منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   يّا نُطارد الدهشة في كتاب " أوقات جميلة لأخطائنا النضرة " لزياد خداش (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16123)

المفتش كرمبو 20 - 5 - 2011 10:59 AM

يّا نُطارد الدهشة في كتاب " أوقات جميلة لأخطائنا النضرة " لزياد خداش
 
http://www.brqoq.com/ziyadkh1.jpg
القاص زياد خداش
عن مؤسسة عبد المحسن القطان صدر مؤخرا للكاتب و القاص الفلسطيني زياد خداش كتابه الموسوم " أوقات جميلة لأخطائنا النضرة ". يقع الكتاب في 143 صفحة من القطع المتوسط، موزعا عليها ستة عشر نصا يتحدثّ فيها عن تجربته في تدريس الكتابة الإبداعية في مدرسة أمين الحسيني برام الله، قدّم الشاعر و التربوي وسيم الكردي الكتاب نافيًا في بداية مقدمته ذواء " جذوة الشغب القصصي لدى القاص زياد خداش حين يكتب بعضا من تجاربه في مهنة التدريس من موقعه كمعلم ".
جاء إهداء الكتاب إلى " هيفاء " بطلة قصة " شتاء في قميص رجل "* و التي ترمز إلى الطفولة و الوطن و الذكريات و الحلم المستمر.

و لأن غلاف الكتاب هو العتبة الأولى للنص فانه رُسم على شكل ورطة بريشة الفنان الفلسطيني الشاب جاد سلمان، الورطة يفسرها الكاتب في أضاءته قائلا : " أنا لستُ رجلا تربويا أبدا، و لم أحلم يوما أن أكون مدرسا، تورطُت في المهنة، و ما زلت بسبب انعدام الخيارات..." ( إضاءات: (ص7)


عنوان الكتاب و معظم عناوين النصوص نجدها عبارة عن جمل اسمية، و قد أراد الكاتب أن تكون عناوينه على هذا النحو لقوة الدلالة الاسمية* من ناحية و لأنها أشد تمكنا و اخف على الذوق السليم من الدلالة الفعلية من ناحية أخرى. أما من الناحية الدلالية فالكاتب أراد بهذا العنوان أن يتلاءم مع القضية الأساسية التي يطرحها و يعالجها في الكتاب و التي تدور أحداثها و مشاكلها في المدرسة و أبطالها هم أستاذ مادة اللغة العربية (و هو الكاتب نفسه) و طلابه الانتحاريون(كما يصفهم الكاتب في كتابه.

المفتش كرمبو 20 - 5 - 2011 11:02 AM

الأوقات الجميلة هي تلك الأوقات التي يقضيها الأستاذ مع طلابه في المدرسة أو خارج أسوارها حين يتمردون و يقفزون عن السور طائرين إلى الجبل المجاور لها كي يتناقشون مع بعضهم البعض و يحللون أخطاءهم النضرة و إيجاد الحلول الحداثية لها كما حدث مع الطالب أيمن في ( حكاية أيمن الطالب المذعور الذي ضبط في الصف يتحسس جسده : (79)

المعلّم المغامر و انقلاب طلابه في كتابه " الرواة على بيدر الحكمة " اعتبر الناقد إبراهيم السعافين أن زياد خدّاش من جيل المغامرات المفتوحة الذين انطلقوا من واقع التجريب، حيث إنه كتب عن الحياة السيئة و الواقع المرير الذي يعاني منه الفلسطيني بشكل خاص و العربي بشكل عام. و تتجلى شخصية زياد المغامر في زياد المعلّم الذي يرفض بشدّة القوانين المدرسية الصارمة و التي تكتم أنفاس الطلاب الأبرياء و تحطّ من قدرهم بطريقة و بأخرى، مما يدفعهم إلى أن يقترحوا على أستاذهم " احتلال المدرسة " و السيطرة على كل ممتلكاتها، بداية من الميكرفون و الطباشير و المقاعد المرصوصة في الصفوف و الكتب المقررة حتى العنف المتمثل في البرابيج !، من هنا ينقلب الطلاب على مدير المدرسة و يسجنونه مع بقية الأساتذة في مكتبه خلال اجتماع إداري مع هيئة التدريس في المدرسة ( طلابي الانتحاريون يحتلون المدرسة: (ص 105)

الطيران و القفز عن سور المدرسة
تتكرر كلمات و ألفاظ التمرد في نصوص الكتاب بشكل متعمد و أحيانا عفوي يفيض من روح المعلم المتذمر الذي" تورط في مهنة التدريس بسبب انعدام الخيارات" (ص7). كان القفز و الطيران من أهم الألفاظ الفعلية المتمردة: حرب، جنون،كسر، خيال، عصيان، تخريب،إطاحة، جنود،.. إلخ. و كلها ألفاظ تدل بوضوح على الإرادة القوية و العصيان ضد القوانين المدرسية الإلزامية :

المفتش كرمبو 20 - 5 - 2011 11:03 AM

يا أعزائي إنها حرب أخرى سنخوضها هذا العام " ( ص23)
"
قررت أن أبدا بشن أول المعارك بالتعاون مع جنودي"
(ص31)


"
انصرفت متأبطا حربي إلى غرفة المعلمين " ( ص 42)
"
قلت لهم: اقفزوا ورائي واحدا تلو الآخر، مع صيحة يطلقها كل قافز تعبر عن فرحه بالتحرر من الجدران،
قفزت أمامهم، مع صيحة فرح وحشية، قفزوا ورائي، مالئين الدنيا صياحا.." ( جماليات التخريب و سحر اللامتحقق: (39)

"
سنطيح بطريقة التفكير القديمة " (ص51)
" هيا نرتكب خروجا عن العادي و اليومي" (63)
" قال سعيد: سنقفز عن السور كما فعلنا في السابق.." ( ص84)

مشروع الرؤية المجنونة للعالم.. و الحلم بالمستحيل
مشروع الرؤية المجنونة للعالم هو مشروع تربوي حديث أكثر مما هو فنتازي ابتكره المعلم/الكاتب ليتعامل مع طلابه بطريقة رائعة يملؤها الحلم و الخيال، يخترعون مع بعضهم البعض العالم المدرسي الحر فيحضرون أقفاص العصافير إلى الصف ليطلقوا سراحها من نوافذه المحفورة في جدران تشبه السجن المرعب ( ص 100).. و يرسمون على السبورة غابة فيها اسود و فيلة و نمور و غزلا ( ص 64): " قلت لهم رائع جدا يا أصدقائي" ، " شرع الطلاب بحماس شديد بتغيير معالم الصف، اخرجوا المقاعد من الصف، بدأو يقصقصون الأوراق و يشكلونها على شكل أزهار و سناسل و صخور و أشجار و نمور و أسود " "و هكذا لم يعد الصف صفا..".
هذه المدرسة كثير من الطلاب يحلمون بها، و لكن تظل أحلامهم مستحيلة لا تتجاوز حدود الخيال. تكمن متعة الحلم في استحالة تحوله إلى واقع متحقق، لأنها لو " تحققت هذه الأحلام لفقدت كونها أحلاما، لفقدت جمالها و غرائبيتها الخاصة، لأصبحت واقعا مملا.."( ص 45).. المعلّم يفك أسر طلابه من الصف و من الضجر ، فيتنصّل من شخصيّة الأستاذ المتعجرف و لأول مرة يحلق مع طلابه في سماء الحلم و لعبة الخيال و تكوين الكلمات، يبدأ معهم بتعريف الكتابة الإبداعية، ثم يكون ذلك سلم الصعود إلى الكذب و القفز خلف سور الكتابة/المدرسة ( انظر نص: تجربتي في تدريس الكتابة الإبداعية للصف السابع، الكتابة كبحث خلف السور: ص 15 )،(ص32)،( ص 57)..

المفتش كرمبو 20 - 5 - 2011 11:03 AM

مجزرة الخيال و إعدام المخيّلة في منهاج اللغة العربية الفلسطيني لا يغفل زياد خداش المعلّمُ الكتابَ المدرسي المقرر عليه و على طلابه، فينقد منهاجه و عقل من صاغه: " فالعقل الذي صاغ هذا المنهاج هو العقل نفسه الذي صاغ منهاج السابع و السادس، فليس من المعقول أن يتطور العقل فجأة ليصبح منهاجا مختلفا، يعتذر عن سطحيته السابقة " ( حرب ضد اليباب، حرب ضد السطح: ص 23 )، و يسخر من واضعي المنهاج: " نحن شاكرون لكم جدا إعطائنا المعلومات القيمة حول قواعد اللغة العربية، و قواعد الإملاء و الخط، هذه مهارات نحن ملتزمون بها تماما. و لكننا لن ننصاع لتوجيهاتكم بخصوص طرق التفكير، و آليات مناقشة الدروس، و في مضامين التعبير الخاوية و المملة و القاتلة للمخيلة " " لن نقول لهم ذلك بصوت عالٍ، سنهمس ذلك همسا حتى لا يسمعوا. ها ها ها ها " ( ص 25 ). و يؤكّد ضرورة وجود الخيال و قابلية التخيّل و التأويل و التفكير في دروس كتاب اللغة العربية، فأسئلة الكتاب لا تثير التفكير في ذهن الطالب، دائما هي مكررة و روتينية : " أين هي الأسئلة التي تدفع إلى جو ذهني يثير التفكير، هل سؤال من نوع ( أُذكر و لمن و بيّن ) يثير تفكيري. و حتى لو اعتبرنا أن هذا النوع من الأسئلة يثير التفكير، كيف يمكن أن يثار تفكير شخص ما لا يمتلك مخيلة، و إن امتلكها فهي كسيحة و عاجزة ؟ فكلمة المخيلة أو الخيال لم ترد في مقدمة المنهاج أبدا، هذه الكلمة الضائعة و المغيبة يفترض فيها أن تشكل فضاء العملية التعليمية كلها " ( ص 27). و يعتبر الكاتب أن غياب هذه الكلمة " مجزرة "، إذ يلقي بسبب المشكلة في ذلك على عاتق صائغي المنهاج و هي: " غياب إيمانهم بأهمية تقديم نصوص تحتمل تأويلات متعددة " ( ص 29) كما في قصة زائر المساء لخليل السواحري. و الكاتب لا يلومهم في ذلك بل يعذرهم : " فهم ضحايا تربية عقيمة و أساليب بالية و رؤى قديمة " (ص31)

هيّا نطارد الدهشة !
الكتاب يعجُّ بالأحلام الصاخبة، و الشغب و الطلاب و المعلمون. نقرأ فيه التمرد على القوانين و الانقلاب على القديم، و لا ننسى فيروز، سنقرأ صوتها مكتوبا بلغة زياد خداش.. هذا الساحر المجنون!

ـــــــــــــــــــــــــ
*
شتاء في قميص رجل: عنوان قصة من مجموعته القصصية خذيني إلى موتي
*
محمد عويس محمد : العنوان في الأدب العربي، النشأة والتطور

زياد خداش :قاص وكاتب فلسطيني مقيم في مدينة رام الله، ويعمل مدرسا في مدرسة أمين الحسيني، وله العديد من المجموعات القصصية المنشورة.



الساعة الآن 02:18 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى