منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   مواضيع ثقافية عامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=67)
-   -   أعمدة الثقافة السّبعة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=6664)

B-happy 10 - 5 - 2010 12:53 AM

أعمدة الثقافة السّبعة
 
أعمدة الثقافة السّبعة ـــ صفوان قدسي
ـ 1 ـ‏
أريد أن أبدأ بكلام سبق أن قلته في يوم من الأيام.‏
أريد أن أقول بأنه ليس معيباً أن نكون انتقائيين.‏
وعلى الرغم من كلمة الانتقائية كثيراً ما أسيء استعمالها، وعلى الرغم من أننا كثيراً ما نقع على تعريض بكاتب ما بحجة أنه كاتب انتقائي، فإن علينا أن نتريث قليلاً قبل أن نمضي بعيداً مع هذا النوع من التفكير.‏
دعونا نتريث قليلاً قبل أن نعلن قبولنا لكاتب ما، ورفضنا لكاتب آخر، لمجرد أن الأول غير انتقائي، في حين أن الثاني انتقائي.‏
وليس يعنيني هنا أن أتصدى للدفاع عن الانتقائية، فليست هذه مهمتي بحال من الأحوال.‏
كل ما يعنيني هو أن أضع الانتقائية في موقعها الصحيح بحيث لا يقع أي لبس في فهم معنى الكلمة، وبحيث لا يقع أي خطأ في استعمالها.‏
وعلى سبيل المثال، فإنني في محاولتي إحياء هذا التراث الثقافي العربي، لا أملك إلا أن أكون انتقائياً.‏
إنني مرغم على أن أكون كذلك ما دام هذا التراث يتضمن الكثير مما يمكن أن يكون مفيداً لي في حياتي المعاصرة، بمثل ما يتضمن الكثير مما يمكن أن يكون غير ذي فائدة.‏
ما الذي أملك أن أفعله عندما أمضي مع هذا التراث، دراسة وفهماً وتأملاً، غير أن أختار منه ما يناسب حياتي المعاصرة، وما يلائم الغايات القومية التي أسعى إلى تحقيقها؟...‏
الانتقائية هنا موقف غير انتقائي لماذا؟...‏
لأنها موقف أجد نفسي مضطراً إلى الأخذ به مادام الأمر كذلك.‏
وعلى سبيل المثال، مرة أخرى فإنني في محاولتي فهم ما يجري في العالم من حولي، وفي محاولتي التعرف على آداب العصر وفلسفاته الكبرى، وفي متابعتي للمعارك الفكرية التي تحتدم في عالمنا المعاصر بين وقت وآخر، لا أملك إلا أن أكون انتقائياً.‏
إذ ما الذي يجعلني أختار هذا الموقف أو ذاك، غير أن يكون في ذلك مصلحة لوطني وأمتي؟..‏
ما الذي يجعلني أقع على هذه الفكرة فأستحسنها، وأقع على تلك الفكرة فأستقبحها، غير أن يكون استحساني أو استقباحي مرتبطاً بمصلحة وطني وأمتي؟!..‏
هنا أيضاً لا أملك إلا أن أكون انتقائياً، لأن الانتقائية هنا تعني أن أدرس وأن أتأمل، وأن أستخلص بعد ذلك الدرس المستفاد.‏
الانتقائية هنا تعني شيئاً محدداً.‏
إنها تعني أن أية فكرة لا تكون صحيحة بالنسبة لي إلا بقدر ما تخدم وجودي القومي. وهي تعني أيضاً أن أية فكرة ليست صحيحة دائماً، وليست صحيحة بصورة كلية. إنها قد تكون صحيحة في بعض جوانبها، لكنها ليست صحيحة بالضرورة في بعضها الآخر.‏
ـ 2 ـ‏
في وقت من الأوقات، وقعت على نص يعلن فيه كاتبه بأن فرويد كان ديالكتيكياً.‏
وقبل أن أقع على هذا النص، كنت قد قرأت الكثير مما كتب عن فرويد. وكان واضحاً أن الفرويدية قد فهمت على غير حقيقتها بحيث أن مفكراً معاصراً أطلق ذات يوم صيحته القائلة: إن التاريخ لا يصنع في غرف النوم.‏
وكان هناك من يرى إلى الفرويدية على أنها مغرقة في الذاتية، وعلى أنها تهمل العوامل الأكثر أهمية في التطور التاريخي، وعلى أنها تغرق في شكل من أشكال التفسير الأحادي للإنسان والتاريخ، وعلى أنها تعلي من شأن الجنس إلى الحد الذي يجعلها تقول عن "الليبيدو" إنه المحرك الأساسي لكل النشاطات الإنسانية.‏
وقبل سنوات قليلة، ظهرت في أوروبا طبعة جديدة من كتاب شهير اسمه (فرويد وماركس).‏
وكانت الحقيقة التي وضع المؤلف يده عليها، هي أن نظرية التحليل النفسي ذات طابع جدلي لا يمكن إنكاره.‏
وكما تقول مقدمة الكتاب، فإن بزوغ وعي معين، أي مجموعة من الآراء في السياسة والعلم والدين وخلافه، أي ببساطة في الايديولوجيا، لا يمكن النظر إليه على أنه انعكاس لبيئة اجتماعية معينة، بل ينبغي النظر إليه باعتباره ناتجاً عن التفاعل بين البيئة الاجتماعية وبين حوافز ديناميكية وذاتية داخل الشخص المعين. وهذه النتيجة تتفق تماماً مع وجهة نظر كل من ماركس وإنجلز.‏
بل إن المؤلف يمضي إلى أبعد من ذلك عندما يعرض على القارئ نماذج من الطبيعة الجدلية لنظرية التحليل النفسي، وعندما يعلن أن كثيراً من الكلام الذي قاله إنجلز في بعض مؤلفاته إنما يتكرر بما يكاد يكون نصاً حرفياً في بعض مؤلفات فرويد.‏
وحين ظهر كتاب "أزمة علم النفس المعاصر"، للفيلسوف الماركسي الفرنسي (جورج بوليتزر)، فإن الدكتور مصطفى زبور الذي قام بمراجعة الترجمة العربية لهذا الكتاب، كتب يقول إنه ليس أقل مآثر (بوليتزر) شأناً أنه، وهو الفيلسوف الماركسي، هاجم علم النفس الرسمي في نظر الماركسية، وهو علم النفس القائم على الأفعال المنعكسة الشرطية، وقبل في الوقت نفسه القضايا الأساسية في التحليل النفسي، وهو العلم "البورجوازي" في نظر الماركسية الرسمية.‏
بل إن مقدمة هذا الكتاب تقول إنه على الرغم من أن فرويد لم يستخدم مصطلح الديالكتيك في مؤلفاته، فإن الصراع بين جوانب الشخصية، والتسوية بين القضية ونقيضها في جماعهما على نحو موفق هو الصحة، وعلى نحو غير موفق هو المرض، إنما هو نماذج واضحة لمفهوم الديالكتيك الشديد الثراء.‏
ـ 3 ـ‏
وليس يعنيني من ذلك كله غير أمر واحد، وهو أن الذين يغمضون عيونهم على قناعات ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، والذين يقعون في الظن القائل إن الكلمة الأخيرة قد قيلت، وأنه ليس بعد هذه الكلمة أي كلام، إنما يرتكبون خطأ فادحاً.‏
دعونا نقرر أن الكلمة الأخيرة لم تكتب بعد، ثم دعونا نقرر بعد ذلك أن هناك فرصة كبيرة لكثير من الكلام.‏
ـ 4 ـ‏
أنتقل بعد ذلك خطوة إلى الأمام فأقول إنه كثيراً ما تستوقفني ظاهرة أستطيع أن أرى إليها على أنها في منتهى الخطر والخطورة. هذه الظاهرة هي أننا لا نقرأ، وعندما نقرأ فإننا نختار القراءة السهلة.‏
قلة قليلة هي التي تقرأ، وقلة قليلة من هذه القلة القليلة هي التي تقبل على القراءات الصعبة.تعالوا إلى الكتب المنشورة بالعربية اختاروا أي كتاب تشاؤون، فأي شيء سوف تجدون..؟. لا شيء سوى أن أفضل هذه الكتب رواجاً لا يتجاوز عدد النسخ الموزعة منه رقماً متواضعاً جداً بالقياس إلى ماكان ينبغي أن يكون عليه الأمر. هذا الكتاب الرائج لا يوزع أكثر من ثلاثة آلاف نسخة فقط لا غير.‏
وليت أن الأمر كان على هذا النحو أو ذاك فحسب. هناك ماهو أخطر من ذلك. فالكتاب الرائج الذي يبيع ثلاثة آلاف نسخة لا يعني بالضرورة أنه أصبح مقروءاً من قبل ثلاثة آلاف قارئ، إذ ليس كل كتاب يقتنى يقرأ بالضرورة، فهناك بيننا من هواة اقتناء الكتب عدد لا بأس به.‏
وحين صدرت النسخة العربية من رواية باسترنال الشهيرة "دكتور جيفاغون"، فإن الذين بادروا إلى اقتنائها كانوا بالآلاف، لكن الذين أقبلوا على قراءتها كانوا أقل من ذلك بكثير. وكان هؤلاء الذين بادروا إلى اقتناء هذه الرواية، إنما فعلوا ذلك مدفوعين بتأثير تلك الضجة التي رافقت ظهور الرواية والتي جعلت مؤلفها يغدو ذائع الصيت، خلال فترة قياسية.‏
وما زلت أذكر كيف أن عباس محمود العقاد بادر وقتها إلى كتابة مقال في مجلة "الشهر" التي كانت تصدر في القاهرة في نهاية الخمسينات حاول فيه التمييز بين ثلاث كلمات وهي: الضجة والشهرة والتقدير. وكان العقاد يقول إن كل عمل أدبي أو فكري يحدث ضجة عند ظهوره، ليس دليلاً على أن شهرته قد طبقت الآفاق. ذلك أنه كثيراً ما يحدث أن هذه الضجة تبقى مجرد ضجة، ثم لا شيء بعد ذلك على الإطلاق. كذلك فإنه ليس كل عمل أدبي حظي بشهرة ما، قادراً على أن يحظى بتقدير مماثل، فالشهرة شيء والتقدير شيء آخر تماماً.‏
بهذا المعنى، فإنه ليس كل كتاب رائج مقروءاً بالضرورة. وأنا أعرف الكثيرين ممن تستهويهم عادة اقتناء الكتب دون أن تستهويهم عادة أخرى هي قراءة هذه الكتب.‏
لكن الأخطر من ذلك هو أنه ليس كل كتاب مقروء قادراً على أداء الغرض الذي كتب من أجله. وأنا أعرف بعضاً ممن تستهويهم عادة القراءة، لكن قراءتهم لا تعدو أن تكون ترويحاً عن النفس. وليست كل الكتب صالحة للترويح عن النفس، بل إنه ما أقل هذه الكتب وما أندرها.‏
ـ 5 ـ‏
ثم أنتقل خطوة أخيرة فأقول إن هناك من يدعو إلى مناهضة الفلسفة.‏
وهذه الدعوة لا تنطلق من نظرة مدققة تحاول أن تضع يدها على بعض الفساد الذي يمكن أن يحل بالتفكير الفلسفي في زمن من الأزمان، ولا هي تنطلق من محاولة لتجاوز الوضع الفلسفي الراهن من أجل وضع فلسفي أفضل. كل مافي الأمر هو أن هذه الدعوة تفهم الفلسفة على أنها نوع من اللغو والكلام الفارغ.‏
وفي وقت من الأوقات، وقعت على مقال يندد بالفلسفة ويعتبرها نوعاً من العبث الذي لا طائل منه، وصنفاً من أصناف الكلام المبهم الذي لا يفضي إلى شيء.‏
وفي وقت آخر، وقعت على كلام من نوع مشابه ينظر إلى الفلسفة على أنها اعتزال وتعال واغتراب وبعد عن الواقع وهروب من الحياة.‏
وأذكر أنني قرأت منذ مدة طويلة رأياً لكاتب عربي معاصر يفسر هذه الدعوة إلى مناهضة الفلسفة على أنها تعبير عن خلل ما أصاب التفكير الفلسفي فجعل الناس ينظرون إليه هذه النظرة العدائية.‏
والنتيجة التي يخلص إليها هذا الرأي هي أنه ماكان لهذه الدعوة أن تتحول إلى رأي عام وشعبي لولا أن الفلسفة أصبحت في وقت من الأوقات ترفاً عقلياً، وتعقيداً لغوياً، وخلافات شكلية، وتهميشاً على تهميش التهميش، وتنكراً للإنسان، وعزلة عن الحياة، وتناقضاً مع التقدم البشري، وتعالياً على المصير، وتغرباً عن مسؤوليات العصر وحقائقه.‏
وأعجب مافي الأمر، هو أن مناهضة الفلسفة ليست مقصورة على عامة الناس، وإنما هي تتسع لتشمل بعض الخاصة، أي بعض الذين يفترض فيهم حسن المتابعة والفهم. وتفسير ذلك هو أننا جميعاً اعتدنا حين نقرأ أن نختار النص الذي لا يحرمنا من متعة الاسترخاء، وأن نقتني من الكتب تلك التي لا تقض مضاجعنا ولا تزيد من درجة توترنا العقلي. أي أننا نفضل النص الذي لا يقطع علينا استرخاءنا الفكري، ونؤثر الكتاب الذي لا يحول دون ممارستنا لكسلنا العقلي.‏
ولعل ثمة سبباً آخر يفسر معاداة الفلسفة، وهو أن القراءات الصعبة، وقراءة الفلسفة صعبة بكل تأكيد، كثيراً ما تحدث في نفس القارئ ما يشبه الصدمة الكهربائية، بل ما يشبه الزلزال. بمعنى أن هذه القراءات غالباً ما تؤدي إلى زعزعة القناعات الراسخة، وهز الأرض من تحت الأفكار الثابتة، الأمر الذي تقاومه الطبيعة البشرية مقاومة عنيدة.‏
وفي وقت من الأوقات، ظهر في أوروبا من يروج لنظرية عرقية في تقسيم الشعوب إلى شعوب محبة للفلسفة وشعوب مناهضة لها.‏
وكانت هذه النظرية تضع العرب في صنف مناهضي الفلسفة لأنهم ساميون. والساميون مجبولون على معاداة العقل، ومفطورون بالتالي على مناهضة الفلسفة.‏
وبطبيعة الحال، فإن هذه النظرية لم يكتب لها البقاء لأنها في افتراضها وجود بنية عقلية ثابتة لا تتغير، خسرت فرصتها في إثبات جدواها. كذلك فإن هذه النظرية التي روج لها "رينان"، أخفقت في البرهنة على أن العرب لم يكن لهم فلاسفتهم في أيامهم الغابرة، خصوصاً وأن فيلسوفاً عربياً من طراز ابن رشد، كان له دائماً حضور خاص ومتميز في الفكر الفلسفي الأوروبي.‏
كل مافي الأمر هو أننا لا نقرأ، وعندما نقرأ فإننا نختار القراءة السهلة.‏
كل مافي الأمر هو أنه عندما نتخلى عن عاداتنا السيئة في القراءة، فإن آفاق التفكير الفلسفي سوف تنفتح أمامنا لا محالة. وآنذاك فقط نغدو من محبي القراءات التي تقض المضاجع، أي من محبي الفلسفة.‏


المُنـى 18 - 5 - 2010 01:45 AM

شكرا على نقل الموضوع وطرحه
بارك الله فيكِ

أزهار 18 - 5 - 2010 05:40 PM

لا احب اي شيء يقض مضجعي, و اكره الجدل , لا احب الفلسفة الاوروبية و اميل اكثر الى الفلسفات الاسيوية, ربما لو استفاض الكاتب في شرح الانتقائية كنا استفدنا اكثر.
الف شكر
دمت بود

جمال جرار 18 - 5 - 2010 07:04 PM

http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/29.gif


شكرا على الموضوع
وعلى هذه الجهود الرائعه

نشمي المنتدى

أرب جمـال 3 - 6 - 2010 04:37 PM

طرح موفق وموضوع قيم
شكرا عزيزتي

أبو يقين الكعبي 3 - 6 - 2010 11:05 PM

العزيزة بي هابي...
موضوع تحليلي رائع فصل مواطن القوة والضعف وحالة التقييم لقراءة الاعمال الادبية وقياس نجاحها وعوامل شهرتها..
شكرا لهذا الموضوع الجميل والممتاز...
تقديري واحترامي لك..
ابو يقين...


الساعة الآن 10:34 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى