منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   ُُمُعجزات الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17392)

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:13 PM

ُُمُعجزات الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام
 
ُُمُعجزات الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام

معجزات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

معجزات مع النبات والحيوان والجماد
1. انشقاق القمر
قال تعالى:{ اقتربت الساعة وانشق القمر* وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر* وكذبوا واتبعوا أهواءهم, وكل أمر مستقر*} القمر 1-3.
كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى الأنبياء جميعا, أن يتحملوا تبعات رسالاتهم, ومن تبعات هذه الرسالات ومسؤولياتها الشاقة هو جدل الكفار وطرحهم أسئلة تحتاج الى اعجاز من الله سبحانه عز وجل, وكم أعطى الله عز وجل لأنبيائه من المعجزات والآيات, ومنهم موسى عليه السلام, فقد شق له البحر, وجعل عصاه ثعبانا ضخما يبطل سحر السحرة, ويزعج فرعون ومن معه, وجعل له الجبل يطير في الهواء.. وصالح الذي أتاه الناقة.. وغير ذلك.. وهنا نجد أن القرآن قد أورد كل هذه المعجزات في قصصه.
ومما روي أن أهل مكة شأنهم شأن غيرهم من الأمم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية أو معجزة, فأراهم عليه السلام القمر شقين!!
قال رجل اسمه مطعم من أهل مكة: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين أو جزئين جزء على هذا الجبل, وجزء على هذا الجبل.
ترى ماذا قال الكفار عن هذه المعجزة العظيمة؟ أجعلتهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, أم يصرّون على كفرهم؟ لم يصروا على كفرهم فقط بل انهم اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا حجتهم الواهية, قالوا: ان محمدا قد سحرنا!! ظنوا أن هذا سحر, ورفضت عقولهم الايمان فنزل قول الله عز وجل:{ اقتربت الساعة وانشق القمر}.
2.الدعاء ونزول المطر
كانت مكة بيئة صحراوية لا ماء فيها ولا أنهار وتعتمد اعتمادا كبيراعلى المطر, وكذلك كانت المدينة الا أن المدينة كان بها بعض الآبار لكنها لم تكن تكفي الا لشرب الناس فقط, ومن هذه الآبار "بئر حاء" الذي اشتراه أبو طلحة الأنصاري وأعطاه هديّة للمسلمين, وذلك عندما نزلت الآية الكريمة التي تقول:{ لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.
ومرت بالمدينة أيام أصاب المسلمين قحط شديد, بسبب قلة المطر, فدخل رجل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يخطب في الناس, فظل الرجل يمشي حتى جاء في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم, وقال للرسول: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل, فادع لنا الله يغيثنا.
لقد طلب الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغوث بالدعاء الى أن ينزل الله المطر عليهم.
رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال:
"اللهم اسقنا, اللهم اسقنا, اللهم اسقنا". رواه البخاري.
كان أنس بن مالك في المسجد, مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة, فقال أنس:( والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيء, وما بيننا جبل سلع, وهو جبل داخل المدينة, فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء انتشرت, ثم أمطرت, والله ما رأينا الشمس ستة أيام) ومرت الأيام الستة وفي يوم الجمعة التالي دخل رجل آخر من الباب نفسه الذي دخل منه الرجل في الجمعة السابقة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس وفقال الرجل للرسول:
يا رسول الله هلكت الأموال, وانقطعت السبل ادع الله أن يمسكها.
أي أن الأمطار, من شدتها, قطعت الطرق, وبدأت تؤذي الماشية والزرع, فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:" اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والجبال, ومنابت الشجر" تاريخ الطبري ج3 ص 71, سيرة ابن هشام ج3 ص 355, السيرة الحلبية ج3 ص 10.
والآكام التي يقصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث هي التلال الصغيرة المرتفعة. وما ان انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الدعاء المبارك حتى انقطع المطر وخرج الناس يمشون في الشمس.
وكانت هذه معجزة نزول المطر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3.الماء ينبع من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الكثيرة الذي يدل على صدق نبوته ورسالته, فالانسان يعرف دائما ويعقل أن الماء له منابع منها الآبار والأنهار, وفي هذه المعجزة يروي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان الماء كان ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال أنس رضي الله عنه:( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حانت صلاة العصر, والتمس الناس الماء للوضوء, فلم يجدوه, وكان عددهم قرابة ثلاثمئة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتي رسول الله بماء للوضوء في اناء, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء, وأمر الناس أن يتوضؤوا).
يقول أنس:(فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه, فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم) فسأل رجل أنسا راوي القصة فقال: كم كنتم يا أنس؟
قال أنس زهاء ثلاثمئة رجل.
هذه معجزة ظاهرة, لا يستطيع بشر أن يأتي بها, وقد اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي معجزة تدل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, اذ شهدها الناس في مكان عام وبعدد كبير بلغ الثلاثمئة رجل تقريبا.
1. بئر الحديبية وفيضان الماء
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة لزيارة بيت الله الحرام, وكان ذلك في السنة السادسة من الهجرة, وكان رسول الله لا يبغي حربا ولا قتالا ولكنه دعا المسلمين للنصرة والنجدة ودعا من حوله من قبائل الأعراب خشية أن تعترضه قريش بحرب, أو يصدوه عن البيت , فتثاقل عنه الأعراب وقبائلهم, فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار, ومن لحق به من العرب ليس معهم من السلاح الا السيوف في أغمادها وساق معه الهدي, وهو الماشية التي أراد اهداءها لمكة من النعم وأحرم بنيّة العمرة وهي الطواف والسعي بين الصفا والمروة فقط.
والفرق بين الحج والعمرة أن العمرة تجوز للانسان في السنة كلها, بينما الحج له وقت معروف من السنة, مع زيادة بعض الأعمال.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأقصى الحديبية, وهي مكان أو موضع بينه وبين مكة مسافة قريبة, سميّت مرحلة واحدة من السير.
ولما علمت قريش اعترضت على دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ومنعته من ذلك وجاءت الأخبار تقول أن كفار قريش قتلوا الرجال الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستئذان في دخول مكة ومن بين هؤلاء عثمان بن عفان, فبايع المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم, عندما نادى المنادي قائلا: أيها الناس, البيعة البيعة! فثاروا الى رسول الله, وهو تحت الشجرة فبايعوه على القتال حتى النصر, ولذلك فقد أطلق عليهم أهل بيعة الرضوان وأنزل الله فيهم قوله تعالى:{ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} الفتح 18.
وفي هذا اليوم العظيم يوم الحديبية, حدثت معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم, فقد كان بالحديبية بئر ماء استطاع أصحاب أهل بيعة الرضوان وكان عددهم ألفا وأربعمائة رجل, استطاعوا أن ينزحوا الماء من البئر حتى لم يبق فيها ما يملأ كأس ماء واحدة, ولذلك فقد خاف الناس العطش من قلة الماء, فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء عليه السلام, وجلس على حافة البئر, فطلب قليلا من الماء فجيء به الى الرسول صلى الله عليه وسلم فتمضمض منه, ومجّ ما تمضمض به في البئر وأصحابه ينظرون.
وما هي الا لحظات حتى بدأ البئر يضخ الماء فيعلو ويعلو فأخذ الناس يسقون الابل والماشية ويشربون هم ويملؤون أوانيهم بالماء, وأدوات حمل الماء عندهم, ونحن نعرف أن عددهم كان ألأفا وأربعمائة رجل, وهم من الصالحين ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه عندما أطاعوا رسوله الكريم وبايعوه على التضحية بأرواحهم في سبيل دينهم ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت هذه معجزة وآية نبوية صادقة تدل على مكانة رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه عند ربه, لأنه رسول الله حقا وصدقا..
2. انقياد الشجر له عليه السلام
جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري صحابي مشهور يعرفه المسلمون جيدا, كان صادقا وفيا لدينه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وها نحن نسمع هذه المعجزة التي رواها جابر بن عبدالله في صحيح البخاري ومسند أحمد, ترى ماذا قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه؟
قال: سرنا مع النبي صلى اله عليه وسلم حتى نزلنا واديا واسعا رحبا, فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته, فسرت خلفه, واتتبعته باداوة فيها ماء, أو اناء فيه ماء, فنظر عليه السلام فلم ير شيئا يستتر به واذا شجرتان بشاطئ الوادي, فانطلق عليه الصلاة والسلام الى أحدهما فأخذ ببعض أغصانها وقال:"انقادي عليّ باذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش ( أي الملجم بعود في عظم الأنف لينقاد به البعير) الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بعضا من أغصانها وقال:" انقادي عليّ باذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى اذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم بينهما, وجمع بينهما أي جمعهما, وقال عليه الصلاة والسلام:"التئما عليّ باذن الله" فالتأمتا.
قال جابر: فخرجت أعدو بشدّة مخافة أن يحس بقربي فيبعد, فجلست أحدث نفسي فحانت مني التفاتة, فاذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل واذا الشجرتان افترقتا, وقامت كل واحدة منهما على ساق...
هده هي احدى معجزات النبي الخارقة للعادة التي لا تكون الا لنبي من الأنبياء عليهم السلام. فالشجرة استجابت وأطاعت أمر رسول الله, انه أمر خارق للعادة.
3. حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتاد حين يخطب في المسلمين أن يخطب على جذع نخلة.. وذات يوم جاءت امرأة من الأنصار وكان لها غلام يعمل نجارا.
فقالت يا رسول الله ان لي غلاما نجارا افأمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه؟
قال: بلى.
فصنع له الغلام منبرا, فلما كان يوم الجمعة وقف رسول الله يخطب على المنبر الجديد المصنوع من الخشب فسمع عليه السلام جذع النخلة يئن كما يئن الصبي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ان هذا بكى لما فقد من الذكر".
وجاءت رواية أخرى لهذه القصة في صحيح البخاري تقول: فصاحت النخلة (جذع النخلة) صياح الصبي ثم نزل صلى الله عليه وسلم فضمه اليه يئن أنين الصبي الذي يسكن.
قال صلى الله عليه وسلم:" كانت تبكي (النخلة) على ما كانت تسمع من الذكر عندها".
اذن فحنين الجذع شوقا الى سماع الذكر وتألما لفراق الحبيب الذي كان يخطب اليه واقفا عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل في ظاهر الأمر.
هذه معجزة بكل المقاييس تخالف ما اتفق عليه أن الجماد لا يتحرّك ولا يشعر, وفي الحقيقة فانها كائنات تسبّح بحمد الله عز وجل, وهي من الكائنات التي لا نسمع تسبيحها. بل سمعها الأنبياء بمعجزة وآية من الله عز وجل.
واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بمعجزة كهذه لا يقدر عليها بشر مثله, ولم تؤت لأحد من البشر الذين هو منهم, فان ذلك دليل على صدق وعظم نبوته عليه السلام.
4. سلام الشجر وتسبيح الحصى في يديه
انحصرت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, والفاروق عمر رضي الله عنه وعثمان ذي النورين رضي الله عنه.
وفي هذه القصة المعجزة التي رواها الحافظ أبي بكر البيهقي رواه أحمد رضي الله تعالى عنهما عن سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه يقول: لا أذكر عثمان الا بخير بعد شيء رأيته, وبيّن ذلك الخبر الذي رآه فقال:
كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست اليه, فجاء أبو بكر فسلم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله, فجاء عمر وجلس عن يمين أبي بكر, ثم جاء عثمان فجلس عن يمين عمر, وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فأخذهن في كفه فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل, ثم وضعهن فخرسن أي سكتن, ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل, ثم وضعهن فخرسن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هذه خلافة النبوة".
فهذه معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ذات شقين أولهما: أن الحصى يسبّح في أيدي الخلفاء الراشدين. والثاني أن الخلافة فعلا انحصرت في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وذي النورين عثمان ووصلت الى علي رضي الله عنهم.
5. شكوى البعير للرسول صلى الله عليه وسلم
كان الأنصار في المدينة يستخرجون الماء من البئر بواسطة الابل فانظر الى هذه القصة التي يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يستخرجون الماء من البئر عليه, انه استصعب عليهم فمنعهم من استخدامه أي منعهم من استخدامه في هذا العمل.
فجاء الأنصار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انه كان لنا جمل نستخرج عليه الماء من البئر, وانه استصعب علينا وعصانا ومنعنا أن نكلفه بهذا العمل وقد عطش الزرع والنخيل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا" فقاموا فدخل البستان الذي فيه البعير أو المكان المحاط بالجدران الذي يأوي اليه البعير في وقت راحته, وكان الجمل في ناحية, فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, فقال الأنصار: انه صار مثل الذي به داء الكلب, أي أنه مسعور, وانا نخاف صولته عليك يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلام:"ليس عليّ منه بأس" أي اني لا أخاف منه, فلما نظر الجمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه, فأخذ رسول الله بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل.
فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل, تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال صلى الله عليه وسلم:" لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها".
وجاءت قصة أخرى في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوما مع بعض أصحابه حائطا من حيطان الأنصار, فاذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه, فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذفراه فسكن وهدأ.
فقال صلى الله عليه وسلم:" من صاحب الجمل؟"
فجاء فتى من الأنصار قال: هو لي يا رسول الله.
فقال له عليه الصلاة والسلام:" أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكها الله لك؟ انه شكا اليّ أنك تجيعه وتدئبه".
أي أنك تواصل عليه العمل ليل نهار دون انقطاع.
هكذا كانت معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم, انها آية من آيات النبوة ومعجزة من عظيم معجزاتها التي تثبت كل يوم وفي كل زمان أن رسالة محمد حق وأنه رسول الله صدقا وحقا.
الصخرة والفتح العظيم
عن البراء بن عا رضي الله عنه قال: عرضت لنا ونحن نقوم بحفر الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول, فاشتكينا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء وأخذ المعل من سلمان الفارسي رضي الله عنه, وقال:{ بسم الله} ثم ضربها فنثر ثلثها. وخرج نور أضاء بين لابتي المدينة. فقال:" الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام, والله اني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة".
ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر. فبرقت برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابيتها فقال:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح فارس, والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا, أي مدائن كسرى, وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم فأبشروا بالنصر".
ثم ضرب الثالثة, وقال:" بسم الله" قطعت بقية الصخرة وخرح نور من جهة اليمن أضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأنه مصباح في جوف ليل مظلم فقال:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح اليمن, والله اني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة".
يتبع ...

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:14 PM

1. أعطيت مفاتيح الشام
تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن معجزات ستحدث بعد سنوات طويلة من وفاته صلى الله عليه وسلم, ولأنه كان آخر رسول, وخاتم الأنبياء فان معجزاته تتجدد مع الزمن.
ماذا حدث بعد أن قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا ما سنعرفه بعد أن نحدد تاريخ حديثه هذا عن فتح الشام, فقد قال كلمته هذه في السنة الخامسة للهجرة. في هذا الزمن بالتحديد كانت القوة في العالم يملكها فريقان هما : الفرس والروم, والروم في الغرب والفرس في الشرق, وكان الروم يحتلون بلاد الشام وما فوقها, اما الفرس فمكانهم في ايران وأجزاء من العراق, وقد وقع بينهما معارك كبرى, تمنى المسلمون أن ينتصر فيها الروم على الفرس لأن الفرس كانوا وثنيين يعبدون الشمس والأصنام والنار وغير ذلك, أما الروم فكانوا أهل كتاب فهم نصارى يدينون بدين المسيحية.
وجاءت الأنباء على غير ما يهوى المسلمون, فقد غلب الفرس الروم وحزن المسلمون حزنا شديدا ونزل القرآن الكيرم بمعجزة تنبأت بانتصار الروم بعد بضع سنين, وأخبرهم في الوقت نفسه بخب هزيمة الروم فقال عز وجل:
{ الم* غلبت الروم* في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}. الروم 1-3.
من الذي يستطيع أن يتنبأ بنتيجة حرب ستقع بعد تسع سنوات؟ وما الذي كان يضمن أنه خلال هذه السنوات التسع لن يحدث صلح بين الروم والفرس, فلا تقع بينهما حرب, أو تقع الحرب مرة أخرى ويهزم الروم أيضا؟ والتاريخ يقول لنا ان الروم قد هزمت مرتين, ولكن الله تعالى هوعالم بالغيب, فبعد تسع سنين غلب الروم الفرس ألد أعدائهم وأقوى قوة على وجه الأرض معهم.
ولكي يفتح المسلمون الشام عليهم أن يهزموا الروم, ولذلك فقد أيد الله المسلمين بنصره يوم اليرموك بعد عشرات السنين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعطيت مفاتيح الشام", وبعد سنوات بعيدة من وفاته وخروجه من الدنيا, ترى ماذا حدث يوم اليرموك؟
2. تجهيز الجيوش للشام
بعد الانتهاء من حروب الردة, وتسيير خالد بن الوليد من اليمامة الى العراق في سنة 13 للهجرة, جهز الصديّق الجيوش الى الشام, فبعث عمرو بن العاص الى فلسطين, وسيّر يزيد بن أبي سفيان الى الشام, وأبا عبيدة بن الجرّاح, وشرحبيل بن حسنة, آمرا اياهم أن يتجهوا الى الشام عن طريق تبوك البلقاء حتى بلاد الشام. الكامل في التاريخ ج2 ص 276.
وكان عدد كل لواء من هذه الألوية الأربعة ثلاثة آلاف, ثم توالت النجدات فيما بعد وجعل أبو بكر الصديق لكل منهم ولاية يتولاها, فصار عمرو بن العاص واليا على فلسطين, ويزيد واليا على دمشق, وعمر بن العاص واليا على حمص, وشرحبيل بن حسنة واليا على الأردن.
بلغ هذا الأمر هرقل ملك الروم, وأراد أن يحارب الأمراء كل واحد على حدة حتى يهزمهم واحدا واحدا ولكن عمرا تنبّه لذلك.
لقد وجد أمامه جيشا روميا يبلغ التسعين ألفا من الجنود, فأرسل واخوانه الأمراء الى أبي بكر أمير المؤمنين في المدينة فأرسل أبو بكر سالة الى خالد بن الوليد, وقال للمسلمين في المدينة كلمته المشهورة عن خالد:( والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد).
وكتب أبو بكر الصديق لخالد بن الوليد وقال له:( سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك) ففعل خالد ذلك سريعا وعبر الجبال بجيش المسلمين ليصل المدد مبكرا لاخوانه في الشام ولما وصل خالد الى الشام, فرح المسلمون به, وزاد جدهم ويقينهم بالنصر, واشتد غب الروم بمجيئه, حتى اهتز ملكهم هرقل وقال عندما علم بمجيء خالد: ألم أقل لكم لا تقاتلوهم لا طاقة بكم على هؤلاء.
غضب أصحاب هرقل وقالوا له: قاتل ولا تخف الناس, واقض الذي عليك.
وأصبح الجو مهيئا للقتال, وقال قادة جيش الروم لملكهم هرقل: لقد أتتك العرب وجمعت لك جموعا عظيمة, وهم يزعمون أن نبيهم محمدا, أخبرهم أنهم سينتصرون على أهل هذه البلاد, ولقد جاؤوك بأبنائهم ونسائهم تصديقا لمقالة نبيهم.
وبث الله فيهم الرعب حتى انهم أشاعوا أن خالدا في يده سيف منزل من السماء, أعطاه له رسول الله, فلا يقاتل به قوما الا انتصر عليهم.
واستعد الطرفان للمعركة الروم في حيرة وارتباك ورعب مما يسمعون, والمسلمون على يقين وثقة من نصر الله لهم لأنهم يتذكرون ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم:" أعطيت مفاتيح الشام".
بلغ عدد جيش الروم مائتين وأربعين ألف مقاتل, منهم ثمانون ألفا مقيدين بالسلاسل كي لا يفروا أثناء المعركة, والمسلمون: سبعة وعشرون ألفا وجاء خالد بتسعة آلاف ليبلغوا ستة وثلاثين ألفا تقريبا.
ووقف خالد بن الوليد بين الجنود يقول لهم: ( ان هذا يوم من أيام الله, لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي, أخلصوا جهادكم, وأريدوا الله بعملكم, فان هذا يوم له ما بعده).
وأرسل هرقل جاسوسا من رجاله يستطلع أحوال المسلمين فعاد اليه قائلا: هم بالليل رهبان, وبالنهار فرسان, ولو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده, ولو زنى لرجم, لاقامة الحق فيهم.
فقال القائد: لئن كنت صادقا, لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها, ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيننا وبينهم, فلا ينصرني عليهم, ولا ينصرهم علي.
وقسم خالد جيشه كتائب سميت كراديس, كل كردوس مجموعة ضخمة من الرجال والخيل, لكي يحارب الروم على شكل موجات هائلة لا تنتهي.
وقسم خالد بن الوليد الكراديس الى ثلاثة أقسام هي:
القلب: وكان قائده أبو عبيدة بن الجراح وعدده ثمانية عشر كردوسا وعلى كل كردوس أمير.
الميمنة: وكان قائدها عمرو بن العاص ومعه أحد عشر كردوسا وعلى كل كردوس قائد أو أمير.
الميسرة: وكان قائدها يزيد بن أبي سفيان ومعه تسعة كراديس وعلى كل كردوس أمير.
وأمر خالد المقداد بن عمرو أن يقرأ على المسلمين سورة الأنفال لأن بها آيات الجهاد, فبدأ يقرأ ويمر بين صفوف المسلمين المتراصّة الصامتة والتي تستمع الى قول الله تعالى بايمان شديد.
وقد شهد اليرموك ألفا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم نحو مئة من أهل بدر, وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس, فيقول: الله.. الله.. انكم زادة العرب وأنصار الاسلام, وانهم زادة الروم وأنصار الشرك والكفر, اللهم ان هذا يوم من أيامك, اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وبينما كان خالد يرتب ويفتش بين الجنود سمع رجلا من المسلمين يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين.
فقال خالد على الفور: (بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين, انما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال).
هكذا بث فيهم خالد روح القتال والجهاد وجعل الخوف والقلق يتسرّب الى قلوب اعدائه من الروم.
ونشب القتال بين المسلمين والروم, والتحم الناس, وتطارد الفرسان, وبينما هم على ذلك اذ قدم البريد من المدينة المنوّرة, فسألوه الخبر فلم يخبرهم الا بخير, وأخبرهم عن مدد قادم ولكن البريد جاء بخبر وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13 هجرية وتأمير أبي عبيدة قائدا على جيش المسلمين, فأبلغ الأمر خالدا, وأخبره بوفاة أبي بكر, وأخبره بأن الجند لم تخبر بعد, فقال خالد ( أحسنت فقف) وأخذ الكتاب وجعله مخفيا حتى لا يشعر به الجنود, فيصيبهم قلق.
كان القتال عنيفا, وظل على هذه الحال حتى تضعضع الروم وسارع خالد بقلب الجيش, حتى كان بين خيلهم وجنودهم وكان جنود الروم لا يدري ما العمل, فمكان القتال واسع للمطاردة, ضيق في الهروب, وهربت خيلهم في الصحراء, وتفرّقت في البلاد, بينما قضى خالد وجنوده على جنودهم الذين هربوا وتراجعوا الى خنادقهم, ولكن خالد لم يتركهم فاقتحم عليهم خنادقهم, وبايع عكرمة بن أبي جهل على الموت مع أربعمائة فارس منهم ضرار بن الأزور وقاتلوا وقتل منهم رجال فاستشهدوا وجرح آخرون, وانتهت المعركة بالنصر والاستشهاد لثلاثة آلاف من المسلمين منهم عكرمة وابنه وغيرهم.
وفتحت الشام, وتحققت المعجزة النبوية الشريفة التي جاءت على لسانه عليه الصلاة والسلام:" أوتيت مفاتيح الشام" وأبصر المسلمون قصورها الحمر كما أبصرها الرسول عند الصخرة, أما مفاتيح فارس فلنذهب اليها.
3. مفاتيح فارس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس, والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا, وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم فأبشروا بالنصر".
أطلقت هذه المعجزة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة من الهجرة, وتحققت في سنة ستة عشر للهجرة, أي بعد احدى عشر سنة من قولها عليه السلام, ولكن كيف حدثت المعجزة العظيمة وهي دخول جيش المسلمين عاصمة أكبر قوة في العالم وقتها مع الروم الذين هزموا في اليرموك بالشام, انها المدائن عاصمة كسرى ملك الفرس, وما كان أحد يظن أن يعبر المسلمون أنهارا لكي يفتحوا المدائن, ولكن عقيدة المسلمين كانت متأكدة من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان أمتي ظاهرة عليهم" وبشرهم بالنصر قائلا:" فأبشروا بالنصر".
وبدأت ارهاصات تحقيق هذه المعجزة بعد فتح سعد بن أبي وقاص بلدا يقال لها بهرسير بالقرب من بغداد, وبعد أن دخل سعد بن أبي وقاص بهرسير طلب السفن ليعبر بالناس الى المدائن, فلم يقدر على شيء, ووجدهم قد ضموا السفن, فأقام ببهرسير أياما, حتى جاءه رجال من كفار الفرس, فدلوه على مخاضة يعبر من خلالها النهر ولكنه أبى وتردد في ذلك.
ورأى سعد بن أبي وقاص رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها, فعبرت, فعزم على العبور لتأويل رؤياه, وجمع الناس وخطب فيهم فقال لهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ان عدوكم قد اعتصم منكم في البحر, فلا تخلصون اليه, وهم يصلون اليكم اذا شاؤوا, فيناوشونكم في سفنهم, وليس وراءكم شيء تخافون منه, وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنيتكم قبل أن تحصركم الدنيا, ألا اني قد عزمت على قطع وعبور هذا البحر اليهم.
فقالوا جميعا: نعبر معك فافعل ما شئت.
فدعا الناس للعبور ثم قال:
من يبدأ منكم ويحمي لنا الشاطئ لكي لا يمنعونا من العبور؟
فخف اليه وأسرع عاصم بن عمرو وهو بطل من أبطال المسلمين وجاء وراءه ستمائة رجل من أهل النجدات, فجعل عليهم عاصم أميرا, فسار بهم حتى وقف على شاطئ دجلة.
وعندئذ قال سعد: من يجيء معي لنمنع الشاطئ ونحميه من عدوكم ونحميكم حتى تعبروا؟
فخف اليه أسرع ستون بطلا, فتقدمهم سعد الى حافة النهر وهو يقول باسما لمن تردد حوله: أتخافون؟! ثم تلا قول الله عز وجل:{ وما كان لنفس أن تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا} آل عمران 145.
ثم رفع سعد بن أبي وقاص فرسه فاقتحم النهر, واقتحم اخوانه معه.
فلما رآهم الفرس وما صنعوا, جهزوا للخيل التي تقدمت خيلا مثلها, واقتحموا عليهم دجلة, ثم اقتربوا من عاصم بعدما اقترب من شاطئهم؛ فقال عاصم لأصحابه: الرماح الرماح! اشرعوها, واضربوهم من عيونهم, فطعن المسلمون الفرس في أعينهم, فمن لم يقتل منهم أصيب في عينيه, وتزلزلت بهم خيولهم, حتى فرّت عن الشاطئ. وصعد الستون على الشاطئ الآخر شاطئ الفرس وتلاحق خلفهم بقية الستمائة من كتيبة عاصم بن عمرو.
ولما رأى سعد بن أبي وقاص أن عاصما على الشاطئ قد حماها ومنع الناس من أذى الفرس أذن للناس في اقتحام النهر وقال: قولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه؛ حسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
وتلاحق معظم الجند, وركبوا الموج, وقدهاج النهر وماج والناس يتحدثون وهم عائمون على الخيل لا يكترثون ولا يهتمون بشيء, كما يتحدثون ويتسامرون في مسيرهم على الأرض وكان سعد بن أبي وقاص وراءهم يسايره في الماء سلمان الفارسي, فعامت بهم الخيل, وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! والله لينصرن وليه, وليظهرن دينه, وليهزمن عدوه.
هذه الكلمات التي قالها الرسول في بشراه المعجزة بأنه أعطي مفاتيح فارس.
ومضى سعد يقول وهو في الماء: وليهزمن الله عدوه, ان لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.
فقال له سلمان الفارسي: ذللت لهم والله البحور كما ذلل لهم البر, أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوه أفواجا.
وملأ فرسان المسلمين نهر دجلة خيلا ورجالا حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد, ثم خرجوا من الماء, والخيل تنفض أعرافها صاهلة بالنصر, فلما رأى الفرس ذلك انطلقوا لا ينظرون خلفهم فرارا من المسلمين, وظل المسلمون يطاردونهم حتى وصلوا الى القصر الأبيض في المدائن, وهو قصر ملكهم, وقد وجدوا فيه قوما وجنودا قد تحصنوا يريدون القتال فعرض عليهم المسلمين ثلاثة حلول, يختارون منها أيها شاؤوا قالوا: وما هن؟ فقال لهم المسلمون:
1. الاسلام, فان أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا.
2. الجزية.
3. وان أبيتم فالحرب والقتال.
فقالوا لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة ولكن الوسطى وهي الجزية.
ودخل سعد بن أبي وقاص المدائن, عاصمة كسرى والفرس وآخر معاقلهم, وانتهى به الأمر الى ايوان كسرى ونظر سعد لضخامته وما فيه من فرش ومجوهرات, وأقبل ينظر في محتويات الأيوان والقصر وهو يقرأ قول الله تعالى:
{كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم* ونعمة كانوا فيها فاكهين* كذلك وأورثناها قوما آخرين} الدخان 25-28.
وصلى سعد في القصر صلاة الصبح ثماني ركعات, لم يفصل بينهن, واتخذ الايوان مسجدا وجعله مصلى للمسلمين, وكان فيه تماثيل من الجص, ولم يلقها المسلمون, وتركوها على حالها, وأتم الصلاة في المدائن, اذ نوى سعد الاقامة بها, وكانت أول جمعة له فيها في صفر سنة ست عشرة.
وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزته التي قال فيها:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح فارس والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا", وتحققت المعجزة.

يتبع ...

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:15 PM

أما صنعاء..
4. أعطيت مفاتيح اليمن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح اليمن والله اني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا".
رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في ضربته الثالثة أبواب صنعاء من الخندق في المدينة, وكانت معجزة تحققت في سنة 11 هجرية بعد ست سنوات من قول الرسول.
ولكن كيف تحققت المعجزة؟ هذا ما سنراه في يوم صنعاء.
كانت صنعاء عاصمة اليمن, يحكمها رجل يقال له قيس بن عبد يغوث ويحتلها الفرس.
وكان "باذان" أميرا من قبل الفرس على اليمن, ولكنه لما أسلم أسلمت اليمن أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على امارة اليمن حتى مات, فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ابنه شهرا واليا على صنعاء, وجعل معاذ بن جبل معلما ينتقل من كل ولاية من هذه الولايات بعد أن جعل لكل واحدة منها واليا.
وحدث قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أن قام رجل من قبيلة عنس بن قحطان, اسمه الأسود العنسي, وكان كاهنا, فتنبأ, وقال: انني أنا نبي, وتابعه قوم من أعراب اليمن, فقوي واشتد بهم ساعده, واقتحم بهم بلاد نجران في الجزيرة العربية, وأصبحت نجران تحت قيادته, ودخل في جماعته قبيلة من كهلان تسمى مذحج, وكثر ماله, واشتد أمره, ثم قصد صنعاء في اليمن, فقاتل أميرها شهرا كاملا فقتله, وهزم قوما من العجم كانوا فيها يسمون الأبناء, ثم تزوج بامرأة شهر بن باذان, وجعل أمره يشتهر بين الناس شهرة عظيمة, وصار لا يصل الى قوم الا انضموا اليه خوفا منه على أنفسهم وأولادهم.
وكتب آمر الولايات للرسول صلى الله عليه وسلم بشأن الأسود العنسي وما يصنع بالناس هناك, فأرسل عليه الصلاة والسلام كتابا الى من بصنعاء, يأمرهم فيه بالقيم على دينهم, والتمسك به, والنهوض الى الحرب, ومواجهة الأسود العنسي بكل الطرق كي يتخلصوا من شروره.
عمل القوم بأمر رسول الله, ولكنهم وجدوا أن الأمر صعب عليهم, لأن الأسود العنسي قوي ولديه جنود يبطشون بالناس.
وبينما هم على هذه الحال علموا أن الأسود العنسي قد تغير على قائد جيشه وهو قيس بن عبد يغوث, وأضمر له الشر, ولكن قيسا دافع عن نفسه أمامه وقال له: أنت أعظم من نفسي وأجل عندي من أن أحدث نفسي بك, فعفا عنه وقال له: قبلت توبتك.
انتهز الأبناء من أتباع المسلمين الفرصة ودعوا قيس للفتك به فلبّى ووافق, وذهبوا الى زوجته التي تزوجها بعد قتل زوجها شهر بن باذان, فتعاونت معهم وقالت: والله ما خلق الله شخصا أبغض اليّ منه, ما يقوم لله على حق ويظلم الناس, فاذا عزمتهم فأعلموني الخبر.
ولما جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم, ووصل كتابه الى أهل نجران, فتجمعوا وأرادوا قتال الأسود العنسي, ولكنهم فوجؤا بقتله في قصره بمساعدة زوجته, وما ان طلع الفجرحتى أعلنوا أمرهم, وفرّ أصحابه, وجعلوا يترددون بين صنعاء ونجران, وذهب الخبر الى المدينة, وقد توفي رسول الله, ورغم أن قيس بن عبد يغوث رشيس جند السود العنسي ساهم في قتله, الا أنه عاد الى الارتداد عن الاسلام, وجمع جنود الأسود العنسي الهاربين, وأراد أن يقتل رؤساء الأبناء المسلمين, ولكنه لم يستطع, وسيطر على صنعاء, وطرد من هم أتباع المسلمين من العجم.
وانضمت اليه عوام القبائل من منطقة حمير, واطمأن بصنعاء كما كان الأسود العنسي مطمئنا بها.
ولكن الأبناء من العجم المسلمين, استنهضوا أنفسهم, والقبائل التي بقيت على الاسلام, وخرج فيروز على رأسهم, فحارب قيسا عند صنعاء وأجلاه عنها, وخرج هاربا في جنده حتى وصل الى المكان الذي قتل فيه الأسود العنسي, وجاء جيش المسلمين من المدينة بقيادة المهاجر بن أمية, وخلفه عكرمة بن أبي جهل بجيشه أيضا وهزم الله المرتدين, وأسر قيس وعمرو بن معد يكرب وأخذهما المسلمين الى المدينة فتابا وعفا عنهما أبو بكر وعادا الى قومهما مؤمنين, وأعطى الله مفاتيح اليمن للمسلمين وتحققت المعجزة التي نبأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معجزات الطعام والشراب
1. قدح اللبن وأبوهريرة
كان أبوهريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أهل الصفّة وهم فقراء ليس لهم مال ولا أهل ولاجاه, ويحكي أبو هريرة هذه المعجزة فيقول: والله اني كنت أشعر بالجوع الشديد, وكنت أضع الحجر على بطني من الجوع, ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمّر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل, وما سألته الا ليطلب مني أن أتبعه الى داره فيطعمني, فلم يفعل أبو بكر, فمرّ عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله تعالى وما سألته الا ليطلب مني أن أتبعه الى داره فيطعمني, فلم يفعل, ومرّ الرسول عليه الصلاة والسلام, فعرف ما في وجهي, وتبين له ما في نفسي فقال:" يا أبا هريرة" قلت: لبيك يا رسول الله فقال:" الحق" فلحقت به وعند داره استأذنت فأذن فوجدت لبنا في قدح, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من أين لكم هذا اللبن؟
فقالوا: أهداه لنا فلان أو آل فلان, قال الرسول ينادي أبا هريرة: "أبا هرّ".
قلت لبيك يا رسول الله.
قال:"انطلق الى أهل الصفة فادعهم لي".
فقال أبو هريرة: وأهل الصفة هم أضياف الاسلام لم يأووا الى أهل, ولا مال, فاذا جاءت هدية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها وبعث اليهم منها, وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أشرب من اللبن على الفور شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي, وقلت: أنا الرسول المرسل اليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم فاذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم, وقلت ما يبقى من هذا اللبن بعد أن يشربوا معظمه ان لم يكن كله؟
هكذا كان الجوع يتملك من أبي هريرةحتى انه خشي ان لا يجد من قدح اللبن هذا ما يكفيه شربة واحدة اذ سيشاركه فيه أهل الصفة وهوعدد لا بأس به.
قال أبو هريرة: ولم يكن أمامي شيء غير طاعة الله ورسوله, فانطلقت الى أهل الصفّة فدعوتهم فأقبلوا واستأذنوا فأخذوا مجالسهم من البيت, بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا هريرة خذ قدح اللبن فأعطهم" فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى, ثم يرد القدح بعد أن يروى حتى وصلت الى آخرهم, ثم توجهت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعت اليه فأخذ قدح اللبن بيده وقد بقي قليل من فضلة, ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ونظر الى أبي هريرة وابتسم, وقال: "أبا هريرة".
فقال أبوهريرة: لبيك يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام: "بقيت أنا وأنت".
فقال أبو هريرة: صدقت يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام:"فاقعد واشرب".
جلس أبو هريرة وأمسك بقدح اللبن, فشرب, ولما رفع أبو هريرة القدح عن فمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشرب" فيشرب أبو هريرة وكلما رفع القدح أعاده له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:" اشرب" وظل يقول له:" اشرب اشرب" حتى ارتوى أبو هريرة رضي الله عنه تماما وذهب عن نفسه الجوع الذي أصابه بألم شديد في أمعائه وقال له رسول الله صلى الله غليه وسلم:" اشرب يا أبا هريرة" فقال أبو هريرة: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له فيّ مسلكا, قال:" ناولوني القدح".
فأعطى أبو هريرة القدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي آية النبوة المحمدية, اذ أن قدحا من اللبن لا يكاد يروي رجلا أو غلاما صغيرا, أصبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي جماعة من الناس كلهم أصابهم الجوع.
انها معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم, ثم يأتي الأدب النبوي فينتظر صلواته وسلامه عليه أن يشرب الجميع فيشرب هو من القدح.
2. اناء السمن يمتلئ بعد فراغه
كان أنس بن مالك خادما مطيعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أمه أم سليم رضوان الله عليها صحابية قريبة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ منه الطعام ان كان في وفرة وان توفر لها ترسل هذا الطعام الى بيت رسول الله.
ويحكي أنس بن مالك قصة بل هي معجزة حسية رآها بنفسه فقال: كانت لأمي أم سليم شاة فظلت تحلبها وتجمع منها السمن حتى جمعت من سمنها عكة أو اناء فملأت الاناء ثم بعثت به ربيبة لها أو خادمة فقالت: يا ربيبة اذهبي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاناء أو هذه العكة يأكل منها, فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه العكة أو هذا الاناء مليء بالسمن بعثت بها اليك أم سليم.
فقال عليه الصلاة والسلام: "افرغوا لها عكتها" أي أفرغوا هذا الاناء, فأفرغت العكة من السمن, وأعيدت الى ربيبة فارغة فانطلقت بها عائدة الى دار أم سليم ولم تكن أم سليم في دارها, فعلقت ربيبة الاناء أو الكعة في وتد في الحائط ولما جاءت أم سليم وجدت العكة أو الاناء قد امتلأت الى آخرها وبدأت تقطر بالسمن الذي فاض منها فقالت أم سليم: يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها الى رسول الله؟ ألم أقل لك اذهبي بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت ربيبة: بلى فعلت وان لم تصدّقيني فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استغربت أم سليم الأمر, واصطحبت ربيبة معها وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يجلس, ولما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله اني بعثت مع ربيبة عكة مملوءة بالسمن فهل جاءت بها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور:" قد فعلت قد جاءت".
قالت أم سليم: والذي بعثك بالحق, ودين الحق انها ممتلئة بالسمن والسمن يقطر منها.
فقال أنس بن مالك صاحب الرواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أم سليم أتعجبين ان كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه, كلي وأطعمي".
عادت أم سليم الى دارها, فقسّمت الاناء حتى لا يقطر سمنا وتركت فيه ما أكل منه دارها شهرا أو شهرين.
وهذه معجزة أخرى من المعجزات المحمدية, لأنها لم تحدث للبشر كما حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الاناء يمتلئ سمنا بعد افراغه ويبارك الله فيه.

يتبع

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:16 PM

3. الطعام القليل يشبع الكثير من الناس
كان أبو طلحة الأنصاري من أكثر الصحابة حظا في اسلامه, فتزوج مسلمة سبقته في الاسلام, ودعته للزواج منها وكان مهر أم سليم من أغلى المهور لو علم الناس قيمته, اذ أنه تقدم للزواج من أم سليم ولم يدخل الاسلام بعد, فقالت أم سليم: مهري اسلامك, أي دخولك في الاسلام. وأسلم أبو طلحة ودخل الاسلام وحسن اسلامه وتزوج أم سليم وأحسن معاشرتها ومعاملتها فعاشا في هناء في ظل ازدهار دعوة الحق في المدينة, ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة جميلة هي بحق معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أنس: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع, فهل عندك شيء؟
لقد أحس أبو طلحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جائع وعرف ذلك من صوته.
قالت أم سليم: نعم. وبدأت تعد أقراصا من خ الشعير ثم لفت الخ ساخنا في خمار لها, لعد أم لفت الخ ببعضه ثم أعطت أم سليم الخ لأنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلته به الى النبي عليه الصلاة والسلام.
ذهب أنس بن مالك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس, فلما دخل أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أرسلك أبو طلحة؟
فقال أنس: نعم يا رسول الله.
فقال عليه السلام لمن معه من الناس:" قوموا" وانطلق رسول الله مع أصحابه الى دار أبي طلحة الأنصاري, فلما رآهم أبو طلحة قال:
يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم, فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" هلمّ يا أم سليم ما عندك؟" فأتت بذلك الخ, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتت الخ, ففتت أم سليم الخ في عكة ووضعت عليه السمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول ثم قال:
"ائذن لعشرة" أي عشرة رجال.
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا.
ثم قال:" ائذن لعشرة".
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا.
ثم قال:" ائذن لعشرة".
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا, وظل على هذه الحال حتى أكل القوم جميعا, وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا.
أليست هذه معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؟
بلى وربي انها معجزة عظيمة بحق, فمن عدد قليل من الخ يطعم ثمانون رجلا ويشبع كل واحد منهم شبعا كاملا, هكذا كانت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم واحدة تلو الأخرى.
من حديث أنس في صحيح البخاري.
4. كثرة الطعام
تكررت وتعددت معجزات تكثير الطعام والشراب, فبلغت عشرات المرات, في ظروف مختلفة ومواقف مختلفة, ومناسبات عديدة لكل مناسبة وقتها وظروفها. ومما روى أبو هريرة عن شيء من هذه المعجزات, ما حدث في تبوك, وغزوة تبوك كلنا يعرف أنها كانت مشقة وعسرة, فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في جو شديد الحر, ومشوا في طريق وعر بين الجبال والصخور, حتى انه صلوات الله وسلامه عليه كان لا يجد ما يكفي من الابل ما يحمل عليه رجاله وجنوده, ورغم تبرّع عثمان بن عفان وأهل الخير والكرم من المسلمين الا أن ذخيرة الجيش الاسلامي وزاده من الطعام كانت قليلة لأبعد حد يتخيّله الانسان.
فقد قال أبو هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها (وهي غزوة تبوك) فنفذ زاد المسلمين واحتاجوا الى الطعام, ولم يكن أمامم سوى الابل والجمال التي يركبوها, فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الابل وذبحها ليأكلوا منها, فأذن لهم صلى الله عليه وسلم, لما وجدهم في حاجة شديدة الى الطعام.
وقد بلغ هذا الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعترض على هذا الأمر لما فيه من أذى للمسلمين ولعلمه بوعورة الطريق وبعده عن المدينة مما يجعل العودة شاقة بل مستحيلة وتعرّض المسلمين وحياتهم للخطر لو قطعوا هذه المسافة مشيا على الأقدام بعد قتال وجهاد ضد الكفار في تبوك.
فجاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابلهم التي تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها؟
أي أن هذا الأمر يحتاج الى اعادة النظر, ووضع عمر رضي الله عنه حلا أمام رسول الله وقال: ادع الله على بقايا الطعام, ادع الله عز وجل فيها بالبركة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أجل يا عمر" ودعا ببقايا الطعام فجاء الناس بما بقي معهم فجمعت ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يبارك فيها ودعاهم بأوعيتهم فملأوها اد وطعام كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أني عبدالله ورسوله ومن لقي الله عز وجل بها غير شاك دخل الجنة".
وهكذا كانت معجزات تكثير الطعام متوالية تأتي متكررة في مناسبات عدة.
5. نعجة أم معبد
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة الى المدينة, بعدما أذن الله سبحانه وتعالى له بالهجرة, فلما قال الرسول لأبي بكر رضي الله عنه في داره:" ان الله قد أذن لي في الخروج والهجرة" قال أبو بكر ( الصحبة يا رسول الله) فقال عليه الصلاة والسلام:" الصحبة" خرج الرسول من خوخة في بيت ظهر أبي بكر الى أن وصلا غار ثور وأمر أبو بكر ابنه عبدالله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهارا ثم يأتيهما مساء بما كان في ذلك اليوم من الخبر, كما أمر أبو بكر عامر بن فهيرة مولى أبي بكر وراعي غنمه أن يرعى غنمه نهارا ثم يريحها عليهما مساء, ليسقيهما من لبنها, واذا جاءهما عبدالله أو أخته أسماء بطعام اتبع عامر بن فهيرة أثرهما بالغنم حتى يختفي أثرهما ولا يتبعهما أحد فيعرف مكان الرسول وأبو بكر الصديق في الغار, غار ثور.
وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ثلاثة أيام, وطلبهما المشركون طوال ثلاثة الأيام, ولما مضت ثلاثة أيام, وسكن الناس عنهما, ويأسوا من العثور عليهما, أتاهما عبدالله بن أريقط الذي استأجراه بالراحلتين, فقدم أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلهما, وقال: ( اركب فداك أبي وأمي), ومضى الصديقان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في طريقهما المبارك الى المدينة.
وفي الطريق مروا بخيمة أم معبد, وهي عاتكة بنت خالد من قبيلة خزاعة. مر الرسول صلى الله عليه وسلم على خيمتها ومعه أبو بكر, وكانت امرأة تجلس في خيمتها, تختبئ في قبة الخيمة, ثم تسقي وتطعم المارّة, فسالها الرسول وصاحبه لحما وتمرا يشترونه منها, فلم يجدا عندها شيئا, وكان الرسول وصاحبه يشعران بجوع شديد فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد شاة بالقرب من الخيمة, فقال عليه السلام:" ما هذه الشاة يا أم معبد؟" قالت: شاة أو نعجة خلفها الجهد والمرض عن الغنم, فقال:" هل بها لبن" قالت: هي أضعف من أن تدر لبنا.
قال عليه الصلاة والسلام:" أتأذنين لي أن احلبها؟".
قالت متعجبة: بأبي أنت وأمي! ان رأيت بها حلبا فاحلبها.
فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده على ضرعها, فسمّى الله تعالى, ودعا لها في شأنها, فامتلأ ضرعها ودرّت واجترّت, وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم باناء يشرب فيه هو وأصحابه, فحلب فيه حتى امتلأ عن آخره, فشرب الجميع حتى أم معبد, وشرب الرسول وأصحابه من اللبن حتى رووا, ثم استراحوا وشربوا لبنا أيضا, ثم حلب الرسول في الاناء مرة أخرى حتى ملأه عن آخره, وتركه مليئا باللبن عندها, وقبل أن يغادر المكان عليه السلام, بايعها على الاسلام.
هكذا كانت شاة أم معبد الضعيفة المجهدة معجزة لأنها سقت كل هذا الجمع بعد أم مسح عليه السلام على ضرعها ودعا ربه فسقى أصحابه وشرب هو وترك عندها لبنا.
ولما جاء زوجها يسوق أغناما عجافا ضعيفة, رأى عندها لبنا فتعجّب وقال: من أين لك هذا يا أم معبد, والشاة عا حيال, ولا حلوب في البيت؟
قال: لا والله, الا أنه مرّ بنا رجل مبارك, من حاله كذا وكذا.
فقال زوجها: صفيه يا أم معبد, فوصفته له وصفا دقيقا في كلام طويل.
قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش, الذي ذكر لنا من أمره في مكة.
هكذا كانت معجزاته في الطعام والشراب صلى الله عليه وسلم.

يتبع

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:17 PM

سدرة المنتهى
قال تعالى:{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى الى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى* ولقد رءاه نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنة المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى}. النجم 8-18.
1. السدرة
السدرة هي شجرة نبق عظيمة هائلة, لم تكن على الأرض ولكنها كانت في السماء, بعد السماء السابعة, وهي أكبر من أي شجرة ضخمة رأيتها في الدنيا ملايين المرات, والسدرة شجرة ينتهي اليها كل ما يصعد على الأرض من أعمال الناس والأرواح, ثم يقبض أو يؤخذ من عندها, وينتهي اليها كل ما يهبط من أعلى فيؤخذ منها.
بعد أن عرفنا السدرة, وعرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى في رحلة الاسراء ما رأى في السماء السابعة, بعد هذا كله صعد به جبريل الى ما بعد السماء السابعة, صعد به الى معجزة عظيمة, اتجه الى سدرة المنتهى, وقبل أن يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السدرة رأى نهرا صافيا جميلا نصبت عليه خيام مرصّعة باللؤلؤ والياقوت وعلى حافتيه طيور جميلة خضراء عليها نضرة النعيم, فقال عليه الصلاة والسلام:
"يا جبريل ان هذا الطير لناعم".
قال جبريل: يا محمد ان الذي يأكل هذا الطير أنعم منه.
ثم قال جبريل: يا محمد؛ أتدري أي نهر هذا؟
فقال عليه الصلاة والسلام: "لا".
قال جبريل: هذا نهر الكوثر الذي أعطاك الله اياه.
ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهرا آخر يسمى نهر الرحمة فاغتسل فيه, فغفر الله له ما تقدم من ذنبه, وما تأخر؛ ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الجنة, ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم بها أنهارا من ماء صاف جميل, وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من عسل مصفى.
وقال عليه الصلاة والسلام:" ان الله تعالى أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وخرج النبي عليه الصلاة والسلام من الجنة, فلقيه ملك, فرحّب به كما رحّبت به الملائكة من قبل, ولكنه كان عابسا لم يبتسم له كما ابتسمت الملائكة, فعجب عليه السلام وقال:
" يا جبريل من هذا الملك, الذي قال لي مثل ما قالت الملائكة, ولم يضحك, ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم".
فقال جبريل: هذا مالك خازن النار.. أما انه لو ضحك الى أحد من قبلك, أو كان ضاحكا الى أحد من بعدك لضحك اليك, ولكنه لا يضحك.
فقال عليه السلام لجبريل:" ألا تأمره أن يريني النار؟"
فقال جبريل: بلى.
ثم نادى جبريل مالكا فقال له: أر محمد النار.
فكشف مالك عن النار غطاءها ففارت.. وارتفعت, حتى ظن الرسول أنها ستأتي على كل ما يرى, فيها غضب الله ونقمته, لو وضعت فيها الحديد والحجارة لأكلتها.
فقال عليه الصلاة والسلام:" يا جبريل مره ليردّها الى مكانها" فأمر جبريل عليه السلام مالكا أن يردها.
فقال مالك للنار: أخبي فرجعت النار الى مكانها الذي خرجت منه, وردّ عليها غطاءها.
ومالك: هو رئيس الملائكة القائمين على النار والعذاب يوم القيامة وقد ذكر اسمه في القرآن لقوله تعالى:
{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك, قال انكم ماكثون} الزخرف 77.
وقد مرت برسول الله صلى الله ليه وسلم رائحة طيبة فقال لجبريل:
" ما هذه الرائحة".
قال جبريل: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها!! كان من أخبارها في الدنيا أن سقط من يدها المشط الذي تمشط به شعر بنت فرعون فمالت على المشط وأخذته وقالت: باسم الله..
فقالت بنت فرعون: من الله هذا؟ أهو أبي فرعون؟
قالت الماشطة: لا.. انه ربي, وربك, ورب أبيك.
قالت بنت فرعون: أولك رب غير أبي فرعون؟!
قالت الماشطة: نعم, ربي, وربك ورب أبيك.. الله عز وجل.
وبلغ الخبر فرعون, فدعاها, فقال لها: ألا رب غيري؟!
قالت: نعم.. ربي وربك الله عز وجل, فغضب فرعون, وأمر بنار عظيمة, فأوقدت, فألقى فيها أولادها ما عدا طفلا رضيعا, فأمرها فرعون, أن تقذف بنفسها في النار, فتقاعست قليلا من أجل ولدها الرضيع, فناداها الرضيع قائلا: يا أمّه! قعي ولا تقاعسي فانك على الحق, أي أدخلي ولا تخافي.. فانطلقت الماشطة الأم الى النار فأحرقتها, وتلك الرائحة الطيّبة رائحتها في الآخرة.
ووصل الرسول صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى, فاذا به يرى مفاجأة, فقد رأى جبريل على حقيقته, رأى السدرة وقد ملأها من نور الله الخلاق عز وجل ما يحير العقل ويدهشه من العجب والجمال..
وسمع من جبريل عليه السلام مفاجأة, قال له جبريل:
يا محمد, في مثل هذا المقام يترك الصاحب الى صاحبه؛ الخليل الى خليله, والحبيب الى حبيبه.
قال جبريل: الى هنا ينتهي عروجي, لا أستطيع التقدم ولو تقدمت بعد ذلك قيد شعرة لاحترقت, فتقدم أنت الى خليلك وحبيبك, فما منّا الا له مقام معلوم.
ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يسمو في عالم النور القدسي حتى صار من الله الخلاق عز وجل كما جاء في القرآن الكريم قريبا جدا, قال عز وجل:
{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى}.
ولما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل فكلمه الله عند ذلك فقال له: سل..
فقال محمد صلى الله عليه وسلم:" انك اتخذت ابراهيم خليلا, وكلمت موسى تكليما, وأعطيت داود ملكا عظيما, وألنت له الحديد وسخرت له الجبال. وأعطيت سليمان ملكا, وسخرت له الجن والانس والشياطين, وسخرت له الرياح, وجعلت له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
علمت عيسى التوراة والانجيل, وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص, ويحيى الموتى باذنك, وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم, فلم يكن للشيطان عليهما سبيل".
فقال له الرب عز وجل:" وقد اتخذتك خليلا, وأرسلتك للناس كافة وبشيرا ونذيرا, وشرحت لك صدرك, ووضعت عنك وزرك الذي أنقض ظهرك.. وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وأعطيتك سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك, وأعطيتك نهر الكوثر, واعطيتك ثمانية أسهم هي: الاسلام, والهجرة, والجهاد, والصلاة, والصدقة, وصوم رمضان, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وجعلتك فاتحا, وخاتما للمرسلين.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه, وجوامع الحديث, وأرسلني الى الناس كافة بشيرا ونذيرا, وقذف في قلوب أعدائي الرعب من مسيرة شهر, وأحلت لي الغنائم, ولم تحل لأحد قبلي, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".
ومن خلال هذه المعجزة العظيمة الصعود الى السماء والوصول الى سدرة المنتهى, فرض الله سبحانه حينئذ على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة, ولما أوحى الله الى عبده ما أوحى رجع فلقيه موسى عليه السلام حيث هو في السماء السادسة فقال: بم أمرت يا محمد؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بخمسين صلاة".
قال موسى: ارجع الى ربك فاسأله التخفيف. فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة.
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل وسأله التخفيف فوضع عنه عشرا, أي خفف الخمسين الى أربعين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بكم أمرت؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بأربعين صلاة".
قال موسى: فارجع الى ربك فاسأله التخفيف فقد لقيت من بني اسرائيل شدة, وتعلا, فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل فسأله التخفيف, فخفف عنه عشرا, فرجع الى موسى, وظل يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة... فقال له موسى: ارجع الى ربك فاساله التخفيف, فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة..
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" قد رجعت الى ربي حتى استحييت, فما أنا براجع اليه".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع الى ربه فخفف الى الثلاثين والعشرين والعشر صلوات في اليوم والليلة حت وصل الى خمس صلوات في اليوم والليلة, وما ان قال:" استحييت, فما أنا براجع اليه" حتى سمع عليه السلام مناديا يقوا: أما انك كما صبّرت نفسك على خمس صلوات فانهن يجزين عنك خمسين صلاة, فان كل حسنة بعشرة أمثالها, فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا.
2. العودة الى مكة
عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من فوق السماء السابعة فعاد حتى هبط الى السماء الدنيا, فنظر الى أسفل منه, فرأى وهجا ودخانا وسمع أصواتا, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل؟"
قال جبريل: هذه الشياطين تحوم على قلوب بني آدم كي لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض, ولولا ذلك لرأوا العجائب..
وظلّ الرسول صلى الله عليه وسلم يهبط الى الأرض حتى بلغ بيت المقدس, فوجد الأنبياء مجتمعين فيه ينتظرون الصلاة فحيّاهم عليه الصلاة والسلام فحيّوه, ولما حانت الصلاة قام النبيون لأدائها, فجاء جبريل, أخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم الى موقف الامام, وأشار اليه أن يصلي بهم فصلى بهم... والغالب أنها كانت صلاة الصبح, وفي امامته عليه الصلاة والسلام للأنبياء تشريف له عليه الصلاة والسلام واعلاء لقدره على سائر الأنبياء.
ثم ركب الرسول عليه الصلاة والسلام البراق بعد أن خرج من بيت المقدس, فركب البراق وعاد الى مكة والناس نيام فلما أصبح الصبح, وصحت مكة, وعلت الشمس, شمس الضحى, أخبر عليه السلام الناس بما حدث معه, وأول من رآه أبو جهل, وكان كثيرا ما يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أبو جهل وقال له مستهزئا: أراك ممعنا في تفكير عميق, فهل حدث لك شيئ جديد؟
قال رسول صلى الله عليه وسلم:"نعم".
قال أبو جهل: وما هو؟
فقال عليه السلام:" انني أسري بي الليلة" أي انتقلت وسافرت.
قال أبو جهل: الى أين؟!
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
ففتح أبو جهل فمه من الدهشة وقال: ثم عدت الينا؟!
فقال عليه الصلاة والسلام في ثقة واطمئنان: "نعم"
كان أبو جهل يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: هذا يزعم أنه يكلم من السماء.. وكان هو وجماعته قد أكثروا من ترديد هذا الكلام حتى نسوه لفترة فلما سمع أبو جهل أن الرسول قد سافر ليلا من مكة الى بيت المقدس, والعكس في الليلة نفسها مع أنهم يسافرون لها في شهر, أراد أبو جهل أن يستغل هذه المعجزة التي لم يصدقها للسخرية من محمد, والاساءة له أمام الناس, كي ينصرفوا عنه اذ أنه يقول ما لا تقبله العقول..
ظنّ أبو جهل أنه بامكانه أن يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يقول أشياء لا يقبلها عقله هو, وأراد أن يجمع الناس لأنه يتوقع أن يتراجع محمد صلى الله عليه وسلم عما قاله والذي لا يصدقه, ولما خاف أن ينكر محمد صلى الله عليه وسلم ما قاله امام الناس قال له: أرأيت يا محمد ان أنا دعوت قومك اتحدثهم بما حدثتني به؟ أتقول لهم ما قلت لي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم".
فنادى أبو جهل بأعلى صوته: يا معشر كعب بن لؤي.
فجاء الناس اليه, فقال أبو جهل للرسول صلى الله عليه وسلم: حدّث قومك بما حدثتني به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اني أسري بي الليلة".
فقالوا: الى أين؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
فقالوا: ثم أصبحت الآن بيننا بعد كل هذا السفر؟!!
قال عليه الصلاة والسلام:" نعم".
وهنا هاج القوم, وصاروا يضربون كفا على كف, ويضع بعضهم يده على رأسه عجبا لكذب محمد صلى الله عليه وسلم كما يظن ويدّعي.
وصاروا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قال له رجل منهم اسمه المطعم بن عدي: والله يا محمد لقد كان أمرك فيما مضى أمرا هيّنا, أما اليوم فقد أمعنت في الكذب بما لا تصدقه العقول.. اننا نركب الابل الى بيت المقدس فنظل شهرا في الذهاب وشهرا في العودة ثم تزعم أنك سافرت هذا السفر في ليلة واحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك, وما كان هذا الذي تقوله يحدث أبدا..!!
وقال بعضهم في استهزاء: وماذا رأيت في بيت المقدس؟
فقال عليه السلام:" قابلت عددا من الأنبياء منهم ابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وصلّيت بهم وكلمتهم".
وكذب الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم وسخروا منه, وقالوا: لو أن أبا بكر سمع صاحبه محمدا يقول ما يقول اليوم لكذبه, ولانصرف عنه, وكف عن مناصرته وتأييده؛ واذ انصرف عنه, وكف عن مناصرته, انصرف الكثيرون معه عن محمد, فيهون شأنه ويضعف أمره, فجرى أحدهم يبحث عن أبي بكر في كل مكان حتى وجده في أحد مجالس قريش, فقال له هل سمعت ما يقول صاحبك يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: وما ذاك الذي يقول صاحبي؟
قال الرجل: يزعم أنه أسري به الليلة الى بيت المقدس, ثم أصبح بيننا!!
فقال أبو بكر: أوقد قال ذلك؟
قال الرجل: نعم واللات والعزى لقد قال ذلك.
قال أبو بكر: لئن كان قد قال ذلك فوالله لقد صدق.
فقال الرجل في عجب ودهشة: أتصدقه أنه ذهب الى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح.
قال أبو بكر: نعم اني أصدقه حتى لو قال أبعد من ذلك. أصدقه أن الخبر يأتيه من السماء في ساعة من ليل أو نهار. أفلا أصدقه فيما هو أقل من ذلك عجبا؟!!!
وقام أبو بكر والرجل وبعض من كانوا معه, وذهبوا الى حيث يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث عن الاسراء, فلما وصلوا الى هناك سمعوا المطعم بن عدي يقول: يا محمد: ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس ودخلته وصليت فيه, فلا بدّ أنك شاهدته, وعرفت معالمه: من أبواب وجدران وغيرها, فصفه لنا..
ثم أضاف المطعم بن عدي قائلا:
اننا نعرف أنك لم تذهب قبل هذه الليلة الى بيت المقدس, فاذا وصفته لنا الآن كان ذلك دليلا قاطعا على أنك زرته الليلة!!!.
وهنا أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حيرة شديدة تعتريه, وأن كربا أو غما لا مثيل له يستولي عليه.. انه لم يذهب الى بيت المقدس قبل هذه الليلة وحين ذهب اليها في اسرائه كان في شغل بما أنعم الله عليه من ايمان وآيات كبرى. لم يهتم بتأمل الحوائط والنوافذ والأبواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة, كيف يعي لذلك ومعه البراق, وهو معجزة وعجب عجاب, وكان معه جبريل وهو رسول رب العالمين اليه, والوقت غير مناسب لأن ينشغل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ينشغل ضميره بالمباني وغيرها من هذه الأشياء. فقد رأى من آيات ربه ما رأى, انشغل بكل هذه الآيات, وعاد من السماء السابعة الى الأولى, وهبط من الأولى الى أرض بيت المقدس كل هذه المعجزات الكبرى لم تجعله يلتفت الى شيء من هذا القبيل حوله.
والأهم من ذلك أنه عليه السلام قد عجز ولم يجد ما يجيب به على سؤالهم.
ولما رأى هؤلاء الكفار أنه عليه السلام سكت ولم يجب, استعدوا للسخرية والتكذيب, وكان أبو بكر الصديق قد ذهب الى بيت المقدس كثيرا وله دراية به.. وكان الى جانب ذلك لا يشك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه عليه السلام قد زار حقا في تلك الليلة بيت المقدس, ولا جدال في ذلك.
فلما رأى أبو بكر توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاجابة, ورأى القوم يوشكون أن يرفعوا أصواتهم بالسخرية والاستهزاء والتكذيب, قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: صفه لي يا رسول الله, فاني قد جئته وزرته عدة مرّات.
وقد رغب ابو بكر من هذا أن يقطع ألسنتهم ويمنعهم من السخرية, وأن يأتي بالدليل على صدق اسرائه.
وعند ذلك حدثت المعجزة, وأراد الله أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فرفع بيت المقدس وجعله في بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصيرته, فظهر له بيت المقدس واضحا وجليّا, فقال عليه السلام: باب منه مكانه كذا, فصاح أبو بكر فرحا وقال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أنت رسول الله.. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وباب منه في موضع كذا.." فيعود أبو بكر ويقول في حماسة وفرح: صدقت يا رسول الله, أشهد أنك رسول الله, وظل أبو بكر يقول ذلك في كل فقرة, ولذلك فقد سمي أبو بكر من هذا اليوم باسم الصدّيق رضوان الله عليه.
سكت أبو جهل والكفار وعلموا أن رسول الله لم ولن يهزم أمامهم, ولكنهم عادوا الى التضليل والكذب وقال أحدهم: يا قوم؛وألم يخبركم الوليد بن المغيرة, فان ما سمعناه اليوم من محمد ان هو الا السحر بعينه.
وأسرع بعضهم يغيّر مجرى الحديث فقال: يا محمد؛ ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس حقا فان لنا عيرا ذهبت بتجارتنا الى بلاد الشام, فهل تستطيع أن تخبرنا أين مكانها الآن من الطريق؟
لقد وصفت لنا بيت المقدس, ولعلك تعرف مكان قافلتنا الآن فأين هي الآن من مكة؟
فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بهذه القافلة بوادي كذا وهو متوجه الى الشام, فخافوا من منظر البراق وجماله, لأن البراق كان سيره صوت مخيف, فأزعج القوم, وجعل جمالهم تنفر وتهرب هنا وهناك, فهرب منهم بعير فدلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على مكانه.
فلما عادت القافلة, وحكى لها الكفار ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم, صدقوه, وصدقوا ما قاله عليه السلام.
وقال رجل آخر للرسول صلى الله عليه وسلم: ان لنا قافلة أخرى ذهبت الى الشام فدلنا على مكانها في الطريق.
فقال عليه السلام:" مررت بهذا الابل وأنا قادم في مكان كذا وكذا, وفيها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذيتهم نفرت العير, أي أن الابل خافت وذعرت من حس البراق, وصرع بعير وانكسر".
فلما عادوا الى مكة أخبروا بصدق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ورغم ذلك قالوا: هذا هو السحر.
وعاد أحدهم يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وان لنا ابلا, فأخبرنا بمكانها ومتى تجيء؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" تأتيكم هذه العير يوم كذا يقدمها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان."
فلما كان وصول القافلة خرجت قريش لتنظر هل يصدق موعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا يصدق, وكاد النهار ينتهي وأوشكت الشمس على المغيب, فقال أحد الكفار ساخرا:
ها هو ذا اليوم ينتهي, ولم تقدم القافلة, ولم تجيء, اليوم بطل سحر محمد..
وما كاد الرجل يتم كلمته حتى صاح أحد المؤمنين المسلمين:
الله أكبر هذه طلائع القافلة قد ظهرت.

يتبع ...

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:18 PM

البراق العجيب
قال تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا, انه هو السميع البصير} الاسراء 1.
1. البداية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.
وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج؟
الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.
أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.
كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.
وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).
فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.
وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.
أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
2. مشهد في الطريق
وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأة جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.
ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اناءين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:
اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".
وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..
فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله ودعوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..
واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيت المقدس, وصلى بالأنبياء اماما, وربط البراق بحلقة باب المسجد.
3. مشاهد المعراج
المشهد الأول
قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم معراج جميل والمعراج "سلم" لم تر الخلائق مثله, فصعد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فوق المعراج حتى بلغا السماء الأولى, وهي سماء الدنيا, وطلب جبريل من ملائكة هذه السماء أن يفتحوا له أبوابها, فناداه مناد: من أنت؟ فقال: أنا جبريل. قال المنادي: ومن معك؟ قال جبريل: معي محمد. قال: أوقد بعث محمد؟ قال جبريل: نعم.
وفتح له, فتحت لهما السماء والدنيا, ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رجل تام الخلقة عن يمينه أسودة (أرواح), وعن يساره أسودة. فاذا نظر الى التي عن يمينه تبسم, وقال: روح طيبة اجعلوها في عليين فيفتح باب ويخرج منه ريح طيبة, فتدخل فيه, واذا نظر الى التي على يساره حزن وقطّب جبينه وقال: روح خبيثة اجعلوها في سجيّن, فيفتح باب ويخرج منه ريح خبيثة, فتدخل فيه.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشخص التام الخلق وعن هذه الأسودة, وعن هذين البابين فقال جبريل عليه السلام:
أما الشخص التام الخلقة فهو أبوك آدم.
واما هذه الأسودة عن يمينه وعن يساره فهي أرواح بنيه؛ أهل يمينه هم أهل الجنة, وأهل شماله هم أهل النار, فاذا نظر الى أهل الجنة تبسم واذا نظر الى أهل النار حزن وابتأس.
وأما البابان فالباب الذي الى اليمين باب الجنة, والباب الذي الى اليسار باب جهنّم.
رحّب آدم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التحية بأحسن منها. ومضى الى مشهد آخر من مشاهد المعراج. التي تعدّ درسا من دروس الدعوة العظيمة وقدوة حميدة للناس أجمعين.
المشهد الثاني
نظر الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى موائد كثيرة, عليها لحم مشرّح جيّد ولا يقربها أحد, وموائد أخرى عليها لحم نتن كريه الرائحة وحول هذا اللحم النتنة أناس يتنافسون على الأكل منها ويتركون اللحم المشرّح الجيّد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ومن هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هذا حال ناس من أمتك يتركون الحلال الطيّب فلا يطعمونه, ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه!!.
المشهد الثالث
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد ناسا شفاههم كمشافر الابل, فيأتي من يفتح أفواههم, فيلقي فيها قطعا من اللحم الخبيث, فيضجون منها الى الله لأنها تصير نارا في أمعائهم فلا يجيرهم أحد حتى تخرج من أسفلهم فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل ظلما, انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.
المشهد الرابع
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم طريقا ممتدا الى النار يمر فيه آل فرعون, فيعرضون على النار غدوّا وعشيّا, وأثناء مرورهم يجدون على الطريق أقواما بطونهم منتفخة مثل البيوت, كلما نهض أحدهم سقط يقول: اللهم أخر يوم القيامة, اللهم لا تقم الساعة فيطؤهم آل فرعون بأقدامهم, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يتعاملون بالربا من أمتك.
{ولا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
المشهد الخامس
مضى الرسول فرأى أقواما يقطع اللحم من جنوبهم ثم يقال لكل منهم:
كل من هذا اللحم كما كنت تأكل لحم أخيك ميتا.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" من هؤلاء يل جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يغتابون الناس من أمتك, كان كل منهم يأكل لحم أخيه ميتا.
المشهد السادس
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أقواما تضرب رؤؤسهم بالصخر كلما ضربت تحطمت, وكلما تحطمت عادت كما كانت فترضخ من جديد بالصخر فتتحطم.. وهكذا, فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل عليه السلام: هؤلاء من أمتك هم الذين تتثاقل رؤؤسهم عن الصلاة المكتوبة.
المشهد السابع
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أقواما يسترون عوراتهم من الأمام والخلف برقاع وهم يسرحون كما تسرح الابل. يأكلون الضريع والزقزم ورضف جهنم وحجارتها؛ فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل عليه السلام: هؤلاء هم الذين لا يؤدون صدقات أموالهم, وما ظلمهم الله تعالى شيئا, وما الله بظلام للعبيد.
المشهد الثامن
في هذا المشهد يأتي رسول الله على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها هو يزيد عليها, وذلك دليل على كثرة الذنوب التي ارتكبها والمعاصي التي اقترفها, ومع ذلك فهو يزيد منها ويثقل على نفسه بالذنوب فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما هذا يا جبريل"؟
قال جبريل: هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس, لايقدر على أدائها وهو يزيد عليها أمانات اخرى, وقد دعا الاسلام الى ردّ الأمانات.
المشهد التاسع
في هذا المشهد الذي لو تخيّلناه لكان مرعبا بحق, ولكنه يعبر بصدق عن دور اللسان في حياة المؤمن, فقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوام تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد, كلما قرضت عادت كما كانت لا يفر عنهم من ذلك شيء وهذا جزاء من يتكلم بالشر, ويخوض فيه بين الناس فلما رأى رسول الله ذلك قال لجبريل:" ما هذا يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء خطباء الفتنة.
المشهد العاشر
هذا المشهد يثير في نفوسنا الراحة ويبعث فيها الاطمئنان والسكينة, فقد مرّ الرسول على أقوام يحصدون في يوم؛ كلما حصدوا عاد كما كان. وكثرة الحصاد والمحصول على هذا الوجه رمز لجزاء الله سبحانه الذي لا يتناهى, فلما رآهم رسول الله صلى الله ليه وسلم على ذلك سأل جبريل:" ما هذا يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله, تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف.
ولذلك يشبه الله العمل الصالح في الآية:{ كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}.
المشهد الحادي عشر
هذا مشهد من مشاهد الجنة التي وعد بها المتقون والصالحون, فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على واد فسيح, فهبت عليه منه ريح باردة طيبة, ورائحة مسك أزكى من مسك الأرض, وسمع من جهته صوتا, فقال عليه السلام:" يا جبريل.. ما هذا الريح الطيبة الباردة؟ وما هذا المسك؟. وما هذا الصوت؟".
قال جبريل: هذا صوت الجنة تقول: رب ائتني بما وعدتني, فقد كثرت غرفي, واستبرقي, وحريري, وسندسي, ولؤلؤي, ومرجاني وفضتي, وذهبي, وأكوابي, وصحافي, وأباريقي, وكؤؤسي, وعسلي ومائي, وخمري, ولبني, فائتني بما وعدتني.
فقال عز وجل: لك كل مسلم ومسلمة, ومؤمن ومؤمنة, ومن آمن بي وبرسلي, وعمل صالحا, ولم يشرك بي شيئا.. ولم يتخذ من دوني أندادا.. ومن خشيني فهو آمن, ومن سالني أعطيته, ومن أقرضني جزيته, ومن توكل عليّ كفيته, اني أنا الله لا اله الا أنا لا أخلف الميعاد وقد أفلح المؤمنون, وتبارك الله أحسن الخالقين.
قالت الجنة: قد رضيت..
المشهد الثاني عشر
هذا المشهد عن جهنم أعاذنا الله من شرها, ومنعنا من لهيبها, وجنبنا غيظها وفورانها, فقد جاء صلى الله عليه وسلم على واد فسيح, فسمع صوتا منكرا, ووجد ريحا خبيثة فقال:" ما هذه الريح يا جبريل؟ وما هذا الصوت؟".
قال جبريل: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي, وأغلالي, وسعيري, وحميمي, وضريعي, وغسّاقي, وعذابي, وقد بعد قراري, واشتد حرّي, فائتني بما وعدتني.
فقال لها رب العزة: لك كل مشرك ومشركة, وكافر وكافرة, وكل خبيث وخبيثة, وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب.
قالت النار قد رضيت.
أعاذنا الله من شرها, وجنّبنا المعاصي وحبّب الينا الطاعات حتى نكون من أهل الجنة بعيدا عن النار وعذابها.
هذه مشاهد السماء الأولى, ترى ماذا في السماء الثانية, هذا ما سنعرفه في الصفحات التالية.
من السماء الثانية الى السابعة
صعد جبريل الى السماء الثانية وقد صحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستفتح كما فعل في السماء الأولى.. فقال خازن السماء الثانية:
من هذا الذي معك يا جبريل؟
فقال جبريل: هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أوقد بعث؟
قال جبريل: نعم.
فقال: حيّاه الله من أخ, ومن خليفة, فنعم الأخ ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا بشابين, فسأل جبريل:" من الشابان يا جبريل؟".
قال جبريل: هذان عيسى بن مريم, ويحيى بن زكريا عليهما السلام, وكل منها ابن خالة الآخر, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاهما عليه السلام, ثم صعد جبريل الى السماء الثالثة برسول الله صلى الله عليه وسلم قاستفتح, فقالوا: من هذا؟ قال جبريل: أنا جبريل, فقالوا: من معك؟ قال جبريل: محمد رسول الله. قالوا: أوقد أرسل اليه؟ قال جبريل: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ وخليفة, فنعم الأخ, ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل قد فضّل على الناس في الحسن والجمال, فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل الذي فضّل على الناس في الحسن؟".
قال جبريل: هذا أخوك يوسف عليه السلام.
فحيّاه الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآه يوسف عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح.
ثم صعد به جبريل الى السماء الرابعة فاستفتح, ففتح له ولقي تحية وترحيبا كعادته فاذا هو برجل عليه علامات الوقار والجلال, ورفعة الشأن فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل؟".
قال جبريل: هذا ادريس نبي الله عليه السلام رفعه الله مكانا عليّا فلما رآه ادريس عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فردّ عليه السلام التحيّة.
ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم الى السماء الخامسة فاستفتح ففتح له, ولقي من التحيّة ما اعتاد عليه في السموات السابقة, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ عليهم من أمر الله ما شاء الله؛ فقال: "من هذا يا جبريل؟".
فقال جبريل عليه السلام: هذا المحبب الى قومه هارون بن عمران, وهؤلاء بنو اسرائيل, فلما رأى هارون محمدا عليه الصلاة والسلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاه الرسول عليه السلام.
ثم صعد به جبريل الى السماء السادسة فاستفتح, ففتحت السماء له, ورحّب به عليه السلام ولما دخل عليه السلام فاذا برجل جالس فمرّ به فبكى الرجل, فقال الرسول عليه السلام:" يا جبريل من هذا؟".
قال جبريل: هذا موسى ابن عمران.
فقال عليه السلام:" فماله يبكي؟".
قال جبريل: انه يقول: تزعم بنو اسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عز وجل, وهذا رجل من بني آدم قد فاقني في رتبته, فلو أنه بنفسه لما اهتممت, ولكنه مع كل نبي أمّته.
ثم صعد به جبريل عليه السلام الى السماء السابعة فاستفتح ففتحت له, ودخل عليه السلام فاذا به يرى البيت المعمور, وهو بيت في السماء السابعة يقوم في سمت الكعبة الشريفة في أرضنا هذه يدخله كل يوم للصلاة فيه سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة, ورأى عليه السلام رجلا أحسن ما يكون الرجال قد أسند ظهره الى البيت المعمور فقال عليه السلام:" من هذا الرجل يا جبريل؟".
قال جبريل: هذا أبوك ابراهيم عليه السلام, خليل الرحمن. فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ عليه الخليل السلام.
ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم حول ابراهيم الخليل قوما جلوسا بيض الوجوه أمثال القراطيس.. وقوما في ألوانهم شيء, فدخلوا نهرا اغتسلوا فيه, فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء, ثم دخلوا نهرا آخر, فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم, فصارت مثل ألوان أصحابهم, فجاؤؤا فجلسوا الى أصحابهم.
فقال عليه السلام:" يا جبريل من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاؤوا وقد صفت ألوانهم؟".
قال جبريل: أما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا ايمانهم بظلم, أي أنهم أخلصوا دينهم لله؛ فليس في قلوبهم شيء من شك أو ميل الى الاثم والبغي, فكان ايمانهم نقيا صافيا.
وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؛ فقوم خلطوا عملا صالحا, وآخر سيئا, قتابوا فتاب الله عليهم.
وأما الأنهار فهي: نهر الرحمة, ونهر النعمة, والثالث: شراب طهور.
هذه هي معجزة الاسراء والمعراج, معجزة مشاهد الطريق العظيمة, ومشاهد العروج الى السماء معجزة الخروج من مكة ليلا والوصول الى بيت المقدس في لحظات سريعة, وكان البراق هو الأداة التي سخرها الله ضمن أدوات انصرفت مشيئته أن تكون, فكان لونه معجزة, يضع قدمه في محل رؤيا العين أو على امتداد البصر خافت من حس أقدامه الابل وهربت في الصحراء ولم يكن البراق الشيء العجيب الوحيد, بل ما شاهده الرسول صلى الله عليه وسلم يعد معجزات متعددة واحدة تلو الأخرى تقدم النصح والارشاد للناس أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
صدق الله العظيم

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:20 PM

معجزة يوسف عليه السلام

يوسف علية السلام


1. في البدء كلمة
الأنبياء عباد الله, خصّهم ربّهم بمكانة عظيمة, ومنزلة رفيعة, فزيّن لهم فعل الخيرات, لأنهم كانوا من عباده المخلصين, وجعل الله لكل نبي معجزة أو معجزات لا تكون لبشر غيرهم, ومنهم يوسف عليه السلام الذي أصابه اضطهاد اخوانه وأشقائه فحاولوا التخلص منه, ولكن الله كان له خير حافظ والله أرحم الراحمين.
وقد اختص الله عز وجل يوسف بالرؤيا الصادقة التي تحدثت عن أحداث كثيرة قبل وقوعها, فكانت رؤياه وحلمه وهو نائم معجزة,وكان تفسيره للأحلام معجزة كبيرة تدل على ما اختصه ربه به من معجزات عظيمة ما زلنا نسمعها وتصيبنا بالدهشة فنسبح بحمد الله القادر على كل شيء لأنه سبحانه عز وجل ليس كمثله شيء.
2. يوسف في السجن
منذ أن خرج يوسف من البئر ومضى مع بعض الناس الذين باعوه لوزير من وزراء مصر اسمه العزيز ومنذ هذا اليوم ويوسف يعيش عيشة هانئة راضية يحبه أهل هذا البيت, فهو في دار العزيز أحد وجهاء مصر وامرأته "زليخة" بنت أخت الملك الريان بن الوليد ملك مصر.
نشأ يوسف نشأة عظيمة وأصبح شابا جميلا, بديع الجمال والبهاء مما جعل النساء ينظرن الى جماله وبهائه, وكان ممن نظر اليه زليخة امرأة العزيز, وحاولت أن تجعله خائنا لسيّده العزيز ولكن يوسف نبي من سلالة الأنبياء, عصمه ربه وحماه من الفاحشة, ومن مكر النساء, فهو سيّد النجباء, والسبعة الأتقياء الذين قال عنهم الرسول محمد خاتم الأنبياء:
"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الاه ظله:
امام عادل
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عينينه
ورجل قلبه معلق بالمساجد اذا خرج منه حتى يعود اليه
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقته يمينه
وشاب نشأ في عبادة الله
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني أخاف الله.
رواه البخاري في صحيحه10\36\660, ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد.
لما كان يوسف أحد هؤلاء السبعة الذين تحدث عنهم رسول الله فقد رفض خيانة سيده العزيز, وعصى أمر زوجته "زليخة" وقال لها منكرا ما تريد:{ معاذ الله انه ربي} يقصد زوجها صاحب المنزل, ثم استكمل يوسف حديثه فقال: انه أحسن الي وأكرم مقامي عنده وفي فعلي هذا الذي تدعينني له ظلم,{ انه ربي أحسن مثواي لكنه لا يفلح الظالمون}.
حاولت امرأة العزيز أن تجعل من يوسف الطاهر الطيّب, فاحشا خائنا ولكنها فشلت, وخرج يوسف من دارها هاربا مسرعا, ولما عاد صاحب الدار وهو زوجها اشتكت له مرّ الشكوى ووصفت يوسف بأنه خائن فاحش, زورا وبهتانا, واتهمته بالباطل, ولكن الرجل لم يصدق هذا الاتهام وحقق مع يوسف, وثبتت براءته, ولكنها لم توقف كيدها ليوسف عليه السلام, وخاصة أن نساء المدينة تحدثوا عنها وعن يوسف فأصابها غيظ شديد, وخاصة أنهن نساء الأمراء والكبراء, فقد طعنوا فيها وعابوا عليها, وشنعوا بها.
علمت بمكرهن وسمعت به, فأرادت أن تثبت لهن عذرها وأنهن لو شاهدن يوسف وما عليه من جمال لفعلوا مثل ما فعلت, ففكرت في حيلة تثبت من خلالها صدق ما فعلت, كي يعذرها النسوة, لأنها متأكدة من أن ما عليه هذا النبي الكريم يجعل الفتنة في قلوب النساء, فأرسلت لهن دعوة للغداء جامعة في منزلها, وأعدّت لهن مجلسا مريحا جميلا, وضيافة رائعة, وأحضرت من جملة ما أحضرت من الطعام وأدواته سكاكين يقطعن بها فاكهة وطعاما, وآتت كل واحدة منهم سكينا, وهيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب, وكان في ريعان شبابه مليئا بكل تقاسيم الجمال, وأمرته ان يخرج عليهن وهو بكامل زينته وجماله فخرج عليهن وهو بدر في جماله, وروعة في ثيابه وشبابه.
فلما رأته النساء وهن في مجلس زليخا أعظمنه وأجللنه, وأخذتهن الهيبة والدهشة من فرط جماله وحسنه, وجعلت النسوة يقطعن أيديهن بالسكاكين ولا يشعرن بالجراح الاتي أصابتهن من يوسف وقد وصف القرآن الكريم هذا المشهد فجاءت الآيات تقول:
{فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشى له ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم}.
وقالت زليخا للنساء:{ فذلكن الذي لمتنني فيه} فعذرت النساء زليخا التي مدحت يوسف ووصفته بالطهارة والعفة, ولكن يوسف لم يستمع الى حديثهن ودعوتهن له الى طاعة سيدته, وقد هددته زليخا بادخاله السجن ان لم يكن لها من الطائعين, وقالت:{ لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين}.
استجار يوسف بربه ودعاه دعاء خالصا, بأن يخلصه من بين أيدي النساء, وقال في هذا الدعاء:{ قال رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين}. يوسف 33.
قال مناجيا ربه: يا رب ان تركتني لنفسي, فليس لي من نفسي الا العجز والضعف, ولا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا الا ما شاء الله, فأنا ضعيف الا ما قويتني وعصمتني وحفظتني بحولك وقوتك.
عند ذلك استجاب الله عز وجل لدعاء نبيه يوسف عليه السلام فقد فضل السجن على المعصية, معصية الله عز وجل, ولقد اعتبر يوسف عليه السلام أن السجن رحمة من الله عز وجل, وطريق يسلكه الى الطاعة ويعصم نفسه بدخول السجن من المعصية.
ودخل يوسف السجن رغم ثبوت براءته عند العزيز, الا أن العزيز وامرأته بدا لهم من الرأي أن دخول يوسف السجن ولو لوقت قصير يقلل من كلام الناس حولهم, وحكي أن يوسف عليه السلام لما دعا ربه قائلا:{ السجن أحب الي} أوحى الله اليه:" يا يوسف! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب اليّ, ولو قلت العافية أحب اليّ لعوفيت. القرطبي ج9 الآيتان 33-34 ص 121 .
اقتاد الناس يوسف الى السجن مظلوما, فحمل مقيدا على ظهر حمار, وطيف به وقد قال بعضهم: "هذا جزاء من يعصي سيدته" أما يوسف فكان يقول: هذا السجن أيسر وأهون من مقطعات النيران, وسرابيل القطران, وشراب الحميم في جهنم, والأكل من شجرة الزقوم في جهنم والعياذ بالله, فلما وصل يوسف السجن وجد قوما قد انقطع رجاؤهم, واشتد بلاؤهم, فيومهم عمل شاق, ومذلة وتعذيب فقدوا من خلاله كرامتهم وعزتهم, واكتوت ظهورهم بسياط السجانين وظلمهم, واختلط فيهم المظلوم بالظالم والجاني بالبريء.
رأى يوسف حالتهم هذه, فتقدم اليهم وقال لهم: اصبروا وأبشروا تؤجروا, فقالوا له: يا فتى! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك, من أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف ابن صفي الله وحبيبه يعقوب, ابن نبي الله اسحاق, ابن خليل الله ابراهيم عليه السلام.
أصبح يوسف في السجن وقد رأى الناس على حال يرثى لها فمنهم الحزين ومنهم المريض والجريح, فكان يعزي فيه الحزين, فلا يتركه حتى يذهب عنه الحزن والبأس, وكان يعود المريض, فيخفف عنه آلامه, ويداوي الجريح حتى يشفى من جراحه, وكان يوسف عليه السلام يصلي الليل كله قائما خاشعا لله عز وجل الذي أنعم عليه ونجاه من فتنة النساء.
وكان يقف بين يدي ربه باكيا حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب من شدة خشوعه وخوفه من الله عز وجل, حتى طهر به السجن, واستأنس به أهل السجن, فكان اذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف!
وقد نشأت علاقة ود شديدة وحب صادق بين يوسف وقائد السجن وصاحبه فوسّع عليه فيه, وأكمل له سبل الراحة, وقال له ذات يوم:
يا يوسف! لقد أحببتك حبا لم أحب شيئا مثل حبك!!
قال يوسف: أعوذ بالله من حبك.
قال قائد السجن: ولم تقول ذلك يا يوسف؟ وظن الرجل أن يوسف يرفض منه هذا الشعور الطيّب والود الخالص ولكن يوسف استدرك قائلا:" أحبني أبي ففعل بي اخوتي ما فعلوه".
يقصد أن اخوته ثارت غيرتهم عليه لما أحبه أبوه واستدرجوه الى البئر وألقوه فيه, وقالوا لأبيهم ان يوسف أكله الذئب وتبع ذلك بيعه للعزيز بعد اخراجه من البئر.
ثم قال يوسف: وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى.
تبسّم صاحب السجن ولكن حديث يوسف عليه السلام لم ينقص الود بينهما فكانا يلتقيان دوما ويسمران, وأصبحت شخصية يوسف دواء يشفي جراح المساجين, ويهون كروبهم وهمومهم, فاذا أصبح أهل السجن بحثوا عن يوسف ليستبشروا به, وشاوروه في آمالهم وأحلامهم, وحكّموه في خصامهم, وقبلوا حكمه بروح طيبة ونفس عالية, وأصبح السجن ليوسف ومن معه روضة جميلة, واسعة اتساع الحرية, هنيئة هناء الطاعة والعبادة, وانصرفت مشيئة الله الا يكون سجن يوسف سجنا بل رحمة وحرية الى الطاعة, وذلك أرحم من سجن المعصية, فالذنب الذي يرتكبه الانسان يسجنه طوال عمره فيه أما الحرية فهي في عفة النفس اللسان واحترامها, فليست الجدران وحدها هي السجن, وانما السجن هو سجن النفس المذنبة الذليلة.


يتبع ..

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:21 PM

3. صاحبي السجن
قال تعالى: { ودخل معه السجن فتيان} يوسف 36.
ظل يوسف في حبسه وسجنه راضي النفس قانعا بقضاء الله والذي هو خير له, ولما طالت أيام السجن أصبح ليوسف صحبة أصحاب, ومن أصحابه الذين كانوا يلازمونه فتيان أحدهما اسمه "مجلب" والآخر " نبوا" كان يوسف يودهما كما يود أصحابه في السجن ويحبهما كما يحب أهل السجن جميعا مما زاد في التصاقهما به, ودوام مجالسته والتحدث اليه في كل أمر يخطر ببالهما. لم يكن يعلم يوسف سبب سجنهما, ومع دورة الأيام والزمن علم السبب فقد كان الملك الوليد بن الريان ملك مصر طويل العمر والملك, وأمضى زمنا طويلا في ملكه ما جعل الناس يملون ملكه فكادوا له, وبدأ الكيد من جماعة من مصر فأرادوا المكر بالملك واغتياله فدسوا الى هذين الغلامين وأرسلوا لهما من يفاوضهما في الأمر, فقد كان "مجلب" صاحب الطعام وخباز الملك وطباخه الذي يقدم له الطعام كل يوم ويطعمه, أما "نبوا" فقد كان ساقيه يقدم له الشراب بأنواعه, ولا يأمن الوليد لغيرهما في تقديم الطعام والشراب له سواء أكان وحيدا أو مع حاشيته وضيوفه. جاءهما جماعة من مصر وعرضوا عليهما مالا كثيرا وبساتين ومزارع جميلة اذا هما دسا السم في طعام الوليد, وضمنا لهما السلامة من أي خطر قد يتعرضان له, طالت المفاوضات, وبعدها وافق "مجلب" سريعا وتردد "نبوا" كثيرا, وفي النهاية وافقا على طلب هؤلاء الناس وحصلا على بعض المال منهم.
جاء موعد غداء الملك في اليوم التالي, فدس مجلب السم في الطعام وعمل بما اتفق عليه مع المصريين المعارضين للملك الوليد بن الريان والراغبين في اغتياله ليخلو لهم حكم مصر, أما نبوا فقد حفظ عشرة سيده ورغب ألا يخون الأمانة, فلم يضع سما في شراب الملك.
حمل كل منهما ما يخصه من الطعام والشراب فتقدم مجلب بمائدة طعام الملك وحمل نبوا أواني الشرب ودخل على مليكه, وامتدت يد الواليد بن الريان للطعام فصرخ نبوا قائلا:" لا تأكل يا مولاي ففي الطعام سم وضعه مجلب"!! تراجع الملك ورفع يده فورا عن الطعام بعد أن امسك به, ونظر الى مجلب في دهشة, وتنقل بصره بين مجلب ونبوا, وقال موجها حديثه لنبوا وقد وقف مجلب يرتعد من شدة الخوف, قال: ما تقول يا نبوا؟!
قال نبوا: أقول يا مولاي ان الطعام الذي أمامك مسموم فقد دس مجلب السم فيه.
فقال الملك: وأنت ماذا فعلت يا بنوا؟ أوضعت السم في الشراب؟
فقال نبوا: حاشا لله يا مولاي, فأنت ولي نعمتي, ومليكي الذي أرتع في قصوره, وأسعد بجواره, وأكرّم نفسي من أمواله, هل يعقل أن أخون كل هذا يا مولاي؟
فقال الملك وهو ينظر الى مجلب نظرة قاسية:
اذن.. تناول الشراب واشربه يا نبوا!!
شرب نبوا كأس الملك وأتبعه بكأس آخر, ووقف هادئا سليما لم يصبه شيء من الأذى لأن الشراب كان خاليا من السم وطازجا.
اعتدل الملك في جلسته, ونادى مجلب كي يقترب منه قليلا, وقال له: كل من هذا الطعام يا مجلب.
قال مجلب وهو يرتعش وقد تصبب عرقا: لا أستطيع أيها الملك لا أستطيع, اعفني من هذه المهمة.
صرخ الملك في مجلب قائلا:
أيها الخائن, أنت تعرف أن الطعام مسموم, أتخاف من الموت الآن, وقد أردت أن تقتلني, قل لي من وضع السم في هذا الطعام؟
تأتأ مجلب وارتبك وقال في تردد وخوف: لا..لا أدري.
نادى الملك جميع حراسه, وقال: اقبضوا على هؤلاء وأحضروا لي حيوانا أو دابة تأكل من هذا الطعام.
أحضر الحراس حصانا كبير السن وجعلوه يأكل من الخ المسموم والطعام. فجاؤوا به, ولما أكل صهل بصوت عال صهلة وسقط على الأرض ميتا, عندئذ تأكد الملك من صدق نبوا وقبض على مجلب ومعه نبوا وأجريت معهما التحقيقات التي أدانتهما ادانة شديدة, مجلب وضع الطعام مسموما أمام الملك ولم يحفظ الأمانة التي ائتمنه عليها الملك وهي حياته, فمن يأمن لانسان أن يقدم له طعامه, فانه يأمنه على حياته وعمره, ونبوا اتهم أيضا بأنه كان على علم بالمؤامرة وتأخر في الابلاغ عنها حتى اللحظات الأخيرة.
وسيق الاثنان الى السجن ليقضيا عقوبة رادعة, بعد أن نجيا من حكم الاعدام, وهناك في السجن أصبحا مع يوسف عليه السلام في كل مكان يجلس فيه صباحا ومساءا.
وذات يوم جلس الفتيان الى جوار يوسف وقد أهمهما أمر وشغلهما, وساد فيهم صمت لوقت قصير قطعه نبوا بقوله:
ما علمك الذي تعلمه يا يوسف؟
فقال يوسف: اني أعبّر الرؤيا وأفسرها تفسيرا كاملا بأمر الله.
عاد الجميع الى صمتهم الأول ونظر يوسف في وجه نبوا ومجلب فوجدهما مكروبين مهمومين, كأن بهما كربا أو أصابتهما صائبة أو مصيبة, عندئذ بادرهما يوسف عليه السلام بقوله: ما لي أراكما مكروبين؟ القرطبي ج 9 ص 36-38.
قالا: انا رأينا في المنام ما كرهنا أن نراه.
قال يوسف: وما هو؟ قصا عليّ ما رأيتما.
تردد الفتيان لحظة في الحديث ثم استهل مجلب الخباز حديثه قائلا:
أتنبئنا يا يوسف بتأويل وتفسير ما رأينا؟
قال يوسف: نعم لقد قلت لكما أنني أسطيع أن أنبئكما به ان شاء الله تعالى..
قال مجلب على الفور:
رأيت كأنني اختت وصنعت خا في ثلاثة تنانير أو ثلاثة أفران لصناعة الخ وجعلت الخ في ثلاث سلال, فوضعته على رأسي فجاء الطير تأكل منه.
وقال نبوا ليوسف:
رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض, فعصرتهن في ثلاث أوان, ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى, صمت يوسف قليلا وقد اشرأبت أعناق صاحبيه ينتظران على شوق تفسير حلميهما العجيبين, ثم تغيّر لونه لما عرفه من تفسير الرؤيا, عندئذ أعاد نبوا رؤياه بصيغة أخرى فقال ليوسف: أيها العالم رأيت كأني في بستان فاذا أنا أقف تحت كرمة عنب عليه ثلاث عناقيد فجنيتها, وكان كأس الملك بيدي فعصرتها وسقيت الملك شربة. عرائس المجالس للثعلبي ص 108.
نظر اليه يوسف عليه السلام, عرف أنه يستعجل التفسير, ونظر باشفاق الى مجلب الذي لم يشأ ان يكرر سرد رؤياه عليه مثل ما فعل نبوا.
كره يوسف عليه السلام أن يعبر ويفسر لهما ما سألاه عن الرؤيا لما علم في ذلك من المكروه الذي سيقع على أحدهما وهو مجلب, فقد كان تفسير رؤياه مشقة عليه لا يبشر بخير, لهذا السبب أعرض يوسف عليه السلام وامتنع عن تفسير الرؤيا وبدأ يتحدث في أمر آخر فيه اعراض عن الخوض في تفسير الرؤيا, وفيه دعوة لاسلام أهل السجن وهو كفار.
رتب يوسف عليه السلام أفكاره, وجعل همه الأول هو الدعوة لله عز وجل لأن ما عنده من علم هو من الله عز وجل لا يستطيع أن يدعي أو أن يقول ان ما عندي من تفسير للرؤيا هو من علمي الذي جاء من أفكاري, وليجعل في قلوب هؤلاء الأصحاب الذين يعيشون معه في السجن شيئا من الايمان والتقوى, تستقيم معه شروط صدق الرؤيا, فايمان الانسان وصدقه يجعل رؤياه صادقة, فلن تجد رؤيا صادقة لانسان كاذب أو عاص لله عز وجل, الرؤيا الصادقة نعمة من الله, والمعصية تحرم الانسان من هذه النعمة, فالمعاصي تزيل النعم وتقضي عليها, والطاعات تجلب الخير والبشر والسعادة للناس جميعا, لهذ اتجه يوسف اتجاها مغايرا في حديثه قبل أن يفسر الرؤيا.
بيّن يوسف لصاحبي السجن أن الله خصه بعلم عظيم, ومن هذا العلم قال يوسف:{ لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما}.
يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما الا أخبرتكما به الآن قبل أن يأتي.
فقالا له: هذا من فعل العرّافين والكهنة.
فقال يوسف: ما أنا بكاهن, وانما ذلك مما علمنيه ربي, اني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما, بل هو بوحي من الله عز وجل. تفسير القرطبي ج9 ص 127.
وبيّن لهم يوسف عليه السلام دينه ومذهبه, وقال لهما: اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت دين وملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب وكلهم أنبياء مؤمنون موحدون لله عز وجل وما ينبغي لي ولا لآبائي أن نشرك بالله من شيء, وهذا الايمان فضل من الله علينا أن عصمنا من الشرّ كله, وزيّن لنا فعل الخيرات للناس, ومن فضل الله علينا أن جعلنا أنبياء صالحين, وفضله سبحانه عز وجل على الناس وهم عباده الصالحين, ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ما أتاهم من نعمة وفضل تحيط بهم ولا يشعرون بها.
استمع الفتيان لحديث يوسف عليه السلام وقد تشوّقا لتأويل الرؤيا, ولكن يوسف لم ينه دعوته ورسالته لهما بعد بل مضى يقول:
{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} بأي صفة تحبون أن يكون لكم رب تعبدونه؟ أتحبون أن تعبدوا آلهة متفرقة في العدد والسن؟ انها اصنام تلك التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع, أهذه الأصنام خير لكم أم الله الواحد القهار الذي قهر كل شيء, ان الآلهة المتفرقة تتفرّق في الارادة, ولو كانوا كذلك لعلا اله على اله, ولتصارعت كل واحدة مع الأخرى.
ان ما تعبدونه من أصنام يا صاحبي السجن من دون الله عز وجل ليست من الأوهية في شيء, وما هي الا أسماء سميتموها أنتم, لانها جماد لا يتكلم ولا يعقل.
تحدث يوسف عن الايمان والعقيدة والربوبية والطاعة فهذه رسالته في الدنيا شأنه شأن أي نبي, يدعو الناس لعبادة الله الواحد القهار, ويدعوهم للتوحيد والطاعة, والايمان بأن الربوبية لله, ولا يعبد الناس الا الله من خلال هذا الدين القيّم.

يتبع...

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:22 PM

4. تفسير الرؤيا
قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام:{ يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا, وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه, قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}. يوسف 41.
بعد أن دعاهما دعوة الايمان, وبيّن لهما فطنته ودرايته, وميز لهما بين تلك الأصنام التي لا تنفع ولا تضر, وبين الله الواحد القهار الذي لا اله سواه ولا شريك له في الملك, وهو على كل شيء قدير. بعد كل هذا بدأ يوسف عليه السلام في تفسير الرؤيا فقال موجها حديثه للساقي: انك ترد الى عملك الذي كنت فيه وهو سقاية الملك بعد ثلاثة أيام.
وقال للآخر: أما أنت فتدعى بعد ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك.
نظر مجلب ونبوا في يوسف وتفحصا بعضهما بعضا من المفاجأة.
وارتعد نبوا خوفا وقال: والله ما رأيت شيئا وان هذه الرؤيا كذبنا بها عليك لنعرف مدى فراستك في تفسير الأحلام.
وقال الثاني: ما رأينا شيئا انما كنا نلعب ونجرّب عملك هذا.
فقال يوسف عليه السلام في حزم شديد.
{ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}.
أي انتهى الأمر ولا جدال مرّة أخرى.
وقال يوسف في سلام لنبوا وهو الساقي الذي ظن أنه سينجو من الموت ويعود الى حالته الأولى مع الملك الوليد بن الريان, فيدخل قصره ويكون ساقيه مرة أخرى, قال له يوسف:
{ اذكرني عند ربك} أي تحدث عني عند سيدك, واذكر له ما رأيته من حالي, وما أنا عليه من تفسير الرؤيا, وأخبره أني محبوس بلا ذنب, وقد كان لهذا الطلب من يوسف عتاب شديد اذ استعان وهو في محنته ببشر ولم يستعن بالله عز وجل. وقد ذكر العلماء أن يوسف ظل في السجن بضع سنين وجاء ذلك في الآية الكريمة:
{ فلبث في السجن بضع سنين}.
وذكر المفسرون أن جبريل عليه السلام, دخل على يوسف عليه السلام في السجن, فعرفه يوسف, فقال جبريل: يا أخا المنذرين! ما لي أراك من الخاطئين؟! وقال جبريل أيضا: يا طاهر ابن الطاهرين! يقرئك السلام رب العالمين ويقول: أما استحييت اذ استغثت بالآدميين؟! وعزتي وجلالي! لألبثنك في السجن بضع سنين.
فقال يوسف: يا جبريل أهو عني راض؟
قال جبريل: نعم!
فقال يوسف: لا أبالي الساعة. تفسير القرطبي الجزء الاتسع ص 128.
وروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله تعالى في ذلك, وطوّل سجنه, وقال له: يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي اخوتك؟!
قال الله تعالى.
فقال له: من أخرجك من البئر؟
قال يوسف: الله تعالى.
قال جبريل: فمن عصمك من الفاحشة؟
قال يوسف: الله تعالى.
قال جبريل: يا يوسف فمن صرف عنك كيد النساء؟
قال يوسف: الله تعالى.
فقال جبريل: فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله؟!. تفسير القرطبي ج9 ص 129.
قال يوسف: " يا رب كلمة زلت مني".
وجعل يوسف عليه السلام يتوسل الى ربه ويدعوه ويقول: أسألك يا اله ابراهيم واسحق والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني.
فقال له جبريل: فان عقوبتك يا يوسف أن تظل في السجن بضع سنين.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام:" رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال:{ واذكرني عند ربك} ما لبث في السجن بضع سنين".
لهذا ظل يوسف في السجن سبع سنين, وكان يمكن أن يخرج قبل هذا لولا كلمته للساقي بأن يذكره عند الملك, ليعلم ما وقع عليه من ظلم, وما أوتي من علم في تفسير الرؤيا وتعبيرها تعبيرا صحيحا بفضل الله وارادته عز وجل.
ظل يوسف ينتظر الفرج, فرج الله عز وجل كي يخرج من السجن بعد هذه التجربة الكبيرة, وقد كان السجن له في البداية رحمة وتفضيلا فضله يوسف على كيد النساء عندما اختار قائلا:
{ رب السجن أحب اليّ مما يدعونني اليه}.
يتبع

صائد الأفكار 16 - 7 - 2011 08:23 PM

5. رؤيا الملك وخروج يوسف من السجن
انصرفت مشيئة الله أن يخرج يوسف من السجن, ودنا فرج الله على يوسف, فقد رأى الملك الوليد بن الريان رؤياه التي تسببت في خروج يوسف من السجن, فنزل جبريل فسلم على يوسف وبشره بالفرج, وأن ارادة الله قد انصرفت كي يخرج من السجن.
وقال جبريل: ان الله مخرجك من سجنك, وممكن لك في الأرض, يذل لك ملوكها, ويطيعك جبابرتها, ومعطيك الكلمة العليا على اخوتك وذلك بسبب رؤيا رآها الملك.
والرؤيا تقول أن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه كأنه خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان, كبيرات الحجم, يكاد اللحم يسقط من جوانب كل واحدة من كثرة السمنة, وهذ البقرات السبع تطاردهن سبع عجاف هزيلات ضعيفات لا يظهر منهن سوى الهيكل العظمي, وظلت تطاردهن حتى أمسكت كل بقرة من البقرات الضعاف الهزيلات ببقرة من السمان في آذانها وأكلتها فلم تبق منها الا القرنين, ورأى الملك سبع سنبلات قمح خضراء قد أقبل عليهن سبع سنبلات يابسات فأكلتهن حتى أتين عليهن فلم يبق منهن شيء وهن يابسات, وكذلك البقرات السبع كن عجافا ضعافا هزيلات حتى بعد أن أكلن البقرات السمان.
استيقظ الملك الريان من نومه فزعا خائفا فقد هالته الرؤيا وأخافته, فكيف يرى الانسان بقرة ضعيفة هزيلة تأكل بقرة سمينة ضخمة مكتنزة باللحم, ترك الملك فراشه على الفور وارتدى ملابسه مسرعا وغادر غرفة نومه الى ديوانه ومجلسه, حتى رآه وزراؤه على هذه الحالة وحاشيته, ولما أخذ مجلسه نظر الى الحضور في قلق وبدأ يقصّ رؤياه على الحاضرين فقال:
{اني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات, يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون}. يوسف 43.
كان مجلسه جامعا, فقد أرسل الى الناس وأهل العلم منهم والعرّافة والكهانة والنجامة والسحرة, وأشراف قومه. فلما توجه اليهم بالأمر وطلب أن يفسروا رؤياه وقال:
{يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون}.
أجابوا جميعا اجابة واحدة قالوا فيها انها مجرد أحلام خاطئة وهي أشياء مختلطة عليك أيها الملك وأنت نائم, وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين, أي لا نعرف تفسير الأحلام لأنها مجرّد أشياء وأحداث مختلطة يتخيلها النائم في نومه.
قطع كل هذه الأصوات صوت نبوا ساقي الملك الذي خرج من السجن منذ فترة وجيزة وقال في صوت واثق حازم بعد أن تذكر حاجة يوسف التى نسيها سنوات عديدة عندما قال له يوسف:{ أذكرني عند ربك} أي عند ملكك.
قال: أنا انبئكم بتأويل هذه الرؤيا وتفسيرها, وأعرف من يفسرها لك أيها الملك بدقة. فوافق الملك على طلب الساقي.
فقال الساقي: أرسلني الى السجن بعيدا عن المدينة, فبعثوه فأتى بيوسف فقال له: أيها الصديق الصادق في تفسير وتأويل الرؤيا أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف, وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع الى الناس لعلهم يعلمون.
فقال يوسف عليه السلام: تزرعون سبع سنين, فالسبع بقرات سبع سنين تزرعون فيهن فيأتي المحصول عاليا, وتكون هذه السنوات السبع الأولى سنوات خير, وعليكم بترك ما يزيد عن حاجتكم في سنبله حتى لا يفسد عند تخزينه فترة زمنية طويلة, لأن السبع سنوات التالية لها ستكون شديدة لا زرع ولا محصول فيها. فتأكلون ما تم تخزينه من السبع الأولى, فاذا حبستم بذور القمح في سنابلها ستجدونه سليما, تصنعون منه طعامكم ولا تحدث بينكم مجاعة أو هلاك. وأضاف يوسف لرؤيا الملك شيئا من عنده يدل على ما أتاه الله من علم للغيب يتجاوز حتى رؤيا الملك التي فسرها تفسيرا صادقا تؤكده الأيام والسنون.
أضاف يوسف قائلا:{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}.
يغاث فيه الناس بالمطر والخير الكثير الوافر حتى أنهم في هذا العام يعصرون العنب خمرا والسمسم دهنا, والزيتون زيتا, وتحلب الألبان لكثرتها في ضروع الماشية, ويدل ذلك على كثرة النبات وعلى كثرة ووفرة الغيث, ونجاة الناس مما كانوا فيه من حاجة.
وبهذا العام الذي أضافه يوسف عليه السلام لرؤيا الملك الذي تحدث فيه عن سبع وسبع أي أربعة عشر عاما أضاف يوسف عليه السلام عامه اظهارا لفضله, واعلاما لمكانته العلمية وبمعرفته لعلم الغيب الذي خصه به ربه كما خص عيسى بن مريم أيضا.
عاد الساقي الى الملك الريان, وقص عليه تأويل يوسف لرؤياه والسنةالتي أضافها لرؤياه مما يدل على صدق ما فسر يوسف وأنه واقع بأمر الله لا محالة من ذلك. مما جعل الملك يشعربمكانة هذا الرجل الصالح والنبي الطاهر يوسف الصديق عليه السلام.
6. خروج من السجن وبراءة عظيمة
عرف الملك أن الذي قاله يوسف لا بد وأنه واقع لا محالة, فقال لساقيه نبوا وحرسه وأصحاب السجن القائمين عليه:
{ائتوني به} اذهبوا وأحضروه فورا.
خرج نبوا مسرعا من المدينة قاصدا السجن وقد عرف أنه تأخر على يوسف ولم يذكره الا بعد بضع سنين. ولما وصل السجن دخل الى يوسف مهللا فرحا سعيدا بخروجه من السجن ولكن يوسف عليه السلام فاجأ صاحبه وقال: لن أذهب معك الآن واشترط لخروجه شرطا من الساقي أن يبلغ للملك, فقال يوسف:
{ارجع الى ربك فسئله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم}. يوسف 50.
رفض يوسف عليه السلام الخروج حتى تصح براءته عند الملك مما قذف به واتهم به, ودخل من أجله السجن وهو بريء منه.
رفض يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن بعطف الملك, ويرميه الناس بعدها ويقولون: ذا الذي رواد امرأة مولاه. فأراد يوسف أن يبين براءته, ويحقق منزلته ومكانته من العفة والطهارة والخير.
فلهذا قال لنبوا ساقي الملك: ارجع الى الملك وقل له واسأله:{ ما بال النسوة التي قطعن أيديهن, ان ربي بكيدهن عليم}.
فرجع رسول الملك نبوا من عند يوسف حاملا رسالته هذه, فلما سمع الملك كلام يوسف, دعا النسوة اللاتي قطعن أيديهن ومعهن امرأة العزيز, وقال لهن: ما شأنكن, وذلك أن كل واحدة منكن كلمت يوسف في حق نفسها, فأجبن جميعا اجابة واحدة وقلن: حاشا لله ما علمنا على يوسف من سوء فهو شاب طاهر عفيف النفس حسن الخلق.
ونهضت امرأة العزيز من وسط النسوة وقالت:{ الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه} وان يوسف صادق ولم يكذب, فلما سمع يوسف هذا الكلام وهذه البراءة من امرأة العزيز قال:ليعلم سيدي العزيز أني لم أخنه بالغيب كما قيل عني واتهمني الناس.
فلما تبين للملك عذر يوسف عليه السلام وبراءته, عرف أمانته وكفايته وديانته وعلمه وعقله, وقال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي} فلما جاء نبوا الساقي ورسول الملك الى يوسف قال له: أجب الملك الآن.
خرج يوسف من السجن ودعا لأهل السجن بدعاء مشهور قال فيه:
"اللهم عطف قلوب الأخيار, ولا تعم عنهم الأخبار" فهم أعلم الناس بالأخبار الى اليوم في كل بلدة.
ولما خرج من السجن كتب على بابه:
"هذا قبر الأحياء, وبيت الأحزان, وتجربة الأصدقاء, وشماتة الأعداء" العرائس للثعلبي ص 111.
ثم اغتسل يوسف وتنظف وتطهر من درن السجن, ولبس ثيابا جديدة رائعة, وقصد الى قصر الملك الريان, فلما وقف باب الملك قال: حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جاهه وجل ثناؤه ولا اله غيره.
فلما دخل على الملك قال: اللهم اني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره.
فلما نظر اليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية, فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ وما هذه اللغة؟
قال يوسف: لسان عمي اسماعيل, ثم دعا له بالعبرانية.
فقال له الملك: ما هذا اللسان؟
قال يوسف: هذا لسان أبي يعقوب.
أعجب الملك بفصاحة يوسف ولغاته كما أعجب بأخلاقه وعفته وكان يوسف قد بلغ الثلاثين عاما, وأجلسه الى جواره وقال: اني أحب أن أسمع رؤياي منك مشافهة.
فقال يوسف: نعم أيها الملك," لقد رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غير عجاف كشف لك عنهن نهر النيل, فطلعن عليك من شاطئه, ينزل اللبن من ضروعهن, فبينما أنت كذلك تنظر اليهن وقد أعجبك حسنهن اذ نضب النيل, وغار ماؤه, وأصبح قليلا, وظهر قاعه, فخرج من طينه ووحله, سبع بقرات عجاف بطونهن لا تظهر, ليس لهن ضروع من شدة الضعف, ولهن أنياب وأسنان مخيفة, وأضراس وأكف كأكف الكلاب, وخراطيم كخراطيم السباع, فاختلطن بالبقرات السمان وهجمن عليهن وفترسهن افتراس السباع, وأكلن لحمهن, ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن, فبينما أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل ضعاف ثم لم يظهر فيهن سمنة مما أكلن اذا بسبع سنبلات خضر وسبع أخر سود يابسات في منبت واحد جذورهن في التراب والماء, وبينما تقول في نفسك ما هذا؟ هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات في المنبت واحد وأصولهن في الماء اذ هبت فردت أوراق السنبلات السود اليابسات على الخضر المثمرات فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن وصرن سوادا متغيرات فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا, ثم انتبهت مذعورا" العرائس للثعلبي 111-112 .
فقال له الملك: فما ترى في رؤياي أيها الصديق؟
فقال يوسف: أرى أيها الملك أن تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين الخصبة وتبني الأهرام والخزائن وتجعل القمح فيها بسنبله وقصبه ليكون أبقى ولا يفسد وقصبة القمح تصبح علفا للدواب. وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمر فيكفيك ما جمعته من طعام لأهل مصر ومن حولها. ثم يأتيك الناس من كل مكان ليأخذوا مما كنزت لهم من هذا الطعام, فيجتمع عندك من الكنوز ما لا يجتمع لأحد من قبلك.
تبسّم الريّان ونظر ليوسف نظرة اكبار واجلال وقال له: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه لي ويكفيني الشغل فيه؟
فقال يوسف:{ اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم} أي أعلم بسني المجاعة وكاتب حاسب لهذا كله.
فقال الملك: ومن أحق منك؟ وولاه خزائن الأرض وقال له:{ انك اليوم لدينا مكين أمين}.
وهلك العزيز الذي كان على هذه الخزائن قبل يوسف, وزوّج الملك يوسف بامرأة العزيز, وأنجب منها رجلين هما أفراييم بن يوسف, ومنشه بن يوسف, القرطبي ج 9 ص 140, وأصبح يوسف من يومها مكينا أمينا, بعد أن خصه الله بمعجزات كثيرة لا تحص ولا تعد, ولعل أشهرها تأويله للرؤيا, رؤيا صاحبي السجن ورؤيا الملك الوليد.


الساعة الآن 03:03 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى