منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   فلسفة وعلم نفس
علم ما وراء الطبيعه والقوى الخارقه
(http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=75)
-   -   هكذا تكلم زرادشت (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=2917)

أرب جمـال 27 - 12 - 2009 04:38 PM

هكذا تكلم زرادشت
 
"إن الألم لذة, واللعنة بركة, والليل شمسٌ مشرقة"... هكذا تكلم زرادشت

http://images.amazon.com/images/P/04...1.LZZZZZZZ.jpg

"
إن الألم لذة, واللعنة بركة, والليل شمس مشرقة"
بهذه الكلمات التي ألقاها زرادشت على "الرجال الراقون" نستطيع أن نلخص الخطوط الرئيسية في فلسفة نيتشة, إن الفلسفة لا تكون فلسفةً حقيقيةً مالم يكتنفها شيءٌ من الغموض والترميز الخفي, كما أن الفلسفة لا تكون خلاقةً إلا إذا سبرت أغوار الأفكار لتستخرج منهن الأعمق والأنقى..
إن الحقيقة لم تكن في يومٍ من الأيام ظاهرةً بجلاءٍ على سطح الكون, إنها -دوماً- بحاجةٍ إلى من يغوص الأعماق ليستنتجها فكرةً طاهرة. هذا مااستنتجته من خلال قراءتي لـ"هكذا تكلم زرادشت"..

يعتبر كتاب "هكذا تكلم زرادشت" العمل الفلسفي رقم واحد بين أعمال نيتشة..يليه كتابه "ماوراء الخير والشر".


إنك عندما تلتقط هذا الكتاب المُدهِش لتتصفحه, ترى فيه الوجود مجسداً أمامك, بل ترى الوجودية في كل شيء, فنيتشة لم يقتصر على الوجودية من منطلقها الانساني -كما سارتر- بل ابتعد بها إلى كل شيءٍ في هذا الكون الفسيح, لقد جعل الوجودية كونيةً لا انسانية. فعندما تبدأ أول مشهدٍ من الكتاب يطل عليك زرادشت بهيبته وحكمته وكأنك تراه, ليناجي الشمس, مبيناً لها أنها مجرد نجم في كونٍ فسيح, لا قيمة له إلا بما يرمي إليه.. "
منذ عشر سنواتٍ ما برحتَ تشرق على كهفي ,فلولاي ولولا نسري وافعواني لكنتَ مللت أنوارك وسئمت ذرع هذا السبيل". إن كل شيءٍ لا وجود له إلا بمقدار مايحقق من أهدافه!!

يحكي لنا نيتشة خبر زرادشت الذي اعتزل الناس, واتخذ من النسر والافعوان أخلاء عزلته, حتى إذا بلغ الثلاثين من عمره, نزل عن عزلته ,ليُفضي إلى الناس بحكمته, وبنزوله عن مقر حكمته "بدا جنوح زرادشت إلى المغيب" فما كان له أن يشرق -ابتداءاً- إلا ليصل إلى حكمته, وقد حان الوقت الآن لنشر تعاليمه مؤذنةً برحيله عن هذه الدنيا, فقد اكتمل وجوده واكتمل عالمه!!
وهناك بين الناس تعرض إلى مخاطر البشر حتى قال لنسره وافعوانه: "
لقد اعترضني من المخاطر بين الناس مالم أجد مثله بين الحيوانات".
وأخذ زرادشت يستقطب أتباع حكمته , ويغرف لهم من ينابيع فكره, حتى كثُر أتباعه في المدينة الأولى التي نزل بها "مدينة البقرة الملونة". لكن حكمته كانت تحتاج إلى وقتٍ آخر, وعمرٍ آخر من العزلة, لذا غادر زرادشت "البقرة الملونة" عائداً إلى موطن حكمته الأول..

ولبث في عزلته غير طويلٍ حتى اكتمل مانقص من الحكمة, فارتأى أن يقطع شوطاً آخر في نشر تعاليمه , ولكنه حدد وجهةً مختلفةً هذه المرة. لقد اختار "الجزر السعيدة", وأخذ يزرع فيها فكره ومبادئه حتى كون أتباعاً أشداء, نسبهم إلى نفسه, حتى إذا ماوصل إلى درسه الأخير, إلى مابعد دوائر الأبدية ,أخذ يرتجف خوفاً ويرتعد ,حيث أعمق الساعات صمتاً...حيث الهاتف "
قل كلمتك, وحطم نفسك إلى شظايا"..فعرف زرادشت أن حكمته تستنجد بالعزلة ,وحان وقت الرحيل..

بدأ زرادشت عزلته الثالثة والأخيرة ,حيث بقي في عزلته السنون تلو السنون حتى كسى رأسه الأبيض, وكسى حكمته الجلال .لكن زرادشت لم يرجع إلى الناس..لأن الناس رجعوا إليه أخيراً في عزلته, وصارت عزلته أكثر ازدحاماً من المدائن...

الفلسفة في الكتاب:

سأتحدث الآن عن أبرز النقاط الفلسفية التي ناقشها نيتشة من خلال سيرة زرادشت وتعاليمه, وسأتحدث عن نطاقاتٍ أربع: هي فلسفة الانسان المتفوق ,فلسفة الاخلاق, فلسفة الدين, وفلسفته تجاه المرأة..

1. فلسفة الانسان المتفوق:
يتضح من خلال القراءة لهذا الكتاب فوراً تأثر نيتشة بنظرية التطور, ويبدو أنه أسرف التأثر في تلك النظرية. لقد بنى نظرياته التي تهدف إلى هدم الدين -المسيحية خصوصاً- وبناء الانسان المتفوق وكذلك نظريته في التكرار الأبدي على مانصت عليه نظرية التطور..
ففي سلسلة التطور ,كل نوعٍ أوجد نوعاً جديداً متفوقاً عليه -إلا الانسان- , وكان تطور تلكم الأنواع ناتجٌ عن "الانتخاب الطبيعي", حتى وصلت حلقة التطور إلى نوع الانسان.
وهنا توقف التطور -بحسب نيتشة- ,ولاسبيل إلى إكمال مسيرته إلا عن طريق تطور الانسان إلى نوعٍ جديد, هو الانسان المتفوق. ولكن هذا التطور ,ولأنه متقدمٌ جداً في سلم الحياة, يتطلب كلا نوعي الانتخاب -الطبيعي والاصطناعي-.
ولأن الانتخاب الطبيعي قائمٌ أساساً على القوة و "البقاء للأصلح", فلن يبقى إلا أقوى الأفكار وأقوى البشر و...إلخ.
ومن هنا نتبين سبب تمسكه بأخلاق القوة , وإرادة القوة التي بنى عليها نظرياته الأخلاقية.

2. فلسفة الأخلاق:
إن فلسفته في مجال الأخلاق هي الأكثر سيادةً في هذا الكتاب.
إن الارادة هي من تحدد إتجاهاتنا واتجاه الحياة نفسها -وهنا يظهر تأثره بشوبنهور وكتابه "العالم كإرادة وفكرة"- ,وهي من تقرر إذا ماكنا نفعل فضيلةً أم نفعل سواها!!. إن بإمكاننا تحويل الشهوة إلى فضيلة, عندما نضع فيها مقصداً سامياً. وكل ماكان -في الماضي- هو ماأرادته الإرادة أن يكون فعلاً, لذا لا حاجة بنا إلى ندب الماضي ولعنه (هنا تبدو الجبرية).
إنك ينبغي أن تفعل الفضيلة لذات الفضيلة, ولا تنتظر ثواباً عليها. لأن الفضيلة هي ثواب نفسها, فالوصول إليها هو ثوابها!!
إن أخطر الناس هم "أهل الصلاح والعدل", لأنهم يحاكمون بكل إخلاص, ويقتلون بكل صلاح, ويكذبون بكل عدل!!.. وهم يعتقدون بأنهم يعرفون ماهو خيرٌ للبشر وماهو شرٌ عليهم, ومن هنا يمارسون وصايتهم الممقوتة..
ولكن نيتشة يقرر لنا مخرجاً من اهل الصلاح هؤلاء بقوله: إن الخير والشر نسبيان, فماهو خير لك لا يعني بالضرورة خيرٌ لي ,بل ربما يكون شر علي..فما تراه أنت خيراً أراه شراً في أحايين كثيرة..لذا فلكلٍ طريقه ولا توجد جادةٌ سليمة واحدةٌ يسير عليها العالمين.
فالحكمة تقتضي على الانسان أن يعرف خيره وشره, وأن يتكامل في خيره وشره. كما أن الشر الأعظم ضروري للخير الأعظم.
أما مايتعلق بإرادة القوة, فهو يقدسها ويعبدها, ويرى -دوماً- بأن من حق الأقوى أن يحكم, والشعب الأقوى أحق بمقدرات الأضعف.
ثم يصرخ أخيراً بأن "لا مساواة"!!!
ولكن.."نعم للعدالة".

3. فلسفته تجاه المرأة:
الحقيقة أن رأي نيتشة عن المرأة الذي جاء في هذا الكتاب كان مفاجأً..فهو الذي عاش بين النساء طوال حياته, ليكافأهم باحتقاره لهم!..
كنت قد قرأت "ول ديورانت" يقول في كتابه "قصة الفلسفة" , أن من عادة نيتشة أن يحتقر كل من أحسن إليه, وأن يضمر العداء لكل موروث ورثه. لقد صدق "ديورانت" فعندما تقرأ هذا الكتاب تراه يهزأ بالمسيحية -التي كان أبوه قسيساً في كنائسها- ويذم المرأة التي كانت ترعاه طويلاً.
كانت عائلته تتكون منه هو وأمه وأخته وأبوه, ولكن أباه قضى وهو بعمر الخامسة, فبقي طيلة عمره مع أمه وأخته, بينما كان يرعى تربيته جماعةٌ من نساء عائلته!!
والنتيجة كانت فلسفة مؤذية قليلاً للمرأة.
فزرادشت في تعاليمه النيتشوية يحذر من اتخاذ المرأة صديقاً, فهي لا تصلح سوى للحب, وهي مجرد لعبة للرجل, ولا هدف منها ولا مهمة لها سوى الولادة , وهي لا تعرف الشرف ولا تدري ماهو!!
ثم إن هدف الزواج هو إنتاج "الانسان المتفوق" فقط!
لذا ينبغي أن يقام الزواج بأقصى قدرٍ ممكنٍ من الكمال, فيجب أن يسبق الزواج فترة يلتقي فيها المرأة والرجل ويتعايشان لينظرا هل بإمكانهما الاستمرار في زواجٍ يربطهما إلى الأبد!!

4. فلسفته في الدين:
أكثر مقولةٍ اشتهر بها هي قوله :"إن الآلهة قد ماتت". فلا إله ولا شيطان ولا حتى ورود جحيم!
فوضع عوضاً عن الإله الانسان المتفوق, ووضع بدلاً عن الآخرة, نظريته في التكرار الأبدي.
حيث قال بأن كل مانعيشه الآن قد عشناه من قبل وسنعيشه مستقبلاً , فنحن سنعود نحن كما نحن الآن. (وهنا اختلف الفلاسفة كثيراً في تفسيرهم لنظريته في التكرار).


رأي::)

أولاً, نجد شخصية زرادشت فظةً متكبرةً لا يطيق العيش معها إنسان. فهو كثيراً مايؤنب أتباعه ويذمهم ويهزأ بمن يستننتج شيئاً منهم.
وهو القائل بأن لكلٍ طريقه, ولكنه يحكم على الناس أجمعين بأنهم مخطئون, وأنهم جانبوا الخير (وهو يقول بأن لاخير واحد) ونجده يهزأ بجميع أطياف المجتمع, من سفهاءهم (حشرات المجتمع) مروراً بملوكهم وانتهاءً بعلمائهم.
لقد دعى إلى تحطيم كل ماهو قديم, وستصبح تعاليمه هو ذاتها قديمة.
لقد هرب من الإيمان بالله لأن عقله لا يقبل أن يكون هناك متحكم بالكون كامل, وجاء بالانسان الكامل!!!
من الواضح جداً , عند قراءتك لهذا الكتاب أن تلمس نغمةً دينيةً واضحةً بالرغم من إلحاده, هذا مالمسته فور انتهائي من القراءة, فراجعت الموسوعة الفلسفية المختصرة, لأجد بأن النغمة الإيمانية في الالحاد هي من أبرز سيمات التيار الوجودي عامةً.. ومن المعروف بأن هذا التيار يضم الأضداد, فهو يضم أشد المؤمنين بالأديان كـ"كيركيغارد" , والملحدين كـ"سارتر".
لقد جاء الكتاب لطيفاً , فلسفياً رائعاً. إلا أن رموزه من الصعب أن تكشفها من خلال قراءةٍ واحدة, فهو -بالتأكيد- يحتاج إلى قراءةٍ أخرى..وربما أخرى.

كما أن آراءه التي أقامها لهدم الدين, هي لا تهدم الدين حقيقةً!
لأنه انطلق في مهاجمته للدين من المنظور المسيحي فهدم الدين المسيحي وذم رجالاته..ولكن هذا لا يعني أن تكون جميع الأديان هكذا!! ولكن يبدو أنه نفر من المسيحية فوجد نفسه مجذوباً إلى الإلحاد فوراً!!
ويبدو أنه كان غافلاً عن دين اسمه "الاسلام", فأفكاره جاءت في نواحٍ عدة موافقةً لبعض التعاليم الإسلامية..وبعض الآيات أيضاً!!
كما أن رأيه حول القوة, لو تم تطبيقه قبل مولده لما ولد. عندما تقرأ أقواله وآرائه تشعر وكأنك أمام أكبر جبارٍ عرفه التاريخ, ولكن ما إن تعرف أن نيتشة هو من كتبه لتتفاجأ بأنه من أضعف من مروا على البسيطة. لقد تلقفته الأمراض من كل حدبٍ وصوب, وهو الداعي إلى القوة في حين أنه أشد الناس حاجةً إلى بعضٍ منها.
وهو الداعي إلى الحرب بالرغم من عدم أهليته للمشاركة في الحروب!
ورأيه المقزز عن المرأة كان بلا شك ردة فعل. ربما يكون الفعل المسبب لها مجهولاً ولكنها لا يمكن أن تصدر بغير سبب.

لكن ينبغي أن لا نغفل الفترة الزمنية التي كُتِب فيها هذا الكتاب..
لقد كتب هذا الكتاب خلال فترةٍ كانت التيارات الفلسفية تتصادم ببعضها لتنتج أخرى في حربٍ ضروس, وقد عمت أوروبا حينها أجواء السلام, ونسي القوم الحرب..فكان لابد من وجود فلسفةٍ تعيد الحرب إلى مصاف الفضائل, وكان الذي قام بهذا الدور هو نيتشة.
كان دوره يكمن في الحفاظ على توازن الفلسفة مرةً أخرى.. ويبدو أنه قام بدوره على أكمل وجه.
وبكتابه الفلسفي هذا, استطاع أن ينشأ عدة تياراتٍ فلسفيةٍ أخرى فيما بعد..
وهو بلا شك أحد رموز الفلاسفة الرائعين.
وبالرغم من أن أفكاره جاءت مناقضةً لبعض ماكان مسلماً في يومٍ ما, إلا أن قراءة مثل هذه الأطروحات يعيد إلى النفس حيويتها ويجدد عشقها للمعرفة.

وكانت هذه الأفكار دوماً مصدر إلهامٍ للعديد من المبدعين..
فقد نظم "ريتشارد شتراوس" سيمفونية "هكذا تكلم زرادشت"



أزهار 27 - 12 - 2009 09:32 PM

موضوع فلسفي قيم, مكتوب بلغة نستطيع ان نفهمها خلافا للمواضيع الفلسفية عامة



الساعة الآن 10:22 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى