منتديات المُنى والأرب - الصفعه /للكاتب عمر حمش

الصفعة
تزدحم القاعة .. نمتلىء .. الجميع يرقص .. يهتزون .. الأضواء تخفت .. والموسيقى تصله من طرف القاعة كنواح .. نواح مجانين .. الصحون تعلو .. أكوام فوفق أكوام .. مهارة أتقنتها .. أبدع فيها .. أصابعه تؤدى حركات منتظمة .. توصل الصحون إلى الكوم معافيه سليمة .. فكسر الصحن هنا يعنى طردة .. لتبدأ رحله بحث جديد .. على نواح جديد .. ربما يخرج من صوت مطرقة تهوى على قطعه حديد .. أو من مجرفه يضغط عليها بأنفاسه .. ليفتح مكانا لقاعدة بناء جديد.. النواح أينما ذهب.. وقتما ذهب
تزداد الأكوام .. ويزداد النواح ..افواة مفتوحة حتى البلعوم .. تندلق على الصحون..المجدل تشهر هنا حتى الفجر..الموسيقى تسمع كنواح المجانين..مجانين الأكل ..مجانين الشرب والعربدة .. والحقد الأسود المدفون
تغفو روحه في الأكواب.. تغوص في الصحون ..في الرغوة والصابون .. يلسعه صراخ النواح ..يصحو ..الصحوة تؤلم .. ينفض روحه ..يخضها .. يهرب في الأكواب ..في بقايا الويسكي .. في فتات اللحم المشوي .. تتوه نفسه .. يكتم أنفاسه و"مراجله " ..يلجمها ..يوثقها في "مجلي " بقاياهم ..لامراجل في المجلي .. بين الأكواب .. في كنس نفاياتهم من بين السيقان .. يرجوهم نقلها شبرا .. بوصه ..وهم يغنون "محمد مات خلف بنات"..يضعون مراجله في الزفت ..ويجرعون الكؤوس بلا رغبه في رؤية "خلقته".. يضغط روحه.. يغرقها في الصابون..في الرغوة ..ويداه "زمبركان"يؤديان الحركات بشكل معهود.. تعود.. حفظ الصنعة .. كوم ياتى .. كوم يذهب .. وامعدتهم لم تمتلئ .. لن تمتلئ.. وان تأخر في إرسال كوم جديد .. يشتمونه .. ويشتمون عربه .. وزعماء عربه .. يمرغونهم في الوحل ..
وتشد الليلة حيلك أكثر.. ليله سبت .. والسهرة حتى الفجر.. يعربدون طوال الليل ..وان لم يسلطن احدهم سيفرغ "غله" فيك ..يجب أن تحتمل الغل..غل الجميع .. في مشارق الأرض ومغاربها..أنت جمل المحامل..من لم "يسلطن"تماما..يجب أن يسلطن عليك وعلى أبيك..هكذا يريدون هنا .. وهذا ماد بروة هناك..دار الزمان وجلبتم إلى المخيم ..وأصبحت المجدل لهم..يحدثك أبوك عن المجدل..تنقبض..تخبره أن "الحسين"و"الشيخ عوض" ليسا كما يحلم..ترغب أن توقظه..تحضره..تحمله على ظهرك ..تجبره أن يسمع..يفهم كيف يكون العهر في الحسين.. وإثارة تغطى الشيخ عوض..اقرصه حتى يصحو..لاتتركه يحلم.. ووادي النمل ..ورهانات البحر ومواسم "أربعه أيوب"أصبحت ذكرى..هكذا يريدون هنا..وهكذا دبروا هناك
يحرقك الصابون ..يحثونك على الإسراع.. أنتج أكثر..تزداد الأكوام..اجعل الزمبركين أكثر سرعه ..انس الآم الظهر..الساقين.. تعرق.. تجهد .. تجحظ عيناك .. تخرج من راسك.. تغادرانك .. تخترقان الصراخ.. النواح.. تغافلانهم.. تجوبان الشارع.. تنثنيان مع المنعطف.. منعطف آخر.. بضع خطوات ..هنا الدكان..الباب الموصد.. صاحبه حتى الآن لم ياتىء..لم ينبطح على قفله ..يرفض عشق المجدل من غير "الحسين"و"الشيخ عوض"ومن غير "وادي النمل"..تتقلص..تضمر..تختنق..احد يفهم معنى هذا..يدركه..تخلع عيناك من الشارع..منعطف آخر.."حارة الساحة" ..تمشى..زقاق ضيق..تجتاز الزقاق..تواجه ديوان "أبو شوشه"..تتحرك حسب الوصف..وهذا ديوان أبو شوشه وفيه كل حكايات أبيك..تغرق روحك..تضعف..تبكى روحك كطفل يرضع..وبقايا أبو شوشه تنظر إليك..لاتضعف..لاتبكى..تهرب عيناك..تجرى..كشيء مجهول مرعب..شيء لاتعرف شكله..عمقه..سره..تتمهل عيناك ..منعطف آخر..تتوقف ..تتمسمر..توشك أن تتقيا"غلا"..تنتحب دما..احد يفهم معنى هذا..يدركه..في طوب الدار اختلط عرق أبيك..دمه..جزء من لحمه يكمن أيضا..يطل عليك الحم..يقرص أذنك..يصفع وجهه..والعرق أيضا..والدم..هبطا إليك..صفعاك..والصفعة في ثقل الدار..وأبو شوشه في ثقل المجدل..تتراجع..تهرب..تفهم رفض أبيك..صفعته الدار والدكان وأبو شوشه..عبروا من الكوخ..صفعوه ثلاث صفعات..ثم قبلوه..وغادروا بحزن المخيم..النواح يعلو..يملؤك..تلملم عينيك..نحاول أن تربطهما..توثقهما..لكن الصفعة قويه..فيها أيضا لذة..أحبت عيناك الصفعة..صراخ يدب في راسك..يخلع أنفاسك "عرفيم حمار..مش بفهم"
تصحو والصحوة تؤلم..تجرفك إلى المجلي..للرغوة والصابون..يأتيك "المناهيل" يغبى
"خلص شغلك وبكرة متجيش ..واحد نايم"
هذا يعنى أن "الزمبركين" تأخرا بعض الشيء..تأتيك الصفعة..تقرصك..لاتتراجع..تشم الشيء المجهول..تعثر عليه أخيرا..تفهمه..تبصق في "المجلي"..في بقايا الويسكي..في فتات اللحم المشوي..تحضنك الصفعة..تتوحد معها..تقتل النواح..وتخرج للشارع..تمشى..تتعجل..تجرى مع الشيء المجهول..تستأنس إليه..تعشقه..تجرى..تقفز في أول عربه..للمخيم..للكوخ..تعانق أبيك..تخبره عن الصفعة..يفهم..يدرك..يقبلك..تخرج أنت والصفعة والشيء المجهول
عمر حمش

من أدب المخيم