي لمن يتلقى النشرة الاعتقاد بأن الرسم من عمل شخصي شرير متعطش للدماء، معاد للسامية، وليس عملاً فنياً دعائياً من صندوق الإنعاش اليهودي الموحد.
وقد طبع على النشرة عدد من عناوين وأسماء كتيبات تتناول القضايا اليهودية، ولكن لا توجد دلالة لأي عنوان منفرد على عنف ضد اليهود. غير أن التأثير العام للنشرة يوحي بفكرة الرعب والخوف وأن جميع اليهود يعيشون في هلاك واقع..
وعلى الصفحة الثانية يبرز عنوان يقول: (الخطر يحيط ببيوتنا وأسرنا من كل جانب) وقد كتبت كلمة الخطر بحروف كبيرة حمراء بلون الدم المرتجف.
وقد كتب تحذير آخر ودعوة للتبرعات السخية تحت اسم (لسلي كرامر)، رئيس مجلس إدارة صندوق الإنعاش اليهودي، وفيه يعلن كرامر قائلاً: (اقرأ هذا الدليل والبرهان على الخطر المنظم والرهيب على أمريكا وعلى الحرية التي تتمتع بها أنت ومن تحب).
وقد طبعت كلمة سري بعرض الصفحة الوسطى من النشرة، بالإضافة إلى عبارة: (رجاء إتلافها بعد القراءة).
وجاء على صفحة أخرى بحروف سوداء وحمراء ما يلي: (إن الباعة المتجولين الأشرار لمعاداة السامية ينشطون اليوم وكل يوم ـ و.. أنت فقط.. تستطيع إيقافهم!).
وقد وضع تحت كلمتي (معاداة السامية) خط أحمر بلون الدم.
وتقول الصفحة الأخيرة من النشرة للقارئ: (إن هذه الوكالات تعمل ليل نهار من أجلك ـ ومن أجل أمريكا كلها ـ لقمع باعة الحقد..).
ولا يخفى رد الفعل النفسي لهذا النوع من الدعاية. فحالما يقرأ اليهودي الأمريكي العادي هذه الدعاية تتراءى أمامه صور المذابح المدبرة وموجات العنف، وترعبه فكرة حرمانه من إجراءات الحماية العادية التي تقدمها الحكومة، فيعتقد أن الوكالات اليهودية وحدها هي التي تقف حائلاً بينه وبين الهلاك !
وتنفسنا الصعداء والهواء النقي بعد الخروج من الباب المزدوج الذي تقبع خلفه اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء التابع لأبناء العهد، وبعد أن شهدنا العمل الداخلي لوكالة خاصة للتجسس والدعاية، وكالة منظمة تديرها التبرعات الخاصة، وتعتبر المركز العصبي لشبكة عالمية، تصل وخزاتها إلى كل نشاط من أنشطة الأمميين.
وعلمنا في (الأقسام الخاصة بتقصي الحقائق والشؤون القانونية والبحث) أشياء عن القسم الثاني من نشاط المنظمات (ربما أهمه)ـ حيث توجد مجموعات الملفات حول ما يسمى بالمعادين للسامية. وقد طافت أعيننا لحظات بالصفوف الهائلة من الخزائن التي تضم معلومات عن آلاف الأفراد الذين يصنفون، حسب معايير الرابطة، لسبب أو لآخر، بأنهم معادون لليهودية، حقيقة أو احتمالاً.
وتتكون المجموعة الأولى من الملفات من قصاصات صحف ومجلات من عدة مصادر، أما الثانية فقد كتب عليها (سرية)، وربما تتضمن اسمك.
***
إنه لا يوجد عذر، بأي وجه، لرابطة محاربة الافتراء، واللجنة اليهودية الأمريكية، كي تقوما بمزاولة هذا النشاط، والذي يتضمن إرسال العملاء السريين للتجسس على المواطنين الأمريكيين، ودخولهم الميدان السياسي يحقنون العنصرية في الحملات السياسية. ويستطيع العملاء، عن طريق السيطرة على وسائل الاتصال، تدمير سمعة الناس وإخراس كل مدافع أمام القضاء. ويمكن، عن طريق خنق الكتب وأسلوب اللجنة اليهودية الأمريكية في (الحجز) الهادي، حرمان المنتقدين من إصغاء الجمهور لهجومهم أو دفاعهم.
وبينما لا توجد لهذه المنظمات السلطات الرسمية لمعاقبة ضحاياها، إلا أنها تملك سلطات فعالة مساوية للسلطة الحكومية في قوتها. ففي المناطق السياسية التي يكثر فيها السكان اليهود، يقع المرشح لمنصب حكومي تحت رحمتهم تماماً.. ويكفي صدور مذكرة من المكتب المحلي لرابطة محاربة الافتراء بأن مرشحاً معيناً هو (ضد السامية)، لتأكيد هزيمة هذا المرشح، حتى ولو كان بعيداً كل البعد عن هذا التمييز ومعاداة السامية.
ولكن الجانب المذهل من القصة القذرة، هو حقيقة أن الأمريكيين ، بما فيهم اليهود الأمريكيون ـ لا يعرفون إلا النزر اليسير من هذه القصة. والذين تتاح لهم الفرصة لمعرفة القليل عن عمليات رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية، يخشون أن يفعلوا شيئاً أو أن يتفوهوا بكلمة عن ذلك، لأنهم يعلمون جيداً بأنهم سيوصمون بمعاداة السامية في الانتخابات القادمة.. أما الصحف فهي لا تجرؤ على المغامرة بمصالحها الإعلانية.
ربما كانت رابطة محاربة الافتراء، التابعة لأبناء العهد، أكبر وأعنف منظمة سرية إرهابية في عالم اليوم، وهي بلا شك أكبر واحدة من نوعها في العالم. ومن المذهل أن هذه الشبكة الواسعة المتداخلة من الإدارات والأقسام والفروع مكرسة لموضوع واحد فقط، رغم الدعاية المتناقضة، ألا وهو الهيمنة السياسية باسم (العنصرية) !
وتختلف عملياتها وأهدافها عن عمليات وأهداف (مكتب الاستخبارات الاتحادي) من كافة الوجوه. فالمكتب الاتحادي وكالة حكومية وطنية، أوجدها ممثلو الشعب الأمريكي لهدف واحد وهو حماية الشعب الأمريكي بكامله. ويقوم على توجيه المكتب الاتحادي رجل عظيم يهتم بالمحافظة على دستور الولايات المتحدة وعلى أمن كل رجل وامرأة وطفل، بغض النظر عن لونه أو عقيدته أو أصله العرقي(2).
أما رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية فهما المعاكس المنطقي لمكتب الاستخبارات الاتحادي.
لقد عكفت اللجنة اليهودية الأمريكية منذ زمن طويل على شن حملات لتحييد المسيحية. فتعتقد هذه اللجنة (أن الاتجاهات العدائية المبكرة تغرس في الغالب من خلال استمرار الأخطاء التاريخية في التعاليم المسيحية حول المسيح).
لذا نجد اليهودية المنظمة مصممة على تغيير التعاليم المسيحية المعادية لليهود(3).
وعلى نطاق محدود، تعمل اللجنة اليهودية الأمريكية في مراجعة مواد معهد (الأحد الكاثوليكي) ومدارس (الأبرشية)(4).
هذا، وقد جاءت معارضة المنظمات اليهودية لأعمال التحري الرسمية على الشيوعيين لتثير شك الأمميين الأمريكيين حول التقاء الشيوعية مع اليهود. بل لقد قامت وكالات الدفاع اليهودية تصيح قائلة أن ذلك الاتهام دليل على ظهور الفاشية في أمريكا. وكتب كلتون فريدمان في (الصوت اليهودي بكاليفورنيا) في 28 نوفمبر 1952، معلناً:
(أن هناك متابعة دقيقة للتحقيقات التي تجريها اللجان النيابية وغيرها حول قضية الشيوعية، وتهدف هذه المتابعة لمعرفة ما إذا كانت معاداة السامية غير متنكرة في زي (معاداة الشيوعية). حقيقة أن القوى المعادية للسامية تسير على قواعد هتلر وتستخدم المعارضة الشيوعية ذريعة لشن حرب معادية لليهودية).
والواضع أن جهود الهيئات الرسمية التي تحقق في الشيوعية تضعف خوفاً من اتهامها بمعاداة السامية كلما اكتشفت شيوعياً يهودياً. ويتبين تكرار هذا الاكتشاف من تتبع يسير لفهارس تقارير اللجنة. ومع أن هذه الفهارس مروعة، لكنها تروي جزءاً من القصة، لا القصة كلها..
كان من الواجب أن تثير أسماء الشيوعيين اليهود والمتعاطفين معهم في الولايات المتحدة ضجات صحفية تحت عناوين رئيسية.. غير أنه من النادر أن تظهر في الصحف كلمة (يهودي) بشكل ملحوظ..
ومما يزيد الوضع سوءاً أن البيروقراطية اليهودية تبدو راغبة في إلقاء الشكوك واتهام جميع المعادين للشيوعية بالمعاداة السرية للسامية، لا لشيء إلا لمجرد أنهم يعادون الشيوعية.
وتعتبر رابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، واللجنة اليهودية الأمريكية الجسور القوية للشبكة الصهيونية. أما رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية فهما اللجنتان الدفاعيتان الرسميتان لليهود، ويمكن أن نضيف إليهما فعلاً المؤتمر اليهودي ـ الأمريكي واللجنة العمالية اليهودية وقدماء المحاربين اليهود. وبينما تشترك كل المنظمات اليهودية، تقريباً، في هذا النشاط، نجد أن رابطة محاربة الافتراء والمؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية تقدم قوات الصدم والصاعقة وأشد عملاء التجسس والمخابرات بلاء.
وتكتسب المنظمات الصهيونية شخصية دولية، لأنها ذات نشاط عالمي، ولا يقف نشاطها داخل حدود الولايات المتحدة، باستثناء المجلس الأمريكي اليهودي الذي وجد من الشجاعة ما جعله يعلن ولاءه السياسي للولايات المتحدة وولاءه الروحي للديانة اليهودية. ولقد لقي الأذى والتنديد على يدي الصهاينة لقاء وطنيته، ولكنه يتجاهل الحملات القذرة ويقف صامداً في الدفاع عن مصالح بلده لا عن مصالح إسرائيل، بل وينادي أحياناً بالعدالة تجاه العرب.
لقد بدأنا نعرف شيئاً عن العمليات الرهيبة التي تقوم بها رابطة محاربة الافتراء، وبدأنا ندرك مدى اتساع شبكتها التجسسية الممتدة داخل بناء الأمة وفي كافة أنحاء العالم، وبدأنا نشعر بالدوار لمدى سيطرتها الواضحة على قنوات الاتصال ووسائل الإعلام.. إزاء هذا لا بد لنا أن نتذكر بأننا نتعامل مع منظمة خاصة، تمولها التبرعات التي تغتصب من اليهود الأمريكيين ـ اليهود الأمريكيين المعزولين عن الحياة الأمريكية بفعل أبواق التحذير، خوفاً وارتياباً.
وإذا تذكرنا العبارات المرعبة التي استخدمها المتحدث الرسمي باسم رابطة محاربة الافتراء: (الفاشيون المحليون، والحقد العنصري، والمعادين للسامية.. إلخ)، نتذكر أيضاً أن الذي أحب كل الناس قال قديماً: (إنني آمركم بهذه الأمور: أن يحب بعضكم بعضاً).
وإذا فكرنا ملياً في رد الفعل النفسي عند من يوصم ويوصف بأنه (فاشي محلي) و(متعصب)، لا بد لنا أن نتساءل ونقول: ألا يزداد هذا الشخص المتعصب تعصباً، أم عساه يتحول فجأة إلى منبع للحب الأخوي ؟ إن الحب يولد الحب، ولكن يبدو أن رابطة محاربة الافتراء تأثرت بقول (بندار) الجاف: (لنكن أخوة أو سأقطع رقابكم)، أكثر من تأثرها بالنداء المهذب الداعي للحب: (تحابوا فيما بينكم).
(1) ـ يذكرنا هذا بما نشاهده على شاشات التلفزة العربية لبعض برامج الرسوم المتحركة ومنها (شمشون الصغير)، الذي يصور بطله (اليهودي) كإنسان جبار ذي قوة عقلية وبدنية تقهر أعتى القوى البشرية والحيوانية، بل والعلمية.. (المترجم)

(2) ـ هذا رأي المؤلف أوردناه حفظاً لأمانة النقل ولكن تتبعنا لأعمال الوكالة والتحقيقات المتعددة التي أجريت فيها تشككان في ما ذكره الكاتب.

(3) ـ ولتحقيق هذا الهدف يقوم ممثلون للجنة، من خلال الندوات الدينية، بإجراء دراسات مركزة للكتب الدينية المقررة في المدارس البروتستانتية. أما الاعتراضات اليهودية على بيانات هذه الكتب المقررة والمتعلقة باليهود واليهودية فإنها ترسل باستمرار إلى رجال التعليم البروتستانت وناشري الكتب المدرسية. وفي تقرير اللجنة اليهودية الأمريكية بيان عن (التقدم الملحوظ في حذف) المادة التي يعترض عليها اليهود.

(4) ـ قامت مجموعة استشارية من (اللجنة اليهودية الأمريكية) عاملة في تحضير (المواد الثقافية التعليمية)، بتطوير الصفوف الأبرشية في مدارس نيويورك الكاثوليكية. و(تحافظ اللجنة على استمرار التعاون الوثيق) مع إدارة تعليم مؤتمر الإنعاش الكاثوليكي الوطني في واشنطن. وتبين (اللجنة) أنها نجحت في وضع مادتها التعليمية الخاصة في أكثر من 150 مدرسة كاثوليكية عليا في أنحاء البلاد، وأنها نجحت في تكوين (وحدة المدرسين في تاريخ اليهود بأمريكا)، وهي ذات صلة مع تدريب المدرسين في الجامعة الكاثوليكية بأمريكا.

يتبع

المُنـى 1 - 2 - 2010 02:52 AM

الفصل الثاني عشر
خاتمـة
لقد نجحت الولايات المتحدة في استيعاب ومزج معظم شعوب أوروبا (الوافدين إليها). ولم يكن التجانس الناشئ بين سكانها في اللغة والعرق والدين والثقافة بمقدار ما كان مولداً لمفهوم جديد عن الحرية. وقد فتحت البلاد ذراعيها مكرمة كل المضطهدين في العالم، وذاب معظمهم في المجتمع الأمريكي وتلونوا بلونه. ولم يرفض هذا التجانس سوى قطعان يهود خزر القادمين من الاتحاد السوفييتي، نظراً لأنهم كانوا يؤمنون بفلسفتين متلازمتين: الصهيونية والماركسية. فقد أصروا من جهة على البقاء كشعب منفصل وأمة في المنفى تعاني من التصدع، وسعوا من جهة أخرى لإعادة تشكيل وتكوين ديانة وتقاليد وعادات بلد منفاهم (أمريكا). ولذا تجدهم يسيطرون على الحركات الثورية والمنظمات الإرهابية العاملة داخل البلد، وتجد أسماء لهم في السجلات التي تضم الخونة. وهم يستغلون كل وسيلة دعائية لكسب الاعتراف العالمي بمبدأ تنافر الأمة الواحدة واختلاف وضع الفرد عن المجتمع، لكي لا يلاموا على عدم تجانسهم داخل المجتمعات.
لقد كانت الولايات المتحدة أول بلد يمنح اليهودي المشرد كل الحقوق والمزايا التي ينعم بها مواطنوها. فالدستور ينص على حق كل يهودي متجنس بالأمريكية في دخول الحكومة واعتلاء أي منصب يمكن أن يصل إليه أي فرد من الشعب الأمريكي. ففتحت له أبواب الوظائف وأصبح قادراً على التعبير عن رأيه في كل منتدى دون خوف من الانتقام. وكان باستطاعته أن ينظم زملاءه اليهود في تنظيمات خاصة لأي سبب سياسي أو ديني أو تعليمي أو غيره، أو يمكنه الانضمام لجيرانه الأمميين في منظماتهم ـ إذا سمحوا له بذلك. والوقع أنه كان بإمكانه الانضمام إلى أحزابهم السياسية والكثير من التجمعات العامة الأخرى، سواء أحبوا ذلك أو كرهوه. ولكن الأمميين كان لهم حق قبول أو رفض أي واحد، لأي سبب أو بدون سبب، في جمعياتهم الخاصة.. وكان هذا النوع من الحرية يقابل التوبيخ من جانب اليهود، وأصبح مع الزمن يقابل بالتنديد ويوصف بالتمييز ومعاداة السامية. ثم إن هؤلاء القادمين الجدد من الطوائف المنعزلة بأوروبا، والمتبجحون بالوقوف متساوين مع غيرهم أمام قانون الولايات المتحدة، أصبحوا يثورون عندما يجدون الكثير من الأبواب الخاصة مغلقة في وجوههم. لقد أسكرتهم خمرة الحرية إلى درجة أصبحوا لا يحتملون معها هذا النوع من حرية الغير.
وكان أشد ما يغيظهم أن أمريكا الجديدة (بلد مسيحي). فقد وجد اليهود هنا، كما في غيرها من بلدان تشتتهم، الكنائس العظيمة ودور العبادة المنتشرة في المناطق الزراعية والرعوية. ووجدوا أن الاحتفالات العامة والاجتماعات التشريعية تفتتح وتختم بصلوات من الكتاب المقدس، استدراراً للبركة الإلهية ! ووجدوا أن المدارس العامة تؤكد على أخلاقية وعقائد المسيحية، وأن الأطفال ينشدون الترانيم في أعياد الميلاد والاحتفالات الدينية العامة. ووجدوا أن الناس يتذكرون في مناسبة، وفي الحملات السياسية والصحف والدوريات أن آباءهم الذين أسسوا البلد كانوا مسيحيين، وأن (ميثاق الحرية) ودستور الولايات المتحدة وثائق مسيحية.
ولكن اليهودية المنظمة جادة في تغيير الطبيعة الأمريكية وتدمير هذه الشعارات المسيحية وتهويد هذه الأمة المسيحية. وسيصبح بإمكان (أوسكار ستراوس) أن (يبرهن) في النهاية على أن هذا الحكم الجمهوري لإدارة الولايات المتحدة كان قد أقيم فعلاً على اليهودية، وأنه يجب أن يعتبر يهودي الأصل، لا مسيحياً.
كان الذين يرفعون صوت الاحتجاج على ذلك الفيضان الكاسح من الأجانب الذين يتدفقون على البلد يواجه بالرد اليهودي القائل أن جميع السكان كانوا أصلاً مهاجرين أو أحفاداً لمهاجرين، وأن الأمريكيين الحقيقيين هم الهنود الحمر. وكأن اليهود الأمريكيين بهذه النظرة كانوا مقتنعين بأن هجرتهم إلى الولايات المتحدة كانت حقاً لهم، لا منة، ولذلك أخرست الأصوات الأمريكية المستنكرة.
وسرعان ما اكتشف قادة الحركات الثورية من اليهود إمكانية استغلال زنوج أمريكا كسلاح فعال وقوي. فاستخدموا مبدأ التوسل للأقليات والاقتراب منها وعكفوا على تنفيذ برنامج يثير (الشعور الطبقي) بين السكان السود في الولايات المتحدة. وكان من السهل على اليهود التحول من استنكار الاضطهاد الديني إلى استنكار التمييز بسبب اللون. وحيثما كان رجال الدعاية اليهود يستخدمون في السابق تهمة (معاداة السامية)، أخذوا يصيحون مستنكرين (معاداة الزنوج)(1). وفي المدن الكبيرة، حيث كان اليهود يحتكون بالزنوج، انتقلت دعاية ماركس ولاسال وتغلغلت بين السود. والواقع أن احترام الصهاينة أحباء يهوذا للزنوج، كان أقل من احترامهم للأمميين البيض، وقد ترددوا في أولى محاولات تجنيد الزنوج داخل صفوفهم. وفطن اليهود إلى أن ظهور حزب شيوعي في أمريكا سيصعد النشاط في ميدان الحركات المثيرة، ولم يضيعوا أي جهد منذ البداية.
وفيما يلي جزء من بيان كتبه دمنغور محرر (ايمينسبتر):
(لا بد أن يكون للمتطرفين الأمريكيين دعاية منظمة وجيدة الإعداد، تبين للزنوج كيف يمكنهم الاستفادة كمجموعة (سكانية)، وتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وذلك عن طريق إحداث أي تغيير متطرف في النظام الاقتصادي الحالي.. ويجب إغراء الزنوج الأذكياء لحضور اجتماعات المتطرفين ولكي يصبحوا أعضاء في التنظيمات المتطرفة).
وبعد ذلك بوقت قصير أخذت أبواق الدعاية الماركسية تكتب الحرف الأول من كلمة (زنجي) بالحرف الكبير (دلالة على أهمية الكلمة)..
وزحف فيروس ماركس وتلامذته اليهود فوق الولايات المتحدة، ببطء وخبث، وأصاب جموعاً غفيرة من الأمريكيين. وانتشرت في البلد موجات الهرطقة اللادينية، تتلف جذور العقيدة وبذورها، وتذبل برياح الشك بساتين العنب التي تعيش منذ ألفي سنة. وغزت بهدوء وصمت، كبخار السموم الخفي، حجرات الدراسة في المدارس الأمريكية لتغشي بصائر من يربون الجيل الجديد، واخترقت الأبراج العاجية للجامعات والكليات لإرباك المتعلمين، والتفت بهدوء وسرية حول المنابر لتغشية عقول القساوسة ليشنوا حرباً على أركان دينهم.. وتوارى عن الأنظار أبطال وحماة العقيدة، واحداً بعد الآخر، وأخيراً أخرست أصواتهم. أما في قاعات الأمة التشريعية، حيث تغلغلت أبخرة الشلل، فقد برزت اقتراحات غريبة ومخيفة، وتوقف السياسيون عن الحديث حول (أمتنا المسيحية). وأصبح رجال الدين المسيحيون يجدون حرجاً في أنفسهم عند ذكر (المسيح) في صلواتهم العامة.. وبالتدريج انهار البناء السياسي للولايات المتحدة بفعل فيروس الشلل اليهودي الذي يجتاح البلد عبر بوابات جزيرة إيليس الخالية من الحراس.
إن التاريخ يسجل، إن الأغلبية الكبيرة تمتص الأقلية وتستوعبها، وهذا ما ينطبق على كل مهاجر أممي إلى الشعوب الأممية، ولكن هناك استثناء واضحاً لذلك، ويتمثل في فشل السكان الأممين في امتصاص الأقليات اليهودية. ولا شك أن هذه القاعدة والاستثناء الواضح معترف بهما على نطاق عالمي. فقد أظهر المهاجرون اليهود إلى الولايات المتحدة منذ سنة 1848 انحرافاً واضحاً ومذهلاً عن هذه القاعدة العامة، والأدهى من ذلك أن الأقلية اليهودية هي التي تمتص الغالبية العظمى من السكان. وهناك خوف من أن تهود أمريكا في غضون مائة عام، وبشكل يفوق أحلام ماركس.
سيكشف التاريخ بوضوح (إذا لم تنجح اليهودية المنظمة في إعادة صياغة حقائقه) أن الدعاية الصهيونية هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى دخول الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، تماماً كما حدث سنة 1917. ولو لم تدخل الولايات المتحدة الحرب لدمرت ألمانيا روسيا الشيوعية، ولما كان الصهاينة اليوم يحتلون أراضي العرب الفلسطينيين.
ولو أن الصهاينة تم لهم ما أرادوا تماماً، لسيقت ألمانيا إلى حتفها في غضون سنوات قليلة. فقد خشي اليهود العبقرية الاختراعية والصناعية عند علماء الألمان، وسعت اليهودية لتطبيق مخطط لإزالة الألمان، وإلى الأبد، من ميدان التنافس العلمي والصناعي. ولو نفذت (خطة مارغنثاو) تنفيذاً تاماً لتقلصت ألمانيا إلى بلد زراعي ليست له مكانة بين بلدان العالم.. وقد كانت هذه الخطة تتبنى برنامجاً قاسياً يعني هلاك الجيل الجديد في ألمانيا، وكان عذر (الانتقام اليهودي) من الألمان مبنياً على الأكذوبة التي روج لها بشكل غريب، بأن الألمان ذبحوا ستة ملايين يهودي ! وقد لقي هذا التزوير العجيب تصديقاً على نطاق عالمي، رغم أن عدد السكان اليهود، في العالم كله، كان في نهاية الحرب أكبر منه في أي وقت مضى ـ والأرقام مبنية على الإحصائيات اليهودية (الكتاب السنوي).
حالما تم قبول (الأكذوبة الكبرى) ـ ستة ملايين يهودي ضحايا هتلر ـ أجبرت الأمم المتحدة ألمانيا على دفع (تعويضات) لكل اليهود الذين وطئت أقدامهم الأرض الألمانية. وهذه التعويضات تدفع بالطبع لإسرائيل، لكي يتمكن الصهاينة من استئصال العرب من فلسطين.
إن إسرائيل هي البلد الوحيد في الشرق الأدنى الذي يعترف بالحزب الشيوعي، ويجلس مرشحوه الناجحون في الانتخابات في المراكز العامة العليا. أما في البلاد العربية فالقانون يمنع الشيوعية من العمل (العلني الصريح). ولكن البلاد العربية التي خدعها الغرب وأهانها مدفوعة للبحث عن المساعدة حيثما تجدها. وتقوم أجهزة الدعاية اليهودية بنشر الدعاية المعادية لعبد الناصر طيلة الأربع وعشرين ساعة، منذ ظهوره كقوة توحيدية في العالم العربي(2). ولو كان العالم العربي موحداً لفكرت الأمم المتحدة جيداً قبل إعطاء فلسطين للصهاينة دونما وجه حق.
إن الشعور بالمعاناة والظلم الكبير من أقوى العوامل في توحيد الشعوب. وقد حدثت مظالم كثيرة عبر القرون، ولكن قل منها ما كان قاسياً غير أخلاقي كذلك الظلم الذي نزل بعرب فلسطين فسرقت أرضهم وشردوا في الآفاق.. والعرب يدركون ذلك ويعرفون لماذا وكيف حدث.. وهم يعرفون أيضاً بأن إسرائيل لا بد وأن توسع حدودها الحالية لكي تجمع كل اليهود داخل فلسطين.
وأما عندما استولى الشيوعيون على إسبانيا وتدفقت داخل البلد السيء الحظ جيوش المتطوعين الشيوعيين من اثنين وعشرين بلداً، فإن واشنطن لم تحرك ساكناً لإيقاف العدوان الشيوعي.. وبالطبع يعرف العالم اليوم أن اليهود، بقيادة السفير السوفييتي روزنبرغ، هم الذين كانوا يوجهون الهجوم على إسبانيا. ولم تعارض واشنطن رسمياً اليهود الشيوعيين الأمريكيين داخل ما يسمى لواء جورج واشنطن ولواء ابراهان لينكولن، الذي ذهبوا إلى إسبانيا لخوض مذبحة ضد الأمميين.
وعندما أثبت فرانكو مقدرته على مواجهة الشيوعيين، تبرع برنارد باروخ (اليهودي) بمبلغ عشرة آلاف دولار، تكاليف عودة القوات اليهودية الأمريكية إلى الولايات المتحدة. ولم تستطع واشنطن إبداء النقد، ناهيك عن التدخل.. وظل باروخ (السياسي الأكبر) ومستشار الرؤساء !!
لقد اختطف ثوار كوبا خمسة وأربعين أمريكياً، وكثر عدد المفقودين من القوات البحرية الأمريكية على شواطئ كوبا، ويقال إن مئات الجنود الأمريكيين يعانون في سجون الصين، إلا أن واشنطن أكثر اهتماماً بحملات التبرع اليهودية منها بحماية جنودها !
أسفرت ثورة المجر في أكتوبر 1965، عن شحن أكثر من 75 ألف مسيحي إلى سيبيريا، وما يزال هناك أربعون ألفاً آخرون في سجون رومانيا نفسها. وقد أرسل من المجر خمسة آلاف إلى الصين الشيوعية وادخلوا في كتائب الألغام الصينية ليكونوا وقوداً للألغام. أما أول موجة من المهاجرين المجريين إلى الولايات المتحدة فلم يكونوا إلا من اليهود الشيوعيين.. ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً.. وفي أثناء التمرد الذي حدث في المجر أرسل الاتحاد السوفييتي جيشاً تدعمه مئات الدبابات.. كان ذلك (عدواناً شيوعياً) ولكن ايزنهاور لم يتحرك للتدخل !!
وقد دفعت واشنطن ليوغوسلافيا مليارات من الدولارات وتلقت بولندا منذ سنة 1945 نحو 513 مليون دولار من الولايات المتحدة.. إن أمريكا تقوم بإحدى اليدين بدفع مليارات الدولارات لدعم الأنظمة الشيوعية، وبالأخرى تندفع إلى أي مكان في العالم لإنقاذ الصهاينة بحجة (العدوان الشيوعي).
والحديث عن (يالتا)(3) و(بوتسدام)(4)، يثير عدداً آخر من التساؤلات. أما خدعة بولندا والصين وغيرهما من الحلفاء، وكذلك كوريا، وهزيمة الجيوش الأمريكية تحت قيادة الأمم المتحدة، كل هذه الأمور، وغيرها الكثير، تصرخ الأصوات مطالبة بتعليلها وتوضيحها. ومهما قيل حول ذلك من كلام منمق فإن علامة الاستفهام تبقى خالدة، لأنه لا يجرؤ أحد على إعطاء الإجابة الصحيحة..
وإذا قدر للحرب العالمية الثالثة أن تدور فإنها ربما ستنشب لجعل البلدان العربية توابع تدور في فلك إسرائيل. وربما كان هذا الاحتمال هو الوارد في ذهن ناحوم جولدمان، رئيس المجلس اليهودي العالمي، عندما كان يتحدث أمام المؤتمر اليهودي الكندي في 31 مايو 1947 عندما أخبر يهود كندا بأن إسرائيل أهم (منطقة استراتيجية في العالم). وقال كذلك، كما ورد في نشرة المؤتمر:
(لم يكن لفلسطين قبل خمسة وعشرين عاماً خلت عشر ما لها من أهمية في السياسة العالمية اليوم. لقد أصبح العالم عالماً واحدا، والكثير العديد من رجال الاستراتيجية يعتقدون بأنه أهم منطقة استراتيجية في العالم هي الشرق الأوسط. وهناك مؤرخون كبار للحرب العالمية الثانية يعتقدون بأن المعركة الفاصلة في الحرب كانت معركة العلمين، لأنه لو اجتاح النازيون الشرق الأوسط لكسبوا الحرب. ربما كان هذا الكلام مبالغاً فيه أو غير مبالغ، ولكنهم مقتنعون بأنه لو قامت أي حرب في المستقبل فإنها ستكون عالمية وستتركز في هذا الجزء من العالم. إن الشرق الأوسط، بوجوده بين القارات الثلاث، وحلقة الصلة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ربما يكون أعظم منطقة استراتيجية في العالم.
(في أحد أحاديثي في الصيف الماضي مع المستر بيفين (وزير خارجية بريطانيا) حيث كان يتحدث بصراحة تامة، قال لي: (تعرف يا دكتور ماذا تريدني أن أعمل بإقامة دولة يهودية ؟ إنك تريد مني أن أضع في يديك مفاتيح أعظم المناطق الاستراتيجية أهمية في العالم ! اسمح لي أن أفكر مرة ومرتين قبل إعطائك هذا المفتاح). لقد كان في ملاحظته شيء هام.
(وقد جاء اكتشاف النفط في الشرق الأوسط عاملاً يضفي على المنطقة أهمية خاصة. إنني أتذكر ما قاله لي (ايكز) الذي كان مسؤولاً عن إدارة النفط الأمريكي أثناء الحرب عندما أوضح بأن تقارير الخبراء تفيد بأن ما يوجد من نفط في الشرق الأوسط يزيد عما في شمال ووسط أمريكا من عشر مرات إلى عشرين مرة. وأنتم تعرفون ما يعنيه النفط في هذا العالم، وحالما نقيم دولتنا اليهودية في فلسطين سيصبح كل هذا لصالحنا.. ولكن، وحتى نقيمها، فإننا نواجه المشاكل، إذ يتردد الناس كثيراً في السماح لليهود بالإقامة في المنطقة التي تتمتع بهذه الأهمية.
(لو كنا نريد توطين اليهود في مدغشقر لفعلنا ذلك من قبل، لأنه لا يهتم لأحد لما يجري في مدغشقر ولكن فلسطين اليوم هي مركز الاستراتيجية ومركز سياسة القوى العالمية، والساسة الذين يتصلون بالصهاينة اليوم يفكرون نفس التفكير.. إنني أريد من الصهاينة أن يفهموا ذلك. وليست العدالة والإنصاف دائماً هي المهمة في العالم، بل إن حكومات العالم ستقرر مواقفها من خلال وجهة نظر مصالحها الحقيقية. هذه هي التي ستكون الاعتبارات الحاسمة، ولن تكون حاسمة المظاهر الإنسانية للمشكلة، والتي يمكن أن تلعب دوراً معيناً. إن علينا أن نعدل سياستنا حسب هذه النظرة الواقعية للمشكلة).
إن أفكار اليهود هي التي تسود الآن في كل مكان، أما احتلال فلسطين وإقامة دولة إسرائيل فهو علامة لبداية العصر اللاديني لليهود. لقد قامت الشيوعية اليهودية بتحطيم المسيحية في روسيا، ورفعت الحرب العالمية الثانية تلك الدولة الماركسية إلى مصاف الدول العظمى.. أما ألمانيا وقوى المحور فهي مغلوبة على أمرها، تنفض عن نفسها ببطء حطام أفجع مصيبة في التاريخ. وأما الدول التي كانت معادية للصهاينة قديماً فهي الآن دويلات تدور حزينة في فلك الاتحاد السوفييتي.. وقد تحطمت الإمبراطورية البريطانية العظمى، ويجري امتصاص مستعمراتها تدريجياً داخل دوامة الشيوعية اليهودية. وبينما تضغط الأحزاب الشيوعية في كل مكان على جدران الرأسمالية المتصدعة، يرحب الساسة المرتشون بالطابور الخامس الشيوعي.. ولقد قامت البروليتاريا الثورية الصهيونية بعملها على خير وجه.
وأما سطوة المال اليهودي فقد قويت أكثر من أي وقت مضى، حتى تظل قوته الرهيبة مسيطرة في كل أنحاء العالم.
وفي نفس الوقت توجد عملية السيطرة على العالم من خلال الأمم المتحدة، رغم أنها غير مهيأة حتى الآن لإخضاع أمم الأرض إخضاعاً تاماً. وينتشر رجال الدعاية اليهودية في كل مكان، في الحكومات وفي ميدان الصحافة وفي الإذاعات بنوعيها المسموع والمرئي، وفي الكنائس. ولا يبدو أن هناك قوة ما قادرة على إيقاف الزحف اليهودي للسيطرة على العالم. إنهم لم يعودوا يعملون وحدهم، فالأمميون الذين غسلت أدمغتهم وأصبحوا كالببغاوات يرددون الدعاية الصهيونية بحماس منقطع الأنفاس، موجودون في كل مكان، في مجالس الشيوخ والنواب، وفي النوادي وفي زوايا الشوارع.
إن الأحزاب السياسية في الدول الرأسمالية تتراجع وتتقهقر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. فقد حاربت في بضع عمليات مراسية بالمؤخرة، ثم استسلمت قلعة بعد أخرى دون أن نطلق رصاصة واحدة.. وقد أثبتت مناوراتها السابقة تضاؤل فعاليتها، سنة بعد أخرى، بل إنها كانت تخسر على كل جبهة، لسبب بسيط، وهو أن القائمين عليها لا يعلمون، أو يرفضون الاعتراف بأنهم يعلمون موقع الجبهة. ذلك لأنهم يخضعون لتنويم مغناطيسي عجيب ويخشون تسمية أعدائهم. وبينما يظهرون كمساندين عظام للحرية، يعمدون إلى خرق سفنهم بحفارات من (الإعلان الشيوعي). وتقوم الأحزاب القديمة المتعبة والهاربة أو المتبنية لبرامج الاشتراكيين، بالتوسل لإيصال مرشحيها للمناصب العامة. وقد أصبحت حملاتها برامج عملاقة للتملص، ويسعى كل حزب ليسبق الآخر بوعود وهمية. وأما عقائدها ونظمها المالية والاجتماعية والسياسية فهي ممزقة وملطخة نفايات اشتراكية، وتفشل في كسب وتأييد الوطنيين الذين خابت آمالهم.
ويفشل معظم الزعماء المناوئين للشيوعية في زمننا هذا، لأنهم يفتقرون إما إلى الشجاعة أو إلى المعرفة اللازمة للقيام بمهامهم.. أما الذين يعرفون المشاكل الحقيقية ويفهمونها فإن طموحهم الشخصي يلجم أفواههم وتخرسهم الحملة العنيفة من معارضيهم. وأما أكثر الناس قدرة وعظمة فإنهم يتحولون إلى أشخاص مسلوبي الإرادة، إما بسبب حب الذات، أو خوفاً من وصمهم بالرجعية أو العداء للسامية.. وبالتالي يعمد السياسيون إلى اختيار لغة ينتقون مفرداتها بحذر شديد، ويصبح (الحل الوسط) أو (التسوية)، الأساس الذي تبنى عليه ومواقفهم.
إن الشيوعية اليهودية لا بد أن تسيطر يوماً ما على الشيوعية الأممية ولن ينصهر الصهاينة بقوميتهم في الشيوعية الدولية أكثر من انصهارهم في أي تجمع آخر. فالشيوعية ليست إلا اختراعاً يهودياً، تماماً كما اخترعوا الرأسمالية ـ وقد استخدم الاختراعان، وسيتواصل استخدامهما لنفس الأهداف اليهودية.
ولكن: هل فات الأوان ؟ إن الكثير من الساسة المخلصين قد تتبعوا طريق الحق وعملوا على إصلاح ما فسد.. فلن ينسى إلا القليل من الناس الكلمات الجريئة والمحزنة للسنتور (مكران) بعد أن لاحظ الفوضى التي تكتسح الولايات المتحدة نتيجة لسطوة الأمم المتحدة، فقال:
(إنني متأكد بأنني سأظل نادماً ما حييت لتصويتي على ميثاق الأمم المتحدة).
أما (جون وود)، عضو مجلس النواب المكافح الجريء لخطر الجسم الغريب الموجود فوق التراب الأمريكي فقد عمل على حث شعب الولايات المتحدة للتخلص منه قبل أن يفوت الأوان وتضيع الفرصة، وقال: (إنني أطالب هذه المنظمة الخائنة للوقوف خلف القضبان والمثول أمام العدالة الأمريكية، وأطالب مرة أخرى بإلغاء عضوية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، والمنظمات المتخصصة المتفرعة عنها).
لا توجد علاقة بين الأخلاق والسياسة، كما لا توجد بين الأخلاق والحرب.. إنني لا أعني أن هذا هو عين الصواب، ولكن ذلك هو الأمر الواقع في هذا العالم.. وكذلك تعتبر الصراحة والأمانة والنزاهة صفات نقص خطيرة في شخصية السياسي في هذا العصر. ولو حدث أن نال سياسي يتحلى بهذه الصفات مركزاً هاماً وأصر على التعلق بهذه الخرافات التي عفى عليها الزمن، فلن يقدر له الفوز في الانتخابات التالية، هذا إذا لم يفقد منصبه قبل نهاية المدة المقدرة له.. فالناس لا يهتمون كثيراً بهذه الفضائل، لأنهم يكرهون الحقيقة إذا تدخلت لإعاقة أحلامهم، ويسوؤهم أن يواجهوا بحقائق الحياة الكريهة. لقد أصبحت جماهير تستثيرهم العاطفة والمصالح الخاصة والطمع الشديد. ويعرف رجال الدعاية هذا الأمر، ولم يعد يوجد في سوقهم أي مكان للمنطق والعقل والاعتبار العملي والحقائق الواضحة.
إن الجماهير تفتقر إلى القدرة على فهم المواضيع العظيمة القدر، لأنها تتحرك جماعياً نحو الأهداف المركبة بفعل الحافز العاطفي. والذي يبدو تحت وطأة الهياج والهستيريا أنه (مصلحة عامة)، يتضح بأنه مصيبة عند التجربة الفردية. والواقع أن الغوغاء لا عقل لها.. فالحلة البهية والعلم الأحمر، والشعارات البراقة، هي الشرارات التي تحرك الجماهير للسير في طريق الثورة وأعمال العنف. أما النظريات العميقة التي تجيء بعد دراسة دقيقة فإنها لا قيمة لها بدون العبارات المضللة التي تحرك النظريات وتحولها إلى أفعال. ويجب ألا توجد صلة بين العبارات والشعارات المضللة، وبين التعقل والتروي.. بل يجب أن تصاغ بعبارات تمثل الحاجة والطمع والغرور والحقد. وحالما تتحرك الجماهير فإن من الصعب إيقافها، بل تزداد وحشيتها، وتضع الثورة المخطط لها والمدبرة مصائد للثوريين حتى لا يدمروا أيضاً من اخترعها وخطط لها.
هذه هي حقائق السلوك الإنساني، وهذه هي سواعد القوة..
والذين يريدون أن يحكموا العالم في القرن العشرين لا بد لهم من الغنى الوفير والثروة العظيمة، وأن يكونوا على قدر هائل من الذكاء والدهاء والخداع.. ويجب أن يكون هدفهم الظاهري هو مصلحة الشعب. حتى ولو انتهت وسائل هذا الهدف بفاجعة. وإذا كان الهدف الحقيقي هو التدمير ـ حتى مع وجود النوايا ببناء عالم أفضل ـ فإن وسائل إنجاز الإصلاحات المزعومة لا تهم كثيراً، ولا يوجد شيء يخدع (المعدمين) أكثر من مصادرة أموال (الأغنياء) لمصلحة (المعدمين). فالسياسي الذي يعد بضرب (الأغنياء) هو البطل دائماً في أعين الناس.
إننا إذا فتشنا وبحثنا خلف مشاهد السياسة العالمية المتحركة، وجدنا الصهيوني يقف صلباً مجرداً من العواطف، لا يهتز له وجدان. فتدمير الأمم وهدم الأديان، وتقدم الشيوعية الملحدة مقطبة الجبين، كل هذه المآسي خطوات عملاقة على الطريق لتحقيق أمل إسرائيل. وترى الصهيوني الداعي للاشتراكية في كل مكان يتلاعب بالحبال التي تحرك الدمى الأممية، ولكنه يظل خفياً.. ويعتبر هذا الخفاء أغرب ظاهرة عرفها العالم.. ورغم وجود الصهيوني دائماً أمام الأنظار واضحاً جلياً، قلما يوجد من يجرؤ على الكلام حتى لا يصيبه الشر الخفي. وأما عندما يعترف الجميع بأنهم يرون حقاً ما تبصره أعينهم فربما تكون قد ضاعت الفرصة وفات الأوان لتقويم الموقف..
الحرية، والمساواة، والأخوة !! كم من الدماء لطخت المتاريس استجابة لهذه الصيحة الخالية من الإحساس والشعور! قلما يوجد من بين الذين انتشوا بهذه المعاني المجردة، من استطاع شرح معانيها، وعندما يشرحها يعرفها بمزيد من التجريد. فالحرية تعني (العبودية) بالنسبة للأغلبية، والمساواة تعني النزول إلى أدنى مستوى عام، والأخوة تعني نوعاً من الأخوة ينفي الأبوة ويستبعد الجانب الخير من الإنسانية.
أما السلام والطمأنينة فلا يوجدان إلا في قلوب الناس. وأما الحدود الاصطناعية الموسعة لتشمل العالم، أو الضيقة حتى تقتصر على مساحة محدودة من الأفدنة، فلم تجلب مطلقاً، ولن تقدر على جلب السلام والأخوة.
وهذه كلمات باتريك هنري تبدو وكأنها موجهة إلى جيل اليوم:
(من الطبيعي للإنسان أن يسبح في بحور الأمل، ونميل لإغلاق أعيننا أمام الحقيقة المؤلمة والاستماع إلى أغنية السيرانة(5) حتى تحولنا إلى وحوش. هل هذا النوع من الناس هم الحكماء الذين يخوضون صراعاً ضارياً من أجل الحرية ؟ وهل طبعنا لنكون من أولئك الذين لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ما يهمهم هو مصيرهم ونجاتهم في الحياة ؟ ليس لي إلا قنديل واحد يضيء دربي، إنه قنديل الحرية.. ولكن، ما الذي تهفو إليه قلوب الرجال وما الذي يريدونه ؟ هل الحياة عزيزة والسلام عذب إلى الحد الذي يشتريان عنده بالسلاسل والعبودية ؟ إلهي القدير: أسألك البعد عن ذلك ! إنني لا أعرف الدرب الذي يسلكه الآخرون، ولكن أعطني الحرية أو أرحنى بالموت).
إن هذه الفضيلة سرمدية لا تتغير، ولن تتغير طالما ظل الناس مع الحق وبجانبه، وفي قلوبهم تقدير للحرية التي منحها الله لهم. أمثال هؤلاء، خير لهم أن يدمر الكون أو تفجر القنبلة الذرية من العيش في ظل العبودية.. وطالما وجد أمثالهم، ستظل الحرية ويبقى لها وجود في العالم...
وكذلك ستبقى الفضائل المقدسة على الدوام، وسيخلد مقياس الحكم الحق، وستظل دروس التاريخ حاضرة لمن يبحث عنها، ولمن يتعلم ويفهم. صحيح أن الطريق طويلة وضيقة ومنحدرة صعبة المسير، ولكن يد الله ترشدنا فيها، وهي وحدها التي تقودنا إلى السلام والأخوة الحقة...
(1) ـ لا شك أن الزنوج في أمريكا عانوا الكثير، وما يزالون، من ظلم البيض واضطهادهم واحتقارهم إلى درجة يندى لها جبين الإنسانية. وطبيعي أن اليهود لم يكونوا مخلصين في التقرب من السود وإثارة الروح العرقية عندهم، بل كانوا يريدون استغلالهم في أنشطتهم التخريبية داخل المجتمع الأمريكي وتحقيق هدفهم في تدمير ذلك المجتمع. ولم يفطن السود لذلك إلا في أواخر الستينات، حيث انقلب الكثير منهم ضد اليهود وأصبحوا ينظرون إليهم بعين العداء. (المترجم).

(2) ـ تأثر الكاتب على ما يبدو بما كان يسود العالم العربي من أوضاع في فترة إصدار كتابه، والمتأمل في هذه الأوضاع الآن تطالعه حقائق جديدة تجعله يعيد النظر في كثير من الأسماء والمسميات.

(3) ـ مؤتمر يالتا بالقرم بروسيا بين ستالين وروزفلت وتشرشل في فبراير 1945.

(4) ـ مؤتمر بوتسدام بألمانيا بعد انهيار هتلر، بين ترومان وستالين يوليو 1945.

(5) ـ السيرانة مخلوقة خرافية عند اليونان، لها رأس امرأة وجسم طير، تغني فتسحر الملاحين بغنائها حتى توردهم موارد التهلكة.

انتهـــــــــــــــى

ملك القلوب 25 - 2 - 2010 12:47 AM

كتاب قيم يستحق القراءة ومشكورة على جهودك

صائد الأفكار 26 - 2 - 2010 01:34 AM

مشكوووووووورة
يعطيك الصحة والعافية
بارك الله فيك
^_^

أبو جمال 19 - 3 - 2010 03:15 PM

كتاب مهم ولي عودة لاكمال تصفحه
اطيب وارق تحيه لك

جمال جرار 9 - 7 - 2012 06:55 PM




الساعة الآن 10:10 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى