منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   مختارات من الشعر الليبى (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17577)

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:22 PM

قراءةٌ فى تجربة الشعر الليبى الحديث
8/06/2007



"قراري: ألا أتخلى عن ذاتى أبداً، أن أمضى إلى أقصى حدود ذاتي. ماذا يفيدنى ساعة موتي، أن أكون قد زيفتُ نفسي" "هنرى دو مونترلان".
ما يعنينا فى هذا الكلام هو خصوصيته.. هو هذا التلبس بالذات إلى أبعد الحدود، خصوصيته فى هذا التمسك بالذات إلى اللحظة الأخيرة.
من هذا المدخل الصغير نحاول أن نقدم قراءة ولو صغيرة نوعاً ما، إلا إنها تحاول أن تخلق بكلامها عن العموم نوعاً من الشمول.
القصيدة الحديثة فى ليبيا تتكيف حالياً مع الذات بشكلٍ جيد. الذات هنا قاسم مشترك لمجموعةٍ كبيرة من التجارب التى تنطوى تحت سقف الشعر الليبي.
إذاً القصيدة فى ليبيا قصيدة ذات.. ذات مرهقة.. ذات منتهكة، لكنها على الرغم من كلِّ ذلك فهى ذات ساطعة الحضور عند الجميع، تحاول أن تجعل الذات مركزاً للعالم، القصيدة هنا تعلن انحيازها دائماً إلى خصوصيتها.
ربما لأن كثيرين من شعراء هذه التجربة دخل باب الشعر مسكوناً بهم التجريب، فإن كيان القصيدة كان الكيان الأصعب على الدوام.
لذلك ظل شعراء القصيدة العمودية والتفعيلة يراوحون بين عدة مستويات من التأثرات المختلفة.. وظل صدى الآخر يتردد فى قصائدهم على طول الخط.
بينما ظل شعراء قصيدة النثر "هذا النص المشاكس" يراوح بين مجموعة المؤثرات العربية والأجنبية، فى الوقت نفسه كان النص النثرى يستنسخ نفسه.. مخلفاً إرثاً شاسعاً من نتاج متشابه فى الكثير من الوجوه النمطية التى توفرت فى هذه القصيدة فى إحدى مراحلها، فقصيدة النثر فى ليبيا كتبت بروحٍ واحدة وبأصوات متعددة، لذلك أختار هؤلاء الشعراء أن يقدموا قلوبهم الخفاقة التى تعبر عن ذواتهم دون أن يعنوا بالإطار كثيراً.

* * *

"إن المتتبع لسياق التجربة الشعرية الشابة فى ليبيا سيلاحظ أحياناً فتنتها الشديدة إزاء مغامرة التجريب، وأحياناً تبدو كأنها تكتفى بنفسها وفقاً لمتطلبات لحظتها وشروطها المحلية بحساسية خاصة".
يُلاحظ فى تجربة الشعر الليبى إنها فى حالة مخاض مستمر، الأمر الذى يتطابق مع كلام الشاعر مفتاح العمارى هنا.
إذ كان النص الشعرى الليبى فى بدايته يجنحُ كثيراً - منبهراً بتجارب غيره- نحو انفعاله الزائد.. كانت فترة الثمانينيات تكبلُ النص أكثر مما تطلق له العنان- خصوصاً فى تجربة القصيدة النثرية - لذلك بدأ يركن فى بداية التسعينيات إلى هدوءه وبساطته، واقترابه أكثر من اليومى والمعاش. نستطيع أن نقول أنه أصبح يركن إلى الذات أكثر من اهتمامه بالأشياء الأخرى. هذا الانهماك جعل الشاعر أن يقولب علاقة هذه الذات بغيرها من الأشياء.
نلاحظ هنا تجربة الشاعرعلى صدقى عبد القادر تجربة استطاعت أن تكرس نفسها عبر امتداد زمنى طويل، وتركن فى بداية التسعينات على نمط شعرى متميز يصوغ الذات بطفولةٍ مطلقة وبأسلوب يتقرب من اللعب اللذيذ.
ونلاحظ كذلك أن نتاج شاعر مثل مفتاح العمارى كان كبيراً جداً، قبل أن يركن فى أواخر الثمانينيات إلى خطوته الواثقة الأولى "قيامة الرمل" ليتوج تجاربه الذاتية فى مجموعة من الدواوين.
مروراً بتجارب شعراء فاعلين فى التجربة كانت فترة نضجهم مرحلة التسعينيات، وإن صح لنا القول هنا فإن تجربة الشعر الليبى كانت تحاول إنتاج خصوصية من خلال إنتاج علامات فارقة فى مسارها.
ونظراً لخصوصية قصيدة النثر كشكل شعرى مغاير عند أغلب هؤلاء الشعراء، فإن هذه القصيدة ظلت المعيار الدائم لقياس الحركة الشعرية فى ليبيا رغم وجود قامات فى شعر التفعيلة والعمودي.
قصيدة النثر هنا ظلت تحاول أن تصنع إرثاً خاصاً لها فى ظل غياب مرجعية تراثية أولاً. وفى ظل حضور تجارب شعراء معاصرين عرب حاولوا أن يجعلوا قصيدة النثر كياناً مغايراً، ثانياً.
نلاحظ هنا أن قصيدة النثر التى بدأت متعثرة فى بداية الثمانينيات صنعت فى منتصف التسعينيات تماماً رصيداً مناسباً من التجربة، ونتاجا نستطيع أن نقول عنه أنه ينتمى إلى خصوصية ليبية. فشعر التسعينيات الليبى يركن إلى قلقٍ لطيف، يحاول يطرح التخبط الذى صاحبه خلال عقد الثمانينات.
بينما يظل شعراء القصيدة الحديثة العمودية يبحثون عن شاعرٍ بحجم كبير جداً، يعطى التجربة غنى ضرورى هى فى أمس الحاجة إليه، على الرغم من توفر الثقافة العالية والتمكن اللغوى والفكرى العالى المستوى عند أغلب شعراء القصيدة العمودية الشباب.
نحاول فى ختام هذه المقدمة الصغيرة أن نلخص بعض سمات تجربة الشعر الليبى الحديث:
أولاً، انفتاح الشعر الليبى على التجارب الشعرية العربية الرائدة، أعطاها الاتساع ولم يعطها العمق، فهى أخذت من الشعر العربى العديد من المزايا، وحاولت القفز على العيوب، فتجربة الشعر الليبى ظلت دائماً ضفاف للتجربة العربية، ولم تشارك فى رسم الخطوط الرئيسية لها.
ثانياً، القصيدة الحديثة فى ليبيا لا تركن إلى أساطير ذات خصوصية ليبية، ولا تستند على مخزون أسطورى كبير، لذلك نلاحظ تناثر الإشارات الأسطورية المستوردة من أساطير عربية. ولقد تأثر شعراؤنا بشعراء الشرق الى حد التناص سواءً على مستوى الشكل أو المضمون. وفى نهاية الستينات كان أحد النقاد كتب ليقول أن الشعر فى ليبيا بعد انفلت خارج حدود الوزن والصورة الشعرية العربية تحول إلى شعر "نواقيس وصلبان".
ثالثاً، الشعر فى ليبيا ينتج قصيدة وليس شاعراً، بمفهوم الشاعر الظاهرة، الذى يتبنى مشروعاً شعرياً متكاملاً، فالغالب فى شعراء ليبيا هو ممارسة الشعر ببعض النـزق، والغالب يظل فى خانة الموهوب فى تعامله مع نصه دون أن يدخل مرحلة الاحتراف.
رابعاً، القصيدة الحديثة "قصيدة الشباب" تتنوع بتنوع الأصناف الأدبية، فالشعر العمودى موجود بجوار شعر التفعيلة وقصيدة النثر. من هنا فالشعر يتجاور بكل أصنافه وتتداخل مع بعضها.
خامساً، فى الشعر الليبى تنعدم التيارات والأجيال الشعرية التى تستمد شرعيتها من واقع ثقافى متقارب، فتجربة الشعر الليبى تجربة تنتج نصوص أكثر من كونها تنتج شاعراً. كذلك تظل تجربة الشعر الليبى تجربة انقطاع وليس اتصال، فالأجيال الحالية التى تمارس كتابة الشعر، لم تستفد من تجربة الجيل السابق، بل تظل المؤثرات العربية هى الغالبة عند جميع الأجيال، فمن تأثيرات "بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي" على شعراء الستينات، نجد تأثر شعراء قصيدة النثر الليبيين بدرجات متفاوتة خصوصاً فى بداية تعاطيهم لكتابة الشعر برواد قصيدة النثر فى المشرق العربي.
سادساً، القصيدة العمودية الحديثة فى ليبيا تقتربُ من الذات كثيراً الأمر الذى يجعل من أغراض الشعر العمودى السابقة تختفى وراء سطوع الذات الواضح، وبالتالى تختفى بعض أغراض الشعر العمودى التقليدى "هجاء، مديح، رثاء،.. "، نتيجة قرب التجربة الذاتية الكلى من المبدع.
سابعاً، تسعينات القرن العشرين، كانت مرحلة تطور نوعى فى النص الليبي. فبالدرجة الأولى دخلت أصوات شابة جديدة مجال الكتابة الشعرية مسكونة بنشاط محموم، كذلك لوحظ نشاط ملحوظ لأصوات شعرية من عقود السبعينات والثمانينات توجت مشوارها الشعرى خلال هذا العقد.
ثامناً، النص الشعرى الليبى الحالى نص ذاتى متناهى الشفافية لا يركن إلى الغموض، بل يقترب من المتلقى بصورةٍ مدهشة مُصراً على التفاعل مع اليومي، وقصيدة المشاهدات التى تحاكى الواقع.


عبدالباسط أبوبكر محمد
* شاعر وكاتب من ليبيا.

نقلا عن صحيفة العرب اللندنية

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:23 PM

المشهد الشعري في ليبيا



إعداد الشاعر عبد الرزاق الماعزي وعلي الرحيبي

مقدمة تاريخية



من الميسور أن يؤمن المرء بأن حياة الشعر تمتد ما بقي الجسم حيا. وقد بقي الجسم البشري الاجتماعي حياً في ليبيا نابضاً عبر آلاف السنين، واكتسب هيكله الإسلامي العربي من خلال الانضمام إلى هذا الجناح الكبير. وقد استقرت هجرات عربية في مناطق مختلفة من ليبيا وحملت مع الفتح الإسلامي ألوية الدعوة. ومن المؤكد أنه لو توفرت لنا مخطوطات وتتبعنا الماضي إلى مئات السنين إلى الوراء لعثرنا على تاريخ متصل لنظم الشعر. إلا أن أقدم اسم نعثر عليه ولكن دون أن نعثر على مخطوط شعري له هو أبو الحسن الوداني . وليس هناك مكان للتعرف على شعر أبي الحسن الوداني حتى الآن إلا من خلال كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، وذلك إذا بحثنا عن بلده ودان . تلك الواحة الواقعة بمنطقة الجفرة بوسط ليبيا، والتي استوطنتها هجرة عربية قديمة. وما نعثر عليه لأبي الحسن الوداني هو أبياته الثلاثة:

من يشتري مني النهار بليلة
لا فرق بين نجومها وصحابي
دارت على فلك الزمان ونحن قد
درنا على فلك من الآداب
وأتى الصباح ولا أتى فكأنه
شيب أطل على سواد شبابي



مرحلة الإحياء

ولأننا معنيون بمشهد شعري حديث، فإننا ننتقل على جناح السرعة لنستعرض هذا المشهد من طرفه، أي من مقدمات لها ما يفسرها. وسوف نكتشف أن ليبيا التي كانت سابقة على العرب في التأسيس في أكثر من موضع، دون أن تنعم باتصال هذا التأسيس، شهدت مرحلة الإحياء في الشعر مع ظهور صف من الشعراء، ولدوا بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وامتدت حياتهم حتى أوائل أو بعد منتصف القرن العشرين، وهم: أحمد الشارف ومصطفى بن زكري وإبراهيم باكير وأحمد رفيق المهدوي وأحمد قنابة.وقد سبق هؤلاء جميعاً مصطفى بن زكري، بأن أصدر ديوانه الذي يقال أنه لم يضم جميع قصائده. ومع ذلك فقد ضم هذا الديوان ملامحه الشعرية القائمة على التغذي على الثقافة التراثية العربية مع ما أتيح في عصره من تحول حديث بدأ في ليبيا مع وصول عاملين:

1- تأسيــس المدارس الحديثة في عهـد الوالي العثماني أحمـد عزت وما عنــاه ذلـك من تنظيم حديث للتعليم تضمن تدريس اللغة الفرنسية.

2- وصول الصحف العربية الصادرة بالمشرق وتداولها من قبل الفئة المثقفة.

مرحلة الإصلاح ومصطفى بن زكري


وكان ذلك هو الانعطاف الذي شهدته مرحلة الإصلاح التي عرفها ما سمي في ليبيا بالعهد العثماني الثاني.

وقد صدر ديوان مصطفى بن زكري الذي عاش بين سنتي 1853 و 1917 سنة 1892. وكان بذلك كما يقول د. محمد مسعود جبران في كتابه مصطفى بن زكري في أطوار حياته وملامح أدبه أسبق في الظهور من ديوان محمود سامي البارودي وأسبق في الظهور من ديوان أحمد شوقي .ص 91 من كتاب الأستاذ محمد مسعود جبران.
وقد تناول ديوان مصطفى بن زكري بالنقد والتعليق أسماء كبيرة بينهم الشاعر أحمد رفيق المهدوي الذي وصفه في مقال له سنة 1937 بأنه شاعر طرابلس بلا نزاع إلى أن يظهر لنا ديوان غيره مجلة ليبيا المصورة نقلاً عن كتاب مصطفى بن زكري لمحمد مسعود جبران .

ووصف الأستاذ محمد الصادق عفيفي في كتابه الشعر والشعراء في ليبيا شعر مصطفى بن زكري بأنه ( ليس بكاء أطلال ودمن وليس وصفاً لسفر حبيب على ناقة تجوب الصحراء ولكنه حكاية لما يجري بين الأحباب ووصف للحب نفسه ولحبيب وما يحدث في نفس المحب من نزوع إلى الكمال وهو لا يتحرج من استعمال لفظ العبادة في الحب ). وقال عنه د. الصيد أبوديب في رسالته المعنونة المدرسة الكلاسيكية في الشعر الليبي : ( ومضات مشرقة في سماء الشعر الليبي في المرحلة الأولى من مراحل تطوره ). وأشار الأستاذ خليفة التليسي في محاضرة له عن الشاعر إلى أنه حوى بداية دخول الوعي السياسي إلى الشعر .

ولا ريب أن قارئ شعر مصطفى بن زكري سوف يلتفت إلى أثر حياة لاهية وهي التي لابد أنها دفعته إلى النظم على أوزان الموشحات والمجزوءات والبحور الراقصة المطربة. وقد حوى ديوان مصطفى بن زكري كما أشار لذلك أحمد رفيق المهدوي 300 بيت من شعر الغزل.
وقد يكون من المجحف عد ما قاله بن زكري غزلاً محضاً إذا قرأنا قصيدته التي تقول:

هواك قوت فؤادي
وفي يديك قيادي
فارحم بفضلك وجدي
وحرقتي وسهادي
أذبت قلبي فهب لي
قلباً لحفظ ودادي
أنا الغريب المعنى
في شيعتي وبلادي
أموت فيك اشتياقاً
إن طال عمر البعاد
وفيك داريت قوماً
لهم طباع الجماد


المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:23 PM

وهذه القصيدة المنظومى على البحر المجتث تؤسس لنفسها تناقضاً مع الروح الجدباء التي لا تحبذ التطلع إلى المرح والاندماج في ولع الشباب باللهو أو التعبير عن الشوق للحبيب، وإن كان الشاعر يحتفظ بجذور الانتماء في قلبه. وهذا البحر الذي نظم عليه الشاعر هو بحر راقص ومفصح عن ميل دنيوي لاه. ومضمون القصيدة يفصح عن طبيعة التناقض: فالقوم الذين يعاني الشاعر من مواجهتهم لهم طباع الجماد ، أي أنهم لا ينفعلون. وهو مضطر لمداراتهم لئلا يصطدم بصلادة ردودهم. وهذا يجعل ما يحمله في داخله يظل مطوياً في عقله وفي أحلامه وأشواقه. ولهذا فلابد أن ذلك يجعله أرق مما يحتمل جمودهم. وإذن فهو غريب معنى . ورغم كل ذلك فإن صلات بن زكري أصيلة وقوية وهو يشدها إليه بضمير الملكية ليحقق انتماءه لأنه مسلم وابن هؤلاء القوم فهو غريب ولكن في شيعته وبلاده .

سليمان الباروني وأحمد الشارف والمهدوي

وقد ظل ديوان مصطفى بن زكري نفسه غريباً لأنه لم يتم طبع ديوان آخر إلا في سنة 1908 بصدور ديوان سليمان الباروني المجاهد الكبير، وهو لا يرقى إلى هذا المستوى الشعري، إذ يغلب عليه طابع النظم والمدائح والاستبشار بصدور الدستور العثماني، وإن كانت قد ظهرت لنفس الشاعر وطنيات، ولكن طابع الرجل المجاهد غلب على سليمان الباروني فأغمط من دوره الشعري، ولن نلحظ صدور ديوان إلا بعد ذلك بفترة طويلة جدا. إلا أن الدور الشعري كان متواكباً بوجود الشعراء المرموقين. ولعل أكثرهم عمقاً وانغماساً في النشاط الشعري هما الشاعران أحمد الشارف وأحمد رفيق المهدوي اللذان شكلا جناحين متقابلين واصلا نفس الدور الشعري الإحيائي وإن اختلفت شخصيتاهما الشعريتان. وهما حتى إن كانا يصغران مصطفى بن زكري فإنهما يشكلان معه نفس العصر الإحيائي. وقد تميزت شخصية أحمد الشارف بالعنصر الديني من خلال تكوينه وإعداده. فقد نهض من خلال التعليم الديني وعمل من خلال القضاء اشرعي، وامتدت في روحه نزعة التصوف. بينما تميزت شخصية أحمد رفيق المهدوي بالنزعة الدنيوية ومحبةالتفكه إلى حد التبسط ومغازلة المذكر بشكل فاضح. لكن لا هذا البعد ولا ذاك أثرا على الجانب الوطني في نفسيهما أو في شعرهما. فقصيدة الشارف رضينا بحتف النفوس رضينا التي قيلت في مطالع الجهاد هي شئ أشبه بالنشيد الذي ينتقل سريعاً ليعبر عن روح جماعية وعن شعر المجاهدين. وهي بإيقاعها وترديدها لرضينا .

إلا أن أهم ملمح للتأثر بدور الشعر أو بدوره كشاعر ربما كان ناجماً بالإضافة إلى ذلك عن بعد في تكوينه الشخصي. فهو كان ميالاً إلى التبسط، وهذا أدى إلى أ، يزدحم شعره بأنواع التفكه، مثلما دعاه إلى أن يكون لسان حال فصيح. وربما كان ذلك من سابق رفقة له للشاعر بيرم التونسي ، حيث أقام أحمد رفيق صغيراً في الإسكندرية ودرس دراسة حديثة بها. إلا أن بيرم التونسي اتجه اتجاهاً عامياً صريحاً بينما جعل المهدوي اتجاهه عامياً في ثوب فصحى. وكثيراً ما تردد أبياته التي قالها لمهاجمة قاض تغاضى عن رؤية هلال العيد في ولاية طرابلس وأفتى بمواصلة شهر رمضان، كانت قد صدرت عن نفس غاضبة جداً، فجاءت بعيدة عن الإسفاف، وإن كانت تتضمن السخرية:

أترى القاضي أعمى أم تراه يتعامى
سرق العيد كأن العيد أموال اليتامى



ومثلما كان هذان الشاعران تواصلاً لسابقيهما مع تألق شخصي وتوهج في الساحة، فإنه كان لابد أن يكون هناك امتداد لهذا الأفق الكلاسيكي. وقد خرج هذا الامتداد من أبعاد المهدوي بالذات، حيث برز شعراء يحترمونه ويواصلون الدور الكلاسيكي، وهم: حسن السوسي وعبدربه الغناي ورجب الماجري، الذين ارتفعت أصواتهم في الحقبة الشعرية التالية بنفس الفهم التقليدي للشعر باعتباره بساطاً واسعاً لكل مكنونات الحياة، فيه المداعبة الشعرية وفيه النظم المقصود والحكمة والإخوانيات وشعر المناسبة.

الرومانسية وبداية التجديد

إن الأفق الثقافي لهؤلاء الشعراء لم يتخلخل كثيراً وكل التصدع الذي حدث هو انفتاحهم على كتابة قصيدة التفعيلة وتجريبها وعدها شعراً مع ميل عاطفي عميق للقصيدة الموزونة المقفاة ونزوع لكتابة الشعر الشعبي، وهو بدوره توجه ظهر لدى أستاذهم المهدوي. إلا أن الأصداء التجديدية للشعر العربي طرحت نفسها بعمق لدى صف آخر اتصل بينابيع التجديد مباشرة لدى شعراء المهجر ولدى شعراء الدور الإجتماعي مثل عبدالوهاب البياتي وتراوحت التأثيرات بين أضواء ملونة للرومانسية والتأمل ظهرت بوادرها عند علي صدقي عبدالفادر ثم عند علي الرقيعي وما لبثت أن أخذت الملامح الشخصية في التشكل باشتداد تأثير البياتي مع أصداء الثقافة العصرية ورياح الثورة. فارتفع صوت النبرة الكفاحية مثلما بدأ يلوح البعد الإنساني الجديد في أشعار علي الرقيعي وخالد زغبية وحسن صالح. وهذا بدوره أخذ يجرف هؤلاء الشعراء بعيداً جداً عن القصيدة التقليدية وعن الشعر المتعمد حتى أصبح من النادر أن يعود علي الرقيعي إلى كتابة القصيدة العمودية مثلما ظهر في ديوانه أشواق صغيرة ومثلما عبأ كتب خالد رغبية الأولى بالقصائد الحرة وملأها بالحس الاجتماعي.

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:24 PM

الجذور الاجتماعية للمشهد الشعري

إضافة إلى كل ما سبق يظل من الضروري تلمس الجذور الاجتماعية للمشهد الشعري تأسيساً على تلك العلاقة الجدلية بين النتاج الفكري والثقافي عموما والواقع الاجتماعي التاريخي، والتي بدونها قد لا نستطيع فهم هذا النتاج وتفسير ملامحه الخاصة. وغذا كان المجتمع الليبي بصورة عامة خلال تلك الحقبة – كغيره من معظم المجتمعات العربية – مجتمعاً أمياً من حيث التعليم، يغلب عليه الطابع البدوي. فلابد أن ينعكس هذا الطابع على المشهد الثقافي والشعري خصوصا. حيث أن النتاج الشعري الفصيح بهذا الخصوص سيكون نتاجاً نخبويا. الأمر الذي يجعل معظم سماته تتراوح بين النفس الذاتي للشاعر، والتأثر بمدارس خارج الوطن وأبعد عن قضايا الواقع باعتبار أنه يشكل أداة مناسبة للتعبير عنها حيث أن الشعر العامي ظل هو الأداة المناسبة لذلك في مجتمع شبه أمي ويعتمد على المنطوق أكثر من المكتوب كما يظل هذا النتاج في إيقاعاته لا يتعدى – في جوانبه ذات الصلة بالواقع – إيقاع الموشح. باعتباره قد كان هذا الإيقاع قريباً من المحكي والمنطوق في المجتمع من خلال انتشار قصائد التواشيح ( والمالوف ) في المراكز الحضرية. وبشئ من التصاعد – من خلال رفيق – وحيث أن قضية الوطن المحتل والاستعمار صارت قضية عامة لها صلة بالجميع. كان رفيق أكثر وعياً بأهمية التواصل مع الناس، وأكثر حملاً لهاجس الخروج من دائرة النخبة للتعامل مع المتلقي العادي. الذي لم يشك رفيق بأن القضية الوطنية الملتهبة قد احتلت حيزاً مهماً في وجدانه يكفي لدفعه للتفاعل مع أي عطاء يتعامل معها.
لذا كان رفيق نافذ البصيرة وتحركه شاعرية عميقة لا شك فيها، ووعي حاد بأهمية أن يسمعه الناس عندما سعى لتبسيط إيقاعه والاقتراب من الشعر العامي. إن هذا السعي لا يمكن إلا أن يعكس اهتماماً أصيلاً عند رفيق بمسألة التواصل مع المتلقي. إضافة إلى رغبته في أن يصل ما يريد قوله إلى الناس وأن يفهموه. لأنه يدرك أنه يتعامل مع قضايا وهموم تهمهم فعلا.. ومن هنا سيهتمون بفهم وتقبل ما يقول إن الوعي بالواقع وقضاياه. والوعي أيضاً بأهمية أن يتواصل الشاعر مع المتلقي والإدراك بأن للشعر – كأي نشاط بشري آخر – وظيفة اجتماعية، هو ما دعا رفيق للتطلع إلى ربط الإيقاع بالواقع وإلى البحث عن صيغ وأشكال تعبيرية جديدة ومتنوعة. ولا يعني هذا في محصلته النهائية إلا التأكيد على حقيقة أن الواقع والواقعية.. هي أساس التطور الغني.

إبراهيم الأسطي

لقد هيأ الزخم الإحيائي بالإضافة إلى ولادة التلاميذ النجباء للقصيدة العربية المصنوعة بعناية القابلين لأن يفتحوا نافذة صغيرة للتجاوب الشكلي مع العصر من خلال مغامرة التفعيلة بكل ما يعنيه ذلك من خلخلة للوعي الجمالي، فإن الأفق كان يطرح مطلبه الرومانسي. وكان هذا المطلب مختلطاً مع التلاقي اليومي بالمطالب الوطنية وكان ينبغي أن يتوافر عنصران هما: 1- الفردية والتغني من خلالها 2- والإحساس بالكل وبالحاضن الوطني من خلال هذه الفردية، فكأننا سنستمع إلى الشابي. والواقع أن التجربة قد حدثت من خلال صوت شاعر درنة الجميلة الهادئة الواقعة قرب الطرف الشرقي للجماهيرية الليبية، تلك المدينة التي كانت تتمتع بالملامح التي تسمح بولادة مثل هذا الإحساس الرومانسي. ففيها يتدفق الماء العذب من خلال شلالها وفيها كروم العنب تعرش في البيوت. وكان إبراهيم الأسطى عمر أحد أبنائها. عاش حياة مكافحة وتثقف ذاتياً منذ صباه – كما يروي هو – فكان بذلك مهيأً مثل بقية الرومانسيين ليشعر بتلك الأحاسيس الحالمة النابعة من شعوره أن الكون كان يجب أن يعترف بألمه، وهو – مع ذلك – في الخضم الكبير، ألم كبير، لأنه لن يلتفت إلى محنته الشخصية، وإنما سينجرف مع الوعي العام وسينقي الأفق من حوله، ولكن بالإشادة بما لصوته من طاقة على إحداث الدوي. ولعله عندما خاطب أحمد رفيق المهدوي قائلاً:

غرد فشأن البلبل التغريد
لا يسكتن الصادح التهديد



كان يجسد منقاره من خلال مثله الشعري الوطني. والواقع أن إبراهيم الأسطى عمر قد تلبس الطيور منذ البداية وفي أكثر من قصيدة، إلى حد أن ديوانه كان بعنوان البلبل والوكر . وهل يمنع أحد الطير أن يشدو ؟.وإذن فإننا قد انتهينا من تواكب الخيل والنهوض لنزع الأرض من المستعمر، وأصبحنا أمام قضايا التعبير. ولهذا فقد صنع إبراهيم الأسطى عمر ديباجة هذا الأفق وانتقى له الصفحة التي سوف تتردد حروفها منذ أن تأسست الدولة، وأصبحت هناك إمكانية للحوار:

قيل صمتاً فقلت لست بميت
إنما الصمت ميزة للجماد

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:25 PM

الشعر الليبي: من الستينات حتى الآن

لكن هذا التعميم لم يكن ليرتاح فوق التربة الليبية التي أصبحت تختلج بهاجس تشكل الفئات الاجتماعية، وبالحقن الواعي الذي يسمح بتفسير هذه المرحلة واستعمال مفرداتها. وقد عاش الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه مخاضاً جديداً، هو المخاض الوطني الصرف، وعاش أيضاً تصدعات في الوعي الاجتماعي، وكان ذلك كله نسيجاً واحداً ينطرح على الساحة برموزه الكبيرة من عبدالوهاب البياتي إلى بدر شاكر السياب بنموهما الثوري ثم نزار قباني بانتظامه العصري مع إحساس أكثر حرية وحركة أكثر رشاقة وانطلاقا. في الوقت الذي تظل أصداء التأمل تنساب من شعراء المهجر ونازك الملائكة وأبي القاسم الشابي. وهكذا فإن المسرح أصبح جاهزاً لظهور هؤلاء الشباب العصريين الذين بدأوا بعلي صدقي عبدالقادر الذي ارتفعت في صوته النبرة الكفاحية للتضامن مع حركات التحرر الوطني في المنطقة ثم علي الرقيعي الذي بدأ من نفس المكان في ديوانه الأول الحنين الظامئ ليعلو بعد ذلك الإحساس بالمحنة الاجتماعية في قصائده بديوان أشواق صغيرة . مع ما شكله كل من خالد زغبية وحسن صالح من ارتفاع ملحوظ في هذه النبرة – نبرة الشعور بالمحنة الاجتماعية – وتلاقح ذلك مع رموز النضال في العالم. إن هذا التوهج هو الذي دفع الوعي الستيني إلى الأمام. ولم تكن الخارطة الشعرية بدون رموز أخرى. فقد كانت هناك تطلعات إنشائية – أي لإعمار القصيدة العربية بنماذج من التغني العاطفي وصنع انتباهة لوجود ذاتي لا يثقل على السمع بصياغاته الشعرية – وقد خرج هذا الشاعر من أنفاس حسن السوسي مجسدا في راشد الزبير ليصنع تفرده. وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك ولادة محمد الشلطامي الذي صعد بسرعة على سلم النبرة المؤلمة للشاعر الإنساني الذي يحمل هم الآخرين، ووقعت بداياته بين منتصف الستينيات لتنضج مع سنة 1967 وتصنع لافتاتها الكبيرة بعد ذلك بسنة أو سنتين. وقد انساق هذا الدفق الشعري محملاً بطموحات موازية في صوت الشاعر الراحل علي الفزاني، الذي وصل إلى الساحة رافعاً عقيرته: لسست أفاقًا وما كنت مغامر في رحلة الضياع . إن المرء يستطيع أن ينتبه إلى أصوات أخرى سسبقت وأخرى تلت، مثل عبدالباسط الدلال في مجموعة شعراء درنة التي انسابت باتصال حتى الأفق الشبابي القائم. أو إلى عبدربه الغناي الذي تآلف مع مرحلة ما بعد المهدوي ثم إلى عبدالحميد بطاو وذلك إلى عبدالمجيد القمودي. لكن حلماً جديداً كان بالانتظار وهو حلم كوكبة شعرية تحمل حلم القصيدة العربية بخصوصية وتستقيم مع الالتزام وتعيش هاجس اللغة., وكان ذلك هو الذي جعلنا نرى الإقلاع الأول كالذي حدث على يدي السنوسي حبيب في سنة 1974. وعند هذه النقطة.. ومع عقد السبعينيات. نكون قد تداخلنا مع مشهد شعري اتسم في عمومه بملامح يمكن تقرير اساسياتها في الآتي:

1) الثراء الكمي في المشهد الشعري بدخول كوكبة من الشعراء الشباب إلى ساحة المشهد.فقدمت العديد من الأسماء مثل / السنوسي حبيب، محمد الفقيه صالح، علي الرحيبي، محمود العرفي، عبدالرزاق الماعزي، عاشور الطويبي، عبدالباسط القذافي والشاعر الراحل عبدالعظيم شلوف وغيرهم. وقد ساهمت صفحة آفاق ثقافية التي تولى عدد من الأدباء الشباب إعدادها في النصف الأخير من السبعينيات بصحيفة الفجر الجديد، وكذلك صحيفة الأسبوع الثقافي من أ، تشكل نادياً جمع كل هذه الأسماء متواصلاً معها صف سابق مثل جيلاني طريبشان، بالإضافة إلى علي الفزاني.

2) سطوع هموم التجريب والتحديث في الكتابة الشعرية بصورة تتواصل وتتواقت مع تجليات هذا الجانب في القصيدة العربية الحديثة.

وقد كان للتحولات الاجتماعية التي شهدتها ليبيا في هذه الحقبة ومسيرتها التنموية بما فيها من تشابك وتعقيد، إضافة إلى التطورات التي شهدتها المنطقة العربية خلال هذه الحقبة.. كل ذلك شكل أرضية لا يخفى أثرها في تطور هذا المشهد وتشكل ملامحه الخاصة.. والذي امتد زخمه إلى سنوات الثمانينيات والتسعينيات الذي حقن الساحة بأسماء أخرى لها إضافتها مثل مفتاح العماري، فرج العربي، مجاهد البوسيفي، عائشة المغربي، خديجةالصادق، نصرالدين القاضي، محيي الدين محجوب، عمر الكدي، سالم العوكلي وغيرهم.

إضافة إلى أسماء يمكن أن تمتد جذور تجربتها إلى مراحل السبعينيات، إلا أن الظروف لم تدع للقارئ فرصة لمعرفتها إلا في أواخر الثمانينيات وعقد التسعينيات مثل عبدالرحمن الشرع وعبدالفتاح قباصة وأحمد بللو.

• والآن ونحن على بوابة ومداخل قرن جديد وبنظرة سريعة للمشهد الشعري الوطني في ليبيا يمكن أن نرى هذه الجياد المنسوجة من حمل قصائد شعراء ليبيا تصطف في مضمار المشهد الشعري العربي مندمجة بنفس الدرجة مع جياد القصيدة العربية عموما. تتنوع بتنوعها وتعايش نفس إشكالياتها ومآزقها. بدون أن يلغي ذلك جهد وعناء أصحابها في منح قصيدتهم النكهة الخاصة بهم، النابعة من خصوصيات البيئة والمجتمع، والتي لا تلغي وحدة السمات مع كل المجتمع العربي، بقدر ما تشكل أحد جوانب ثرائه وغناه.

وعلى كل حال. تلك خطوط عامة، ورؤوس عناوين، لا تسعى للتأريخ أو التحليل للحركة الشعرية الحديثة في ليبيا بقدر ما تطمح لتقديم تعريف أولي مبسط بها. فغذا نجحت في ذلك فحسبها، وإن عجزت فيكفي شرف محاولتها للتعريف.


يتكون هذا المدخل من المقالات والدراسات الآتية:



الصفحة الرئيسة ذاكرة الشعر ليبيا مقدمات نقدية ودراسات المشهد الشعري في ليبيا



المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:26 PM

مقاطع من( الوطنيات ) لشاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي

*** الحنين إلي الوطن ***


كـادت تطير بأضلعي أشواقي (*) يـوم الفـراق فهل يكون تـلاق ِ
ودعــتــه والله يـعـلـــم أنــنــي (*) ودعــت راحـة قـلبي الخفـاق ِ
لـو كان قـبل الـيـوم يوم قـيامة (*) كــان الفــراق قـيامة العـشاق ِ
وطني من الإيمان حبك ليس لي (*) مـنٌ عـليك وأنت ذو استحقاق ِ






( الـــوطن )



يا أيها الـوطن المقـدس عـندنا (*) شـوق إلـيك فكـيـف حالـك بعدنا
كـنا بأرضك لا نـريـد تحـــولا ً (*) عـنها ولا نــرضى سواهـــا موطنا
في عـيشة لو لم تكن ممزوجة (*) بالــذل ِ كـانـت ما ألـذ وأحسـنــا
عـفنا رفاة العيش فيك من العـدا (*) وأبـى لـنا شمـم النفـوس وعـزنا
قـالوا لـنا جـئـنا نـمـدن أرضكم (*) أيـن الـتمدن والـذي قالوا لـنا ؟!
هـدموا من الأخلاق في أوطننا (*) أضعــاف ما شادوه فيها من بـنا





( فـارقــتكم )



فـارقـتـكـم وفــؤادي لا يفــارقــكــم (*) قــيـدتـمـوه بأسـبـاب ٍ وثـيـقــات ِ
أهــل الــوداد وحـبي لــلـبـلاد هـمـا (*) أسباب تعذيـب قـلبي وأشتياقـاتي
تركـت مـوطن آبـائي عـلـــى مضض ٍ (*) مـما تجـــرعـــت من هــم ٍ وويـــلات
والله ما بـإخـــتــيـاري أن أفارقـه (*) لو لم يـنغــصــه حكم الظالـم العاتي
إني لأذكــر يـوم الـبـيــن إذ هـمـلـت (*) مـدامعي فـوق خـــدي مستــهــلات ِ
وقد تحـيـرت فـي أمرين مـا فـتـئـا (*) يــنـكـدان حـيـاتـي في منـاجــاتي
لم ترض عـزة نفـسي بالـمقـام ِ على (*) ضيـم الأعــادي وأربــاب الجهــالات
خرجت من موطني مثل الطــريد فما (*) ودعـت خــلا ً ولا أدركـت ثـــاراتــي


http://forum.ma3ali.net/imagesn/stat...er_offline.gif

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:26 PM

الشاعر:إبراهيم الأسطى عمر



الطائر السجين


أيها المـسجـون في ضيق القفص

صـادحاً من لـوعـةٍ طـــولَ النهار
رَدَّد الألحـــان من مرِّ الغصـــص

وبــكى في لحْنــــهِ بُعد الديـــــــار

ذكَرَ الغصـنّ تـثـــنـى

وألـــيـفاً يـتــغـــــــنَّى

وهو في السجن معنّى

فشـكا الشــــــوق وأنَّ

وتَمَنّى



والأمــــــاني ما أُحيْــلاها خـــيال

يـتلاشى، أو محـلكٍ في مــــــــنام

لو صحا في روضةٍ والغصن مال

من نسيمِ الفجر، وانجــــاب الظلام

ومضى يصدحُ في دنيا الجــــــمال

طـائراً حـراً طلـيـــــقاً في الأكـــام

راويا للطير من تلك القصـــــــص

مـــــا به هدى وذكـــرى واعـــتبار

كــيف حـــازته أحابـــيل القـــــنص

هو يبغي الحـــب في عرض القــفار

ضاق ذرعاً بالأماني

وهو في نفس المكان

ويعاني ما يعــــــاني

رَددَ الحزن أغــــاني

فرآني



شـــارد الـلب إليه نـــــــــــــــاظراً

قــــال –مـلتاعاً-: ألا تســعــفـــــني

قلت: لو كـــنت قويــــاً قــــــــــادراً

لــم تــذق يــــا طيـــرُ مــرَّ المحـــن

ولهــدمت الـنـــظــــام الجــــــــــائر

ولــمــا استـــخــذى فــقـــير لغــــني

ولكــــان الـــشر في الدنيـــــــا نقص

ولكـــان العـــدلُ للــنــاس شعـــــــار

رزقـنـــا يقـــســم فـــيـنا بالحصـــص

لا غــني لا فــقـــير لا فـينا شــــــرار

هكــذا تصفو الحياة

لجمـيع الكــــــائنات

وتزول الســـــــيئات

سعينا في الحـــسنات

للممات



غـير أنــي، أيــها الطـــير الكئيب

عــاجزُ مثـــلك مــغلول اليـــــدين

في بــلادي بيـــن أهــلي كالغريب

وأنـــــــــا الحر ولو تدري ســجين

فلــتــكن دعواك للرب المجــــــيب

نعـــم من يدعي وعــــون المستعين

وارتــقــب فالحـــظ في الدنيا فرص

ربمــا جــاءت على غــــــير انتظار

وأرتــك الــــــيأس وغرد في القفص

وتـنـاســــاه وغــــني يــــــــــا هزاز

آه لو يدري مقالــــي

لشجاه اليوم حــالـــي

غير أني بخيــــــالـي

في رشــــادٍ أو ظلال

لا أبالي



أيــــــــــها الإنســان ما ذنب الطيور

تودعُ الأقـــفــاص هــل كانت جناة؟

هــل تــمادت في ظـــلال وفجــــور

مثـلنا؟ ما الحــكم؟ أين البيــــــــنات؟

أ من العـــدل ظـــلوم في القـــــصور

وبــريء سجـــنه من قصبـــــــــات؟

لــيس في المعـقـول والمنقــــول نص

يدعــيه الـمـرء فـــي صيد الــــــهزاز

هــو غـــريد إذا غـــنى رقـــــــــــص

كل غــصنٍ طــربـــاً والكـــــــأس دار

بين أطــــــيار وزهر

سكرت من غير خمر

وأنا وحدي بفكــــري

تائه يــا ليت شعـــري

أي خسر

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:28 PM

الشاعر الأديب محمد العربي ابن الصُّغيِّر الهاشمي [ ت 1143هـ]



هو أبو عبد الله محـمد العربي بن محمد بن حمودة بن الصغير الهاشمي ، أديب طرابلس وشاعرها المطبوع ، بها ولد ونشأ ، وأخذ العلم عن أفاضل عصره ، كان كلفاً بالقراءة ، ثاقب الذهن ، جميل الحفظ ، جيد الفهم ، عذب الفكاهة ، حـلو المجالسة ، له باع في الأدب ، وخبرة تامة بالشعر والخطب

ارتحل إلى مصر ، ولقي الأفاضل ، وسمع وتفقه في العلوم ، من الأصول والفروع ، وشارك في كثير من الفنون ، ثم آب إلى طرابلس حـوالى سنة 1130هـ ، أي في عهد ولاية أحـمد باشا القرمانلي ، وألقى عصا الترحال فيها إلى أن وافته المنية سنة 1143هـ



وقد مثَّـل مرحلة قدومه إلى الوطن بعد غربة خيَّم فيها بين ضفتي النيل وقتاً غير قصير ، لكنه ما فتئ يحن إلى الوطن ويرمقه بمقلتين أرَّق جفنيهما ألمُ البَيْن ، فلم يمكث وقفل راجعاً إلى موطن حنينه لا يلوي على شيء سـوى أن يستمتع جالساً بين ظهراني قـومه يستمع إليهم ويستمعون إليه يحكيهم ويحكونه ، يقصُّ عليهم تجاربه وما لاقه في غربته ، يقرضهم شعره ويتحـفهم بأدبه وعلمه ؛ فيكون محط تقدير واحترام !. لكن ما أقسى الزمن حينما يولد شاعر أو أديب أو عالم في محيط لا يقيم للأدب أو للشعر والفـكر وزناً !! وهـكذا كان نصيب شاعـرنا المُجيد ، فقد حل في الوطن دون أن يجد داراً تأويه وسقفاً يحميه وأناساً َيحتفون به يجلسون ويستمعون إليه ؛ فكان أن نشأ صراعٌ مرير بين إرادته القوية وبين هذه الحياة القاسية التي تبدَّت فيها المـرارة من الإحساس بمرور الزمن أمام النتيجة الخاسرة ، فالأيام تمر والحياة لا تريد أن تتخلى عن قسوتها ؛ فيحقق المرءُ آماله وأحلامه .

وشاعرنا لم يملك من أمر الحـياة شيئاً كما شاهدتم ، وبالتالي لم يشأ للزمن أن يمر ولا للأيام أن تنقضي ، ولما لم يجد بدّاً من مرور الزمن بكل هذه الرتابة ، راح يشنف مسامع القـوم بمثل هـذه الآهـات والزفـرات الحرّى التي تخرج من فؤاد يضطرم ، ودموع تجرح الخدود ، وعبارات وجـدانية يقـولها الشاعر في لحـظات صدق ، وعصارة حزن .

وشاعرنا العَرْبي هذا ، وبحساسيته وشفافيته وصـدق عاطفته وصراحته وبذوقه السليم ، لهو أقدر الناس على كتابة هذا النوع من الشعر .

فمضى قائلاً:






ألاَ هل ترى العينُ الألى قبلُ ودّعوا
وهل سيل أجـفاني التأرق والهـمعُ

وهل تبلغ نفسي الأمانيَّ برهـــة
وهل يُسرِج الإحلاكَ من ليلنا شـمعُ

أو الموت أدنى مـن لُبانة قاصــد
يسامره جُنحَ الدجى الشـعرُ والدمـعُ

بلى إن دهــري والعٌ بتبـــدُّدي
إلى الله أشكو من زمـان به ولــعُ

فمالي وللأفـراح من بعد جيــرة
تقضّى بهم رشدي وأعْـوزني الجمعُ

لقد سئمتْ نفسي الحـياةَ وطولَهـا
تساوى لديَّ القبرُ والسـوق والربـعُ

ولا سيما في منبر الجـهل هــذه
فـكل سـليم الذوق ضاق به الـذرعُ

فلولا الأمير المرتضى لم يكـن بها
سجيس(4) الليالي في خواطرنا وقــعُ

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:29 PM

ألقيت هذه القصيدة في الحفل الذي أُقيم بتونس سنة 1971 تأبيناً لفقيد العلم الاستاذ الجليل الراحل الشيخ محمد الفاضل بن عاشور مفتي الجمهورية التونسية وعميد الكلية الزيتونية وذلك بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاته والقصيدة من شعر الأستاذ الأديب عبد السلام محمد خليل :



إن فـاضلٌ والفـاضلـون قـليلٌ

أودى فللبـــدرِ المشعِّ أُفُــول


في كـل يـومٍ تسـتجد بـراعمٌ

ويصيب أخرى في الرياض ذبول


تلكم طبيعتها كضـيفٍ إن ثـوى

يـوماً تلاه في الغـــداة رحيل


لابدع إن يهوي الفـناء بكـوكبٍ

فسنا النجوم الزهر ليس يطـول


إن جــف نبـعٌ أو توقف رافدٌ

ما كان هــــذا خارقاً ويهول


لكنما الحدث الذي هـز الورى

بحرٌ عميق الغـور كيف يزول


يا فاضلٌٌ ما كنت إلا فــاضلاً

وسواك من أهل النهى المفضول

قد كنت عالِمَ تونس تشـدو به

مزهوةً وعـلى الزمان تطـول


بل كنت من آي الفخار لشرقنا

تُعلي منارة مجـده وتطـــيل


حتى بكت مسراك من أعماقها

زَوراؤه وشـــآمه والنيــل


وهنا يشاد بفاضلٍ وعــلومه

وله يصاغ مـن الثـنا أكــليل


وتترجم الخَطبَ الجسيمَ محافلٌٌ

فيها شآبيب الدمــوع تســيل


ويسودها جـوٌ كئيبٌ غــائمٌ

وأســىً يَرين على النفوس ثقيل


وهناك تروى للفقــيد مناقبٌ

وضَّـاءَةً كالشــمس حـين تزول


إنَّ القريضَ وإن تسامى مبدعاً

ومحــلقاً وبكــــفه قنــديل


مستطلعاًً آفاقهُ بتعمــــقٍ

لبقي هـــنالك جــانبٌ مجهول


إنا عرفناه خــليفة ( مالك )

قد زانه المعقـــول والمنقــول


وسما به أدبٌ رفيع مــــاله

فيما رأيتُ ومـا سمـعت مثــيل


وله شمائلٌٌ كالصَــبَا نبــوية

وحـديثه مــثل الرُضاب جـميل



عفٌ نديُّ الكف فيه سجــاحةٌٌ

وســماحةً جـمُّ الحــياءِ نبيـل


وإذا تفجر بالبيـان محــاضراً

شُـــدَّت إليه مسامعٌ وعقــول


فهو ابن رشدٍ باحـثاً ومفكــراً

وتَخَاُلُهُ (النعمانَ) حــين يقــول


لا يستثير ولا يهيج حـــماسةًً

فســـبيله الإقــــناع والتدليل


يسمـو ويُبدع مجملاً ومفـصلاً

ولحبذا الإجـــمال والتفـــصيل


أما الكـتاب فقد وعى أسـراره

ويبُين عــن إلهامــه التنــزيل


ولقد جلا آياتِه ببـــــراعةٍ

أوحــى بها التحــليل ُوالتـنزيل


والسنةُُ الغـراءُ خاض غمارها

متجــاوزاً ما لم تصله فحــول


في خدمة الإسـلام كان لفاضلٍ

والعــلمِ دورٌ رائــدٌ وجــليل


ما كان إلا عبقــــرياً لامعاً

في كــل حـقلٍ جـهده مبــذول


متفهمٌ للعصر منـــفتحٌ على

آفاقـه رحــبُ المجـالِ أصـيل


يا تونسُ أودعت نجماً في الثرى

والليل داجٍ والنجــــوم قــليل


عَلمٌ سيبقى في النفـوس مخلّداً

ما حــل جيلٌ ٌ في ربــاك وجيل


لكن إذا راش القضاءُ سهامـه

لا شـــيء دون نفاذِهن يحــول


يـا تونس مهد النــوابغ إننا

نزجي العـــزاء إليك وهـو جميل

جئنا نواسي باسم جامعة الهدى

والنــور تونــس فالمصاب جـليل


خضراء يَعرُب أنت مهبطُُ رادةٍ

وســـجل أفـذاذ وفيك فحـــول


إن كان قد عصف القضاء بفاضلٍ

فغداً سيشـــرق في ســماك بديل


ولسوف يـــأتي الدور صاحبه

ولو أن الزمان بهــؤلاء بخـــيل


فالله يجــــزيه المثوبةَ جـنةً

الظل فيـــها وارفٌ وظلــــيل


والله يلهم أهـله من فضـــله

صـــبراً وأجر الصابرين جـزيل


ويُعــيد ذكـراه على الخضرا

وقد باتت كــــروضٍ داعبته قبول


وتَنَضَّرت أرجــاؤُها بعـمارةٍ

وحضارة تعـطي الجــــنى وتُنيل


وعلى العروبة من ضفاف خليجها

حـــتى المحــيط وقد أُعيد الغيل


والقدس من رجس اليهود تطهرت

ودمُ الشــهيد بساحـــها مطلـول


والكرم والزيتون هبَّ مــزغرداً

وجبالها قد حــــررت وسهــول


وتدفق الطوفان يكتسح العـــدا

وهـــتافه التكــــبير والتهـليل


اليوم تاج العز يعــلو مفرقي

لم يبـــق في أرض الأبــاء ذليل


وتباشرت بالنصـر دنيا أمتـي

فالشام جـــــذلان وعـــزَّ النيل


وكذلك الأيـــام يـومٌ عابسٌ

بــاكٍ وآخــــر مشــرق وجميل


للعرب طاقات إذا ما استقـطبت

حتماً بميزان القـــــوى ســـتميل


فبناء وحدتِنا يشــكل قـــوةً

كبــــرى ويــأتي بعــده البترول


وتسلحٌ بالعلم , وضــعُ بلادنا

أســواقنا , للإنتـــصار ســـبيل


هاذي العناصر إن تكامل حشدُها

فلتُمـــنَى بالزلزال إســـــرائيل


بل كــل جبار يجيء مناصراً

للظلم ســـوف ينـــاله التنكــيل


قـومي بغير النار والإصـرار

لن يُجلى الغــزاة ولن تـــدق طبول


وصمـــودنا بإرادة جـبارةٍ

متكـــتلين مهـــند مســـــلول


لايستــطيع عـدونا تحطيمـه

وهــو الضمان ومــا سـواه فضول


فلنمض في جمع الصفوف ولا يكن

مــن بيننا متــخــاذلٌ وعمـــيل


ولتسر روح العصر في أعلامنا

وليختف التزمــير والتــطــــبيل


والدين إن لم تقتحم بحــسامه

لهب الوغى فسـلاحنا مــفــلول


فإذا استظل جنودنا بلـــوائه

صبراً هوى ( الميراج ) والأسطـول


فلتضربوا صدقاً بعزمة ( خالد )

ما فيكمو جــزع ولا مـدخـول


وشعار إحدى الحسنيين شعاركم

والحق سيــف لا يفـل صقــيل


والله أكـبر في الجهاد نشـيدكم

يعلو ( وأحــمد ) رائـدٌ ودليل


إن خضتمـوها تحت راية دينكم

فالله بالنصر المــبين كـفــيل

المفتش كرمبو 26 - 7 - 2011 03:29 PM

أشجان ليبية


د. أبو القاسم خماج

مجلة كلية الدعوة (العدد السادس) 1989م



عجب يا أمتي هـــذا الصـــدود
وأنا المــجد الذي ولى يعـودُ

وأنا التاريخ .. هـــل مــن أمة
نسيت تاريخها؟ .. بئس الجحود

عشيت عيناك أم أن العـــــمى
بلــغ الروح فضـلت ما تـريد

عجب .. هــــــذا قطيع شارد
أم بقايا أمـــة كــانت تسود؟

أمتي لا تنفـــري منــــي أنا
عاشق بالروح إن شـــئت يجود

الهدايا مــلءُ قـــلبي والمـنى
في يدي والأرض من حولي ورود

جئتُ لا أرجو سوى أن تقـــبلي
ما معــي .. إن الهـدايا لا تعود

لا تصديني .. حــرام أمـــتي
أن تصـــديني ويغشاك اليهـود

أنت عرضي .. دون عرضي أمتي
أجــعل الأرض بما فيها تمــيد

واحيائي .. كم تهاوت أمـــتي
كالبغايا في أيــادي مـن يـريد

كم أذلت نفسها حتى غـــدت
مثلا يضــربه حتى العـــبيد

يا ترى هـل نســيت أمجادها
أم غدت في معصم الروح القيود؟

ليتها تعــــرف ماذا في يدي
ليتها تـــدركني فيما أريـــد

أسفاً إن لم تكـن تسمـعــني
فلمن تهــدر يا هـــذا النشيد؟

أسفاً إن لم تكـن تبصـــرني
فلمن تلـبس يا ثــوبي الجـديد

أسفاً إن لم تكـن تعـــرفني
قد تجشــمتُ إذن مــا لا يفيد

كيف أرتاح وحـولي أمــة
خــدرتها من أعــاديها الوعود

كم لها في كل يوم سجــدة
علـمت نادلها كـيف يجــــود

حان أن تصـحو على آلامها
وتداوي جــرحها وهــو صديد



الساعة الآن 11:58 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى