منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم العام (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=244)
-   -   الطبعُ غلاّب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=36352)

أرب جمـال 5 - 12 - 2015 01:02 PM

الطبعُ غلاّب
 


السائِسُ والمَلك:
يُحكى أنّ مَلِكًا سَمِعَ سائِسَ خَيلِه يَنتَقِصُ مِنْ فَرسهِ "الأصيلَةِ "، فسألَهُ غاضبًا:
- كيف عرفتَ، أيّها المَعتوهُ، أنّ فَرسي ليستْ أصيلَةً؟!!
قال السائسُ:
ـ جلالة الملك، إنّي أعمَلُ في سياسةِ الخيل مُنذُ طُفولتي، وأعرفُ جيدًا أنّ الخيلَ الأصيلةَ لا تأكلُ منَ العلفِ إﻻ أجودَها، وإذا أكلت فلا تأكلُ إﻻ من "عليقةٍ"، أو وهي مرفوعةَ الرأس، أما فرسُكَ، ياسيدي، فإنها تأكلُ كما تأكلُ "الحمير"، وتشتهي الأزبالَ، وترعى كالجحوش لا كالخيول!!
زاد غضبُ الملك مِن سائسهِ، واستهزأ بمقالتِه وأمرَ بسَجنِه، ثمّ أمرَ حُرَّاسَهُ أن يمتنعوا عن إطعامه إﻻ بأمر شخصيٍّ منه.
وصادَف أن كانَ في مجلس الملك رجلٌ حكيم سمِعَ ما دارَ بين الملك وسائسه، فقال للملك بعد أن هدأ روعه:
ـ لماذا، ياجلالة الملك، لا تتأكد من قول سائسك، وتتقصى حقيقةَ أصلِ فرسِك؟
فأرسلَ الملكُ على حاجبهِ، وأمرَه بالتقصّي والتحقق من الأمر.. وبعد أيام أخبر الحاجبُ الملكَ بما وصل اليه، فقال:
ـ لقد صدق السائس، يامولاي، فسائِسُ خيلِكم السابق كان يربطُ حمارَته في الإسطبل الملكي قرب فرسكم حين كانت لازالت رضيعة، وكانت ترضع من ثدي تلك الحمارة، حتى اشتدّ عودُها، وصلبتْ عظامُها.
ندِمَ المَلكُ عَلى حَبس السائس، فأمرَ بإطلاقِ سراحِه، وأحضرَه إلى مجلسه، وقال له:
ـ أنت رجلٌ ذكيٌّ وحكيم، وقد قرّرت تعيينَك مسؤولاً عن جناح زوجتي الملكة، وراعيًا لمصالحها، وأمرتُ بمكافئتك بأن يُقدم لكَ نِصفَ دَجاجةٍ في غدائِك، ومثلُها في عشائك، بشرط أن تختبر زوجتي، وتوزنها بميزان حكمتك وفراستك، وقد أمهلتُك عشرة أيام لتُنجزَ المُهمّة.
ذهب الرجلُ إلى ما كلّفه بهِ ملكُه، وحين انتهت المُهلة طلبه الملك فلم يجدهُ، فأمرَ حُرّاسه بالبحث عنه، وإلقاء القبض عليه.. فوجدَه الحُرّاس مُتخفيًا يُريد الهروبَ من المدينة، فاحضروه إلى قصر الملك مُكبلا بالقيود.
ـ لماذا هربت يامجنون؟! سأله الملك.
ـ كلَّفْتَني جلالتُكم بما لا أُطيقُ، وأخافُ أنْ يُغضبَك قولي في زوجتِك الملكة!! ردّ السائِسُ.
ـ ويحك، أفي الملكة عيبٌ، وهي بنتُ الأمراء، والشيوخ، والسادات؟!!
وبعد أنْ أمَّنَهُ الملكُ من العُقوبة والغضب، قال السائسُ:
ـ من قال لك أن زوجتَك سليلةُ أمراءٍ فقد خَدعكَ. صحيحٌ أنّ تَصرفاتِها تصرفاتُهم، وطباعَها طباعُهم، لكنها ليستْ من نَسبِهم.
ذُهل المَلك من قولَةِ سائِسهِ، وأمرَ بإحضارِ أبَوَيْ زوجتِه، وأغلظَ عليهم الأَيمانَ، وأمَّنَهُم من العقاب إنْ قالوا الحق فقالت المرأة:
ـ إنّ أباكَ، يامولاي، كان رجُلاً غَضوبًا، قاسيًا، وأراد بمصاهرتِهِ إيّانا أنْ يُوطّد حُكمَه، ونحنُ أُمراءُ البلاد وسادتُها، وكانت لنا ابنةٌ لم تبلغ من العُمر سَنتان، خطبها لك، وأوقفَها عليك، لكنّ الأقدارَ شاءَت أنْ تهلكَ بنتُنا بعد أسابيع، وخاف أبوها أن يُخْبَرَ أبوكَ الملكُ بالأمر، فيظنّ أننا نتهرّب من تزويجها بكم، فيأمرُ بقتلنا، ومُصادرة أموالنا، وكان في أطرافِ المدينة قريةٌ يعيش فيها الغجرُ، فعرضنا عليهم شراءَ إحدى بناتِهم كي تحلَّ مَحلَّ ابنتِنا، فاشترينا صبيةً بنفس عمر ابنتنا الهالكة، وتعهدناها بالرعاية والتربية والتعليم، كما تُربى بناتُ الأمراءِ والمُلوك، ثم زففناها إليك، ياسيدي ،وهي في الحقيقة بنتُ الغَجر وتربية الأمراء!!
صُعق الملكُ من هذا القول، وسألَ السائسَ عن كيفيّة معرفتِه بالأمر، فقال السائسُ:
ـ ياجلالةَ الملك، حين عهدتَ إليّ بالأمر وجدت زوجتَك الملكة فيها طِباعُ المُلوك وتصرفات الأمراء، لكنّ حركاتِها وسكناتِها ونظراتِها كانتْ تشيرُ إلى أنّها من منبعٍ غير منبعِ أهلِ الشرفِ، وكانت لها من وضاعة المِخْبر، وقِلةِ الحياءِ ما يدلُّ على الأصل والجذر.
قال الملك:
ـ أيها السائسُ، لقد أمرتُ بتكريمِكَ، ومُكافئتِك لحِكمتِكَ ورجَاحَةِ عقلِكَ، وقد أمرتُ الخدمَ أن يقدّموا لكَ لحمَ الغنم في وجبة الغداءِ والعشاء، لكنّي أريدُ مِنك أمرًا أخيرًا، هو أن تَزِنَني، وتُعرّفني نفسي بميزان حكمتك.
قال:
ـ اعفني، يامولاي، فإنّ في هذا هلاكي، ولا أظنُّك تصبرُ على قولي.
قال الملك:
ـ بل تقولُ ما عِندَك، وإﻻ ففي صمتِكَ هلاكك، وفي قولك أمانك.. ما ترى في مليكك؟
وألحّ عليه إلحاحًا شديدًا.. قال السائسُ، بعد أن طلبَ أن يختليَ بالملك:
ـ أظنُّك، ياسيدي، لستَ سليل الملوك، ولا من نسبهم، وقبل أن تأمرَ بقتلي وهلاكي تيقّن مِمّن عندَه الخبر اليقين.
اسرع الملكُ، وهو غاضبٌ مذهولٌ، إلى أمّه ليسألَها عن قَولَةِ السائسِ وظنِّهِ، وأغلظَ لها الأيمانَ، وتوسّل إليها بمحبتهِ ومنزلتِه عِندها.. حينها، بكت المرأةُ وقالت:
ـ يابني، لقد كان أبوك عَقيمًا، وكانَ يُلحُّ في طلبِ الولد، فأكثر من الزواج، وكان كلما انتهت سنة على زواجه من أيّ امرأة، ولم تحبَلـ يأمرُ بقتلها، ويتزوّج الأخرى... حتى تزوجني أبوك، وانتظرتُ أن أحملَ مِنهُ لأشهرٍ دون جدوى، وكنتُ أعلمُ أنّه إن بلغَ زواجُنا السنة فأني هالكةٌ لامحالة. وقبل أن تنفذ المُهلة، ويأتي الأجلُ راودتُ طبَّاخَ القصرِ، وقاربني، فحملتُ بك، وولدتُك، فأمنتُ الهلاكَ، وكسبتُ الحياةَ والسلطنة.
رجعَ الملكُ إلى سائسهِ، وهو متألمٌ، ومُندَهِشٌ منْ حِكمته وفِراسته، فقال له:
ـ ما فعلتَهُ بي لأمرٌ عظيمٌ، وأني قاتلُكَ الساعةَ إنْ لمْ تُخبرني كيفَ عرفتَ أني لستُ سليلَ المُلوك، ومن نسل العظام؟!
قال:
ـ ياسيدي، الأمرُ بسيطٌ، فالعِظامُ، وذوي الجلال، لا يأمرونَ إﻻ بالأمورِ العِظام، ولا يُكرمونَ إﻻ بالنفيس والغالي، أما أنتَ، ياسيدي، فقد كان كرمُك وهديتُك من جنس أصلِك ومَنبعك؛ فأبناءُ المُلوك والسادات لا يُكرمون إﻻ بما يُناسب قدرهم، أما ابنُ الطباخِ فلا يُقدم إﻻ ما يُناسبُ صِنعةَ أبيهِ وأجدادِه..!!

الطبعُ غلاّب..!!

الامير الشهابي 6 - 12 - 2015 01:19 AM

رد: الطبعُ غلاّب
 
قصة بليغه جدا ..اه وما اكثر ابناء الطباخين
في ديارنا وربما ................................
سلمت أخت الفاضله ارب على هذا الادراج الرائع
مودتي

همسه 20 - 12 - 2015 12:50 AM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرا لك على ما طرحت


بانتظارك وبانتظار باقة من مواضيعك المفيدة
لك منّي ارق تحية وأعذبها

الغراب الأسود 20 - 12 - 2015 01:17 AM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرا على الطرح
جهد مميز
سلمت يمينك على اختيارك الموفق جدا
تحية والاحترام

قبلة الخليج 25 - 12 - 2015 12:39 AM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرا وبارك الله بك
بانتظار جديدك
تحيتي

بنت بلادي 25 - 12 - 2015 10:27 PM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرااا على اختيارك الموفق

مودتي

جمال جرار 11 - 2 - 2016 04:23 PM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرا لك مع التحية

سما 16 - 2 - 2016 11:23 PM

رد: الطبعُ غلاّب
 
شكرا على الموضوع المميز


الساعة الآن 03:09 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى