منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..! (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=32720)

أم يــــافا 25 - 3 - 2014 07:06 PM

لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/30.gif


لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!

ميسون عبدالرحمن النحلاوي




لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!


سبحانَ اللهِ، عندما نصل إلى قصةِ داودَ وجالوتَ، ونحن نقرأ سورة البقرة - تَجرِي على لسانِنا وكأنَّنا نَحفظُها منذ أمدٍ بعيدٍ.

فلا يسجَّل لنا فيها أيُّ خطأ "حفظيهل لأنها قصة؟ هل لأنها ممتعة مترابطة سهلة؟


ربما كلُّ ذلك.

وربما لأننا نَستَشعِرُها باللاوعي.. قصةٌ من قصَص الأمم لا يَروِيها لنا العَلِيُّ القَدِير، إلا ليُعلِّمَنا ويُخبِرَنا أن كلَّ الأمم "مرَّت / وستمرُّ" بهذا الامتحان؛ فانظروا إلى المقدِّمات، وانظروا إلى النتائج، إنها:
قصتنا!

أعوذُ باللهِ من الشيطان الرجيم:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 246 - 252].

بسم الله نبدأُ:
يَجدُر بنا أن نفردَ لأولِ آيتينِ بحثًا خاصًّا، يَتَمحوَر حولَ ورودِ معظمِ آياتِ الإنفاقِ في القرآن الكريم بعد أو قبل آياتِ القتال.

الآن نبدأُ بقصتِنا:
قصةُ الفئةِ القليلةِ، الاختيارُ بعد التمحيصِ:
تتحدَّث قصَّتنا في هذه الآياتِ عن الإيمانِ الحقيقيِّ، الذي يُثمِر النصرَ الأكيد على الأعداءِ.

تتحدَّث عن تصديقِ القولِ العملَ، وتكذيبِ القولِ العملَ، عن مقاييسِ عِلْيَةِ القوم في اختيارِ القائد، وتفاهتِها أمام المقاييسِ الربَّانية.

تتحدَّث عن ثمارِ طاعةِ القائد وعصيانِه، عن الإيمانِ اليقينِي الذي يَعمُر قلبَ تلك الفئة، فلا يَنهَزِمُون نفسيًّا أمام كثرةِ العددِ؛ لأنهم يَستَشعِرُون مَعيَّة الله، ويَعرِفُون معنَى هذه المعيَّة، يَعرِفُون أن النصرَ مع الصبرِ، وأن الدعاءَ لا بدَّ من عوامل النصر.

وما النصرُ إلا من عند اللهِ العزيز الحكيم.

الفصل الأول: تكذيب القول العمل:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

في مرحلةٍ من مراحلِ ضعف الأمَّة، عندما استُبِيحت الأرضُ، وسُبِي الأبناء، وضاع المُلْك والحكم، وجدَّ عِليةُ القوم أو الحكماء من بنِي إسرائيل - ما نسمِّيهم اليوم "أصحاب القرار" أو "النُّخْبَة" - أنْ لا حلَّ لما يُعَانونه من ظلمٍ وحرمانٍ لاستعادة حقِّهم في الحكم والملك، إلا بالخروجِ على عدوِّهم الذي استباح بيضتَهم، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا الجهاد - أجمعوا أمرَهم، وقرَّروا أن أفضلَ طريقةٍ للخروجِ إلى القتالِ هي رصُّ صفوفِهم تحت إمرةِ قائدٍ يكونُ لهم ملكًا - وكان حكَّامهم ملوكًا - ليعقدَ لهم رايةَ القتالِ، فاحتَكَموا إلى نبيِّهم؛ ليَعرِضُوا عليه الأمرَ، وهو رغبتُهم في القتال، شرطَ أن يكونَ تحت إمرةِ "ملكٍ"، ويبدو أنهم أرادوا ذلك؛ ليُنعِشُوا فكرةَ المُلْكِ من جديدٍ في نفوسِهم، بعد أن حطَّمها أعداؤهم "العمالقة"، وقد يكون في كلمة: ﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ﴾ دلالةٌ على بعثٍ بعد مواتٍ دام زمنًا، والله أعلم.

ولكنَّ نبيَّهم كان يعلمُ الزيغَ الذي في قلوبِهم، يعلمُ أنهم ﴿ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾، يعلم أنهم يمكنُ أن ينقضوا كلامَهم، ويَتَراجَعُوا فيه، فاحتَاطَ لذلك، وكان أن عَمِد إلى إظهارِ تشكُّكه في كلامِهم، والتثبُّت من عزيمتِهم؛ ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾، لكنهم أكَّدوا عزمَهم وإصرارَهم على القتالِ؛ فالمصيبةُ كبيرةٌ: وطنٌ سليبٌ، وأبناءٌ عبيدٌ تحت إمرةِ العدوِّ.

﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾، ولكن تبيَّن أن الخروجَ من طورِ الفكرِ والشعورِ إلى طور العملِ والظهورِ - ليس أمرًا سهلاً، ففي مرحلةٍ كهذه يَنكَشِف عجزُ الأدعياء المدَّعين، ويَظهَر صدق الصادقين.

﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾.

مَن الذي أوفَى بالعهد؟
﴿ قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾، الفئة القليلة!

ما أشدَّ تشابهَ أحوالِ الأمم!

الفصل الثاني: الاختلاف على الكرسي:
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].

بالرغمِ من أن المَلِكَ المختارَ كان اختيارُه إلهيًّا، فإنَّهم اعتَرضُوا عليه، فماذا لو كان بشريًّا؟

سبحان اللهِ! كم تُشعرنِي هذه الآيةُ بعظمةِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - ودينِه الذي ارتضى لعبادِه! كم تُثلِجُ قلبِي عندما أَستَشعِر فيها تحطيمًا لكل المقاييسِ الدنيوية والجاهليةِ في اختيار القائدِ، في نفسِ كلِّ واحد منا - إلا مَن رحم ربي - مخلوقٌ جاهليٌّ يَتَراوَح في الضخامةِ بين قزمٍ صغيرٍ وعملاقٍ كبيرٍ، نحترم مَن له حَسَبٌ ونسبٌ، نبجِّل مَن له عزوةٌ، نَسمَع كلامَ مَن له جمهورٌ، نُلغِي عقولَنا، نتجاهل مَن لا ظهرَ له ولا سندَ - والبعض منا يحتقرُه للأسف - مع أنه قد يكونُ عند الله أعظمَ من كل أولئك.

هذا يقول: أبي، وذاك يقول: جدي، وثالث يقول: عشيرتي، ورابع: عزوتي وثروتي... وملكي.

هذه مقاييسُ بنِي إسرائيل، اعتَرضُوا على مَلِكِهم؛ لأنه ليس سليلَ الملوكِ، ولا مالَ عنده ولا عزوة.

ولكن الله يؤتِي مُلْكَه مَن يشاء، بسطة في العلم والجسم:
العلم الرباني الحقيقي، وليس علم ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾، ولا علمَ المتاجرةِ باسمِ الدينِ، واستباحةِ عقولِ الناسِ باسم الإلهِ!

والقوة الإيمانية والجسدية:
﴿ واللهُ واسعٌ عليمٌ ﴾: لا حدودَ لعطائه، والعلم عنده، وحدَه مَن يعطي، ووحده مَن يمنع.

سبحان الله ما أشدَّ تشابهَ أحوال الأمم!

الفصل الثالث: عصيان الأوامر:
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249].

جهاد النفس:
انتظم أولئك الذين طلبوا القتالَ في جيشٍ كبيرٍ تحتَ إمرةِ مَلِكِهم وقائدِهم طالوتَ، الذي بَعَثه الله عليهم وساروا باتِّجاه العدوِّ.

إلا أن هذا الجيشَ كان فيه المنافقون، وفيه المؤمنون، فيه مَن يريد الدنيا، وفيه مَن يريدُ الآخرةِ، جيشٌ كهذا بعدَّة أهدافٍ وعدَّة دوافعَ، مزعزعُ الإيمانِ لا يُمكِن أن تكون له النصرةُ على عدوٍّ له هدفٌ واحدٌ ودافعٌ واحدٌ، يَفُوقُه عددًا وعدَّة!

والله استجاب لهم، وبَعَث لهم ملكًا؛ ليَستَرِدُّوا مُلكَهم، ويقيموا فيه حكمَ اللهِ، وهذا أهمُّ ما في الأمرِ؛ ليُقِيموا حكمَ الله، وبغيرِ هذا الهدفِ الواحدِ الخالص لله - للهِ فقط دون منازعٍ - لن يتم النصرُ.

فكان لا بدَّ من تمحيصٍ: المجاهدون هم أناسٌ مصنوعونَ على عينِ اللهِ، ليس عندهم مَن هو أحبُّ إليهم من الله، يَمتَثِلون لأوامرِه، ويَقِفُون عند نواهيه، هم أناسٌ كَسَبوا الجولةَ في جهادِهم مع النفس، قَهَروها فلم يَترُكُوا لها مكانًا في مواجهةِ أوامر الله؛ لأنهم يَعرِفُون أن اللهَ هو العليمُ الحكيمُ مدبِّر الأمور؛ ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

كلمة الله أولاً وأخيرًا، لله الأمر من قبل ومن بعد.

لم يكن الاختبارُ سهلاً ولا بسيطًا.

نَهَرٌ كبيرٌ عَذْبٌ يَمُرُّون عليه بعد أن استَحكَم بهم العطشُ أيَّما استحكامٍ، فمَن هذا الظَّمِئ الذي سيَمتَثِل للأمرِ، ولا يَروِي عطشه حتى آخرِ قطرةٍ؟ إنه المؤمِن الحقُّ الذي يؤمِن أن ليس كل ما تَهوَى النفسُ وتتوقُ إليه ينفعُها ويصبُّ في مصلحتِها، وأن حكمةَ اللهِ لا يُحِيط بها مخلوقٌ على وجهِ البسيطة!

عطشٌ وإنهاكٌ ونَهَرٌ، وجيشٌ يَجِبُ أن يتمَّ فرزُه وتصفيتُه من الشوائبِ.

وهكذا كان.

نتيجة الاختبار:
﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ الكثرة هم الذين شَرِبوا.

يبدو أن هذه هي سنةُ الله في عبادِه المجاهدين، ليست العبرةُ بالجيوشِ الكبيرةِ، إنما العبرةُ بالنفوسِ العظيمة!

وقليلٌ ما هم، قلَّة من القلة، اختصار المختصر.

إنها الفئة القليلة على مر الزمن!

جاء هذا الامتحانُ كمقدِّمة للمعركةِ، الانتصار على النفس أولاً! هذه المعركةُ ليست بدعًا من المعاركِ، ومقدِّمتها ليست بدعًا من المقدِّمات، إلا أن لكلِّ معركةٍ مقدِّمتَها الخاصةَ بها، وابتلاءَ التمحيصِ المناسبَ لها.

وكأن الله - عز وجل - يقولُ لهم ولنا ولكل البشرية: لن تَكسِبوا معركةً مع خصمٍ أو عدوٍّ، ما لم تكونوا كَسَبتم معركتَكم مع أنفسِكم أولاً؛ فلا شيءَ يَحُولُ بينكم وبين التسليمِ المطلَقِ، والامتثال التامِّ لأوامر القائد، ولكن ليس أيُّ قائدٍ ذاك الذي يُسلِم له المؤمن قيادَه، إنه القائد الربَّانِي، الذي يعملُ بأمرِ الله، ولا أحدَ إلا الله، هذا فقط الذي تتوحَّد الكلمةُ تحت رايتِه، وتُصبِح أوامرُه محلَّ طاعة في مواجهة العدوِّ.

سبحان الله، ما أشد تشابه أحوال الأمم!

الفصل الرابع: مرحلة التمحيص:
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

المرحلة الأولى من الاختبارِ تمَّ اجتيازُها بنجاحٍ، وجاء وقتُ المرحلةِ الثانيةِ: الخوف من العدوِّ، والرهبة منه، والجبن في مواجهتِه، وهنا أيضًا انقسمت القلَّة المتبقِّيَة قسمين: واحدة جَبُنَت وأَحجَمَت عن القتال، والأخرى قرَّرت الثباتَ والجهادَ حتى النهاية.

الفئة القليلة من جديد:
هنا تتجلَّى معالِمُ الإيمانِ بأوضح صورِها، وحسن الظنِّ باللهِ واليقين بلقائه، ها هم أولاءِ يتسلَّحون بالصبر، يتضرَّعون بالدعاء، ويَمضُون في طريقِهم، فيَرجُون إحدى الحُسْنَيَين: النصر أو الشهادة، إما إعلاء كلمة الله، أو الموت دونها.

الفصل الخامس: عوامل النصر:
﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250].

بَقِيت الفئةُ القليلةُ المختارَةُ، وهؤلاء الذين لَقُوا الأعداءَ، وانتصروا عليهم انتصارًا باهرًا - هم الذين وصفهم الله بقوله:
﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

وهم الذين قالوا عند مواجهة العدو:
﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250].

هؤلاء هم الذين تحقَّق النصرُ على أيديهم بعد أن اجتَازُوا مراحلَ الاختبار الأربع:
1- الاستعداد النفسي للقتالِ، وبذل النفسِ في سبيل الله، وهذه المرحلةُ لم ينجحْ فيها إلا قليلٌ من الجند؛ ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

2- التبَرُّء من مرضِ الأنانية الفردية والاستكبار، ولا شكَّ أن هذا المرضَ هو الذي كان سببًا في انسحابِ المزيد من الجنودِ؛ ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ﴾ [البقرة: 247].

3- الطاعة الكليَّة للقائد؛ فالجنودُ الذين عَصَوا طالوتَ أصبح التحاقُهم بالجهادِ دون معنًى؛ ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249].

4- الثبات والتوكُّل على اللهِ، في هذا الامتحان خَسِرت القلَّة المتبقِّية عددًا لا يُستَهانُ به منها، هؤلاء الذين قالوا: ﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249]، اختصار مختصرِ المختصرِ من جديد.

الفصل السادس: النتيجة:
﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].

ونحن بدورِنا ندعوك يا الله: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250].

وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.





ابوايمن 25 - 3 - 2014 10:20 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
جزاك الله خيرا
الاخت الكريمه

المُنـى 25 - 3 - 2014 11:18 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
لسنا بني اسرائيل ولكن طباعنا صارت مثلما قالوا لموسى عليه السلام
سلمت يداك وبارك الله بك

بائع الورد 25 - 3 - 2014 11:20 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
بوركت يداك على الطرح القيم
تحيتي لك

الغريب 25 - 3 - 2014 11:51 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
شكرا على الطرح
وفقك الله دوما
تحية والاحترام

#cc#

ابو فداء 26 - 3 - 2014 01:06 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
جزاكي الله عنا كل خيررر
مودتي

shreeata 26 - 3 - 2014 01:34 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
سلمت الايادي على الموضوع
الرائع
تحيات لك

أم يــــافا 26 - 3 - 2014 05:56 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shreeata (المشاركة 375113)
سلمت الايادي على الموضوع
الرائع
تحيات لك

شكرا لك على هذه الإطلالة المميزة
الذي فاح عبيرها في هذا المنتدى المميز
لك مني أجمل وأرق تحية zolz

أم يــــافا 26 - 3 - 2014 05:56 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوايمن (المشاركة 375042)
جزاك الله خيرا
الاخت الكريمه

شكرا لك على هذه الإطلالة المميزة
الذي فاح عبيرها في هذا المنتدى المميز
لك مني أجمل وأرق تحية zolz

أم يــــافا 26 - 3 - 2014 05:56 PM

رد: لسنا بني إسرائيل .. ولكننا نعيش قصتهم ..!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المُنـى (المشاركة 375046)
لسنا بني اسرائيل ولكن طباعنا صارت مثلما قالوا لموسى عليه السلام
سلمت يداك وبارك الله بك

شكرا لك على هذه الإطلالة المميزة
الذي فاح عبيرها في هذا المنتدى المميز
لك مني أجمل وأرق تحية zolz


الساعة الآن 05:32 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى