منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الشعر والأدب العالمي المترجم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=127)
-   -   الدرس الاخير لألفونس دوده (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=27547)

أرب جمـال 6 - 10 - 2012 02:55 AM

الدرس الاخير لألفونس دوده
 
الدرس الاخير لألفونس دوده



في ذلك الصباح تأخرت كثيرا عن المدرسة وخشيت أن أوبخ وخاصة من الأستاذ هامل فقد أخبرنا أنه سيجري لنا اختبارا في القواعد. للحظة فكرت بالتغيب عن المدرسة والتجوال في الحقول فقد كان هذا اليوم جميلا ودافئا. ففي حقل ريبرت كنت أسمع تغريد الطيور الجاثمة على أغصان الغابة وخلف المنشرة أرى البروسيانس وهم يقومون بتدريباتهم العسكرية وكله كان بالنسبة لي أشد اغراء من درس القواعد الا انني استطعت مقاومة هذا الاغراء وأسرعت بالذهاب الى المدرسة.

وعند مروري بمكتب العمدة شاهدت جموعا من الناس متجمهرة حول لوحة اعلان صغيرة
حملت تلك اللوحة طوال عامان جميع أخبارنا السيئة, بما فيها خسائرنا في المعارك وقوائم أسماء الملتحقين بالتجنيد الالزامي كما حملت أوامر من مركز قيادة الجيش. أمعنت التفكير بما يجري متسائلا عما تحمله هذه اللوحة الآن.

ثم واصلت الجري عبر الميدان فصاح على الحداد ووتشر الذي يقف هناك مع غلامه لقراءة ملصق اعلاني قائلا: لاتجري بهذه السرعة يا ولدي فستصل الى المدرسة في الوقت المناسب

ظننته يسخر مني فواصلت الجري دون توقف حتى وصلت الى فناء منزل الأستاذ هامل

وكالعادة, عند بداية يوم مدرسي كانت هناك ضجة كبيرة يمكن سماعهاحتى وانت في الشارع ,أدراج تفتح وتغلق ودروس تتكرر بصوت عال ومتجانس, تتردد على مسامعنا لنتعلم بشكل أسرع, وكذلك يمكن سماع صوت ضربات مسطرة معلمتنا المتينة على الطاولة.

تسللت الى المدرسة بهدوءشديد,وعولت على تلك الضوضاء لاصل خلسة الى مقعدي ولكن كما حدث, كان ذلك اليوم هادئا كصباح كل يوم أحد. ومن خلال نافذة مفتوحة شاهدت رفاقي جالسين على مقاعدهم وكان الأستاذ هامل يذهب ويجيء, قلقا مضطربا,حاملا مسطرة حديدية رهيبة تحت ذراعه فلم أجرؤ على فتح باب الفصل والدخول في خضم ذلك الهدوء التام. لكم أن تتصوروا ما اذا كنت خجلا أو خائفا. وعلى حين غرة, شاهدني الأستاذ هامل ودون أن تبدو عليه ملامح الغضب قال برفق شديد: توجه فورا الى مقعدك ياصغيري فرانتز ,فقد كنا ننوي أن نبدأ من دونك.


توجهت الى مقعدي و جلست على الفور.وعندما تعافيت جزئيا من خوفي لاحظت ان معلمنا كان متأنقا بملابس لا يرتديها الا في الايام التي يتم فيها تفتيش او توزيع الجوائز وعلاوة على ذلك كان هناك شيء استثناثي شيءمهيب يخص الفصل بأكمله. ولكن أكثر ما فاجأني هو انني رايت في مؤخرة القاعة مقاعد- عادة ماتكون فارغة- يجلس عليها نفر من أبناء القرية صامتين مثلنا. العجوز هوسر ذو الفبعة الثلاثية الزوايا والعمدة السابق وساعي بريد سابق وآخرون بجوارهم.وكانوا جميعهم واجمين شاخصين.

احضر العجوز هوسر معه كتاب هجاء قديم, وضعه على ركبته وفتحه على مصراعيه كما وضع نظاراته الكبيرة.


وفيما كنت اتساءل بحيرةعما يحدث واذا بالأستاذ هامل يعتلي المنصة وبنفس الصوت اللطيف والجاد خاطبنا: يااولادي هذا آخر درس لكم معي. صدرت اوامر من برلين بتدريس الالمانية فقط في مدارس الالزاس واللورين وسيصل المعلم الجديد غدا. وهذا آخر درس لكم في اللغة الفرنسية ولذا اتوسل اليكم ان تنتبهوا وتصغوا الي جيدا.

غمرتني تلك الكلمات القليلة,آه! الاوغاد! هذا ما أعلنوا عنه في مكتب العمده.

آخر درس لي في اللغة الفرنسية


وأكاد لا أعرف الكتابة بالفرنسية! اذن ليس علي أن أتعلم بتاتا! ولا بد لي من التوقف حيث كنت! كم كنت غاضبا من نفسي بسبب الوقت الذي اهدرته ، والدروس التي ضيعتها وبحثي الدؤوب عن أعشاش الطيور أو الانزلاق على نهر سار. وكتبي التي خلتها قبل لحظات فقط مملة ومضجرة وثقيلة, ككتاب القواعد وكتاب التاريخ المقدس أصبحت الآن بمثابة أصدقاء قدماء. الأصدقاءالذين كان ينبغي أن أشاطرهم حزني وبؤسي الشديد. وخالجنى الشعور ذاته تجاه الأستاذ هامل. فكرة مغادرته وانني لن أراه ابداأنستني العقوبات وضربات المسطرة

ياله من رجل مسكين! فعلى شرف الدرس الاخير ارتدى أجمل ماتعود أن يرتديه في الآحاد وأدركت الان لم تواجد هؤلاء الرفاق القدماء من أهل القرية في آخر القاعة. لا بد أنهم نادمون على عدم حضورهم المتكرر الى المدرسة. أو ان حضورهم اليوم هو تعبير عن شكرهم لمعلمنا وذلك لخدمته المتفانية والمخلصة والتي استمرت أربعين عاما، وليعبروا أيضا عن احترامهم لوطن أجدادهم الذي كان يتلاشى.

وفيما كنت غارقا في هواجسي , نوديت باسمي , لقد حان دوري لأتلو ماكنت عاجزا عن قوله من البداية حتى النهاية وهو قاعدة النعوت الشهيرة حان الوقت لأتلوها بصوت عال ومتميز, ودون هفوة. ولكنني خلطت الكلمات الأولى مع بعضها البعض فتوقفت هناك مترنحا على مقعدي وخائفا. سمعت الأستاذ هامل يتحدث الي:

لن أوبخك ياصغيري فرانتز, لا بد أنك قد نلت عقابك المناسب. هكذا تسير الأمور فكل يوم نقول لأنفسنا"لدي الوقت الكافي..سأدرس وأحفظ غدا".. ثم تدرك مايحدث. آه! وانه لمن سوء حظنا نحن الالزاس فلطالما أجلنا دروسنا الى الغد. والآن يحق لهؤلاء الألمان أن يقولوا لنا: ماذا؟ تدعون أنكم فرنسيون, وأنتم عاجزون عن التحدث والكتابة بلغتكم! لست وحدك الملام على كل هذا ياصغيري المسكين فقد نلنا نصيبنا من اللوم.

فلم ينتبه والداك بما فيه الكفاية ليروا أنك مازلت تلميذا. فهم يفضلون ارسالك الى العمل في الحقول أو في المصانع من أجل حفنة من الدراهم. وهل أجد ماألوم نفسي عليه؟ الم أجعلك تسقي حديقتي بدلا من أن تدرس وعندما كنت أرغب بالذهاب لصيد سمك السلمون هل ترددت يوما بصرفك لتنجز فروضك؟

وأخذ الأستاذ هامل يتنقل من موضوع لآخر ثم بدأ بالتحدث عن اللغة الفرنسية قائلا انها كانت أجمل لغة في العالم وأكثرها وضوحا وثراءا ولذا يجب علينا ان نحتفظ بها بيننا ولاننساها أبدا فعندما يستعبد الناس يجب عليهم المحافظة على لغتهم "فطالما يتمسكون بلغتهم فكأنهم يمتلكون مفتاح سجنهم". ومن ثم تناول كتاب القواعد وشرع بقراءة دروسنا. اندهشت من سرعة استيعابي. فقد استسهلت كل ما تفوه به ووجدته في غاية السهولة.. وتيقنت أنني لم أكن أستمع اليه بهذه الحميمية وهذا القرب. ومن جهته لم يكن متأنيا في شرحه كما كان في ذلك اليوم. من الممكن ان يقال انه قبل مغادرته ود لو وهبنا كل علمه. بل ود لو دفع علمه على الدخول الى رؤوسنا دفعة واحدة.

وعندما انتهى درس القراءة انتقلنا الى درس الكنابة. ومن أجل ذلك اليوم أعد الاستاذ هامل بعض الامثلة الجديدة المكتوبة بخط جميل "فرنسا- الالزاس- فرنسا -الالزاس". كما لو كانت هذه الكلمات أعلاما صغيرة تلوح في كل أنحاء الفصل و قد تدلت على قضبان طاولاتنا..كان يجب ان ترى كيف كنا نعمل بجهد وكيف كان الصمت سائدا.. !

لا شئ يمكن سماعه يستطيع ان ينقذ الورق من صرير الاقلام. ففي احدى اللحظات طارت جموع من ذكور الخنفساء في أرجاء الفصل ولكننا لم نعرها اهتماما ولا حتى زملاؤنا الصغار الذين كانوا يبذلون جهدا كبيرا ليستقيم خطهم بارادة وتطبيق واع حتى لو كانت تلك الخطوط باللغة الفرنسية. وعلى سطح المدرسة حمام يهدل بصوت منخفض. وحدثت نفسي فيما كنت انصت اليها: اتساءل ان كانوا سيرغمونها على الهديل باللغة الالمانية!

ومن وقت لآخر وفيما كنت ارفع عيناي عن الورق شاهدت الاستاذ هامل يجلس ساكنا على كرسيه ويحدق في الاشياء من حوله كما لو كان يتمنى لو يحمل بلمحة منه كل مافي مدرسته الصغيرة. فكر بذلك! لأربعين عاما كان موجودا في المكان ذاته وفناء منزله امام ناظره والفصل كما هو لم يتغير..! ولم يتغير سوى طاولاتنا ومقاعدنا التي لمعت وصقلت لكثرة استعمالها. والجوز المزروع في الساحة قد نضج و كذلك الكرمة التي زرعها بنفسه, فقد نمت اوراقها وتسلقت النوافد لتصل الى السطح. اي قلب يملك هذا المسكين لفراق كل تلك الاشياء ولسماع اخته وهي تروح جيئة وذهابا في الغرفة العلوية لتجهز صندوق ثيابهم وذلك لأنهم سيغادرون في اليوم التالي وسيتركون المقاطعة الى الابد.

ومهما حدث كانت لديه الشجاعة ليستبقي الفصل حتى النهاية. وبعد درس الكتابة انتقلنا الى درس التاريخ ثم انشد الصغار مجتمعين نشيدالحروف الهجائية. وهنالك في آخر القاعة وضع العجوز هاوسر نظاراته وأمسك بكتاب الهجاء بكلتا يديه وتهجى الحروف معهم. استطعت أيضاأن أراه متفاعلا معهم. فهو يبذل جهده بصوت مرتجف وعواطف جياشة. وكان مجرد الاستماع اليه مثيرا للضحك فقد كنا نتوق للضحك والبكاء في آن واحد. آه سأظل أتذكر ذلك الدرس الأخير

وفجأة دقت الساعة الثانية عشرة ودق جرس النداء للصلاة. وفي الوقت ذاته دوت أبواق البروسيانس العائدين من التدريبات العسكرية أسفل نافذة فصلنا. نهض الأستاذ هامل من كرسيه وبدا شاحبا. لم يبد لي بهذا الطول ابدا

وقال "اصدقائي" ،"اصدقائي ،أنا - أنا -"

ولكن خنقته العبرات فلم يستطع اكمال الجملة. وعندئذ التفت الى السبوره ، واخذ قطعة من الطباشير ، و قدر استطاعته كتب بحروف كبيرة جدا

"فلتحيا فرنسا"!

ثم وقف هناك ، مستندا برأسه على الجدار ، ودون أن ينبس ببنت شفة ، اشار الينا بيده :

"هذا كل شيء ؛ انصرفوا. "

shreeata 6 - 10 - 2012 03:21 AM

مشكورة عزيزتي ارب على روعة الادراج
سلمت الايادي
تحيات لك

الآماكن 6 - 10 - 2012 03:31 AM

شكرا لك على ما طرحت

بانتظارك وبانتظار مواضيعك المفيدة

لك منّي ارق تحية وأعذبها


ابو فداء 6 - 10 - 2012 12:48 PM

يسلمووو
صباح محمل بالروايااات
تحيااتي

جمال جرار 6 - 10 - 2012 12:55 PM

مجهود رائع وموضوع قيّم
استمتعت بتواجدي بصفحتك

بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها

دمت بخير

المُنـى 9 - 10 - 2012 11:56 PM

الله يعطيك العافيه

رائع ما طرحت لنا

سلمت يداك على اتحافنا بهذا الموضوع

تحياتي

أرب جمـال 18 - 5 - 2013 12:30 PM

رد: الدرس الاخير لألفونس دوده
 
شكر الله لكم حسن المتابعة
كل الود والتحية
باقة ورد والتقدير
http://www.maktoobblog.com/userFiles...thebeauty4.gif

أوراق الزمن 28 - 10 - 2013 01:10 AM

رد: الدرس الاخير لألفونس دوده
 
سلمت يداك على حسن اختيارك
وحسن ذائقتك ي مميز
ودي لك

عاشقة الوطن 28 - 10 - 2013 06:03 AM

رد: الدرس الاخير لألفونس دوده
 
يعطيك العافيه
سلمت يمينك على الطرحالموفق جدا
لاعدمناك

اسعدني المرور بصفحتك
تحياتي

وفاء بنت غزة 28 - 10 - 2013 12:22 PM

رد: الدرس الاخير لألفونس دوده
 
يعطيك العافيه
سلمت يمينك على الطرحالموفق جدا
لاعدمناك

اسعدني المرور بصفحتك
تحياتي


الساعة الآن 10:01 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى