منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   فلسفة وعلم نفس
علم ما وراء الطبيعه والقوى الخارقه
(http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=75)
-   -   عندما انحنى نابليون أمام غوته (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1327)

قلب., 18 - 11 - 2009 01:33 AM

عندما انحنى نابليون أمام غوته
 


------عندما انحنى نابليون أمام غوته -------
الروح مقابل الفكر



قال نابليون بونابرت لمستشاره الأول تاليران وقد انتصرت فرنسا على أمم أوروبا وباتت تدّق أبواب موسكو: إنّ أوروبا لا ترضيني! إنني أتطلع إلى آسيا وستكون استنبول محطتي التالية!
ملوك وأمراء أورِوبا دانوا لهذا الامبراطور الفرنسي الكورسيكي الأصل ومن عائلة كانت الايطالية لغتها الأولى. ولكنّه عندما مرّ بجيوشه في البلاد الألمانية، طلب من معاونيه أن يقف ليعرّج على الأديب الألماني الكبير يوهان غوتيه المقيم في ولاية ويمار. كان نابليون قد قرأ رواية "آلام الفتى فرتير" لغوته وتأثـّر بها كغيره من الأوروبيين ولاقى شرفاً كبيراً في أن يقابل مؤلفها!!
كانت جيوش الامبراطورية الفرنسية تحتل البلاد الألمانية بكاملها ولكنّ نابليون وقف متواضعاً وضعيفاً أمام عظمة الثقافة المتجسدة في شخص غوتيه.
تحدد موعد الامبراطور مع غوتيه في بلدة ارفورت الألمانية، حيث كان نابليون كعادته في الحملات العسكرية العديدة قد اتخذ لنفسه قاعة في مكان اختاره مساعدوه يمارس فيها سائر شؤونه من تناول طعام الفطور إلى النوم ولقاء جنرالاته وتوقيع الوثائق واصدار الأوامر وصولاً لإبلا خوض الحوارات الفلسفية والثقافية.
ولم يكن غوتيه جاهلاً بسيرة نابليون بل هو تابع صعوده في السنوات الأخيرة من مجرد ليوتنان في الجيش الفرنسي إلى امبراطور يسيطر على معظم القارة الأوروبية. ولقد دوّن غوتيه في مذكراته أنّ لقائه بنايلوين كان من أهم الأحداث في حياته بل كان معجباً بهذا العبقري الفرنسي. وبالمقابل كانت معلومات نابليون عن الأديب والشاعر الألماني ضئيلة باستثناء مطالعته لرواية فرتير ومعرفته لبعض الطرائف عن غوتيه التي طالعها هنا وهناك في صحف باريس.
ولكن الرجلان كانا صاحبي بصيرة ثاقية، من النوع الذي يكتفي بالنظر في عيني الانسان لدقيقة ليعرفا كل شيء عنه. إذ كان نابليون يتناول طعام الفطور وأمامه طاولة ضخمة بيضاوية الشكل وعلى المائدة معاونيه تاليران ودارو، عندما فتح الباب ورفع نابليون ناظريه ليرى غوتيه واقفاً هناك بشموخ. فترك فوطته بعجل ودعى الزائر الألماني للدخول. ومرّت دقائق في صمت ثقيل ونابليون يحدّق بغوتيه الجالس أمامه باعجاب. أمامه رجل فاق الستين، الأكثر رفعة بين قومه، تحيطه هالة الجمال وفي قمة عطائه، ومن وجهه وعينيه يشع انسجام روحي واضح علامة رضى الحكيم الفيلسوف. نابليون هذا الذي وقف مخاطباً جيشه أمام أبو الهول في مصر "40 قرناً من الزمن تطل عليكم يا أبناء فرنسا"، لم يجد ما يقوله في حضرة غوتيه.

وأخيراً فتح نابليون فمه وقال بتأثر بالغ وهو ينظر إلى مساعديه ويمسح فمه بالفوطة: "هذا انسان!!".
Voilà un homme!!
كانت هذه اللفظة هي أعظم لقب يمكن أن يمنحه نابليون في كمال الجنس البشري. ونزلت الكلمة كالسيف، نطقها نبي بشعور عميق اخترق قلوب الأشخاص الأربعة وأضاء القاعة ليفصح عن اعتراف شبه الهي لعبقري بأخيه في العبقرية. وكأنّ تلاقي قوّتين اساسيتين في الطبيعة التقتا كسواعد البرق بين الغيوم فتعرفتا والتحمت أطراف أصابعهما رغماً عنهما لتشكلان برقاً عظيماً.
لقد جمعت تفاصيل هذا اللقاء من سيرة هؤلاء الأربعة ولكنها نتف غير منظمة. حيث ابتدأ نابليون بتثمين رواية "ورتير" (التي لا يعتبرها غوتيه من أعماله الكبرى مقارنة بـ"فاوست")، وعلـّق نابليون: ولكني لم أحب خاتمة الرواية!".
أجاب غوتيه: "أصدق ما تقول يا سيدي. أنـّك من النوع الذي يفضل الروايات التي لا نهاية لها!".
وبلع نابليون ريقه على هذا التهديد الفكري المبطن من غوتيه، وتابع مشيداً بالرواية ومنتقلاً إلى الأعمال الدرامية في فرنسا مظهراً أنّه مطلع كفاية على الفن التراجيدي وأنّه متعمق في الأدب والشعر والمسرح. وبعد نصف ساعة من حديث طغى عليه كلام نابليون، صمت الامبراطور قليلاً وسأل ضيفه أسئلة عابرة وكأنـّه حديث بين قائدين متساويي الأهمية: "هل تعجبك المعيشة هنا يا سيد غوتيه؟".
وأجاب غوتيه: "جداً جداً!! واتمنـّى أن تكون الأيام المقبلة مفيدة لبلدي".
نابليون: "وهل شعبكم سعيد؟".
وشرح غوتيه الأوضاع المعيشية في ألأمانيا وفي ولاية سكسوني تحديداً. ولم يكن نابليون ليكترث لهذه التفاصيل بل كان يحاول أن يكسب صداقة غوتيه فلعل هذا الأخير يكون مفيداً له ويكتب عنه شيئاً يخلـّده التاريخ، وفكـّر نابليون في امكانية أن يكتب غوتيه سيرته الذاتية كقصة قيصر اميبراطور الرومان. وهذا بنظر نابليون انجاز عظيم يقدمه للشعب الفؤنسي أعظم من أي معركة عسكرية خاضها وانتصر فيها. وتطرّق بخجل لهذا الموضوع سائلاً غوتيه: "لماذا لا تكتب قصة "مصرع قيصر" بطريقة أفضل وأكثر قيمة مما كتبه فولتير؟ ربما سيكون هذا أعظم عمل تكتبه في حياتك. وسيكون هدف السيرة هو ابراز أهمية قيصر وكيف كانت مشاريعه وأفكاره ستؤدي أكبر خدمة للبشرية لو فسح له المجال والوقت لتنفيذها. تعال معي إلى باريس! أرجوك أن تفعل ذلك! هناك ستجد كل ما تحتاجه من مواد وأبحاث ومعلومات مما سيخصب خيالك المبدع".

وأجاب غوتيه بلباقة: "لا شك عندي يا سيدي الامبراطور بأنّ عرضك سيسعدني كثيراً وأنـّه عمل يستحق الجهد. ولكني لست في موضع يسمح لي بالقبول".
وفكـّر نابليون أنـّه دفع الفكرة إلى حدها الأقصى ولا يجب أن يضغط على غوتيه أكثر من ذلك، فغوتيه ذكي وسيدرك فوراً الطابع الشخصي الذي يتخذه عرض نابليون. وتضايق نابليون أن غوتيه لم يطلب منه شيء وأنـّه تفوق على سائر زعماء أوروبا أو من كبار القوم الذين التقى بهم. وشعر بالوضاعة أمام غوتيه الذي لم يتوسع في الكلام أمامه عن أدبه وثقافته وكأنـّه لا يهمه أن يبرز ويشع أمام امبراطور أوروبا. فاتجه الحديث إلى المسرح في فرنسا والأعمال التي يهتم بها نابليون وعدد المسارح وحفظه لنصوص ومقاطع خالدة من أعمال مسرحية.
ثم انصرف غوتيه من حضرة نابليون تاركاً أعمق الأثر في نفس القائد الفرنسي. أيهما أعظم: المثقف الأديب المتواضع المنصرف عن متع الدنيا كالسلطة والمال، أم الامبراطور نابليون الذي شعر بضآلة روحه أمام الفكر؟

////

أوقفوا هذا الكون .. أريد أن أنزل

Mr.who 31 - 1 - 2010 11:38 PM

اشكرك على الموضوع
سعدت بالمرور بصفحتك

ليمار 1 - 2 - 2010 12:56 AM

قلب
موضوع رائع
سلمت يداك لك تقديري
ليمار


الساعة الآن 03:00 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى