منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   مواضيع ثقافية عامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=67)
-   -   الدّاروينية في الزّمن القديم - هارون يحيى (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=19648)

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:38 PM

الدّاروينية في الزّمن القديم - هارون يحيى
 
الدّاروينية في الزّمن القديم - هارون يحيى
مدخـل

هدم كوبرنيك Kopernik نموذج أن الكون مركز العالم الذي كان قد وضعه بطلميوس و آمنت به الكنيسة الكاثوليكية. و اظهر النموذج الجديد الذي أعلنه، أن العالم جزء من المجموعة الشمسية.
حاول البشر بملاحظاتهم و مشاهداتهم طوال فترات التاريخ المختلفة أن يسبروا


أغوار الكون الذي يعيشون فيه. و حاول كثير من رجال العلم لسنوات طويلة أن يجدوا إجابة للأسئلة التي حيرتهم و مازالت تشغل بال الناس. و يركز بعض العلماء على الاكتشافات و الاختراعات العظيمة التي ترتبط بظروف العصر الذي يعيشون فيه و يركز البعض الآخر على الأخطاء العلمية التي كانت تلقى اهتماما كبيرا في عصرها و أثبت العلم عدم صحتها بعد ذلك.
كان بطلميوس واحدا من العلماء و المفكرين الذين عاشوا في القرن الثاني بعد الميلاد في الاسكندرية التي كانت مركز العلم في ذلك الوقت. لقد قام بطلميوس الذي أراد أن يتعرف على الكون الذي يوجد هو بداخلة و يكتشف موقع الأرض من هذا الكون فقام بعمل مشاهدات و دوَّن ملاحظاته مدة طويلة عن السماء. و أعمل فكره في مواضيع مختلفة مثل حركة الشمس و القمر و النجوم. و في النهاية توصل إلى نتيجة مفادها: إن الأرض تقع في مركز الكون. و هو يرى أن الأرض تقف مستقرة بلا حراك؛ أما الشمس و القمر و الكواكب و كل النجوم فهي التي تتحرك وتدور حول الأرض. و قد تُرجمت آراء بطلميوس التي لاقت اهتماما كبيرا إلى اللغات المختلفة و كان لها تأثير و صدى كبير و بخاصة على الثقافة الأوروبية. وسعت الكنيسة الكاثوليكية إلى إيجاد انسجام بين نموذج الكون الخاص ببطلميوس الذي يفترض أن الأرض تقع في مركزه و بين الدّين المسيحي. و على الرغم من وجود بعض الأشخاص الذين أدركوا وجود تناقض في نموذج بطلميوس، إلا أنهم اضطروا إلى التزام الصمت أمام الدعم الكبير الذي حصل عليه بطلميوس. و لم يكن من السهل ترك هذا الفكر الذي ظهر تناقضه في وقت قصير. ومع حلول القرن الخامس بدأت تحدث بعض التطورات. و كانت البداية عندما اتضح وجود أخطاء كبيرة في أفكار كوبرنيك و بطلميوس. لقد وقف كوبرنيك في اتجاه مضاد تماما لفكرة الكون الذي تقع الأرض في مركزه و عبر عن تلك الحقيقة بقوله: ”الأرض لا تقع في موقع المركز من الكون“. و ظهر في القرون التي تلت ذلك الزمان أن الأرض عبارة عن كوكب يدور حول الشمس; و أن الشمس ما هي إلا نجم بين مليارات النجوم في مجرة درب التبانة، و أن مجرة درب التبانة أيضا هي مجرد نموذج لتجمع كبير من النجوم التي لا يمكن حصر أعدادها.

كما أصبحت الضفادع موضع خطا علمي آمن به مؤيدو نظرية التطور منذ القدم.

لويجي جالفانى Luigi Galvani


و مع نهايات القرن السابع عشر شهد تاريخ العلم خطاً آخر. فقد لفتت النار و ما ينبعث منها من لهب انتباه الانسان في كل عصر من العصور. و كان العالم الألمانى جى.إي. ستاهلْ Stahl واحداً ممن فكروا في مصدر النار التي لم يكن قد اكتشف بعد في ذلك العصر. ونتيجة لأبحاثه زعم ستاهل أن السبب في وجود النار هو مادة لا ترى بالعين المجردة يطلق عليها اسم ”فلوجيستون“. و في الوقت الذي يشتعل فيه وبسرعة أي شيء يحتوي على هذه المادة نجد أنه و على النقيض من ذلك لا يشتعل تماما أي شيء لا يحتوي على هذه المادة. و فُسِّر تصاعد الدخان من المواد المحترقة و انكماش هذه المواد و خفوتها بأنه مغادرة الـفلوجيستون وتركه لهذه المواد. و كان يُعتقد في هذه الأبحاث أنه إطفاء المواد المشتعلة بوضع غطاء عليها أو إلقاء الغبار و التراب يمنع تصاعد الفلوجيستون و بهذا يتم إطفاء النار. إلا أنه و مع مرور الوقت تولدت بعض الشكوك فيما يتعلق بحقيقة الفلوجيستون و كان السبب وراء هذه الشكوك هو أن المعادن عندما تحترق لا تنكمش أو تنقص في حجمها كما أنها لا تخف في الوزن. وأُكتشف في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر أن الهواء يتكون من مزيج من الغازات المختلفة. وبينما يحاول العلماء تفسير احتراق هذه الغازات المختلفة بأشكال مختلفة تتوافق مع نظرية الفلوجيستون وضع أحد الأبحاث التي أجريت على غاز الأوكسجين النهاية لتلك النظرية. فقد راقب عالم يدعى أنتوني لافوسير عملية احتراق أحد المعادن في ظل وجود غاز الأوكسجين، و لا حظ في نهاية ملاحظاته تلك ازدياد كتلة المعدن المحترق و لاحظ في الوقت نفسه تناقص كمية الأوكسجين الموجودة. و بذلك أوضحت تلك التجربة مصدر النار. فالمواد كانت تشتعل لأنها حصلت على الأوكسجين. أما المادة النظرية المسماه بفلوجيستون فلم يكن لها وجود من الأصل.

اعتقد العلماء في نهاية القرن السادس عشر أن هناك مادة لا تري بالعين المجردة أطلقوا عليها اسم “ Flojistan “ تتسبب في اشتعال النيران. لكنهم اكتشفوا بعد مدة طويلة، ان Flojistan ليست المادة المتسببة في اشتعال النيران.

وهناك مثال آخر على الاخطاء العلمية التي وقعت فيما مضى، و هو الطرح الخاص بمصدر الكهرباء. فبينما كان الدكتور لوجي جلافاني يقوم في الثمانينات من القرن الثامن عشر بعمل بحث يتعلق بالحيوانات ظن أنه وجد مصدرا جديدا للكهرباء. فقد رأى في خلال أبحاثة التي أجراها على الضفادع أن عضلات ساق الضفدعة المربوطة بشريحة من المعدن تتحرك. و في نهاية بعض الأبحاث التي أجراها على هذا الكائن الحي توصل إلى النتيجة التالية: إن شريحة من المعدن تضمن خروج التيار الكهربائي النابع من عضلات و أعصاب الحيوانات.
قام جلافاني بهذه التجربة على ساق واحدة و باستخدام شريحة معدنية واحدة. فبدأ عالم يدعى اليسندرو فولتا (Alessandro Volta) بالقيام ببعض الأبحاث على هذا الموضوع بعد أن ساوره الشك في منطق هذه التجربة. فقام فولتا بإيصال طرفي السلك المختلفين إلى ساق الضفدعة و رأى أن العضلات الموجودة في الساق لا تتحرك. و بيَّن فولتا الذي استمر في أبحاثة بعد هذه التجربة أن زعم خروج الكهرباء من الضفادع أو من الحيوانات الأخرى كان خاطئاً و عاريا من الصحة تماماً. فالكهرباء هي تيار ينبع من الالكترونات و أن الكترونات المعادن تعمل على هذا النقل بشكل اكثر سهولة. لقد كانت نظرية الكهرباء الحيوانية مجرد خطأ علميّ أدهش الناس في مرحلة ما.
كما يلاحظ بوضوح في هذه الأمثلة فإن الحقائق المعروفة بدرجة كبيرة جدا لنا اليوم كانت مجرد ادعاءات خاطئة للغاية في الماضي. لقد انغلق كثير من رجال العلم على كثير جدا من الأخطاء العلمية سواء أكان ذلك بسبب المستوى العلمي المتدني للعصر الذي كانوا يعيشون فيه أو بسبب بعض الأحكام المسبقة الخاصة بهم. و لعل أكبر مثال يمكن أن نضربه على مثل هذه الأخطاء العلمية هو الادعاءات التي طرحت عن أصل الحياة لأن تأثيرات هذا الزعم و عدم منطقيته تفوق بشكل كبير الأخطاء العلمية التي تناولناها سابقا. و قد عُرف هذا الخطأ العلمي باسم " الداروينية" التي توحد فيها العالم المادي مع اعتقاد التطور.
اعتقد العلماء في نهاية القرن السادس عشر أن هناك مادة لا ترى بالعين المجردة أطلقوا عليها اسم فلوجستين تتسبب في اشتعال النيران. لكنهم اكتشفوا بعد مدة طويلة، أن هذه المادة ليست المادة المتسببة في اشتعال النيران.

ظهرت نظرية التطور لداروين في فترة كان العلم فيها متأخرا إلى أبعد حد. وكان الجهل السائد في القرن التاسع عشر هو السّبب الحقيقي وراء الانتشار السريع لنظرية التطور التي جاء بها داروين. وانعكست التكنولوجيا التي أخذت تتطور بمرور الوقت على مجال العلم. وظهر تطور كبير في الأجهزة والوسائل المستخدمة في الابحاث العلمية. وحدثت اكتشافات كثيرة جداً. لقد أظهرت التطورات التي حدثت في المجال العلمي الوجه الحقيقي للنظريات القديمة مثل نظرية داروين.

قبل البعض في الأزمنة الماضية بالداروينية كنظرية علمية، و كان السبب وراء ذلك هو عدم توافر دليل علمي كاف بين أيديهم. و على الرغم من التناقضات التي حملها كتاب تشارلز داروين حتى في ذلك العصر و الذي حمل اسم ”أصل الأنواع“ و نشر في عام 1859 إلا أنه أحدث دويا هائلا في بعض الأنحاء. لقد رأت الافتراضات التي قام بها داروين و هو غافل و غير مطلع على علم الجينات و الكيمياء الحيوية و كذلك الادعاءات الخاطئة التي زعم بها مستفيداً من عدم كفاية طبعات الحفريات رأت قبولا و استحسانا من جانب الأشخاص الذين لديهم استعداد لأسباب فلسفية لقبول هذه النظرية. وهذا السبب الفلسفي، كان هو العلاقة الموجودة بين نظرية داروين و الفلسفة المادية. و بسبب أن داروين حاول تفسير أصل جميع الكائنات الحية بالعوامل المادية والمصادفة فقد استدل على ذلك بنظرية ترفض فكرة وجود إله. إن إثبات خطأ هذه النظرية التي لا تتفق تماما من الناحية العلمية مع العقل و المنطق كان سيوجب وجود سلسة من الاستنتاجات العلمية في القرن العشرين.
وتلقى الدارونية اليوم و حتى الآن قبولا لدى بعض الجهات العلمية التي استحوذت عليها فكرة النظرية؛ و هذا لا يمنعنا من أن نقبل نحن أيضاً أن الداروينية قد انتهت. و لعل السبب الوحيد الذي جعل لهذه النظرية وجودًا حتى الآن هو دفاع الفلسفة المادية عنها بشغف و هوس كبيرين في بعض الأنحاء العلمية. و يتشابه عالم الداروينية مع الاتحاد السوفيتي الذي كان له وجود في النصف الثاني من عام 1980. فكما في ذلك الوقت ظهر إفلاس الشيوعية كإيديولوجية و لم تعد فرضيات هذه النظرية صالحة أيضاً. إلا أن مؤسسات النظام الشيوعي كانت تحتفظ بوجودها حتى الآن. فهناك جيل غُسل عقله بإيديولوجية الشيوعية، وكان يتم الدفاع عن هذه الإيديولوجية بشكل لا يقبل النقاش. و بسبب هذا المذهب الاعتقادي استطاع النظام الشيوعي الذي انهار من الناحية الفعلية أن يعيش مدةً أطول. فقد تم إصلاحه بتطبيق صيغ عرفت بـ " الشفافية " و " إعادة البناء " و أُريد لها أن تعيش. إلا أنه فيالنهاية حدث الانهيار الحتمي.
و قبل هذا الانهيار ، كان هناك من شخَّص تلاشي الشيوعية و تحدث عن ذلك. و قد أدرك عدد كبير جداً من المراقبين في الغرب أن هذا السقوط كان أمراً قَدَرِياً لا مفر منه و أدركوا كذلك أن وضع السوفييت الراهن يمكن أن يرجىء ذل السقوط و لكن لفترة فقط.


انعكست التطورات التي حدثت في التكنولوجيا على العلم، وأظهر التقدم العلمي مدى الزيف الذي اتت به نظرية التطور.

ماكينة التصوير التاريخية و صورتها الحالية.

بدايات التليفزيون و شكله الحالي.

بينما كانت تكنولوجيا الحاسب الآلي غير منتشرة قديماً، فإننا اليوم نستخدم أجهزة كمبيوتر متطورة للغاية كما أن تكنولوجيا الانترنت تتطور باستمرار.
نحن أيضاً سوف نتحدث في هذا الكتاب عن سقوط الداروين






إن نظرية داروين هي نظرية خاطئة و باطلة من الناحية العلمية. وكان هناك بعض المؤيدين في فترة ما لهذه النظرية، التي لم تستند في أي وقت من الاوقات على حقيقة علمية، ويرجع ذلك إلى أن تدنى مستوى العلم، لكن العلم اخذ يتطور مع مرور الوقت الامر الذي وضع كل من أيد هذه النظرية في موقف المخدوع.
نية و لكن بشكل علمي. لقد رأى بعضهم في فترة من الزمن أن هذه النظرية التي لم يكن لها أي سند علمي واقعي على الإطلاق رأوها "مقنعة" و كان السبب وراء ذلك الاقتناع بعدم كفاية المستوى العلمي في تلك الفترة، إلا أنه اتضح فيما بعد أن هذا الاقتناع لم يتعد كونه مجرد خدعة. لقد تم دحض الادعاءات التي استدل بها داروين منذ 150 عاماً الأخيرة للدفاع عن نظرية التطور الخاصة به، فانهارت دلائل التطور كلها واحدة تلو الاخرى. و كم سيندهش أولئك الذين آمنوا بوجود هذا الخطأ في دنيا العلم، كم ستأخذهم الدهشة في القريب العاجل عندما يتفكرون في كيف انغمسوا في نظرية خاطئة كتلك. أو كما يقول العالم السويدي صورين لوفتروب Soren Lovtrup "يوماً ما ستوصف الأسطورة الداروينية بأنها أكبر خدعة في تاريخ العلم ".(1)

لقد ظهرت كل المعطيات العلمية اللازمة لصياغة هذا التوصيف و لم يتبق سوى اعتراف بعض البيئات العلمية فقط بهذه الحقيقة. وسوف نبحث في الصفحات القادمة المعطيات العلمية الخاصة بهذا الموضوع و التي تفند نظرية التطور و نرى كيف أن الداروينية لم تكن سوى خطأ كبير استفادت من عدم كفاية المستوى العلمي في القرن التاسع عشر.
1- Soren Lovtrup , Darwinism: The Refutation of A Myth, Croom Helm

يتبع

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:40 PM

أساطير الدارونية المنهارة و التعريف الصحيح للعلم

لو أننا أجرينا استطلاعا للرأي وشارك فيه المدافعون عن نظرية التطور في يومنا الحاضر من الصحفيين و الكُتَّاب و المفكرين و رجال العلم و الأكاديميين و سألناهم جميعاً: "ما الدافع الذي يجعلكم تعتقدون في صحة نظرية التطور، و ما هي الدلائل على صحة هذه النظرية؟" لكانت إجابات أغلبهم عبارة عن "أساطير" خاطئة تبعد كل واحدة منها كل البعد عن العلم. وسوف نعدد فيما يلي أكثر هذه الأساطير شُهرةً و أسباب بعدها عن الحقيقة.

1. يزعم مؤيدو التطور أن "التجارب التي قام بها رجال العلم قد أظهرت أن الحياة يمكنها أن تخلق نفسها بنفسها عن طريق بعض التفاعلات الكيميائية ". بيد أنه لا يوجد حتى تجربة واحدة تظهر صحة ما يذهبون إليه علاوة على ذلك فقد ظهر أنه ليس من الممكن أن يحدث هذا حتى على المستوى النظري.
2. يزعمون أن الحفريات تدل على حدوث وتيرة تطور على الأرض، إلا أنه و على العكس من ذلك تماما فقد أظهرت الحفريات "تاريخ الطبيعة" بشكل مخالف تماما لآراء نظرية التطور و بينت أنها خُلقت جميعاً في لحظة واحدة.
3. هم يظنون أن حفرية الطائر الأولى الشهيرة حفرية الطائر الأولي المجنح (طائر بدائي منقرض شبيه بالزواحف) تعتبر دليلا يثبت الزعم القائل بأن الزواحف قد تطورت إلى طيور. إلا- أنه فهم من هذه الحفرية أنها لطائر هوائي حقيقي كما أنه لم يوجد أي من الزواحف يمكن أن يُشار إليها على أنها جد لهذا الكائن الحي. و بتوضيح هذه الحقيقة، لم يبق ثمة دليل واحد يمكن أن يدعم رأي أنصار نظرية التطور القائل بأن الطيور تطورت تدريجيا من الزواحف.
4. يزعمون أن الحفريات المعروف أنها من سلاسل الخيول تشير إلى أن الحصان في وقتنا الحالي قد تطور من ثدييات ذات أبعاد أكثر صغراً. بيد أن موضوع سلاسل الخيول لم يسفر عن شيء سوى الفشل التام. حتى أن بعض الكائنات التي أشاروا إليها باعتبارها جدا أو سلفا للحصان كانت أكبر سناً و شيخوخة من الأجداد في الحقيقة، أي أنه لا يمكن أن يكون انتقالا كما ادعى أنصار نظرية التطور فيما بينهم. وبذلك يُلقى زعم كلاسيكي آخر لأنصار نظرية التطور في سلة المهملات.
5. يزعمون أن " فراشات الثورة الصناعية " الشهيرة في انجلترا تشكل دليلاً على التطور عن طريق الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي. غير أنه اتضح بما لا يدع مجالا لأي شك أن التغير الذي حدث في ألوان الفراشات في أثناء الثورة الصناعية لا يمكن أن يكون تطوراً تم بواسطة الاصطفاء أو الاختيار الطبيعي. فألوان تلك الفراشات لم تتغير، وكل ما حدث أن أعداد الفراشات البيضاء التي كانت موجودة قد تناقصت بفعل الظروف البيئية المحيطة، و في مقابل ذلك تزايدت الفراشات ذات الألوان الداكنة. لذلك بطلت هذه الفكرة التي كان يحتج بها أنصار نظرية التطور بوصفها أحد أدلتهم المزعومة بعد أن اتضح زيف هذه الحكاية من الناحية العلمية.
6. يزعمون وجود آثار و بقايا لحفرية خاصة "بالرجل القرد" و التي تشير إلى أن الإنسان و القرود قد انحدروا من جد واحد مشترك. بيد أن كل الادعاءات المتعلقة بهذا الموضوع لا تستند إلى أي دليل غير الحكم المسبق، حتى أن أنصار التطور اضطروا إلى القول أنه "لا يوجد دليل في موضوع تطور الإنسان ". و نسوق في هذا الإطار مثالا و هو ما قاله ريتشارد ليكاي Richard Leakey و هو أحد علماء الباليوأنثروبولوجيا (علم يبحث في أصول الإنسان القديم) على هذا النحو:
يتحدث ديفيد بيبام باستياء قائلاً: "لو أنكم جئتم برجل علم ذكي ماهر من فرع مختلف من فروع العلم و أطلعتموه على ما لدينا من دلائل غير كافية فإنه سيقول لكم و بكل تأكيد انسوا هذا الموضوع فليس لديكم دعامة أو سند كاف للاستمرار فيه." و مما لا شك فيه أنه لا ديفيد و لا غيره ممن يبحثون في موضوع جد الانسان سوف ينصاع ويأخذ بهذه النصيحة، غير أننا ندرك جميعاً و بشكل تام كم هو خطير أن تستخرج نتيجة استناداً إلى دلائل غير كافية إلى هذا الحد.(2)
أما ديفيد بيبام و هو من علماء الباليوأنثروبولوجيا المناصرين لفكرة التطور و الذي ذكره ليكاي في حديثه فقد أدلى باعترافه التالي في هذا الموضوع:

http://www.harunyahya.com/arabic/boo...athanwells.jpg


”لم يشمل مجال ترددي هذا الكتاب فحسب ( كتاب ريتشارد ليكاي الذي يحمل اسم الأصول) بل شمل أيضاً كل المجالات المتعلقة بعلم الباليوأنثروبولوجيا أيضاً. و تحجم الكتب المنشورة عن الخوض في ذلك لدرجة ان الذين يبحثون في موضوع تطور الإنسان طوال الأجيال التي أنا منها أيضاً يتخبطون في الظلمات. فما لدينا من معلومات غير كافية و لا يمكن أن نثق فيها إلى ما لا نهاية. (3).
و يتضح أن الحفريات التي يقولون إنها تعود إلى الجد المزعوم للإنسان إنما تعود إما إلى نوع من القرود التي انقرضت أو إلى عرق أو نسل إنساني مختلف. نتيجة لذلك، لم يتمكن أنصار نظرية التطور من إيجاد دليل واحد يؤكدون به ادعاءاتهم الخاصة بتطور الإنسان والقرد من جد واحد مشترك.
7. يزعمون أن الكائنات الحية بما فيها الانسان قد مرت بنفس بـ"مرحلة التطور"، و هي أجنة في رحم أمهاتها (أو في البيضة)، حتى أن الجنين البشري يكون له خياشيم و لكنه يفقدها بعد فترة. لقد ظهر و بالأدلة أن هذا الزعم لم يكن له أي أصل و أنه استند فقط إلى تزييف كبير للعلم. لقد قام العالم هايكل Haeckel و هو صاحب هذا الزعم بعمل تغييرات مقصودة و متعمدة في رسم الأجنة، و عمل جاهداً على إظهار وجود تشابه فيما بين بعضها البعض. و يجمع أنصار نظرية التطور أنفسهم على أن هذا الزعم ليس إلا تزييفا بعيدا كل البعد عن العلم.
8. يزعمون ان الأعضاء التي لا تستخدم، أي لا يكون لها وظيفة "تضمر" مع الوقت سواء أكان ذلك عند الإنسان أو لدى الكائنات الحية الأخرى. حتى إنهم يزعمون أن جزء كبيرا من الحامض النووي DNA ليس له وظيفة لذا فهو على حد قولهم "DNA خُرْدة ". بيد أن كل هذه الادعاءات تمخضت عن الجهل بالعلم في هذه الفترة، فكلما مر الزمن تقدم العلم، و قد أثبت العلم أن الأعضاء و كل الجينات لها وظائفها التي تقوم بها. و تشير هذه الحقيقة إلى أن الكائنات الحية لم يكن لها أعضاء ضمرت بسبب عدم استخدامها خلال وتيرة التطور، و أنها خُلقت بكامل أعضائها و بنائها دون أن يكون هناك نقص أو خلل، و لن يوجد ثمة أثر للمصادفات.
9. يزعمون أن هناك دليل تطور قوي بحدوث "تغير" (تنوع) داخل النوع الواحد للكائن الحي – على سبيل المثال البناء المختلف لمناقير عصافير الدوري ( الحَسُّون ) الموجودة في جزر جالاباجوس. غير أنه من المعلوم أن هذا لن يكون دليلا على التطور. إن التغيرات التي تتم على المستوى "المجهري أو الدقيق" كما هو الحال بالنسبة للاختلافات الموجودة في بنى المناقير لا يمكن أن توجد معلومة إحيائية جديدة، أي لن تخلق أعضاء جديدة، و لهذا السبب لا يمكن أن تضمن حدوث التطور. و نتيجة لذلك يُسلِّم الداروينيون الجدد أيضاً بأن حدوث بعض التغيرات والتنوعات داخل النوع الواحد لا يمكن أن تكون سببا في حدوث التطور المزعوم.
دخلت نظرية التطور إلى المناهج التعليمية في الدول الغربية اعتباراً من القرن التاسع عشر وتم تدريسها للأجيال الشابة على اعتبار انها حقيقة علمية. وكانت النتيجة أن كل من درس هذه النظرية أصبح في الحقيقة من "المؤيدين" تماماً لتلك النظرية المناقضة للعلم.

10. هم يزعمون أنه من الممكن تخليق أنواع جديدة من الكائنات الحية مع الطفرات الإحيائية التي تحدث في التجارب التي أُجريت على ذباب الفاكهة. غير أن هذه التجارب التي أجريت على ذباب الفاكهة لم تسفر إلا عن ذباب مشلول غير مكتمل الأعضاء، و لم يُلحظ حدوث أية طفرة احيائية مفيدة ً. إن عدم القدرة على استنباط أنواع جديدة في الطفرات الاحيائية التي تمت تحت إشراف رجال العلم المتخصصين من أصحاب العقل و العلم ليس دليلا على التطور، وليس تطوراً. و لهذا السبب فليس من الممكن الإشارة إلى الطفرات الاحيائية على اعتبار أنها تمثل دليلا على التطور.
و في مواجهة سؤال " لماذا تؤيدون نظرية التطور ؟" فسوف نجد أن معرفة عدد كبير من المشاركين في استطلاع الرأي لم تكن سوى معرفة سطحية، و سيجيبون بعدد قليل من الأدلة المزعومة التي استعرضناها. فقد أقنعتهم الأساطير التي قرأوها لمرة واحدة يوما ما في ركن من جريدة أو مجلة أو استمعوا اليها من مدرسي الثانوي أو رأوها في المصادر الخاصة بفكرة التطور، وبالتالي لم يجدوا ضرورة لاستيضاح الأمر أكثر أو للسؤال بشكل أكبر. غير أن الحقيقة هي أن كل دليل من الأدلة التي ساقوها لا تتعدى كونها أدلة فاسدة.
و هذا ليس مجرد زعم أو ادعاء، فهو عين الحقيقة فقد استطاع العلماء الذين ينتقدون نظرية التطور إثبات هذه الحقائق بالقرائن المادية. و سوف نعرض في صفحات قادمة من هذا الكتاب للحقيقة نفسها. ويقول عالم الاحياء الامريكي جونسان ويلز Jonathan Wells (4) و هو أحد الأسماء المهمة التي تنتقد الداروينية إنه يحفظ عن ظهر قلب كثيرا من مؤيدي التطور إلا أنه يعرف أساطير التطور التى نتحدث عنها والتي تعتمد كل واحدة منها على معتقدات باطلة يعرفها على أنها " أيقونات التطور" . والأيقونة هي اسم احتل مكانا في بعض الأديان و المعتقدات الباطلة، وتطلق على الرموز التي تُذَكِّر بمن ينتسبون. أما الأيقونات التي استخدمها المرتبطون بنظرية التطور (5) التي هي دين إلحادي حتى يحافظوا على استمرار معتقداتهم مثل الأشكال التي لا تتعدى كونها تزييفا للعلم و الحقيقة مثل رسم "الإنسان القرد " و " الخياشيم الموجودة في الجنين البشري " بالإضافة إلى الأشكال التي عرضناها في السابق كلها كانت عبارة عن أساطير لا أصل لأي منها.
ويحصي ويلز في كتابة الذي يحمل عنوان "أيقونات التطور: هل هي علم أم أسطورة؟ لماذا أن معظم ما تعلمناه عن التطور كان خطئاً ؟" يحصي عشرة من أيقونات التطور متوازية مع الأساطير التي أحصيناها هنا، ويتحدث بالتفصيل عن أسباب فساد هذه الأساطير وعدم صحتها.

http://www.harunyahya.com/arabic/boo...jaminwiker.jpg

كتاب لبنيامين ويكر

Benjamin Wiker

كل هذه الأساطير في وضع المنهار اليوم. و لا يوجد أيضاً لدى أنصار فكرة التطور أي دليل جديد يمكن أن يعرضوه بديلا عن هذه الأساطير. و مع هذه الأسباب فان الداروينية هي نظرية قديمة فاسدة، وهي تبدو مقنعة بالنسبة إلى بعض الأشخاص "في الأزمنة المنقضية "، و في مستوى علمي غير كاف ساد القرن التاسع عشر، إلا أن ذلك القناع الذي بدت عليه قد أُسقط تماماً في القرن الواحد و العشرين.
فلا تعارض على الإطلاق بين الدين و العلم.
سوف نتناول بالبحث في الصفحات القادمة أساطير الداروينية المنهارة، إلا أنه يجب علينا قبل هذا أن نفنِّد الدافع الذي يربط الكثير من مؤيدي فكرة التطور بهذه النظرية.
وهذا الدافع هو القالب المزيف الذي يطلق عليه اسم "الصدام بين الدين و العلم". و خارج هذه الحقيقة يزعم المدافعون عن هذا القالب أن نظرية التطور قد أصبحت حقيقة لها ما يؤيدها من القرائن و الأدلة العلمية التي يسلم بها "رجال العلم" بقناعة مشتركة. و هم يزعمون أن حقيقة الخلق هي ضرورة للاعتقاد فقط، وهي تختلف عن العلم. غير أن هذه الادعاءات بعيدة كل البعد عن الحقيقة. و كمثال على ذلك يمكن أن نعرض المناقشة التي تمت في موضوع ضرورة تدريس نظرية التطور في المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من أن هذه المناقشة قد تمت على مستوى علمي تماماً، إلا أنه وُجد من يحاول أن يظهره بشكل "عدم التوافق بين الكنيسة و رجال العلم ". و في تركيا أيضا عندما نتأمل في الأخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام في هذا الموضوع، أو عندما ننظر إلى المقالات الخاصة بهذا الموضوع و التي يكتبها الكُتَّاب في الجرائد نرى أنهم جميعاً قد استخدموا نفس القالب السطحي الخاطئ.

و هذا القالب خاطىء تماماً للأسباب التي سوقها فيما يلي:
في البداية يتم الدفاع عن الخلق بالأدلة العلمية. إن نقاش الخلق - التطور الدائر في العالم اليوم لم يكن بين " الكنيسة و رجال العلم " و إنما هو يجري بين رجال العلم الذين يرون عدم صلاحية نظرية التطور و رجال العلم الذين يصرون على تأييد النظرية نفسها. إن كل الدلائل العلمية الموجودة تقف ضد التطور. و بفضل هذه الدلائل و القرائن تعرضت نظرية التطور للسقوط في الولايات المتحدة الامريكية اعتبارا من النصف الثانى من التسعينات، بل و اتخذت عدد من الولايات هناك مثل كنساس و جورجيا و أوهايو القرار بضرورة تدريس هذه القرائن التي تشير إلى عدم صلوحية تدريس نظرية التطور في مدارسها. ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية معارضة قوية إلى حد ما لنظرية التطور. و جميع أعضاء هذه الحركة من رجال العلم الذين لهم رصيد مهني في أكبر جامعات الولايات المتحدة الأمريكية. حتى إن البروفيسور كينيون – وهو كان واحدا من أشهر المدافعين عن نظرية التطور بأطروحته التي قدمها في السبعينات فيما يتعلق بأصل الحياة و التطور الكيميائي - تحول هو أيضا إلى واحد من ممثلي الحركة المضادة لنظرية التطور، و تحدث عن أن أصل الحياة لا يمكن أن يفسر بالتطور و إنما بالخلق.
المذهب الاعتقادي الذي ورثته الداروينية عن أبيقور

يحكي بنجامين ولكر و هو مدرس العلوم و التكنولوجيا في جامعة فران سيسكان في كتابه الذي يحمل اسم Moral Darwinism: How We Become Hedonists ? ( الداروينية الأخلاقية: لماذا تحولنا إلى أشخاص منغمسين في الملذات الحسية المادية؟ ) يحكي بالتفصيل كيف أن المفكرين الماديين من المؤيدين لنظرية التطور الداروينية في اليونان القديمة و روما قد أصبحوا نسخة معدلة لفلسفة أبيقور و لوكريتيوس. و قد تحدث هذان المفكران عما جاء به داروين فيما بعد من حيث:

1. أن الطبيعة "هي ذلك النظام الذي يعمل من تلقاء نفسه".
2. أن ما بين الكائنات الحية من منافسات و معارك حياتية إنما يحدثه التطور الذي يتم بدوره بواسطة الاصطفاء أو الاختيار الطبيعي الفطري.
3. و كتبا بالتفصيل في معرض حديثيهما عن الطبيعة و الكائنات الحية عن الأفكار البعيدة عن الحقيقة مثل عدم إعطاء تفسير غائي للأشياء ( أي ألا تتوصل إلى تفسير لشيء ما بواسطة الفكر الغائي الذي يقول بأن كل شيء في الطبيعة مقصود منه تحقيق غاية معينة).
أما ما يلفت الانتباه حقاً، هو أن هذه الآراء لم تكن مستندة على أساس علمي. فلم يقم لا أبيقور و لا لوكريتيوس بتجارب و لا ملاحظات علمية، و كان كل ما قاموا به هو أنهم وجَّهوا الأمر كله بشكل يتوافق و رغباتهم هم فقط. بل و الأكثر من ذلك أن نشأة هذا المنطق كان غريبا للغاية. فقد أوضح أبيقور أنه لا يريد أن يقبل بفكرة وجود إله و أن هذه الحقيقة تقترن بالاعتقاد بوجود آخرة، لهذا فهو يشعر بأنه مقيد و محاصر. وأوضح أنه طوَّر فلسفته كلها حتى يتخلص من هذا الموقف الذي لا يرغب في التسليم به. أو بقول آخر إن أبيقور اختار لنفسه المذهب الإلحادي لأنه هو الذي سيحقق الراحة النفسية له. و اندفع بعد ذلك لتكوين وجهة نظر دنيوية تستند في الأساس على اختياره هذا أيضاً. و مع هذا عمل على إيجاد تفسير إلحادي لا يمت إلى الدين بصلة لمواضيع مثل النظام الموجود في الكون و أصل الكائنات الحية، و انطلاقا من هذا الهدف تبنى الأفكار الرئيسية للتطور.
ويعلق بنجامين ولكر الذي شرح بشكل مفصل العلاقة بين أبيقور و داروين التي تناولناها نحن بشكل مقتضب:

http://www.harunyahya.com/arabic/boo...m/mountain.jpg

أن الدارويني الأول لم يكن داروين بل كان أبيقور ذلك اليوناني صاحب السمعة السيئة الذي ولد في عام 341 قبل الميلاد في جزيرة صاموص. فهو من أقام الأسس الفلسفية للدارونية لأنه هو من أقام علم الكونيات (الكوزمولوجيا) المادي الالحادي البعيد عن الدين. و وفقا لعلم الكونيات هذا، فإن التأثير و التأثر العشوائي للمواد الجامدة التي لا حياة فيها لم يكوِّن الأرض فقط بل تسبب أيضا في وجود كل ما عليها من أشكال الحياة التي لا تعد و تحصي، و كان ذلك نتيجة لسلسلة من الحوادث التي جرت عن طريق المصادفة في الزمن الأبدي غير المتناهي. لم يستند أبيقور إلى أي دليل أو قرينة وهو يصيغ علم الكونيات، بل صاغه معتمدا على فكرة تجريد العالم من فكرة الخالق...
إن النفور الذي شعر به أبيقور نحو الدين ربطه بالحديث، لأن الداروينيين العصريين هم ورثة أبيقور أيضاً. و في نهاية طريق طويل و متعرج تحول أحد الأشكال المعدَّلة للمادية الأبيقورية الأساس الذي قامت عليه المادية العلمية في يومنا الحاضر. فكان علم الكونيات الذي افترضه داروين في أصل الأنواع و شكلت حتى يومنا الحاضر الأساس الفكري لأولئك الذين يغفلون التصاميم الموجودة في الطبيعة.(6)
وليس منطلق الدفاع بإصرار عن نظرية التطور في يومنا الحالي بسبب أنهم "متحيزين للعلم" و إنما كونهم "متحيزين للمذهب الإلحادي". أما ارتباطهم بالمذهب الإلحادي فينبع كما هو الحال عن أبيقور، و هم أصحاب الفكرة الأصليين في موضوع الصدام بين التسليم بوجود الله و بين ميولهم الأنانية.
ويجب أن نوضح هنا أن الله سبحانه وتعالى قد بين في القرآن الكريم موقف المنكرين و الملحدين، فالآية رقم 14 من سورة النمل توضح موقف هؤلاء الأشخاص تماماً "وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و عُلُواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" (النمل: 14). و في آية أخرى "أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً" (الفرقان: 43).

وتدخل الجماعة الأبيقورية – الداروينية التى تنكر وجود الله تعالى ضمن أولئك الأشخاص الذين تحدثت عنهم الآية و عرَّفت بهم. والسبب في ذلك أن اعتبار النقاش حول التطور والخلق "صدام بين العلم و الدين" خديعة كبيرة.
إن الخلق و التطور فيه توضيح و تفسير لأصل الكون والكائنات الحية، وهما موجودان منذ عصور التاريخ السحيقة. إلا أنه يجب النظر إلى الاستنتاجات العلمية والاطلاع عليها حتى نتمكن من فهم أي من هذين التفسيرين صحيح من الناحية العلمية. و قد اثبتت جميع الاستنتاجات العلمية سواء التي سقناها في هذا الكتاب أو تلك الموجودة في كتبنا الأخرى خطأ نظرية التطور، أما حقيقة الخلق فأنا أؤكد مرة أخرى على أنها صحيحة.

الخطأ الذي أُضطر معه العلم إلى أن يكون إلحادياً

لا توجد ضرورة لعلم إلحادي، أي الاعتقاد في أن الكون هو المادة فقط ولا يوجد شعور أو إدراك خلف هذه المادة. إن العلم يبحث في الاستنتاجات، وهو يقبل بالاستنتاجات القاطعة و الصحيحة تماما مهما كان المكان الذي سيقودنا إليه.
و تشير و بوضوح فروع العلم المختلفة اليوم مثل الفيزياء الفلكية و الفيزياء و الأحياء أن التفسير الذي يتم في الكون و الطبيعة عن طريق المصادفة هي عبارة عن نماذج مستحيلة للخلق، و تبرهن الأدلة على وجود خالق. و هذا الخالق هو الله الذي خلق السماوات و الأرض و كل شيء بينهما سواء أكان من الأحياء أو من الجمادات، وهو وحدة صاحب القوة و العقل الأبديين.

أما الاعتقاد الذي لا يوجد دليل يبرهن على صحته فهو المذهب الإلحادي.
أما الدارونية التي تعتبر أهم دعامة للمذهب الإلحادي فقد أصبحت في حكم المنهار كما سنوضح في الصفحات التالية.

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:44 PM

الاعتقاد قديما بأن الحياة بسيطة و غير معقدة
الدارونية هي زعم يرى أن كل أنواع الحياة الموجودة على سطح الأرض قد تكونت نتيجة للمصادفة وحدها دون أن يكون ذلك مخططا له أو أن يكون هناك هدف من وراء ذلك. و يحتل ظهور أول كائن حي داخل المادة الجامدة مكانه في الحلقة الأولى من هذا الزعم. و يجب الإشارة إلى أنه سيصبح ممكناً أن يتشكل هذا الكائن الأول من المادة الجامدة عن طريق المصادفة، بل ثمة نقاش حول هل ستصبح "وتيرة التطور" طبيعية أم ستكون عكس ذلك.
حسناً إذن ماذا سيظهر لو أننا قسنا الحلقة الأولى تلك بالمعطيات العلمية؟ أي هل من الممكن أن يخرج كائن حي من داخل المادة الجامدة بفضل هذه المصادفات؟
فقد كان يُعتقد قديماً أن الملاحظة و التجارب قد أجابت بشكل إيجابي على السؤال الوارد سابقا، أي أنهم كانوا يعتقدون أن الكائنات الحية يمكن أن تنشأ من تلقاء نفسها من دخل المواد الجامدة، لأن "الملاحظات و التجارب" التي نتحدث عنها بدائية للغاية. و قد كان المصريون القدماء أول من قام بهذه الملاحظات و تلك التجارب. فقد كان هذا الشعب الذي عاش حول نهر النيل يظن أن الضفادع التي يزداد عددها حول النيل في موسم المطر و الفيضان قد ظهرت من الطين و بتأثير من النيل. ولم تكن الضفادع وحدها فقد كانوا يعتقدون أيضا أن الخراطين "دود الأرض" و الفئران تظهر أيضل من الطين على ضفتي النهر الذي يفيض مع اندفاع المياه. إن "الملاحظات" السطحية التي قاموا بها هي التي جرتهم إلى اعتقاد باطل كهذا.
ولم يكن هذا في مصر القديمة فقط، فقد انتشر في كثير جداً من المجتمعات الوثنية في العصور القديمة ذلك الاعتقاد لذي يمكن أن يتخطى بسهولة الحد الموجود بين الكائن الحي و الجمادات . فترى الفلسفة الهندوسية، أن الكون كان قد تكون من مادة ضخمة مستديرة يطلق عليها اسم "براق ريتي"، و أن كل الكائنات الحية و الجمادات نشأت من تلك المادة الأولى و تطورت عنها و أنها آخذة في التحول مرة أخرى إلى براق ريتي. وفي قصيدة له حملت عنوان "الطبيعة" كتب أناكسيمنديريس (Anaksimenderes) - أحد تلامذة طاليس الفيلسوف اليوناني القديم- أن الحيوانات قد جاءت إلى الوجود من الصلصال الذي تبخر بفعل أشعة الشمس.
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...inism/frog.jpg
من هنا يتضح أن الأساس في كل هذه الاعتقادات الباطلة قد اعتمد على بنية بسيطة بدائية للحياة. وقد حمت أوروبا التي ولد بها العلم الحديث هذه الاعتقادات لفترة طويلة. لقد بدأ العلم الحديث يأخذ طريقة نحو التطور ابتداءً من القرن السادس عشر، إلا أنه ونظرا لعدم وجود الإمكانيات الكافية لدى رجال العلم في ذلك الوقت من أجل دراسة تفاصيل الحياة و دراسة الجزيئات التي لا تُرى بالعين المجردة ظل بعض منهم طيلة ثلاثة قرون على الأقل مقتنع ببدائية الحياة. وقد اعتمدت قناعتهم تلك على بعض التجارب و الملاحظات السطحية. ومثال على ذلك التجربة التي قام بها الكيميائي البلجيكي جان بابتيستا فون هيلمونت Jan Baptista Von Helmont ( 1580 – 1644 ) عندما قام بنثر بعض من حبوب القمح على قميص متسخ، وعندما شاهد بعد مدة انتظار محددة وجود الفئران حوله ظن أن الفئران فد نشأت و تكونت نتيجة الاختلاط و التمازج بين القميص و القمح. وهناك تجربة أخرى مشابهة قام بها العالم الألمانى Athanasius Kircher ( 1680 – 1601 ). فقد صب العسل على الذباب الميت، و بعد مدة من الانتظار لاحظ وجود ذباب يطير فوق العسل، فظن أن الذباب الميت متحداً مع العسل أنتج الذباب الحي. الا أن العلماء الأكثر وعيا كانوا يتمكنون من إدراك خطأ كل واحدة من تلك التجارب. فقام العالم الايطالي فرانسيسكو ريدي ( 1697 – 1626) لأول مرة بتجربة أكثر إحكاماً في هذا الموضوع.

دحض لويس باستور Louis Pasteur ، بالتجارب العلمية فكرة ان الحياة يمكن تتولد من تلقاء نفسها من داخل المادة غير الحية. و بناءا على هذه النتيجة تم تحجيم خيالات نظرية " التطور " لصاحبها داروين.



لازارو سبالانزانى

Lazzaro Spallanzani

فأوضح مستعيناً بطريقة العزل أن الديدان الموجودة في اللحوم لم تتكون من تلقاء نفسها كما أن مجيء الذباب يكون بخروجه من اليرقات التي يضعها. و أوضح أن الكائنات الحية لا يمكن أن تأتي من الجمادات مدافعا عن إمكانية انحدار الكائنات الحية من كائنات حية أخرى. وعُرفت آراؤه تلك بـ"نظرية النشوء الإحيائي " biogenez. أما وجهة النظر التي تقول بأن الكائنات الحية يمكن أن تتكون من تلقاء نفسها فقد عرفت باسم "نظرية التولُّد التلقائي " abiogenez. و قد واصل اثنان من رجال العلم في القرن الثامن عشر هما جون نييدهام John Needham ( 1781 – 1713 ) و لاظَّارو سبالاسنزاني Lazzaro Spallanzani (1799 – 1729) استمرّا في المناقشة العلمية بين مؤيدي "نظرية النشوء الإحيائي" ومؤيدي "نظرية التولُّد التلقائي أو الذاتي". فقام كل منهما بعزل قطعة من اللحم بعد غليها. و لاحظ نييدهام أن الديدان قد تكونت مرة أخرى في اللحم فعدَّ ذلك دليلا على صحة نظرية التولُّد الذاتي. أما سبالاسنزانى فقام هو الآخر بتكرار التجربة نفسها، إلا أنه قام بغلي اللحم مدة أطول. وبذلك يكون قد قتل كافة الصور و الأشكال العضوية الموجودة فيها. و وجد في النهاية أن اللحم لم يدود( لم يظهر الدود) . و بذلك يكون سبالاسنزاني قد نجح في إثبات عدم صحة نظرية التولُّد الذاتى. إلا أن رأيه هذا قوبل بالرفض مرة أخرى ولم يصدقه كثير من الناس. و قالوا إن سبالاسنزاني "قام بغلي اللحم بشكل مبالغ فيه، ومن ثم قتل طاقة الحياة الموجودة داخله".
وبينما يعمل تشارلز داروين على تطوير نظريته، كان موضوع أصل الحياة يشوبه الغموض بسبب مناقشات كتلك. وكان هناك كثير ممن يعتقدون أن البكتريا والميكروبات الأخرى و إن لم تُر بالعين المجردة مثل الديدان تتكون و تُشتق من المواد الجامدة. و في عام 1860 جاء عالم الأحياء الفرنسي الشهير لويس باستور Louis Pasteur و فند بتجاربه ادعاءات نظرية التولد الذاتي التي استمرت لعصور. ومع ذلك ظلت الأفكار الخاصة بنظرية التولد الذاتي راسخة في أذهان كثير من الناس. لهذا السبب قلما فكر داروين في موضوع الكيفية التي ظهرت بها الخلية الأولى. ولم يبد أيّ تصريح بخصوص موضوع أصل الترك الذي نُشر عام 1859. كما أنه لم يمل إلى هذه المسألة حتى بعد أن أظهرت تجارب باستور أن هذا الموضوع أصبح يمثل مشكلةً كبيرة بالنسبة للدارونية. فقد كان التفسير الوحيد المعروف بخصوص أصل الحياة في اتجاه أنها يمكن أن تكون قد تكونت "في بحيرة صغيرة حارة". و في خطاب كتبه إلى جوزيف هوكر في عام 1871 تحدث داروين قائلاً:

The Origin of Species
”بصفة عامة يُقال إن الظروف الملائمة لإنتاج أول كتلة عضوية للكائن الحي يجب أن تكون متواجدة في كل وقت. ولكن لو أنها تكونت كيميائيا بالاتحاد بين بروتينات في بحيرة صغيرة حارة / ساخنة يوجد بها الضوء و الحرارة و الكهرباء...الخ و يوجد بها أيضاً الغبار الفسفوري و ملح النشادر، و لو أصبحت جاهزةً كي تمر بتغيّرات أخرى معقدة لكانت هذه المادة قد امتصت في يومنا الحاضر، و لكن من المستحيل أن يوجد وضع كهذا قبل وجود المخلوقات الحية“.7

باختصار لقد كان داروين يدافع عن الطرح القائل بأنه من الممكن في حال وجود بعض الكيماويات التي يعتبرها المادة الخام للحياة داخل بحيرة حارة أن تتكون البروتينات و أن تتزايد أعدادها، و يحدث نوع من الاتحاد فيما بينها ثم ينتج عن تلك العمليات الخلية الحية. بل و الأكثر من ذلك أنه زعم أن تكوينا كهذا لا يمكن و أن يتم تحت شروط الحياة الموجودة في يومنا، و أن امكانية حدوثه كانت قائمةً في العصور القديمة.
لقد كان زعم داروين عبارة عن مضاربة لا تعتمد على أيّ أساس علمي. غير أن هذه المضاربات ستصبح مصدر إلهام لأنصار التطور الذين سيأتون بعده، و ستبتديء جهداً يائساً يستمر قرابة قرن.
وقد اعتمد هذا الجهد اليائس على خطإ علمي استطاع أن يحمي وجوده طيلة عصور. وبقيت الحياة تفسر على أنها تكوّنت بمحض المصادفة...


ج. ب. س. هولداين

J. B. S. Haldane

الكسندر اوبارين

Alexander Oparin
و مر منذ ذلك الوقت زمن طويل على هذا الجانب و كأنه قرن.

بذل آلاف العلماء جهدهم حتى يأتوا بتفسير لأصل الحياة يتوافق و نظرية التطور. وكان ألكسندر أوبارين Alexander Oparin و جي. بي. إس هالدان J. B . S Haldane هما أول من عبَّد الطريق لذلك. اقترح هذان العالمان اللذان يشتركان في أن كليهما ماركسي الهوى - و إن كان أحدهما روسي و الآخر إنجليزي- نظرية عُرفت فيما بعد باسم "التطور الكيميائي". وقد ادعيا كما تخيل داروين أن الجزيئات التي هي المادة الخام للحياة قد تطورت من تلقاء نفسها بفضل مساهمة الطاقة، وتمكنت من تكوين خلية حية.
لقد اكتسبت الأطروحة التي قدمها كل من أوبارين و هالدان طابع السرعة في منتصف القرن العشرين، لأنه لم يكن معروفاً بعد إلى أيّ مدى كون الحياة معقدة، كما أن التجربة التى قام بها الكيميائي الشاب ستانلي ميللر Stanley Miller قد وفرت الدعم العلمي لنموذج "التطور الكيميائي".
تجربة ميللر قديماً
إذا نظرتم إلى المصادر التي تتحدث اليوم عن أصل الحياة اليوم، فهناك احتمال كبير أنكم سوف ترون أنها أشارت إلى "تجربة ميللر" باعتبارها أكبر دليل على الأطروحات التي يدافعون عنها. تروي كتب الدراسة المتعلقة بالأحياء في عدد كبير جدا من الدول للطلاب إلى أي مدى كانت هذه التجربة بمثابة استنتاج مهم للغاية، وكيف أنها هي التي " فسَّرت و أنارت قضية أصل الحياة " المزعومة. وقد أُهملت تفاصيل التجربة في كثير من الأحيان. فيتم إهمال ما أسفرت عنه التجربة و إمكانية أن تكون هذه النتيجة قد "سلطت الضوء" على مسألة أصل الحياة.

وحتى يمكن أن نسلط الضوء على هذه التجربة دعونا أولا نلخص باختصار الحقائق التي أفردنا لها مكاناً بشكل مفصل في ثنايا دراستنا.
قام ستانلي ميللر الطالب في قسم الكيمياء بجامعة شيكاغو تحت إشراف استاذه هارولد أوري أيضا بتجربته في عام 1953، حيث هيأ خلالها جواً مكونا من مزيج من الغازات افترض أنه أشبه ما يكون بذلك الذي وُجِدَ في العالم البدائي. بعد ذلك قام بتوصيل تيار كهربي إلى داخل هذا المزيج لمدة استمرت أسبوعا تقريباً، و في نهاية هذه الفترة لاحظ أن بعض الأحماض الأمينية – المستخدم منها و غير المستخدم – في الكائنات الحية قد تركبت و تمازجت مع بعضها البعض.
والواقع أن الأحماض الأمينية هي لَبِنَات البناء الخاصة بالبروتينات التي تعتبر بدورها الأسس الأكثر أهمية التي يحتاج إليها الجسم. فتتحد مئات من تلك الأحماض الأمينية مع بعضها البعض بشكل مرتب داخل الخلية، وبذلك تتكون البروتينات. كما أن الخلايا تأتي من البروتين في عدة آلاف من الأنواع المختلفة. أي أن الأحماض الأمينية هي أكثر الأجزاء صغراً في الكائنات الحية.
ولهذا السبب أيقظت العملية التي قام بها ميللر حماساً كبيراً بين أنصار التطور. وولدت " أسطورة تجربة ميللر " التي ستستمر عشرات السنوات.
بيد أن هذه الأسطورة كانت فاشلة وغير صالحة.

ستانلي ميللر

Stanley Miller

و قد بدأت هذه الحقيقة في الظهور بشكل تدريجي وببطء. فثبت أن الجو في السبعينات من القرن العشرين لم يكن يحتوي على غازي الميثان و النشادر، و بدلا من ذلك كان يتركز و بشكل رئيسي غازا النيتروجين و ثانى أكسيد الكربون. و هذا ما جعل سيناريو ميللر أيضاً لا يفضي إلى شيء لأن هذه الغازات التي نتحدث عنها ليست ملائمة على الإطلاق لتكوُّن الحامض الأميني. و قد لُخصت هذه الحقيقة في مقالة نشرت بتاريخ 1998 في مجلة الجيولوجيا على النحو التالي:
”اليوم أصبح السيناريو الذي افترضه ميللر يواجه بالشكوك. و أحد أسباب ذلك كان تسليم علماء الجيولوجيا أن الجو في المرحلة البدائية كان يتكون بشكل رئيسي من ثانى اكسيد الكربون و النيتروجين. أما هذه الغازات فكانت نشطة و فعالة و لكن بشكل ضئيل أكثر مما هو مستخدم في التجربة (تجربة ميللر) التي أجريت في عام 1953“. 8
و قد تم إفراد مكان للظروف المتعلقة بهذا الموضوع أيضاً في إحدى المقالات التي نشرت في العام نفسه في مجلة National Geographic، وهي من المجلات الشهيرة المتخصصة:
يعتقد عدد كبير جدا من العلماء اليوم أن الجوّ الذي وُجِدَت فيه الحياة البدائية كان مغايراً لذلك الذي زعم به ميللر. و هم يرون أن الهواء في البيئة البدائية كان يتكون ثاني أكسيد الكربون بشكل أكبر من الهيدروجين و الميثان و النشادر. وكان هذا بمثابة الخبر السيّء بالنسبة إلى الكيميائيين! وقد كانت مقادير المركبات العضوية التي حصلوا عليها عندما أدخلوا ثاني أكسيد الكربون والنّيتروجين في التفاعل كانت عديمة القيمة. 9
يعتبر التّعليق الذي حواه المقال الذي نشره جون كوهين John Cohen في مجلة العلم في عام 1995 بمثابة المفسر لهذا الموضوع أيضاً. فقد بيَّن كوهين أن العلماء الذين بحثوا في أصل الحياة لم يأخذوا تجربة ميللر بعين الاعتبار، ولخّص السّبب وراء ذلك كما يلي: "لأنّ الغلاف الجوي أو الهواء في الحياة المبكرة لم يكن يتشابه مع ادعاءات ميللر – أوري". 10
و هناك نقطة أخرى أثبتت عدم صلاحية تجربة ميللر ألا و هي الإعلان عن احتواء الهواء في المراحل المبكرة من الحياة على كمية وفيرة من غاز الأوكسجين. كل ذلك أدخل سواء تجربة ميللر أو سيناريوهات الكيميائيين الآخرين في طريق مسدود لأن الأوكسجين له خاصية أكسدة كافة الجزيئات العضوية. وقيام أنظمة أنزيمية خاصة للغاية موجودة في الجسم بمنع هذا الخطر. لذا فإنّ عدم أكسدة أو عدم احتراق جزيء عضوي يتحرك بطلاقه في الطبيعة نتيجة اتحاده بالأوكسجين هو في حقيقة الأمر ضرب من ضروب المستحيل.
وعلى الرّغم من كل تلك الحقائق ظل يُشار إلى تجربة ميللر طيلة عشرة سنوات كما أوضحنا في السابق على أنّها اكتشاف علمي مهم للغاية في تفسير أصل الحياة. وقُدِّمت إلى الطلاب في كتب الأحياء الدراسية على النحو نفسه. و خلال هذا التقديم لتجربة ميللر كانت تُختار العبارات المُوَجِّهة مثل: " لقد أشار ميللر إلى الكيفية التي تتألف بها المركبات العضوية مع بعضها البعض" أو " لقد أشار ميللر إلى الكيفية التي تكونت بها الخلايا الحية الأولى".
وبذلك يكون هناك عدد كبير جداً من المتعلمين قد غُرِّر بهم و تم خداعهم في هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال من الممكن أن تصادفنا في بعض المقالات التي تتحدث عن نظرية التطور عبارات مثل "تنشأ الحياة عندما تمتزج المواد العضوية مثل الحامض الأميني و البروتين مع بعضها البعض وتغلي، ومن ثم تبدأ الحيوية ويدبّ النشاط ". و هذا هو واحد من المعتقدات الباطلة التي خلفتها أسطورة تجربة ميللر في الاذهان. والحقيقة هي أن أحدا لم ير في أي وقت من الأوقات "أن الحياة تنشأ وتتكون عندما تختلط المواد العضوية مثل الحامض الأميني و البروتين و تُغلّى معاً". فتجربة ميللر التي حاولت تفسير الحياة بتكون الأحماض الأمينية هي كما أوضحنا في السابق تجربة قديمة لا يعترف العلم بأي صلاحية لها. تماما مثل "تجارب" جان باتيستا فون هيلمونت أو Athanasius Kircher التي افترضت أن اللحم الذي يوجد به دود يعد دليلاً على التولد التلقائي. و يقيم جيريمي ريفكن نفس التشابه في كتابه الذي يحمل عنوان ”سقوط داروين“ و ترجم إلى اللغة التركية. فلو أن العلماء قد تحملوا مشقة الإحساس بمقدار ضئيل من الشك و الريبة فإنهم كانوا قادرين على أن يروا و يميزوا في لمح البصر أن هذه التجربة (تجربة ميللر) لا تتعدى كونها حكاية نظرية تخمينية، تماماً مثلما فعل رجال العلم في السنوات السابقة لذلك عندما زعموا أن الحياة تخرج من المادة الجامدة بعد أن لاحظوا يرقات الذباب التي خرجت من الزّبالة.
و هناك نقطة مهمة للغاية لم يستطع أولئك الذين يعتقدون أن تجربة ميللر هي اكتشاف علمي مهم: وهذه النقطة هي أن ميللر قد قام بتجربته مُهيئاً شروطا اصطناعية وضعها هو، أي ليس لها أدنى علاقة بالهواء أو الغلاف الجوي في تلك الرحلة البدائية من الحياة بمعنى أن ظروف التجربة لم تكن صحيحة. و الأهم من ذلك كله أنه تمكن من تركيب الحامض الأميني فقط دون أن يقدم دليلا قاطعاً على أنّ تكوُّن الحامض الأميني يعني تكون الحياة.
لو أننا شبَّهنا خلية الكائن الحي بمصنع عملاق، فإن كل واحد من الأحماض الأمينية هي الأَجُرَّ " التي يبنى بها " هذا المصنع. و هي الكيفية التي تُرتب و تُصمم بها هذه الأجُرّ المهمة. فلم تشر أية تجربة أجريت حتى الآن إلى أن الأحماض الأمينية تُنظَّم عن طريق المصادفة أو من تلقاء نفسها، كما أنها لم تكون بروتيناً وظيفياً. ولكي توجد الحياة فلا بدّ من فلا بد من أن تتكون شفرات الـ DNA "الحامض النووي الريبي منقوص الأوكسجين" و كذلك الأنزيمات التي تفسر هذه الشفرات، و يجب أن يتكون أيضاً غشاء خلية نفَّاذ (يسمح بالنفاذ) إلى غير ذلك من عمليات أخرى. أي أنه يجب أن تتكون أنظمة معقدة للغاية. و لم يُشر في أي وقت من الأوقات إلى إمكانية حدوث "تطور كيميائي" مثل هذا. بل و الأكثر من ذلك أن الاعتقاد في شيء كهذا هو على وجه الدقة اعتقاد بالمستحيل. و كان لـ"بول دافيس" Paul Davies - وهو فيزيائي له شهرة عالمية و له كتابات علمية - تعليقه الخاص أيضا بخصوص هذا الموضوع:

Jeremy Rifkin

جرمي ريفكين
يعتقد بعض من العلماء أن"الحياة" تتكون من تلقاء نفسها بمجرد إضافة قدر من الطاقة فقط. و هذا يتشابه بالضبط مع قولنا: لنضع ديناميت تحت كومات من لبنات الآجُرّ، ثم لتنفجر هذه الكومات، و جرَّاء هذا الانفجار سوف يتشكل بيت! و مما لا شك فيه أن هذا الانفجار لن يسفر إلا عن وجود حالة من الفوضى والتشوّش، و لن يتكون البيت بحال من الأحوال. وتكمن الصعوبة في تفسير أصل الحياة في السؤال: كيف يمكن أن يُفَسَّر ذلك البناء المنظم و المعقد الذي تتداخل فيه الجزيئات بأن هناك طاقة دخلت إليه عن طريق المصادفة. و كيف أتت الجزيئات المعقدة تعقيدا نوعيا للغاية بنفسها في مكان واحد و بهذا الشكل و ذلك الترتيب الدقيق.12

و الواقع أن المثال الذي ساقه باول دافيس يجعل الحل الواقعي الصحيح لقضية أصل الحياة يكمن في داخل القضية نفسها. فلو كان هناك منزل في مكان ما، فهل من المنطقي أن نفترض أن هذا المنزل قد تكون "نتيجة تفجير اللبنات التي يبني بها هذا المنزل بالديناميت"، وهل من الممكن أيضا أن نختلق نظريات عن موضوع كهذا؟ أم أن المنطقي بالفعل هو أن نقبل بأن هذا المنزل لم يتكون نتيجة انفجار الديناميت، وإنما جاء نتيجةً لترتيب و بناء هندسي متقن؟ أعتقد أن الإجابة واضحة للغاية.
وسبب هذا أيضا أنه قد وَضَحَ في العشرين سنةً الأخيرة، وبشكل أكثر تفصيلا التعقيدات الموجودة في موضوع الحياة هذا، من أجل هذا هجر العلماء خرافة "التطور الكيميائي" و بدأوا يبحثون عن جوابٍ جديد شافٍ لموضوع أصل الحياة:
وهذا الجواب هو حقيقة الخلق.
إن المنشأ الأهم الذي يمكن أن يكون سبباً لإدراك واضح لحقيقة الخلق هو ذلك التعقيد الذي لم يكن لأحد حتى أن يتخيله في زمن داروين. يتحدث البروفيسور في الكيمياء الحيوية ميشيل. جي بيهي Michael J. Behe من جامعة Lehigh في كتابه "صندوق داروين الأسود" الذي نشر في عام 1996 عن كشف التعقيد الموجود في الحياة و النشوء بقوله:
”يعمل علم الكيمياء الحيوية من منتصف عام 1950 على إيصال كافة الأعمال الخاصة بالحياة على مستوى الجزيئات إلى مرحلة الوضوح و إزالة الغموض. لم يكن العلم - مع درجة التطور التي وصل إليها في القرن التاسع عشر – ليكتشف أنظمة عمل أجهزة الجسم المختلفة مثل جهاز الإبصار و جهاز المناعة أو آليات الحركة. أما علم الكيمياء الحيوية الحديث فقد فتح الطريق لتحديد الجزيئات التي تؤدي هذه الوظيفة و ما شابهها من وظائف أخرى. بيد أن هذا الانتظار قد تلاشي تماما. فقد تمكن العلم من إثبات أن عميلة الرؤية و آليات الحركة و الوظائف الاحيائية الأخرى أقل تعقيداً من الكاميرات التلفزيونية و السيارة. وقد بذلت محاولات كبيرة إلى حد ما كان الغرض منها محاولة فهم الكيفية التي تشكلت بها كيمياء الحياة. إلا أن النظام الدقيق والحساس على مستوى الجزيئات في الأجهزة الاحيائية و ما بها من تعقيدات أصاب العلم فيما يخص بموضوع تفسير أصلها بحالة من الشلل... لقد زعم كثير من رجال العلم معتمدين على ثقتهم في أنفسهم أن التفسير في أيديهم. أو قالوا إنهم سيتوصلون في القريب العاجل إلى هذه التفسيرات، إلا أنهم لم يتمكنوا من إيجاد دليل واحد فقط يدعمهم في المدونات العلمية المتخصصة. و الأهم من هذا، أنه تبين عندما تم بحث البناء الخاص بالأجهزة أنه لا يمكن تفسير آليات الحياة وفق ما ورد في افتراضات داروين على الاطلاق“.
حسناً إذن ما هي الأشياء المعقدة إلى هذا الحد و التي توجد داخل الخلية؟ يلخص بيهي الإجابة عن هذا السؤال كما يلي:
”توصل العلم في الفترة القصيرة بعد عام 1950 إلى نقطة يمكن عن طريقها تحديد خصائص و اشكال جزء من الجزيئات في الكائنات الحية. و نتيجة لأبحاث طويلة اكتشفت بالتدريج البنية الاحيائية الخاصة في الجزيء، و تم كذلك عن طريق عدد لا يحصي من التجارب التوصل إلى تفسير طرق عملها وآلياتها. و أشارت النتائج مجتمعة إلى أن الحياة مبنية في الأساس على ماكينات. و أن هذه الماكينات تتكون هي أيضا من الجزيئات! و تحمل الجزيئات أحمال الماكينات من مكان داخل الخلية إلى آخر داخل الخلية أيضاً، و تحمل من جديد بواسطة " الطرق الرئيسية " التي تسببها الجزيئات الأخرى. و في تلك الأثناء تتحرك الأخرى و تقوم بوظيفة السلك و الحبل و البكرة حتى يمكن الاحتفاظ بشكل واحد للخلية. وتقوم الماكينات بفتح و غلق المفاتيح الخاصة بالخلية، وهي تقتل الخلية في بعض الأحيان و تتسبب في أحيان أخرى في ضمان تطورها. و تحصل الماكينات التي تعمل بطاقة الشمس على طاقة الفوتون وتقوم بإخفائها داخل المواد الكيميائية. و تضمن الماكينات الكهربية عملية مرور التيار من الاعصاب. و تعمل الماكينات التي تقوم بالإنتاج على إنشاء ماكينات الجزيئات الأخرى المثيلة لها، و تسبح الخلية مستخدمة الماكينات و تقوم بنسخ نفسها و تتغذى بواسطة الماكينات أيضاً. باختصار إن الماكينات و الجزيئات المعقدة إلى حد ما تتحكم في أية عملية خلوية "خاصة بالخلية". و قد تم ضبط تفاصيل الحياة بدقة و في النهاية أصبحت ماكينات الحياة على درجة من التعقيد.
لقد لفت الفيزيائي الإسرائيلي و عالم الاحياء جيرالد سكرودر Gerald Schroeder الانتباه إلى التعقيد الفائق الموجود داخل الخلية:

الفيزيائي و عالم الاحياء الاسرائيلي

و عالم الجزيئات جرالد ستشرودر Gerald Schroder
”... تعمل كل خلية موجودة في أجسادكم على تكوين حوالي 2000 بروتين في الثانية الواحدة. و لا مكان للراحة و لو لثانية واحدة داخل الخلية. و الخلايا تقوم بهذا بشكل متواضع لدرجة أننا لا نشعر على الاطلاق بهذا القدر من النشاط. والبروتين هو سلسلة تتكون من مئات من الاحماض الأمينية فهو يختار ما يربو على خمسمائة حامض أميني تتكون من حوالي عشرة ملايين ذرة، وبعد ذلك يأتي بها جميعا في مكان واحد و يرتبها في سلاسل تم اختيارها من قبل، و هو يتحكم في تعرج أو عدم تعرج كل سلسلة من هذه السلاسل بشكل نوعي، و يقوم بعد ذلك بإرسال كل بروتين إلى أماكن محددة بعضها خارج الخلية و البعض الآخر داخلها و هي المسئولة عن إعطاء الإشارة عند الحاجة إلى هذا البروتين الخاص. و تتكرر هذه العملية في كل خلية في كل ثانية. إن بدننا هو بحق معجزة حية“.

و كما أوضح باول دافيس فهذا الزعم القائل بأن هذا البناء المعقد الخارق للعادة هو نتاج للصدفة و لقوانين الطبيعة يتشابه و إمكانية إنشاء منزل بوضع ديناميت تحت اللبنات التي يصنع منها هذا المنزل. لهذا السبب وقف الداروينيون عاجزين أمام تعقيدات الحياة. و يتحدث بيهي ايضاً عن عدم وجود أي تفسير تطوري يتعلق بأصل الحياة في أي من المنشورات العلمية و يقول:
”لو أنكم دققتم في المنشورات العلمية التي تناولت موضوع التطور و ركزتم في خلال ذلك على الماكينات الجزيئيه أي على أصل الحياة? فلن يقابلكم إلا خوف و صمت يشوبه الشك و الريبة. لقد أصابت تعقيدات الحياة المحاولات العلمية التي اجريت لحساب ذلك بحالة من الشلل، و شكلت الماكينات الجزيئية عائقا أمام داروين لا يمكن اجتيازه“.

خلاصة القول أن أصل الحياة أصبح واحداً من الحقائق المهمة التي أودت بنظرية التطور إلى الانهيار. حسناً إذن لماذا يصر أنصار نظرية التطور على الدفاع عن نظرية داروين حتى الآن؟
و في اعتراف له تحدث هارولد أوري Harold Urey و هو أحد معماريِّ تجربة ميللر على النحو التالي:
”كنا نحن من بحث في موضوع أصل الحياة، و مهما بذلنا من جهد و أجرينا من أبحاث فلن نصل إلا إلى نتيجة واحدة هي أن الحياة معقد إلى درجة يستحيل معها أن تكون قد تطورت في أي مكان. ( إلا أننا) نؤمن جميعاً وبتعبير عقائدي بأن الحياة قد تطورت من مادة ميتة جامدة موجودة على سطح كوكب الأرض... إن الحياة معقدة إلى درجة يصعب معها علينا أن نتخيل الكيفية التي تطورت بها“. 17


ساد الاعتقاد في عصر داروين أن الخلية ما هي إلا كيس يملؤه سائل. إلا أن الابحاث التي اجريت في السنوات الاخيرة أثبتت أن الخلية عبارة عن بناء معقد للغاية يتكون من مواد عضوية كثيرة للغاية.
أظهر علم الاحياء الجزيئي في عصر داروين أن الحياة معقدة لدرجة لا يمكن للخيال حتى أن يتقبلها. نعرف اليوم أن الخلية الحية هي بناء أرقى من كل الآثار التي صنعها الانسان. و هذه الحقيقة تدحض نظرية داروين التي تدعي أن الحياة نتاج للمصادفات فقط.

يعتبر الحامض النووي منقوص الاوكسجينDNA الذي يُظهر البناء الجيني للخلية، أكثر الاجزاء شمولاً في بناء الخلية المعقد.

توصل العلماء إلى معلومات مهمة و قيمة للغاية، عن شفرة الـ DNA ، بعد أن أنفقوا أموالا طائلة في أبحاث امتدت لسنوات طويلة. ومع ذلك فلا زال التكامل الموجود في البناء الجيني للخلية محتفظ بسره الاكبر حتى الان. و يأتى البناء المعقد للـDNA و الحياة التي يحويها والمعلومات التي يضمها بناءه العظيم في مقدمة الموضوعات التي ظلت لغزا يحير الذين يريدون تفسير ظهور الحياة باعتباره امرا ناتجا عن المصادفات وحدها.


لقد أعلن أوري و بيَّن أنه و عدد كبير جدا من زملائه "يؤمنون" بأن أصل الحياة قد جاء عن طريق المصادفة. و الحقيقة أن هذه النظرية لا تنطوي على وجهات نظر علمية بقدر اعتمادها على اعتقادات باطلة. و يطلق على هذا الاعتقاد الذي لا يوجد به شيء غير المادة - و يجب أن يأتي معه تفسير أي شيء أيضاً بالمؤثرات المادية- اسم الفلسفة المادية.
وبسبب هذه الفلسفة يوجد من يدافع عن الدارونية - التي انهارت من وجهة النظر العلمية - بشكل آلي أعمى. و لكن هذا أيضاً لن يُكسب النظرية عمراً أطول.

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:45 PM

http://www.harunyahya.com/arabic/boo...ism/cuvier.jpg
دافع كوفييه Cuvier مؤسس علم الحفريات، عن كون الخلق حقيقة علمية و اعلن في الوقت نفسه استحالة حدوث التطور.


ظهر علم الحفريات و تطور قبل داروين بكثير. و مؤسس هذا العلم أي علم الحفريات هو عالم الحيوان الفرنسي بارون جورج كوفْير Paron Georges Cuvier (1769- 1832). فكما تقول موسوعة بريطانيكا فقد كان كوفْيير "هو من أدخل الحفريات للمرة الأولى إلى تصنيف حيواني، و أشار إلى العلاقة بين طبقات الصخور و بقايا الحفريات. كما أشار إلى العلاقات الوظيفية و التشريحية بالدراسات و الابحاث الخاصة بعلم التشريح التي قام بها مع إعادة بناء الحفرية أيضاً". 18

أما الخاصية المهمة التي يتميز بها كوفيير فهي وقوفه ضد نظرية التطور التي تحدث عنها لامارك Lamarck في عصره و تصريحاته التي جاء فيها أن الكائنات الحية خُلقت واحداً واحداً. وكان كوفْيير الذي لفت الانتباه إلى الخصائص المفصلة والحساسة في علوم تشريح الحيوان كان قد أوضح أن هذه الخصائص لن تسمح بحدوث تغيرات قد تتم عن طريق المصادفة. و وفقا لذلك " فالأنواع كانت متناسقة بشكل كبير سواء من ناحية البناء أو من ناحية الوظيفة إلى درجة أنها لم تكن قادرة من البقاء في الحياة عند التغيرات الكبيرة... فكان كل نوع قد خُلق من أجل هدفه الخاص و من أجل الوظيفة الخاصة به." 19

منم المعروف اليوم ان الطائر الاولي لم يكن " طائراً " بدائياً كما كان يدعي مؤيدو نظرية التطور، و انما هو طائر مثل غيرة من الطيور يمتلك قدرة فائقة على الطيران.


أما تشارلز داروين فقد جاء بتأويل مختلف للحفريات. فهو يرى أن هناك وتيرة من التطور قد حدثت على الأرض في الماضي اُشتقت على إثرها و تفرعت الأنواع بشكل تدريجي من جد أو سلف واحد مشترك و أن الحفريات هي الدليل على ذلك. فجاء داروين بذلك التأويل، و لكن هذا التأويل لم يكن يستند في حقيقة الأمر أيضاً على أي سند علمي. بل و على العكس من ذلك، لم تكن الحفريات التي تم الحصول عليها في زمن داروين تشير إلى وجودٍ لأي تطور. و كانت توجد بقايا خاصة بأنواع مختلفة من الكائنات الحية التي انقرضت، و لم تكن هناك أية رابطة قرابة بين هذه البقايا بعضها البعض مثل الذي أوجبت نظرية داروين وجوده. فأي حفرية معروفة تتشابه تماماً و أي كائن حي معروف، أي أن لها نفس الخصائص الموجود في هذا الكائن الحي. انقسم تاريخ لطبيعة إلى مجموعات مختلفة عن بعضها البعض وبينها فروق بنائية كبيرة، و ليس كما هو حال الطبيعة اليوم إلى أنواع متقاربة يشبه بعضها بعضاً.

لهذا السبب، لم يتمكن داروين من استخدام الحفريات كدليل على صحة نظريته. بل وعلى العكس، حاول " تأويل " هذه المسألة المهمة في كتابه والتي أصبحت حجر عثرة في طريق نظريته (أي حاول أن يتخلص من تلك المسألة باحثا عن الذرائع). فأفرد مكانا لهذا الموضوع في قسم من كتابه حمل اسم " Difficulties On Theory" (صعوبات النظرية). وعمد إضافة إلى هذا أيضا إلى إلحاق جزء آخر لكتابه بعنوان " On the Imperfection Of The Geological Record ( عدم كفاية السجلات الجيولوجية " تناول فيه موضوع عدم وجود حفريات معروفة صور فاصلة.

إلا أن مشكلة داروين كانت واضحة للغاية في كلا الجزأين. إن نظرية داروين تقوم في الأساس على زعم أن الأنواع الحية ظهرت نتيجة حدوث تغيرات تدريجية صغيرة للغاية وبعيدة الأجل. و لو كان هذا صحيحاً، إذن فيجب أن تكون هناك صور فاصلة ربطت بين كل نوع بالآخر وعاشت في فترة معينة. ومن المحتم أيضا أن توجد حفريات تدل على أي آثار لها. و لكن الحفريات لم تشر إلى وجود أية "مرحلة فاصلة".


يعرف توماس هَكْسْلي

Thomas Huxley

بأنه أشد المتحمسين لنظرية داروين.

وفي النهاية اضطر داروين إلى إحالة هذه القضية الكبيرة إلى المستقبل. كما أن عنوان القسم الذي ضمنه كتابه و حمل عنوان "عدم كفاية السجلات الجيولوجية" كان يشير بوضوح إلى هذا. فداروين يرى أن المشكلة تكمن في عدم كفاية الحفريات. وكان كلما اكتشفت حفريات جديدة كان ينظر إلى المستقبل الذي سيكتشف فيه حفريات تدعم نظريته. وقد كتب عن ذلك الموضوع على هذا الشكل:

”وكما تحدثت، فهناك سلسلة عضوية تدريجية لم يكشفها علم الجيولوجيا؛ و ربما يكون هذا هو أكبر و أوضح اعتراض يمكن أن يدعيه البعض ضد نظريتي. و أنا أؤمن بأن التفسير الحقيقي يكمن في عدم كفاية السجلات الجيولوجية“. 20

لقد رأى بعض الناس من التكهنات التي جاء بها داروين أمراً مقنعاً. و مع ازدياد عدد مؤيدي نظرية داروين عملوا على حفر الأرض و بدأوا في عمليات البحث والتنقيب عن الأشكال البينية التي يعتقدون أنها "مفقودة" لتوسيع دائرة المُدَوَّنات الحفرية. و ظهرت بعض الاكتشافات العلمية التي ألهبت حماسهم... إلا أنه تبين مع الزمن أن حماسهم هذا كان عبثاً.

وكانت حفرية أحد الطيور - وهي لطائر بدائي منقرض شبيه بالزواحف- الذي اطلق عليه اسم حفرية الطائر البدائي المجنح، هي واحدة من الاكتشافات التي أشعلت حماس انصار نظرية التطور. فعلى الرغم من أن هذه الحفرية التى تم الحصول عليها عام 1860 في مدينة سولنهوفن Solnhofen ، تعود لطائر إلا انها حملت بعض الصفات الأصيلة. فوجود أسنان في فمه و أظافر تشبه المخالب في جناحيها و ذيلها الطويل كل ذلك جعلها أشبة بالزواحف من الطيور. و كانت هذه الحفرية بمثابة الفرصة التي لا تعوض بالنسبة إلى أنصار داروين. فأعلن توماس هوكسلي Thomas Huxley المعروف بأنه أكبر المدافعين عن داروين أن هذه الحفرية حفرية الطائر البدائي المجنح تعود إلى كائن حي نصفه طائر و النصف الآخر من الزواحف. وعلق بأن جناحية لا يصلحان للطيران، ولهذا السبب فهذا الكائن اعتبر "طائرا بدائيا"، وحاز الاكتشاف على رواج كبير بين الناس، و ولد أسطورة حفرية الطائر البدائي المجنح التي استمرت طيلة القرن العشرين. إلا أنه اتضح مع الزمن مدى سطحية هذه الاسطورة، فهذا الكائن الحي لم يكن "طائرا بدائيا"، بل على العكس من ذلك فقد كان هيكله العظمي و ما على جسمه من ريش يؤهلانه بدرجة كبيرة للقدرة على الطيران، كما أن التاريخ يشهد بوجود خصائص و صفات تتشابه و مثيلاتها عند الزواحف بل و ما زالت توجد اليوم طيور تتشابه و الزواحف.

ونتيجة لهذه الاكتشافات التي تحدثنا عنها سكنت المضاربات التطورية التى تتعلق بحفرية الطائر البدائي المجنح التي كانت ستعد "المرشح الأكثر شهرة للشكل الفاصل للتطور في كل الأزمنة". و كما أوضح البروفيسور في قسم الاحياء في جامعة شمال كارولينا و المتخصص في علم الطيور: "أشار معظم الباحثين الجدد الذين تناولوا بالبحث الخصائص التشريحية المختلفة لحفرية الطائر البدائي المجنح إلى أن هذا الكائن الحي أشبه ما يكون بشبيه الطائر أكثر مما تخيله البعض فيما سبق". أما لوحة "الكائن الحي الذي يشبه نصفه الزواحف" و التي تم رسمها بهذا الخصوص فقد ظهر خطأها. و يري فيدوسيا Feduccia بالقول: "لقد بالغوا كثيرا عندما رسموا شبها بين حفرية الطائر البدائي المجنح و الديناصور". 21

يُفهم من هذا باختصار أنه لا يوجد فرق بين حفرية الطائر البدائي المجنح والطيور في يومنا الحالي. ويمكننا أن نقول بوضوح إنه لا يوجد أي شكل بيني فاصل في فترة القرن و نصف القرن التي مرت منذ داروين ييمكن ان تدخل فيها حفرية الطائر البدائي المجنح. و قد تحولت هذه الحقيقة - و خاصة ابتداءً من السبعينات - إلى أمر مسلم به لا يقبل الجدل، وقبل بها بعض علماء الحفريات الذين كانوا يؤمنون بنظرية التطور. ويعتبر ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould و نيلز ايلدريدج Niles eldredge من أشهر علماء الحفريات هؤلاء. فقد ذكر هذا الثنائي الذي زعم بوجود نموذج مختلف للتطور تحت اسم "التطور الفجائي" بكلّ إصرار أن سجلات الحفريات الخاصة بالدارونية "فكرة التدرج في التطور" هي التي أفسدت ما ذهبا اليه. وكما أوضح جولد و أيلدريدج بالتفصيل فإن مجموعات الكائنات الحية تظهر بشكل فجائي في سجلات الحفريات وبعد ذلك تظل دون أن يصيبها أي تغير لمئات الملايين من السنين".

و في كتاب له كتبه مع عالم حفريات مناصر للدارونية آخر يدعى "لان تاتترصال" Lan Tattersall أكد ايلدريدج على النقطة المهمة التالية:

”إن مسألة عدم حدوث أي تغير في الحفريات المتعلقة بالأنواع المختلفة طوال فترة وجودها في مدونات الحفرية هي في الواقع حقيقة يعرفها علماء الحفريات حتى قبل انتشار فكرة أصل الأنواع الخاصة بداروين. أما داروين فيتكهن بأن الأجيال القادمة هي التي ستكتشف الحفريات الجديدة التي ستملأ هذه الفراغات... و قد أكدت نتائج الأبحاث التى أجريت على الحفريات طيلة الـ120 عاما الماضية أن تكهنات داروين الخاصة بمدونات الحفريات لا يمكن أن تكون صحيحة.

كما أن هذا ليس مشكلة تنبع من عدم كفاية مدونات الحفريات، فمدونات الحفريات تشير و بوضوح إلى أن هذه التكهنات خاطئة. إن التجربة التي تقول بأن الأنواع ظلت ثابتة و ساكنة طوال فترات التاريخ الطويلة تحوي كافة الأوصاف والتفاصيل الموجودة في حكاية "الملك العاري": وهذا ما رآه كل فرد و أدركه، و لكنهم فضلوا أن يتجاهلوا ما رأوه. لقد أدار علماء الحفريات - الذين ظلوا في مواجهة مع ما حملته لهم حفرية مشاكسة رفضت و بإصرار اللوحة التي رسمها داروين - وجوههم عن هذه الحقيقة“. 22

مرةً أخرى أتت هذه الحقيقة في كتاب لثلاثة من علماء الاحياء حمل اسم Integrated Principles Of Zoology ( المبادئ المتكاملة لعلم الحيوان ):

لقد ظلت أنواع كثيرة جداً لملايين السنين كما هي دون أن يحدث لها أي تغير، وبعد ذلك فنيت بشكل فجائي وجاءت بديلا عنها أنواع أخرى مختلفة للغاية. والأكثر من ذلك هو أن كثيرا من مجموعات الحيوانات ظهرت بشكل فجائي هي أيضا في مدونات الحفريات، ولم يتمكن أي شخص من ايجاد حفريات يمكن اعتبارها شكلا لفترة بينية يمكن اعتبارها جدا لهم“. 23

ولم تحوّل الاكتشافات الجديدة الوضع لصالح الدارونية. ويوضح هذا الوضع أيضاً توم كِمب Tom Kemp - وهو رئيس قسم الحيوان في جامعة أوكسفورد في كتابه المنشور في عام 1999 و الذي حمل عنوان " الحفريات و التطور " - على النحو التالي:

محفرية الطائر الاولي Archaeopteryx


”إن أصناف الكائنات الحية حديثاً تظهر دون أن يكون لها مجموعة أجداد معلومة، وعلى اعتبار أن صفاتها المُمَيِّزة و المُحَدِّدَة موجودة في طبقات الحفرية في كل الحالات تقريبا“ً. 24

وبذلك تحولت مدونات الحفريات التي اُعتبرت قديماً كدليل على صحة نظرية داروين إلى دليل ضد نظريته. يلخص هذا الأمر عالم الرياضيات و المناهض لنظرية التطور ديفيد بيرلينسكي David Berlinski في جامعة برينسيتون Princeton على النحو التالي:

”مقبرة الحفريات مليئة بالفراغات و التجاويف. و لا يوجد عالم واحد متخصص في عام الحفريات ينكر هذا لأنه حقيقة واضحة للعيان. و هذا الأمر في حد ذاته يتناقض مع ما تذهب إليه نظرية داروين“. 25

أما أكثر النماذج إثارة للانتباه في هذا التناقض، فكان سقوط "شجرة الحياة" التي افترضها الداروينيون.


الاعتقاد قديما في وجود "شجرة التطور"


Charles D. Walcott

لعل أكثر الضّربات التي تلقتها الدّاروينية إيلاما من مدونات الحفريات كانت تلك اللوحة التي أظهرتها الحفريات المكتشفة و التي تعود إلى فترة العصر الكَمْبري.

لقد كان داروين على قناعة تامة بأن الحياة الموجودة على سطح الأرض قد ظهرت أول ما ظهرت من أصل واحد، و أخذت بعد ذلك تتفرع تدريجياً إلى فروع تشبه فروع الشجرة. و كأن هناك رسما بيانيا يعكس هذه النظرة في أصل الأنواع. ومع الزمن تحول مفهوم "شجرة التطور" التي رسخت في الأذهان مع هذا الرّسم البياني إلى واحدة من أهم أساطير مذهب الداروينية. وقد قامت آلاف الكتب الدّراسية والكتب العلمية و الجرائد و المجلات بنشر صور

صورة حديثة أخري خاصة بالطائر الاولي.ختلفة لـ"شجرة التطور". لقد فُرض على الناس أن يُصدقوا الرسوم البيانية الخاصة بـ"شجرة التطور" والفكر القائل بأن الكائنات الحية خرجت جميعها من أصل واحد ولعبت المصادفة الدور الأكبر في هذا الأمر.

بيد أنّ الحقيقة جاءت على النّقيض من ذلك تماماً. لقد تم إدراك هذه الحقيقة مع اكتشاف "الانفجار الكمبري" بأوضح صورة. وحتّى نعرف حكاية هذا الاكتشاف يجب علينا أن نعود إلى بدايات القرن العشرين وإلى عام 1909 على وجه التحديد. ففي ذلك العام قام أحد علماء الحفريّات و يدعى تشارلز د. ولكوت بإجراء أبحاث في منطقة الجبال الصخرية الموجودة في كندا. وفي منطقة تسمى بُورجيس باص صادف ولكوت طبقات من الصخور محمية بدرجة كبيرة للغاية، أو كما يطلقون عليها بالإنجليزية اسم ( shale ). و لاحظ وجود عدد كبير من الحفريات في مرتفع منطقة بورجيس، ولم يكن من الصعب عليه معرفة أنها تعود إلى العصر الكمبري. بعد ذلك قام بالاهتمام طوال 4 سنوات بجمع ما بين 60 إلى 80 ألف حفرية من منطقة shale و دون جميع تفاصيل عمله هذا.

وتميزت الحفريات التي قام "ولكوت" بجمعها بخاصية مدهشة للغاية: فقد تناول بالبحث بقايا الكائنات الحية المتعلقة بكل السلالات التي تعيش اليوم. (العائلة هي أكبر تصنيف اُستخدم لتصنيف الكائنات الحية في عالم الحيوان. و تنقسم الحيوانات إلى أكثر من 50 عائلة، و توجد خطط جسدية خاصة بهذه الشعب أو العائلات جميعاً. ويمكن اعتبار "قورداتا" kordata التى تضم سلسلة الفقاريات و "أرتروبودا" artropoda التي تضم كافة الحشرات، و"موللوصقا" molluska التي تضم حيوانات الرّخويات القشرية جميعها من بين السّلالات و الشعب المألوفة بشكل كبير بالنسبة إلينا).

لقد شعر "ولكوت" بدهشة عارمة عندما فهم العائلات التي تنتمي إليها الحفريات التي قام بجمعها لأن طبقة الحفرية التي وجدها كانت قديمة للغاية، كما أن أحداً لم يصادف وجود حياة جديرة بالتسجيل و التدوين في الطبقات الأقدم من تلك التي وجدها هو. وقد وجد في هذه الطبقة كائنات حية تعود إلى كل الشعب و العائلات المعروفة بالنسبة إلينا تقريباً. و الأكثر من ذلك أنه وجدت حفريات تعود إلى عائلات لا نعرف عنها شيئاً على الإطلاق. وكان هذا يشير إلى ظهور كل الخصائص الجسمانية الموجودة في عالم الحيوان في نفس العصر الجيولوجي.

وهذا ما كان يمثل ضربة هدَّامة لنظرية التطور الخاصة بداروين لأن داروين كان يزعم أن الكائنات الحية قد تتطور و تنمو مثل فروع شجرة تمتد بشكل تدريجي. ووفقا لشجرة التطور التي تصورها داروين يجب أن تكون هناك شعبة أو عائلة واحدة على سطح الأرض في البداية، و لا بد أن تكون العائلات المختلفة قد ظهرت بالتدريج خلال الفترات الزمنية الطويلة التي أعقبت ذلك. بيد أن "ولكوت" كان في مواجهة مع الدلائل التي تشير إلى ظهور جميع العائلات و السلالات في اللحظة نفسها. وكان هذا يعني أن يتم قلب "شجرة التطور" رأساً على عقب.

حفرية معدنية Metaldetes تشبه الاسفنجيات الموجودة في عصرنا الحاضر.

حفرية Wiwaxia صادفنا الكثير منها في العصر الكمبري.

Mobergella حفرية من القشريات ترجع إلى العصر الكمبري

تظهر الحفريات الخاصة بالعصر الكمبري ( قبل 450 – 495 مليون عام ) أن الكائنات الحية ظهرت، أى عاشت على طبقات سطح الارض بخصائصها المعقدة دون أن تمر بمراحل التطور المزعومة.




Marella: حيوان مفصلي يمكنه السباحة و السير.

Xystridura: يمتلك هذا النوع الذي ينتمي إلى ثلاثيات الفصوص عيوناً معقدة بها عدد كبير من العدسات.

Pikaia البيكة: عرفت هذه الحفرية على انها اقدم حفرية من فصيلة الارانب kordota شعب كل الكائنات في العصر الكمبري جنبا إلى جنب تدحض تماماً شجرة السلالة التي وضعها داروين.

إلا أنه كان يجب الانتظار لمدة 70 عاماً أخرى حتى تظهر هذه الضربة الكبيرة الموجهة إلى النظرية. و السبب في هذا أن "ولكوت" اتخذ القرار بأن يخفي نتيجة الدراسة التي قام بها بدقة شديدة طوال 4 سنوات بدلا من يعرض الحفريات التي تناولها بالبحث على دنيا العلم. لقد كان "ولكوت" يعمل مديراً لمتحف سميثسونيان (Smithsonian) الشهير الموجود في واشنطن، وكان داروينياً متحمساً. لما رأى أن الحفريات التي تناولها بالبحث قد تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة إلة نظرية التطور فضل أن يضع تلك الحفريات في الأرشيف بدلا من إظهارها و إظهار ما توصل إليه بشأنها. ويرجع الفضل في ظهور تلك الحفريات إلى النور إلى إعادة تحقيق وبحث أرشيف المتحف في عام 1985. و يعلق العالم الاسرائيلي جيرالد سكرويدر Gerald Schroeder على هذا الموضوع قائلاً:

”لو أراد ولكوت ذلك لجاء بجيش من الطلاب من أجل بحث الحفريات ودراستها، لكنه فضل ألا يتسبب في إغراق سفينة التطور. أما اليوم فقد اكتشفت حفريات تعود إلى العصر الكمبري في الصين و أفريقيا و الجزر الأنجليزية و السويد بالإضافة إلى جرين لاند. وصار الانفجار (الذي حدث في العصر الكمبري) قضية مُعاشة في العالم بأسره. ولكن المعلومات تم لإخفاؤها قبل أن يكون ممكناً مناقشة طبيعة هذا الانفجار الخارق للعادة“. 26

وطوال فترة 70 عاما تقريبا لم يصل إلى هذه الحفريات الموجودة خلف الأبواب المغلقة و يحللها سوى عدد محدود من علماء الحفريات هم "هاري ويتنجتون" Harry Whittington و "ديرِك بريجس" Derek Brigs "وسيمون كونواي موريس" Simon Conway Morris. و قد أعلن هؤلاء العلماء عن أن هذه الحفريات التي وجدها "ولكوت" إنما تعود إلى واحد من أقدم العصور الجيولوجية وهو العصر الكمبري. و هم من أطلق مسمى "الانفجار الكمبري" على ظهور هذا الكم الهائل من الكائنات الحية في لحظة واحدة في هذا العصر. كما أصبحت فترة الثمانينات من القرن العشرين، وكما أعلن "سكرويدر" هي الفترة التي تم فيها اكتشاف منطقتين جديدتين يوجد بها حفريات تتشابه ومنطقة بورجيس "shale ": وهاتان المنطقتان هما "سيرياسٍٍٍ" ٍ Siriusفي شمال جرين لاند و"تشينج جيانج" Chengjiang في جنوب الصين. فتوجد حفريات الكائنات الحية المختلفة والتي ظهرت في العصر الكمبري في هذه المناطق كلها. وكانت الحفريات التى تم اكتشافها في منطقة "تشينج جيانج" هي الأقدم و أكثر الحفريات التي تم حمايتها بشكل أفضل من تلك الموجودة في المناطق الأخرى، و هي تضم أيضاً سلسلة الفقاريات الأولي. وقد بيَّنت الدّراسات التي أجريت أن الانفجار الكمبري قد حدث خلال فترة تقدر بعشرة ملايين عام، وهي فترة زمنية قصيرة للغاية من وجهة النظر الجيولوجية. كما أعلن أن الأجهزة و الأعضاء في كل الكائنات الحية التي ظهرت دفعة واحدة في تلك الفترة تتمتع بقدر عال من التعقيد، وهو الأمر الذي تفتقده تماماً الكائنات الحية أحادية الخلية وكثير من الكائنات كثيرة الخلايا. وقد أُعلنت هذه المعلومات في إحدى المقالات التي نُشرت في مجلة العلم بتاريخ 2002:

"ويمكن القول بالنظر إلى ما تسجله الحفريات أن الحياة قد بدأت على سطح الأرض قبل 5‚3 مليار سنة، وكانت هذه الحياة عبارة عن البكتيريا التخليقية الضوئية "الفوتوستاتيك". و خلال فترة 3 مليار عام لم يكن على الأرض بجانب البكتيريا كائنات حية أكثر من العوالق والنباتات البحرية المجهرية. إلا أنه ظهر بعد ذلك بشكل فجائي، وبالتحديد قبل 540 مليار عام مجتمع به أعداد كبيرة من الحيوانات في أعماق المحيط. وقد غيَّرت هذه الكائنات مثل المخلوقات خماسية الأعين التى لها كلابات تقبض بها على الأشياء والتى تنتمي أيضاً لفصيلة الخراطين (ديدان الأرض) الطويلة ذات الشوك غيرت في فترة لم تتجاوز 10 ملايين عاماً – هذه الفترة تماماً مثل طرفة العين من ناحية مسيرة التطور الزّمني - أرض المحيط تماماً. و هذه الكائنات كانت بمثابة أول ممثل لجماعات الحيوانات الكبيرة المعروفة لنا حتى إن بعضها كان الأصل أيضا لجماعات أخرى من الحيوانات التى ستنقرض في مرحلة قادة من الزمن“. 27

يحاول أنصار نظرية التطور أن يقدموا تفسيرات متنوعة مضادة لفكرة الانفجار الكمبري، الا ان كل ما قدموه من تفسيرات لم تكن مقنعة على الاطلاق. و كما اوضحنا في كتابنا الذي حمل عنوان "مأزق الصور الفاصلة الخاصة بمذهب الدارونية " ، فإن كل الاطروحات التي قدمها انصار التطور و قدموا فيها زعمهم ضد مسألة العصر الكمبري هي ادعاءات باطلة تكشف في الوقت نفسه عن النقاشات التى في داخل أنصار التطور أنفسهم.

وقد تحدثت مجلةTrends in Genetics (TIG) العلمية الشهيرة في عددها الصادر في شهر شباط عام 1999 عن استحالة تفسير الاكتشافات الحفرية في "بورجيس" وفقاً لآراء نظرية التطور وأن الأطروحات المزعومة في هذا الموضوع لم تكن مقنعة بأي حال من الأحوال: "من الغريب بالفعل أن هذه الحفريات التي وجدت في رقعة صغيرة قد استحوذت على مساحة كبيرة من المناقشات الساخنة التي دارت بخصوص هذه المسألة الكبيرة في علم الأحياء التطوري. إلا أنّ الشيء الذي كان وراء هذه المناقشات هو أن هذه الحفريات حددت فجأة الحيوانات التي كانت تعيش في العصر الكمبري. وقد عملت الاكتشافات الحفرية الجديدة والنتائج القاطعة لتحديد التواريخ الراديو مترية (تحيد التواريخ عن طريق مقياس قوة الاشعاع) على تعميق وتأكيد آنية ومجال هذه الثورة الإحيائية فقط. ويجب أن يكون هناك تفسير لهذا التغيّر الكبير الذي حدث في بوتقة الحياة على سطح الأرض، وبالرغم من أن هناك الكثير من الأطروحات التي قدمت زعمها الخاص في هذا الموضوع إلا أن أيّا منها لم يكن مقنعا"ً. 28

وفي كتابة "أيقونة التّطور" شرح عالم الإحياء الأمريكي "جوناثان ويلز" Jonathan Wells الوضع على النحو التالي:

"إلا أنّ شجرة الحياة هي الاأقونة الأشهر بين كل أيقونات التّطور، والسبب في هذا أن عملية الاشتقاق من جد واحد مشترك كانت الأساس الذي بنى علية داروين نظريته... إلا أنّ داروين كان على علم – و هو الأمر الذي قبل به العلماء و سلموا به قبل وقت قريب – أن ما حملته سجلات الحفريات في الزمن المبكر سيقلب شجرة التطور الخاصة به رأساً على عقب. و قبل عشرة أعوام كان هناك من يأمل أن تنقذ الحجج الجزيئية هذه الشجرة، إلا ّن الاكتشافات العلمية الجديدة جاءت لتقضي على هذا الأمل تماماً. وربما أنكم لم تقرأوا عن هذا في الكتب الدراسية، إلا أن الحقيقة هي أن شجرة التطور الخاصة بداروين أصبحت بالفعل في وضع المنهار". 29


صور توضيحية تُظهر الكائنات الحية المعقدة التي ظهرت فجأةً في العصر الكمبري.


تفند الحفريات الخاصة بالكائنات الحية المعقدة التي عاشت قبل مئات الملايين من السنين، ادعاءات التطور!













و بناءا على ذلك يمكننا القول إنه قديماً كان هناك مذهب يطلق عليه اسم مذهب الداروينية. و كان هناك من يعتقد أن هناك حفريات قد جاءت بما يدعم هذه النظرية. غير أن ما حملته هذه الحفريات جاء ليثبت العكس تماماً. أما الآن فقد انهارت هذه النظرية تماماً. و أصبح الكثيرون على قناعة بأن الحفريات لم تشر أن الحياة ظهرت على سطح الأرض عن طريق التطور بل ظهرت بشكل مفاجئ. ومعنى ظهور الحياة بشكل مفاجئ هو "الخلق". فالله هو الذي خلق كل الكائنات من العدم بلا نقص أو عيب. وهو خالق السّماوات و الأرض. ? بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ إذَا قَضَى أمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون. (سورة البقرة: 117)

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:51 PM

البحث عن الحلقة المفقودة

صور تعرض التنقيب الذي تم في بلتداون مكان مولد فضيحة انسان بلتداون.

تناولنا بالبحث في جزء سابق كيف أن مدونات الحفريات لم تقدم الدّعم الذي كان ينتظره مذهب التطور. أما الجزئية المهمة التى لم نتطرق إليها بالبحث بعد، فهي الحفريات الخاصة بالإنسان. فقد تناول داروين موضوع أصل الإنسان في كتابه الذي حمل عنوان "نشأة الانسان" (The Descent Of Man)، وليس في كتاب أصل الأنواع الذي سبق ذلك بـ 12 عاماً. و يرى داروين أن الإنسان يحتل المرتبة الأعلى بين مراتب التطور المزعومة، وأن الجدّ أو السلف الأول له هو من فصيلة الرئيسيات التي تشبه القرود في وقتنا الحاضر.
و لم يكن عند داروين أيضاً أي دليل يدعم به وجهة نظرة تلك. و كان الشيء الوحيد الذي فعله هو أنه تخيل وجود علاقة قرابة بين الانسان و القرود، تلك الكائنات الحية الأنسب في عالم الحيوان لأنها الأشبه بالإنسان من الناحية الفيزيائية. و زعم في كتابه أن بعض "الأجناس البدائية" التي تعيش على سطح الأرض قد شكلت دليلا على صحة نظرية التطور. (بيد أن الأبحاث الجينية التي جرت في يومنا الحاضر أوضحت جلياً للعيان أن النظرة العنصرية التى ذهب إليها داروين وغيره من أنصار نظرية التطور لم تكن صحيحة).

فهمت ماهية انسان بلتداون في عام 1953: فقد وجد الخبراء الذين فحصوا جمجمته، انها حفرية مزيفة.

لقد فكّر داروين في أن يقوم بالبحث عن الحفريات التي تثبت للمؤيدين لنظريته هذه التطور المزعوم، و ذلك فقا لما زعمه من حيث أن الانسان و القرود قد انحدروا من جد واحد. و اعتباراً من الرّبع الأخير من القرن التاسع عشر توجه كل اهتمام علم الحفريات من أجل هذا الهدف. وبدأ أنصار مذهب التّطور من علماء الحفريات عمليات الحفر أملا في العصور على "الحلقة المفقودة" التي زعم داروين أنها موجودة بين القرد و الانسان.
وفي عام 1910 ظهر في أنجلترا الاكتشاف الكبير الذي طالما تمنوا ظهوره. وكان عبارة عن جمجمة " إنسان بلتداون" التى قدمت بعد ذلك وطوال 43 عاما إلى العالم على أنها دليل مهم للغاية على صحة نظرية التطور. وقد استخرجت الحفرية من قبل أحد علماء الحفريات غير المحترفين ويُدعى تشارلز داوسون، ولهذا السّبب أطلق عليها اسم Eoanthropus dawsoni. والحقّ يُقال فحفريّةEoanthropus dawsoni تلك هي بالفعل حفرية غريبة: ففي الوقت الذي نرى فيه أن الجزء العلوي من الجمجمة يشبه تماما مثيله عند الإنسان، نجد أن منطقة الذّقن لدى شبيهة بتلك الموجودة عند القرود. لهذا نال هذا الاكتشاف شهرة واسعة في فترة وجيزة. وفي الوقت نفسه ادعى الانجليز بكل فخر و اعتزاز كبيرين أن الحفرية التي تم الحصول عليها في انجلترا إنما تعود إلى الجدّ الأعلى لأجناسهم. وكان يُنظر إلى التكوين الكبير للجمجمة إلى أنه مؤشر على تطور "الذكاء الانجليزي" للسّابقين. وفي السّنوات التي تلت ذلك كُتبت مئات من الرّسائل العلمية كلها كانت بخصوص حفرية Eoanthropus dawsoni واقتنع مئات الآلاف من زوار المتحف البريطانى الذي كانت تعرض فيه الحفرية بموضوع "تطور الانسان".
غير أنه كان هناك شيء وحيد جهلوا به: هذا الشيء هو أن هذه الحفرية كانت نتاجا من الخيال و التزييف. فقد ظهر نتيجةً للأبحاث التي أجريت في عام 1953 على الجمجمة ذاتها أن حفرية إنسان بلتداون عبارة عن حفرية مزيفة تكونت نتيجة اتحاد عظام بشرية و عظام سِعْلاة. ووسط دهشة الرأي العام العارمة تم إخراج أكبر دلائل التطور المزعومة من المتحف البريطاني الذي عُرضت فيه بعناية شديدة لعشرات السنوات.
وفي العشرينات من القرن العشرين حدثت فضيحة أخرى وإن كانت أصغر من بلتداون. ففي عام 1922 تم تقييم الأسنان التي وجدت في ولاية نيبراسكا في الولايات المتحدة الأمريكية على أنها تخص حفرية تمثل شكلاً وسيطاً بين الإنسان والقرد، وتجاوز الأمر موضوع الأسنان ونسجت خيالات جديدة، وفي هذه المرّة عن "إنسان نيبراسكا"، إلاّ أنه ظهر فيما بعد أن هذه الأسنان لم تكن تخص أياّ من الإنسان ولا القرود، بل كانت بعض من أسنان خنزير بري. وعلى الرّغم من هذا الإخفاق الكبير فلم ييئس أنصار التّطور واستمروا في البحث عن الحفرية التي تثبت صحة آرائهم في موضوع أصل الإنسان. ومع الوقت انتشرت وجهة نظر أخرى مفادها أن القردة المنقرضة التي أطلق عليها اسم سعلاة الجنوب هي أقدم جدّ للإنسان. ورسخت في الأذهان صورة التطور على أنها عبارة عن تسلسل لنوع سعلاة الجنوب بدءاً من الإنسان اللَّقِن (Homo habilis) والإنسان رودولفانسيس (Homo rudolfensis) والانسان منتصب القامة (Homo erectus) وصولا إلى الإنسان الحالي أيّ الانسان الموجود الآن. فتبنت الكتب الدراسية و المجلات العلمية و المنشورات والصحف اليومية والأفلام و حتى الأفلام الدّعائية نفسها تبنت صورة "سلسلة القردة التي اختفت تدريجياً"، بل وتداولتها لعشرات السنوات دون أن يكون أي تساؤل أو غرابة يبديها أحد.
باختصار، لقد لقيت الفكرة التي فسرت أصل الإنسان وفقاً لنظرية التّطور قبولا وانتشاراً خلال فترة طويلة من القرن العشرين.

عرض انسان بلتداون في المتاحف طوال أربعين عام، حتى اكتشفوا أنه مزيف، كما زين اغلفه المنشورات " العلمية ".

غير أن الحقائق كانت مغايرة لذلك تماماً، فلا يوجد ثمة حفرية واحدة تتوافق مع ما ذهبت إليه نظرية التطور. والأكثر من ذلك أنهم كلما اكتشفوا حفريات جديدة كلما تعقدت المسألة و تعذر ايجاد حل لها. وفي النهاية بدأت بعض الجهات من ذوي الصلاحيات الاعتراف بالحقيقة. وقد تحدث في هذا الموضوع العديد من علماء الحفريات ويأتي على رأس العلماء الأمريكان "نيلز ايلدريدج" Niles Eldredge من جامعة هارفارد و "لان تاترصال" Lan Tattersal من متحف تاريخ الشرق الأمريكي ولهما تصريحات مهمة في هذا الخصوص:
"لقد أصبحت الفكرة التي تقول بأن تاريخ تطور الكائنات الحياة عبارة عن مسألة أو قضية استكشافية أصبحت مجرد خرافة. فلو كان بهذا الشكل و وجدنا حفريات كثيرة لكائنات شبيهة بالإنسان لكان من الضروري أن تتحول حكاية التطور إلى شكل أكثر وضوحاً. غير أنّ الحقيقة هي أنه عندما كان يحدث شيء كان يحدث شيء آخر على النقيض تماما من الأول". 30
وفي مقال له نُشر عام 1995 عبر ريتشارد ليونتِن Richard Lewontin البروفيسور في جامعة هارفارد وهو واحد من أهم الأسماء في نظرية التطور عبر عن حالة اليأس التي وقع فيها مذهب التطور و قال:
"عندما نفكر في الماضي السّحيق وصولا إلى ما قبل نوع الإنسان العاقل "الإنسان المُعاصر صاحب أكبر سعة عقلية ابتكارية" تقابلنا مدونات حفرية مشوشة غير كاملة. وعلى الرّغم من الادعاءات المتفائلة والمفعمة بالحماس من جانب بعض علماء الحفريات، إلا أننا لم نتمكن حتى الآن من إيجاد نوع شبيه بالإنسان على الإطلاق والتسليم بشكل مباشر بأن هذا النوع هو جدنا المباشر". 31
وقد صرّح في السّنوات الأخيرة عدد كبير جدّا من أنصار نظرية التطور المتخصصين في الموضوع بأنه لم يعد لديهم سوى أفكار متشائمة لأبعد الحدود بخصوص النظرية التي دافعوا عنها في الأساس. مثال هؤلاء هنري جي Henery Gee المحرر العلمي في مجلة "الطبيعة" Nature الشهيرة الذي تحدث عن هذا الموضوع قائلاً:
"إنّ الرّسم البياني لتطور الإنسان و المعتمد على علاقات الجدّ بالحفيد أو السلف بالخلف هو في حقيقة الأمر مجرد اختراع و ابتكار إنساني بنى على آراء مسبقة صاغها الناس... إنّ عملية أخذ مجموعة من الحفريات والقول بأنها تعكس وجود سلسلة قرابة هي في الواقع ليست فرضية علمية يمكن إخضاعها للاختبار، وكل ما في الامر انها مجرد حكاية أو حدوته من احاجي منتصف الليل المسلية التي قد تكون مُوَجِّهَةً أو مُرْشِدَةً للانسان في كثير من الأحيان إلا أنها ومع ذلك لا تستند لأيّ أساس علمي". 32

ليس هناك " خط تطور " حقيقي يمتد من القردة إلى الانسان كما انه لا يمكن حتى ان يكون قد استند على أي مستوي نظري.

وتجري في يومنا الحاضر التساؤلات ولكن بشكل جدي عن قالب "شجرة أصل الانسان" التقليدية. و نتيجة لذلك أعلن العلماء الذين قاموا ببحث القرائن والأدلة بمنأى عن أيّ أحكام مسبقة أن الخط الذي وضعه أنصار التطور ليصل بين سعلاة الجنوب والإنسان العاقل لم يكن سوى خط متكلَّف تماما. أما الأنواع المختلفة مثل الإنسان اللَّقِن والإنسان منتصب القامة فلم تتعد كونها مجرد نسج من الخيال. وفي مقالة لهما نشرت لهما في عام 1999 في مجلة العلم دافع كل من برنارد وود Bernard Wood، وهو من علماء الحفريّات التطوريين و مارك كولارد Mark Collard عن كون تصنيفات الإنسان اللَّقِن و Homo rudolfensis مجرد خيال وأنه لابدّ وأن تكون الحفريات التي اُدمجت في هذه التصنيفات قد انتقلت إلى نوع سعلاة الجنوب.33
أما ميلفورد ولبوف من جامعة ميتشجان و آلان ثورن من جامعة كانبيرا فيرون أن الإنسان منتصب القامة ليس إلا تصنيفا خياليا لا وجود له و أن الحفريات التي أدمجت في هذا التصنيف هي عبارة عن الإنسان العاقل. 34

نيلس الدرجي Niles Eldredge و ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould . هما عالمي التطور الشهيران اللذان اعترفا بالتناقض القائم بين وثائق الحفريات و نظرية داروين .

وهذا يعنى أنه لا يوجد "شبيه بالإنسان" غير نوع الإنسان العاقل فقط، أي الإنسان المعاصر الذي يضم الإنسان في يومنا الحاضر و الاختلافات العرقية فيه إلى جانب سعلاة الجنوب التي هي أحد أنواع القردة المنقرضة. أي أنه لا يوجد أصل تطوري للانسان. و يرى بعض من المتخصصين الذين أدركوا هذه الحقيقة أن حكاية "تطور الإنسان" ليست إلاّ عملا كتابيا اجتهد فيه أولئك الذين يعتقدون في الفلسفة المادية لكتابة تاريخ الطبيعة وفقاً لأهوائهم وآرائهم العقائدية. وفي هذا الموضوع أيضا تحدث جون دورانت المؤرخ في جامعة أكسفورد وذلك في إحدى الاجتماعات الخاصة بجمعية التطور العلمي الأنجليزية (( British Association for the Advancement of Science ) ، وكان تعليقه على النحو التتالي: " تُرى، هل من الممكن أن تعمل نظريات تطور الإنسان على تقوية الأنظمة القيميّة للّذين يخلقون أنفسهم وهو الأمر الذي يشبه تماما ما يحدث في الأساطير القديمة، وهي تقوم في الوقت ذاته بعكس معتقداتهم التي تتعلق بهم أنفسهم و بالمجتمع حول الماضي؟ " 35
وفي كتابة أخرى له تحدث "دورانت" عن هذا الموضوع مرة أخرى على النّحو التالي: "إنّ الأفكار الخاصة بتطور الإنسان هي في واقع الأمر موضوع يدعو إلى التساؤل بشيء من الريبة و الشك عما اذا كانت هذه الأفكار قد اضطلعت بدور أو أدت وظيفة في المجتمعات قبل ظهور العلم أو في المجتمعات العلمية... و إذا بحثنا الموضوع عن كثب يتضح لنا في كل مرة أن الأفكار التي تتعلق بأصل الانسان هي انعكاس للحاضر أيضا تماما مثل الماضي، وأنها انعكاس لخبراتنا مثلما هي انعكاس لخبرة أجدادنا في الماضي... نحن في حاجة ماسة و عاجلة إلى عدم الدفع بالعلم إلى دائرة الخرافة". 36
باختصار، إن نظريات التطور الخاصة بأصل الانسان و نشوئه، لا تؤدي أي وظيفة أخرى غير كونها انعكاساً لبعض الأحكام المسبقة و المعتقدات الفلسفية الخاصة بمن ابتدعوا هذه النظريات فقط. و"جيفري كلارك" Geoffrey Clark هو أحد علماء الأنثروبولوجيا في جامعة أريزونا ستيت ِArizona State، وهو من أنصار نظرية التطور المؤيدين لهذه الحقيقة. ويتحدث كلارك في إحدى كتاباته التي نشأت عام 1997 على هذا النحو: "نحن نختار واحدة من نتائج بحث جماعي موجود أمامنا وفق افتراضاتنا الخاصة وأحكامنا المسبقة – وهي عملية سياسية وذاتية أي غير موضوعية في الوقت ذاته - ... إنّ علم الباليوأنثروبولوجيا (العلم الذي يبحث في أصول الإنسان القديمة) له الصفة العلمية من النّاحية الشكلية فقط وليس من ناحية المضمون".37
الوجه الخفي للدعاية الاعلامية
وكما رأينا فقد أصبح الزّعم القائل بتطور الإنسان بلا دعم أو سند وخاصة من جانب أولئك الذين لعبوا دوراً في تجسيم ذلك الزعم. والحقيقة أن هذا الزّعم لا يستند إلى العلم بقدر اعتماده على الأحكام المسبقة والاعتقادات التي كانت السّبب في وجود نظرية مثل نظرية التّطور، إلا أن النقطة التي تثير الاهتمام بالفعل هي أنّ هذه الاعترافات في عالم الباليوأنثروبولوجيا لم تنعكس في الإعلام. وعلى العكس من ذلك وجدنا أن هناك جزء من الإعلام الموالي لمذهب التطور قد عمل بعناية على إخفاء هذا المأزق الذي وقعت فيه نظرية التطور. ليس هذا فحسب بل وأخذت تنشر بين الشعب عن طريق الخداع "أن كل يوم يمر يشهد اكتشافاً لدليل جديد يثبت أركان نظرية التطور". وفي كتابه الذي نُشر عام 2000 و حمل عنوانIcons Of Evolution: Science Or Myth Why Much Of What We Teach About Evolution Is wrong? ( أيقونات التّطور: العلم أم الخرافة، لماذا توجد أشياء خاطئة كثيرة فيما نُدَرِّسه بخصوص التطور؟ " يتحدث عالم الأحياء الأمريكي جوناثان ويللز Jonathan Wells الذي أنهى الدّراسات العليا و الدكتوراه في جامعتي يالي وكاليفورنيا يتحدث ويللز ملخصاً الوضع على النحو التالي:
"من النّادر للغاية أن يتم اطلاع المجتمع كله بما يقوم به العلماء المتخصصون من تفسيرات علمية تتعلق بالإبهام و الغموض العميقين بخصوص أصل الانسان. و بديلا عن ذلك نتلقى مجرد خبر عن آخر نظرية لهذا الشخص أو ذاك و لا ينقلون لنا الحقيقة التي لم يستطيعوا هم ايضاً فهمها بخصوص هذا الموضوع. فيتم الترويج للنظرية و تزينها بشكل دقيق و بالاستعانة ببعض الرسوم و الصور المتخيلة لإنسان الكهف أو لجد الانسان " بوضع كثير من الماكياج عليها "... و الواضح أن احداً من قبل لم ينسج خيالاً واسعا إلى هذا الحد بخصوص جزئية بسيطة إلى هذا القدر في أى فرع من فروع العلم المختلفة".38
حسناً إذن من هم هؤلاء العلماء الذين يستحوذون على وسائل الإعلام بادعاءات مثل "إنّ تطوّر الإنسان أصبح حقيقة مدعومة بالأدلة ولا تقبل الجدل" و التي أصبحت عناوين كبيرة لبعض وسائل الإعلام المدافعة عن فكرة التّطور؟ لماذا يفكر هؤلاء بشكل مختلف تماما عن باقي العلماء الذين لم يجدوا ما يدعموا به الباليوأنثروبولوجيا؟
و في كلمته أمام اجتماع اتحاد مدرسي علم الأحياء عبَّر جريج كيربي المؤيد لفكرة التطور عن هذه السيكولوجيا على النحو التالي:
"لو أنكم قضيتم حياتكم كلها في جمع العظام و القطع الصغيرة من الجمجمة و الذقن، فإنكم ستشعرون برغبة ملحة في أن تبالغوا في أهمية هذا القطع الصغيرة التي قمتم بجمعها".39
و هذه هي بعض المؤثرات التي تضمن استمرار فكرة تطور الانسان على الرغم من عدم وجود سند علمي واحد يدعمها. غير أن كل حفرية يتم اكتشافها حديثاً تزج أكثر بالأطروحات التطورية الخاصة بتطور الإنسان إلى طريق مسدود.
الاعتراف بعدم وجود الحلقة المفقودة
شهد صيف 2002 اكتشاف النموذج الأخير للمأزق الحرج الذي وقعت فيها الأطروحات التطورية عندما اكتشفت حفرية جمجمة حديثة في وسط أفريقيا وبالتحديد في دولة تشاد. و أطلق "ميشيل برونيه" Michel Brunet وهو العالم الفرنسي الذي اكتشف تلك الحفرية أطلق عليها اسم "Sahelanthropus tchadensis".
لقد قلبت هذه الحفرية العالم الخاص بمذهب الدّارونية رأساً على عقب. ونشرت مجلة "الطبيعة" الشهيرة في هذا الصدد مقال جاء فيه: "قد تَعمل الجُمجمة المكتشفة حديثاً على تفنيد كل أفكارنا بخصوص تطور الإنسان". 40
وعن هذا الموضوع أيضاً صرح دانيال ليبرمان من جامعة هارفارد قائلاً: "سوف يحدث هذا الاكتشاف الجديد تأثيرًا يُعادل في قوته تأثير القنبلة النووية".41
ويرجع السّبب وراء ذلك أنه وعلى الرّغم من أن عمر الحفرية التي نتحدث عنها قد بلغ 7 ملايين عام، إلا أنها تميزت ببنيتها "الشبيهه بالإنسان" أكثر من سِعْلاة الجنوب وهو جنس من الرئيسيات له جمجمة القرد و وجهه و أسنانه شبيهة بالإنسان: (وفقا للمعايير التى اعتمد عليها أنصار فكرة التطور حتى يومنا الحاضر) ويُزعم بأنها "أقدم جدّ للإنسان". وهو الأمر الذي كان يضع سيناريو "تطور الإنسان" المعقد منذ البداية في موقف متضارب مرة أخرى.

قبلت جمجمة Sahelanthropus ، الرسم البيانى للتطور، لأنها اظهرت خصائص أكثر " انسانية " على الرغم من كونها اقدم من ألوبائي الاسترالي.

وفي إطار الحديث عن هذه الحفرية الجديدة أيضاً كان لـ"برنارد وود" عالم الأنثروبولوجيا المناصر لنظرية التّطور في جامعة جورج واشنطن تصريح مهم في هذا الإطار. فقد كان وود يقول بأن "حكاية" سلم التطور "التي طالما فُرضت على الناس طوال القرن العشرين لم تعد صالحة، و أنه يمكن تشبيه التطور بالأدغال: "لقد كانوا ينظرون في عام 1963 و هو العام الذي بدأت فيه عملي في الجامعة إلى نظرية التطور على أنها تشبه السّلم. وتتدرج درجات هذا السلم بدءً من درجة القرود وحتى درجة الإنسان، ومع التقدم كانت كل مرحلة يقل فيها التشابه بين الانسان و القرد عن المرحلة التي قبلها... إلا أن تطوّر الإنسان يشبه في الوقت الحاضر دغلا "متشابك الأفرع "... لذا يجب التّعرض بالدراسة إلى ماهية العلاقة بين الحفريات مع بعضها البعض و هل هناك حفرية هي بالفعل جدّ الإنسان أم لا". 42
ومن التعليقات التي تحمل أهمية كبيرة للغاية في موضوع درجة حفرية القرد المكتشفة حديثاً تلك التي أدلى بها "هنري جي" Henry Gee المحرّر في مجلة "الطبيعة" وأحد علماء الحفريّات . فقد تعرض "جي" في إحدي كتاباته في جريدة الجارديان The Guardian إلى النقاشات الدائرة بخصوص الحفرية على هذا النحو: "ليكن ما يكن في النهاية، إنني أوضح مرة أخرى وبشكل قاطع أن هذه الجمجمة التي تمثل فكرة "الحلقة المفقودة" (الموجودة بين القرد و الإنسان) والتي زعم أنصار التّطور منذ القديم أنها موجودة ما هي إلا خرافة لا وجود لها في الحقيقة... و قد أصبح الآن و أكثر من أيّ وقت مضى أن فكرة الحلقة المفقودة تلك والتي ظلت مشوشة و مهتزة في أذهاننا في كل وقت قد انتهت تماما و تمزقت". 43
وفي كتابه المهم الذي نشر عام 1999 وحمل عنوان In Search of Deep Time (ونحن نبحث عن أغوار الماضي) أوضح "هنري جي" على النّحو التالي كيف أنه لم تعد هناك أية قيمة علمية لحكاية "كيف تطوّر الإنسان" التي تداولتها وسائل الإعلام والمصادر والكتب المؤيدة للفكرة ذاتها:
"... فيُقال على سبيل المثال أنّ تطور الإنسان قد ارتبط بالتطور في التنسيق في العمل بين العين و اليد مع حجم المخ و وضع الجسم و الذي أدى بدوره إلى ظهور اللغة وإحراز نجاحات تكنولوجية مثل استخدام النّار و الآلات، إلاّ أن مثل هذه السيناريوهات لا تتعدى كونها سيناريوهات ذاتية. فلا و لن يمكنهم إخضاعها للتّجربة على الإطلاق، كما أنها ليست علمية ولا تستند إلى أية أسس علمية. ففي حين أنّها لا تستند إلى اختبارات علمية نجدها تستند إلى بعض الادّعاءات و وجهات النّظر. وعندما تناولنا الثّرثرة التي صال و جال بها الصحفيون وكُتَّاب المانشيتات في كل مكان والتي تناولت جميعها أبحاثا حول أجدادنا واكتشاف الرابطة المفقودة جاءت النتيجة بما يشبه المفاجأة، وخاصة عندما علمنا أن كثيرًا جدّا من علماء الحفريات المتخصصين قد هجروا منذ أكثر من ثلاثين عاماً الاعتماد على سيناريوهات وحكايات تاريخ الحياة، وشكل حكايات التاريخ التطوري و أن السبب وراء ذلك يعود إلى بعدها عن الأسس العلمية الصحيحة".44
يؤكد "جي" أن مدونات الحفرية لم تُشر إلى وجود "مخطط أو رسم بياني للتّطور" وأن ما لدينا لا يتعدى كونه مجموعة من الحفريات ليست في علاقة "تسبح و تتوقّف في بحر من الفراغ: "يجري العمل على التوفيق بين هذه الاكتشافات الحفرية الجديدة و بين الحكاية الموجودة من قبل. و نحن نطلق اسم "الحلقة المفقودة" على هذه الاكتشافات الجديد كأن سلسلة الأجيال/ الأجداد كانت بالفعل إحدى الأهداف التي يجب علينا أن نفكر فيها. غير أن الحقيقة كانت مغايرة لهذا منذ البداية، فهي كلها أشياء تم تأويلها بعيدًا عن الحقيقة بطريقة معينة بحيث تتوافق مع الأحكام المسبقة. و تمثل كل حفرية نقطة منفصلة بذاتها و لا توجد رابطة معروفة تربطها بأية حفرية أخرى، وكل هذه الحفريات تسبح و تتوقف في بحر من الفراغ". 45

تم تفسير Sahelanthropus باعتباره اكتشاف يدحض مزاعم نظرية داروين الخاصة بأصل الانسان، و الموجودة في مؤسسات الدعاية التابعة لمؤيدي التطور و حتى في المجلات العلمية.

والواقع أن هذه اعترافات مهمة للغاية. وهي تدلّ أيضاً على أنّ نظرية التطور التي ظلت طيلة 150عاماً تُقَدَّم على أنها الإجابة العلمية على سؤال "كيف أصبح لنا وجود في العالم"، وهي إجابة لـ"مذهب معين في الحياة " تم فرضه على العلم. و يعبر "جي" عن ذلك قائلاً: "نحن نحاول تعديل الحفريات بشكل يعكس ما نراه و ما نحب أن نراه نحن. و لا نبحث عن الحقيقة، و حتى يحدث التوافق مع آرائنا المسبقة فإننا نخلق ما نريد من وراء الحقيقة وبعيداً عنها. وفي النّهاية وصل أتباع داروين إلى نقطة الاقتناع و التسليم بأن "شجرة تطور السلالات البشرية" التي فُرضت على الناس منذ 150 عاماً باعتبارها حقيقة علمية هي حكاية "اختراع الإنسان". وكما قال عالم الأحياء المؤيد لفكرة التطور والذي يعمل في جامعة كاليفورنيا ف. كلارك هويل F. Clark Howell في إحدى كتاباته: "لا توجد نظرية واحدة شاملة بخصوص تطور الإنسان... و الواقع أنه لم يكن هناك أي وجود لمثل هذه النظرية في أي وقت من الأوقات." 46
لقد ظهر جليا ومن خلال أنصار فكرة التطور أنفسهم أن "الحلقة المفقودة" المحبّبة عند مانشيتات الصحف ستظل مفقودة إلى لأبد، لأنه لا وجود لشيء مثل هذا منذ البداية. ولهذا السّبب، وصلت حكاية تطور الإنسان مثلها مثل أساطير مذهب الدّاروينية الأخرى إلى طريق مسدود. و بديلا عن ذلك توصل العلم وكما سنرى في جزء قادم من هذا الكتاب إلى فكرة "خلق الإنسان".

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:52 PM

قديماً كان هناك جهل بعلم الأحياء
مما لا شك فيه أن كل من شاهد فيلم Matrix Reloaded، وهو الجزء الثاني من سلسلة أجزاء فيلم ماتريكس Matrix والذي يعد واحداً من أكثر صناعات السينما شعبية على الإطلاق سيتذكر المشهد الذي تم فيه إظهار كل واحد من الممثلين الثانويين في الفيلم على أنهم "برنامج حاسوب" ( Software). لقد عُرِض كل جسم في هذا المشهد من فيلم "ماتريكس" على أنه برنامج حاسوب. وحتى يتمّ توضيح ذلك الأمر بصورة أكبر للمشاهدين في مشهد إعطاء الدّواء لسيّدة و أن كلا من السيدة و الدواء قد ظهر كبرنامج حاسوب، تم إظهار كل من جسد المرأه و العلاج كصورة ظلية رقمية تتكون من أرقام وحروف خضراء اللون. وهذه الرّسوم التي تكررت في مشاهد متعددة من فيلم "ذي ماتريكس ريلووديد" عبارة عن سرد مرئي مؤثر، الغرض منه محاولة إقناع المشاهدين بأن الأشخاص الذين يرونهم ليسوا سوى برامج حاسوبية.
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...ism/matrix.jpg
إن اظهار الانسان في فيلم Matrix على انه كتابة رقمية أو برنامج حاسوب هو امر لا يبعد كثيراً عن الحقيقة.


أمّا الحقيقة التي لم يدركها سواء من شاهد هذا الفيلم ومن لم يشاهده على حدٍ سواء فهي أن الأجسام في الحياة الواقعية أيضا ما هي إلا "برامج" وإن اختلف الشكل.***
فأجسامكم هي أيضاً عبارة عن برنامج معقد للغاية. فلو أنكم أردتم أن تُفَرِّغوا محتويات هذا البرنامج و تكتبوه في كتب فإن هذا يستلزم أن تقيموا مكتبةً كبيرةً تغطي جدران غرفة كبيرةً جدا. ولو أنّكم قارنتم بين هذا البرنامج وغيره من البرامج الأخرى المعروفة – مثل برامج التشغيل في حاسبكم الآلي مثل برنامج الويندوز أو ماك أو إس Mac OS أو مع غيرها من البرامج الأخرى – فسوف تدركون كم هو متطور ومعقد ذلك البرنامج الموجود في أجسامكم بدرجة لا يمكن قياسها أو مقارنتها ببرنامج آخر. والأكثر من ذلك أن نظام التشغيل في الحاسوب الخاص بكم كثيراً ما يصيبها الشلل والبطء مما يقتضي الأمر إعادة تشغيل الحاسب الآلي من جديد، حتى أنها قد تفسد في بعض الأحيان مما يترتب عليه تدمير كل المعلومات الخاصة بكم والمخزنة على الحاسب. غير أنّ البرنامج الموجود في أجسامكم يظل صالحا و لا يصيبه أذى طوال فترة بقائكم في الحياة. و إذا حدث ثمة خطأ في هذا البرنامج، فهناك برامج أخري تقوم بإصلاح هذا الخلل و ازالة آثاره. حسناً ما هي ماهية البرنامج الموجود في أجسادكم؟ هل هو حروف و أرقام خضراء مثل ذلك الذي رأيناه في فيلم ماتريكس ريلووديد؟**
إنّ البرنامج الموجود في أجسامكم مكتوب بالجزيئات وليس بالأرقام والأحرف الرقمية. وهذه الجزيئات هي عبارة عن أجزاء من سلسلة عملاقة من الجزيئات يطلق عليها اسم ”DNA “ موجودة في نواة كل خلية من تريليونات الخلايا التي تُكَوِّن الجسم. والـ DNA هي بنك معلومات يحتوي على كل التفصيلات الخاصة بجسمكم. ويتكون هذا الجُزيء العملاق من سلسلة متتابعة تتكون من أربعة جزيئات مختلفة يُطلق عليها اسم "الحامض النووي". وتعمل هذه الجزيئات الأربعة التي تشبه أبجدية تتكون من أربعة أحرف على إخفاء المعلومة الخاصة بكل الجزيئات العضوية التي تتكون في الجسم. أي أنّ هذه الجزيئات لم تُرتَّب اعتباطا أو عن طريق المصادفة و إنما جاء ترتيبها وفق معلومة محددة. وتنقسم هذه المعلومة إلى جمل وفقرات. ويطلق العلماء على هذه الأجزاء اسم "الجين". ويعمل كل جين على إعطاء تعريف التفاصيل المختلفة الموجودة في أجسامكم (فمثلا عندما تأكلون السكر فإنها تقوم بتحديد قاعدة هرمون الأنسولين الذي سيأخذه إلى داخل الخلايا وكذلك تحديد بناء خلايا القرنية الشفافة الموجودة في العين).
يعترف الجميع بان اكتشاف ال DNA كان واحداً من أهم الاكتشافات في تاريخ العلم. و قد جاء تحديد وجود و بنية هذا الجزيء في عام 1953 على يد العالمين الرائعين فرانسيس كريك Francis Crick وجيمس واطسون James Watson . و منذ ذلك الوقت و حتى نصف قرن مضت و هناك جهود مهمة تبذل من أجل فهم و قراءة و حل شفرة ال DNA و استخدامه. أما اهم نقطة على الاطلاق بين هذه الجهود الكبيرة فكانت " مشروع الجينوم ? صبغيات المشيج? الإنسانية " التي كانت قد بدات في التسعينات و حتى عام 2001. لقد تمكن العلماء الذين تولوا هذا المشروع من قراءة " الجينوم البشري " ( اى قراءة المعلومات الو راثية التي تحملها الكر وموسومات مجتمعة ) و استخراج " تفريغ " كامل لها.
و ما لا شك فيه أن مشروع الجينوم البشري سوف يعود بالنفع على الإنسانية في مجالات مختلفة يأتى على رأسها الطب و الهندسة الو راثية أو الجينية. و هناك نتيجة اخري على نفس الدرجة من الاهمية بل و تفوقها أيضاً هي أنه يمدنا برسالة تتعلق بأصل ال DNA . و يوضح اهمية هذه الرسالة العالم جيني مايرز Gene Myers و هو احد العلماء الذين اكتشفوا الجينوم البشري " المعلومات الوراثية " أى أنه كان أحد الذين عملوا في شركة Celera التي أدارت المشروع.
و تحدث مايرز مفرداً تعليقاً له في إحدى الأخبار التى نُشرت في جريدة سان فرنسيسكو كرونيكِل San Francisco Chronicle تحت عنوان ( Human Genome Map Has Scientists Talking About the Divine ) " علماء خريطة الجينات البشرية يتحدثون عن الخالق " على النحو التالي:
تتواجد الجزيئات في شكل متكامل و على درجة عالية من التعقيد في الوقت نفسه... إننا لم نتمكن حتى الآن من أن نفهم حتى انفسنا بدرجة تثير الدهشة بشكل كبير. من الواضح أن هناك عنصر ميتافيزيقي " غيبي " في الموضوع...اما الشيء الذي يثير دهشتى بشكل رئيسي فهو فن العمارة الخاص بالحياة ... انه نظام معقد للغاية. و كأنه قد خضع لتصميم دقيق... يوجد عقل معظم هنا ( في الجينوم ). 47
لقد فنَّدت هذه المعلومة الموجودة في ال DNA مذهب الدارونية الذي يعتبر الحياة وليدة المصادفة و أثبتت عدم صحة هذه النظرية. لأن هذه المعلومة، لان هذه المعلومة تهدم اساس مذهب الدارونية و هو " الاختزال أو التحويل " المادي.
نهاية الاختزال او التحول

أفنى واطسون Watson و كريك Crick عمرهما في الابحاث الخاصة بأصل ال DNA . و توصل كريك، إلى ان أصل الحياة كان " معجزة بكل المقاييس.


كما هو معروف أن الفلسفة المادية لا تؤمن بشيء سوي المادة فقط فكل شيء عبارة عن مادة. و في تري هذه الفلسفة أن المادة وجِدّت و ستظل موجودة حتى إلى اللانهاية و لن يكون هناك وجود لأي شيء آخر سواها. و يستخدم الماديون من انصار هذه الفلسفة منطقاً يطلقون علية اسم " الاختزال " ليدعموا به آراء هذه الفلسفة. و الاختزال او التحويل هو فكر يمكن عن طريقة تفسير أي شيء لا يُري مثل المادة بواسطة العوامل المادية.
و حتى نوضح تلك النقطة دعونا نسوق مثال الذهن. فكما هو معروف أن ذهن أو عقل الانسان ليس شيئاً " يُمسك باليد و يُري بالعين ". إضافة إلى ذلك فهو لا يوجد أيضاً في مخ الانسان " مركزا خاصا بالذهن ". و ينقلنا هذا الوضع سواء أأردنا أم لم نُرد إلى نتيجة وجود معناً للذهن خلف – المادة. أى أن " انا " التي نقولها تعنى وجودا لكائن يفكر و يحب و يغضب و يحزن و يًعجب بشيء و يتألم و لا تعنى ذلك الوجود المادي مثل الكرسي أو المنضدة أو الحجر.
أما الماديون، فيزعمون أنه " من الممكن تحويل الذهن إلى مادة ". فيري أصحاب هذا الزعم ان تفكيرنا و حبنا و حزننا و كافة انشطتنا العقلية عبارة عن تفاعلات كيميائية تحدث بين الذرات الموجودة في امخاخنا. فحبنا و ولعنا بشخص ما لا يتعدى كونه تفاعلا كيميائياً حدث في بعض الخلايا في أمخاخنا و بنفس الطريقة فإن شعورنا بالخوف في مواجهة قضية أو مسالة ما هي أيضاً عبارة عن تفاعل كيميائي آخر. ويعبر الفيلسوف كارل فوجت Karl Vogt و هو من المؤيدين للفلسفة المادية عن هذا المنطق قائلاً " إن المخ يفرز أفكاراً بنفس الكيفية التي تفرز بها الحويصلة المرارية في الكبد للسائل المراري ". 48 غير أن السائل المراري هو بالفعل عبارة عن مادة و لكن لا يوجد أي دليل يمكن ان يشير إلى أن الافكار هي الاخري عبارة عن مادة.
إن الاختزال او التحويل هو تنفيذ أو ادارة منطقي. الا ان هذا التنفيذ المنطقي يمكن ان يستند على الاسس الصحيحة و على الاسس الخاطئة أيضاً. و العلم هو واحد من الطرق المهمة لتمييز الصحيح من الخاطيء. و لهذا السبب يجب أن نسأل هذا السؤال: هل من الممكن أن يستقيم الامر إذا نحن قسنا " الاختزال او التحويل " الذي يعتمد على المادية بشكل أساسي بالمعطيات العلمي ؟
لقد أظهرت كافة الابحاث العلمية و نتائج التجارب و الملاحظات التي أجريت في القرن العشرين أنه يجب الاجابة على هذا السؤال ب " لا ".
و تحدث في هذا الموضوع أيضا الاستاذ الدكتور ويرنر جيت Werner Gitt و هو مدير معهد الفيزياء و التكنولوجيا بألمانيا على النحو التالي:
" إن أى نظام ترميز هو نتاج لسلسلة من العمليات الذهنية في كل زمان. و يجب علينا الانتباه إلى نقطة واحدة في هذا الموضوع? أن المادة لا يمكنها أن تصنع كوداً لأى معلومة. و تسبر كافة التجارب إلى ضرورة وجود عقل سليم يستخدم الارادة الحرة و الحكم و موهبة الابتكار من اجل ظهور المعلومة... و لا يوجد اى قانون في الطبيعة أو عملية فيزيائية أو مسألة مادية يمكن أن تضمن قيام المادة باستخلاص و استنتاج المعلومة... كما لا يوجد أى قانون في الطبيعة او عملية فيزيائية يمكن ان تضمن ظهور المعلومة من تلقاء نفسها داخل المادة. "49
إن كلمات ويرنر جيت هي في الوقت نفسه النتائج التي توصلت اليها " نظرية المعرفة أو العلم" التي تطورت خلال 20-30 عاما الاخيرة و يُنظر اليها باعتبارها جزء من الديناميكا الحرارية. و تبحث نظرية المعرفة تلك في بنية و أصل العلم و المعرفة في الكون. أما النتيجة التي تم التوصل اليها بفضل الابحاث المُطَوَّلة لقادة الفكر و العلم فهي كالآتى: " إن العلم هو شيء مختلف و منفصل عن المادة. و لا يمكن ان يتحول العلم إلى مادة بأى حال من الاحوال. و يجب ان يتم بحث العلم و المادة كل منهما بمعزل عن الآخر. "
تماماً كما ذكرنا في مثال ال DNA الذي تناولناه قبل قليل... يوجد في ال DNA على حد قول العلماء الذين بحثوا هذا البناء " معلومة عظيمة ". و اذا كان من المتعذر تحويل او اختزال هذا العلم إلى مادة فلا بد و انها تأتى من مصدر وراء- المادة.
لقد قبل جورج سي ويليمز George C. Williams و هو احد أشهر المدافعين عن نظرية التطور بهذه الحقيقة التي لم يرغب معظم الماديون و أنصار فكرة التطور ان يرونها. لقد دافع ويليمز لسنوات طوال عن و بشكل متعصب عن مذهب المادية، الا أنه اعترف في احدي كتاباته بتاريخ 1995 أن الطرح القائل بان كل شيء ياتى من المادة انما يعبر عن خطأ وجهة النظر المادية " الاختزال و التحول ":

يعد قبول ادعاء مثل أن أحداث الطبيعة تولد معرفة جينية، معتقد خاطيء تماماً.


لم يستطع علماء الاحياء من المؤيدين لفكرة التطور حتى الآن ان يدركوا أنهم يعملون في مجالين مختلفين عن بعضهما? و هذان المجالان هما المادة و العلم... كما انه لا يمكن جمع هذين المجالين في مكان واحد مع القاعدة التي نعرفها باسم " الاختزال أو التحويل "... و كل واحد من الجينات عبارة عن رزمة صغيرة من المعلومات أكثر من كونها جسم أو شيء مادي... و عدما تتحدثون عن فيم معينة مثل الجينات في علم الاحياء و الانماط الوراثية و الاحواض الجينية فإنكم تكونوا قد تحدثتم فيما يتعلق بالعلم و ليس بخصوص الاجسام المادية... و يشير هذا الوضع إلى وجود مجالين مختلفين للمادة و العلم و يجب أن يتم دراسة أصل هذين المجالين المختلفين بشكل منفصل كل عن الآخر. 50
يُعتبر الاختزال أو التحويل أحد حاصلات المستوي العلمي المتدنى في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر. لقد اعتمدت هذه الخدعة التي اتخذها مذهب الدارونية أساساً لها على افتراض مفاده ان الحياة بسيطة و ان الصدفة هي المسبب لأصل هذه الحياة. إما علم الاحياء في القرن العشرين فجاء بما هو عكسٌ لذلك تماماً. يوضح البروفيسور المتقاعد فيليب جونسون Philip Johnson من جامعة كاليفورنيا بيركيلي و المعروف بأنه واحد من أهم نُقاد مذهب الدارونية في الوقت الحالي كيف ان الدارونية قد أغفلت " العلم " الذي هو أساس الحياة و كيف انها فتحت الطريق امام خطأ على هذا الشكل:
لقد كان خضوع علم الاحياء الذي جاء بعد داروين لسيطرة و هيمنة الفلسفة المادية السبب وراء افتراض علماء الاحياء أن الكائنات الحية باعتبارها كتلة عضوية لها شكل بسيط للغاية أكثر مما هو موجود فعلا في الواقع. ( و في رأيهم ) أن الحياة كانت يجب ان تكون عبارة عن الكيمياء فقط. أى أحضروا المواد الكيميائية إلى جانب بعضها البعض لتوجد الحياة بعد ذلك. و بالشكل نفسه كان يجب أن تكون نتاجا للكيمياء فقط في ال DNA. و قد عبر عن هذا أحد المعارض التي أقيمت في متحف تاريخ الطبيعة في مكسيكو سيتي على النحو التالي:
" غازات بركانية + صواعق = الحياة ". و عندما كان يتوجه أى شخص بسؤال بخصوص هذه الحكاية، كان المسئول عن المتحف يزعم بأنها حكاية مبسطة و لكنها صحيحة في أساسها. 51
بيد أن هذه الافتراضات البدائية و السطحية لم تفضي لشيء. لقد اتفقنا في الجزء الاول من الكتاب أن الخلية و هي أبسط شكل للحياة معقدة لدرجة كبيرة لم يكن ليتخيلها أحد من قبل و لهذا السبب فقد كانت " معرفة و علم " عظيمين. لقد ثبت ان مسألة تحويل المعرفة إلى مادة – مثل القول بأن غازات بركانية + صواعق = DNA = الحياة – كانت مجرد جهل كبير. و يوضح جونسون رأى العلماء " المؤيدين لفكرة التحويل أو الاختزال " موضوع حديثنا الذين يحاولون تحويل العلم و المعرفة إلى مادة على النحو التالي:
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...nism/dna03.jpg
لا ينظر العلماء المؤيدون لفكرة الاختزال و التحويل إلى الحقيقة، و هم يوجهون اهتمامهم بديلا عن ذلك إلى الحياة في ظل برنامج يكن ان يصل بأهداف فكرة التحويل و الاختزال إلى النجاح. و هذا الامر يتشابه تماماً و حكاية انسان غير واعي يفقد مفاتيحه وسط الادغال و لكنه يبحث عنها تحت ضوء مصباح موجود في الشارع و عندما يسأله سائل عن تصرفه هذا يجيب قائلاً " حتى أري المفاتيح فهناك في الادغال لا يوجد ضوء ". 52
و يفضل عدد متزايد من العلماء اليوم الذهاب إلى العنوان الصحيح بدلا من البحث عن المفتاح في المكان الخاطيء. و هم يقبلون بالحقيقة الواضحة بدلا من الانخراط في جهد يائس لن يؤدي إلى نتيجة في قوانين الطبيعة و المصادفة للبحث عن أصل العلم العظيم الذي أقام الحياة: إن الحياة هي نتيجة لعملية خلق عبقرية. و يحتل العلم مكانة كبيرة للغاية في حياتنا سواء في الحاسبات و الانترنت و أو الحياة نفسها، و أصبحت هذه الحقيقة اكثر وضوحاً في القرن الواحد و العشرين عما مضيى. أما مذهب التطور " الدارونية " التي تعتقد أن الحية بسيطة و لم تستطع أن تلحظ وجود " المعلومة و المعرفة الاحيائية " فقد حُكِمَ عليها ان تُدفن في التاريخ مثلها مثل أى من أفكار القرن التاسع عشر العتيقة.
أما الحقيقة فهي كالآتى: إن الله هو الخالق لكل أشكال الحياة على سطح الارض و من نظمها بشكل دقيق لا ليس به نقص. و الخلق هو صِنعة الله التي لا توازيها صِنعة. لقد خلق الله سبحانه و تعالي الانسان منزه عن كل نقص أو عيب، بعد ذلك نفخ فيه من روحه. أما الحواس التي يمتلكها الانسان مثل حاستى الرؤية و السمع و المعانى المجردة مثل التفكير و الاحساس و الحس فهي من خصائص و قدرات " الروح " التي اعطاها الله للانسان " و ليست نتيجة للتفاعل اللاشعوري بين الذرات ". و الله سبحانه و تعالي يُذَكِّر الانسان في القرآن الكريم بما انعم عليه من قدرات:
" قل هو الذي أنشأكم و جعل لكم السمع و الابصار و الأفئدة قليلاً ما تشكرون (23) " ( سورة المُلك ).
و يحمل كل انسان بداخلة الروح التي منحها اياه الله و هو مسئول أمام الله الذي خلق كل شيء من العدم. و يخبرنا الله سبحانه و تعالي في القرآن الكريم عن خلق و موت ثم بعث كل من يتوهم انه سَيُترك هكذا حرا طليقاً بلا ضابط و لا رادع :
" أيحسب الانسانُ ان يُتْرك سُدي (36) ألم يكُ نُطفةً من مني يُمني (37) ثم كان علقةً فَخَلَقَ فَسَوَّي (38) فجعل منه الزوجين الذكر و الأنثى (39) أليس ذلك بقادرٍ على أن يُحي الموتى " ( سورة القيامة ).

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:54 PM


ساد الاعتقاد قديما بوجود " دليل من علم الاجنة " على التطور
شرح تشارلز داروين في كتابة الذي حمل عنوان The Descent of Man ( الظهور " المفاجيء " للانسان ) نظريته الخاصة بأصل الانسان و الادلة التي يزعم انه حصل عليها بخصوص هذا الموضوع. و لم يحتوي كتابه الا على صورتين اثنتين في الجزء الأول منه أحدهما لإنسان أما الاخري فهي لأجنة الكلب. " و في أحد اجزاء الكتاب التي حملت عنوان " الادلة على تطور الانسان عن صورة متدنية " تحدث داروين قائلاً:

يعتبر عالم الاحياء الالمانى هيكل هو اول من أسس علم الاجنة بشكل يتوافق مع نظرية داروين.

التطور الجنيني: ينشأ الانسان من بويضة واحدة لا يتعدى حجمها واحد على 125 من البوصة و لا تحمل هذه البويضة اية اختلافات تفرقها عن تلك التي في سائر الحيوانات الأخرى. يمكن التمييز بصعوبة كبيرة بين الجنين في مراحله المبكرة و بين سائر الفقاريات الاخري. فيستمر في هذه المرحلة وجود الشقوق على جنبي الرقبة ( في الجنين البشري ). " 53

يتحدث داروين بعد ذلك عن وجود شبة بين الجنين البشري و بين أجنة الفقاريات الأخرى مثل القرد و الكلب، إلا انه و مع تقدم مراحل " الحمل " يبدأ في الاختلاف عن أجنة الفقاريات الأخرى، و يزعم داروين أن آراءه تلك قد استندت إلى الملاحظة. و قد عرَّف داروين علم الاجنة في خطاب ارسل به إلى صديق أصا جراي على انه " واحد من أهم الحقائق التي تدعم نظريته " المزعومة. 54
إلا أن داروين لم يكن في أى يوم من الايام واحد من علماء الاجنة. كما انه لم يقم في اى يوم من الأيام بوضع الاجنة تحت عدسة المجهر لفحصها بشكل شامل دقيق. لهذا السبب فقد عمد داروين و هم يقيم حججه إلى الاقتباس من الاشخاص الذين لهم باعاً في هذا المجال. و قد لفت نظرنا اسم واحد على وجه الخصوص وضعه داروين في الحاشية: هذا الاسم هو للعالم الالمانى Ernst Haeckel اِرنست هيكِل الذي زوَّد كتابة الذي حمل عنوان Natürliche Schopfungsgeschichte ( تاريخ الخلق الطبيعي ) بصور اجنة مختلفة و كتب تعليقه على هذه الصور.
و بذلك كان التاريخ سيذكر هيكِل بعد مدة قصيرة من الحقيقة باعتباره هو من علَّق على الأجنة بشكل يتوافق و نظرية التطور.
لقد قرا هيكل بحماس شديد كتاب أصل الانواع لداروين الذي نُشر عام 1859 و تبني كل ما جاء في هذا الكتاب لرجة انه اصبح اكثر تعصبا لفكرة التطور ربما اكثر من داروين نفسه. و قام بسلسلة من الابحاث و ألَّف كتاباً رغبةً منه في ان يشارك باسمه في نظرية التطور. أما في كتابه ( تاريخ الخلق الطبيعي ) الذي نُشر عام 1868 فطرح نظرية علم الاجنة الذي سيكسبه الشهره الحقيقية. و زعم هيكل في هذا الكتاب أن بويضات الانسان و الحيوانات الاخري كانت على شكل واحد تماماً في بداية مراحل التطور. و دلَّل على هذا بصور أجنة الانسان و القرد و الكلب التي وضعها في الصفحة رقم 242 من الكتاب. و يري هيكل أن هذه الصور التي تبدوا متشابهة مع بعضها تماماً هي الدليل القاطع على أن هذه الكائنات الحية قد انحدرت من أصل واحد مشترك.

كان كتاب أصل الانواع، سبب في ارتكاب هيكل أخطاء فادحة.

و الحقيقة هي ان الكائنات الحية التي نتحدث عنها ليست هي التي انحدرت من اصل واحد و انما صور هذه الكائنات: لقد قام هيكل برسم صورة لجنين واحد، ثم اجري عليها تغيرات بسيطة للغاية و وضعها جنبا إلى جنب على انها صور لأجنة الانسان و القرد و الكلب! و عندما طبع نفس الصورة جنبا إلى جنب مع النسخة الاخري بدت و كل صورة من هذه النسخ و كأنها صور طبيعية.55

و ها هو داروين يستعين بهذه " الدراسة " في كتابه الظهور " المفاجيء " للانسان كواحد من المصادر. بيد ان داروين لاحظ قبل ان يكتب كتابة هذا وجود تحريف كبير في " دراسة " هيكل ". كما جاء في مقالة حملت توقيع روتيمير L. Rutimeyer و نشرت في مجلة Archiv für Anthropologie " أرشيف الانثروبولوجيا " العلمية الالمانية في خلال عام 1868 و هو نفس العام الذي نشر فيه هيكل كتابه أن ما قام هيكل لا يتعدى كونه تزييفا للحقيقة. و أعلن روتيمير و هو استاذ الحيوان و التشريح المقارن في جامعة باسيل Basel أنه قرء الكتابان اللذان قام هيكل بنشر صور الاجنة فيهما و هما Naturliche Schopfungsgeschichte ( تاريخ الخلق الطبيعي ) و Uber die Entstehung und den Stammbaum des Menschengeschlechts ( حول شجرة الجنس البشري و مراحل تكوينه ) و انتهي من بحثه لما جاء فيهما إلى أن صور الاجنة التي أوردها هيكل لا علاقة لها بالواقع تماماً. علَّق روتيمير على هذا الموضع على انحو التالي:
"يزعم هيكل هذه الدراسة من السهولة التي يمكن معها سواء لغير المتخصصين أو للباحثين و الأكاديميين على حد سواء فهمها بسهولة. و أن احداً لن يقف ضد الكاتب منذ اللحظة الاولي في كل ما جاء به، غير أن ما جاء به لم بالشيء الذي يمكن أن ندافع عنه و نؤيده. وهي أمور مغلفة بإجراءات شكلية خاصة بالعصر الوسيط. و أصبح من الواضح و الصريح الدلائل العلمية قد اُنتجت من العدم. و لكن الكاتب عمد إلى التصرف بشكل دقيق محكم حتى لا يُميِّز القُرَّاء هذه الحقيقة. " 56
و على الرغم من هذا استمر داروين مع علماء الاحياء الآخرين الذين يدعمونه في قبول ما جاء به هيكل. و هو الامر الذي جعل هيكل أكثر نشاطاً. فَشَمَّر عن ساعديه حتى يجعل من علم الاجنة الدعامة القوية التي تستند عليها الدارونية. و لك تكن الملاحظات التي قام بها تصلح لان تكون دعامة كتلك، و لكن كثير منها كانت تكسب هذه الصور و الرسوم اهميةً. و قام في السنوات التالية لذلك بعمل سلسلة من رسوم الأجنة المقارنة. فأعد رسوما تخطيطية وضع فيها أجنة الاسماك و السَمَنْدر و الارنب و الانسان إلى جانب بعضها البعض. وما يلفت النظر في هذه المخططات أن التشابه الكبير بين أجنة هذه الكائنات الحية المختلفة عن بعضها في المراحل الأولي كان يختفي تدريجياً في مراحل التطور التالية ليختلف كل منها عن الآخر. و كان أكثر ما لفت الانتباه حقاً هو ذلك التشابه الموجود بين أجنة الاسماك و أجنة البشر. و وصلت درجة التشابه بينهما لدرجة انه كان يُلحظ وجود خياشيم عند أجنة البشر شبيهةً لما هو موجود عند الاسماك، و أقام هيكل " نظريته " المزعومة التي أضفي عليها الصبغة العلمية بهذه الرسوم التي قدمها: و هي تكرار لتاريخ نشاة و تطور الفرد و لتاريخ نشأة و تطور السلالات ( أي تكرار نشأة و تطور الفرد منذ أن كان خلية و حتى البلوغ و نشاة السلالات أى التاريخ التطوري لمجموعة من المُتَعَضِيَات ) ". و تعنى هذه الشعارات كالتالي: فكما يري هيكل أن كل نوع من الانواع الحية يعيش في أثناء مراحل التطور التي يمر بها في البيضة التي يقبع داخلها أو في رحم امة يعيش " التاريخ التطوري " الخاص بنوعه منذ البداية. فمثلاً الاجنة البشرية تتشابه في بداية وجودها في البطن مع الاسماك، و بعد ذلك و مع تقدم أسابيع الحمل تمر بمراحل " تطورية " عدة مثل مرحلة السمندر و الزواحف و الثدييات وصولاً إلى مرحلة الانسان او البشر.
و قد تحولت هذه الحكاية التي عرفت باسم " نظرية التكرار " انطلاقا من مفهوم التكرار أو الاعادة (recaputilation) الموجودة في شعار " تكرار نشاة و تطور الفرد و تكرار نشاة السلالات " تحولت إلى واحد من اهم " القرائن و الدلائل " التي دعمت التطور المزعوم على مر الازمنة. و طوال القرن العشرين و مات الملايين من الطلاب يرون في كتبهم الدراسية مخطط السمك – السمندر – السلحفاة - الدجاجة – الارنب - الانسان و نشؤ على حكاية " أن الاجنة البشرية تحتوي على خياشيم ". و إذا سألنا كثير جدا من الاشخاص الذين مازالوا يؤمنون حتى الوقت الحالي بنظرية التطور، فستكون نظرية هيكل وحدة من بين عدة " دلائل على التطور " ستتوارد إلى أذهانهم.
غير ان الحقيقة هى ان هذه الحكاية لم تتعد منذ البداية كونها مجرد تزييف جائر.
فالحقيقة ان الاجنة لا يربطها مع بعضها علاقة تشابه. و أن ما قام به هيكل كان مجرد خرافات لا اساس لها. لقد أضاف هيكل هكذا و من تلقاء نفسه أعضاءً تخيلية لبعض الاجنة، و نزع اعضاءً أخري من البعض الآخر، و أظهر الاجنة المختلفة عن بعضها بشكل كبير من ناحية الحجم اظهرها جميعاً في حجمٍ واحد.
فالشَق الذي رآه هيكل في الاجنة البشرية و اعتبره " خياشيم " لا علاقة له في حقيقة الامر بالخياشيم: فهذا الشق عبارة عن بداية تكوين الغدة الجنبدرقية " احدي أربع غدد صماء مجاورة للغدة الدرقية " و الغدة الصعتريَّة " غدة صغيرة موجودة بالقرب من قاعدة العنق ". ( و قد اتضح ايضاً ان كافة تشبيهات هيكل الاخري لم تكون سوي خداع: فقد اتضح أن الجزء الذي شبَّهة ب " كيس صفار البيضة " لم يكن سوي الكيس الذي ينتج الدم من اجل الجنين. أما الجزء الذي عرَّفة هيكل و اتباعه بأنه " الذيل " فهي عظام العمود الفقري في الانسان و قد ظهر بشكل يشبه الذيل لان هذه العظام تظهر مبكراً قبل ظهور عظام الساق. )
لم يظهر الزيف الذي قام به هيكل في هذه الرسوم الا في بدايات القرن العشرين و " اعترف " هو نفسه أيضاً و بشكل صريح بما قام به. فنجده يقول:

الرسومات و الصور الخاطئة التي أعدها هيكل ليخلق انطباع يوحي بوجود تشابه بين أجنة الكائنات الحية المختلفة.

كان لا بد ان أقف في وقف المُدان و المُعاب عليه بعد أن اعترفت بما قمت به من تزييف و تشويه للحقيقة. إلا ان عزائي الوحيد في هذا الامر هو ان هناك مئات من الاصدقاء ممن يوثق فيهم من المراقبين علماء الاحياء المشهورين قد وقفوا بجانبي و شاركونى رأيى هذا ليس هذا فحسب بل و ارتكبوا تزييفاً يعادل ما ارتكبته انا بما نشروه في كتب علم الاحياء التي ألَّفوها و في رسائلهم و مجلاتهم العلمية و التي حوت معلومات غير مؤكدة قاموا بإعادة تنظيمها من جديد. 57

و مع هذا فقد استفاد النظام الدار وني للغاية من هذه الدعايا و لم يتوانى عن استخدام هذه الادوات الدعائية لصالحة. و تم غض الطرف هذا التزييف العلمي للرسومات. و ظلوا طيلة عشرات السنوات يعرضون كثير جدا من هذه الرسوم التطورية على الناس و في الكتب الدراسية على انها حقائق علمية.
إلا انه و مع النصف الثانى من التسعينات ظهر هناك من بدا يتحدث بصوت عالي عن تزييف هيكل لهذه الرسومات. فنُشر مقال في عدد مجلة العلم الشهيرة الصادر في تاريخ 5 أيلول عام 1997 اوضح أن رسومات الاجنة التي وضعها هيكل لا تتعدي كونهما نتاجاً لعملية تزييف تمت. وتحدث اليزابيث بينيسي Elizabeth Pennisi في مقالة له بعنوان " لقد تم اكتشاف تزييف أجنة هيكل من جديد " على النحو التالي:
يقول عالم الأجنة ميشيل ريتشاردسون من مدرسة سانت جورج الطبية في لندن " إن الانطباع الذي تركته ( رسوم هيكل ) أي انطباع وجود تشابه بين الاجنة و بعضها البعض كان انطباعاً خاطئاً "... لقد بحث ميشيل ريتشاردسون و أصدقائه أجنة الكائنات الحية من نفس نوع و عمر الأجنة التي رسمها هيكل و التقط لها صوراً قارن بينها و بين تلك عرضها هيكل. و في مقالة له كتبها في مجلة علم التشريح و علم الاجنة رصد ريتشاردسون ملاحظاته قائلاً " تبدوا الاجنة مختلفة عن بعضها البعض في معظم الاوقات بشكل يثير الدهشة ". 58
و كانت مجلة العلم قد تحدثت عن قيام هيكل إما بتعمد استنتاج بعض الاعضاء من الصور اوانه أضاف أعضاءً خيالية لا وجود لها رغبةً منه في ايجاد علاقة التماثل المزعومة بين الاجنة و اوردت المعلومات التالية أيضا ً بهذا الخصوص:
يري ريتشارد سون و فريقه ان هيكل لم يكتف بإضافة الأعضاء أو او استنتاج وجودها بشكل خاطيء فقط بل قام في الوقت نفسه باللعب في أمور أكبر من ذلك رغبة منه في اظهار تشابه بين الانواع المختلفة، فقد عرض بعض الاجنة في صور أكبر عشرة أضعاف من حجمها الحقيقي. و حتى يتمكن من اخفاء الاختلافات تهرَّب من تسمية هذه الأنواع و قام بعرض نوع واحد و كأنه الممثل عن الفصيلة الحيوانية. و يري ريتشارد سون و فريقه أنه حتى في أجنة الانواع السمكية القريبة للغاية من بعضها البعض توجد فروق كبيرةٌ جداً سواء من ناحية شكلها أو من ناحية مراحل و وتيرة تطورها. و يقول ريتشارد سون أيضاً " لقد تحولت ( صور هيكل ) إلى واحدة من أكبر الزيف في علم الأحياء ". 59
و قد تناولت احدي المقالات التي نشرت في مجلة العلم موضوع التكتم الذي فرض على اعترافات هيكل اعتبارا من بدايات هذا القرن و بدأ تدريس هذه الصور في الكتب الدراسية على اعتبار انها حقيقة علمية مسلم بها على النحو التالي: " لقد ضاعت اعترافات " هيكل " تماما بعد صدور كتاب في عام 1901 بعنوان “ Darwin and After Darwin “
( داروين و ما بعد داروين ) احتواء هذا الكتاب على صور التي اوردها هيكل. و انتشرت هذه الصور بشكل موسع للغاية في كتب علم الاحياء الانجليزية. " 60
و في 16 تشرين الاول 1999 نُشرت مقالة في New Scientist تحدثت عن زيف حكاية علم الأجنة الخاص بهيكل و بعدها عن الحقيقة على النحو التالي:
عُرفت نظرية هيكل باعتبارها " قانون النشوء الحيوي " و في خلال مدة زمنية قصيرة أصبحت هذه الفكرة اكثر رواجاً بين الناس باعتبارها " خلاصة الموضوع ". أما الحقيقة فقد ظهرت بعد ذلك بمدة قصيرة عندما وضح بشكل قاطع عدم صحة قانون هيكل. فعلي سبيل المثال اتضح ان ألأجنة البشرية في مراحل النمو المبكرة لم يكن لها أية خياشيم مثل التي في الاسماك كما انها لم تمر بأى مرحلة مشابهة لأى من الزواحف الناضجة أو للقرد ايضاً. 61
و بذلك تكون نظرية " الخلاصة " التي يمكن اعتبارها أكثر " أدلة التطور " رواجاً في كل الأزمنة قد انهارت بالفعل.
و بهذا الشكل يكون تزييف هيكل قد انكشف أيضاً . و على الرغم من هذا فهناك تزييفات أخري قريبة لما قام به هيكل و ما زالت مستمرة حتى الآن.
هذه التزييفات هي تزييفات داروين. فداروين و كما اوضحنا في البداية،أخذ صور هيكل و تعليقاته و الآراء المختلفة للعلماء الآخرين و استفاد من كل هذه الأشياء في تدعيم نظريته. و مع هذا فلم تكن هذه النقطة وحدها هي التي ابتعد فيها داروين عن الصدق. فهناك نقطة أخري أكثر اثارة من النقطة السابقة و هي أن داروين وقف معارضاً و بشدة لآراء كارل انرست فون بير Karl Ernest Von Baer الذي كان ألمع علماء الاجنة في هذا الوقت. و حقيقة هذا الموضوع التي اوضحها جوناثان ويللز في كتابه Icons of Evolution " أيقونات التطور " هي أن فون بير لم يكن يؤمن بنظرية داروين ليس هذا فحسب و كان ممن وقفوا ضدها بشدة. و عارض فون بير أيضاً و بشكل قاطع التأويلات التطورية التي تم الزج بها إلى علم الاجنة? و كتب في هذا الموضوع قائلاً " لا يمكن لأجنة الحيوانات العليا ان تتشابه في أى وقت من الاوقات مع شكل آخر مختلف عنها، فليس لها من شبيه الا الأجنة التي من نفس نوعها فقط ". 62 و اشار إلى ان أنصار داروين من المنتسبين إلى العقيدة( الدوغماتية ) " فهم يؤيدون فرضية التطور الدارونية تأييداً أعمي قبل أن يدرسوا الاجنة نفسها " 63
إلا ان داروين اصطدم بداية من الطبعة الثالثة لكتابة أصل الانواع مع آراء فون بير و تعليقاته و ما توصل اليه من نتائج ليس هذا فحسب بل و اعتبرها دليلاً على صحة نظريته. يشير جوناثان ويلز إلى هذا الموضوع على النحو التالي:

أثبتت صور الاجنة التي التقطها عالم الاحياء الانجليزي ريتشارد سون Richardson في عام 1999، أن رسومات هيكل مزيفة و لا تمت للحقيقة بأى صلة. يظهر في الجانب العلوي رسومات هيكل المتخيلة، و قد وُضعت أسفلها الصور الحقيقية.

لقد اقتبس داروين عن بير فون باعتباره مصدر أدلته في علم الاجنة، الا ان النقطة المهمة في هذا هي انه حرَّف و شَوَّه هذه الادلة حتى تتوافق مع نظريته. إلا ان فون بير وقف ضد استخدام داروين بشكل جائر لملاحظاته و تجاربه التي قام بها و ظل على موقفة كواحدٍ من أقوي المعارضين لفكرة التطور الدارونية حتى وافته المنية في عام 1876. و مع هذا استمر داروين في اظهار بير كمرجع أخذ منه و انه من المؤيدين له و لنظريته على الرغم من معارضة بير الواضحة له. 64

باختصار، لقد استغل داروين الظروف البدائية للفترة التي عاش فيها لا ليستنبط آراء و أفكاراً علمية خاطئةً تعتمد على الاحكام المسبقة فقط بل و ليحرف أيضاً نتائج أبحاث قام بها علماء آخرين مستفيداً من عدم كفاية وسائل الاعلام.
و إن كان ظهور هذه الحقيقة و جلاءها قد جاء متاخراً إلا انه كان ضربة قاسية بأى حال من الاحوال للدار ونية. لقد وجد داروين نفسه بسبب تزييفات هيكل اكثر قوة لهذا كان ينظر إلى علم الأجنة على حد قوله أنه " أقوي درجات الحقيقة التي تمثل دليلا على صحة ". 65
لقد انخدع كثير جداً من الناس بهذه الحكاية، و اقتنعوا نظرية التطور مصدقين بجهل و سطحية بوجود خياشيم عند الانسان في فترة من الفترات.
و لكن كان هذا في فترة من الفترات...
و لم يعد يخفي على أحد أن علم الاجنة ليس دليلا او قرينة تؤيد الدارونية. و من الضروري تكرار نفس الشعار في علم الأجنة أيضاً:
يوماً ما كان هناك شيء اسمه الدارونية! ...

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:57 PM

يوما ما كان هناك ما يسمي بحكاية السمات المُمَيِّزة الخاطئة
ريتشارد داوكينز Richard Dawkins هو واحد من علماء الاحياء الذين عُرفوا على مستوي العالم بتاييدهم لنظرية التطور. و لك تكن ابحاث داوكينز في علم الحيوان بوصفه بروفيسور علم الحيوان في جامعة اوكسفورد هو السبب وراء نجاحه و شهرته بل كان الحاحه الدائم في الظهور في موقف المدافع عن الدارونية و المذهب الالحادي هو السبب وراء هذه الشهرة.
و في عام 1986 نشر داوكينز كتاب له بعنوان The Blind Watchmaker. و تحت هذا العنوان الذي يعنى " صانع الساعات الأعمى "، يحاول داوكينز اقناع قرَّائه ان السمات المعقدة الموجودة في الكائنات الحية انما هي احدي نواتج آلية الاصطفاء الطبيعي التي تتم بلا شعور. و تستند هذه المحاولة للاقناع على المضاربات في كثير من الأماكن و على التشبيهات و الحسابات الخاطئة و قد فسر العلماء ذلك بشكل مفصل في يومنا الحالي. 66
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...arddawkins.jpg
تحدث ريتشادر داوكينز Richard Dawkins الملحد، في كتابة " الساعاتى الاعمي " الذي نشر في عام 1986 في معرض حديثة عن الطبيعة تحدث عن " السمات الخاطئة ". و قد ظهر فيما بعد أن داوكينز اعتمد في حديثة هذا على رؤى خيالية أيضاً باطلة.

تعتبر فكرة " السمات المميزة الخاطئة الموجودة في الكائنات الحية " واحدة من الادعاءات التي نادي بها داوكينز. يدافع داوكينز عن ان هناك بعض الابنية الموجودة في الكائنات الحية لها خصائص و سمات غير منتجة و من ثم فهي سمات خاطئة و من هنا فهو يحاول أن يمحو حقيقة وجود خلق كامل بلا نواقص. و من أكثر الامثلة التي يسوقها داوكينز على ذلك مثال " الشبكية المقلوبة " الموجودة في كل الفقاريات بما فيها الانسان.
يُعنى بمفهوم الشبكية المقلوبة أن خلايا " ادراك الضوء " تستقر في الطرف الخلفي من العين أى أن اتجاهها إلى الجزء الخلفي من العين و ليس باتجاه الضوء مباشرة. و توجد الأسطح التي تدرك الضوء في هذه الخلايا باتجاه الخلف، أما الاعصاب التي تخرج من هذه الخلايا فتشكل طبقةً تفصل بين الخلايا و الضوء. و تتجمع هذه الاعصاب في مكان معلوم من العين و تخرج جميعها إلى الخارج من قناة موجودة في هذا المكان. و لأن هذه القناة لا تحوي فوقها خلية من خلايا ادراك الضوء، فإنه لا يتم في هذه النقطة ايضاً أى ادراك للضوء. من أجل هذا السبب يطلق على هذه النقطة اسم " النقطة العمياء ".
لقد استغل انصار نظرية التطور الوضع " المقلوب " للشبكية و النقطة العمياء التي يكونها هذا الوضع، و زعموا بوجود خطأ و قصور في خلق العين، لهذا السبب تمادوا في ادعاءاتهم قائلين بأن العين قد وجدت اول ما وجدت بواسطة طريقة الاصطفاء الطبيعي و أنه من الضروري و الطبيعي أن نتوقع حدوث مثل هذا الشيء الغريب. إن ريتشارد داوكينز و كما اوضحنا من قبل هو الشخص الذي عرفة الجميع بأنه هو من أوجد هذا الجدل. لقد كتب داوكينز مقالة له في The Blindwatchmaker تحدث فيها عن هذا الموضوع على النحو التالي:
من الأشياء المسلة لكل مهندس أن عملية توجية خلايا ادراك الضوء صوب الضوء تقتضي أن نمد الكابلات الخاصة بها نحو الخلف اى جهة المخ. لهذا سيجد أن وجود و اتجاه الخلايا الإدراكية بعيداً عن الضوء و وجود الكابلات الخاصة بها في أقرب مكان للضوء انما هو تصميم خاطيء للعين. و مع هذا فهذا الوضع موجود في كل الفقاريات. 67
لقد اخطأ كل من داوكينز الذي فجر هذه الادعاءات و من آمنوا بفكره أيضاً. و السبب في الخطأ الذي وقعوا فيه انما يرجع إلى جهل داوكينز بتشريح و فسيولوجية العين.
تناول هذا الوضع بالتفصيل ميشيل دينتون Michael Denton البروفيسور المتخصص في الاحياء الجزيئيه في جامعة اوتاجو و المعروف بأنه من أشد المنتقدين في يومنا الحاضر لمذهب الدارونية. يحكي دينتون في مقالته العلمية التي نشرت في مجلة Origins & Design و حملت عنوان “ The Iverted Retina: Maladaptation or Ore-adaptation?” ( الشبكية المقلوبة: هل هو تَكَيُّف خاطيء أم أنه تكيف كان مقصود و مُخطط له منذ البداية؟ )، يحكي كيف أن " الشبكية المقلوبة " التي اعتبرها داوكينز " سمة خاطئة " قد خُلقت في أفضل مكان و وضعية يمكن ان تكون عليها من اجل عين الفقاريات. و يلخص لنا دينتون ما توصل اليه كما يلي:
إذا فكرنا في مدي احتياج خلايا ادراك الضوء الموجودة في شبكية الفقاريات إلى الطاقة، فإننا ندرك عندها أن التصميم المقلوب و المدهش لعين الفقاريات لم يكن في يوم من الايام تحدياً موجهاً للغائية " الاعتقاد بأن كل شيء في الطبيعة مقصود به تحقيق غاية معينه " بل و على العكس لقد كان هذا الوضع بمثابة الحل الخاص و الأمثل الذي يمكن عن طريقة امداد خلايا ادراك الضوء في الفقاريات العليا بالأكسجين و الغذاء اللازم لها. 68

استاذ علم الاحياء ميشيل دينتون Michael Denton و كتابه.

و حتى يمك ان نفهم الحقيقة التى وقف عليها دينتون و لم يستطع داوكينز ادراكها، فإنها يجب علينا ان نحدد أولا مدي حاجة خلايا ادراك الضوء في الشبكية للطاقة و الاوكسجين بكميات كبيرة. تكون هذه الخلايا التي نحن بصدد الحديث عنها مسرحاً لتفاعلات كيميائية معقدة تحدث كل ثانية او كل جزء منها طالما نحن أعيننا معرضة للضوء. تقود هذه الخلايا بإدراك الفوتونات و هي أصغر أجزاء الضوء. و يحدث هذا الادراك نتيجة لتفاعلات كيميائية مفصلة إلى حد ما يبتدئها الفوتون. و تحدث هذه العملية بشكل مفصل و سريع لدرجة أن أنها و على حد قول دينتون نفسه " طبقة خلايا ادراك الضوء يكون لها في اثناء ذلك أكبر سرعات أيضية داخل كل الأنسجة المعروفة ." 69

مما لا شك فيه ان خلايا الشبكية تحتاج في أثناء ذلك إلى كميات كبيرة من الطاقة حتى يمكنها الاحتفاظ بعملية الأيض تلك مستمرة. و تبلغ نسبة احتياج خلايا الشبكية البشرية لكميات من الاكسجين ضعف ما تحتاج اليه الكُلْية، و ثلاثة أضعاف حاجة الخلايا طبقة القشرة المخيه في المخ و ستة اضعاف حاجة الخلايا التي تكوِّن غشاء القلب. و الأكثر من هذا كل هذه المقارنات قد تمت آخذين طبقة كل طبقة الشبكية في الاساس? أما حاجة خلايا ادراك الضوء و التي تشكل أقل من نصف هذه الطبقة فهي أعلي من عموم الطبقة. و قد تحدث جي. ل. وولز G. L. Walls في كتابه الموسوعي The Vertebrate Eye ( العين عند الفقاريات ) عن مدي حاجة هذه الخلايا " بشغف " للغذاء و الأوكسجين. 70
إذن فكيف يمكن تلبية هذه الاحتياجات الخارقة للعادة لتلك الخلايا التي تمكننا من الابصار؟
مما لا شك فيه ان هذا الشيء يتم عن طرق الدم مثله في ذلك مثل ما يحدث في كل أجزاء الجسم الاخري...
حسناً من اين يأتى الدم إذن؟
و نخرج بذلك من هذه النقطة بحقيقة أن وضع " الشبكية المقلوبة " هو دلالة على خلق عظيم لا تشوبه شائبة. و هناك نسيج شريانى خاص للغاية يقع خلف طبقة شبكية العين مباشرة يلف هذه الطبقة و يحيط بها تماما مثل الشبكة. و قد كتب دينتون في هذا الموضوع على النحو التالي:
تعمل مجموعة من الشعيرات الدموية الخاصة يطلق عليها اسم "choriocapillaris" بتلبية حاجات خلايا الادراك المهولة من الأوكسجين و الغذاء. و تتحد هذه الشعيرات الدموية في مكان خلف خلايا الادراك مباشرة مكونةً طبقة غنية واسعة من الشعيرات الدموية. و لا يوجد بين هذه الطبقة و خلايا ادراك الضوء سوي حوائط من الخلايا و غشاء يطلق عليه اسم " غشاء Bruch " ? و تشكل هذه الحوائط مع الجدار حداً دقيقاً لأبعد الحدود بحيث لا يسمح الا بمرور الغذاء الذي تحتاج اليه خلايا ادراك الضوء. و يتراوح قطر الشعيرات الدموية بين 18 و 50 مِكرون " وحدة قياسية "، و هو حجم أكثر اتساعاً من الشرايين العادية. و تشير كل المؤشرات إلى ان شبكة القنوات الشريانية تلك قد تكيَّفت كي تقوم بوظيفتها في تغذية طبقة خلايا ادراك الضوء بمقدار وفير من الدماء. 71

1 تحول شبكية العين، الصورة إلى اشارت اشارات عصبية.

2 تغذي الاوردة الموجودة في تجويف العين الشبكية.

3 تساعد قرنية العين على تركيز الضوء.

4 ترتبط الاشارات البصرية بوضوح الرؤية.

5 العدسة، تركز الصورة.

6 الصَّلبة، هي عبارة عن بناء أبيض صلب يغلف غشاء العين الخارجي.

7 يدخل الضوء من الفتحة المظلمة في حبة العين.

8 تضبط عضلات القزحية، مقدار ما ينفذ من الضوء.

خلق الله سبحانه و تعالي العين التي تعد من أعلي تجليات ابداعه سبحانه و تعالي، بشكل يمكنها من العمل بطريقة دقيقة و فعالة للغاية.



تحدث في هذا الموضوع أيضا البروفيسور جيمس ت. ميكواين James T. McIlwain في كتابة An Introduction to the Biology of Vision ( مدخل إلى الابصار في الكائنات الحية ) حيث قال " بسبب حاجة خلايا ادراك الضوء الماسة إلى الغذاء " فهناك في العين توجد استراتيجية تهدف إلى اغراق ? غلاف العين المشيمى? بالدماء، و بذلك لا يمكن ان تحدث اية مشكلة في مسألة توفير الطاقة اللازمة. " 72

لهذا السبب توجد خلايا إدراك الضوء في وضع " مقلوب ". أى ان هناك استراتيجية من وراء ذلك. فبناء الشبكية المقلوب ليس " خطأً " كما كان يظنه داوكينز بل هو دليل على خلق قُصِد به تحقيق هدف بعينه.
لقد بحث دينتون في مقالته المذكور إمكانية وجود أو عدم وجود تصور آخر لعمل الشبكية خلاف ذلك الذي ذكره. و كانت النتيجة عدم وجود امكانية أخري لعمل الشبكية. فلو كانت شبكية العين" مستوية " كما اقترح داوكينز أى أن تكون خلايا ادراك الضوء في وضع مواجه تماما للضوء فسوف تبتعد هذه الخلايا بذلك عن الشرايين التي تقوم بوظيفة إمدادها بالغذاء اللازم و ستظل محرومة بشكل كبير من الغذاء و الأوكسجين الذي تحتاج اليه كثيراً. فامتداد الشرايين إلى داخل طبقة الشبكية ليس حلاً أيضاً، لأن العين ستفقد مع ذلك قدراً كبيراً من قدرتها على الابصار و ستتكون كثير من النقط العمياء داخلها.
يعلق دينتون على ذلك على النحو التالي:
لو دققنا في مدي عمق تصميم شبكية العين عند الفقاريات، فسوف يتضح لنا أن أى سمة أو خاصية موجودة فيها لا بد و أن يكون لها فائدة. و لو أننا أردنا أن نقوم بتصميم عيناً تكون على أعلي درجة ممكنه من الحساسية و الدقة و الوضوح في الرؤية فسنجد انفسنا من جديد أمام تصميم العين في الفقاريات بشبكيتها المقلوبة...73
باختصار إن الجدل الذي أثاره داوكينز و غيره من انصار التطور الآخرين بخصوص " الخطأ الموجود في العين " انما مصدره الجهل وحده. و قد أثبتت الأبحاث التي تمت بإدراك و علم كبيرين عن تفاصيل الحياة مدي خطأ هذه النظرية. و هذا أمر ليس بالغريب فتاريخ الدارونية قد شهد كثير جداً من " الجدل القائم على الجهل ". و هذه هي حكاية الأعضاء الضامرة كاملة.
حكاية الاعضاء الضامرة
هل سمعتم من قبل عن حكاية " الأعضاء الضامرة " التي فقدت وظائفها بمرور الزمن على الرغم انها كانت تؤدي وظائف مهمة عند " الاسلاف التطوريين " الخياليين من قبل؟
من المحتمل ان تكونوا قد سمعتم بهذه الحكاية. فقد سمع بها عدد كبير جدا من الناس. لان حكاية " الاعضاء الضامرة " التي نتحدث عنها، كانت احدي مستلزمات الدعايا الخاصة بداروين و غيرة من انصار نظرية التطور.
بدات هذه الحكاية مع داروين. فقد تحدث داروين في حديثة عن أصل الانواع عن أن هناك اعضاء " ضعفت أو فقدت وظيفتها تماماً ". و شبَّه هذه الاعضاء التي عرّفها روديمنتري "Rudimentary" بأنها " بكلمة ( بدائية ) بأنها مثل الحروف التي نكتبها داخل كلمة ما و لكننا لا نستطيع قراءتها لذا فهي حروف ليس لها تأثير. 74

كانت الزائدة الدودية في ظل مستوي العلم المتدنى الذي ساد القرن التاسع عشر، كانت عضواً لا وظيفة له يؤديها من أجل هذا ظنوا انها عضو " ضامر ".

و لكنها كانت مثلها مثل باقي ادعاءات الدارونية الاخري مجرد خرافة وجدت قوتها من المستوي العلمي البدائي في ذلك العصر. و تقدم العلم، أخذت الامور تتضح رويدا رويدا فهذه الاعضاء التي اعتبرها داروين " اعضاءا ضامرة " لها في الحقيقة وظائف مهمة للغاية. أما الاعضاء التي يقولون عنها " لا تؤدي وظيفة " فهي اعضاء " لم يستطع أحد حتى الآن تحديد وظيفتها بدقة ". و كلما تمكن العلم و العلماء من تحديد وظائف بعض هذه الاعضاء كلما تناقصت و تضاءلت قائمة " الاعضاء الضامرة " الطويلة التي يعددها أنصار التطور. فقد ضمت قائمة الاعضاء الضامرة التي اعلنها عالم التشريح الالمانى R. Wiedersheim ما يربو من 100 عضو مثل عظام الذيل المضغوطة و الزائدة الدودية. ( والزائدة الدودية apandis هي عضو عرفة المجتمع خطاً على انه كلمة 'apandisit' أى" التهاب الزائدة الدودية ". فكلمة 'apandisit' " التهاب الزائدة الدودية " هي اسم يطلق على تعرض هذا العضو لنوع من العدوي و ليس كما يتم تعريفه بشكل خاطيء في لغتنا. )75 و كلما تقدم العلم كلما تَكَشَّف بشكل أكبر ان كل عضو من الاعضاء التي ضمتها قائمة Wiedersheim له وظائف كثيرة مهمة داخل الجسم. فمثلا تم الاعلان عن ان الزائدة الدودية التي اُعتُبِرت أحد " الاعضاء الضامرة " هي في حقيقة الامر جزء من الجهاز الليمفاوي الذي يتصدى للميكروبات التي تدخل إلى الجسم. و قد تم ايضاح هذه الحقيقة على النحو التالي في احدي المقالات بعنوان "Examples of Bad Design Gone Bad" ( انهيار نماذج التصميم السيئ ) مع لإشارة إلى مصادر علم التشريح الاساسية المتنوعة:

لقد أشارت نتائج فحص الزائدة الدودية تحت الميكروسكوب إلى احتوائها على نسيج ليمفاوي بنسب كبيرة إلى حد ما. و يتشابه هذا النسيج و تراكمات نسيجية أخري يمكن رؤيتها في اجزاء أخري من جهاز المناعة ( و يطلق على هذه الانسجة اسم GALT أى الانسجة الليمفاوية الخاصة بنظام الامتصاص ). و تتمتع هذه الانسجة بالقدرة على التعرف على الجينات المضادة الموجودة في المواد التي تدخل الجسم عن طريق البلع. و لقد توسعت في دراستي تلك على دراسة الوظائف المناعية للأمعاء.
فقد أثبتت التجارب التي اجريت على الأرانب ان الافراد حديثي الولادة الذين خضعوا لعملية استئصال الزائدة الدودية قد أصيبوا بخلل في التطور المناعي للغشاء المخاطي. كما أظهرت نتائج الدراسات المورفولوجية و الوظيفية التي أجريت على الزائدة الدودية عند الارانب أن الزائدة الدودية لها دور معادل للاكياس الهوائية " الحويصلات الهوائية " الموجودة في الثدييات. و من المعروف أن هذه الحويصلات الهوائية تلعب دوراً أساسياً في تطور المناعة السائلة عند الطيور.
لقد أظهرت أوجه التشابه المجهريه و المناعية بين الزائدة الدودية عند الارنب و الانسان أن الوظيفة التي تؤديها الزائدة الدودية في الانسان مشابهة لوظيفتها في الارنب. تتمتع للزائدة الدودية عند الانسان و خاصة في فترات الحياة الأولي أهمية كبيرة للغاية، و يعود السبب وراء ذلك إلى أنها تتعرض لتغيرات كبيرة بعد الميلاد بفترة قصيرة، و مع تقدم العمر تتراجع هذه التغيرات تماما مثلما يحدث مع الاجزاء و الاعضاء الاخري مثل أجزاء الجهاز الهضمي ورقع و تجمعات بيير peyer patches في الأمعاء الدقيقة. كما أشارت الدراسات الحديثة إلى ان الزائدة الدودية عند الانسان ليست كما كان يُزعم قديماً مجرد عضو انكمش حجمه مع مرور الزمن و فقد أى فائدة له. 76
يرجع السبب باختصار وراء اعتبار الزائدة الدودية عند الانسان أشهر " الاعضاء الضامرة " إلى الجدل الذي قاده كل من داروين و مؤيديه معتمدين على المستوي العلمي المتدنى في العصر الذي عاشوا فيه. فلم يظهر النسيج الليمفاوي للزائدة الدودية تحت الميكروسكوبات البدائية في هذا العصر? لقد اعتبروا أن هذا النسيج الذي لم يتمكنوا من فهم بنائه هو نسيج " بلا فائدة " و بذلك يتماشى مع نظريتهم و من ثم أدرجوا الزائدة الدودية على قائمة الأعضاء الضامرة. و بذلك تكون الدارونية قد استمدت قوتها مرة أخري من المستوي العلمي المتدنى الذي ساد العالم في القرن التاسع عشر.
و لا يخص هذا الوضع الزائدة الدودية فقط بل يمكن تطبيقه على كل الأعضاء الضامرة الاخري المزعومة. فقد اُكتشف أن اللوزتان و هما من الاعضاء التي أدرجها Wiedersheim على قائمة " الاعضاء الضامرة " لهما دور مهم للغاية في حماية الحلق من العدوي و خاصة عند سن البلوغ. و على نفس المنوال فقد ثبت أن الفقرات العجزية الموجودة في نهاية العمود الفقري تعمل على دعم العظام المحيطة بعظام الحوض، و لهذا السبب لم يكن الانسان ليستطيع الجلوس بسهولة دون وجود هذه العظام. إضافة إلى ذلك فهذه العظام تشكل نقطة التقاء الاعضاء المختلفة الموجودة في منطقة الحوض و العضلات المتنوعة في المنطقة ذاتها.
أُكتشف بعد ذلك بسنوات أن خلايا الغدة الصَّعترية " غدة صغيرة صماء تقع بالقرب من قاعدة العنق " التي اعتبروها من " الاعضاء الضامرة " لها دورا ايجابيا للغاية في تنشيط نظام الدفاع عن الجسم، كما اكتشف أن الغدة الصنوبرية هي المسئولة عن انتاج بعض الهرمونات المهمة مثل هرمون الميلاتونين. كما ثبت أن الغدة الدرقية تحافظ على التطور الجسدي المتوازن عند الرضع و الأطفال بالاضافه إلى الدور المهم الذي تلعبه في تنظيم عملية الأيض و النشاط الجسدي. كما ظهر أن غدة Pitüiter هي التى تقوم بضبط و مراقبة و تنظيم عمل الغدد المختلفة الاخري مثل الغدة الدرقية و الغدة فوق الكلوية و الغدد التناسلية .
أما التحَدُّب الموجود في العين و الذي يأخذ شكل نصف قمر و وصفه داروين على انه " عضو ضامر " فقد ثبت أن لها فائدة كبيرة في تنظيف و ترطيب العين.
لقد ثبت في يومنا الحاضر أن كل " الاعضاء الضامرة " التي زعموها خلال العشرة أعوام الماضية ثبت أنها تقوم بوظائف معروفة و محددة. و في دراسة لهما حملت عنوان 'Vestigial Organs' Are Fully Functional (? الاعضاء الضامرة ? كلها ذات وظيفة تؤديها ) تناول هذه الحقيقة بالتفصيل كل من د. جيري بيرجمان Jerry Bergman و د. جورج هاوي George Howe .
و بنفس الطريقة يوجد عدد كبير من أنصار نظرية التطور ممن يؤمنون بأن حكاية " الاعضاء الضامرة " عبارة عن جدل مصدره الجهل. فقد تحدث عن هذه الحقيقة عالم الاحياء المؤيد لنظرية التطور س. ر. سكادينج S. R. Scadding و ذلك في مقالته التي كتبها في مجلة Evolutionary Theory ( النظرية التطورية ) تحت عنوان " هل يمكن أن تمثل الأعضاء الضامرة دليلاً على التطور؟ " حيث قال:
كلما تزايدت معلوماتنا ( بخصوص علم الاحياء ) كلما تناقصت معها أيضاً أعداد قائمة الاعضاء الضامرة... لذلك فإننى انطلاقاً من النظر إلى استحالة ايجاد عضو واحد لا وظيفة له و كذلك عدم اعتماد فكرة الاعضاء الضامرة على اى دليل علمي يمكننى الوصول إلى نتيجة مفادها أن " الاعضاء الضامرة " لا يمكن ان تشكل دليلا أو قرينة تدعم نظرية التطور.77
و إن كان توصل أنصار نظرية التطور قد استغرق قرناً و نصف فإن النتيجة جاءت في النهاية لتضع احدي خرافات الدارونية بين طيات التاريخ.
إصبع الابهام عند البَنْدا

ادعي جولد في كتابه المسمي " ابهام البندا " الذي نشر عام 1980 ان بناء يد هذا الكائن الحي له " تصميم خاطيء ". و لكن الابحاث العلمية الحديثة جاءت لتثبت بطلان هذا الادعاء و أظهرت أيضاً مدي اهمية هذه السمة عند البندا إلى حد كبير.
بحثنا في الجزء الاول عدم صحة ادعاء ريتشارد داوكينز القائل بوجود " خاصية أو سمة خاطئة في العين. في هذا الجزء نتناول آراء واحد آخر من انصار نظرية التطور الذين لهم نفس الأفكار السابقة. لقد كان جولد و هو احد علماء البليونتولوجي " علم يبحث في اشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات او المستحاثات الحيوانية و النباتية " في جامعة هارفارد كان واحداً من أنصار نظرية التطور الاوائل في الولايات المتحدة الامريكية و ظل كذلك حتى توفي في عام 2002.

لجولد أيضاً زعم بوجود " سمة خاطئة " شبيهة بنموذج الشبكية الذي جاء به داوكينز: و هذا النموذج هو إصبع الابهام عند البندا.

ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould
لا يوجد عند البندا اصبع الابهام الذي يظهر بشكل منفصل عن باقي الاصابع الاربعة الاخري كما هو موجود عند الانسان و من شأنه تسهيل عملية القبض على الاجسام. فالإصبع الخامس في يد البندا يمتد جنباً إلى جنب مع باقي الاصابع الاخري. و يوجد بخلاف هذه الاصابع الخمسة المتوازية بروز عظمي اضافي يعرف باسم radial sesamoid bone ( العظام السمسميه " شبيهه بالسمسم " النصف قطرية ). و لأنها تستخدمها في بعض الاحيان كما لو كانت اصبع فيوجد من العلماء من يطلق عليها اسم " اصبع البندا الخامس ".

و يتلخص ادعاء جولد بأن يد البندا ببنائها العظمي هذا ليست ذات فائدة لها. و قد اهتم جولد برأيه هذا لدرجة أنه جعله عنوان كتابة الذي نشر في عام 1980: The Panda's Thumb ( اصبع الابهام عند البندا )
بيد أنه ثبت أن زعم " السمة الخاطئة " الخاص بجولد كان زعماً خاطئاً مثل الذي جاء به داوكينز تماماً. و الخطأ الذي وقع فيه جولد هو انه اعتقد أن اصبع الابهام عند البندا يتشابه مثل الموجود في يد الانسان و من ثم قارن بين بينها و بين يد الانسان من الناحية الوظيفية. و قد علق باول نيلسون . Paul Nelson على هذا الموضوع كما يلي:
إن لم يكن أبهام البندا قادرا على القيام ببعض الاعمال التي يقوم بها الانسان مثل استخدام لوحة المفاتيح في الحاسب الآلي فإنه يلحظ أنها ملائمة لأقصي درجة من أجل القيام ببعض الوظائف مثل تقشير الخيزُران ( القصب الهندي ).78
و علَّق على هذا الموضوع أيضاً مؤلفو الكتاب العلمي The Giant Pandas of Wolong ( بندا وولونج العملاقة ) على النحو التالي:
تستخدم البندا الجزء الخالي من الشعر و الذي يخرج منه الاصبع الاول مع اصبع الابهام المزيف تماما مثل الماشة " ملقط النار " و بذلك تستطيع تقشير القصب الهندي بحساسية و دقة كبيرة... لقد تأثرنا جميعا من قدرة البندا على الامساك بالأشياء... خاصة و نحن نشاهدها تمسك بالأوراق و تلتهمها. و تعمل الجل الامامية مع الف في تناسق كبير و تكسبها اقتصادية في الحركة. 79
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...nism/panda.jpgأوضحت احدي الدراسات التي نشرت عام 1999 في مجلة طبيعة Nature أن اصبع ابهام البندا له أهمية كبيرة للغاية قياساً بالمناخ الطبيعي الخاص بالحيوان. و جاء في دراسة أعدها أربعة باحثين يابانيين استخدموا خلالها تقنية " التصوير الطبقي باستخدام اشعة اكس " و " التصوير بالرنين المغناطيسي " أن إصبع الابهام عند البندا هو " واحداً من التقنيات الخارقة للعادة بين الثدييات ".80 و انتهت احدي المقالات لتى حملت عنوان " Role of the giant panda's 'pseudo-thumb' ( " دور اصبع الابهام المزيف " عند البندا العملاقة ) إلى التعليق التالي:
كانت يد البندا العملاقة قد أظهرت آلية القبض المتكرر على الاشياء بشكل اكبر من مما زعمه البعض عن النماذج المورفولوجية السابقة.81
باختصار لقد اسفرت نتائج الابحاث التي اجريت عن قرب اكثر على البنى البيولوجية للانواع المختلفة إلى أن كافة ادعاءات " الأعضاء الضامرة " أو " سمات خاطئة " التي نادي بها أنصار نظرية التطور خلال 150 عاماً لم يكن لها اساس من الصحة.
و في لوقت الذي لم يستطع فيه انصار نظرية التطور تفسير أصل أي بناء عضوي موجود في الطبيعة، نجدهم يفندون و يعترضون على حقيقة الخلق التي هى التفسير الحقيقي لكل هذه البني.
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...andafinger.jpg
اصبع البندا عملي جداً
يبحث أنصار نظرية التطور عن القصور و عدم التوافق الموجود في الطبيعة. و ينبع ذلك من كونهم منكرون لحقيقة الخلق.و يعتبر ادعاء ستيفن جاي جولد الخاص بإصبع الابهام عند البندا مثال على هذا. بيد أن جولد كان مخطئاً في تصوره هذا. لان هذا الاصبع العظمي ليس عيب كما ادعي. بل هو و على العكس من ذلك تماماً يسهل الحركة و له دوره و تأثيره في منع تمزق الاوتار.
أظهر بحث نُشر في مجلة الطبيعة عام 1999، أن اصبع الابهام في البندا عملي للغاية عند النظر إلى طبيعة البيئة التي يعيش فيها هذا الحيوان. أجري أربعة باحثين يابانيين بحثاً مشتركاً استعانوا فيه بتقنيات " الرسم الطبقي بالكمبيوتر " و " رسومات الرنين المغناطيسي " و توصلوا في النهاية إلى أن اصبع الابهام في البندا يعد " احدي التقنيات التي وظِّفت ببراعة بين سائر الثدييات الاخري ". ( اندو Endo ، ه. ياماجيو H. Yamagiwa ، د. هاياشي D. Hayashi ، ى. ه. كوي Y. H. Koie ، ه. ياما . س H. Yamaya .Y ، كيمورا. ج K?mura. J الطبيعة 1999 ص 309 – 310 : 397 ) يظهر أعلي رسم الكمبيوتر الذي قام به الخبراء الذين أداروا البحث الخاص ببناء يد البندا.
لهذا السبب يمكننا القول أن? يوما ما كان هناك شيء يقال له مذهب الدارونية. و أن هذه النظرية كانت تدعي أن الكائنات الحية ممتلئة بالأعضاء " الضامرة " أو " الخاطئة ".
أما اليوم فقد أدحضت الادلة العلمية هذه النظرية و أثبتت عدم صحتها.

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:58 PM

قديماً كانت هناك حكاية باسم " ال DNA الخردة "
يعتبر مفهوم ال DNA الخردة (Junk DNA)هو الدعامة و السند الاخير الذي اعتمد عليه زعم البني " الخاطئة " أو " الضامرة ". أعتقد أنه من المفيد لو أننا بحثنا هذا المفهوم في قسم خاص منفصل نظراً لأنه موضوع جديد و لأنه قد انهار قبل مدة قصيرة للغاية.
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...nism/dna04.jpgبدأت أسطورة الاعضاء الضامرة في الانهيار كما درسنا في قسم سابق اعتباراً من النصف الثانى من القرن العشرين. و كلما أكتشف وظائف للاعضاء التي كانوا يزعمون انها بلا وظيفة كلما قل أعداد المدافعين عن تلك الخرافة. و مع هذا فقد كان هناك فريق أراد أن يأخذ نصيبه في خضم الدعايا التي اثارتها هذه الخرافة فتبنوا إصدار آخر جديد لهذه الخرافة. و لم يكن هذا الاصدار الجديد يخص الاعضاء الموجودة في الجسم هذه المرة بل كان في شكل الجزء " الضامر " من الجينات التي تضم الشفرة الو راثية للاعضاء. أما المصطلح الذي استخدموه في هذه المرة فكان " التحول إلى خردة " و ليس " الضمور ".
اُستخدم وصف (junk)" الخردة " من اجل بعض اجزاء جزيء DNA العملاق الذي يقوم بتشفير المعلومات الو راثية الخاصة بكل الكائنات الحية. يري أنصار التطور ان جزءاً كبيراً إلى حد ما من DNA ليس له وظيفة يؤديها .
.وهم يزعمون أيضاً أن هذه الاجزاء التي لا وظيفة لها كانت تؤدي وظيفة بعينها خلال مراحل التطور المزعومة قديماً و لكنها تحولت مع الزمن إلى خردة لا قيمة لها. و كان هناك توازناً واضحاً بين هذا الزعم و بين مذهب الدارونية و لهذا السبب ايضاً تحول مفهوم " ال DNA الخردة " إلى واحد من مصطلحات المدونات العلمية التي تكررت بكثرة في مدة قصيرة. و مع هذا فلم يطل عمر هذا الاصدار الجديد من حكاية الاعضاء الضامرة. فقد بدات الاصوات تتعالي في دنيا العلم و خاصة مع مشروع الجينوم البشري التي ظهرت نتائجها في عام 2001 معلنةً عدم صحة مفهوم " ال DNA الخردة ". و اعترف ايفان ايتشلر Evan Eichler و هو من علماء جامعة Cleveland المؤيدين لفكرة التطور بخطأ هذا المفهوم قائلاً " إن مصطلح ال DNA الخردة لا ينم على أي شيء سوي عن جهلنا و عدم معرفتنا ". 82
و يرجع السبب وراء هذا إلى أن الادراك و الفهم التدريجي لوظائف الاجزاء التي لأطلقوا عليها اسم ال DNA الخردة. و الآن، دعونا نبحث في كيفية نشاة خرافة ال DNA الخردة و انهيارها.
الاعتقاد بأن جزء ال DNA الخردة ليس له مدلول رمزي
أعتقد انه من الضروري أن نعطي بعض المعلومات الخاصة ببناء DNA أولاً حتى يتثنى لنا أن نفهم ذلك الخطأ الذي وقع فيه أنصار التطور.
في كثير من الاحيان يُذَكِّرنا جزيء DNA الذي يأخذ شكل سلسلة عملاقة داخل كل الخلايا الحية بما يحويه من معلومات جينية وراثية " ببنك المعلومات ". و يمتلك الجزيء في الوقت نفسه كوداً أو شفرة جينية هي التي تنظم استخدام هذه المعلومات في الانشطة البدنيه. و كما قلنا من قبل فلم تفلح اى من المحاولات التي قام بها انصار نظرية التطور من أجل تفسير أصل جزيء DNA و ثبت أن المعلومات التي يحويها هذا الجزيء لا يمكن و أن تكون الصدفة هي التي اوجدتها. إن جزيء DNA هو بحق نموذج جيد و واضح على الخلق.
يطلق مسمي " الجينات " على الاجزاء المحددة التي تقوم بتشفير المعلومات الخاصة بأنشطتنا الفيزيقية و الفسيولوجية الموجودة على DNA. و تعمل هذه الجينات على تشفير البروتينات بحيث تختلف شفرة كل بروتين عن الآخر و يضمن استمرار حياتنا. إلا أن جيناتنا مجتمعة لا تمثل سوي 10% من حجم ال DNA. و يوجد قسم كبير آخر من ال DNA يطلق عليه اسم " DNA غير مُشَفِّرَة " لأنها لا تشفر أو تضع كودا للبروتينات.
يمكن تقسيم جزيئات ال DNA غير المُشَفِّرة تلك إلى بعض التصنيفات. يحدث في بعض الأحيان أن تتزاحم هذه الجزيئات غير المشفرة بين بعض الجينات و يطلق عليها حينئذِ اسم "intron" . و يتسبب ال DNA غير المشفر في احداث سلاسل طويلة تتكون بترتيب متدرج لنفس سلسلة النُكْليُوتيد " موحدات احادية القُسيمة تبني منها الاحماض النووية" . و يطلق عليها اسم " ال DNA المتكرر ". و لو أن النُكْليُوتيدات الموجودة فوق ال DNA غير المشفرة تراصت بنفس الشكل المعقد الموجود في الجينات بدلا من الصفوف المتكررة، فإنه يطلق عليها هذه الحالة اسم " جين مزيف ".
لقد جمع أنصار التطور هذه الأجزاء غير المشفرة للبروتين تحت اسم " ال DNA الخردة " و زعموا ان أنها تجمعات لا فائدة منها تم نقلها من وتيرة التطور المزعومة. بيد أن الحقيقة هي ان ما ذهبوا اليه لا يتعدى من الناحية المنطقية كونه وجهة نظر خاطئة. و السبب في هذا أن عدم قيام بُني ال DNA تلك بتشفير البروتين لا يعنى بالضرورة انها لا تقوم بوظيفة. و أري أننا في حاجة إلى انتظار نتائج الابحاث التي اجريت عليها حتى يتثنى لنا أن نتعرف على الوظائف التي تقوم بها. و هذا امر تفرضه وجهة النظر العلمية. إلا ان الأحكام المسبقة المؤيدة لفكرة التطور منعت من تقبل هذا المنطق، و فتحت الطريق إلى الاخبار التي ستضلل المجتمع مع ادعاءات ال DNA الخردة لسنوات. إلا أن الأبحاث و الدراسات التي اجريت في السنوات العشر الاخيرة على وجه الخصوص قد كذَّبت أنصار التطور و أظهرت أن مثل هذه الادعاءات لا تتعدي كونها خيالا لا اساس له من الصحة. لأنها أثبتت أن أجزاء ال DNA غير المشفرة ليست " خردة " كما كان يدعي انصار التطور بل هي و على العكس تماماً تعتبر بمثابة " خزينة جينية ".83
و في مقالة له حملت عنوان (The Junk Dealer Ain't Selling That No More) " بائع الخردة لم يعد يبيع خردة " شرح د. باول نيلسون Paul Nelson الذي حصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو و يعتبر أحد رواد حركة معادة التطور شرح في الجمل التالية انهيار ادعاءات أنصار التطور الخاصة بال DNA:
" كان كارل صاجان Carl Sagan [ من المدافعين عن المذهب الالحادي ] قد زعم في كتاب له بعنوان Shadows of Forgotten Ancestors " ظلال السلف المنسية " أنه أقام الدليل و البرهان على وجود قصور و عيوب في أصل الحياة و من أمثال هذه العيوب " وجود جينات خردة " و احتواء ال DNA علي" زيادات و تكرارات لا فائدة منها ". و الحقيقة أنه يندر أن ما نصادف مثل هذه التعليقات في مدونات علم الأحياء. و لكن ما السبب من وراء ذلك؟ يرجع السبب إلى أن علماء الجينات يكتشفون وظائف الاجزاء المعروفة على انها انقاض جينية. " 84
الآن دعونا ندرس موضوع كيف اُكتُشف ان " ال DNA الخردة " لم يكن في يوم من الأيام خردة...
1. وُجد مقياس ترميزي يتعلق بالقدرة على الحديث في السلسلة النُكْليُوتيدية الخاصة ب DNA غير المُشَفِرة.
و في عام 1994 توصل فريق عمل مشترك مكون علماء الاحياء الجزيئية في كلية الطب بجامعة هارفارد و علماء الفيزياء في جامعة بوسطن إلى نتيجة لافته للنظر بخصوص ال DNA غير المُشفرة. فقد قام هؤلاء الباحثون بدراسة 37 من ال DNA تحتوي على 50000 زوج قلوي أخذت جميعاً من كائنات حية مختلفة و بحثوا أيضاً أن كانت هناك قواعد محددة في تسلسل النُكْليُوتيدات أم لا. و اتضح في نهاية هذه الدراسة أن ال DNA الخردة المزعوم الذي يحتل نسبة 90% من ال DNA البشري لها خاصية تتعلق باللغة عند الانسان. 85 و لاحظوا أيضا أن النُكْليُوتيدات المتراصة في ال DNA البشري تحتوي على مقاييس ترميزيه مشتركة في كل اللغات التي يتحدث بها الناس في الارض. و مما لا شك فيه أن هذا الاكتشاف سيمثل سنداً و دعامةً لحقيقة وجود خلق دقيق للحياة التي نحياها، و ليس للطرح القائل بأن الحياة قد تكونت عن طريق تراكم حدث عن طريق المصادفة للمعلومات الموجودة في ال DNA الخردة المزعوم.
2. أظهرت هذه التغييرات المتكررة وظيفية مدهشة: تقوم النُكليوتيدات التي تبدوا تافهة ليس لها معنى بوظيفتها كما يجب و تلعب دورها المنوط بها في الجزء الميتوزي. و تعتبر الكروماتيدات المختلفة واحدة من سلاسل ال DNAالتى كان العلماء يظنون حتى الماضي القريب أنها DNA خردة ليكتشفوا وظائفها حديثاً.و هو كود أو رمز يتكرر بكثرة في ال DNA. و بسبب عدم تمكن العلماء قديما من تحديد أنها هى المسئولة عن انتاج أى نوع من البروتينات فقد ظلوا لمدة طويلة يطلقون عليها اسم " DNA خردة ".
رينولد و جراسر ( المعهد التجريبي لأبحاث السرطان في السويد ) من بين العلماء الذين علقوا على موضوع الكروماتيدات المختلفة على النحو التالي:
علي الرغم من أن الكروماتيدات تمثل نسبة بشكل لافت للنظر في الجينوم ( تمثل 15% من الخلايا البشرية و حوالي 30% من خلايا الذباب ) ، إلا انهم كانوا ينظرون اليها في كل وقت على انها " DNA خردة " اى ليس لها أية فائدة أو وظيفة تؤديها. 86
بيد أن الدراسات الأخيرة جاءت لتثبت أن للكروماتيدات المختلفة ادوار وظيفية مهمة تؤديها. تحدث في هذا الموضوع ايضاً ايميل زوكرلاند Emile Zuckerland من معهد العلوم الطبية الجزيئية:
عندما تقومون بتجميع النُكليوتيدات غير الوظيفية في مكان واحد وحدها، فبإمكانكم حينئذٍ تناول أو دراسة تجمع من النُكليوتيدات التي تحولت إلى شكل وظيفي. و تعتبر النُكليوتيدات الخاصة بالكروماتيدات مثالاً على هذا. و على الرغم من وجهات النظر التي كانت تزعم في الماضي بأن الكروماتيدات المختلفة مجرد خردة، إلا أنه يوجد في وقتنا الحالي كثير من الاشخاص النشيطين في هذا المجال، و هم جميعا لا يساورهم ادنى شك في الادوار الوظيفية المهمة التي يقوم بها هذا الجزء من ال DNA... فمن المحتمل ان تكون النُكليوتيدات خردة وحدها، و لكنها تتحول إلى ذهباً إذا تجمعت جميعها في مكان واحد. 87
لقد تم تحديد واحدة من تلك الوظائف " الجماعية " التي تقوم بها الكروماتيدات المختلفة في الجزء الميتوزي. و أظهرت الدراسات الخاصة بالكر وموسوم الاصطناعي أيضاً أن هذا الجزء من ال DNA له وظائف مختلفة.88
3. اكتشف الباحثون ان هناك علاقة بين ال DNA غير المُشَفِّرة و بين نواة الخلية. و صرحوا بأن هذا التطورات من شأنها دحض زعم " ال DNA الخردة "أيضاً. و توصلت دراسة اجريت عام 1999 إلى أن ال DNA غير المُشفِّر للبروتين و المعروفة أيضا بال DNA الثانوي الموجود داخل خلايا eukaryot عبارة عن بناء وظيفي داخل النواه ( أو بمعنى آخر DNA ثانوي ). و بحثت هذه الدراسة الكائنات أحادية الخلية المعروفة باسم Crytomo-nad و تقوم بالتخليق أو التركيب الضوئي.
و تتميز هذه الكائنات بأنها تبدي تنوعا واسعاً من ناحية البعد. فحتى لو كانت الخلايا في أبعاد مختلفة، فطبيعي ان يوجد تناسب دائم بين حجم النواة و حجم الخلية ( الكائن الحي ).
لقد رأى الباحثون ان هناك تناسب بين مقدار ال DNA غير المشفر و بين حجم النواة و بناءا عليه توصلوا إلى نتيجة مفادها ان ال DNA غير المشفر هي مؤشر على وجود نواة اكبر حجماً. و قد شكلت هذه الابحاث الجديدة ضربة مهمة للغاية لبعض المفاهيم مثل مفهوم ال DNA الخردة - " ال DNA النفعي " الذي نادي به داوكينز – الذي يرفض حقيقة الخلق.89 و ينهي الباحثون كتابتهم عن هذا الموضوع على النحو التالي:
" إضافة إلى ذلك، فإن الشكل النووي لل DNA الثانوي [ غير المشفر ] ... قد ادحض هو الآخر الآراء التي قيلت بشأن ال DNA " النفعي و عديم القيمة " المتعلقة ب ال DNA الثانوى. "90
4. ثبت أهمية و حتمية وجود ال DNA غير المشفر من أجل بناء الكر وموسوم.
اكتشف في السنوات الاخيرة ايضاً أن هناك دور آخر مختلف لل DNA غير المشفر أو الذي لا يحمل صفات وراثية حيث يلعب دورا " مهما للغاية " في بناء و وظيفة الكر وموسوم. و اشارت الدراسات التي اجريت في هذا الموضوع إلى أن ال DNA غير المشفر هو الذي يضمن تنفيذ كثير من وظائف ال DNA كما ينبغي. و بذلك لا يمكن أن تتحقق هذه الوظائف دون ان يكون هناك بناء له وجود. و عندما قام العلماء بعزل التلوميرtelomerler في كل واحدة من كر وموسومات خميرة البيرة رأوا أن عملية تقسيم الخلية قد تعرضت لعملية قطع أو فصل. 91 و تكون خلايا telomerler قد ساعدت في هذه الحالة على فصل الكر موسومات السليمة عن ال DNA الذي تعرض للتلف. و في النهاية يفقد الكر وموسوم الموجود في الخلايا التي نجت من هذا القطع او الفصل. و قد لوحظ أيضاً مدي أهمية ال telomerler الخاصة بال DNA غير المشفر في حماية ثبات الخلية الكروموسومي.
5. ثبت أن ال DNA غير المشفر يلعب أدواراً في تطور الجنين.
وضع العلماء أيديهم على ادلة بخصوص الدور المهم الذي يلعبه ال DNA غير المشفر في عملية تنظيم سرد الجين ( يقصد بها تنظيم عملية صناعة و انتاج البروتين و قراءة المعلومات الوراثية الموجودة فيه ) أثناء مراحل التطور.92 و قد ظهر من خلال دراسات مختلفة أن هناك أدوار مهمة للغاية يلعبها ال DNA غير المشفر في تطور خلايا الابصار93 و المنطقة التناسلية94 و في تطور الجهاز العصبي المركزي95. و تشير كل هذه النقاط إلى مدي أهمية الأدوار الحياتية التي يلعبها ال DNA غير المشفر أثناء عملية تطور و نمو الجنين.
6. ظهر أيضاً ان لها أدوارا مهمة للغاية في الانشطة الخلوية للقناة الهضمية التي يصنفونها ضمن ال DNA الخردة.
و القنوات الهضمية هي أحد الاعضاء التي اعتقد أنصار التطور لسنوات طويلة انها تدخل ضمن ال DNA الخردة و اكتشف فيما بعد أن لها ادوار و وظائف مهمة للغاية تؤديها. تتميز القنوات الهضمية بأنها تتزاحم داخل الجينات الوظيفية. و يتم غربلتها وسط انتاج البروتين و وظيفته.
لقد انخدع أنصار نظرية التطور في البداية و ظنوا ان القنوات الهضمية لا تلعب دورا في انتاج البروتين، لهذا قاموا بتصنيفها ضمن ال DNA الخردة. إلا انه ثبت من الدراسات اجريت بعد ذلك أن القنوات الهضمية تلعب دورا مهما للغاية في الانشطة الحيوية بالجسم. فقد تواضع العلماء في يومنا الحاضر على ان القنوات الهضمية عبارة عن مزيج معقد يتكون عدد من ال DNA مختلف و أنها تلعب دورا مهما للغاية في استمرار حياة الخلية.96
نشرت مجلة نيويورك تايمز في الركن العلمي بها مقالا لفت الانتباه إلى الاخطاء العلمية التي وقع فيها انصار التطور فيما يتعلق بالقنوات الهضمية. و يمكن تلخيص نتائج الدراسات التي اجريت على القنوات الهضمية و نشرت في المقال الذي اعده س. كلايبورن راي C. Claiborne Ray تحت عنوان " ال DNA : هل هو خردة ؟ أم لا؟ " كما يلي: " أثبتت الدراسات التي اجريت على القنوات الهضمية و استمرت لسنوات أن القنوات الهضمية ليست خردة و أنها هي التي تؤثر على شكل دراسة الجينات... فالقنوات الهضمية تلعب بما لا يدع مجالا للشك أدوراً ايجابية للغاية." 97
و أكد هذا المقال الذي نشرته النيويورك تايمز في ضوء آخر التطورات العلمية على مدي أهمية " ال DNA عديم القيمة المزعوم"الذي يدخل ضمنه القنوات الهضمية للكائن الحي.
و بذلك تكون هذه التطورات التي تناولناها في شكل مواد قد كشفت عن حقيقة مهمة للغاية بجانب المعلومات الجديدة الخاصة بال DNA التي ظهرت. لقد ثبت أن منبع مفهوم ال DNA الخردة الذي جاء به انصار التطور لم يكن سوي الجهل و التلفيق. و في مقالة له نشرت عام 2001 في مجلة العلم لخَّص ايفان ايتشلر Evan Eichler من جامعة Case Wes-tern Reserve الوضع في الكلمات الآتية: " أن تعبير ال DNA الخردة لم يعكس أى شيء سوي جهلنا." 98
انهيار الدعامة الاخيرة لخرافة ال DNA الخردة: اثبات وجود وظيفة " للجين المزيف "
لقد أثبتت كل هذه التطورات العلمية المهمة التي حدثت اعتباراً من التسعينات أن زعم ال DNA الخردة لم يكن سوي خطأ علمي مصدره الجهل وقع فين أنصار نظرية التطور. فثبت ان " DNA غير المُشَفِّر " مثل القنوات الهضمية المتزاحمة وسط الجينات و ال DNA المتكررة التي تتجمع في مكان واحد في شكل صفوف طويلة هي أجزاء في الأصل اجزاء لها وظيفة تؤديها و ليس كما كان يظم من انها عديمة القيمة. و مع هذا فقد ظل هناك نوعاً واحداً فقط من " ال DNA غير المشفرة " لم يُعرف عما ان كان لها وظيفة تؤديها من عدمه: و يطلق على هذا النوع اسم (pseudogenes) أو " الجينات المزيفة ". و الظاهر ان هذه الجينات المزيفة قد ظهرت بعد تعرض الجينات الوظيفية لطفرة أحيائية فقدت خلالها وظائفها. تستخدم كلمة "Pseudo" في الانجليزية بمعنى " المزيف و المخادع " . و يمكن القول أن الجينات المزيفة تلك تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لأنصار فكرة التطور. لأنهم اعترفوا من داخلهم ببطلان زعم أن الطفرات الاحيائية هى المسبب لحدوث التطور، و احتضنوا و دعموا زعم الجينات المزيفة باعتبارها الوسيلة التي ستخدع العقول على الرغم من زيفها.
باختصار لو نتذكر انهم قالوا أن الطفرات الاحيائية في التجارب الكثيرة التي اجريت على الكائنات الحية قد أصبحت السبب وراء فقدان و ضياع المعلومات الوراثية الدائمة في الكائنات الحية في الاوقات التي تكون فيها مؤثرة. و كما أن ضربات المطرقة العشوائية على ساعة لن تغير او تطور منها، فإن الطفرات الاحيائية ايضا لم تُطِّور من الكائنات الحية، أو بتعبير آخر لم تتقدَّم بها إلى شكل جديد. و على الرغم من أن نظرية التطور تفترض وجود زيادة في المعلومة الوراثية، الا أن الطفرات الأحيائية تقلل من هذه المعلومة الوراثية و تخربها.
لقد افترض أنصار نظرية التطور الذين لا يتورعون عن اتخاذ كائن واحد فقط كدليل على صحة ما يذهبون اليه افترض أن الجينات المزيفة هي الدليل على حدوث وتيرة التطور الخيالية الخاصة بهم . فادعوا ان أجزاء هذا ال DNA غير المشفره هي الحفريات الجزيئية للتطور المزعوم. و سندهم الوحيد في هذا، هو الجهل بوجود اى وظيفة لهذه الجينات.
و ظل الامر على هذا النحو حتى شهر أيار عام 2003.
فقد نشرت دراسة في عدد مجلة الطبيعة الشهيرة الصادر في 1 أيار عام 2003 أظهرت ان هناك وظيفة تضلع بقيامها الجينات المزيفة. أخبرنا الباحثون في كتاباتهم التي حملت عنوان An expressed pseudogene regulates the messenger-RNA stability of its homologous coding gene " جين مزيف واضح ينظم ثبات الحامض النووي الرِّيبي الحامل لرسالة الجين غير المشفر المتناظر " بالوضع الذي لاحظوه على الفئران في احدي التجارب التي قاموا بها. 99 فقد اتضح أن عددا من الفئران التي خضعت لهذه التجربة قد تعرضت لطفرات احيائية مميتة نتيجةً إحداث تغييرات جينية للجينات المزيفة أو الخادعة التي اطلق عليها اسم Makorin1-p1 . و قد لوحظ وجود تحور و تغير في شكل الكلي و العظام في الفئران.
أما عن تفسير التأثير الذي حدث في تناسق و ترتيب الجينات المزيفة و أثَّر على أعضاء الفئران فهو امر واضح للغاية: إن الجينات المزيفة ليست كما يدعون من أنها لا تقوم بوظيفة، فهى على العكس من ذلك تماماً ضرورية.
و جاء في مقالةٍ نُشرت في مجلة الطبيعة تعليقاً على هذه الدراسة بأنها تعتبر تحدياً للآراء التى انتشرت بخصوص الجينات الزائفة التي كان انصار التطور ينظرون اليها على اعتبار انها " حفريات جزيئية " دالة على صحة التطور.100 و بذلك تنهار خرافة أخري من خرافات التطور.
و لم يكد يمر ثلاثة أسابيع فقط على اكتشاف وجود وظيفة للجينات الزائفة إلا و نشرت مجلة العلم الشهيرة دراسة شكلت هي الاخري ضربة من العيار الثقيل لمفهوم " ال DNA الخردة ".101 فقد اكتشفت احدي الدراسات التي نشرت في عدد المجلة الصادر يوم 23 أيار 2003 وجود وظيفة جديدة تتعلق بال DNA غير المشفرة. و بذلك لم يبق أمام انصار نظرية التطور الذين اطلعوا على التطورات التي نقلناها في السابق سوي التسليم بغير معقولية مفهوم " ال DNA عديم القيمة " الذي تمسكوا به لفترة طويلة. لقد حان الوقت الذي سيُلقي فيه مفهوم ال DNA عديم القيمة إلى سلة المهملات. و في احدي كتاباته وصف Wojciech Makalowski من جامعة ولاية بنسلفانيا هذا التغير: " لقد لخص Wojciech Makalowski هذا الوضع في مقالته " "Not Junk After All( لم يعد خردة إذن ) على النحو التالي:
"لقد بدأ في التسعينات من القرن العشرين تغيير وجهة النظر الخاصة بال DNA الخردة المتعلقة بالعناصر المتكررة...و بدأ عدد أكبر من علماء الاحياء من الآن فصاعد النظر إلى العناصر المتكررة على اعتبار انها كنز جينى. و يشير هذا التقرير إلى أن هذه الجينات هي رابط مهم و انها " ليست DNA خردة " . لهذا السبب لا يجب اطلاق اسم " DNA خردة " على ال DNA المتكررة.... " 102
و الآن يمكننا القول انه قديما كنا نسمع كثيراً عن مفهوم ال DNA الخردة و عن المضاربات التطورية المستندة على ذلك المفهوم.
و كما لخصنا في هذا المقام، فلم يعد هناك وجود لمفهوم ال DNA الخردة الذي يعنى " الضمور " الذي جاء به الدارونيون إلا ان يذكره التاريخ كشيء مضي و انتهي. فلم يفضي تخبط مذهب الدارونية الاخير أيضاً عن شيء.

الغراب الأسود 7 - 11 - 2011 09:59 PM

Charles Darwin
نشرت مجلة New Scientist المعروفة بتعصبها لمذهب الدارونية مقالة علمية في عددها الصادر يوم 14 حزيران عام 2003 تحت عنوان (How Are New Species Formed?) " كيف تتكون الانواع الجديدة ؟ " . و في ثنايا هذا المقال ادلي كاتبهُ جورج تورنر George Turner بهذا الاعتراف المهم:
كنا نظن حتى وقت ليس ببعيد أننا نعلم عن حق الكيفية التي تكونت بها الانواع. و كنا نعتقد أيضاً أن العملية تتم في كل وقت بمعزل عن السكان تماما. و أنها تحدث بصفة عامة بعد أن يمر السكان من " فجوة أو ممر جيني" هام? مثال ذلك ما يحدث عند حدوث الحمل للانثي بعد ان تنساق خلف مرشح تختاره فيحدث الحمل و بنفس الطريقة عندما يتناسل أولادها بعد ذلك. و الحقيقة هي التي لم يستطع أحد ان يمسك بها تماماً. فعلي الرغم من كل الجهود التي يبذلها علماء الاحياء، فلم يستطع أحد حتى الآن من مجرد الاقتراب من خلق نوع جديد من عضو أساسي. إضافة إلى ذلك، فإنه بقدر علمنا لم تسفر عملية تسريح البشر لعدد قليل من الكائنات الحية في بيئات غريبة عن تكوين أى نوع جديد. 103
و الواقع أن هذا ليس اعترافاً جديداً. فلم يستطع أحد في أى وقت طوال قرن و نصف منذ عصر داروين أن يلحظ " التنوع " الذي ادعاه داروين، كما لم يستطع أحد ايضاً ان يعطي تفسيرا نطمئن اليه بخصوص " أصل الانواع ".
و أرى أنه من المفيد لو تحدثنا اولا عن رؤية داروين المسبقة بخصوص " التنوع " حتى يمكننا تفسير هذا الموضوع. لم تتعدي" الملاحظات " التي اعتمدت عليها نظرية داروين بعض التغيرات التي رصدها في مجتمع الحيوان. و اعتمدت بعض هذه الملاحظات على آراء بعض مربيِّ الحيوانات. فقد قام هؤلاء الاشخاص الذين يربون أجناس الحيوانات المختلفة مثل الكلاب و البقر و الحمام باختيار أنواع منها لها صفات سائدة مسيطرة بين باقي انواعها ( على سبيل المثال الكلاب التي تركض بشكل أفضل و البقر الذي يدر لبناً وفيراً و الحمام الذكي ) و قاموا بعد ذلك بتهيئة الجو لهما للاتصال الجنسي فكانت النتيجة ظهور بعد الأعداد الناتجة عن هذا الاتصال و قد امتلكت بنسب عالية الصفات التي اختارها هؤلاء المربون من قبل في الآباء. و كانت هناك أبقاراً تدر لبناً وفيراً جداً من الانواع العادية.
و قد جعل هذا " التغير المحدود " داروين يعتقد بوجود تغير دائم مثل هذا في الطبيعة و أن هذا التغير ( أى التطور ) سوف ينتشر بشكل لا محدود في خلال فترة زمنية طويلة.
إما ملاحظة داروين الثانية، فكانت حول عصفور دوريِّ " الحسُّون " الموجود في جزر جالاباجوس. فقد حدد داروين وجود اختلاف في شكل مناقيرها عن تلك الموجودة في اليابسة الرئيسية. أى أن عصفور دوري طويل المنقار و قصير المنقار و ذو المنقار المعقوف و المستوي قد نشأت جميعا داخل مجتمع واحد و أنها تحولت إلى انواع مختلفة لأنها تناسلت فيما بينها.
من هنا اعتقد داروين ان الطبيعة قد شهدت تغيرات " لا محدودة " و ان الأمر لا يستدعي " فترة زمنية طويلة " حتى تظهر انواع أنواع و فصائل و جماعات جديدة تماما. الا ان الحقيقة هي أن داروين قد جانبه الصواب فيما ذهب اليه.
إن قيامه باختيار الكائنات الحية التي لها صفة مميزه و احداث تزاوج بينها لم سوي انتاج و تربية لكائنات حية أفضل و اكثر قوة بين أقرنها من نفس النوع. في حين انه من المستحيل انتاج او تكوين كائن حي مختلف تماما بإتباع نفس الاسلوب. فعلي سبيل المثال لا يمكن تكوين حصان من قطة او زرافة من غزالة أو حتى برقوقة من كمثري. فالبطيخ هو نفسه في كل الازمان، و يستحيل أيضاً تحويل الخوخ إلى موز أو القرنفل إلى ورد. باختصار لا يمكن لأى نوع من الانواع ان يتحول إلى نوع آخر تحت أى شرط من الشروط. أما كيف وقع داروين في هذا الخطأ فهذا ما سنبحثه في الصفحات القادمة.
" الحدود الطبيعية للتغير البيولوجي "

لورين ايسلي Loren Eisley

لقد افترض داروين ان هناك وجود لا محدود للتغيرات التي رصدها في الطبيعة. و لو أن الابقار أو الكلاب أو الحمام قد اظهرت تغيرا و لو في بعض فقط من أجيالها، فإنها بالفعل قد تتغير إلى أى شيء شريطة أن يُعطي الوقت الكافي لحدوث ذلك. إلا انه ثبت عن طريق آلاف التجارب و الملاحظات التي جرت من دون توقف خلال 140 خطأ هذا الطرح تماماً و بعده عن الدقة.

لقد أظهرت كل أبحاث التولُّد و التربية التي اجريت على كل من النباتات و الحيوانات طوال القرن العشرين، أنه لا مكان لحدود يمكن ان تجتازها الانواع على تنوعها خلال وتيرة " التنوع ". و في الموضوع ذاته اشار لوثر بوربنك Luther Burbank و هو من الاسماء الشهيرة في هذا الموضوع إلى وجود قانون غير مرئي يحكم التغير الذي يحدث في الانواع:
أعلم من خلال تجاربنا اننى استطيع أن استنبط برقوقة بين واحد و نصف إلى اثنين سنتيمتراً. و لكن على أن اعترف في الوقت ذاته أننى لو بذلت جهدي حتى أحصل على ثمرة برقوق في حجم البازلاَّء أو كبيرة في حجم الليمون الهندي فمن المؤكد ان جهودي تلك لن تكلل بالنجاح في النهاية... لذلك يمكن تلخيص الموضوع في انه توجد حدود للتطور الذي يعتقد أنه محتمل و هذه الحدود تكون تابعة بالطبع لقانون ما ... و هذا هو قانون التحول ال بعد ( الوسط ) أى إلى الحالة الاولي... و قد أظهرت التجارب واسعة النطاق التي اجريت في هذا الخصوص الدلائل العلمية التي صدَّقت على النتائج التي خمنَّاها عن طريق الملاحظة من قبل. أى أن النباتات و الحيوانات تميل أكثر إلى العودة مرة أخري إلى الابعاد و البُني الوسيطة في الاجيال التالية... و اختصار ذلك أن هناك وجود لقوة جذب تجبر كل الكائنات على التواجد في درجة و حد بعينة لا تتعداه أو تتأخر عنه. 104

ارنست ماير Ernest Mayr
لقد تمكن العلماء في يومنا الحاضر من عمل بعض التغيرات في البُني الجينية للحيوانات و المنتجات الزراعية عن طريق اجراء بعض التعديلات الجينية الصناعية. فتمكنوا من الحصول على كائنات معدلة مثل حصان مفتول العضلات أكثر قوة أو كرنب أكبر حجماً. ولكن داروين انحرف في استنتاجاته تلك عن هذا الطريق و ظهر بجلاء وعلي الملء عدم صحة استنتاجاته تلك. يشرح لنا هذا الموضع لورين ايسلي Loren Eisley و هو من أشهر علماء الأنثروبولُجيا على مستوي العالم:

إن شكل الانتاج الذي نتبعه و نحن نعمل على الارتقاء بجودة الجياد و الكرنب ليس هو نفس الطريق الذي يؤدي إلى تغير بيولوجي لا حدود له اى إلى التطور. و إنه لموقف غريب بالفعل أن يُستخدم هذا النوع من الانتاج الصناعي كدليل على التطور. 105
يشرح ادجوارد س. دييفيEdward S. Deevy عالم الحيوان في جامعة فلوريدا كيف أنه يوجد حدود لا بد و ان يقف عندها التغير الذي يحدث في الطبيعة: " إن القمح لن ينتج سوي القمح، و الليمون الهندي لن ينتج سوي ليمون هندي ايضاً? فنحن لا نقدر أن نركب جناحا للخنزير أو أن نجعل الدجاجة تبيض بيضة اسطوانية الشكل. " 106
لقد اصطدمت التجارب التي اجريت على ذباب الفاكهة من جديد بجدار " الحد الجيني ". فقد لوحظ أن كل ذباب الفاكهة الذي خضع لهذه التجارب قد مر بنسب معلومة من التحول، غير أن هذه نسب التغير تلك لم تتعد الحد المعلوم. يحدثنا عن الموضوع نفسه ارنست ماير و هو احد أسماء الدارونية الجديدة المعروفين على هذا النحو:
كانت التجربة الاولي تهدف إلى تقليل عدد شعر الذبابة أما الثانية فكانت تهدف إلى زيادته. و قد رأينا بعد 30 جيل أن عدد الشعر قد قلَّ من 30 شعرة تقريباً إلى 25 شعرة. إلا ان ما حدث بعد ذلك هو أن هذا الذباب اصيب بالعقم و لم يعد بإمكانه انتاج اجيال و نسل جديد. أما في التجربة الثانية فقد زاد عدد الشعر من 36 إلى 56? و مرة أخري يصاب الذباب بالعقم كما حدث في المرة الاولي. 107
و يستنبط ماير من هذه التجارب النتيجة التالية:
من الواضح أن الاصلاحات القهرية التي طُبِقَت بالاختيار، تعمل على انضاب و انهاء أصل التنوع الجيني... إن الاختيار الذي يأتى من طرف واحد يصيح سبباً للسقوط في التوافق العام ( في التوافق و التأقلم مع البيئة ). و هذا هو ايضاً رأس البلاء في كل تجربة انتاج. 108
يعتبر كتاب Natural Limits to Biological Change ( الحدود الطبيعية للتغير البيولوجي ) الذي كتبه كل من لان ب. ليستر Lane P. Lester'?n بروفيسور علم الاحياء و ريموند ج. بوهلين Raymond G. Bohlin عالم الاحياء الجزيئية يعتبر واحداً من أهم المصادر التي تناولت هذا الموضوع. و يذكر ليستر و بوهلين في مقدمة الكتاب ما يلي:
ان قضية حدوث تغيرات تطرأ على الكائنات الحية خلال شريحة زمنية محددة في النواحي التشريحية و الفسيولوجية و البنية الجينية ..الخ هي حقيقة لا تقبل مجالا للنقاش. أما المسألة الصعبة المتبقية فهي الاجابة عن ذلك السؤال:
http://www.harunyahya.com/arabic/boo.../galapagos.jpgما هو مقدار التغيرات المتاحة و بأى آلية يمكن أن تتكون هذه التغيرات؟ يمكن لمربيِّ الحيوانات و النباتات ان يجمعوا النماذج المؤثرة في موضوع امكانية تغيُّر الكائنات الحية. و لكن اذا بدأ احد المربيين عملة بالكلب فإنه لن يحصل في النتيجة الا على كلب أيضاًُ، و حتى ان كان لهذا الكلب شكل أو مظهر مختلف أو غريب فهو في النهاية كلب. و بنفس الطريقة فذبابة الفاكهة ستظل دائماً و ابداً ذبابة الفاكهة، و الورود ستظل هي الاخري ورود. 109
يبحث الكُتَّاب هذا الموضوع في كتبهم استنادا إلى الملاحظات و التجارب العلمية. و قد توصلا في هذا الموضوع إلى نتيجتين رئيسيتين:
  1. طالما لا نتدخل سنيا في جينات الكائنات الحية فليس ممكنا الحصول على معلومة جينية جديدة. لهذا السبب، فإن عدم حدوث اى تدخل في الجينات، فلن يظهر أى معلومة بيولوجية جديدة في الطبيعة. أى أنه لن تولد تصنيفات أو أعضاء أو بُني جديدة. و لن يحدث شيء بالطرق الطبيعية سوي " تغيرات جينية " في نوع معين فقط. و الواقع ان ظهور أجناس مختلفة من الكلاب سواء أكانت طويلة القامة أو قصيرتها او كثيفة الشعر أو قليلته فإن مثل هذه التغيرات لا تتعدي كونها مجرد " تغيرات محدودة ". و حتى لو مر مليارات السنين، فلن تعمل هذه التغيرات على تكوين أنواع حية جديدة أو تصنيفات ارقي ( فصائل و عائلات و مجموعات و شُعب ".
2. تحدث التدخلات السنية في الكائنات الحية في الطبيعة عن طريق الطفرات الاحيائية فقط. و هذه الطفرات الاحيائية لا يمكنها في أى وقت من الأوقات ان تحقق تأثيراً " بنَّاءاً ". و لا يمكنها ان تكوَِن معلومة جينية وراثية جديدة ? و تنحصر تأثيراتها في تخريب و تدمير المعلومة الجينية فقط. لهذا السبب ?

لا يمكن تفسير " اصل الانواع " عن طريق الاصطفاء او الانتخاب الطبيعي كما ظن داروين. لنتمسك كما يحلو لنا بفكرة " الاصطفاء " ولكن الكلاب سوف تظل على حالها و بناءا على هذا فليس من المنطقي على الاطلاق أن ندعي انها كانت في الماضي سمكاً أو بكتريا.
حسنا و ماذا اذا أخذنا في الاعتبار خيار " التدخل السنى للجينات " أى الطفرات الاحيائية؟
لقد اعتمدت النظرية الدارونية في هذا الجانب على هذا الخيار اعتبارا من عام 1930 و لهذا السبب أيضا تغير اسم النظرية إلى الدارونية الجديدة. و ما حدث هو ان الطفرات الاحيائية لم تستطع هي الاخري ان تقدم يدي العون إلى النظرية. و سوف نتناول هذا الموضوع المهم في جزء منفصل خاص به.
الكائنات الحية التي في جالاباجوس ترفض التطور

الاجنحة الزائدة في ذبابات الفاكهة البديعة ذات الاربعة أجنحة، محرومة من وجود عضلات تساعدها على الطيران، لهذا السبب فهي ليست نماذج على التطور بقدر كونها نماذج على حدوث شلل اصابها.

تمثل الأنواع المختلفة من عصفور دوري " الحسُُّون " التي رآها في جزر جالاباجوس نموذج على التغيير و هي لا تمثل في الوقت نفسه دليلاً قطعيا على حدوث تطور كما حدث في الأنواع الاخري. لقد أثبتت الملاحظات و التجارب التي أجريت في السنوات الأخيرة عدم حدوث أي تغير غير محدود في عصافير دوري كما كانت تفترض نظرية داروين. يُضاف إلى هذا أن معظم النماذج الأربعة عشر المختلفة التي حددها داروين من أنواع عصفور دوري كانت عبارة عن أنواع تزاوجت من بعضها البعض أي أن الاختلاف الموجود بينها عبارة عن تغيرات حدثت داخل النوع نفسه. لقد أثبتت الملاحظات العلمية إن مثال " مناقير عصفور دوري " الذي ذُُكر في كل المراجع المؤيدة لنظرية التطور تقريباً كان نموذجاً يشير إلى حدوث " تغير " أي أنه لا يمثل دليلاً على صحة نظرية التطور. كما لم تسفر الدراسة الشهير ة التي قام بها كل من بيتر Peter و روز ماري جرانت Rosemary Grant اللذان توجها إلى جزر جالاباجوس من أجل " إيجاد دلائل التطور الدارونية " وأخضعا أنواع عصفور دوري للملاحظة خلال فترة تواجدهما هناك لم تسفر عن اى نتيجة سوي أن هذه الجزر لم تشهد أى نوع من " التطور ". 110

ـ في أي عمل تفيد الطفرات الأحيائية؟
لا جرم أن البيانات والمعلومات الو راثية بمثابة شيء شديد التعقيد. ناهيكم عن ذلك التعقيد الذي يكتنف الجينات الوراثية، وكذلك ما من تعقيد شديد بتلك الماكينات الجزئية التي تُشفر هذه المعلومات والبيانات، وتقرئها، وتنتج إنتاجها وتفرزه وفق هذا... وإن أي تأثير تصادفي أو عرضي أي أيُ حادثة ما ستصيب هذا النظام، فإنه لن يحرز أي زيادة في هذه المعلومات الوراثية على الإطلاق.
إن الطفرات الأحيائية بمثابة شيء يشبه سقوط كتاب بشكل تصادفي على لوحة مفاتيح مُعِدِ برامج مشغول بأحد البرامج على الحاسب الآلي، وأدي هذا السقوط إلى ارتطام الكتاب ببعض الأحرف الموجودة بلوحة المفاتيح، فنتج عن ذلك أن هذا الكتاب قد أضاف بعض الأحرف، والأرقام التصادفية على ذلك البرنامج. فهكذا الأمر يكون مع الطفرات الأحيائية، فكما أن هذه الحادثة من شأنها ألا تتطور برنامج الحاسب الآلي، بل على العكس من ذلك تفسده، فهكذا الطفرات الأحيائية تُفسد الشفرة الوراثية للإنسان. وإن الطفرات الأحيائية كما بينها كل من (ليسترLester)، و(بوهلينBohlin) في كتابهما الموسوم بـ(الحدود الطبيعية للتغيرات البيولوجية)، " بمثابة أخطاء تظهر في الآلية الحساسة لإعادة تجارب واختبارات (البصمة الوراثية للإنسان DNA)" ومن ثم " فإن الطفرات الأحيائية لا يمكنها أن تأتي بتغير تطوري كبير مثلها في ذلك تماما مثل التغير الو راثي، وrekombinasyon." 111
وإن هذه النتيجة التي كانت متوقعة ومنتظرة كشيء منطقي، قد تأكدت صحتها من خلال تلك التجارب، والملاحظات التي أُجريت طوال القرن العشرين. حيث لم تُرصد على أي كائن حي على الإطلاق أي طفرات أحيائية تؤدي إلى تغير جذري من خلال تطوير المعلومات الوراثية لهذا الكائن الحي.
ولهذا السبب فإن البروفيسور (بيري باول جريسPierre-Paul Grassé) الرئيس السابق لأكاديمية العلوم الفرنسية بالرغم من قبوله بنظرية التطور يقول عن الطفرات الأحيائية " إنها تغيرات وراثية فحسب، وإن دورها لا يختلف عن وضع بندول الساعة الذي يتحرك يمينا ويسارا لكنه مربوطا بالمركز، ومن ثم فإن هذه الطفرات الأحيائية لا تكون في أي وقت من الأوقات ناتجة عن تأثير تطوري... فهي تغير إلى حد ما شيئا كان موجودا من ذي قبل." 112
ويقول البروفيسور(جريسGrassé) أيضا أن المشكلة الموجودة في مسالة التطور" قد نجمت عن شروع طائفة من علم البيولوجيا المعاصرين للحديث عن التطور بمجرد مشاهدتهم الطفرات الأحيائية". وعلي هذا فإن هذا الرأي " لا يمكن له أن يتوافق مع الحقائق؛ حيث إن الطفرات الأحيائية مهما كان عددها كثيرا لا يمكن لها أن تأتي بأي تطور على الإطلاق." 113
وإن أفضل نموذج يمكن تقديمه بشأن مسألة أن الأنواع لا يمكنها أن تكتسب بيانات وراثية جديدة من خلال الطفرات الأحيائية، هو نموذج له علاقة بذبابات الفاكهة. فالطفرات الأحيائية التي تُمارس على ذبابات الفاكهة، أوضحت أن التوازن هو الذي يسيطر على الكائنات الحية بالطبيعة، وليس التغير. ولما كانت فترة حمل ذباب الفاكهة قصيرة جدا(12يوما)، فإنها أصبحت أفضل حقل تجارب لتلك التجارب الخاصة بالطفرات الأحيائية منذ سنوات طويلة. ولقد تم استخدام في هذه التجارب الأشعة السينية(أشعة أكس) من أجل تكثير نسبة الطفرات الأحيائية 15 ألف مرة. واستطاع رجال العلم في غضون فترة وجيزة ملاحظة وتحقيق عددا من الطفرات الأحيائية التي سيتعرض لها ذباب الفاكهة بالملايين في العام تحت ظروف طبيعية. لكن لم يكن هناك نوع جديد قد تم الحصول عليه من خلال هذا الكم الهائل والسريع من الطفرات الأحيائية. أي أن رجالات العلم لم يتمكنوا من الحصول على أي شيء أخر سوي ذبابة الفاكهة.

تفسد كل انواع المعلومات الخاصة بسمات و ابنية الكائنات الحية نتيجة للجينات، و الطفرات الاحيائية الموجودة خفية و كأنها مشفرة. بناءا على ذلك لم يعد جسد الكائنات الحية موضع للحديث عن اى نوع من الاضافات.

نري بوضوح في الصور الموجودة في الجانب، التدمير و التخريب الذي احدثته الطفرة الاحيائية.

إن تلك الواقعة الكلاسيكية التي قُدمت كنموذج علي(الطفرات الأحيائية المفيدة) في ذبابات الفاكهة، إنما هي ذبابة تُسمي (mutant) ذات الأربعة أجنحة. في الطبيعي تكون ذبابات الفاكهة ذات جناحين، لكن لوحظ أن بعض ذبابات الـ(Mutant) تمتلك أربعة أجنحة. فقدمت المدونات الدارونية هذا النموذج على أنه (نمو). لكن هذا كان تفسير خاطئا، وذلك كما وضح هذا بشكل مفصل البروفيسور(جونهان ويلز Jonathan Wells) في كتابه الموسوم بـ(أيقونات التطور). لكن تلك الأجنحة الزائدة مثار الجدل ليست بها عضلات للطيران، ومن ثم فإنهم بذلك يكونون قد أتوا لذبابات(mutant) شيئا غير ملائما، وليست ميزة. إذ أنه لم تعش أي ذبابة من ذبابات(mutant) خارج المختبرات. 114

وعلي الرغم من كل هذا فإن التطوريين من أنصار نظرية التطور يدعون ويزعمون أن ثمة (طفرات أحيائية) قد وقعت ولو بشكل نادر، وأنها قد اُختيرت بواسطة الاصطفاء الطبيعي، وأن هناك أبنية بيولوجية جديدة ظهرت. وهذا بمثابة ادعاء، وذلك لأن هناك خطئا كبيرا هنا. وهو أن الطفرة الأحيائية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تأتي بـ(زيادة في البيانات الوراثية)، ومن ثم لا يمكن لها أن تحدث أي شكل من أشكال التطور. وإن كلا من (ليستر)، و(بوهلين) يوضحان هذا الموضوع على النحو الأتي ذكره:
لا جرم أن (الطفرات الأحيائية)... تغير وتبدل ما هو موجود، وذلك في الغالب بشكل متلف، وغير مفهوم. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه لا توجد هنالك طفرات أحيائية مفيدة، فهناك أيضا طفرات أحيائية مفيدة حتى ولو كان هذا غير محتمل كثيرا. فالطفرة الأحيائية المفيدة هي تلك التي تؤمن لتلك الكائنات التي تمتلك تلك الطفرة الأحيائية نقل نسبها وسلالتها للسلالات التي ستأتي من بعدها، وذلك بشكل أكبر من تلك التي لا تمتلك لمثل هذه الطفرة الأحيائية... لكن لا توجد لتلك الطفرات الأحيائية أي علاقة على الإطلاق بمسألة تحويل أي كتلة عضوية إلى أخرى...
ومن هذه الناحية فإن(دارون) قد لفت الانتباه إلى الحشرات التي ليس لها أجنحة والتي تعيش في(Maderia). من المؤكد أن الأجنحة لا تكون بالشيء الملائم للحشرات التي تعيش في جزيرة ذات رياح. لكنها ستكون مفيدة بالتأكيد إذا كانت الطفرات الأحيائية تتسبب في فقد الطيران. وإن نفس الحالة سارية على أسماك المغارة التي ليست لديها قدرة على الرؤية. فالأعين مفتوحة للاستفادة، وإن الكائنات الحية التي تعيش في مناخ مظلم تماما، ستستفيد من الطفرات الأحيائية التي تتلف أعينها، وتنزل احتمالات الاستفادة من تلك الأعين إلى الصفر. فإذا كانت هذه الطفرات الأحيائية مؤثرة ومفيدة، فإن هناك نقطة مهمة ألا وهي أنها(أي الطفرات الأحيائية) تؤدي إلى خسارة في كل وقت، وليس ربحا أو مكسبا. فنحن لم نلاحظ على الإطلاق أن تلك الأنواع التي لم تكن لديها أعين أو أجنحة من ذي قبل قد بُنيت وأُنتجت فيها هذه الأشياء.115
ومن ثم فإن النتيجة التي توصل إليها الكتاب هي:" إن الطفرات الأحيائية بشكل إجمالي تقوم بوظيفة تتمثل في أنها تحدث خللا وراثيا مستديما، وتتسبب في تدهور وانحطاط النوع."
أما الاعتقاد بأن هذه الطفرات الأحيائية التي لا يكون تأثيرها إلا "فقد بيانات وراثية"، يمكن لها أن تنتج شفرات وراثية معقدة غير عادية لملايين الكائنات الحية التي تخلف عن بعضها البعض والموجودة بالطبيعة، فهو مثل الاعتقاد بأن تلك الكتب التي وقعت مصادفة على لوحات المفاتيح من الممكن أن تكتب ملايين الموسوعات. أي أن هذا الأمر هراء ولا يقبل به عقل. وإن البروفيسور(ميرل دي أوبيجنMerle d'Aubigne) الذي كان رئيسا لأحد الأقسام بكلية الطب بجامعة باريس، والذي استحق نيشان (Croix de Guerre ) الشرفي، وميدالية النجمة البرونزية لما قدمه من إسهامات علمية، يذكر لنا في هذا الموضوع تفسيرا وتوضيحا مهما على النحو الأتي ذكره:
أنا بصفة شخصية لا أجد أن الطفرات الأحيائية المرتبطة بالتغيرات الكائنة في الظروف الحياتية، تمثل فكرا مطمئنا يمكنه أن يوضح ذلك النظام المنطقي والمعقد للمخ، والرئات، والقلب، والكليتين، حتى للمفاصل، والعضلات. فكيف يمكن التخلص حينئذ من فكرة أنها قوة صاحبة عقل أو مُنَظِمَّة؟ 116
ومختصر الكلام أن الطفرات الأحيائية لا يمكن لها أن تأتي بتوضيح شاف للمسألة الدارونية، أي لمسألة "أصل الأنواع". وإن عالم الأحياء النمساوي الداروني(جراند مولر Gerhard Müller) عبر عن تلك الحالة المعقدة بقوله: " إن اصل السمات المورفولوجية الحديثة، لم تتضح بعد من خلال النظرية الدارونية المصطنعة المعاصرة".

علي الرغم من أن داروين حاول ان يبحث " أصل الانواع "، إلا انه لم يستطع تفسيرها. فأصل الانواع لم يُفسر طبقاً للنظرية الدارونية.
وإن هاتين الآليتين اللتين تزعمهما النظرية الدارونية أي الاصطفاء الطبيعي، والطفرات الأحيائية، لا قبل لهما بتوضيح اصل الكائنات الحية. وذلك لأنه لا يمكن إنتاج معلومات وراثية عن طريق الاصطفاء الطبيعي، فما يتم هو أنه يتم اختيار معلومة وراثية موجودة عن طريقه. كما أن الطفرات الأحيائية لا تنتج هي الأخرى معلومات وراثية، فعلي أفضل الاحتمالات فإنها لا تؤثر في هذه المعلومات، بل في الغالب أنها تخربها، وتفسدها. فمن الواضح بمكان أن أصل المعلومات الوراثية ليس هذه الآليات الطبيعية الغير شعورية.

فهذا الأصل هو " قوة صاحبة عقل أو مُنَظِمَة " وذلك على حد قول البروفيسور النمساوي(ميرل دي أوبيجن Merle d'Aubigne). فهذه القوة تتمثل في الله سبحانه وتعالي صاحب عقل، وعلم، وقدرة بشكل لا متناهي. وقد أخبرنا الله تعالي في القرآن الكريم بما يلي:
" وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه. وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " (الآية رقم 27 من سورة الروم).
وإن النظرية الدارونية قد سعت، وحاولت إنكار هذه الحقيقة، لكنها لم تنجح في ذلك، وستنتقل إلى التاريخ كنظرية قديمة وبالية.
ـ فها هي ذا نهاية (الحكايات المختلقة):
لقد درسنا وتناولنا حتى الآن أن مساعي النظرية الدارونية لإثبات أصل الأنواع قد وصلت لطريق مسدود وأصبحت في مأزق. ولقد اعترف أنصار النظرية الدارونية في السنوات الأخيرة بهذا المأزق. فعلماء الأحياء التطوريين أمثال كل من(جيلبرتGilbert)، و(أوبتيزOptiz)، و(رآفRaff)، قد لخصوا بإيجاز هذا الموقف في مقالاتهم التي نُشرت في مجلة(Developmental Biology ) في عام 1996م حيث قالوا فيها " إن مسالة أصل الأنواع وهي القضية التي تبنتها النظرية الدارونية، تستمر لتبقي معقدة وبدون حل" . 117
لكن الرأي العام لم يكن على دراية بذلك. حيث إن النظام الذي اتبعته النظرية الدارونية كان لا يرجح أن يعرف الرجل العادي بالشارع " أن أصل الأنواع أصبح معقد ولا حل له من حيث النظرية الدارونية". وعوضا عن هذا كانت الأساطير الخاصة بنظرية التطور تبلغ للناس عن طريق العديد من القنوات مثل الإعلام، والكتب الدراسية. فهذه الحكايات والأساطير التي تُعرف في الأوساط العلمية بـ( الحكايات المختلقة)، تُعد المصدر الأساسي المحفز لطائفة من الناس ممن يؤمنون بنظرية التطور.
ولزام علينا الآن أن نحكي باختصار حكاية من أشهر (الحكايات المختلقة) هذه. فهذه الحكاية التي يمكنكم أن تصادفوها في كل مصادر التطور لكن باختلافات بسيطة، لها علاقة بكيفية تكون الإنسان، وكيف تسنى له الوقوف على قدميه:
إن تلك القرود الشبيهة بالإنسان التي تُعد جدودا للبشر، كانت تعيش على الأشجار في الغابات الأفريقية. ولقد كانت هياكلها العظمية مائلة، وأيديها وأقدامها مناسبة وملائمة لمسك الأشجار. وبعد فترة من الزمن تضاءلت وتقلصت المساحات المزروعة غابات في أفريقيا، فرحلت تلك القرود الشبيهة بالإنسان صوب مناطق السافانا. وكان لابد في مناطق السافانا هذه الانتصاب والوقوف على القدمين حتى يتسنى كافة الأنحاء من بين ثنايا الأعشاب العالية في تلك المنطقة. وهكذا وقف أجدادنا على أقدامهم، وبدءوا السير بشكل منتصب. وكلما استخدموا أيديهم في عمل الآلات فإن ذكائهم كان ينمو ويتطور. وهكذا أصبحوا بشرا.
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...ism/monkey.jpgوإنه لمن الممكن لكم أن تصادفوا الكثير من مثل هذه الحكايات في المجلات والصحف التي تنحاز لنظرية التطور. حيث إن المراسلين الذين يؤمنون بنظرية التطور، ولا يمتلكون أي معلومات ولو سطحية بشأن هذا الموضوع، قد اتخذوا مهنة لهم من قص هذه الحكايات على القراء وكأن كل حكاية من هذه الحكايات حقيقة علمية. بيد أن معظم رجال العلم مع مرور الوقت قد أعلنوا واعترفوا أن هذه الحكايات لا تحمل أي قيمة علمية على الإطلاق.
فإنه لمن السهل بمكان كتابة الحكايات المتعلقة بكيفية تحول شكل ما إلى أخر، وإنه لمن السهل كذلك العثور على الأسباب المتعلقة بكيفية اختيار مراحل هذا التحول من خلال الاصطفاء الطبيعي. لكن هذه الحكايات ليست جزء من العلم، حيث إنه لا يوجد أي منهج على الإطلاق لاختبارها، وتجربتها. 118
أما عالم الحفريات التطوري(تي. إس. كامب T. S. Kemp)، قد ذكر في كتابه الموسوم بـ(الحفريات والتطور) طبعة 1999م، إن هذه الحكايات الموسومة بـ(الحكايات المختلقة) لا تحمل أي قيمة على الإطلاق، وتناول كل ما كُتب في موضوع(تطور الطيور) وأخذ يوضح ما يلي:

ثبت من الناحية العلمية خطأ بحث لامارك Lamarck ، الا انه و على الرغم من هذا فلا زالت هناك بعض الجماعات التي تشغل اذهانها بهذه الابحاث.

هناك أحد السيناريوهات بشأن أصل الطيور، وهو عن ديناصورات ذات قدمين صغيرتين وخفيفتين كانت في العصر(الجو راسي) المتأخر على شاكلة اصطفاء يفضل التكيف الشجري بشكل أكبر تدريجيا. فالعيش على الأشجار كان يزود لديهم القدرة على الهرب من الحيوانات المفترسة، ويؤمن لهم سبل العثور على مصادر أخرى للتغذية. وإن وطأة الاصطفاء التكميلي قد أرغمتهم واضطرتهم إلى على عدة أمور وهي بالترتيب: القفز، والخفقان، ثم في النهاية الطيران بشكل قوي من فرع إلى أخر، ومن شجرة إلى أخرى. وإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إجراء اختبارات علمية على أي فرضية من الفرضيات المتعلقة بهذه الأشكال الوسيطة، وبالظروف البيئية التي تعيشها، وبالقوي الاختيارية التي تتعرض لها. والنتيجة هي أن السيناريو التطوري إذا أردنا أن نعبر عنه بشكل ساخر فما هو إلا (حكايات مختلقة).119

وإن الشأن الذي تحدث فيه (باتيرسون Patterson) أو (كامبKemp)، هو جانب واحد فقط من هذه المسالة ألا وهو أن (الحكايات المختلقة) لا يمكن اختبارها وتجربتها علميا، ومن ثم فهي لا تحمل قيمة علمية. أما بالنسبة للجانب الثاني بل وربما الجوانب الأخرى، فإنما تتمثل في أن تحقق هذه الحكايات في نفس الوقت يعد مثل تكون أباطيل غير ممكنة ولا يستوعبها العقل أي أن هذه الحكايات فضلا عن كونها غير علمية، فإنها أيضا لا تُعد ممكنة بأي حال من الأحوال.
وحتى يتسنى لنا أن نوضح هذا، لزام علينا أن نتناول ثانية حكاية(القرود شبيهة الإنسان التي تقف على قدميها) والتي نقلناها قبل قليل بشأن موضوع تطور الإنسان.
إن (جين بابتيست لامارق Jean Baptiste Lamarck) كان قد ادعي بالمستوي العلمي المتدني والمتأخر للفترة التي كان يعيش فيها، حكاية كهذه قبل 150عاما من الآن. بيد أن علم الوراثة الحديث قد أظهر أن السمات التي يتم اكتسابها حال الحياة لا يمكن بأي حال من الأحوال نقلها للأجيال الآتية. وهذا الأمر له علاقة بالحكاية الأتي ذكرها: الفرضية المسيطرة على تلك الحكاية إنما هي فرضية تقول بأن الإنسان قد تطور بتلك السمات والخصائص التي اكتسبها أجداده أثناء الحياة، وهناك ادعاء في تلك الحكاية مؤداه أن البشر قد وقفوا على أقدامهم حتى يتسنى لهم رؤية الأطراف من حولهم من بين ثنايا الأعشاب، وأنهم قد استخدموا أيديهم لما كانت في الفراغ، وأن ذكائهم قد نما وتطور بهذا الشكل. ولا جرم أن هذا الادعاء ادعاء واهي لا يقبل به علم ولا عقل. حيث إن حادث هكذا لم يقع على الإطلاق. ناهيكم عن أن الكائن الحي لا يكون بمقدوره اكتساب بعض المهارات الخاصة ليحاول الوقوف منتصبا على قدميه، ولاستعمال يديه. حتى ولو افترضنا أنه قد اكتسب هذه المهارات ـ مع أن هذا أمر غير معقول علميا ـ فإنه ليس من الممكن نقله لهذا السمات والخصائص إلى الأجيال التالية. ومن ثم فإنه إذا ما تحقق هذا الأمر المستحيل، واستطاع القرد أن يضغط على نفسه وينصب هيكله العظمي، فإن هذه السمة والخاصية لا يمكن لها أن تنتقل إلى جيل تالي. وهذا يعني أنه لا يكون هناك " تطور ".
حسنا، كيف يكون الأمر، وكيف تظل تُفرض منطقيات (لامارق Lamark) الفاسدة على المجتمع طوال هذه المدة التي تزيد على القرن من الزمان؟
إن أنصار نظرية التطور كانوا يقولون إن (الحكايات المختلقة) بمثابة ملخص وإيجاز لمرحلة التطور البيولوجي الرئيسية التي حدثت. وهم يرون أن " الاحتياجات لا تلد تطورا "، لكن " الاحتياجات توجه الاصطفاء الطبيعي في اتجاه معلوم ومحدد، وهذا أيضا يؤدي إلى اختيار الطفرات الأحيائية التي تأتي بنتائج في هذا لاتجاه". أي هم حينما يقولون بأن " القرود شبيهة الإنسان قد قامت على قدميها "، فإنه في الواقع " سيكون قيام أشباه الإنسان على أقدامهم مفيدا"، وها هي الطفرات الأحيائية التي أصابتهم في هذه الفترة بعينها، قد نصبت هياكلهم العظمية، وأن التي انتصب هيكلها العظمي قد اُختيرت من خلال الاصطفاء الطبيعي".
وبقول أخر يمكن القول إنه يوجد في (الحكايات المختلقة) غض تام للطرف عن التوضيح والتفسير العلمي لذلك الجزء من الحكاية المتعلق بالطفرات الأحيائية. وذلك لأنه لو تم تناول هذا القسم بالدراسة فإنه سيظهر أن هذا بمثابة رأي أو اعتقاد باطل بعيد كل البعد عن الصبغة العلمية.
وإذا كان هنا إحساس بالحاجة إلى كائن حي في (الحكايات المختلقة) التي لها علاقة بالطفرات الأحيائية، والتي يذكرها التطوريون(أنصار نظرية التطور)، وإذا كانت أي مسألة هي التي تجعل هذا في حالة أكثر فائدة، فإنه يُفترض أن هناك طفرة أحيائية ستظهر بالتأكيد هذه الطفرة الأحيائية من شأنها أن تسد هذه الحاجة، وتؤمن هذه المسألة.
هذا في حين أنه حتى اليوم لم يلاحظ ولو حتى طفرة أحيائية واحدة تتطور وتُنمي البيانات والمعلومات الوراثية...
فالوثوق والاعتقاد في هذا السيناريو، يعد شيئا مماثلا للاعتقاد بالكائنات الحية، وبوجود عصا سحرية ستؤمن هذا الشيء الذي تحتاج إلى هذه الكائنات الحية دائما. فما هذا إلا اعتقاد باطل وزائف.
وإن عَالِم الحيوان الشهير البروفيسور (بيري باول جريس Pierre-Paul Grassé) الرئيس السابق لأكاديمية العلوم الفرنسية، هو أحد من شخصوا هذه الحقيقة المهمة جدا، وعارض بشدة النظرية الدارونية على الرغم من أنه يؤمن بها من حيث المبدأ. ويعرف(جريس) على النحو الأتي ذكره اعتقاد النظرية الدارونية بشأن الطفرات الأحيائية:
إنه لمن الصعب والعسير الاعتقاد بأن الطفرات الأحيائية يمكنها أن تسد حاجات ولوازم الحيوانات والنباتات. لكن النظرية الدارونية تريد الأكثر من هذا. حيث يجب أن تتعرض نبتة واحدة، وحيوان واحد لمئات الآلاف من المصادفات المفيدة بالشكل اللازم. أي أنه يجب أن تُصبح المعجزات بمثابة القاعدة العادية، وأن تتحقق الأحداث القليلة الاحتمالات بكل سهولة ويسر. فلا يوجد قانون ما يفرض حظرا على نسج الخيالات، لكن العلم لا ينبغي له أن يتدخل في هذا الأمر.120
وخلاصة القول فإن النظرية الدارونية بمثابة نسج للخيال، ولا علاقة لها على الإطلاق بالعلم. فـ(الحكايات المختلقة) التي تُقص على العالم بأسره مثل الحقائق العلمية، لا توجد بها ولو حتى مستند علمي صغير.
وإن السمة المشتركة التي تجمع بين كل تلك الحكايات هي تشخيص حاجة معروفة من احتياجات الكائنات الحية، ثم افتراض أن الطفرات الأحيائية يمكنها أن تسد هذه الحاجة. وإن هذه الحاجة مثار الجدل يصفها أنصار نظرية التطور بـ( الوطأة التطورية أو الضغط التطوري). ( فعلي سبيل المثال فإن الحاجة إلى الوقوف على القدم بين ثنايا السفناء ـ مصطلح جغرافي معناه بطحاء أو سهل لا شجر فيه، أرض معشوبة في منطقة استوائية تشتمل على أشجار متناثرة ـ يعد " وطأة تطورية ـ أو ضرورة من ضروريات التطور" ).


الايدي المشلولة هي احدي نواتج الطفرات الاحيائية.
وبالنسبة لافتراض أن الطفرات الأحيائية اللازمة تكون على أُهبة الاستعداد للاستخدام، فهذا أمر لا يمكن حدوثه إلا من خلال الإيمان المطلق والأعمى بالنظرية الدارونية ليس إلا. وإن أي شخص لا يتسم بهذه الدرجة من التكبر والغطرسة، يمكنه أن يري أن "الحكايات المختلقة" لا علاقة لها بالعلم على الإطلاق.

وهكذا فإن رجال العلم من أنصار نظرية التطور كانوا وحدهم هم الذين بدءوا سرد الوجه الداخلي لـ" الحكايات المختلقة" بصوت مرتفع. والنموذج الحديث والجديد على هذا، هو ذلك التفسير والتوضيح الذي قام به (لان تاتيريسال Lan Tattersall) رئيس قسم الأنثروبولوجيا بمتحف التاريخ الشرقي بأمريكا، وهذا البيان أو التوضيح قد قام به عن "الحكايات المختلقة" التي تم نشرها في مجلة (نيورك تايمز New York Times). ففي ذلك الخبر الذي ورد في مجلة(نيورك تايمز) كان هناك سؤال مطروح يقولون فيه: لماذا يفقد البشر ريشهم في مرحلة التطور؟، ولقد أخذت العديد من سيناريوهات النفعية والأفضلية المتنوعة تُقص وتُحكي حول هذا الموضوع. لكن (لان تاتيريسال Lan Tattersall) كان يقول: " كل ريشة توحي بفكرة أو رأي حول مزايا فقد الريش، لكن (الحكايات المختلقة) هي كل هذه الأمور والأفكار."121
وإن (هنرى جيHenry Gee) المحرر العلمي بمجلة( الطبيعة Nature) الشهيرة، والذي كتب كثيرا من المقالات والكتب بشأن نظرية التطور، على الرغم من أنه تطوري(أي من أتباع نظرية التطور) إلا إنه يوضح في كتابه المطبوع في عام 1999 فداحة الخطأ الذي يُرتكب في السعي إلى توضيح وتفسير أصل عضو ما والحديث عن فوائد ذلك، وذلك على النحو الأتي ذكره:
إن أُنوفنا جُعلت كي تحمل النظارة، ومن ثم فإن لدينا نظارات. نعم، فإن علماء الأحياء التطوريين يستخدمون هذا المنطق وهم يحاولون توضيح بعض الأمور كالحديث عن أي بُنية(خِلقة) ما، وعن الفائدة في وجودها. حيث إن هذه الفائدة الموجودة مثار الحديث، لا قبل لها بأن تأتي لنا بأي شيء على الإطلاق بشأن كيفية تطور هذا البنية، وهل تاريخ تطور هذه البنية أثر أم لم يؤثر في شكلها وسماتها وخصائصها. 122
إن هذه الإيضاحات شديدة الأهمية. وذلك لأنه من المحتمل أنه يكون بمقدوركم بعد هذا مصادفة ومشاهدة (الحكايات المختلقة) في المصادر الخاصة بالتطوريين وبالطبع في مقدمتها الإعلام. ولابد من جذب الانتباه إلى أن هذه الحكايات بمثابة أساطير جوفاء لا يوجد لأي واحدة منها أي دليل على الإطلاق. وإن نفس المنهج يتم إتباعه في تأليف وخلق هذه الحكايات. فهذا المنهج يبدأ أول ما يبدأ إلى وصف أحد الجوانب أو الجوانب التي لها مزية والتي تعود إلى أي كائن حي، ثم بعد ذلك يختلق سيناريو حول كيف تمكنت هذه المزية من التطور. ومن المؤكد أن الأطروحات الخاصة بالتطوريين التي يتم عملها بهذه الشكل، لا تعرف حدا من الجهة التطبيقية. فهي بصفة عامة تؤمن " بعصا التطور السحرية " التي تسد احتياجات الكائنات الحية في الطبيعة... مثل قولهم " إن خرطوم الفيل يعطي الفيلة مزية لالتقاط الأطعمة من على الأرض، ومن ثم فإن خرطوم الفيل قد تطور من أجل أن يلتقط الطعام من على الأرض " و " إن قامة الزرافة تجعلها تستطيع الوصول إلى الأغصان المرتفعة، ومن ثم فإن قامة الزرافة قد تطورت من أجل أن تمتد إلى الأوراق والأعشاب الكائنة بأماكن شاهقة ومرتفعة ". فهذا الإيمان أشبه ما يكون بالإيمان بالخرافات والاعتقاد فيها.
وإن الوجه الخفي لتلك الخرافة يزداد وضوحا في كل يوم يمر.
وبالنظر إلى كل ما درسناه منذ بداية هذا القسم وحتى الآن يمكننا القول: " إن الادعاء الذي يقول إن أصل الأنواع يعد بمثابة مرحلة تطورية تصادفية، إنما هو نتيجة الاستنتاجات المضللة والخاطئة التي توصلت إليها النظرية الدارونية إبان المستوي العلمي البدائي للقرن التاسع عشر الميلادي. فكل التجارب والملاحظات التي أُجريت في القرن العشرين أثبتت أنه لا توجد أنواع جديدة في الطبيعة، وأنه لا توجد ثمة آلية تنتج تلك الصنوف السابق ذكرها أنفا.
لقد تمكن العلم من تقويض وهدم أُكذوبة ووهم النظرية الدارونية، كما أنه أثبت حقيقة أخرى تتمثل في أن الخلق هو الأصل الحقيقي للأنواع، وأن الله سبحانه وتعالي العلى العليم هو الذي خلق كافة الكائنات الحية.


الساعة الآن 05:43 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى