من أسرار الأسماء فى القرآن
من أسرار الأسماء فى القرآن
بقلم : د. بسّام جرار أحـمـد جاء في ( عمدة الحفاظ ) للسمين الحلبي أن لفظ ( الاسم ) مشتق من السُّمو، وهذا قول البصريين، وقيل من الوسم وهو قول الكوفيين، وعليه فالأصل في الاسم أنّه رفعة وعلامة، وتستخدم الأسماء لتمييز الذوات عن غيرها، ويغلب أن تشير الأسماء إلى صفات، ومن هنا يميل الناس إلى اختيار الأسماء ذات الدلالات الإيجابية، وهم يأملون أن يكون للمرء من اسمه نصيب. المستقرئ للقرآن الكريم يجد أنّ الاسم يدل على صفة، وأسماء الله تعالى كلها تدل على صفاته عزّ وجل، وعليه يكون المعنى في قوله تعالى :" هل تعلمُ له سميا " أي هل تعلم له مثيلا في صفاته، وقد أخطأ من ظن أنّ أسماء الله مجرد أعلام فقال إن معنى " هل تعلمُ له سميا " أي هل تجد من تسمّى باسمه، وهذا غير مقبول، لأن هناك من تسمى برحمن، ورحيم، وكريم...الخ جاء في سورة الرعد:" وجعلوا لله شركاء قُل سمّوهم " يقول السمين الحلبي في عمدة الحفاظ:" ليس المعنى أظهروا أساميها فقولوا : اللات، والعزّى، وهبل، ونحو ذلك، وإنما المعنى أظهروا حقيقة ما يدّعون فيها من الالهية، وانكم تجدون تحقيق ذلك فيها " ويقول في قوله تعالى : " تبارك اسم ربّك" المعنى أن البركة والنعمة تفيض في صفاته عز وجل. جاء في سورة الصف :" ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..." أي أن صفاته عليه السلام تستجلب الحمد في أقوى صوره، وأجلاها، وأفضلها. فهو إذن يحمدُ أكثر من غيره لأن صفاته تجعله يحمد من الناس أكثر. أمّا ( محمد) فدال على كثرة حمد الحامدين إيّاه. وعليه فإذا قصدنا بالاسم الصفة التي تدفع الناس إلى حمده عليه السلام فهو (أحمد)، أمّا إذا نظرنا إلى ردة فعل الناس، من غير الإشارة الصريحة إلى صفاته عليه السلام فهو ( محمد ). فصفته عليه السلام أنه أحمد، فما يخصه في ذاته إذن هو أنه (أحمد) أما ما اشتهر به من لفظ يميزه عن غيره عليه السلام فهو ( محمد). ونقول بعبارة أخرى : المقدمات الموجودة في ذاته عليه السلام يلخصها اسم أحمد، أمّا النتيجة الموجودة خارج الذات فيعبر عنها اسم محمد. اشتهر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام بأنه الصادق الأمين، وكانت هذه الشهرة نتيجة لما لمسته قريش من صدقه وأمانته عليه السلام، أمّا اليوم وبعد أكثر من 1400 سنة فإننا نجد أن الشخصية التي تمتدح أكثر، لما يتجلى فيها من صفات، هي شخصية الرسول عليه السلام من غير منازع، فهو أحمد من غيره على مدى التاريخ البشري إلى يومنا هذا. فتبشير عيسى عليه السلام كان برسول يأتي من بعده صفاته ستبقى إلى يوم القيامة أحمد من غيره. بعد كل ما ذكرناه نخلص إلى نتيجة أنّه لا بد لنا من إعادة النظر في التعامل مع الأسماء القرآنية، فلا يجوز لنا أن نظنها مجرد أعلام تخلو من المعاني والأسرار، وعلى وجه الخصوص عندما تكون التسمية ربانية، انظر إلى قوله تعالى:" وإنّي سميتها مريم" فلا بد من سر وراء هذا الاسم الكريم. وانظر إلى قوله تعالى :" اسمه المسيح عيسى ابن مريم " فلا بد من التوقف عند هذا الاسم المركّب. ثم انظر إلى قوله تعالى:" إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا " وانظر إلى قوله تعالى:" فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب " هذه الأسماء وغيرها هي كنوز وأسرار، ونحن نهدف بمثل هذا المقال إلى لفت الانتباه إليها لتصبح في دائرة اهتمام الدارسين. يعقوب عليه السلام هو أيضاً في القرآن إسرائيل، ويونس عليه السلام هو أيضاً ذو النون، وإدريس عليه السلام فيما يرجح أنه إلياس، ومحمد عليه السلام هو أحمد. وبالتحقيق والمتابعة تتكشف بعض أسرار هذه الأسماء، بشرط أن لا نتعامل معها بسطحية، ولا بأس بالرجوع إلى اللغات السّاميّة، بعيداً عن علماء التوراة والكتاب المقدس، الذين يطوّعون اللغة لتصورات كتبة أسفار العهد القديم، حتى عندما يجمح بهم خيال الأسطورة. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الآخرة
عندما تؤمن المدرسة الوجوديّة بالعبثيّة، وعندما ترفع شعاراً يقول:" لا شيء له معنى إلا الموت" فإنها تكون قد عبّرت بوضوح عن الحقيقة التي يهرب من مواجهتها الماديّون، لأن هذه النتيجة لا بد أن يصل إليها كل من أنكر اليوم الآخر.فعظمة الكون، وإبداع الخلق، والهدفيّة المتجليّة في كل صغير وكبير من هذا الوجود، كل ذلك يفقد معناه عندما نعتبر أنّ الدنيا هي نهاية المطاف. إذا كان وجودي ينتهي بالموت، فلماذا أعيش ؟! هل يوجد في الحياة الدنيا ما يبرر الاستمرار ؟! ما معنى التزامنا بالمبادئ والقيم؟! ما مدى منطقية القول: هذا يجوز، وهذا لا يجوز ؟! يمكنك أن تشكك في كل القيم، ويمكنك أن ترفض كل شيء، ويمكنك أن تفعل ما تشاء، لأن الدنيا هي نهاية كل شيء. سيكتشف الناس أن إنكار اليوم الآخر يفرغ الحياة الدنيا من معناها، وعندها لا بد أن تكون السيادة للفلسفة العبثيّة، وعندها سيكون الانتحار هو الشجاعة التي تستند إلى العقل والمنطق، وسيكون الاستمرار هو الغباء الذي يورث الجبن والتردد. وحتى الآخرة عندما يكون لها نهاية تفقد معناها، ومن هنا كان الخلود من أكبر حقائق اليوم الآخر، بل إنّ من أوضح حقائق النفس البشريّة الرغبة الملحة لدى الإنسان في البقاء والاستمرار، إذ لا يصلح لعالم الخلود من ركّب فيه الميل إلى الفناء. وعليه فقد جاء الدين منسجماً مع حقائق الخلق، فكانت الآخرة من حقائق الوجود، وكان الخلود من حقائق الآخرة. وهنا يتحقق الانسجام الكامل في كل شيء، وبذلك تظهر الفلسفة الماديّة كعارض مرضي، وكشذوذ تأباه البشريّة، لأنه يتناقض مع فطرتها، لذا سيبقى الإلحاد استثناءً غير قابل لأن يكون القاعدة. من يقرأ القرآن الكريم يجد أنّ قضية اليوم الآخرة هي القضية الأولى، وتحظى بمساحة ضخمة في كتاب الله العزيز، ويكتشف أن صلاح الدنيا لا يكون إلا بالايمان بالآخرة، وأن صلاحها هو المقدمة الضرورية لصلاح الآخرة، ولا مجال للفصل بين العالمين، وكل محاولات الفصل عبر التاريخ البشري باءت بالإخفاق الذريع، وأول علامات الإخفاق الشعور بالعبثيّة، وبفقدان الهدفيّة، وانهيار القيم الأخلاقية. وليس عجيباً بعد ذلك أن نسمع أن أعلى نسبة للانتحار في العالم هي في البلاد الاسكندنافيّة، والتي هي الأولى أيضاً في مستوى الرفاه المادّي. وليس غريباً أيضاً أن نجد الجموح والتمرد في المجتمعات الغربية، التي سادت فيها يوماً ما فلسفة احتقار الدنيا، وانتشار الرهبنة، وتقديس العزلة، التي يعبّر عنها أصدق تعبير بعض كتّاب الغرب في تلك العصور عندما قال :" إن القديس فلان لم يرتكب إثم غسل الوجه ثلاثين عاما، وإن القديس فلان لم يرتكب إثم غسل الرجلين خمسين عاما، أمّا نحن، فوا أسفاه، ندخل الحمّام كل يوم !". تكرر ( اليوم الآخر ) في القرآن الكريم 26 مرّة، وتكررت كلمة ( الآخرة ) بمعنى اليوم الآخر 113 مرّة، وتكرر ( يوم الدين ) 11 مرّة، وتكرر ( يوم القيامة ) 70 مرّة، فكيف بنا إذا أحصينا أيضاً يوم الحساب، ويوم التغابن، والصاخّة، والحاقة، والجنة، والنّار، …… وغير ذلك من الألفاظ الدالّة على اليوم الآخر. في المقابل نريد من الذين قرأوا التوراة الحالية، والعهد القديم، أن يدلونا على نص واحد يصرّح بعقيدة اليوم الآخر لدى اليهود، في حين نجد هناك أكثر من نص في الأناجيل المتداولة ينص على عقيدة اليوم الآخر، وهذا يعني أن قضية اليوم الآخر عند اليهود هي قضيّة اجتهاديّة، وبإمكانك بعد هذا أن تفهم الكثير من مواقف وسلوكيّات اليهود … !! |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الأرض المباركة
بوركت فلسطين في القرآن الكريم خمس مرّات، وقدّست مرّة. وسبق لنا أن ناقشنا مفهوم القداسة، وبالتالي مفهوم الأرض المقدسة أي المطهرة، والتي لا يُعَمِّر فيها ظالم، تميزت فلسطين على باقي بقاع الأرض بأنها المقدسة والمباركة. جاء في الآية 18 من سورة المائدة على لسان موسى عليه السلام : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة... " وجاء في الآية 71 من سورة الأنبياء في حق ابراهيم عليه السلام " ونجيناه ولوطاً إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين " واللافت للإهتمام في هذه الآية أنّ فلسطين مبارك فيها للبشرية جمعاء، وهذا يدعو إلى التدبّر لعلنا ندرك بعض أسرار هذه البركة. البركة فيها معنى الثبات والأستقرار، وفيها معنى الاستمراروالملازمة، ومنه سمي المكان الذي هو محبس للماء بركة. وعليه فالبركة هنا _ كما جاء في قول المفسرين _ هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء أو هي الخير المستقر في الشيء اللازم له. وهذا يعني أنّ الخير الالهي حلّ في كينونة فلسطين، وهذا الخير يلازمها في كل العصور إلى يوم القيامة.وتتجلى بركتها في كونها مقدّسة ومطهّرة من الشّر، ولا يتجذر فيها باطل. لقد نجحت الحملات الصليبية في احتلال ساحات شاسعة من العالم العربي والاسلامي، وكانت فلسطين هي الهدف المركزي لهذه الحملات، وعندما حُسم الصراع على أرضها المباركة، رجع الصليبيون الى بلادهم وقد تأثروا تأثراً بالغاً بفكر وأخلاقيات الشرق الاسلامي. وكانت هزيمتهم من اهم المقدمات للنهضة العربية في كافة المجالات. وكان لهذه التجربة الأثر الكبير في انسياح الأوروبيين غرباً مما ادى الى اكتشاف الأمريكيتين. واذا كانت (حطين)نقطة تحوّل هامّة في تاريخ المسلمين والاوروبيين، فإن (عين جالوت) كانت المنعطف الحاد الذي نقل المغول من أمّة مفسدة وسافكة للدماء إلى أمّة متحضرة، تقيم العدل على اساس من الدين الاسلامي الحنيف. لا نستطيع أن نتخيل صورة العالم لو نجحت حملة نابليون في الشرق العربي، ومعلوم أنّ هزيمته في فلسطين قضت تماماً على طموحه في السيطرة على الشرق الاسلامي، بل قوّضت سيطرته في أوروبا، وقلبت موازين القوى الكبرى في حينه. واليوم شكّل الاحتلال الصهيوني لفلسطين تحدياً كبيراً للعرب والمسلمين، ولا يزال هذا التحدي يشكل استفزازاً لوعي الشعوب في المنطقة، فالإخفاقات قد تسبب إحباطاً مؤقتاً ولكنها تسرّع في الوعي، وتسقط الكثير من الأصنام والوثنيّات، وتدفع بقوة نحو العودة الى الذات الحضارية الواعيّة. لقد شكلت القضيّة الفلسطينيّة حاجزاً صلباً حمى وحفظ شعوب المنطقة من الذوبان في الحضارة الغربيّة، في الوقت الذي كان فيه العالم العربي والاسلامي يعاني من الأمية والتخلف، وذلك عندما شعرت الشعوب العربية والإسلامية بعداوة الغرب الشرسة الذي أوجد إسرائيل، وأمدها بكل ما لديه من قوة، فخلق هذا التأييد رفضاً لدى العرب والمسلمين، بحيث أصبح الإنتماء إلى الذات الحضارية يقود على رفض التغريب. إن الإخفاق في حل المسألة الفلسطينيّة يعني أنّ الأمّة لم تصل بعد الى طور العالميّة وفي الوقت الذي نستطيع فيه أن نحل هذه المسألة حلاً عادلاً نكون قد أصبحنا في المستوى اللائق لحمل رسالة الاسلام للعالم، وإذا تكلمنا بمنطق من يدرس التاريخ، ويراقب الواقع، ويرصد التحولات، فلن نتردد لحظة في القول بأن حل المسألة الفلسطينيّة هو مسألة وقت. وتاريخ الأرض المباركة يشهد بذلك. ولسنا بحاجة إلى الاصغاء إلى المحبطين لأنهم حالة مرضية، وعقيدة وثنيّة، وبمثل هؤلاء لا يزداد الناس إلا سقوطا. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الأرض المقدسة
جاء في الآية 21 من سورة المائدة على لسان موسى عليه السلام : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ..." المقصود (بالأرض المقدسة ) في هذه الآية الكريمة فلسطين، ولسنا الآن في مقام تحديد حدودها الجغرافية في المنظار الديني. في الآية يطلب موسى عليه السلام من قومه أن يدخلوا الأرض المقدسة التي فُرض عليهم دخولها في حينه، وقد ارتبط هذا الفرض بوعد أن يتم دخولهم بسهولة ويسر : " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون ... " ولسنا ايضاً في مقام رفع الالتباس الذي حصل عند البعض في فهم هذه الآية بما يؤدي إلى تحريفها بحيث تصبح : " الارض المقدسة التي كتبها الله لكم .." أو " كُتِبت لكم " في صيغة المبني للمجهول . بل نحن الآن في مقام تبيين بعض معاني كلمة (المقدسة) . (القُدُسُ) و (القُدْس) هو الطُهر ، والارض المقدسة هي الارض المطهّرة، وهناك فرق بين (الارض الطاهرة) و(الارض المطهّرة )، فالطاهرة هي التي لا يلابسها دنس ، أمّا المطهرة فقد يلابسها الدّنس، ولكن لا تلبث أن تُطهّر . وهكذا، فكلما تكرر وجود الدنس تكرر التطهير. ويُفهم من هذا أنّ لفلسطين وظيفة مباركة تتعلق بمسيرة البشرية كلها : " الأرض التي باركنا فيها للعالمين " . فهي الارض التي لايتجذر فيها باطل ،ولا يدوم فيها شر ، لأنها الارض المطهرة من ذلك كله . وقد يعّبر عن هذا المعنى ما ورد من انها لا يُعمّر فيها ظالم. في الماضي كانت فيها نهاية الرومان الشرقيين، وكان ذلك في (معركة اليرموك)، أما نهاية البطش المغولي فكانت في (عين جالوت )، ولا تسأل عن نهاية نابليون، ولا تنس أن نهاية المسيح الدجّال ستكون في الارض المقدسة ، وكذلك نهاية (يأجوج ومأجوج). أمّا اليوم فإنّ وجود إسرائيل يكاد يُنسينا حقيقة وجوهر هذه الارض، بل قد يظن البعض أنّ عجلة التاريخ ستتوقف عند هذه اللحظة ، أو أنّ سنة الله في المجتمعات ستتخلف، وأنّ كينونة فلسطين المتميّزة في كونها (مُطهّرة) ستزول، وما علموا أنّ وجود (إسرائيل) على الصّورة التي وجدت فيها ، وفي الوقت الذي أصبح فيه إفساد الصهيونية عالمي الأبعاد ، ويصدر عن هيمنة وسيطرة كونية الامتداد ، لهو الدليل على أنّ الامور تسير في طريق التقاء أقدار المفسدين ب(قَدْر) فلسطين الأرض المقدسة. جاء في الحديث الشريف : " إنّ الارض لا تُقدّس أحداً ، ولكن يُقدِسُ الرجلَ عملُهُ" فوجود الانسان في الارض المقدسة لا يطهره من ذنوبه وأدرانه ، بل لا بد من العمل الصالح حتى تتطهر النفس من أمراضها وأدرانها "...ولكن يطهر الرجلَ عملُه" فعمر الشر في الارض المقدسة قصير، إذا ما قورن بما سواها من أراضٍ وبلاد .وقد يفسر هذا اضطراب المنطقة المستمر عبر العصور، فقدسيتها تأبى عليها أن تتقبل على ظهرها الفساد . ولا ننسى أننا ننظر هنا بمنظار غيبي، بعيداً عما يؤيده في عالم الشهادة. ومن حكمة الدين أنّه يجعل من البعد الغيبي امتداداّ لعالم الشهادة. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى التربية القائمة على بعدين، أحدهما واقعي ويرفده غيبي ،حتى لا يؤدي ثقل الواقع المحسوس إلى الاحباط والتحلل . والدارس للتاريخ يجد أنّ صلاح الدين ومن عاصره من المسلمين كان لديهم هذا المنظار الثنائي المتكامل. فإذا كانت فلسطين تتميز في تكوينها على باقي بقاع الأرض بأنّها مطهّرة ، فإن ذلك من أهم العوامل التي تساعد أهل الجد والاخلاص على تحقيق العدالة ، في الوقت الذي طغى فيه الشّر واستشرى . وأخيراً نقول ما قاله الرجلان في الآية 23 من سورة المائدة : " ادخلوا عليهم الباب ... " |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الأقـصـى
في مقال سابق تناولنا بعض أسرار اسم الأقصى، وما نهدف إليه في هذا المقال أن نلقي الأضواء على مساحة المسجد الأقصى، وقد دفعنا إلى هذا ما يتردد تصحيحاً لأوهام النّاس، بأن الأقصى هو البناء الجنوبي وليس قبة الصّخرة، وهذا الأسلوب في تصحيح الخطأ يوقع الناس في بلبلة واضطراب، إضافة إلى أنه يجافي الحقيقة، لأن المسجد الأقصى هو تلك المساحة التي تقارب ال 144 دونما، وهي المساحة المحاطة بحلقة من الأبنية، والتي تشكّل مع السّور حدود المسجد الأقصى. وتشمل هذه المساحة كما هو معروف بناء قبة الصّخرة، والبناء الجنوبي، المسمّى بالأقصى، وأية مساحة تضاف مستقبلاً تأخذ حكم المسجد الأقصى. ومعلوم في التاريخ الإسلامي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من أنشأ بناءاً في القسم الجنوبي من الأقصى، أمّا لماذا في أقصى الجنوب، فهذا واضح، لأنّ القبلة هي في الاتجاه الجنوبي من فلسطين، ومعلوم أن الإمام يقف في مقدمة المسجد ثم تكون الصفوف من خلفه متكاملة نحو الشمال. وعليه لا يُقبل شرعاً أن يكون محراب الإمام إلا في أقصى الجنوب، وغير هذا من الأوضاع يعني إلغاء جزء من مسجديّة المسجد، ومن هنا وجدنا العامّة تسمي البناء الجنوبي بالأقصى، مع علم الجميع بأن اسم الأقصى يطلق على الكل، ويطلق أيضاً على الجزء. وعليه تكون قبة الصّخرة جزءاً لا يتجزأ من الأقصى، وهذا معلوم بداهة، ولكن قد يتوهم من لم يعش في فلسطين أن الأقصى ينحصر في قبة الصّخرة، وقد يتوهم آخرون بأن الأقصى ينحصر في البناء الجنوبي. هل هناك خصوصية لصخرة بيت المقدس تجعلها متميّزة دينياً على باقي أرجاء المسجد الأقصى ؟ لقد نسجت حول الصّخرة الأساطير الكثيرة، روجها بعض العلماء قبل أن يروجها العامّة، وقد ساعد عدم وجود أحاديث صحيحة حول خصوصية الصّخرة على ذهاب الخيال مذاهب كثيرة، بل لقد اتخذت الصّخرة في عصور الجهل قبلة في الصلاة، وطاف بها عوام المسلمين كما يطوفون بالكعبة، وتقربوا إليها بأنواع القربات، مما جعل العلماء المحققين يجهرون بأنه لم يصح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام، ما يدل على خصوصية الصّخرة، وبالتالي يحرم شرعاً أن تُخَصّ بطواف أو ذبح أو تعمّد اتخاذها قبلة. بعد كل ما ذكر يبقى السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة مقنعة وهو: إذا لم يكن للصخرة خصوصية بالنسبة إلى باقي المسجد، فلماذا أقام عبد الملك بن مروان هذا البناء البديع المسمّى قبة الصّخرة؟ ومعلوم أن عبد الملك بن مروان من التابعين الذين عاصروا الصحابة الكرام، وكان من فقهاء المدينة، ومن هنا نجد أنه قد بادر إلى بناء قبة الصّخرة قبل أن يبدأ ببناء الأقصى الجنوبي، وهذا يدل على معرفته بمقام هذه الصّخرة، ووجود البناء يُغني عن كثير الكلام، كيف لا والكل يجمع على شخوصها لأكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين سنة، فهي الشاهد الماثل في الحس، الذي يُغني عن قيل وقال، كما أغنت الأبنيّة المحددة لساحات المسجد الأقصى عن حاجتنا إلى الأسانيد التي تحدد لنا الأطوال والمساحات، وهذا في علم التاريخ أبلغ من قيل وقال. لقد دفعت بدع العوام بعض العلماء إلى المبالغة في الرّد، إلى درجة الذهول عن معنى بناء قبة الصّخرة في عصر التابعين المعاصرين للصحابة الكرام، بل إنّ بعض كبار العلماء يذهب به رفضه لبدع العوام إلى أن يقبل الرواية التي زعمت أن عبد الملك بن مروان بنى قبة الصّخرة ليصرف الناس عن الكعبة المشرّفة، والغريب أنّهم يقبلون مثل هذه المزاعم من غير أن يطلبوا الدليل على صدق الرواية، وهم يعلمون أنّ أعداء بني أميّة قد أكثروا في ذمّهم، وللكذب علامات لا تخفى على الصادق. جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها..} 142 من سورة البقرة :" وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس.… قاله ابن عباس والجمهور " وعليه فإننا نستطيع أن نقدّر أنّ الصّخرة هي ثاني بيت وضع للناس، ثم اتسعت المساحات من حولها كما هو في الكعبة أول بيت عبد فيه الناس رب العالمين، ولنا زيادة على هذا التقدير أدلة قرآنية على أن كهف الصّخرة هو كهف أصحاب الكهف، ولعلنا نبسط هذا الأمر في مقام آخر إن شاء الله. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الآل والأهل
أهل الرجل في الأصل هم من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ونلحظ بالاستقراء أنّ الملازمة هي أبرز دلالات كلمة الأهل، ومن هنا نقول: أهل المدينة، أهل البيت، أهل الكتاب، أهل العلم … أما الآل فهم الذين يؤول إليهم الإنسان، أي يرجع إليهم، أو يرجعون إليه في دين، أو مذهب، أو نسب … ومن هنا يقال للأهل أحياناً آل، ولكن آل تستخدم في بيان شرف من يؤول إليهم الإنسان، أو شرف من يؤولون إليه. جاء في الآية 33 من سورة الأحزاب:"إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" المتدبر للآيات الكريمة يدرك أنّ مسؤولية الملازمين للرسول صلى الله عليه وسلم من أقرباء وأزواج هي أكبر من مسؤولية الآخرين، ومن هنا خصهم الله تعالى بأحكام فيها من التشدد والاحتياط ما فيها، نظراً لحساسية موقف الرسول القائد عليه السلام، والذي هو القدوة الحسنة: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " وعلى الرغم من وضوح هذا في القرآن والسنة، فقد تصور البعض أن وصف أهل البيت يعطي من ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الأفضلية، فيدعوهم ذلك إلى التحلل من المسؤولية، ويتوسّلون بالنسب الشريف للتسلط على رقاب الناس، ولتبرير خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين. ولما كانت كلمة أهل تدل على الملابسة والملازمة، فلا يستطيع أحد أن يزعمها بعد 1400 سنة، بل يلحظ أن من يزعمها اليوم هم الأبعدون الذين لا ينتمون إلى الأمة بل إلى أعدائها. جاء في الحديث الشريف أن صحابياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: "كيف نسلّم عليكم أهل البيت؟" فجاء جواب الرسول الكريم ليجعل السلام على المتقين من أمته، الذين يرجعون دوماً إلى دينه وشريعته، بحيث أصبح الرسول مرجعهم ومرجعيتهم، فقال عليه السلام: "قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد … "، نعم، لا معنى لأن نخص بالدعاء أهل البيت، حيث لم يشهد القرآن ولم تشهد السنّة لهم بالعصمة، ولم يرد في الدين ما يدل على تميّزهم وتفضيلهم، بل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد عليه السلام يدها. نعم لا معنى لهذا الاختصاص، وقد وجدنا أنّ من أقربائه عليه السلام من قاوم دعوة الله، وأساء إلى رسوله. وهذا إبراهيم عليه السلام يطلب أن تكون الإمامة في ذريته فجاءه الوحي: "لا ينال عهدي الظالمين"أمّا تكريم المجتمع المسلم لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو دليل على صدق الإيمان، وصدق الاتباع، وصدق المحبة، كيف لا وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل بيته الكرام، وقد شهد الواقع التاريخي بخيريَّتهم، وإمامتهم في التقوى والصلاح، وصبروا وصابروا حتى لقوا وجه الله تعالى. جاء في الآية 4 من سورة التحريم: "…فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " فإذا كان آل الرسول عليه السلام أعظم منزلة من أهله، فإن أولياءه أعظم منزلة من آله، لأنهم أصحاب النسب الحقيقي، ولأنهم اختاروه، وأحبوه، ونصروه، وقدّموه على كل ما سواه. وقد يحسن أن نختم بكلمات للإمام جعفر الصادق عندما سئل عن آل البيت فقال: "إذا قاموا بشرائط شريعته كانوا آله" وهذا يعني أنّ آله في اعتبار الإمام جعفر الصادق، هم أولياؤه الذين يحملون دعوته، وينصرون شريعته، فيبلغوا بذلك أعلى مراتب القرب والقرابة. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
الإيمـان
الإيمان هو التصديق، ولكنه التصديق الذي معه أمن، والإيمان في الدين يحقق الأمن الفردي والجماعي، الدنيوي والأخروي، وأنّى لغير المؤمن أن يحس بالأمن؟! لقد استعاض العلماء في فترة ما عن هذه اللفظة(الإيمان) بلفظة (العقيدة) والتي تدل على الجزم في التصديق، وتبقى لفظة (الإيمان) هي اللفظة التي نص عليها القرآن الكريم والسنّة الشريفة. يأخذ الإنسان المعرفة إمّا عن طريق العقل كالمبادئ الرياضيّة، وإمّا عن طريق الحس كالألوان، وإمّا عن طريق الخبر الصادق كالمعارف التاريخيّة، والوحي الرباني. ولا يوجد طريق رابع معروف لأخذ المعرفة، أمّا الإلهام والرؤى الصادقة فهي عن طريق الخبر الصادق، وهو ما يُعرَف في الدين بلمَّة المَلَك، في حين يمكن إرجاع ما يُسمّى بالتّخاطُر إلى حاسّة مجهولة في الإنسان. وإذا ما استعرضنا أركان الإيمان في الإسلام نجد أن ركن الإيمان بالله تعالى يثبت عن طريق العقل فقط، وأمّا ركن الإيمان بالملائكة فثبت عن طريق الخبر الصادق(الوحي)، وأمّا ركن الإيمان بالكتب فثبت عن طريق العقل إذا كان المقصود القرآن الكريم، أمّا إيمان المسلم بالتوراة والإنجيل فعن طريق الخبر الصادق، وكذلك ركن الإيمان بالرسل؛ فإذا كان المقصود الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم فلا يكون ذلك إلا عن طريق العقل، ومن هنا كانت المعجزة، وأمّا إذا قصد الإيمان بباقي الرسل فيكون ذلك عن طريق الخبر الصادق، والذي هو هنا الوحي الثابت بالعقل. أمّا ركن الإيمان باليوم الآخِر، وركن القضاء والقدر فيثبتان عن طريق الخبر الصادق. على ضوء ما سلف نجد أنّ أركان الإيمان في الإسلام لا تثبت إلا من طريقين؛ العقل والخبر الصادق، أمّا الحس فليس من طرق إثبات القضايا الإيمانية، لأنّ الإيمان يتعلق بالمسائل الغيبيّة، ولا يتعلق بالمحسوسات. فالمعارف التي تؤخذ عن طريق الحس لا يتعلق بها إيمان، فلا نقول: نؤمن بوجود اللون الأحمر مثلا، ولا نقول نؤمن بأنّ النار تحرق، وبأنّ الماء يروي … وبذلك يتبين لنا خطأ من ينكر بعض القضايا الإيمانيّة بذريعة أنها غير محسوسة؛ لأنّ الحس هو طريق من ثلاثة طرق تؤخذ بواسطتها المعرفة، وكل طريق يقودنا إلى معرفة تختلف تماماً عن المعارف التي تقودنا إليها الطرق الأخرى. فمعلوم أنّه يستحيل على الأعمى مثلاً أن يدرك حقيقة الألوان، ولكنه يؤمن بوجودها عن طريق الخبر الصادق، فالألوان بالنسبة للمبصر هي قضية حسيّة غير إيمانيّة، وهي بالنسبة للأعمى قضية إيمانيّة غير حسّية. عُرّف الإيمان الديني بأنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل، وعرّف عند العلماء بأنّه تصديقٌ بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وبهذا يظهر الفرق بين الإيمان الفلسفي والإيمان الديني، فالإيمان الفلسفي لا يستلزم سلوكا، ولا يوجب التزاما، أمّا الإيمان الديني فلا يصح حتى ينعكس سلوكا، فالدين لا يقبل أن يكون الإيمان ترفاً فكريا، بل إن الإيمان الذي لا يصدقه عمل يوشك أن يموت، فالفكرة كالجسد إذا لم تعمل تموت، ومن هنا ليس عجيباً أن نجد على أرض الواقع أن أشد الناس إيماناً أشدهم إلتزاما، وأنّ قوة الإيمان تتجلى في الذين يتحركون بالفكرة. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
التـابوت
جاء في الآية 248 من سورة البقرة : " إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيّة مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ….". عندما طلب بنو إسرائيل قبل عهد داود عليه السلام أن يجعل الله لهم ملكاً يجمعهم، ويوحّد كلمتهم، ويقودهم في حربهم لأعدائهم، استجاب الله لهم، وجعل طالوت ملكاً عليهم، وجعل علامة اختياره أن تأتي الملائكة بالتابوت الذي استولى عليه أعداؤهم، وهو صندوق فيه بقية من آثار موسى وهارون عليهما السلام، توارثه الصالحون من بني إسرائيل. وبعودته إليهم جعل الله فيه الطمأنينة لنفوسهم، التي بقيت مضطربة لفقده واستيلاء الأعداء عليه. واضح من النص القرآني الكريم أنّ التابوت له قداسة، وعلى وجه الخصوص الآثار المتوارثة من عهد موسى وهارون، ونحن نعلم أنّ الله تعالى قد أنزل على موسى عليه السلام فيما أنزل الألواح، والتي خطّت فيها الوصايا، وقد ورد في سفر الخروج في التوراة الحالية:" واجعل في التابوت الشهادة التي أعطيكها " والمقصود بالشهادة ما ورد في سفر الخروج أيضاً :" ولما فرغ من مخاطبة موسى على طور سيناء دفع إليه لَوْحَي الشهادة، لوحين من حجر …." وقد ورد في سفر صموئيل أنّ أعداء بني إسرائيل قد سيطروا على التابوت هذا لمدة سبعة أشهر. ورد أن كلمة التابوت مشتقة من التّوب وهو الرجوع، لأنه يُرجع إليه تكراراً لأخذ وإرجاع المودعات فيه، وعليه تكون اللفظة عربية على قول الكثير من أهل اللغة. وقد ذكرت التوراة الحالية أنّ التابوت المقدس عندهم صنع من الخشب والذهب بأمر من الله تعالى، ويقولون إنّ طوله يبلغ متراً وربع المتر، أما عرضه فيبلغ 75 سم، وكذلك ارتفاعه. وورد أنّ بني إسرائيل كانوا يحملون التابوت ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك دافعاً لهم للاستبسال، لثقتهم بالنصر بوجود التابوت. وقد ورد في أخبار الأيام الأول من العهد القديم على لسان داود عليه السلام :".. حتى نُرجع تابوت إلهنا، لأننا أهملنا طلب المشورة بواسطته منذ أيام شاول " ويقصدون بشاول هنا طالوت المذكور آنفا. والتابوت عندهم من أقدس المقدّسات، وكانوا في البداية يضعونه في وسط خيمة، ثم أحضره داود عليه السلام حسب رواية العهد القديم إلى (مدينة داود)، وعندما بنى سليمان عليه السلام الهيكل وضعه في أقدس بقعة في الهيكل وهي (قدس الأقداس ) وهي عبارة عن غرفة لا نوافذ لها، وتكون أعلى جزء في الهيكل، وهي محرابه. وهم يعتقدون أن روح الله حلّت في التابوت. وعندما تم تدمير الهيكل 586 ق.م على يد نبوخذ نصّر البابلي فُقدت التوراة، وفقد تابوت العهد، ويبدو أنّه تم إحراقهما مع ما أُحرق من محتويات الهيكل. واللافت للانتباه أنّ سفر أخبار الأيام الثاني من العهد القديم، والذي يرجّح أنّه دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي ينتهي بالحديث عن تدمير الهيكل وإحراق محتوياته، ينص على بقاء العصي التي يحمل بها التابوت، ولم يتطرق إلى ذكر التابوت: " … وهي ما برحت هناك إلى هذا اليوم …" وواضح أن الذي يكتب هذا الكلام يكتبه وهو يقيم بعيدا، ويظهر ذلك من قوله "هناك". كثرت القصص والأساطير حول مصير التابوت، ومن هذه القصص قصة تقول إن ابن سليمان عليه السلام، من زوجته بلقيس، فرّ بالتابوت إلى مصر، ثم نقل التابوت إلى الحبشة، ولكن اليهود لا يزالون يبحثون عن هذا الصندوق الخشبي الصغير والذي مضى على صناعته ما يقرب من (3200) سنة على أقل تقدير، وبعضهم يتوقّع أن يكون مدفوناً تحت ساحات الأقصى، وهنا لا بد لي أن أذكر أن رجلاً فلسطينيا، ممن شارك في ترميم وإصلاحات الأقصى في العهد الأردني، ذكر بعد أن سمع بالدّرس الذي ألقيته حول التابوت قبل سنين قليلة أنّه رأى من يدفن صندوقاً تنطبق عليه الأوصاف في موضع من المسجد الأقصى. نعم ما الذي يمنعهم من أن يصنعوا تابوتاً وفق الأوصاف الواردة في العهد القديم، ثم يدسّوه في التراب، ثم يزعموا اكتشافه بعد نصف قرن أو يزيد، ليكون الدليل والمستند على أنّ لهم حقّاً في فلسطين، بعد أن كذّبتهم كل الآثار والحفريّات، فقد اعتدنا أن نرى منهم كل غريب، فهم يستخدمون المقدس وغير المقدس لأغراضهم الدنيوية، ولا شيء عندهم مقدس إلا مصالحهم. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
وإذ تأذّن ربك
لم ترد لفظة تأذّن في القرآن الكريم إلا في الآية (167) من سورة الأعراف، وفي الآية (7) من سورة إبراهيم. واللافت للانتباه أنّ المخاطب في الآيتين هم اليهود. أمّا الآية من سورة إبراهيم، فقد جاء على لسان موسى عليه السّلام مخاطباً قومه : ( وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم، ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) والتأذن فيه معنى الإعلام، ثم هو إعلان مشفوع بالقسم على لسان موسى عليه السّلام أنهم إذا شكروا النعمة، ووضعوها في مواضعها، ليزيدنهم الله من فضله. وهذا يعني أنّه إذا تحقق الشكر فستكون الزيادة حتميّة. ومن لطائف هذه الآية أنّ الله تعالى أقسم بأن الزيادة ستكون بعد حصول الشكر، أمّا في حالة كفرهم فلم يقسم سبحانه على أن العذاب لابد واقع : ( ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ). أمّا الآية الثانية من سورة الأعراف فهي : ( وإذ تأذّن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب …) هذا الإعلام والإعلان الثاني يخص اليهود، وهذا واضح من سياق الآيات، فقد أعلن الله تعالى على لسان رسله إعلاناً مشفوعاً بالقسم، ليبعثّن على اليهود إلى يوم القيامة، من ينزل بهم أشدّ العذاب. واضح أنّ هذا الحكم النهائي قد جاء بعد أن مُدّ لهم حبل العفو والمغفرة، وجاء بعد أن أنعم الله عليهم بما لم ينعم بمثله على غيرهم. ويستفاد من هذه الآية أمور : 1) أن إرسال من يسوم اليهود أشدّ العذاب هو قانون يسري إلى يوم القيامة، ويتجدد بتجدد الزمن، في أوقات مختلفة. 2) قد يُنَفّس عن اليهود فترات من الزمن، ولكن تكرار العقوبة كائن على صورة حتميّة. انظر إلى اللام ونون التوكيد الثقيلة في كلمة (ليبعثنّ ). 3) العذاب الشديد الذي ينزل باليهود سيكون المقابل المكافئ لأعمالهم ومفاسدهم، لأنّ كلمة (يسومونهم) من السّوم، وهو تقدير العوض المقابل للشيء، وفيها إيحاءات التفاوت في شدة العقوبة، والتفاوت في الزمن. 4) سيبقى أناس إلى يوم القيامة يدينون باليهوديّة المحرّفة، وسيكون تأثير هذه العقيدة عليهم سلبيا، إلى درجة أنهم " يسعون في الأرض فساداً " ، ولدرجة أن ينزل في حقهم وحي يحذر الناس من شرّهم قبل حصوله بآلاف السنين، وهذا يشير إلى عظيم خطرهم على عقائد الناس، ومبادئهم، وقيمهم. 5) لقد تمّ إعلام اليهود وتحذيرهم، ومن أجل ترغيبهم في الخير تمّ إعلامهم إعلاماً مؤكداً بأن ثواب شكرهم سيكون معجلاً لهم في الدنيا قبل الآخرة، فلا يظن ظان أنهم قد فطروا على الشر، ولكنهم إفراز عقيدة زائغة، وحقيقة محرّفةٍ مشوّهة. والآن، هل اختلف يهود اليوم عن يهود الأمس ؟! هل استفاد اليهود من أخطاء الماضي ؟! المراقب يجد أن التاريخ يعيد نفسه، فهم اليوم يخطّون بجرائمهم لوائح محكمتهم التي ستكون عادلة. سيقع اليهود في الأخطاء، وسيخوضون في الدّماء، وسيعميهم الكبر وتُضلّهم الغطرسة، ومن لا يصدّق فلينظر إلى مكرهم في أمريكا، والذي أصبح لافتاً لانتباه الكثيرين، بل إنّ محاولتهم لحكم أقوى دولة في العالم سيجعلهم في الضوء، في الوقت الذي ساعدهم الظلام على التسلل إلى مواقع التأثير. ويبدو أن صراعهم على القمّة سيغيّر قواعد اللعبة، واللهُ غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. |
رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
التقويم
جاء في سورة التين :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". قالوا في التقويم إنّه جعل الشيء ذا قوام، وقوام الشيء ما يقوم به ويثبت، وتصرح الآية الكريمة بأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، ويذهب بعض أهل التفسير إلى أن المقصود هنا القوام الجسدي، وهذا بعيد عن سياق النص القرآني، وإن كان اللفظ يحتمله. والراجح أن المقصود هنا هو تعديل القوى الظاهرة والباطنة معا، أي المادّية والمعنويّة، وعلى وجه الخصوص القوى المعنوية من مثل العقل والإدراك. واضح من الآية الكريمة أنّ تقويم الإنسان خاص به، وهو يتميز في ذلك عن باقي الكائنات، كيف لا والله قد سخّر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض. وقد يستشكل البعض قوله تعالى :" في أحسن تقويم" إذ على المستوى المادي يمكن أن يكون الإنسان أشد تحصيناً من الأمراض الجسدية، وعلى المستوى المعنوي محفوظاً من الأمراض النفسية، وبذلك يكون في تقويم أحسن. ويزول الإشكال عندما ندرك أن " أحسن" تتعلق بخلق الإنسان على ضوء وظيفته في الأرض، ومن هنا لا يلزم مثلاً أن يكون قوام الإنسان يؤدّي به إلى الخلود في الدنيا، لأن هذا ما سيكون في الآخرة، وقد أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم :"خلقت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة "وهذا من بدهيّات الدين. الأصل في النّاس الخير، والعدالة، وأمّا الشّر فهو طارئ على الكيان الإنساني، ففي الوقت الذي خلق فيه الإنسان في أحسن تقويم بحيث يحقق وظيفته في الأرض، خلق فيه أيضاً قابلية الانتكاس والارتكاس، والارتداد إلى الأسوأ :"ثم رددناه أسفل سافلين" وهذا يعني أن التقويم المعنوي المنسجم مع وظيفة الإنسان في الأرض يمكن أن يتحول إلى النقيض، وحتى لا يكون هذا الارتداد، لا بد من العمل الصالح، القائم على أساس من الإيمان الصحيح :"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "فكل مولود يولد على الفطرة، أي في أحسن تقويم. ويمكن المحافظة على هذه الفطرة وتوظيفها في تحقيق الخلافة في الأرض إذا ما كانت التربية تستند إلى الإيمان الداعي إلى العمل الصالح، ومن هنا ندرك أن الدين ضرورة بشرية، وليس بخيار يُضاف إلى خيارات الإنسان. هل استطاع العلم في القرن الحادي والعشرين أن يخلق في الأمم الغربية الإنسان الصالح الذي يقوم بواجب الخلافة ؟! والإجابة تجدها واضحة في واقع البشرية اليوم، ليكتشف النّاس أن الظلم والتجبّر، والغطرسة والفجور هي من أهم مميزات الدول التي تقع في أعلى سُلّم العلم والتكنولوجيا، إنّه إفلاس الغني، وضعف القوي، إنّه العلو الذي هو في حقيقته أسفل سافلين. وتبقى مشيئة الله تعالى فوق الجميع :" فأمّا الزبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض " ولا ينفع الناس إلا ما كان ينسجم مع فطرتهم السّوية. إن مهمة المصلحين تستند إلى فطرة الإنسان، ومن هنا تكون احتمالات النجاح كبيرة، وهذا ما نلحظه اليوم من سقوط الكثير من الطروحات المتناقضة مع الفطرة، حيث أنه لم يكد يغادرنا القرن العشرون إلا وقد أخذ معهم الكثير من العقائد والأفكار والأوهام، وظهر ذلك جليا في البيئات الاجتماعية التي ظهر فيها مصلحون، ولا نزعم أبدا أن الصورة الآن جميلة ومشرقة بما فيه الكفاية، ولكن مسار الأمور يشير إلى أن الخلاص هو مستقبل الإنسان في المدى غير البعيد.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. |
الساعة الآن 03:41 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |