منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   فلسفة وعلم نفس
علم ما وراء الطبيعه والقوى الخارقه
(http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=75)
-   -   اضطراب الشدة بعد الصدمة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1232)

صائد الأفكار 17 - 11 - 2009 02:28 AM

اضطراب الشدة بعد الصدمة
 


اضطراب الشدة بعد الصدمة



بقلم : مروى شيخ الأرض

من بين أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً التي تبتلى بها الشعوب المنكوبة بالحروبوبأنظمة سادية، هو " اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية " . ويعود الفضل في اكتشافهذا الاضطراب إلى الحرب الفيتنامية في سبعينات القرن الماضي . فقد كشفت الدراساتالنفسية عن وجود نصف مليون محارب أمريكي يعانون من هذا الاضطراب بعد مرور 15 سنةعلى انتهاء تلك الحرب..
وتوصلت دراسات أخرى إلى أن أعداداً كبيرة من الفيتناميين والكمبوديين واللتوانيينالذين عانوا لعقود من الحروب الأهلية، مصابون بأعراض هذا المرض النفسي . وبسبب ماارتكبه " *** بوت " من فظائع في كمبوديا ( يقال إن ربع سكان كمبوديا البالغ عددهم سبعة ملاييننسمة، ماتوا ) وفرار مئات الآلاف منهم إلى تايلاند وأوربا وأمريكا وكندا،وإسكانهم في معسكرات خاصة بهم .. فقد كشفت الدراسات النفسية على أن أكثر من 20% منهميعانون من أعراض هذا الاضطراب .. ومنها :
الكوابيس والاحلام المزعجة، الحزن والهم والتوتر، الغضب والهيجان، السلوكالعدواني اللفظي والبدني، العزلة والعزوف عن ممارسة النشاطات الممتعة، الفتوروالتبلد العاطفي، وعدم القدرة على التعبير عن مشاعر الحب الذي يفضي إلى الطلاق وغير ذلك ..
وتوصلت الدراسات أيضاً إلى أن أكثر من 25% من سكان يوغسلافيا السابقة الذين شهدواالحرب العرقية، يعانون من الصدمات النفسية . بل إن إحدى الدراسات التي أجريت علىالبوسنيين اللاجئين إلى أمريكا فراراً من تلك الحرب، أفادت بأن 65% منهم عانوا منهذا الاضطراب .
تعريف :
يواجه الإنسان في حياته اليومية ضغوطاً نفسية متعددة ، والضغط Stress هوأحداث خارجة عن الفرد ، أو متطلبات استثنائية عليه ، أو مشاكل أو صعوبات تجعله فيوضع غير اعتيادي فتسبب له توتراً أو تشكل له تهديداً يفشل في السيطرة عليه ، وينجمعنه اضطرابات نفسية متعددة .
ولقد جرى تشخيص هذه الاضطرابات ودراستها بصورة منهجية تبعاً لوضوح أعراضهاوشيوعها ، والتقدم العلمي في مجالي علم النفس والطب النفسي . ويمكن تحديد " الهستيريا " بوصفها أول اضطراب من مجموعة الاضطرابات التي تعقب الأحداث الضاغطة يتمدراسته وتوصيف أعراضه بصورة منهجية ، فيما يعد اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية Post Traumatic Stress Disorder - PTSD آخر اضطراب في هذه المجموعة يتم الاعتراف به فيالتصانيف الطبية النفسية.
على الرغم من وجود أفكار سابقة ذات علاقة به مثل صدمة القنابل Shell Shock والصدمة العصبية Nervous Shock.

ففي عام 1980 تم الاعتراف لاول مرة باضطرابما بعد الضغوط الصدمية PTSD ، وذلك في الطبعة الثالثة من المرشد التشخيصيالإحصائي الأمريكي DSM-III.
ويعود السبب الرئيسي في تعريف هذا الاضطراب بالوصف الذي عليه الآن إلى الحربالفيتنامية ولقد دفعت نتائج البحوث هذه إلى التساؤل عن أنماط الضغوط الحادة- غيرالحروب - التي ينجم عنها اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية . فوجد الباحثون أن السببالأكثر شيوعاً بين النساء هو الاغتصاب الجنسي ، إلى جانب أسباب أخرى مثل رؤية شخصما يموت ، أو يتألم من جرح بليغ ، أو التعرض إلى حادثة خطيرة، أو اكتشاف خيانةزوجية .
فيما كانت الأسباب الأكثر شيوعاً بين الرجال تعزى إلى خبرات المعارك أو رؤية شخصما يحتضر. وهذا الاضطراب PTSD يكون شائعاً عموماً بين الناس الذين يتعرضون إلىالكوارث الطبيعية والبيئية مثل الفيضانات والزلازل والحرائق وحوادث القطاراتوالطائرات..
وهكذا أصبح هذا الاضطراب معروفاً بين الناس ومعترفاً به في التصانيف الطبيةالنفسية ، حيث وصفته الطبعة المنقحة للمرشد التشخيصي ( DSM-III-R , 1987 ) بأنه " أيحادثة تكون خارج استجابة مدى الخبرة المعتادة للفرد ، وتسبب له الكرب النفسي Distress ، وتكون استجابة الضحية فيه متصفة بـ" الخوف الشديد ، والرعب ، والشعوربالعجز" .
فيما نبهت آخر طبعة لهذا المرشد الطبي النفسي(DSM-IV , 1994)إلىضرورة التمييز بين اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية PTSD وبين اضطراب الضغط الحاد Acute Stress Disorder ، حيث يستعمل المصطلح الثاني لوصف الحالة التي يكون فيها تماثلسريع للشفاء من ضغط الحادث الصدمي ، فيما يستعمل اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية PTSD لوصف الحالة التي لا يحصل فيها شفاء سريع من هذا الضغط
.
التصنيف :
يورد تصنيف منظمة الصحة العالمية الخاص بالاضطرابات العقلية والسلوكية (ICD-10) اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية PTSD ضمن الفئة (F40 - F48) الخاصة بالعصابوالاضطرابات ذات العلاقة بالضغوط الجسمية المظهر (Neurotic, Stress-related and Somatoform Disorders)، ويضعه ضمن الفئة الفرعية الخاصة بـ " ردود الفعل نحو الضغطالحاد واضطرابات التكيف "، والتي تشمل خمسة أنواع هي :
1. ردة فعل الضغط الحاد

(Actue Stress Reaction) .

2. اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية .
(Post-Traumatic Stress Disorder) .

3. اضطرابات التكيف (Adjustment Disorders)
4. ردود فعل أخرى نحو الضغط الحاد

(Other Reactions to Severe Stress)

5. غير محددة

(Unspecified) (P. 30)

ويرد هذا الاضطراب في الطبعة الأخيرة للدليل التشخيصي الإحصائي (DSM-IV, 1994) ضمن المحور السابع الخاص باضطرابات القلق Anxiety Disorders التي تشمل كلاً من
:
الرهاب Phobia ، والفزع أو الهلعPanic ،والقلق العام Generalized Anxiety ، والوسواس القسري Obsessive - Compusive ،وضغط ما بعد الصدمة Posttraumatic Stress .
الأعراض ومعايير التشخيص :
يصف الدليل التشخيصي (ICD-10) لمنظمة الصحة العالمية WHOاضطراب ما بعدالضغوط الصدمية PTSD بأنه استجابة متأخرة لحادثة أو موقف ضاغط جداً ، تكون ذاتطبيعة تهديدية أو كارثية ، تسبب كرباً نفسياً لكل من يتعرض لها تقريباً ، مثلاً : كارثة من صنع إنسان ، أو معركة ، أو حادثة خطيرة ، أو مشاهدة موت آخر (آخرين) فيحادثة عنف ، أو أن يكون الفرد ضحية تعذيب ، أو إرهاب ، أو اغتصاب ، أو أي جريمةأخرى.
ويشير هذا الدليل إلى أن العوامل الاستعدادية المتمثلة بسمات الشخصية ، أو تاريخسابق لأمراض عصابية ، ربما تساعد في تطور أو تنشيط هذا الاضطراب، غير أنها ليستضرورية ولا كافية لتفسير حدوثه.
وترد أعراض هذا الاضطراب متشابهة في كل من الطبعتين الأخيرتين للدليلين (ICD-10) و (DSM-IV) ولدى أغلب الباحثين أيضاً .. على أننا سنحدد أعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية PTSD بثلاث فئاترئيسة ، مع شرط في التشخيص يتمثل في أن تستمر أعراض كل فئة منها لأكثر من شهر ،وعلى النحو الآتي :
أولاً. إعادة خبرة الحدث الصدمي .
ويعني هذا المعيار أن يستعيد المريض أو يتذكر الحدث الصدمي الذي خبره. ويتم ذلكبواحدة أو أكثر من الطرائق الآتية:
أ. كوابيس أو آلام مزعجة ومتكررة ، لها علاقة بالحدث الصادم (وهي أكثر الأعراضشيوعاً).
ب. ذكريات وأفكار ومدركات اقتحامية وقسرية ومتكررة عن الحدث ، تسبب الحزن والهموالتوتر.
جـ. الشعور كما لو أن الحدث سيعاود الوقوع ، وتذكر الحدث على شكل صور أو خيالات.
د. انزعاج انفعالي شديد لأي تنبيه يقدح زناد ذكريات الحدث الصادم (رؤية مكانيشبه مكان الحدث ، رؤية شخص كان موجوداً ساعة وقوع الحدث ، رؤية جنازة، وأي تنبيهيذكره بالحدث الصادم .

ثانياً. تجنب التنبيهات المرتبطة بالحدث الصادم .
وتعني ظهور استجابات تجنبية لدى الفرد لم تكن موجودة لديه قبل تعرضه للصدمة . وتتبدى أعراض هذا المعيار بواحد أو أكثر من الطرائق الآتية :
أ. تجنب الأماكن أو الأشخاص أو المواقف التي تذكر الفرد بالحدث الصدمي.
ب. طرد الأفكار والانفعالات التي تذكره بالحادث ، وتجنب الحديث عنه مع أفرادآخرين . وقد يضطر إلى تناول العقاقير أو المخدرات أو الكحول ، هرباً من كل شيءيذكره بالحادث .
جـ. انخفاض في ممارسة الفرد للنشاطات أو الهوايات التي كان يزاولها ويستمتع بهاقبل الحادث .
د. فتور عاطفي ملحوظ ، لاسيما ضعف القدرة على الشعور بالحب .
هـ. الابتعاد عن الآخرين والشعور بالعزلة عنهم .

ثالثاً. أعراض فرط الاستثارة :
تعني ظهور حالات من الاستثارة لدى الفرد ، لم تكن موجودة قبل تعرضه للصدمة . وتظهر أعراض هذا المعيار بواحد أو أكثر من الآتي :
أ. صعوبات تتعلق بالنوم ، كأن يستيقظ في الليل ولا يستطيع النوم ثانية .
ب. نوبات غضب أو هيجان ، مصحوبة بسلوك عدواني ، لفظي أو بدني .
جـ. حذر أو تيقظ شديد وصعوبة بالغة في الاسترخاء .
د. صعوبات في التركيز على أداء نشاط يمارسه ، أو متابعة نشاط يجري أمامه .
هـ. ظهور جفلة غير عادية لدى سماع المريض صوت جرس أو هاتف ، وأي صوت آخر مفاجئ ،وحتى عندما يلمسه شخص بشكل مفاجئ .
ومع أن هذه الأعراض هي الرئيسة ، فإن هناك أعراضاً أخرى تظهر على المصابين بهذاالاضطرابمثل : القلق النفسي ، الكآبة ، والشعور بالذنب ، فضلاً عن وجودمشكلات أسرية ، وأفكار انتحارية ، وعنف انفجاري.


التوجهات النظرية في تفسير أسباب اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية:
تتعدد وجهاتالنظر في تفسير اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية PTSD ، نوجز أهمها بالآتي :
1.
التوجه العضوي (البيولوجي)
: (Biological Approach)
يقوم هذا التوجهعلى افتراض أن هنالك عوامل وراثيةGenetic Factorsتؤدي إلى حدوث اضطراب مابعد الضغوط الصدمية. ولقد تم التحقق من هذا الافتراض بإجراء دراسات متعددة علىالتوائم. فقد وجد (Skreet al,1993) اتفاقاً أكبر في اضطراب PTSD بين التوائم المتطابقة Identical Twins بالموازنة مع التوائم الأخوية Fraternal Twinsغير المتطابقةواستنتج (Skre) وزملاؤه بأن "النتائج تدعم فرضية مساهمة الوراثة في تسبيب Causation اضطراب مابعد الضغوط الصدمية .
و توصل (Trueet. al., 1993) إلى الاستنتاج نفسه من دراسة أجريت على عينة أكبرمن التوائم استهدفت التعرف على التأثيرات التي يحدثها التعرض إلى المعارك ، ووجد أننسبة الاتفاق كانت أكبر بين التوائم المتطابقة مقارنة بالتوائم الأخوية . وكانتمعاملات الارتباط لأعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية تتراوح بين + 0.28 إلى + 0.41 في التوائم المتطابقة ، فيما تراوحت هذه المعاملات بين التوائم الأخوية بين + 0.11 إلى + 0.24 .
وكان (Foy et. al., 1987) قد أفاد بدليل ربما كانت له علاقة بالفرضية الوراثية . فمنخلال مراجعات الأفراد الذين تعرضوا إلى المعارك بهدف العلاج ، توصل (Foy) وجماعتهإلى أن ما يقرب من ثلثي الأفراد المصابين باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية بسببتعرضهم إلى المعارك ، ينتمون إلى عوائل فيها أفراد مصابون باضطرابات نفسية . ويستنتج بأن الفرد الذي يعيش في أسرة فيها أفراد يشكون من أمراض نفسية ، تكونقابليته أو شدة تأثره النفسي بالأحداث الصدمية عالية ، فتؤدي به إلى الإصابة باضطرابPTSD .
2.التوجّه العضوي الكيميائي (Biochemical Approach)
ينضوي هذا التوجه تحت المنظور العضوي (البيولوجي) غير أنه يركز على العوامل " الحيوية الكيماوية " فقد افترض عدد من المنظرّين (Krystal et. al., 1989) مثلاً ،أن التعرض لحادث صدمي Traumatic Event يؤدي إلى الحاق الضرر بجهاز أو نظامإفراز الغدة الكظرية ، وتحديداً إلى زيادة في مستويات النورأدرينالين Noradrenalineوالدوبامين Dopamine، وزيادة في مستوى الإثارة الفيزيولوجية ،فينجم عن هذه التغيرات إستجابة مروعّة من الخوف والجفلة تظهر على الفرد بشكل واسع .
وتفيد الدراسات بوجود بعض الأدلة التي تدعم هذه النظرية الحياتية البيولوجية.. فقد وجد كوستن وزملاؤه (Kosten et. al., 1987) أن مستوى النورأدرنالين والأدرنالينكان عالياً لدى المرضى باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية.

وكان كولكوزملاؤه (Kolk et. al., 1985) قد وجدوا زيادة في مستويات الدوبامين والنورنالين لدىالأفراد الذين يعانون هذا الاضطراب.
وأشارت دراسات أخرى إلي زيادة في ضربات القلب وارتفاع في ضغط الدم وزيادة في نشاط الجهاز العصبي اللا إرادي لدى المصابين باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية. وتوصلت دراسات أجريت على الحيوانات عند تعريضها للضغوط إلى أن الموصلات أو الناقلات العصبيةNeurotransmittersوهيمواد كيماوية تقوم بالتوصيل بين الأعصاب ، يضطرب عملها لدى الأفراد المصابين بهذاالاضطراب .
وهنالك فرضية أخرى خلاصتها أن الجهاز المناعي لدى الأفراد الذين تظهر عليهم اضطرابات نفسية بعد الكارثة ، يكون ضعيفاً . وأن ضعف المناعة النفسية Psycho-immunity يجعل الفرد غير قادر على مواجهة كارثة أو حادث صدمي .
ويستنتج (Eysenck , 2000) من استعراضه لعدد من الدراسات بأن المرضى باضطراب مابعد الضغوط الصدمية يختلفون فعلاً عن الأفراد العاديين في القراءات الخاصةبالمقاييس الفيزيولوجية والبايوكيماوية . ومع ذلك فإن هذه التغيرات الحياتية Biological لا ترينا بأنها السبب في اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية. وأن التوجه الحياتي (البيولوجي) يحتاج إلى توسيع أكثر يأخذ بنظرالاعتبار الفروق الفردية في حساسية أو قابلية الإصابة باضطراب ما بعد الضغوطالصدمية.

3-
التوجه النفسي - الدينامي (Psychodynamic Approach) :
ما يثير الحيرة في اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية أن بدايته يمكن أن تحدث بعدأشهر أو سنوات من تعرض الفرد لحادث صدمي . ولأن فرويد كان قد عدَّ صدمة الولادة ومايصاحبها من إحساس الوليد بالاختناق بأنها تجربة القلق الأولى في حياة الإنسان ، وأنمنهج التحليل النفسي ينظر إلى الصراعات اللاشعورية التي تضرب بجذورها في مرحلةالطفولة أنها السبب في الاضطرابات النفسية عموماً ، فإن المنظرّين النفسيينالديناميين اعتمدوا هذه الفكرة في تفسيرهم اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية .
فقد حاول (Horowitz , 1986) تفسير هذا الاضطراب بنظرية نفسية دينامية خلاصتهاأن الحادث الصدمي يمكن أن يجعل الفرد يشعر بأنه مرتبك تماماً ، ويسبب له الفزعوالإنهاك . ولأن ردود الفعل هذه تكون مؤلمة فأن الفرد يلجأ إلى كبت الأفكار الخاصةبالحادث الصدمي أو قمعها عمداً . غير أن حالة الإنكار هذه لا تحل المشكلة ، لأنالفرد لا يكون قادراً على أن يجعل المعلومات الخاصة بالحادث الصدمي تتكامل معمعلوماته الأخرى ، وتشكل جزءاً من الإحساس بذاته .
ويبدو أن الجانب القوي في التوجه النفسي -الدينامي لهوروتز Horowitz أنهاستطاع أن يزودنا بطريقة لفهم بعض الأعراض الرئيسة في هذا الاضطراب . ومعذلك فأن النظرية لم تقدم لنا تفسيراً بخصوص وجود اختلافات فردية حقيقية في قابليةتعرض الأفراد للإصابة باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية في مواجهتهم لأحداث صدمية .

4.
التوجه السلوكي (Behavioural Approach) :
من المعروف عن العلماء السلوكيين أنهم يهملون العوامل الوراثية والسمات الاستعداديةوالخبرات اللاشعورية لدى تحدثهم عن الشخصية والاضطرابات النفسية، ويؤكدون العواملالبيئية وأهمية التعلم بنوعيه (الإشراط الكلاسيكي والإشراط الإجرائي) في تحديدالسلوك بنوعيه ، السوّي وغير السوّي ، اللذين يخضعان لقانون واحد هو التعلم .
وعلى أساس هذا الافتراض أجريت دراسات متعددة ، من بينها دراسة كين وجماعته (Keane et. al., 1985) . ووفقاً للمنهج الإشراطي في اضطراب ما بعد الضغوط الصدميةفإن الإشراط الكلاسيكي في زمن وجود حادث صدمي ، يتسبب في اكتساب الفرداستجابة خوف شرطية لتنبيه طبيعي غير مشروط .
فالمرأة - على سبيل المثال - التي كانت تعرضت إلى اغتصاب في متنزه عام قد تظهرخوفاً كبيراً إذا ذهبت إلى هذا المتنزه مستقبلاً ، وربما يجري تعميم هذا الخوف علىمتنزهات أخرى . وعليه فإن هذا الخوف الناجم عن تنبيه مرتبط بحادث صدمي ، يدفعبالفرد إلى ما اصطلح عليه السلوكيون بالتعلم التجنبي Aviodance Learning ، الذييفضي من ثم إلى خفض القلق .
ويرى الباحثون أن التوجه الإشراطي مُصيب من حيث أنه يتنبأ بأن المستوى العالي منالقلق الناجم عن تنبيه مرتبط بحادث صدمي يقود فعلاً إلى سلوك تجنبي لمثل هذاالتنبيه لدى المرضى بـ (PSTD) ، إلا أنه لا يزودنا بتفصيلات عما يحدث ، فضلاً عنأنه لا يقول لنا لماذا يصاب بعض الأفراد بإضطراب ما بعد الصدمة لدى تعرضهم لحادثصدمي ،فيما لا يصاب به آخرون تعرضوا للحادث نفسه.

5.
التوجه المعرفي (Cognitive Approach) :
يقوم المنظور المعرفي على افتراض أن الاضطرابات النفسية ناجمة عن تفكير غيرعقلاني

بخصوص الذات وأحداث الحياة والعالم بشكل عام .
وعلى أساس هذا الافتراض ، وضع فوا وزملاؤه (Foa et. al., 1989) نظرية معرفية فياضطراب ما بعد الضغوط الصدمية ، خلاصتها أن الأحداثالصدمية تهدد افتراضاتناالعادية

أو السويةNormalبخصوص مفهومنا للأمان وما هو آمن . فالمرأة التيتعرضت إلى اغتصاب على سبيل المثال قد تشعر بعدم الأمان في حضور أي رجل كانتقابله فيما بعد، فينجم عن ذلك
" أن الحدود بين الأمان والخطر تصبح غير واضحة " فيقود هذا إلى تكوينبُنية Structure كبيرة للخوف في الذاكرة بعيدة المدى . وأن الأفراد الذين تتكونلديهم بُنية الخوف هذه سوف يمرون بخبرة نقص القدرة على التنبؤ Predictability وضعفالسيطرة على حياتهم ، وهذان هما السبب في حصول مستويات عالية من القلق .
وعلى نحو مماثل يرى (Miller, 1995) أن الفرد يدرك الحدث الصادم على أنه معلومةجديدة وغريبة عن مخططه الادراكي . فلا يعرف كيف يتعامل معها ، فتشكل له تهديداًينجم عنه اضطراب في السلوك . وهذه الفكرة القائمة على نظرية معالجة المعلومات Information-Process ترجع في الواقع إلى كيلي (Kelly , 1955) الذي طرح تفسيراتمختلفة عن التفسيرات المألوفة في حينه بخصوص القلق والخوف والتهديد .
فقد عرف القلق النفسي بأنه " إدراك الفرد للأحداث التي يواجهها على أنها تقعخارج مدى ملاءمتها لنظامالبنى لديه ". بمعنى أن الإنسانيصبح قلقاً حين لا تكون لديه بنى Structures ، أو حين يفقد سيطرته على الأحداث ،فيما يشعر بالخوف حين تظهر بنية جديدة على وشك أن تدخل نظامه البنائي . أما التهديدفإنه يشعر به عندما يدرك بأن هناك تغييراً شاملاً على وشك الوقوع في نظام البنىلديه.
ومع أن التوجه المعرفي يقدم وصفاً معقولاً لبعض التغييرات المعرفية المصاحبةلاضطراب ما بعد الضغوط الصدمية ، إلا أنه يترك أموراً خارج حساباته. فليس واضحاً فينظرية فوا Foa ، لماذا يكون بعض الأفراد أكثر تأثراً من غيرهم في الإصابة باضطرابما بعد الضغوط الصدمية ، ولم تقل لنا شيئاً بخصوص العوامل الوراثية . فهي أولتاهتمامها بالتركيز على الحادث الصادم ، واغفلت الحديث عن العوامل الأخرى .

6.
العوامل الاجتماعية (Social Factors) :
يرى باحثون أن أحد العوامل التي تساعد في تحديد ما إذا كان فرد ما تعرض إلى حادثصدمي ، سيتطور لديه اضطراب مابعد الضغوط الصدمية ، هو مدى حصول هذا الفرد على إسناداجتماعي. فلقد توصل سولومون وزميلاه (Solomon , Mikulincer & Avitzur , 1988) من دراستهم التي اجروها على الجنود الإسرائيليين الذين اشتركوا في الحرب اللبنانية، أن الأفراد الذين حصلوا على مستويات عالية من الإسناد الاجتماعي ، كانت لديهمأعراض قليلة من اضطراب

ما بعد الضغوط الصدمية .وأن الجنود الذين أظهرواانخفاضاً كبيراً في أعراض هذا الاضطراب كانوا قد حصلوا خلال ثلاث سنوات على أفضلإسناد اجتماعي.ويشير إيزنك إلى أن هناك دراسات أخرىتوصلت إلى النتيجة نفسها (Eysenck , 2000) . .
استنتاجات :
استعرضنا فيما سبق بعض التفاصيل عن تعريف اضطراب الشدة بعد الصدمة وأعراضه ، وأيضاً أهم التوجهات أو النماذج التي اقترحتها المنطلقات النظرية فيتفسيرها لأسباب اضطرابما بعد الضغوط الصدمية . ونجد أنه بالنسبة للتفسيرات أن كل واحد منهايقدم تفسيراً خاصاً به ، ومختلفاً عن الطروحات الأخرى.
والملفت للنظر أن بعض هذه النماذج قدمت تفسيرات متناقضة أو متضادة ( مثلاً التفسير الفرويديمقابل السلوكي مثلاً) . ومع ذلك فإن نتائج الدراسات تدعم هذه التفسيرات بالرغم مابينها من اختلاف أو تناقض ..
وهذا يعني أن اضطراب مابعد الضغوط الصدمية له أسباب متعددة قد تكون خبرات صدميةترجع إلى مرحلة الطفولة ، أو تعلمات غير مناسبة حدثت على وفق قوانين الاشراطالكلاسيكي ، أو عوامل وراثية، أو أفكار غير عقلانية ناجمة عن خطأ في إدراك ومعالجةمعلومة غريبة ، وما إلى ذلك من عوامل . وأنها لا تعمل بشكل منفصل بل بصيغة تفاعلية .
وتبعاً للحالة الواحدة من حيث التكوين الوراثي للفرد وحالته النفسية وقدراته وظروفه الأسرية والاجتماعية . فمن يحمل استعداداً حياتياً (بيولوجيا) للإصابة بهذاالاضطراب أو ذاك (حتى لو كان فصاماً) قد لا تظهر عليه أعراضه ما لم تقدح زناده أحداث حياتية ضاغطة ... وتؤكد النظرية " العضوية – النفسية – الاجتماعية " على أهمية مجموعة عوامل معاً في نشوء معظم الاضطرابات النفسية ، ويتخلف وزن كل عامل وتأثيره في كل حالة على حدة وفي بعض الاضطرابات أيضاً مقارنة مع اضطرابات أخرى .. وربما كان من الأفضل كي نفهم اضطراب الشدة بعد الصدمة الرجوع إلى هذه النظرة الشاملة للإنسان إضافة للتعمق في كل نظرية على حدة مما يمكن له أن يثري الأبحاث المتنوعة ويضيف إلى فهمنا لهذا الاضطراب النفسي وغيره ، كما يفتح المجال أمام البحث في الوقاية وفي تقديم العون والعلاج المناسب .






وردة المسااااء 21 - 4 - 2011 08:43 PM

شكرا لك على موضوعك الرائع

طرح موفق
تقديري واحترامي
بانتظار مواضيعك الهادفة

أصدق احساس 22 - 4 - 2011 01:24 AM

جميل جدا

جزاك الله كل خير على ما تقدم

تقبل مرورى

shreeata 22 - 4 - 2011 01:27 AM

مشكور اخي صائد
على روعة الادراج والتمير دائما بالاختيار الافضل
سعدت بالمرور هنا
تحيات لك


الساعة الآن 12:49 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى