الشاعر علي شنينات، بين بداوة حرز قبلي وأيقونة لإرث أنثى
 

ناصر الريماوي

http://www.adabfan.com/thumbnail.php...article_medium



حتى كحلها يتساقط ولا يملك في ازدحام الرؤى سوى تلاوة العزائم، كيف يبادلها التيبّس باستباحة الحضور وبين جفنيها يرقد سبيُ عرّافة مؤابية رحلت منذ قرون، رمتها مع الفجر بمفردات كحل القمر وتعويذة الرَصَدْ حتى غدت وحدها أنثاه المشتهاة والبعيدة، تطل علينا من نافذة القصيدة ككومة صلصال ذوّبها إندثار المدى، لكنها إمرأة واحدة، ولا تخرج عن تقاليد فوضاها إلا بالقصيدة والقصيدة ترتيلة حرز يجيدها الشاعر البدوي يحركها في اشتياق عبثي حين يلمّ ُ من حولها فوضى الملامح كي نراها ثم يهتف بنا مشرعاً للبراري ازرار ثوب الطلع في جسد الغواية:
(( أنَا الرَّاكِضُ الْبَدَويُّ مَأثُورَ الْغِوَايَةِ
عِنْدَمَا الْتَصَقَتْ عَلَى قَدَمِي الْحَصَاةْ....
وَأنَا الَّذِي فِي لَحْظَةِ الْمِيْلادِ مِتُّ
وَفِي لَحْظَةِ الْمَوْتِ انْتَبَهْتُ إلى الْحَيَاةْ...!))
هي امرأة وحيدة منذورة ندرك سرّها في كومة الصلصال لمفرداته الرخوة، وهو يشرع ببناء قامتها على درج الملامح، ويرتل طقس إنسكابها الأثري بين الأوابد، حيث يستريح الزمان هناك كنهد مستدير هدّهُ ارتياد المجازة، فاستراح على صدر القصيدة،على التلّة الأخرى كان نهدها الآخر تميمة، فهل كان يعلم ؟ وقلنا هذه غفلة الشاعر، اعماه البخور في استحضار طقسها الوثني فكيف نشير اليه ولم نبلغ بعدُ مرابع الوجد ؟
(( يَا حَبِيْبَتِيْ!!
امْنَحِيْنِي الْمَفَاتِيْحَ
لأجِدُكِ خَلْفَ أبْوَابِ الْقَصَائِدِ
تَغْتَسِليْنَ بِالْحِكْمَةِ
وَتُمَشِّطِيْنَ جَدَائِلَ الْفَضِيْلَةْ....
امْنَحِيْنِي الْمَفَاتِيْحَ
قَبْلَ أنْ تَفِبِضَ عَلَيَّ أسَاطِيْرُ الْغِيَابْ))

كدنا نصل، وقلنا في انسكاب الطقس ما أكثر الكلام...! كيف نام الشاعر وخلّى بيننا وبين ذخائر إمرأة مكنونة تطلّ بلا جسد سفلي؟ ردّ من غفوته، لم أتعب...، فقط يلزمني أكثر من قصيدة، وايقاع برّية بكر... ركضت على هذه الفلاة، ورمل صحاري لم يطأ صدرها ساحر، وعرّافة بارعة ترتق المزامير بخيط القافية، حتى استفيق وتستحم فتاتي بالحصى... وترتدي نصفها الآخر في حضوري.
(( افك طلاسم العمر على جبينك،
أجمع شياطين الغواية كلها
حرزا على خلخالك،
ولن يمسك الضر إن ذوبتك أصابعي،
لا تخافي!
سأعيد تشكيلك أنثى كاملة
أنثى تفك طلاسم العمر على جبيني..!))
أو أعيد تشكيلها على طيّة طلسم الجبين غرة، لنذوي معاً، وبعيدا، ليكتمل المستحيل بهذا اللقاء، فأنا وهي لم نكن قبل هذا الفيض سوى جديلة وأرجوحة نصبتها لنا الريح على قمم القوافي، تهزّنا يد الشوق كلما تلاقينا على وسائد الريح لأغشاها وتغشاني، حتى تدير لي ظهرها، فينثال ليل جديد على عتمة البراري، فأفزع، ويهجرني المنام، استجير واستعيذ ولا املك غير هذا النشيد انفثه في حلكة الوجد ثلاثا :
(( وَأَنَا الَّذِي اسْتَوْقَفَنِي الْمَدَى،
وَرَمَى فِي جُعْبَتِي حُلْمَاً مِنَ الثَّلْجِ
يُذَوِّبُهُ ازْدِحَامُ الْمَدَائِنِ بِالرُّخَام
....أَنَا الشَّاعِرُ الْبَدَويُّ الَّذِي لا يَشْتَكِي وَجَعَ الطَّريْقِ
وَلَكِنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ اشْتَكَى وَجَعَ الْحَيَاةْ...!))

ــــــــــــــــــــــــ

• علي شنينات، شاعر من الأردن وله ديوان صدر حديثا بعنوان "هشاشة"، وما بين اقواس مقاطع شعرية لنفس الشاعر.

شكرا لك كرمبو على ما قدمت لنا وللمرة الثانية اقرأ لنفس الكاتب! وان اختلفت المواضيع
تقديري لك

سلمت الايادي مفتش كرمبو
تحياتي الك

سلمت الايادي كرمبو
على روعة الادراج
سلمت لنا
تحيات لك