منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   قصص بأقلام الأعضاء (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=6)
-   -   ذكريات جريح (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=13107)

عمرالقروي 2 - 1 - 2011 11:29 PM

ذكريات جريح
 
http://farm3.static.flickr.com/2635/...31e67f9cfd.jpg


زحف الضباب على العاصمة ليلا وطفق ينحشر رويدا رويدا نحو الاسفل حتى اذا ما استقر توقفت
نسائم الريح الباردة عن سحبه مكونة بذلك ضبابا كثيفا لم ينجل عنها البتة حتى خيل ان الضباب
الذي اكتسح الصباح ليل مستديم.
ثم هناك امر اخر يسترعي انتباهك رؤيتك العاصمة راسا فهي كالابراج المتملصة بهاماتها نحو السماء
وفي الاسفل منها مباشرة زخم من الابخرة المتراصة كانها حمم تغلي , استحالت اخيرا مع خيوط الشمس
المنسابة بين المباني الى رذاذ شبيه بالرش الذي تحدثه قنينة العطر ولا شيء اخر.
في هذا الجو الرديء الخانق المفعم برائحة الصنوبر, كانت الشوارع فارغة لا يتحسس فيها باية ضوضاء
ولا يصل اذنيك منها سوى قرع لبعض الاقدام التي تجوب الشوارع جيئة وذهابا او سيارات تئز الى حيث
العمل وقضاء الحاجات.
ثم لم تكن الحركة لتبقى على هذه الوتيرة خلال فترة الصباح فمن المؤكد ان تسترد انفاسها وتكسر السكون
الصباحي الرتيب واظن ان في مثل هذا الوقت لا احد يرغب في ان يفوت فرصة يومه , الا اذا كان الليل
للساهرين مجرد غفوة خاصة تحت تلك الاغطية المبطنة بالريش.
الساعة تشير العاشرة بالضبط امام مقهى الاحباب ركن "سي قدور" شاحنته ثم دفع الباب بمنكبيه ونزل
كان يلبس معطفا صوفيا ذا طوق طويل رص فيه رأسه كلية حتى لم يستبن منه الا البعض من خصلات
شعره النتصبة كالحلفاء شكل منفر حقا وغير مناسب, استطاع ان يدرك ذلك عندما نظر الى شكله من خلال
المرايا الزجاجية لواجهات المحلات فبالمقارنة للاشياء التي سقطت عيناه عنها كل شيء انيق نظيف وما دون
ذلك ففي القمامة حتى معطفه الرث.
وعلى النحو الذي اراد ان يبرر فيه لياقته قال:(مليحه) هكذا يجب ان نكون فالابهه للصغار اما الكبار
لمثل سني ان كانوا كذلك فمدعاة للسخرية وخلافا لهذا التقليد اهنت كثيرا اخص المناسبات ,ودون قصد
تذكر عمه الوقح وخرجاته المتعجرفة يا الهي كم اخافه ان وجدني متهندم.
لا اشك ان يفوت امرا كهذا بلا تعقيب , واذكر بالمناسبة مرة في احدى الولائم قال:(ماالذي يحمل
المرء ارتداء البدلة اما يعرف ان علامة الرجال لباس فضفاض,جبة او قشابة).
كان يقصدني على وجه التحديد -اجل,كان يقصدني-.
لشد ما كان ذلك قاسيا , اغتسلت عرقا وتمنيت لو انشقت الارض وبلعتني , ثم خطر له دون ان يدري
ان عمه ليس على حق , وان كان لا بد من النصيحة فلا احد ينتصح بهذا الشكل.
مشى متهلا اكثر من اللزوم حرصا منه على ان لا يقع في الخطا-هذا ما اخذه على نفسه- فكل شيء
امامه زجاجي والا...
دفع باب المقهى بحذر ودخل كان ثمة احد ينتظره هو يعرفه وليس من الاهمية بما كان ان يرحب به
مخافة ان يبوح بلفظه البدوي النتن الذي وان بدا فهو كمعطفه الذي لا يتفق وما رآه في واجهات المحلات
مع ذلك, كان يدرك تماما ان الكل يفهمه , جلس على الكرسي قبالة صاحبه وارتشف قدرا من القهوة
كان الوقت, الذي امضياه معا طويل.
عيناه كانتا وقتئذ تسترقان النظر للصورة المعلقة هناك ...هناك على الجدار المقابل ,الصورة تشبه بعض
الشيء للصورة التي حفرت بخلده ,القرية كما هي حقولها مسالكها مبانيها .
كانت تلك هي القرية الرابضة فوق المرتفع وهذا المسلك المحفوف بالسنابل هو الطريق الذي الف عبوره
رغم وجود مسالك اخرى بين رقع الحقول المتراصة .وبشكل انسياقي اخذته تفاصيل الصورة الى حيث لا يدري
هو ذا يضع عصاه على قفاه ماسكا اياها من الطرفين كان في حاجة لان يفعل ذلك وبالشكل الذي يريح
طرفاه من عناء السير وثقل اللباس, لقد كان يرى في كومة(القش) التي يلبسها صحة خاصة ان تبللت
عرقا , عيناه المشدودتان الى الامام كسائق سيارة كانتا تراقبان عن بعد لطخة تتحرك ببطء حيث المسلك
لم تكن بعيدة , شعر على نحو ما انه غير قادر على الرؤية ,خيوط دقيقة ادق من خيوط العناكب
تمر امام عينيه طبق جفنيه بعض الشيء ثم كبس عنهما بقوة وفركاهما ليرى بوضوح وكلما رآى اكثر
اثناء سيره احس ان المسافة بينهما تقلصت ومعالم الرجل زادت وضوحا واخيرا عرفه آه سي الصالح
ظننته شخص آخر وهذا المنجل بيديه كان ينزع الاشواك التي لطالما افسدت الغلة وادمت الفلاحين .
لوح بعصاه الى حيث الرقعة البيضاء التي كست المحصول عن غير عادتها وقال : انت لا تدري
ان الرياح الحارة (الشيلي) قد اضرت المحصول فما عسانا نفعل.
تنهد سي الصالح ودون تخمين اجاب ذاك لعمري ما يخيفني ... خمسة اشهر قضيت وانا انتظر الغلة
لاوفر خبزة السنة فما من سبيل للراحة وهذه السنين العجاف.
-اقدر ذلك واشاطرك المحنة فكلانا في الهم سواء(يا الله هذا ربي واحنا عبادوا) تبددت العزيمة وتضاعف
الفتور والياس ولم يعد قادرا ان يحصد شوكة لما اطلعه بما كان يحاول نسيانه , خرج متعثرا قيد سنابل
القمح الكثة تبادر كانه يشق طريقه امام جلسى المصلين ثم دس منجله بين رزم القصب الخضراء قرب
شجيرة حرمل كشارة وتابعا سيرهما نحو القرية .
كانت حرارة الشمس قد بدات في الانحدار وفوق السنابل الخضراء انتهت رقصات غيضها ايذانا بانتهاء القيلولة
المحطة الوحيدة التي تفتر فيها الاعصاب المشدودة من الضنك الذي تطاول على البسطاء واخذ منهم صحتهم
التي هي لديهم اعز ما يملكون وهذه الساعة الضيقة لاراحة اجسامهم تابعتها صيحات الزوجات والاولياء
من كبار السن يقرعن في آذان المنهوكين كي يشمروا على سواعد الجد اللامتناهي , كان الفلاح منهم
يشعر انه سجين محكوم عليه بالاشغال الشاقة امام هذه الخبزة المعجونة بدمهم , لكم كانوا يتمنون الراحة
ولو على حساب نزلة برد او مرض بسيط .
كان الصديقان مثقلين بالاتعاب وسيرهما نحو القرية كان اثقل وهذه الرائحة الفواحة قهوة تملا الفضاء
وتدغدغ الانوف تبعث رائحتها نشوة اشتهائها وان كنت لا ترغب , وهنالك ليس ببعيد وتحت تلك الرابية
حيث انخفضت الارض مستنقع اقل من نصف هكتار ما يزال يحتفظ باخضراره ربطت فيه بعض الاحمرة
لتجرد رقعتها وتمرغ فيها بعيدا عن اعين الصبية تتلذذ بقليل زائل خير لها من ان تشقى بنعيم دائم.
دلف الصديقان القرية ذات المداخل المتعددة والبنايات المتداخلة وحين اجتازا شوارعها المملوءة ببقايا النباتات
اليابسة ورث الدواب الذي دكته حوافرها , كانا قد وصلا البيت وخارجها استلقيا حيث الظل ثم طلبا
قهوة وراحا يبوحان هموميهما وكأنهما التقيا الساعة .
وضع الطفل الابريق بينهما ثم غفل عائدا , كان قدور يعرف جيدا ان سي الصالح ليس له ابناء بهذا
القد فساله مستغربا عما اذا كان هذا الولد ابنه فاجابه انه ابن اخته فقط وبنبرة حادة قال قدور : خيرة
انا نفسي لا اصدق انها هنا .
-ولماذا؟
-انه لا تزاور بينكم الا اذا استجد ما يدعو عكس ذلك .
-لا شيء لا شيء زيارة عادية فقط.
- كيف تقول عادية فقط ارجوك وضح.
مسك سي الصالح العصا مسكة قلم ثم قبل ان يخط على الارض قال : اصارحك بالحقيقة وارجوا ان يدفن
كل ما اقوله هنا.
-بكل تاكيد والله.
ثم خط سي الصالح على الارض وقال : اعتقد ان لا تفاهم بينهما فهو عنادي فوق اللزوم وهي قريبة من ذلك
ثم هي من الاول لم تقبل بهذا الزواج لشعور ما انها تزوجت غصبا , والثالثة والله اعلم بما يخفيانه .
قال هذا عندما عاود تمرير العصا بشكل متكرر وكانه يريد ان يقول هذا هو الاصح .
ايقض ما حصل لهما نارا كادت ان تخبوا من الدفء الذي امضياه معا لم يكن ينقص زواجهما سوى عقد
قرانيهما لوما تلك الهدية اللعينة التي احدثت شرخا عندما سعت البراءة بدافع الصدق ان تستر الهدية حسب
طريقتها الى حيث موضعها فوصلت الى ايدي الكبارفكانت الجراحات لا تندمل على مر السنين....


شيماء يوسف 2 - 1 - 2011 11:51 PM


حنان عرفه 2 - 1 - 2011 11:56 PM

يااااااااااااه ياعمر
لقد عشت احداث القصة وشممت رائحة القهوة ورأيت الحقول وكومة القش
حتى هو وثيابه الرثة
وعند قراءتي لهذا الجزء
ايقض ما حصل لهما نارا كادت ان تخبوا من الدفء الذي امضياه معا لم يكن ينقص زواجهما سوى عقد
قرانيهما لوما تلك الهدية اللعينة التي احدثت شرخا عندما سعت البراءة بدافع الصدق ان تستر الهدية حسب
طريقتها الى حيث موضعها فوصلت الى ايدي الكبارفكانت الجراحات لا تندمل على مر السنين....


رأيت لمعة في عينيه إنعكاسا لفرحة في قلبه لإحياء الحلم القديم لربما يتحقق
رائعة قصتك عمر
أنتظر المزيد عزيزي
دمت بود بحجم الكون

الآماكن 3 - 1 - 2011 12:50 PM

مشكور يا عمر على الطرح لذكريات مؤلمة
لك مني اجمل تحية
يعطيك العافية

B-happy 3 - 1 - 2011 02:07 PM

رائعه ايها القاص الكبير
ننتظر قلمك ان يفيض علينا بمثل هذه القصة الجميلة
تحياتي لك
سيتم نقلها بعد اذنك الى قسم القصص لأن هذا القسم خاص بالسيده ارب جمال مع خالص القدير لك

عمرالقروي 3 - 1 - 2011 10:35 PM

لي عودة مرة اخرى
شكرا شيمو علىhttp://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/78.gif وجدك بهذه القصة أرجو أن تروق لك
تقديري ومحبتي
عمر

عمرالقروي 3 - 1 - 2011 10:39 PM


يااااااااااااه ياعمر
لقد عشت احداث القصة وشممت رائحة القهوة ورأيت الحقول وكومة القش
حتى هو وثيابه الرثة
وعند قراءتي لهذا الجزء
ايقض ما حصل لهما نارا كادت ان تخبوا من الدفء الذي امضياه معا لم يكن ينقص زواجهما سوى عقد
قرانيهما لوما تلك الهدية اللعينة التي احدثت شرخا عندما سعت البراءة بدافع الصدق ان تستر الهدية حسب
طريقتها الى حيث موضعها فوصلت الى ايدي الكبارفكانت الجراحات لا تندمل على مر السنين....


رأيت لمعة في عينيه إنعكاسا لفرحة في قلبه لإحياء الحلم القديم لربما يتحقق
رائعة قصتك عمر
أنتظر المزيد عزيزي
دمت بود بحجم الكون
إنتقاءات رائعة من النص
كتبت ماعجزت أن أرد لك بمثله
طاب لقيانا
عمر
</b></i>

عمرالقروي 3 - 1 - 2011 10:42 PM

مشكور يا عمر على الطرح لذكريات مؤلمة
لك مني اجمل تحية
يعطيك العافية
الاماكن
أشكرك على العطر الذي تناثر هنا من يدك
لاحرمني الله طلالتك البهية
تقديري واحترامي
عمر
</b></i>

عمرالقروي 3 - 1 - 2011 10:47 PM


رائعه ايها القاص الكبير
ننتظر قلمك ان يفيض علينا بمثل هذه القصة الجميلة
تحياتي لك
سيتم نقلها بعد اذنك الى قسم القصص لأن هذا القسم خاص بالسيده ارب جمال مع خالص القدير لك

ممتن أيتها الغالية
لك مني طيب السلام حتى مطلع الفجر
عمر
</b></i>


روح الياسمين 4 - 1 - 2011 08:41 PM

الأديب والقاص عمر القروي

~ قصة بها جراح ارجو من الله ان تندمل
لك كل الود سيدي وبانتظار قصصك
راق لي اسلوبك~


الساعة الآن 06:41 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى