منتديات المُنى والأرب - الفنان التشكيلي ستار كاووش

الأفكار التجريدية الى أشخاص يعيشون ويتنفسون فوق قماشة الرسم

ستار كاووش فنان تشكيلي عراقي الجنسية حقق اسماً عالمياً لامعاً، ونحت اسمه عالياً في سماء الغربة.. ولد في بغداد عام 1963، حصل على شهادة البكالوريوس في الفن التشكيلي ببغداد عام 1990.
أقام أكثر من (21) معرضاً على الصعيد الشخصي وما يقارب (60) معرضاً مشتركا في بلدان عديدة منها العراق والأردن وإيطاليا والولايات المتحدة وأوكرانيا والسويد والإمارات ، ألمانيا وفرنسا وهولندا..
صدرت عن تجربته ثلاثة كتب : (أطياف التعبيرية في تجربة ستار كاووش) للكاتب عدنان حسين أحمد باللغة العربية سنة 2005 . وكتاب (أصابع كاووش) لعدد من الشعراء الهولنديين باللغة الهولندية جمع وإعداد (موفق السواد) سنة 2006 . وكتاب (كاووش وعالمه السحري) مع مقدمة للناقد ميشيل فان مارسفين باللغتين الإنجليزية والهولندية سنة 2010 .
حصد جوائز عدة وإختارته مؤسسة ( بيت فان كوخ ) لعرض معرض شخصي لأعماله سنة 2006 وهذه المؤسسة هي بيت الفنان الهولندي الشهير فنسنت فان كوخ الذي عاش فيه في ثمانينات القرن التاسع عشر، وعمل عضواً في لجنة تحكيم في المعرض السنوي لمجلة باليت الفنية / مدينة آسن هولندا 2005.
تواصلنا معه وحرصنا على ان نجري معه الحوار الآتي:
* كيف كانت بداية مشوارك الفني الإبداعي ؟
http://www.adabfan.com/files/satar2.jpg- كانت تستهويني دائماً فكرة تخطيط الوجوه والشخصيات التي أعرفها من دون أن يشعروا بذلك ، وأتذكر دائماً كيف أثيرت أجواء من المرح والضحك في مدرستي المتوسطة حين رسمت كل المدرسين وقتها ، رسمتهم بالخفاء ولم يعرف أحد منهم بذلك ، وعرضت التخطيطات بعدها في معرض شخصي صغير في المدرسة. تلك كانت البداية الأولى ، وهذا اعده أول معرض في حياتي إذا صح التعبير . لكن بداية الإحتراف الحقيقية كانت سنة 1987 في معرضي ( سيقان وأرصفة ) على قاعة التحرير ، حيث كانت كل لوحات المعرض تمثل السيقان والأرجل من دون أن تظهر وجوه الشخصيات المرسومة . وما كان يميز ذلك المعرض هي الزاوية التي كنت أنظر من خلالها للأشياء ، فبرأيي لكي تفاجيء المشاهد أو المتلقي عليك أن تطرح أشياءك بطريقة مختلفة فيها ثورة على السائد وشكل جميل ومتقن .
* سبق وأن أقمت (21) معرضاً شخصياً وما يقارب ( 60) معرضاً مشتركاً في بلدان عديدة ، ماذا أضافت هذه المساهمات الى فنك وهل شكلت لديك نقطة تطور ؟
- الخبرة هي أجمل ماتضيفه تلك المعارض ، ففي أوروبا عند إفتتاح معرض ما مثلاً يقوم الفنان بالحديث عن تجربته ولوحاته الجديدة والتقنيات التي إستخدمها كي يعطي بعض المفاتيح للحاضرين أو المتلقين . بعدها تتم النقاشات داخل قاعة العرض بينه وبين الجمهور . وبعد أن تتكرر المعارض يصبح تعامل الفنان مع هذه الأجواء أكثر إحترافية بسبب الخبرة التي يحصل عليها . فالرسام الناجح ليس من يرسم لوحة جميلة ويمضي ، بل كيف يستطيع أن يطرح نفسه ولوحاته وأفكاره وبطريقة مناسبة . وبالنسبة لنقطة التطور التي تحدثت عنها فأنا أعتقد بأن الفنان المحترف لا يمر بنقطة تطور بالمعنى المتعارف عليه للكلمة ، بل يمر الفنان بمراحل متتابعة تشكل بمجملها مسيرته الفنية مثل قلادة مليئة بالأحجار الثمينة المتنوعة الحجوم والألوان ، لكن في النهاية يتزين بها شخص واحد فقط .
* كيف تقيم الفن التشكيلي العراقي . وما مدى تأثرك بالفن العالمي ؟
- هناك ملامح للفن العراقي بالتأكيد ، لكنها مع الأسف ليست واضحة دائماً . لدينا فنانين رائعين ومميزين وتقنياتهم متطورة بشكل هائل والفن العراقي يعد في الطليعة بالنسبة للشرق الأوسط والبلدان العربية، لكني أقول دائماً بأن ذلك لا يصنع وحده التأثير المطلوب ، فالعصافير الملونة وحدها لا تصنع صيفاً !! وفي الوقت الحالي فأن أغلب الفنانين العراقيين يعيشون في مناطق متباعدة من العالم ،وأنا أتساءل هنا ، أين هي الكتب الفنية العراقية التي تدرس أو تشير الى تجارب الفنانين المهمين ، أين المتاحف ،وقاعات العرض ، إستضافة معارض عالمية وإقامة ندوات جادة والكثير من الأشياء الأخرى . تطور الفن التشكيلي لا يقاس فقط برسم لوحات جيدة ( وهذه مسألة بديهية ) بل بإستقرار البلد وإهتمام الناس والدولة بالفن والثقافة .
http://www.adabfan.com/files/satar_01.jpgوبالنسبة لتأثري بالفن العالمي ، فأنا أعيش وسط أوروبا حيث المتاحف وقاعات العرض والمطبوعات الفنية والإحتكاك بالفنانين . أن أول من تأثرت به هو التقاليد الفنية الصحيحة والعريقة ، فحين أتأمل لوحة (الحراسة الليلية) مثلاً في متحف (رايك موزيوم) التي رسمها رمبرانت قبل 400 سنة تقريباً أو أستعرض المدارس التي ظهرت.
هنا أشعر بحجم التراكم الفني . وحتى إستخدام المواد الفنية عالية الجودة له أثره الكبير في بناء العمل الفني الجيد ، عرفت هنا ما معنى أن تعطي كل وقتك وحياتك للفن ، وهذا لا يحدث إلا في بلد يحترم ويقدر ما يقوم به الفنانون .
* هل تجد في لوحاتك ما يوفر لك البوح عما بداخلك ؟
- سأقول لك شيئاً ، أنا أعيش وسط لوحاتي ومع الشخصيات التي أرسمها وقد حولت بيتي كله بطوابقه الثلاثة الى مرسم كبير ، حيث يمكن لأي زائر أن يتجول ويشاهد عشرات اللوحات . أشعر دائماً بسعادة غامرة وأنا أهم برسم لوحة جديدة حيث أبدأ مغامرة صنع هذه الشخصيات والوجوه الملونة على قماشة الرسم . أنا أبحث عن السعادة من خلال الرسم إذا صح التعبير . في الحقيقة لا أعرف ماذا كنت سأفعل إذا لم أكن رساماً فالرسم هو كل حياتي حيث أبدأ العمل في المرسم الساعة التاسعة صباحاً الى المساء . لقد وفر لي الرسم ليس ما أبوح به عما بداخلي فقط ، بل وفر لي كل حياتي وأيامي .
* لكل مبدع رسالة . ما هي رسالتك ؟
- لا أعرف بالتأكيد إذا كانت ثمة رسالة لدى الفنان يريد إيصالها أم لا !! وإذا كانت هناك اشياء يريد أن يبثها العمل الفني للمتلقي فهي بالتأكيد ( بالنسبة لي ) أشياء ومؤثرات جمالية خالصة ، فالعمل الفني الذي أفكر به دائماً مساوٍ للفرح والسعادة والأمل ، هو نافذة مفتوحة تطل على غيوم ملونة وزهور ونساء شاردات الذهن ، هو صندوق مليء بالحكايات الملونة والسحرية ، هو لغة قائمة بذاتها ، ناعمة وجميلة ولا يساوي جمالها سوى رذاذ مطر خفيف على زجاج النافذة ، أنه يشبه فتاة مراهقة تتأمل نفسها في المرآة وهي تحن الى طفولتها الذاهبة بعيدا . فهل هناك رسالة لقرص الشمس وهو يختفي بجمال وهدوء خلف الغيوم البرتقالية مساءً ؟ كذلك الأمر بالنسبة للطائر الذي يغرد في الحديقة المجاورة ، أنه يفعل ذلك وحسب ، وهذا هو الجمال .
وما يهمني مع كل ذلك أيضاً هو التقنية التي أعالج فيها هذه المواضيع وكيف أحوّل هذه الأفكار التجريدية الى أشخاص يعيشون ويتنفسون فوق قماشة الرسم .
* ما مدى تأثير الغربة على رسوم ستار كاووش ؟
- الغربة جعلتني أعود وأبحث في ذكرياتي القديمة ، أتذكر الأشكال التي مرت بي سابقاً ، أبحث عن مفردات تمثلني عراقياً أو شرقياً كي أدخلها في لوحاتي ، أبحث عن هويتي وأنا أعيش وسط ثقافتين . الغربة تجعلك تعتمد على نفسك في كل شيء ، تجعل فرديتك عالية وتبحث عن حلولك الشخصية وحدك . تحتك بتجارب متعددة وتجعل خبرتك حقيقية . في الغربة تعرف بالتأكيد بأن النجاح لا يأتي بسرعة وبضربة واحدة . في الغربة تعرف أين تقف بالضبط وأين موقعك كرسام مقارنة بالرسامين الموجودين . الغربة تعني أيضاً مشاهدة أعمال جديدة دائماً تصيبك بالدهشة والسحر أحياناً مثلما شاهدت أول مرة الإيقونات الأوكرانية في مدينة كييف . حاولت أن أستفيد في الغربة من كل شيء في سبيل التوصل الى إسلوبي في الرسم والإحاطة بمهاراتي وتقنياتي في صناعة العمل الفني .
* كثيراً ما تعتمد في خطابك الجمالي على العلاقة الحميمية بين الجنسين والتجاذبات الوجدانية والعاطفية. ما هو السر في ذلك ؟
http://www.adabfan.com/files/satar3.jpg- العلاقة بين الرجل والمرأة واللحظات الخاصة بينهما هو ما يثيرني دائماً . وما يشدني كرسام هو النظر الى كل ذلك من زاوية خاصة ، أتلصص على تلك الشخصيات من خلال باب موارب ، حيث لا متسع لرؤية تفاصيل كثيرة ، هناك شيء محدد من المشهد أختاره وأبني عليه لوحتي . وتبقى المرأة هي الأساس ، فنعومة الخطوط والإنحناءات في جسدها يتناسب تماماً مع الخطوط والمساحات التي أريد بناءها على سطح اللوحة . موضوع المرأة يبقى متجدداً دائماً بالنسبة للرسام ، وكل إمرأة تؤثر في حياتك هي مشروع جمالي جديد وإنعطافة ملونة تؤدي الى معرض أو مجموعة لوحات .
* في عام 2007 أختيرت إحدى لوحاتك من قبل منظمة العفو الدولية وطبعت ضمن مطبوعاتها ووزعت على عدد كبير من بلدان العالم .... ماذا تضمنت هذه اللوحة وماذا تعني لستار كاووش ؟
- لقد إختارت منظمة العفو الدولية لوحة ( الحديث بصوت هاديء ) وطبعتها كبطاقة بريدية ووزعتها ضمن مطبوعاتها ، وقد ذكروا لي في تعاقدهم معي بأن هذه اللوحة خطوطها هادئة وألوانها مريحة وطريقة إنحناءة الشخصيات على بعضها فيها ألفة وتثير في النفس مشاعر جميلة عند إستلامها كبطاقة بريدية ، وقد وصلت البطاقة الى مناطق عديدة من العالم وجاءتني ردود أفعال جميلة . وبعد فترة قصيرة من ذلك وصلتني رسالة من مدير منظمة العفو الدولية ، فرع هولندا يشكرني فيها ويذكر لي بأنهم قد حصلوا على مبلغ 5000 يورو من ثمن الكارتات التي وزعت وستذهب الى الأعمال الخيرية . يمثل لي ذلك شيء جميل بالتأكيد وقد أعطاني ذلك إحساس بأن بإمكاننا أن نمد يد المساعدة من خلال الفن . ويعني أيضاً بالنسبة لي أن إنتشار أعمالي يتسع قليلاً ويشاهدها أشخاص جدد في مناطق مختلفة .
* غالباً ما تعتمد على التنقيط لملء المساحات الثانوية في لوحاتك . هل هو نوع من الخصوصية ؟
- هو نوع من التقنية التي ألجأ إليها لأحصل على مناخ واحد يغطي اللوحة ويعطي لأعمالي تلك الشفافية التي أبحث عنها ، وبالتأكيد نتيجة لذلك تأتي الخصوصية التي ذكرتها . أنا أرسم لوحاتي بطبقات من اللون الواحدة فوق الأخرى وبتدرجات مختلفة كي أؤكد تلك الشفافية التي تغطي لوحاتي ، والتنقيط يأتي هنا ليكمل بناء اللوحة ويعطيها تلك النعومة والضبابية التي تنسجم مع النساء والعشاق واللحظات الخاصة بين الرجل والمرأة .
* كثيراً ما تجمع في لوحاتك بين بغداد الماضي وأوروبا اليوم .... أين نقاط التجاذب والتقاطع في هذه اللوحات ؟
- مثلما ذكرت لك ، أنا أعيش وسط ثقافتين ، فأنا عراقي ولدت في بغداد ودرست الرسم في أكاديميتها وتكونت شخصيتي إنساناً وفناناً وأعيش الآن ومنذ سنوات طويلة في أوروبا بكل إنفتاحها وثقافتها ولدي علاقات جيدة مع الفنانين والوسط الثقافي ، وقد أثرت علي بالتأكيد هذه الحرية وهذا الإنفتاح من كل النواحي ، حتى بالنسبة لمواد الرسم التي أختارها لبناء لوحاتي . لقد حاولت أن أستثمر وجودي بين هاتين الثقافتين وأعكس كل ذلك على اللوحات التي أرسمها . فمثلما تظهر أشكال ومفردات شرقية في لوحاتي ، تظهر في جانب آخر منها أجواء ومناخات أوروبية وهذه مسألة طبيعية في الفن والمسألة المهمة هي كيف نصنع من كل هذا لوحة جميلة ومؤثرة وناجحة .
* أين هي بغداد الحاضر في رسوماتك؟
- بغداد موجودة دائما في نسيج العمل الفني ، الشيء الوحيد الذي لا يتغير مع الزمن هو التفكير ببغداد هي حاضرة دائماً أمامي وأنا أرسم ولكن بشكل آخر ، فالأوقات الصعبة التي مرت وتمر على بغداد لا يمكن نقلها على قماشة الرسم برأيي الشخصي ، فالذي حدث أكبر مما تتحمله اللوحة وأعقد مما يطرحه الفن !! والفنان لا يستطيع أن يجد حلاً للمشاكل الكبيرة بل هو يشير لها بشكل جمالي وبطريقته الخاصة . ولو كنت منطقياً وحقيقياً مع نفسي لقلت لك بأن الفنان لا يستطيع أن يغير تأريخ العالم ولا يريد ذلك بل هو يريد أن يؤثر في تأريخ الفن أو يغيره . وبإمكانك أن ترى بوضوح كيف ذهبت القيمة الثورية لجداريات ( ريفيرا ) في المكسيك وبقيت قيمتها الجمالية الفذة فقط . حتى الجورنيكا برأيي رسمها (فرانكو) قبل أن يرسمها بيكاسو لأنه هو الذي قصف تلك القرية .
أردت أن قول في النهاية بأن كل ما نقدمه من فن وجمال وثقافة ، نريد أن نشير به الى بغداد أو العراق ، نحاول أن نجمل صورة أهلنا وناسنا الطيبين.