منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1959)

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:22 AM

الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب
 

الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب



الجزء الأول



القسم الأول في حلى المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن في اسم هذه المدينة ووضعها على إجمالٍ واختصار يقال غرناطة ويقال إغرناطة وكلاهما أعجمى وهي مدينة كورة إلبيرة فبينهما فرسخان وثلثا فرسخ‏.‏

وإلبيرة من أعظم كور الأندلس ومتوسطة ما اشتمل عليه الفتح من البلاد وتسمى في تاريخ الأمم السالفة من الروم سنام الأندلس وتدعى في القديم بقسطيلية‏.‏

وكان لها من الشهرة والعمارة ولأهلها من الثروة والعدة وبها من الفقهاء والعلماء ما هو مشهور‏.‏

قال أبو مروان ابن حيان‏:‏ كان يجتمع بباب المسجد الجامع من إلبيرة خمسون حكمة كلها من فضة لكثرة الأشراف بها‏.‏

ويدل على ذلك آثارها الخالدة وأعلامها الماثلة كطلل مسجدها الجامع الذي تحامى استطالة البلى كسلت عن طمس معالمه أكف الردى إلى بلوغ ما فسح له من المدى‏.‏

بناه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم أمير المؤمنين الخليفة بقرطبة رحمه الله على تأسيس حنش بن عبد الله الصنعاني الشافعي رحمه الله وعلى محرابه لهذا الوقت‏:‏ بسم الله العظيم بنيت لله أمر ببنائها الأمير محمد بن عبد الرحمن أكرمه الله رجاء ثوابه العظيم وتوسيعًا لرعيته فتم بعون الله على يدي عبد الله بن عبد الله عامله على كورة إلبيرة في ذي قعدة سنة خمسين ومائتين‏.‏

ولم تزل الأيام تخيف ساكنها والعفاء يتبوأ مساكنها والفتن الإسلامية تجوس أماكنها حتى شملها الخراب وتقسم قاطنها الاغتراب وكل الذي فوق التراب تراب‏.‏

وانتقل أهلها مدة أيام الفتنة البربرية سنة أربعمائة من الهجرة فما بعدها ولجأوا إلى مدينة غرناطة فصارت حاضرة الصقع وأم المصر وبيضة ذلك الحق لحصانة وضعها وطيب هوائها ودرور مائها ووفور مدتها فأمن فيها الخائف ونظم النشر ورسخت الأقدام وتأثل المصر وهلم جرا‏.‏

فهي بالأندلس قطب بلاد الأندلس ودار الملك وقرى الإمارة أبقاها الله متبوأ الكلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بقدرته‏.‏

من كتاب إلبيرة‏.‏

قال‏:‏ بعد ذكر إلبيرة وقد خلفها بعد ذلك كله مدينة غرناطة من أعظم مدنها وأقدمها عندما انقلبت العمارة إليها من إلبيرة ودارت أفلاك البلاد الأندلسية فهي في وقتنا هذا قاعدة الدنيا وقرارة العليا وحاضرة السلطان وقبة العدل والإحسان‏.‏

لا يعد لها في داخلها ولا خارجها بلد من البلدان ولا يضاهيها في اتساع عمارتها وطيب قرارتها وطنٌ من الأوطان‏.‏

ولا يأتي على حصر أوصاف جمالها وعد أصناف جلالها قلم البيان‏.‏

أدام الله فيها العز للمسلمين والإسلام وحرسها ومن اشتملت عليه من خلفائه وأنصار لوائه بعينه التي لا تنام وركنه الذي لا يرام‏.‏

وهذه المدينة من معمور الإقليم الخامس يبتدىء من الشرق من بلاد يأجوج ومأجوج ثم يمر على شمال خراسان ويمر على سواحل الشأم مما يلي الشمال ويمر على بلاد الأندلس قرطبة وإشبيلية وما والاها إلى البحر المحيط الغربي‏.‏

وقال صاعد بن أحمد في كتاب الطبقات إلى معظم الأندلس في الإقليم الخامس وطائفة منها في الإقليم الرابع كمدينة إشبيلية ومالقة وغرناطة وألمرية ومرسية‏.‏

وذكر العلماء بصناعة الأحكام أن طالعها الذي اختطت به السرطان ونحلوها لأجل ذلك مزايا وحظوظًا من السعادة اقتضاها تسيير أحكام القرانات الانتقالية على عهد تأليف هذا الموضع‏.‏

وطولها سبع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق‏.‏

وهي مساوية في الطول بأمر يسير لقرطبة وميورقة وألمرية وتقرب في العرض من إشبيلية وألمرية وشاطبة وطرطوشة وسردانية وأنطاكية والرقة‏.‏

كل ذلك بأقل من درجة‏.‏

فهي شاميةٌ في أكثر أحوالها قريبة من الاعتدال وبينها وبين قرطبة أعادها الله تعالى تسعون ميلا‏.‏

وهي منها بين شرق وقبلة‏.‏

وبحر الشأم يحول ويجاجز بين الأندلس وبلاد العدوة وبين غربٍ وقبلة على أربعة برد‏.‏

والجبال بين شرق وقبلة والبراجلات بين شرق وجوف والكنبانية بين غرب وقبلة وبين جوف وغرب فهي لمكان جوار الساحل ممارة بالبواكر الساحلية طيبة البحار وركاب لجهاد البحر ولمكان استقبال الجبال المقصودة بالفواكة المتأخرة اللحاق معللةٌ بالمدخرات استدبار الكنبانية واضطبار البراجلات بحرٌ من بحور الحنطة ومعدنٌ للحبوب المفضلة ولمكان شلير جبل الثلج أحد مشاهير جبال الأرض الذي ينزل به الثلج شتاءً وصيفًا وهو على قبلة منها على فرسخين وينساب منه ستةٌ وثلاثون نهرًا من فوهات الماء وتنبجس من سفوحه العيون صح منها الهواء واضطردت في أرجائها وساحاتها المياه وتعددت الجنات بها والبساتين والتفت الأدواح وشمر الرواد على منابت العشب في مظان العقار مستودعات الأدوية والترياقية‏.‏

وبردها لذلك في المنقلب الشتوي شديد وتجمد بسببه الأدهان والمائعات ويتراكم بساحاتها الثلج في بعض السنين فجسوم أهلها لصحة الهواء صلبة وهي دار منعة وكرسي ملك ومقام حصانة‏.‏

وكان ابن غانية يقول للمرابطين في مرض موته وقد عول عليها للامتساك بدعوتهم‏:‏ الأندلس درقةٌ وغرناطة قبضتها فإذا جشمتم يا معشر المرابطين القبضة لم تخرج الدرقة من أيديكم‏.‏

ومن أبدع ما قيل في الاعتذار عن شدة بردها ما هو غريب في معناه قول شيخنا القاضي أبي بكر بن شبرين رحمة الله‏:‏ رعى الله من غرناطة متبوأ يسر كئيبًا أو يجير طريدا تبرم منها صاحبي عندما رأى مسارحها بالبرد عدن جليدا هي الثغر صان الله من أهلت به وما خير ثغرٍ لا يكون برودا وقال الرازي عند ذكر كورة إلبيرة‏:‏ ويتصل بأحواز قبرة كورة إلبيرة وهي بين الشرق والقبلة وأرضها سقى غزيرة الأنهار كثيرة الثمار ملتفة الأشجار أكثرها أدواح الجوز ويحسن فيها قصب السكر ولها معادنٌ جوهريةٌ من ذهب وفضة ورصاص وحديد‏.‏

وكورة إلبيرة أشرف الكور نزلها جند دمشق‏.‏

وقال‏:‏ لها من المدن الشريفة مدينة قسطلية وهي حاضرة إلبيرة وفحصها لا يشبه بشيء من بقاع الأرض طيبًا ولا شرفًا إلا بالغوطة غوطة دمشق‏.‏

وقال بعض المؤرخين‏:‏ ومن كرم أرضنا أنها لا تعدم زريعةً بعد زريعةٍ ورعيًا بعد رعى طول العام وفي عمالتها المعادن الجوهرية من الذهب والفضة والرصاص والحديد والتوتية‏.‏

وبناحية دلاية من عملها عود اليلنجوج لا يفوقه العود الهندي ذكًا وعطر رائحة‏.‏

وقد سيق منه لخيران صاحب المرية أصلٌ كان منبته بين أحجار هناك‏.‏

وبجبل شلير منها سنبل فائق الطيب وبه الجنطيانا يحمل منه إلى جميع الآفاق وهو عقيرٌ رفيع ومكانه من الأدوية الترياقية مكانه‏.‏

وبه المر قشينة على اختلافها واللازورد‏.‏

وبفحصها وما يتصل به القرمز‏.‏

وبها من العقار والأدوية النباتية والمعدنية ما لا يحتمل ذكرها الإيجاز‏.‏

وكفى بالحرير الذي فضلت به فخرًا وقيتةً وغلة شريفة وفائدة عظيمة تمتاره منها البلاد وتجلبه الرفاق وفضيلة لا يشاركها فيها إلا البلاد العراقية‏.‏

وفحصها الأفيح المشبه بالغوطة الدمشقية حديث الركاب وسمر الليالي قد دحاه الله في بسيط سهل تخترقه المذانب وتتخلله الأنهار جداول وتتزاحم فيه القرى والجنات في ذرع أربعين ميلًا أو نحوها تنبو العين فيها عن وجهه ولا تتخطى المحاسن منها إلا مقدار رقعة الهضاب والجبال المتطامية منه بشكل ثلثي دارةٍ قد عرت منه المدينة فيما يلي المركز لجهة القبلة مستندة إلى أطواد سامية وهضاب عالية ومناظر مشرفة‏:‏ فهي قيد البصر ومنتهى الحسن ومعنى الكمال أضفى الله عليها وعلى من بها من عباده المؤمنين جناح ستره ودفع عنهم عدو الدين بقدرته‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:24 AM



فتح هذه المدينة ونزول العرب الشاميين من جند دمشق بها وما كانت عليه أحوالهم وما تعلق بذلك من تاريخ قال المؤلف‏:‏ اختلف المؤرخون في فتحها‏.‏

قال ابن القوطية‏:‏ إن يليان الرومي الذي ندب العرب إلى غزو الأندلس طلبًا لو تره من ملكها لذريق بما هو معلوم قال لطارق بن زياد مفتتحها عندما كسر جيش الروم على وادي لكه‏:‏ قد فضضت جيش القوم ودوخت حاميتهم وصيرت الرعب في قلوبهم فاصمد لبيضتهم وهؤلاء أدلاء من أصحابي ففرق جيوشك في البلدان بينهم واعمد أنت إلى طليطلة بمعظمهم وأشغل القوم عن النظر في أمرهم والاجتماع إلى ولي رأيهم‏.‏

قال‏:‏ ففرق طارق جيوشه من إستجة فبعث مغثيًا الرومي مولى الوليد ابن عبد الملك بن مروان إلى قرطبة وبعث جيشًا آخر إلى مالقة وأرسل جيشًا ثالثًا إلى غرناطة مدينة إلبيرة وسار هو في معظم الناس إلى كورة جيان يريد طليطلة‏.‏

قال فمضى الجيش الذي وجه طارق إلى مالقة ففتحها ولجأ علوجها إلى جبال هناك ممتنعة‏.‏

ثم لحق ذلك الجيش بالجيش المتوجة إلى إلبيرة فحاصروا مدينتها وفتحوها عنوة وألفوا بها يهودًا ضموهم إلى قصبة غرناطة وصار لهم ذلك سنة متبعة متى وجدوا بمدينة فتحوها يهودًا يضمونهم إلى قصبتها ويجعلون معهم طائعةً من المسلمين يسدونها‏.‏

ثم مضى الجيش إلى تدمير‏.‏

وكان دخول طارق بن زياد الأندلس يوم الإثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنين وتسعين‏.‏

وقيل في شعبان‏.‏

وقيل في رمضان بموافقة شهر غشت من شهور العجمية‏.‏

وذكر معاوية بن هشام وغيره أن فتح ما ذكر تأخر إلى دخول موسى ابن نصير في سنة ثلاث وتسعين‏.‏

فتوجه ابنه عبد الأعلى في جيش إلى تدمير فافتتحها ومضى إلى إلبيرة فافتتحها ثم توجه إلى مالقة‏.‏

قال المؤلف رحمة الله‏:‏ ولما استقر ملك الإسلام بجزيرة الأندلس ورمى إلى قصبتها الفتح واشرأب في عرصاتها الدين ونزلت قرطبة وسواها العرب فتبوؤوا الأوطان وعمروا البلدان فالداخلون على يد موسى بن نصير يسمون بالبلديين والداخلون بعدهم مع بلج بن بشر القشيري يسمون بالشاميين وكان دخول بلج بن بشر القشيري بالطالعة البلجية سنة خمس وعشرين ومائة‏.‏

ولما دخل الشاميون مع أميرهم بلج حسبما تقرر في موضعه وهم أسود الشرى عزة وشهامة غص بهم السابقون إلى الأندلس وهم البلديون وطالبوهم بالخروج عن بلدهم الذي فتحوه وزعموا أنه لا يحملهم وإياهم واجتمعوا لغزوهم فكانت الحروب تدور بينهم إلى أن وصل الأندلس أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي عابرًا إليها البحر من ساحل تونس وأظل على قرطبة على حين غفلة وقد ستر خبر نفسه والحرب بينهم فانقاد إليه الجميع بحكم عهد مدينه حنظلة ابن صفوان وإلى إفريقية وقبض على وجوه الشاميين عازمًا عليهم في الإنصراف حسبما هو مشهور ورأى تفريق القبائل في كور الأندلس ليكون أبعد للفتنة ففرقهم وأقطعهم ثلث أموال أهل الذمة الباقين من الروم فخرج القبائل الشاميون عن قرطبة‏.‏

قال أبو مروان‏:‏ أشار على أبي الخطار أرطباس قومس الأندلس وزعيم عجم الذمة ومستخرج خراجهم لأمراء المسلمين - وكان هذا القومس شهير العلم والدهاء - لأول الأمر بتفريق القبائل الشاميين العلمين عن البلد عن دار الإمارة قرطبة إذ كانت لا تحملهم وإنزالهم بالكور على شبه منازلهم التي كانت في كور شامهم ففعل ذلك على اختيار منهم فأنزل جند دمشق كورة إلبيرة وجند الأردن كورة جيان وجند مصر كورة باجة وبعضهم بكورة تدمير‏:‏ فهذه منازل العرب الشاميين وجعل لهم ثلث أموال أهل الذمة من العجم طعمةً وبقي العرب والبلديون والبرابر شركاؤهم فلما رأوا بلدانًا شبه بلدانهم بالشأم نزلوا وسكنوا واغتبطوا وكبروا وتمولوا إلا من كان قد نزل منهم لأول قدومه في الفتوح على عنائهم موضعًا رضيا فإنه لم يرتحل عنه وسكن به مع البلديين‏.‏

فإذا كان العطاء أو حضر الغزو ولحق بجنده فهم الذين كانوا سموا الشادة حينئذ‏.‏

قال أحمد بن موسى‏:‏ وكان الخليفة يعقد لواءين لواءٌ غازيًا ولواءً مقيمًا وكان رزق الغازي بلوائه مائتي دينار‏.‏

ويبقى المقيم بلا رزق ثلاثة أشهر ثم يدال بنظيره من أهله أو غيرهم‏.‏

وكان الغزاة من الشاميين مثل إخوة المعهود له أو بنيه أو بني عمه يرزقون عند انقضاء غزاته عشرة دنانير وكان يعقد المعقود له مع القائد يتكشف عمن غزا ويستحق العطاء فيعطى على قوله تكرمة له وكانت خدمتهم في العسكر واعتراضهم إليه ومن كان من الشاميين غازيًا من غير بيوتات العقد ارتزق خمسة دنانير عند انقضاء الغزو‏.‏

ولم يكن يعطى أحدٌ من البلديين شيئًا غير المعقود له وكان البلديون أيضًا يعقد لهم لواءان لواء غاز ولواء مقيم وكان يرتزق الغازي مائة دينار وازنة وكان يعقد لغيره إلى ستة أشهر ثم يدال بنظيره من غيرهم ولم يكن الديوان والكتبة إلا في الشاميين خاصة وكانوا أحرارًا من العشر معدين للغزو ولا يلزمهم إلا المقاطعة على أموال الروم التي كانت بأيديهم وكان العرب من البلديين يؤدون العشر مع سائر أهل البلد وكان أهل بيوتاتٍ منهم يغزون كما يغزو الشاميون بلا عطاء فيصيرهم إلى ما تقدم ذكره‏.‏

وإنما كان يكتب أهل البلد في الغزو وكان الخليفة يخرج عسكرين إلى ناحيتين فيستنزلهم وكانت طائفةٌ ثالثة يسمون النظرا من الشاميين والبلديين كانوا يغزون كما يغزو أهل البلد من الفريقين وقد بينا نبدة من أحوال هؤلاء العرب‏.‏

والاستقصاء يخرج كتابنا عن غرضه‏.‏
والإحاطة لله سبحانه‏.‏
ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين‏.‏
بهذه الكورة من النصارى المعاهدين على الإيجاز والاختصار قال المؤلف‏:‏ ولما استقر بهذه الكورة الكريمة أهل الإسلام وأنزل الأمير أبو الخطار قبائل العرب الشاميين بهذه الكورة وأقطعهم ثلث أموال المعاهدين استمر سكناهم في غمار من الروم يعالجون فلاحة الأرض وعمران القرى يرأسهم أشياخ من أهل دينهم أولو حنكة ودهاء ومداراة ومعرفة بالجباية اللازمة لرؤوسهم‏.‏
وأحدهم رجل يعرف بابن القلاس له شهرة وصيت وجاه عند الأمراء بها‏.‏
وكانت لهم بخارج الحضرة على غلوتين تجاه باب إلبيرة في اعتراض الطريق إلى قولجر كنيسة شهيرة اتخذها لهم أحد الزعماء من أهل دينهم استر كبه بعض أمرائها في جيش خشن من الروم فأصبحت فريدة في العمارة والحلية أمر بهدمها الأمير يوسف بن تاشفين لتأكد رغبة الفقهاء وتوجه فتواهم‏.‏

قال ابن الصيرفي‏:‏ خرج أهل الحضرة لهدمها يوم الإثنين عقب جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وأربعمائة فصيرت للوقت قاعا وذهبت كل يد بما أخذت من أنقاضها وآلاتهما‏.‏

قلت ومكانها اليوم مشهورٌ وجدارها مائلٌ ينبىء عن إحكام وأصالة وعلى بعضها مقبرةٌ شهيرة لابن سهل بن مالك رحمه الله‏.‏

ولما تحركت لعدو الله الطاغية ابن رذمير ريح الظهور على عهد الدولة المرابطية قبل أن يخضد الله شوكته على إفراغة بما هو مشهور أملت المعاهدة من النصارى لهذه الكورة إدراك الثرة وأطمعت في المملكة فخاطبوا ابن رذمير من هذه الأقطار وتوالت عليه كتبهم وتواترت رسلهم ملحة بالاستدعاء مطمعة في دخول غرناطة‏.‏

فلما أبطأ عنهم وجهوا إليه زمامًا يشتمل على إثني عشر ألفًا من أنجاد مقاتليهم لم يعدوا فيها شيخًا ولا غرًا وأخبروه أن من سموه ممن شهرت أعينهم لقرب مواضعهم وبالبعد من يخفي أمره ويظهر عند ورود شخصه فاستأثروا طمعه وابتعثوا جشعه واستفزوه بأوصاف غرناطة وما لها من الفضائل على سائر البلاد وبفحصها الأفيح وكثرة فوائدها من القمح والشعير والكتان وكثرة المرافق من الحرير والكروم والزيتون وأنواع الفواكه وكثرة العيون والأنهار ومنعة قبتها وانطباع رعيتها وتأتي أهل حاضرتها وجمال إشرافها وإطلالها وأنها المباركة التي يمتلك منها غيرها المسماة سنام الأندلس عند الملوك في تواريخها فرموا حتى أصابوا غربه فانتخب وأحشد وتحرك أول شعبان من عام خمسة عشر وخمسمائة وقد أخفى مذهبه وكتم أربه فوافى بلنسية ثم إلى مرسية ثم إلى بيرة ثم اجتاز بالمنصورة ثم إنحدر إلى برشانة ثم تلوم إلى وادي ناطلة ثم تحرك إلى بسطة ثم إلى وادي آش فنزل بالقرية المعروفة بالقصر وصافح المدينة بالحرب ولم يحل بطائل فأقام عليها شهرًا‏.‏

قال صاحب كتاب الأنوار الجلية فبدأ بحث المعاهدة بغرناطة في استدعائه فافتضح تدبيرهم باجتلابه وهم أميرها بتثقيفهم فأعياهم ذلك وجعلوا يتسللون إلى محلته على كل طريق وقد أحدقت جيوش المسلمين من أهل العدوة والأندلس بغرناطة حتى صارت كالدائرة وهي في وسطها كالنقطة لما أنذروا بغرضه وتحرك من وادي آش فنزل بقرية دجمة وصلى الناس بغرناطة صلاة الخوف يوم عيد النحر من هذه السنة في الأسلحة والأبهة وبعيد الظهر من غده ظهرت أخبية الروم بالقيل شرق المدينة وتوالى الحرب على فرسخين منها وقد أجلى السواد وتزاحم الناس بالمدينة وتوالى الجليد وأظلت الأمطار‏.‏

وأقام العدو بمحلته بضع عشرة ليلة لم تسرح له سارحةٌ إلا أن المعاهدة تجلب له الأقوات ثم أقلع وقد ارتفع طمعه عن المدينة لأربع بقين من ذي الحجة عام عشرين بعد أن تفرغ مستدعيه إليها وكبيره يعرف بابن القلاس فاحتجوا ببطئه وتلومه حتى تلاحقت الجيوش وأنهم قد وقعوا مع المسلمين في الهلكة‏.‏

فرحل عن قرية مرسانة إلى بيش ومن الغد إلى السكة من أحواز قلعة يحصب ثم اتصل إلى لدوبيانه ونسكب إلى قبرة واللسانه والجيوش المسلمة في أذياله‏.‏

وأقام بقبرة أياما ثم تحرك إلى بلاي والعساكر في أذياله وشيجة في بعض الرنيسول مكافحةً في أثنائها مناوشةً وظهورًا عليه‏.‏

ولما جن الليل أمر أميرهم برفع خبائه من وهدةً كان فيها إلى نجدة فساءت الظنون واختل الأمر ففر الناس وأسلموا وتهيب العدو المحلة فلم يدخلها إلا بعد هدأة من الليل واستولى عليها‏.‏

وتحرك بعد الغد منها إلى جهة الساحل فشق العمامة الآمنة من الإقليم والشارات‏.‏

فيقول بعض شيوخ تلك الجهة إنه اجتاز بوادي شلوبانية المطل الحافات والمتحصن المجاز وقال بلغته‏:‏ أي قبرٍ هذا لو ألفينا من يصب علينا التراب ثم عرج يمنةً حتى انتهى إلى بلش وأنشأ بها جفنًا صغيرًا يصيد له حوتًا أكل منه كأنه نذرٌ كان عليه وفى به أو حديثٌ أراد أن يخلد عنه‏.‏

ثم عاد إلى غرناطة فاضطرب بهما محلته بقرية ذكر على ثلاثة فراسخ منها قبلة ثم انتقل بعد ذلك بيومين إلى قرية همدان وبرز بالكتب جاعزسطة من المدينة وكان بينه وبين عساكر المسلمين مواقعة عظيمة ولأهل غرناطة بهذا الموضع حدثان ينظرونه من القضايا المستقبلة‏.‏

قال ابن الصيرفي‏:‏ وقد ذكر في بعض كتب الجفر‏:‏ هذا الفحص بخرابٍ يجى عن يتامى وأيامي وكان هذا اليوم معرضًا لذلك فوقي الله وانتقل بعد يومين إلى المرج مضيقًا عليه والخيل تحرجه فنزل بعين أطسة والجيوش محدقةٌ به وهو في نهاية من كمال التعبية وأخذ الحذر بحيث لا تصاب فيه فرصة ثم تحرك على البراجلات إلى اللقوق إلى وادي آش وقد أصيب كثيرٌ من حاميته وطوى المراحل إلى الشرق فاجتاز إلى مرسية إلى جوف شاطبة والعساكر في كل ذلك تطأ أذياله والتناوش يتخطر به والوباء يسرع إليه حتى لحق بلاده وهو ينظر إلى قفاه مخترمًا مفلولًا من غير حرب يكاد الموت يستأصل محلته وجملته‏.‏

ولما بان للمسلمين من مكيدة جيرانهم المعاهدين ما أجلت عنه هذه القضية أخذهم الإرجاف ووغرت لهم الصدور‏.‏

ووجه إلى مكانهم الحزم ووجه القاضي أبو الوليد بن رشد الأجر وتجشم المجاز ولحق بالأمير على بن يوسف بن تاشفين بمراكش فبين له أمر الأندلس وما منيت به من معاهدها وما جنوه عليها من استدعاء الروم وما في ذلك من نقض العهد والخروج عن الذمة وأفتى بتغريبهم وإجلائهم عن أوطانهم وهو أخف ما يؤخذ به من عقابهم وأخذ بقوله ونفذ بذلك عهده وأزعج منهم إلى بر العدوة في رمضان من العام المذكور عددٌ جمٌّ أنكرتهم الأهواء وأكلتهم الطرق وتفرقوا شذر مذر وأصاب كثير من الجلاء جمعتهم من اليهود وتقاعدت بها منهم طائفة هبت لها بممالأة بعض الدول ريحٌ فأمروا وأكثروا إلى عام تسعة وخمسين وخمسمائة ووقعت فيهم وقيعةٌ احتشتهم إلا صابةٌ لهذا العهد قليلة قديمة ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم‏.‏

‏.‏

التي نزلها العرب بخارج غرناطة وما يتصل بها من العمالة فيما اشتمل عليه خارج المدينة‏.‏

‏.‏

من القرى والجنات والجهات قال المؤلف رحمه الله‏:‏ ويحف بسور هذه المدينة المعصومة بدفاع الله تعالى البساتين العريضة المستخلصة والأدواح الملتفة فيصير سورها من خلف ذلك كأنه من دون سياج كثيفة تلوح نجوم الشرفات أثناء خضرايه ولذلك ما قلت فيه في بعض الأغراض‏:‏ بلد يحف به الرياض كأنه وجهٌ جميل والرياض عذاره وكأنما واديه معصم غادةٍ ومن الجسور المحكمات سواره فليس تعرى عن جنباته من الكروم والجنات جهة إلا مالا عبرة به مقدار غلوة أما ما حازه السفل من جوفيه فهي عظيمة الخطر متناهية القيم يضيق جده من عدا أهل الملك عن الوفاء بأثمانها منها ما يغل في السنة الواحدة نحو الألف من الذهب قد غصت الدكاكين بالخضر الناعمة والفواكة الطيبة والثمر المدخرة يختص منها بمستخلص السلطان المرور طوقًا على ترائب بلده ما بينهن منية منها الجنة المعروفة بفدان الميسة والجنة المعروفة بفادان عصام والجنة المعروفة بالمعروي والجنة المنسوبة إلى قداح بن سحنون والجنة المنسوبة لابن المؤذن والجنة المنسوبة لابن كامل وجنة النخلة العليا وجنة النخلة السفلى وجنة ابن عمران والجنة التي إلى نافع والجرف الذي ينسب إلى مقبل وجنة العرض وجنة الحفرة وجنة الجرف ومدرج نجد ومدرج السبيكة وجنة العريف‏:‏ كلها لا نظير لها في الحسن والدمانة والربيع وطيب التربة وغرقد السقيا والتفاف الأشجار واستجادة الأجناس إلى ما يجاورها ويتخللها مما يختص بالأحباس الموقفة والجنات المتملكة وما يتصل بها بوادي سنجيل ما يقيد الطرف ويعجز الوصف قد متلت منها على الأنهار المتدافعة العباب المنارة والقباب واختصت من أشجار العاريات ذات العصير الثاني بهذا الصقع ما قصرت عنه الأقطار‏.‏

وهذا الوادي من محاسن هذه الحضرة ماؤه رقراق من ذوب الثلج ومجاجة الجليد وممره على حصىً جوهرية بالنبات والظلال محفوفة يأتي من قبلة علام البلد إلى غربه فيمر بين القصور النجدية ذوات المناصب الرفيعة والأعلام الماثلة‏.‏

ولأهل الحضرة بهذه الجنات كلفٌ ولذوي البطالة فوق نهره أريك من دمث الرمل وحجال من ملتف الدوح وكان بها سطر من شجر الحور تنسب إلى مامل أحد خدام الدولة الباديسية قال أبو الحجاج يوسف بن سعيد بن حسان‏:‏ أحن إلى غرناطة كلما هفت نسيم الصبا تهدي الجوى وتشوق سقى الله من غرناطة كل منهل بمنهل سحبٍ ماؤهن هريق ديارٌ يدور الحسن بين خيامها وأرضٌ لها قلب الشجى مشوق أغرناطة العليا بالله خبري أللهائم الباكي إليك طريق وما شاقني إلى نضارة منظر وبهجة وادٍ للعيون تروق تأمل إذا أملت حوز مؤملٍ ومد من الحمرا عليك شقيق وأعلام نجدٍ والسبيكة قد علت وللشفق الأعلى تلوح بروق وقد سلّ شنيلٌ فرندًا مهندا نضى فوق در ذر فيه عقيق إذا نم منه طيب نشر أراكه أراك فتيت المسك وهو فتيق ومهما بكى جفن الغمام تبسمت ثغور أقاحٍ للرياض أنيق ولقد ولعت الشعراء بوصف هذا الوادي وتغالت الغالات فيه في تفضيله على النيل بزيادة الشين وهو ألفٌ من العدد فكأنه نيلٌ بألفٍ ضعفٍ على عادة متناهي الخيال الشعري في مثل ولقد ألغزت فيه لشيخنا أبي الحسن بن الجياب رحمه الله وقد نظم في المعنى المذكور ما عظم له استطرابه وهو‏:‏ ما اسمٌ إذا زدته ألفًا من العدد أفاد معناه لم ينقص ولم يزد وإنما ائتلفا من بعد ما اختلفا معنى بشينٍ ومن نزرٍ ومن بلدٍ ثم يتصل بالحسن العادي البديع وهو على قسمين خمسٌ من محكم الكدان في نهاية الإبداع والإحكام يتصل به بناءٌ قديم محكم ويستقبل الملعب العيدي ما بين ذنابي الجسر إلى جدار الرابطة وملعب بديع الشكل عن يمينه جناحٌ بديع عن ميدانه عدوات النهر وعن يساره الجنات ويفضي بعد انتهائه إلى الرابطة إلى باب القصر المنسوب إلى السيد وسيأتي ذكره ويرتفع من هذا النهر الزلال جداول تدور بها أعداد من الأرحى لا نظير لها استعدادًا وإفادة‏.‏

وصف مدينة غرناطة بعض ما قيل في رياضها من الشعر وتركب ما ارتفع من هذه المدينة من جهاتها الثلاث الكروم البديعة طوقًا مرقومًا يتصل بما وراءها من الجبال فتعم الربى والوهاد وتشمل الغور والنجد إلا ما اختص منها بالسبل الأفيح متصلا بشرقي باب إلبيرة إلى الخندق العميق وهو المسمى بالمشايخ بسيط جليل وجوٌ عريض تغمي على العد أمراجه ومصانيعه تلوح مبانيها ناجمةً بين الثمار والزيتون وسائر ذوات الفواكه من اللوز والإجاص والكمثري محدقة من الكروم المسحة والرياحين الملتفة ببحور طامية تأتي البقعة الماء ففيها كثير من البساتين والرياض والحصون والأملاك المتصلة السكنى على الفصول وإلى هذه الجهة يشير الفقيه القاضي أبو القاسم بن أبي العافية رحمه الله في قصيدة يجيب بها عروس الشعراء الأديب الرحال أبا إسحاق الساحلي وكان ممن نيطت عليه بهذا العهد التمائم‏:‏ يا نازحًا لعب المطي بكوره لعب الرياح الهوج بالأملود ورمت به للطية القصوى التي ما وردها لسواه بالمورود هلا حننت إلى معاهدنا التي كنت الحلي لنحرها والجيد ورياض أنس بالمشايخ طارحت فيه الحمائم صوت سجع العود ومبيتنا فيها وصفو مدامنا صفو المودة لابنة العنقود والعيش أخضر والهوى يدني جني زهرات ثغرٍ أو ثمار نهود والقضب رافلةٌ يعانق بعضها بعضًا إذا اعتنقت غصون قدود تلك الليالي لا ليالي بعدها عطلن إلا من جوى وسهود كانت قصارًا ثم طلن فيها تأنى على المقصور والممدود وأما ما استند إلى الجبل فيتصل به البيازير في سفح الجبل المتصل بالكدية ابن سعد متصلا بالكدية المبصلة المنسوبة لعين الدمع منعطفةً على عين القبلة متصلةً بجبل الفخار ناهلةً في غمر الماء المجلوب على ذلك السمت الماء والإِشراف على الأرجاء ففيها القصور المحروسة والمنارة المعمورة والدور العالية والمباني القصبية والرياحين النضيرة قد فض فيها أهل البطالة من أولى الحبرة الأكياس وأرخصوا على النفقة عليها غالي النشب تتنازع في ذلك غير الخادمين من خدام الدولة على مر الأيام حتى أصبحت نادرة الأرض والمثل في الحسن‏.‏

ولهذه البقعة ذكرٌ يجري في المنظومات على ألسنة البلغاء من ساكنيها وزوارها فمن أحسن ما مر من ذلك قول شيخنا أبي البركات‏:‏ ألا قل لعين الدمع يهمي بمقتلي لفرقة عين الدمع وقفًا على الدم وذكرته في قصيدة فقلت‏:‏ يا عهد عين الدمع كم من لؤلؤ للدمع جاد به عساك تعود تسري نواسمك اللدان بليلة فيهزني شوقٌ إليك شديد إذا كان عين الدمع عينًا حقيقة فإنسانها ما نحن فيه ولادع فدام لخيل الأنس واللهو ملعبًا ولا زال مثواه المنعم مرتع تود الثريا أن تكون له ثرًى وتمدحه الشعرى وتحرسه المع وقال صاحبنا الفقية أبو القاسم بن قطبة من قصيدة‏:‏ أجل إن عين الدمع قيد النواظر فسرح عيونًا في اجتلاء النواظر وعرج على الأوزان إن كنت ذ ا هوًى فإن رباه مرتعٌ للجآذر وصافح بها كف البهار مسلمًا وقبل عذار الأنس بين الأزاهر وخذها على تلك الأباطح والربى معتقةً تجلو الصدا للخواطر مدامة حان أنسا الدهر عمرها فلم تخش أحداث الدهور الدوائر تحدث عن كسرى وساسان قبله وتخبر عن كرم يخلد داثر وهي طويلة‏.‏

وقال أيضًا من قصيدة طويلة‏:‏ وليلًا بعين الدمع وصلًا قطعته وأنجمه بين النجوم سعود ترى الحسن منشور اللواء بسره وظل الأماني في رباه مديد وقد عرفت نص الهوى وذميله تهايم من أكبادنا ونجود وقال في قصيدة‏:‏ ومل بنا نحو عين الدمع نشربها حيث السرور بكاس الأنس يسقينى حيث المنى وفنون اللهو راتعةٌ والطير من طربٍ فهيا تناجينى وجدول الماء يحكي في أجنته صوارمًا جردت في يوم صفين وأعين الزهر في الأغصان جاحظةٌ كأنها بهوى الغزلان تغرينى ومن ذلك‏:‏ سهرت بعين الدمع أرعى ربوعه وحسبي من الأحباب رعي المنازل ينافحني عرفٌ إذا هبت الصبا ويقنعني طيف الحبيب المراسل والأقاويل في ذلك أكثر من أن يحاط بها كثرة وما سوى هذه الجهة فغير لاحق بهذه الرتبة مما معوله على محض الفائدة وصريح العائدة‏.‏

وتذهب هذه الغروس المغروسة قبلةً ثم يفيض تيارها إلى غرب المدينة وقد تركت بها الجبال الشاهقة والسفوح العريضة والبطون الممتدة والأغوار الخائفة مكللة بالأعناب غاصة بالأدواح متزاحمة بالبيوت والأبراج بلغ إلى هذا العهد عددها في ديوان الخرص إلى ما يناهز أربعة عشر ألفًا نقلت ذلك من خط من يشار إليه في قرى مدينة غرناطة وضياعها وجناتها وأعيان دورها ويحيط بما خلف السور من المنى والجنات في سهل المدينة العقار الثمين العظيم الفائدة المتعاقبة الغلة الذي لا يعرف الجمام ولا يفارق الزرع من الأرض البيضاء ينتهي ثمن المرجع منها العلي إلى خمسة وعشرين دينارًا من الذهب العين لهذا العهد فيه مستخلص السلطان ما يضيق عنه نطاق القيمة ذرعًا وغبطة وانتظامًا يرجع إلى دور ناجمة وبروج سامية وبيادر فسيحة ومصابٍ للحمايم والدواجن ماثلة منها في طوق البلد وحمى سورها جملةٌ كالدار المنسوبة إلى هذيل والدار المنسوبة إلى أم مرضى والدار البيضاء والدار المنسوبة إلى السنينات والدار المعروفة بنبلة ووتر وبالمرج ما يساير جرية النهر كقرية وكروبها حصن خريز وبستان وبشر عيون والدار المنسوبة إلى خلف وعين الأبراج والحش المنسوب إلى الصحاب وقرية رومة وبها حصنٌ وبستان والدار المنسوبة إلى العطشى وبها حصن والدار المنسوبة لابن جزي والحش المنسوب لأبي علي وقرية ناجرة ومنها فضل بن مسلمة الحسنى وبها حصن وحوله ربض فيه من الناس أمة وقرية سنيانة وفيها حصن وقرية أشكر وقريتي بيبش وواط وبهما حصنان وقرية واط عبد الملك بن حبيب‏.‏

وفي هذه القرى الجمل الضخمة من الرجال والفحول من الحيوان الحارث لآثار الأرض وعلاج الفلاحة وفي كثير منها الأرحى والمساجد‏.‏

وما سوى هذه من القرى المستخلص من فضلة الإقطاع وقصرت به الشهرة عن هذا النمط فكثيرٌ‏.‏

ويتخلل هذا المتاع الغبيط الذي هو لباب الفلاحة وغير هذه المدرة الطيبة سائر القرى التي بأيدي الرعية مجاورة لهذه الحدود وبنات لهذه الأمهات‏.‏

منها ما انبسط وتمدد فاشترك فيه الألوف من الخلق وتعددت منه الأشكال ونحن نوقع الإسم منه على البقعة من غير ملاحظة للتعدد‏.‏

ومنها ما انفرد بمالك واثنين فصاعدًا وهو قليل وتنيف أسماؤها على ثلاث مائة قرية ما عدا ما يجاور الحضرة من كثير من قرى الإقليم أو ما استضافته حدود الحصون المجاورة‏.‏

فمن ذلك حوز الساعدين وفيه القرى وحوز وتر ومنها إبراهيم بن زيد المحاربي وقرية قلجار وقرية ياجر الشاميين وقرية ياجر البلديين وقرية قشتالة ومنها قاسم بن أمام من أصحاب سحنون ونزل فيها جده عطية بن خالد المحاربي وقرية أججر وقرية أرملة الكبرى وقرية أرملة الصغرى وقرية رقاق وهمدان منها الغريب بن يزيد الشمر جد بني أضحى وقرية الغيضون وقرية لسانة وحارة الجامع وحارة الفراق وقرية غرليانة وحش البكر وغدير الصغرى وغدير الكبرى من إقليم البلاط منها يربوع بن عبد الجليل ونزل بها جده يربوع بن عبد الملك بن حبيب وقرية قولر وقرية جرليانة وقرية حارة عمروس وحش الطلم وقرية المطار وقرية الصرمورتة وقرية بلسانة وقرية الحبشان وقرية الشوش وقرية عرتقة وقرية جيجانة وقرية السيجة وقنب قيس وقرية برذنار وقرية دوير تارش وقرية آقلة وقرية أحجر وقرية تجرجر وقرية والة وقرية أنقر وقرية الغروم وقرية دار وهدان وقرية بيرة وقرية القصيبة وقرية أنطس وقرية فنتيلان وقرية سنبودة وحش زنجيل وقرية أشتر وقرية غسان منها مطر بن عيسى بن الليث وقرية شوذر وقرية سنتشر وقرية ابن ناطح وقرية الملاحة ومنها محمد بن عبد الواحد الغافقي أبو القاسم الملاحي وقرية القمور منها أصبغ بن مطرف وقرية نفجر وغرناطة وقرية بيرة وبها مسجد قراءة ابن حبيب وقرية قولجر منها سهل بن مالك وقرية شور منها محمد بن هانىء الأزدي الشاعر المفلق ومحمد بن سهل جد هذا البيت بني سهل بن مالك وقرية بليانة وقرية برقلش وقرية ضوجر وقرية البلوط وقرية أنتيانة وقرية مرسانة وقرية الدوير وقرية ضوجر وقرية البلوط وقرية الشلان وقرية أنتيانة وقرية مرسانة وقرية الدوير وقرية الشلان وقرية طغنر منها الطغنري صاحب الفلاحة وقرية حش الدجاج وقرية حش نوح وقرية حش خليفة وحش الكوباني وحش المعيشة وحش السلسلة وقرية الطرف وقرية إلبيرة وقرية الشكروجة ومنها عيسى بن محمد بن أبي زمنين وعين الحورة وحش البومل وقرية بلومال وقرية رق المخيض وقرية الغيضون الحورة وقرية أشقطمر وقرية الديموس الكبرى وقرية الديموس الصغرى وقرية دار الغازي وقرية سويدة وحش نصيرة وقرية الركن وقرية ألفنت ومنها صخر بن أبان وقرية الكدية وقرية لاقش وقرية قربسانة وقرية برسانة برياط وقرية الولجة وقرية ماس وحش علي وحش بني الرسيلية وحش رقيب وحش البلوطة وحش الرواس وحش مرزوق وقرية قبالة وقرية نبالة وقرية العيران وبرج هلال وقرية قلتيش وقرية القنار وقرية أربل وقرية بربل وقرية قرباسة وقرية أشكن وقرية قلنبيرة وقرية سعدى وقرية قلقاجج وقرية فتن وقرية مرنيط وقرية ددشطر وقرية شمانس وقرية أرنالش وقرية وابشر وقرية ققلولش وقرية النبيل وقرية الفخار وقرية القصر ومنها محمد بن أحمد بن مرعياز الهلالي وقرية بشر وقرية بنوط وقرية كورة وقرية لص وقرية بيش وقرية قنتر وقرية دور وقرية قلنقر وقرية غلجر ومنها هاشم بن عبد العظيم بن يزيد الخولاني وقرية ذرذر وقرية ولجر وقرية قنالش وقرية إبتايلس وقرية سج وقرية منشتال وقرية الوطا وقرية واني وقرية قريش وقرية الزاوية‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:26 AM



وقد ذكرنا أن أكثر هذه القرى أمصار فيها ما يناهز خمسين خطبة تنصب فيها لله المناير وجملة المراجع العلمية المرتفعة فيها في الأزمنة في العام بتقريب ومعظمها السقي الغبيط السمين العالي ما يتاألف ثنتان وستون ألفا وينضاف إلى ذلك مراجع الأملاك السلطانية ومواضع أحباس المساجد وسبل الخير ما ينيف على ما ذكر فيكون الجميع باحتياط خمسمائة ألف وستون ألفا والمستفاد فيها من الطعام المختلف الحبوب للجانب السلطاني ثلاثمائة ألف قدح ويزيد ويشتمل سورها وما وراءه من الأرحاء الطاحنة بالماء على ما ينيف على مائة وثلاثين رحى الحفها الله جناح الأمنة ولا قطع عنها مادة الرحمة بفضله وكرمه‏.‏

صفات أهل غرناطة ومظاهرهم وأنسابهم وأزيائهم وطرق معيشتهم وصنوف نقدهم ووصف نسائهم وقد فرغنا من ذكر رسوم هذا القطر ومعاهده وفرغنا من تصويره وتشكيله وذكر قراه وأجناته وقصوره ومتنزهاته فنحن الآن نذكر بعضا من سير أهله وأخلاقهم وغير ذلك من أحوالهم بإجمال واختصار فنقول‏:‏ أحوال هذا القطر في الدين وصلاح العقائد أحوال سنية والنحل فيهم معروفة فمذاهبهم على مذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة جارية وطاعتهم للأمراء محكمة وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائية جميلة وصورهم حسنة وأنوفهم معتدلة غير حادة وشعورهم سودٌ مرسلة وقدودهم متوسطة معتدلة إلى القصر وألوانهم زهر مشربة بحمرة وألسنتهم فصيحة عربية يتخللها غربٌ كثير وتغلب عليهم الإمالة وأخلاقهم أبية في معاني المنازعات وأنسابهم عربية وفيهم من البربر والمهاجرة كثير ولباسهم الغالب على طرقاتهم الفاشي بينهم الملف المصبوغ شتاء وتتفاضل أجناس البز بتفاضل الجدة والمقدار والكتان والحرير والقطن والمرعزي والأردية الإفريقية والمقاطع التونسية والمآزر المشفوعة صيفًا فتبصرهم في المساجد أيام وأنسابهم حسبما يظهر من الإسترعات والبيعات السلطانية والإجازات عربيةٌ‏:‏ يكثر فيها القرشي والفهري والأموي والأمي والأنصاري والأوسي والخزرجي والقحطاني والحميري والمخزومي والتنوخي والغساني والأزدي والقيسي والمعافري والكناني والتميمي والهذلي والبكري والكلابي والنمري واليعمري والمازني والثقفي والسلمي والفزاري والباهلي والعبسي والعنسي والعذري والحججي والضبي والسكوني والتيمي والعبشمي والمري والعقيلي والفهمي والصريحي والجزلي والقشيري والكلبي والقضاعي والأصبحي والهواري والرعيني واليحصبي والتجيبي والصدفي والحضرمي والحمي والجذامي والسلولي والحكمي والهمذاني والمذحجي والخشني والبلوي والجهني والمزني والطائي والغافقي والأسدي والأشجعي والعاملي والخولاني والأيادي والليثي والخثعمي والسكسكي والزبيدي والتغلبي والثعلبي والكلاعي والدوسي والحواري والسلماني هذا ويرد كثير في شهادتهم ويقل من ذلك السلماني نسبًا وكالدوسي والحواري والزبيدي ويكثر فيهم كالأنصاري والحميدي والجذامي والقيسي والغساني وكفى بهذا شاهدا على الأصالة ودليلا على العروبية‏.‏

وجندهم صنفان أندلسي وبربري والأندلس منها يقودهم رئيسٌ من القرابة أو حصى من شيوخ الممالك‏.‏

وزيهم في القديم شبه زي أقتالهم وأضدادهم من جيرانهم الفرنج إسباغ الدروع وتعليق الترسة وحفا البيضات واتخاذ عراض الأسنة وبشاعة قرابيس السروج واستركاب حملة الرايات خلفه كلٌ منهم بصفةٍ تختص بسلاحه وشهرةٍ يعرف بها‏.‏

ثم عدلوا الآن عن هذا الذي ذكرنا إلى الجواشن المختصرة والبيضات المرهفات والسروج العربية والبيت اللمطية والأسل العطفية‏.‏

والبربري منه يرجع إلى قبائله المرينية والزناتية والتجانية والمغراوية والعجيسية والعرب المغربية إلى أقطاب ورؤوس يرجع أمرهم إلى رئيس على رؤسائهم وقطب لعرفائهم من كبار القبائل المرينية يمت إلى ملك المغرب بنسب‏.‏

والعمائم تقل في زي أهل هذه الحضرة إلا ما شاد في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم والجند العربي منهم‏.‏

وسلاح جمهورهم العصي الطويلة المثناة بعصى صغارٍ ذوات عري في أواسطها تدفع بالأنامل عند قذفها تسمى بالأمداس وقسى الإفرنجة يحملون على التدريب بها على الأيام ومبانيهم متوسطة وأعيادهم حسنة مائلة إلى الاقتصاد والغنى بمدينتهم فاشٍ حتى في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيرًا من الأحداث كالخفافين ومثلهم‏.‏

وقوتهم الغالب البر الطيب عامة العام وربما اقتات في فصل الشتاء الضعفة والبوادي والفعلة في الفلاحة الذرة العربية أمثل أصناف القطاني الطيبة‏.‏

وفواكههم اليابسة عامة العام متعددةٌ يدخرون العنب سليما من الفساد إلى شطر العام إلى غير ذلك من التين والزبيب والتفاح والرمان والقسطل والبلوط والجوز واللوز إلى غير ذلك مما لا ينفد ولا ينقطع مدده إلا في الفصل الذي يزهد في استعماله‏.‏

وصرفهم فضة خالصةٌ وذهبٌ إبريزٌ طيب محفوظ ودرهمٌ مربع الشكل من وزن المهدي القائم بدولة الموحدين في الأوقية منه سبعون درهما يختلف الكتب فيه‏.‏

فعلى عهدنا في شق ‏"‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله ‏"‏ وفي شق آخر ‏"‏ لا غالب إلا الله غرناطة ‏"‏‏.‏

ونصفه وهو القيراط في شق ‏"‏ الحمد لله رب العالمين ‏"‏ وفي شق وما النصر إلا من عند الله‏.‏

ونصفه وهو الربع في شق ‏"‏ هدى الله هو الهدى ‏"‏‏.‏

وفي شق العاقبة للتقوى‏.‏

ودينارهم في الأوقية منه ستة دنانير وثلثا دينار وفي الدينار الواحد ثمن أوقية وخمس ثمن أوقية وفي شق منه قل اللهم مالك الملك بيدك الخير ويستدير به قوله تعالى ‏"‏ إلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏

وفي شق الأمير عبد الله يوسف بن أمير المسلمين أبي الحجاج بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن نصر أيد الله أمره‏.‏

ويستدير به شعار هؤلاء الأمراء لا غالب إلا الله‏.‏

ولتاريخ تمام هذا الكتاب في وجه ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ‏"‏‏.‏

ويستدير به لا غالب إلا الله‏.‏

وفي وجه الأمير عبد الله الغني بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر أيده الله وأعانه‏.‏

ويستدير بربع بمدينة غرناطة حرسها الله‏.‏

وعادة أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلل العصير أوان إدراكه بما تشتمل عليه دورهم والبروز إلى الفحوص بأولادهم معولين في ذلك على شهامتهم وأسلحتهم وعلى كثب دورهم واتصال أمصارهم بحدود أرضه‏.‏

وحليهم في القلائد والدمالج والشنوف والخلاخل الذهب الخالص إلى هذا العهد في أولى الجدة واللجين في كثير من آلات الرجلين فيمن عداهم والأحجار النفيسة من الياقوت والزبرجد والزمرد ونفيس الجوهر كثير ممن ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظل دولة أو أصالةٍ معروفة موفرة‏.‏

وحريمهم حريم جميل موصوف بالسحر وتنعم الجسوم واسترسال الشعور ونقاء الثغور وطيب النشر وخفة الحركات ونبل الكلام وحسن المحاورة إلا أن الطول يندر فيهن‏.‏

وقد بلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد والمظاهرة بين المصبغات والتنفيس بالذهبيات والديباجيات والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر ويكفكف الخطب ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة وأن يعامل جميع من بها بستره ولا فصل فيمن تداول هذه المدينة من لدن أصبحت دار إمارة باختصار واقتصار قال المؤلف‏:‏ أول من سكن هذه المدينة سكنى استبداد وصيرها دار ملكة ومقر أمره الحاجب المنصور أبو مثنى زاوي بن زيري بن مناد لما تغلب جيش البربر مع أميرهم سليمان بن الحكم على قرطبة واستولى على كثير من كور الأندلس عام ثلاثة وأربعمائة فما بعدها وظهر على طوائف الأندلس واشتهر أمره وبعد صيته‏.‏

ثم اجتاز البحر إلى بلد قومه بإفريقية بعد أن ملك غرناطة سبع سنين واستخلف ابن أخيه حبوس بن ماكسن وكان حازمًا داهية فتوسع النظر إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة‏.‏

وولي بعده حفيده عبد الله بن بلكين بن باديس إلى أن خلع عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة وتصير أمرها إلى أبي يعقوب يوسف بن تاشفين ملك لمتونة عند تملكه الأندلس ثم إلى ولد علي بن يوسف‏.‏

وتنوب إمارتها جملةٌ من أبناء الأمراء اللمتونيين وقرابتهم كالأمير أبي الحسن علي بن الحاج وأخيه موسى والأمير أبي زكريا يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم والأمير أبي الطاهر تميم والأمير أبي محمد مزدلي والأمير أبي بكر بن أبي محمد وأبي طلحة الزبير ابن عمر وعثمان بن بدر اللمتوني إلى أن انقرض أمرهم عام وتصير الأمر للموحدين وإلى ملكهم أبي محمد عبد المؤمن بن علي فتناوبها جملةٌ من بنيه وقرابته كالسيد أبي عثمان بن الخليفة والسيد أبي إسحاق ابن الخليفة والسيد أبي إبراهيم بن الخليفة والسيد أبي محمد بن الخليفة والسيد أبي عبد الله إلى أن انقرض منها أمر الموحدين‏.‏

وتملكها المتوكل على الله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد يوسف بن هود في عام ستة وعشرين وستمائة ثم لم ينشب أن تملكها أمير المسلمين الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر الخزرجي جد هؤلاء الأمراء الكرام موالينا رحم الله من درج منهم وأعان من خلفه إلى أن توفي عام أحدٍ وسبعين وستمائة‏.‏

ثم ولي الأمر بعده ولده وسميه محمد بن محمد فقام بها أحمد قيام وتوفي عام إحدى وسبعمائة‏.‏

ثم ولي بعده سميه محمد إلى أن خلع يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة وتوفي عام أحد عشر وسبعمائة في ثالث شوال منه‏.‏

ثم ولي بعده أخوه نصر بن مولانا أمير المسلمين أبي عبد الله فأرتب أمره وطلب الملك اللاحق به مولانا أمير المسلمين أبو الوليد إسماعيل بن فرج فغلب على الإمارة ثاني عشر ذي القعدة من عام ثلاثة عشر وسبعمائة وانتقل نصر إلى وادي آش مخلوعًا موادعًا بها إلى أن مات عام اثنين وعشرين وسبعمائة‏.‏

وتمادى ملك السلطان أمير المسلمين أبي الوليد إلى السادس والعشرين من رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة ووثب عليه بعض قرابته فقتله وعوجل بالقتل مع من حضر منهم‏.‏

وتولى الملك بعده ولده محمد واستمر سلطانه إلى ذي الحجة من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة وقتل بظاهر جبل الفتح‏.‏

وولى بعده أخوه مولانا السلطان أبو الحجاج لباب هذا البيت وواسطة هذا العقد وطراز هذه الحلية ثم اغتاله ممرور من أخابيث السوقة قيضه الله إلى شهادته وجعله سببًا لسعادته فأكب عليه في الركعة الآخرة من ركعتي عيد الفطر بين يدي المحراب خاشعًا ضارعًا في الحال الذي أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ وضربه بخنجر مهيء للفتك به في مثل ذلك الوقت كان زعموا يحاول شخذه منذ زمان ضربةً واحدةً على الجانب الأيسر من ظهره في ناحية قلبه فقضى عليه وبودر به فقتل‏.‏

وولى الأمر بعده محمد ولده اكبر بنيه وأفضل ذويه خلقًا وخلقًا وحياء وجودًا ووقارًا وسلامة وخيرية ودافع دولته من لا يعبأ الله به ثم تدارك الأمر سبحانه وقد أشفى ودافع وكفى بما يأتي في محله إن شاء الله‏.‏

وهو أمير المسلمين لهذا العهد متع الله به وأدام مدته وكتب سعادته وأطلق بالخير يده وجعله بمراسيم الشريعة من العاملين ولسلطان يوم الدين من الخائفين‏.‏

المراقبين بفضله‏.‏

وقد أتينا بما أمكن من التعريف بأحوال هذه الحضرة على اختصار‏.‏

ويأتي في أثناء التعريف برجالها كثيرٌ من تفصيل ما أجمل وتتميم ما بدأ وإيضاح ما خفي بحول الله تعالى‏.‏

القسم الثاني في حلي الزائر والقاطن والمتحرك والساكن أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني القليعي من أهل غرناطة يكنى أبا جعفر من جلة أعيانها تنسب إليه الساقية الكبرى المجاورة لطوق الحضرة إلى إلبيرة وما والاها حاله قال ابن الصيرفي‏:‏ كان الفقيه أبو جفعر القليعي من أهل غرناطة فريد عصره وقريع دهره في الخير والعلم والتلاوة وله حزب من الليل وكان سريع الدمعة كثير الرواية وهو المشار إليه في كل نازلة وله العقد والحل والتقدم والسابقة مع منة في جلائل الأمور والنهضة بالأعباء وسمو الهمة‏.‏

غريبةٌ في شأنه‏:‏ قال كان باديس بن حبوس أمير بلده ينفرس فيه أن ملك دولته ينقرض على يديه فكان ينصب لشأنه أكلبًا ويتملط بسيفه إلى قتله فحماه الله منه بالعلم وغل يده وأغمد سيفه ليقضي الله أمرًا كان مفعولا‏.‏

مشيخته روي عن أبي عمر بن القطان وأبي عبد الله بن عتاب وأبي زكريا القليعي وأبي مروان بن سراج وكان ثقةً صدوقًا أخذ عنه الناس‏.‏

محنته‏:‏ ولما أجاز أمير لمتونة يوسف بن تاشفين البحر مستدعى إلى نصر المسلمين ثاني حركاته إلى الأندلس ونازل حصن أليط وسارع ملوك الطوائف إلى المسير في جملته كان ممن وصل إليه الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس صاحب غرناطة ووصل صحبته الوزير أبو جعفر بن القليعي لرغبته في الأجر مع شهرة مكانه وعلو منصبه ولنهوض نظرائه من زعماء الأقطار إلى هذا الغرض وكان مضرب خيام القليعي قريبًا من مضرب حفيد باديس ولمنزلته عند الأمير يوسف بن تاشفين وله عليها الحفوف وله به استبداد وانفرادٌ كثير وترددٌ كثير حتى نفى بذلك حفيد باديس وأنهم عنيه‏.‏

قال المؤرخ وكيفما دارت الحال فلم يخل من نصحٍ لله ولأمير المسلمين‏.‏

قلت‏:‏ حفيد باديس كان أدرى بدائه قصر الله خطانا من مدارك الشرور‏.‏

فلما صدر حفيد باديس إلى غرناطة استحضره ونجهه وقام من مجلسه مغضبًا وتعلقت به الخدمة وحفت به الوزعة والحاشية‏.‏

وهمو بضربه إلا أن أم عبد الله تطارحت على ابنها في استحيائه فأمر بتخليصه وسجنه في بعض بيوت القصر فاقبل فيه على العبادة والدعاء والتلاوة وكان جهير الصوت حسن التلاوة فارتج القصر وسكنت لاستماعه الأصوات وهدأت له الحركات واقشعرت الجلود‏.‏

وخافت أم عبد الله على ولدها عقابًا من الله بسببه فلاطفته حتى حل عقاله وأطلقه من سجنه‏.‏

ولما تخلص أعدها غنيمةً‏.‏

وكان جزلًا قوي القلب شديد الجزم فقال الصيد بغراب أكيس فاتخذ الليل جملًا فطلع له الصباح بقلعة يحصب وهو لنظر ابن عباد وحث منها السير إلى قرطبة فخاطب منها يوسف بن تاشفين بملىء فيه بما حركه وأطعمه فكان من حركته إلى الأندلس وخلع عبد الله بن بلكين من غرناطة واستيلائه عليها ما يرد في اسم عبد الله وفي اسم يوسف بن تاشفين إن شاء الله‏.‏

وبدا لحفيد باديس في أمر أبي جعر القليعي ورأى أنه أضاع الحزم في إطلاقه فبحث عنه من الغد وتقصت عنه البلدة فلم يقع له خبر إلى أن اتصل به خبر نجاته ولحاقه بمأمنه‏.‏

فرجع باللائمة على أمه ولات حين مندم‏.‏

ولم يزل أبو جعفر مدته في دول الملوك من لمتونة معروف الحق بعيد الصيت والذكر أحمد بن محمد الهمداني اللخمي أحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي من أهل غرناطة حاله كان فقيهًا وزيرًا جليلا حسيبًا حافلا‏.‏

وفاته توفي بإلبيرة قبل الثلاثين وأربعمائة‏.‏

ذكره أبو القاسم الغافقي في تاريخه وابن اليسر في مختصره واثنى عليه‏.‏

أحمد بن محمد الهمداني الإلبيري أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن غريب بن يزيد ابن الشمر بن عبد شمس بن غريب الهمداني الإلبيري من نزلاء قرية همدان ذكره ابن حيان والغافقي وابن مسعدة وغيرهم فقال جميعم كان من أهل البلاغة والبيان والأدب والشعر البارع‏.‏

قدم على الخليفة أبي مطرف عبد الرحمن فقام خطيبًا بين يديه فقال‏:‏ الحمد لله المحتجب بنور عظمته عن أبصار بريته والدال بحدوث خلقه على أوليته والمنفرد بما أتقن من عجائب دهره ومنن صمديته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بوحدانيته وخضوعًا لعزه وعظمته‏.‏

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله انتخبه من أطيب البيوتات واصطفاه من أطيب البيوتات حتى قبضه الله إليه واختار له ما لديه‏.‏

وقد قبل سعيه وأدى أمانته فصلى الله عليه وسلم تسليما‏.‏

ثم إن الله لما أن بعثه من أكرم خلقه وأكرمه برسالته وأنزل عليه محكم تنزيله واختار له من أصحابه وأشياعه مخلفًا جعل منهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون فجعل الله الأمير أعزه الله وارث ما خلفوه من معاليهم وباني ما أسسوه من مشاهدهم حتى أمن المسالك وسكن الخائف رحمةً من الله ألبسه كرامتها وطوقه فضيلتها والله يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏.‏

الله أعطاك التي لا فوقها وقد أراد الملحدون عوقها عنك ويأبي الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها ثم أردف قوله بهذه الأبيات‏:‏ أيا ملكًا ترمي به قضب الهند إذا لمعت بين المغافر والصرد ومن ألبس الله الخلافة نعمةً به فاقت النعما وجلت عن الحد فلو نظمت مروان في سلك فخرها لأصبح من مروان واسطة العقد تجلى على الدنيا فأجلى ظلامها كما انجلت الظلماء عن قمر السعد إمام هدًى أضحت به العرب غضة ملبسةً نورًا كواشية البرد كفاني لديه أن جعلت وسايلي ذمامًا شآمي الهوى مخلص الود يؤكد ما يدلي به من مثابة خلوص أبيه عبد الفارس الجند تأمل رواه والرماح شواجرٌ وخيلٌ إلى خيلٍ بأبطالها تردى رأى أسدًا وردًا يخف إلى الوغى ورأيته أربي على الأسد الورد فأنعم عليه اليوم يا خير منعمٍ بإظهار تشريفٍ وعقد يدٍ عندي ولا تشمت الأعداء أن جئت قاصدًا إلى ملك الدنيا فأحرم من قصدي فعند الإمام المرتضى كل نعمةٍ وشكرًا لما يلحيه من نعمةٍ عندي فلا زال في الدنيا سعيدًا مظفرًا وبوىء في دار العلى جنة الخلد أحمد بن محمد هشام القرشي أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي من أهل غرناطة‏.‏

يكنى أبا جعفر ويعرف بابن فركون أوليته وكفى بالنسب القرشي أولية‏.‏

حاله من عائد الصلة‏:‏ كان من صدور القضاة بهذا الصقع الأندلسي اضطلاعًا بالمسائل ومعرفة بالأحكام من مظانها كثير المطالعة والدروب وحي الإجهاز في فصل القضايا نافذ المقطع كثير الاجتهاد والنظر مشاركًا في فنون من عربية وفقه وقراءة وفرائض طيب النغمة بالقرآن حسن التلاوة عظيم الوقار بين طبعٍ ومكسوب فائق الأبهة مزريًا بمن دونه من الفقهاء وعاقدي الشروط مسقطًا للكنى والتجلات يعامل الكهول معاملة الأحداث ويتهاون بتعاملات ذلك فيجعلها دبر أذنيه ويسترسل في إطلاق عنان النادرة الحارة في مجالس حكمه فضلا عن غيرها وجد ذلك من يحمل عليها سببًا للغرض منه ترشح بذاته وباهر أدواته إلى قضاء المدن النبيهة والأقطار الشهيرة كرندة ومالقة وغيرهما‏.‏

ثم ولي قضاء الجماعة في ظل جاه وضمن حرمة‏.‏

غريبة في أمره‏:‏ حدث أنه كان يقرأ في شبيبته على الأستاذ الصالح أبي عبد الله بن مستقور‏.‏

بكرم له خارج الحضرة على أميال منها في فصل العصير‏.‏

قال وجهني يومًا بغلة من الرب لأبيعه بالبلد فأصابني مطرٌ شديد وعدت إليه بحال سيئة بعد ما قضيت له وطره وكان له أخٌ أسن منها فعاتبه في شأني وقال له‏:‏ تأخذ صبيا ضعيفًا يأتيك لفائدة يستفيدها وتعرضه لمثل هذه المشقة في حق مصلحتك ليس هذا من شيم العلماء ولا من شيم الصالحين‏.‏

فقال له دعه لا بد أن يكون قاضي الجماعة بغرناطة فكان كذلك وصدقت فراسته رحمه الله تعالى‏.‏

مشيخته‏:‏ قرأ بالقرية على الأستاذ أبي القاسم بن الأصفر وبغرناطة على العالم القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري وعلى الشيخ المفتي أبي بكر محمد بن أبي إبراهيم بن مفرج الأوسي بن الدباغ الإشبيلي وعلى الخطيب الزاهد أبي الحسن العدال وعلى الأستاذ النحوي أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف ابن الصايغ بالصاد المهملة والغين المعجمة وعلى الأستاذ أبي الحسن الأبدي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي عرف بابن مستقور‏.‏

ولما دالت الدولة كان له في مشايعة مخلوعها أمور اقتضتها منه أريحية وحسن وفاء أوجبت عليه الخمول بعد استقرار دايلها السلطان أبي الوليد رحمه الله وأصابته أيام الهيج محن ونسبت إليه نقائص زورتها حسدته فصرف عن القضاء وبقي مدة مهجور الفناء مضاع المكان عاطل الدولة منتبذًا في مليك له خارج الحضرة ينحني على خرثيٍ ساقط القيمة ودفاتر ساقطة الثمن يتعلل بعلاتها ويرجي الوقت بيسيرها‏.‏

حدثني الوزير أبو بكر بن الحكيم قال زرته في منزله بعد عزله ونسبة الأمور التي لا تليق بمثله فأنشدني بما ينبيء عن ضجره وضيق صدره‏:‏ أنا من الحكم تائبٍ وعن دعاويه هارب بعد التفقه عمري ونيل أسنى المراتب وبعد ما كنت أرقى على المنابر خاطب أصبحت أرمي بعارٍ للحال غير مناسب أشكو إلى الله أمري فهو المثيب المعاقب وثبت اسمه في التاريخ المسمى بالتاج تأريخي بما نصه‏:‏ شيخ الجماعة وقاضيها ومنفذ الأحكام وممضيها وشايم سيوفها الماضية ومنتضيها رأس بفضيلة نفسه وأحيا دارس رسم القضاء بدرسه وأودع في أرض الاجتهاد بذر السهاد فجني ثمرة غرسه إلى وقار يود رضوى رجاحته وصدر تحسد الأرض الغبيطة ساحته ونادرة يدعوها فلا تتوقف ويلقى عصاها فتتلقف ولم يزل يطمح بأمانيه ويضطلع بما يعانيه حتى رفع إلى الرتبة العالية وحصل على الحال الحالية وكان له في الأدب مشاركة وفي قريض النظم حصة مباركة‏.‏

إنتهى إلى قوله يهنىء السلطان أبا عبد الله بن نصر بالإبلال من مرض في اقترانٍ بعيد وفتح وذلك‏:‏ شفاؤك للملك اعتزازٌ وتأييد وبرؤك مولانا به عيدنا عيد مرضت فلم تأو النفوس لراحةٍ ولا كان للدنيا قرارٌ وتمهيد ولم تصبر عيني تود مولمًا ولازمها طول اعتلالك تسهيد وشعره مختلف عن نمط الإجادة التي تناسب محله في العلم وطبقته في الإدراك فاختصرته‏.‏

مولده عام تسعة وأربعين وستمائة‏.‏

وفاته في السادس عشر لذي القعدة عام تسعة وعشرين وسبعمائة‏:‏ ذكرته في كتاب عائد الصلة قاضيًا وفي كتاب التاج المحلي قاضيًا أدبيًا‏.‏

وذكره أبو بكر بن الحكيم في كتاب الفوائد المستغربة والموارد المستعذبة من تأليفه‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:28 AM


أحمد بن محمد بن جزي الكلبي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن ابن يوسف بن سعيد بن جزي الكلبي من أهل غرناطة ويعرف بابن جزي أوليته معروفة وأصالته شهيرة تنظر فيما مر من ذلك عند ذكر سلفه وفيما يأتي في ذلك بحول الله وقوته‏.‏

حاله من أهل الفضل والنزاهة والهمة وحسن السمة واستقامة الطريقة غرب في الوقار ومال إلى الانقباض وترشح إلى رتب سلفه له مشاركةٌ حسنة في فنون من فقه وعربية وأدب وحفظ وشعر تسمو ببعضه الإجادة إلى غاية بعيدة‏.‏

مشيخته قرأ على والده الخطيب أبي القاسم ولازمه واستظهره ببعض موضوعاته وتأدب به وقرأ نباهته ثم أرسم في الكتابة السلطانية لأول دولة السابع من الملوك النصريين منفق سوق الحلية من أبناء جنسه أبي الحجاج بن نصر فوري زنده ودرت أحلاب قريحته وصدر له في مدائحه شعر كثير‏.‏

ثم تصرف في الخطط الشرعية فولي القضاء ببرجة ثم بأندرش وهو الآن قاضي مدينة وادي آش مشكور السيرة معروف النزاهة أعانه ذلك وسوده وبلغ به رتبة سلفه‏.‏

وجرى ذكره في كتاب التاج بما نصه‏:‏ فاضلٌ تحلى بالسكينة والوقار فمدت إليه رقاب سلفة يد الافتقار ما شئت من هدوء وسكون وجنوح إلى الخير وركون عني بالمحافظة على سمته من لدن عقل ولزم خدمة العلم فما عاد ولا انتقل ووجد من أبيه رحمه الله مرعىً خصيبًا فابتقل وعمل على شاكله سلفه في سلامة الجانب وفضل المذاهب وتحلى بتلك المآثر وتوشح وتأهل إلى الرتب في سن الشبيبة وترشح وله مع ذلك في لجة الفقه سبحٌ وعلى بعض موضوعات أبيه شرحٌ وأدبه ساطع وكلامه حسن المقاطع‏.‏

فمن ذلك ما كتب به إلى وقد خاطبت ما أمكن من نظمه‏:‏ فديتك يا سيدي مثلما فداك الزمان الذي زنته كم بكائي لبعد كم وأنيني من ظهيري على الأسى من معيني جراح الخد دمع عيني ولكن عجبٌ أن يجرح ابن معين وقال في الغنى‏:‏ أرى الناس يولون الغني كرامة وإن لم يكن أهلا لرفعة مقدار ويلوون عن وجه الفقير وجوههم وإن كان أهلا أن يلاقى بإكبار بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمةٌ فما صححوا إلا حديث ابن دينار ومن بديع ما صدر عنه قوله ينسج على منوال امرىء القيس في قصيدته الشهيرة‏:‏ أقول لحزمي أو لصالح أعمالي إلا عم صباحا أيها الطلل البالي أما واعظى شيبٌ سما فوق لمتي سمو حباب الماء حالا على حال أنار به ليل الشباب كأنه مصابيح رهبانٍ تشب لقفال نهاني عن غيٍ وقال منبها ألست ترى السمار والناس أحوالي يقولون غيره لتنعم برهةً يعمن به من كان في العصر الخالي أغالط دهري وهو يعلم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي ومؤنس نار الشيب يقبح لهوه بآنسةٍ كأنها خط تمثال وتشغفك الدنيا وما أن شغفتها كما شغف المهنوءة الرجل الطالي ألا أنها الدنيا إذا ما اعتبرتها ديار لسلمى عافياتٌ بذي خال فأين الذين استأثروا قبلنا بها لناموا فما إن من حديث ولا صال ذهلت بها غيا فكيف الخلاص من لعوبٍ تنسيني إذا قمت سربالي وقد علمت مني مواعيد توبتي بأن الفتى يهذي وليس بفعال ومذ وثقت نفسي بحب محمد هصرت بغصنٍ ذي شماريخ ميال وأصبح شيطان الغواية خاسئًا عليه قتام سيء الظن والبال ألا ليت شعري هل تقول عزائمي لخيلي كرى كرةً بعد إجفال فأنزل دارًا للنبي نزيلها قليل همومٍ ما يبيت بأوجال فطوبى لنفسٍ جاورت خير مرسل بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي ومن ذكره عند القبول تعطرت صبًا وشمألٌ في منازل قفال جوار رسول الله مجدٌ مؤثلٌ وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي فعادت إليه والهوى قائلٌ لها وكان عداء الوحش مني على بالي رثى لبعيرٍ قال أزمع مالكي ليقتلني والمرء ليس بفعال وثورٍ ذبيح بالرسالة شاهد طويل القرا والروق اخنس ذيال وحن إليه الجذع حنة عاطش لغيثٍ من الوسمي رائده خالي وأصلين من نخلٍ قد التأما له فما احتبسا من لينٍ مسٍ وتسهال وقبضة ترب منه ذلت لها الظبا ومسنونةٍ زرقٍ كأنياب أغوال وأضحى ابن جحشٍ بالعسيب مقاتلًا وليس بذي رمح وليس بنبال وحسبك من سيف الطفيل إضاءة كمصباح زيتٍ في قناديل ذبال وبذت به العجفاء كل مطهم له حجبات مشرفات على الفال ويا خسف أرضٍ تحت باغيه إذ علا على هيكل نهد الجزارة جوال وقد أخمدت نارٌ لفارس طالما أصابت غضى جزلًا وكفت بأجزال أبان سبيل الرشد إذ سبل الهدى يقلن لأهل الحلم ضلا بتضلال ولا خفاء ببراعة هذا النظم وإحكام هذا النسخ وشدة هذه الغارضة‏.‏

وله تقييدٌ في الفقه على كتاب والده المسمى بالقوانين الفقهية ورجزٌ في الفرائض يتضمن العمل‏.‏

واحسانه كثير‏.‏

وتقدم قاضيًا بخضرة غرناطة وخطيبًا بمسجد السلطان ثامن شوال من عام ستين وسبعمائة‏.‏

ثم انصرف عنها وأعيد إليها في عام ثلاث وستين موصوفًا بالنزاهة والمضاء‏.‏

مولده في الخامس عشر من جمادى الأولى عام خمسة عشر وسبعمائة وهو الآن بقيد الحياة‏.‏

أحمد بن محمد بن عبد الله العامري أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن سعدة ابن سعيد بن مسعدة بن ربيعة بن صخر بن شراحيل بن عامر بن الفضل بن بكر بن بكار بن البدر بن سعيد بن عبد الله العامري يكنى أبا جعفر من أهل غرناطة‏.‏

أوليته عامر الذي ينتسبون إليه عامر بن صعصعة بن هوازنٍ بن منصور بن عكرمة ابن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏.‏

ومن مناقبهم ميمونة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن عامر من أصحابه وعاصم بن عبد الله الجعلي ويزيد بن الحميري وغيرهم‏.‏

منزل جدهم الداخل إلى الأندلس وهو بكر بن بكار بن البدر بن سعيد بن عبد الله قرية طغنر من إقليم براجلة ابن خريز من إلبيرة‏.‏

قال ابن الصيرفي في تاريخه الصغير‏:‏ منزل بني مسعدة موضع كرم ومحمدة ينتسبون في عامر وهم أعيان علية فرسان أكابر وحجاب وكتاب ووزراء ولهم سابقات ومفاخر وأوائل وأواخر‏.‏

ومنهم على القدم جليلٌ ونبيه ومنهم كان وضيع بن جراح الفقيه لم يدخل أحد منهم في الفتنة يدًا ولا تأذي مسلمًا ولا معاهدًا على قدرتهم على ذلك وكفى به فخرًا لا ينقطع أبدًا‏.‏

ودخل جدهم الأندلس بعقد بني مروان له سنة أربع وتسعين من الهجرة ويأتي من ذكر أعلامهم ما يدل على شرف بيتهم وأصالته وعلوة وجلالته‏.‏

حاله كان صدرًا جليلا فقيهًا مضطلعًا من أهل النظر السديد والبحث قائمًا على المسائل مشاركًا في كثير من الفنون جزلا مهما جاريًا على سنن سلفه ريان من العربية‏.‏

وختم سيبويه تفقهًا وقرأ الفقه واستظهر كتاب التلقين وردس الأحكام الجيدة وعرضها في مجلس واحد وقرأ أصول الفقه وشرح المستصفى شرحًا حسنًا وقرأ الإرشاد والهداية وكان صدرًا في الغرائض والحساب وألف تاريخ قومه وقرابته ولايته ولى القضاء بمواضع من الأندلس كثيرة من البشارات أقام بها أعوامًا خمسة ثم لوشة وأقام بها ثلاثة أعوام ثم بسطة وبرشانة‏.‏

ثم انتقل إلى مالقة وأقام بها أعوامًا خمسة‏.‏

نبهت على مقدار الإقامة لما في ضمن طول سنى الولاية من استقامة أمر الوالي‏.‏

وكان له من أمير المسلمين بالأندلس حظوة لطيفة لم تكن لغيره استنزلها حدثني بعض أشياخي ممن كان يباشر حال السلطان يومئذ‏:‏ قال‏:‏ وجه ابن مسعدة ابنة من مالقة بكتاب في بعض الأغراض الضرورية ثم رغب فيه أن ينعم على ولده بالمشافهة لإلقاء أمر ينوب عنه فيه فلما حضر تناول رجل السلطان فقبلها وقال أمرني أبي أن أنوب في تعفير الوجه في هذه الرجل الكريمة الجهادية عنه خاصة‏.‏

لبعد عهده بها إلى أمثال هذا مما اقتضت الانتفاع بعاجلٍ من الدنيا زهيدٍ لا يدري ما الله صانعٌ فيها والإبقاء بما تجاوز الإفراط في تقدمه بمالقة بعده دار الأعلام وديوان العقد وهو حدثٌ خليٌ من العلم قريب العهد بالبلوغ فكانت على أنها غاية الصدور ملعبًا إلى أن ضرب الدهر ضرباته وانتقلت الحال‏.‏

مشيخته أولهم قاضي الجماعة أبو الحسن بن أبي عامر بن ربيع وثانيهم القاضي أبو عامر يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع وثالثهم أبو يحيى بن عبد المنعم الخزرجي ورابعهم العدل الراوية أبو الوليد العطار وخامسهم أبو إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الخشني وسادسهم الأستاذ أبو الحسن الكناني الإشبيلي وسابعهم محمد بن إبراهيم ابن مفرج الأوسي الدباغ وثامنهم أبو جعفر أحمد بن علي الرعيني وتاسعهم أبو علي بن أبي الأحوص‏.‏

وصمته‏:‏ فروي الناس أنه وجد بخزانته بعد وفاته زمامٌ يشتمل على مثالب أهل غرناطة مما يحدث على الأيام في أفرادهم من فلتات يجريها عدم الاتصاف بالعصمة‏.‏

استقر عند ولده الفضل زعموا ثم خفي أثره ستر الله عيوبنا برحمته‏.‏

وفاته توفي بمالقة قرب صلاة المغرب يوم الأحد الموفى عشرين لذي الحجة عام تسعة وتسعين وستمائة ودفن بخارج باب قبالة في مالقة المذكورة بمقربة من رابعة بني عمار وبالروضة المنسوبة لبني يحيى نقلت من خط ولده الفضل‏.‏

ابن قعنب أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي يكنى أبا جعفر ويعرف بابن قعنب أوليته ذكر الأستاذ ابن الزبير في صلته وغيره أن قومًا بغرناطة يعرفون بهذه المعرفة فإن كان منهم فله أولية لابأس بها‏.‏

كان من شيوخ كتاب الشروط معرفة بالمسائل واضطلاعًا بالأحكام وانفرد بصحة الوثيقة باقعةً من بواقع زمانه وعيابة في مشايخ قطره يألف النادرة الحارة في ملاء من النوك والغفلة فلا يهتز لموقع نادرة ولا يضحك عقب عقد صرعةٍ لقلقه غير مامرة غير مجلس من مجالس القضاء من بني مسعود المزراة أحكامهم المرمية بتهكمه وإزرائه فتقتع في طريق حكمهم خطًا منفسحة غير مكترث بهوانه ولا غاص بلسانه‏.‏

وربما قال لبعض الوزعة من قادته بمجسه وقد توقفوا به في بعض الطريق توقعًا لسكون غضب قاضيهم إبعثوا بعضهم إلى هذا المحروم لنرى ما عزم عليه بكلام كثير الفتور والاستكانة له في هذا الباب شهرة‏.‏

ذكر بعض نزعاته حدثني ملازمه وقفٌ عليه أبو القاسم بن الشيخ الرئيس أبي الحسن بن الجياب وقد أعمل والده رحلةً إلى مالقة لزيارة شيخه الذي تلمذ له وشهر بالتشيع فيه أبي عبد الله الساحلي صاحب الأتباع والطريقة وكان مفرط الغلو فيه واستصحب ولده الصغير فسأله عن سفر أبيه وسعيه فقال نعم واحتمل أخي فقال أظنه منذ ولد كان غير مغتطس فحمله الشيخ فغطسه واستغرب كل من حضر ضحكًا فلم يبتسم هو كأنه لا شعور عنده بما ذهب إليه وحدثني قال‏:‏ جاءت امرأة تخاصم ميارًا أوصلها من بعض المدن في أمرٍ نشأ بينهما وبيده عقد فقال بعض جيرانه من نصه حاكيًا وأنه جامعها من موضع كذا إلى كذا ولم يرسم المد على ألف جاء فقال الشيخ للمرأة أتعرفين أن هذا الميار جامعك في الطريق أي فعل بك فقالت معاذ الله ونفرت من ذلك فقال كذا شهد عليك الفقيه وأشار إلى جاره‏.‏

ومثل ذلك كثير‏.‏

ولي القضاء بأماكن عديدة كلوشة وبسطة والمسند وبرجة وأرحبة وغير ذلك‏.‏

مشيخته‏:‏ يحمل عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير والخطيب الصالح أبي عبد الله بن فضيلة وأبي محمد بن سماك وأبي الحسن بن مستقور‏.‏

مولده عام سبعين وستمائة‏.‏

توفي قاضيًا ببرجة بعد علة سدكت به في السادس عشر من شعبان من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة وانتقل منها في وعاء خشب‏.‏

ودفن بمقبرة إلبيرة تجاوز الله عنه ورحمه‏.‏

أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي من أهل غرناطة وجلة بيوتها ويأتي من ذكر ذلك ما فيه كفاية حاله هذا الرجل ممن صرفت إلى الله رجعاه وخلصت له معاملته وخلص إليه انقطاعه‏.‏

نازع في ذلك نفسًا جامحة في الحزم عريقة في الغفلة فكتب الله له النصر عليها دفعة فشمر وفوت الأصول للحضرة في باب الصدقة ونبذ الشواغل وحفظ كتاب الله على الكبرة واستقبل المحراب ملغيًا سواه‏.‏

درأ به فاتفق على فضله وغبط في حسن فيئته‏.‏

وله ديوان نبيل يتضمن كثيرًا من فقه النفس والبدن دل على نبله وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد‏.‏

نفعه الله تعالى‏.‏

مولده بغرناطة عام تسعين وستمائة‏.‏

أحمد بن أبي سهل الخزرجي أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي من أهل الحمة يكنى أبا جعفر‏.‏

حاله من أهل الخير والعفاف والطهارة والانقباض والصحة والسلامة أصيل البيت معروف القدم ببلده حر النادرة‏.‏

قرأ بالحضرة واجتهد وحصل ولازم الأستاذ أبا عبد الله الفخار وغيره من أهل عصره‏.‏

وولي القضاء ببلدة الحمة ثم بغربي مالقة‏.‏

وهو الآن قاض بها مشكور السيرة‏.‏

أحمد بن عمر بن ورد التميمي أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله بن ورد التميمي من أهل ألمرية‏.‏

يكنى أبا القاسم ويعرف بابن الورد‏.‏

حاله قال الملاحي‏:‏ كان من جلة الفقهاء المحدثين‏.‏

قال ابن الزبير كذلك وزاد‏:‏ موفور الحظ من الأدب والنحو والتاريخ متقدمًا في علم الأصول والتفسير حافظًا متقنًا ويقال إن علم المالكية انتهت إليه الرياسة فيه وإلى القاضي أبي بكر بن العربي في وقتهما‏.‏

لم يتقدمهما في الأندلس أحد بعد وفاة أبي الوليد بن رشد‏.‏

قال أخبرني الثقة أبو عبد الله بن جوبر عن أبي عمر بن عات قال‏:‏ حديث ابن العربي اجتمع بابن ورد وتبايتا ليلة وأخذا في التناظر والتذاكر فكانا عجبًا‏.‏

يتكلم أبو بكر فيظن السامع أنه ما ترك شيئًا إلا أتى به ثم يجيبه أبو القاسم بأبدع جواب ينسي السامعين ما سمعوا قبله‏.‏

وكانا أعجوبتي دهرهما‏.‏

وكان له مجلسٌ يتكلم فيه على الصحيحين ويخص الأخمسة بالتفسير‏.‏

حلوله غرناطة قال المؤرخون ولي قضاء غرناطة سنة عشرين فعدل وأحسن السيرة وبه تفقه طلبتها إذ ذاك‏.‏

مشيخته‏:‏ روي عن أبي علي الغساني وأبي الحسن بن سراج وأكثر عنه وأبي بكر بن سابق الصقيلي وأبي محمد بن عبد الله بن فرج المعروف بالعسال الزاهد ولازمه وهو آخر من روي عنه‏.‏

ورحل إلى سجلماسة وناظر عند ابن العواد‏.‏

وروي أيضًا عن أبي الحسن المبارك المعروف بالخشاب وكان الخشاب يحمل عن أبي بكر بن ثابت الخطيب وغيره‏.‏

من روي عنه وروي عنه جماعة كأبي جعفر بن الباذش وأبي عبيدة الله وابن رفاعة وابن عبد الرحيم وابن حكيم وغيرهم‏.‏

وآخر من روي عنه أبو القاسم ابن عمران الخزرجي بفاس‏.‏

وفاته توفي بالمرية في الثاني عشر لرمضان سنة أربعين وخمسمائة‏.‏

أحمد بن محمد بن علي الأموي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي يكنى أبا جعفر ويعرف بابن برطال أصله من قرية تعرف بحارة البحر من وادي طرش نصر حصن منتماس من شرقي مالقة من بيت خير وأصالة وانتقل سلفه إلى مالقة فتوشجت لهم بها عروقٌ وصاهروا إلى بيوتات نبيهة‏.‏

حاله كان من أهل الخير وكان على طريقة مثلى من الصمت والسمت والانقباض والذكاء والعدالة والتخصص محولا في الخير ظاهر المروءة معروف الأصالة خالص الطعمة كثيرالعفة مشهور الوقار والعفاف تحرف بصناعة التوثيق على انقباض‏.‏

دخوله غرناطة‏:‏ تقدم قاضيًا بغرناطة بعد ولاية القضاء ببلده وانتقل إليها وقام بالرسم المضاف إلى ذلك وهو الإمامة بالمسجد الأعظم منها والخطابة بجامع قلعتها الحمراء واستقل بذلك إلى تاسع جمادى الثانية من عام إحدى وأربعين وسبعمائة على قصور في المعارف وضعف في الأداة وكلال في الجد ولذلك يقول شيخنا أبو البركات بن الحاج‏:‏ حسبوا الأشياء عن أسبابها فإذا الأشياء عن غير سبب إلا إنه أعانه الدربة والحنكة على تنفيذ الأحكام فلم تؤثر عنه فيها أحدوثه واستظهر بجزالة أمضت حكمه وانقباضٍ عافاه عن الهوادة فرضيت سيرته واستقامت طريقته‏.‏

مشيخته لقي والده شيخ القضاة وبقية المحدثين وله الرواية العالية والدرجة الرفيعة حسبما يأتي في اسمه ولم يؤخذ عنه شيء فيما أعلم‏.‏

شعره أنشدني الوزير أبو بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم قال أنشدني القاضي أبو جعفر بن برطال لنفسه مودعًا في بعض الأسفار‏:‏ أستودع الله من لوداعهم قلبي وروحي إذ دنى الوداع بانوا وطرفي والفؤاد ومقولي باكٍ ومسلوب العزاء وداع فتول يا مولاي حفظهم ولا تجعل تفرقنا فراق وداع وفاته توفي رحمه الله وعفا عنه أيام الطاعون الغريب بمقالة في منتصف ليلة الجمعة خامس صفر عام خمسين وسبعمائة وخرجت جنازته في اليون التالي ليلة وفاته في ركبٍ من الأموات يناهز الألف وينيف بمائتين واستمر ذلك مدة وكان مولده عام تسعة وثمانين وستمائة رحمه الله تعالى‏.‏

أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي بلنسي شقوري الأصل يكنى أبا مطرف أوليته لم يكن من بيت نباهة ووقع لابن عبد الملك في ذلك نقل كان حقه التجافي عنه لو وفق‏.‏

حاله قال ابن عبد الملك‏:‏ كان أول طلبه العلم شديد العناية بشأن الرواية فأكثر من سماع الحديث وأخذه عن مشايخ أهله وتفنن في العلوم ونظر في العقليات وأصول الفقه ومال إلى الأدب فبرع فيه براعة عد بها من كبار مجيدي النظم‏.‏

وأما الكتابة فهو علمها المشهور وواحدها الذي عجزت عن ثانيه الدهور ولا سيما في مخاطبة الإخوان هنالك استولى على أمد الإحسان وله المطولات المنتخبة والقصار المقتضبة وكان يملح كلامه نظمًا ونثرًا بالإشارة إلى التاريخ ويودعه إلماعات بالمسائل العلمية منوعة المقصد‏.‏

قلت‏:‏ وعلى الجملة فذات أبي المطرف فيما ينزع إليه ليست من ذوات الأمثال فقد كان نسيج وحده إدراكًا وتفننًا بصيرًا بالعلوم محدثًا مكثرًا راوية ثبتًا سجرًا في التاريخ والأخبار ريان مضطلعًا بالأصلين قائمًا على العربية واللغة كلامه كثير الحلاوة والطلاوة جم العيون غزير المعاني والمحاسن وافد أرواح المعاني شفاف اللفظ حر المعنى ثاني بديع الزمان في شكوى الحرفة وسوء الحظ ورنق الكلام ولطف المأخذ وتبريز النثر على النظم والقصور في السلطانيات‏.‏

مشيخته روي عن أبي الخطاب بن واجب وأبي الربيع بن سالم وأبي عبد الله بن فرج وأبي على الشلوبين وأبي عمر بن عات وأبي محمد بن حوط الله لقيهم وقرأ عليهم وسمع منهم وأجازوا له وأجاز له من أهل المشرق أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج وغيره‏.‏

من روي عنه روي عنه ابنه القاسم وأبو بكر بن خطاب وأبو إسحاق البلقيني الحفيد والحسن بن طاهر بن الشقوري وأبو عبد الله البري‏.‏

وحدث عنه أبو جعفر بن الزبير وابن نباهته صحب أبا عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن خطاب قبل توليته ما تولى من رياسة بلده وانتفع به كثيرًا وكتب عن الرئيس أبي جميل زيان ابن سعد وغيره من أمراء شرق الأندلس‏.‏

ثم انتقل إلى العدوة واستكبته الرشيد أبو محمد عبد الواحد بمراكش مدة يسيرة ثم صرفه عن الكتابة وولاه قضاء مليانة من نظر مراكش الشرقي فتولاه قليلا ثم نقله إلى أقصى رباط الفتح‏.‏

وتوفي الرشيد فأقره على ذلك الوالي بعده أبو الحسن المعتضد أخوه ثم نقله إلى قضاء مكناسة الزيتون ثم لما قتل المعتضد لحق بسبتة وجرى عليه بطريقها ما يذكر في محنته‏.‏

ثم ركب البحر منها متوجهًا إلى إفريقية فقدم بجاية على الأمير أبي زكريا يحيى بن الأمير أبي زكريا‏.‏

ثم توجه إلى تونس فنجحت بها وسائله وولي قضاء مدينة الأرش‏.‏

ثم انتقل إلى قابس وبها طالت مدة ولايته واستدعاه المستنصر بالله محمد بن أبي زكريا ولطف محله منه حتى كان يحضر مجالس أنسه وداخله بما قرفته الألسن بسببه حسبما يذكر في وصمته‏.‏

مناقبه وهي الكتابة والشعر كان يذكر أنه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم فناوله أقلامًا ومن بديع ما صدر عنه فيما كتب في غرض التورية قطعة من رسالة أجاب بها العباس بن أمية وقد أعلمه باستيلاء الروم على بلنسية فقال‏:‏ بالله أي نحو ننحو أو مسطورٍ نثبت أو نمحو وقد حذف الأصل والزائد وذهبت الصلة والعائد وباب التعجب طال وحال اليأس لا تخشى الانتقال وذهبت علامة الرفع وفقدت نون الجمع والمعتل أعدى الصحيح والمثلث أردى الفصيح وامتنعت الجموع من الصرف وأمنت زيادتها من الحذف ومالت قواعد الملة وصرنا جمع القلة وظهرت علامة الخفض وجاء بدل الكل من البعض‏.‏

ومن شعره في المقطوعات التي وري فيها بالعلوم قوله‏:‏ قد عكفنا على الكتابة حينًا وجاءت خطة القضاء تليها وبكل لم يبق للجهد إلا منزلًا نابيًا وعيشًا كريهًا نسبةٌ بدلت ولم تتغير مث ل ما يزعم المهندس فيها وكقوله مما افتتح به رسالة‏:‏ يا غائبًا سلبتني الأنس غيبته فكيف صبري وقد كابدت بينهما دعواي أنك في قلبي فعارضها شوقي إليك فكيف الجمع بينهما وفي مثل ذلك استفتاح رسالته أيضًا‏:‏ وله حقوقٌ اضق وقت وجوبها ومن الوجوب ضيقٌ وموسعٌ وفي مثل ذلك في استفتاح رسالة أيضًا‏:‏ كبرت بالبشرى أتت وسماعها عيدي الذي لشهوده تكبيري وكذلك الأعياد سنة يومها مختصة بزيادة التكبير وفي أغراض أخر‏:‏ بايعونا مودة هي عندي كالمرآة بيعها بالخداع فسأقضي بردها ثم أقضي بعدها من مدامعي ألف صاع وله في معنى آخر‏:‏ شرطت عليهم عند تسليم مهجتي وعند انعقاد البيع قربًا يواصل فلما أردت الأخذ بالشرط أعرضوا وقالوا يصح البيع والشرط باطل تصانيفه له تأليفٌ في كائنة ميرقة وتغلب الروم عليها نحى فيه منحى العماد الأصفهاني في الفتح القدسي وكتابه في تعقيبه على فخر الدين بن الخطيب الرازي في كتاب المعالم في أصول الفقه منه ورده على كمال الدين أبي محمد بن عبد الكريم السماكي في كتابه المسمى بالتبيان في علم البيان واقتضابه النبيل في ثورة المريدين إلى غير ذلك من التعاليق والمقالات ودون الأستاذ أبو عبد الله ابن هانىء السبتي كتابته وما يتخللها من الشعر في سفرين بديعين أتقن ترتيبهما وسمي ذلك بغية المستطرف وغنيه المتطرف من كلام إمام الكتابه ابن عميرة أبي المطرف‏.‏

دخوله غرناطة قال شيخنا أبو الحسن بن الجياب‏.‏

عمير أخبر بذلك من شيوخه والرجل ممن يركن إليه في أخباره فيما أحقوا على سبيل الرواية والإخبار من شرق الأندلس إلى غرناطة إلى غربها إلى غير ذلك عند رحلته وهو الأقرب وقال‏:‏ قال المخبر‏:‏ عهدي به طويلًا نحيف الجسم مصفرًا أقنى الأنف أصيب بمقالة ما أحوج ما كان إليه وقد استقبل الكبرة ونازعه سوء الحظ قال الشيخ أبو الحسن الرعيني إنه كتب إليه يعلمه بهذه الحادثة عليه وأن المنهوب من ماله يعدله أربعة آلاف دينار عشرية وكان ورقًا وعينًا وحليًا وذلك أنه لما قتل المعتضد اغتنم الفطرة وفصل عن مكناسة قاصدًا سبته فلقي الرفقة التي كان فيها جمعٌ من بني مرين سلبوه وكل من كان معه بجزيرة شقر وقيل ببلنسية في رمضان اثنتين وثمانين وخمسمائة‏.‏

وفاته توفي بتونس ليلة الجمعة الموفية عشرين ذي الحجة عام ستة وخمسين وستمائة‏.‏

قال ابن عبد الملك ووهم ابن الزبير في وفاته إذ جعلها في حدود الخمسين وستمائة أو بعدها‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:30 AM

أحمد بن عبد الحق الجذلي أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى بن عبد الحق الجذلي من أهل مالقة يكنى أبا جعفر ويعرف بابن عبد الحق حاله من صدور أهل العلم والتفنن في هذا الصقع الأندلسي نسيج وحده في الوقار والحصافة والتزام مثلى الطريقة جم التحصيل سديد النظر كثير التخصص محافظ على الرسم مقبوض العنان في التطفيف في إيجاب الحقوق لأهلها قريب إلى الإعتدال في معاملة أبناء جنسه مقتصد مع ثروته مؤثر للترتيب في كافة أمره متوقد الفكرة مع سكون لين العريكة مع مضاء مجموع خصال حميدة مما يفيد التجريب والحنكة مضطلع بصناعة العربية حائز قصب السبق فيها عارف بالفروع والأحكام مشارك في فنون من أصول وطب وأدب قائم على القراءة إمام في الوثيقة حسن الخط مليح السمة والشيبة عذب الفكاهة حسن العهد تام الرجولية‏.‏

نباهته تصدر للاقراء ببلده على وفور أهل العلم فكان سابق الحلبة ومناخ الطية إمتاعًا وتفننًا وحسن إلقاء‏.‏

وتصرف في القضاء ببلش وغيرها من غربي بلده فحسنت سيرته واشتهرت طريقته وحمدت نزاهته‏.‏

ثم ولي خطة القضاء بمالقة والنظر في الأحباس بها على سبيل من الحظوة والنباهة مرجوعًا إليه في كثير من مهمات بلده سائمةً وجوه السعادة ناطقةً ألسن الخاصة والعامة بفضله جماعة نزاهته آويًا إلى فضل بيته‏.‏

واتصلت ولايته إياها إلى هذا العهد وهي أحد محامد الوالي طول مدة الولاية لا سيما القاضي مما يدل على الصبر وقلة القدح وسد أبواب التهم والله يعينه ويمتع به بمنه‏.‏

مشيخته قرأ على الأستاذ أبي عبد الله بن بكر وهو نجيب حلبته والسهم المصيب من كنانته لازمه وبه تفقه وانتفع وتلا القرآن عليه وعلى محمد بن أيوب وعلى أبي القاسم بن درهم علمي وقتهما في ذلك وعلى غيرهما وتعلم الوثيقة على العاقد القاضي أبي القاسم بن العريف‏.‏

وروي عن الخطيبين المحدثين أبي عثمان ابن عيسى وأبي عبد الله الطنجالي وغيرهما‏.‏

دخوله غرناطة تردد إليها غير ما مرة منها في أمور عرضت في شئونه الخاصة به ومنها مع الوفود الجلة من أهل بلده تابعًا قبل الولاية متبوعًا بعدها‏.‏

ومن شعره قوله في جدول‏:‏ ومقارب الشطين أحكم صقله كالمشرفي إذا اكتسى بفرنده فحمائل الديباج منه خمائل ومعانقٌ فيها البهار بورده وقد اختفى طرفٌ له في دوحةٍ كالسيف رد ذبابه في غمده وقوله في شجر نارنج مزهر‏:‏ وثمار نارنج ترى أزهارها مع ناتىء النارنج في تنضيد فإذا نظرت إلى تألفها أتت كمباسم أومت للثم خدود وفاته في زوال يوم الجمعة السابع والعشرين لرجب عام خمسة وستين وسبعمائة‏.‏

ثامن شوال عام ثمانية وتسعين وستمائة‏.‏

أحمد بن الصقر الأنصاري الخزرجي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصقر الأنصاري الخزرجي يكنى أبا العباس من أهل الثغر الأعلى‏.‏

أوليته من سرقسطة حيث منازل الأنصار هنالك انتقل جد أبيه عبد الرحمن بابنه الصغير منها لحدوث بعض الفتن بها إلى بلنسية فولد له ابنه عبد الرحمن أبو العباس هذا ثم انتقل أبوه إلى ألمرية فولد أبو العباس بها ونقله أبوه إلى سبتة فأقام بها مدة حاله كان محدثًا مكثرًا ثقةً ضابطًا مقرئًا مجودًا حافظًا للفقه ذاكرًا للمسائل عارفًا بأصولها متقدمًا في علم الكلام عاقدًا للشروط بصيرًا بعللها حاذقًا بالأحكام كاتبًا بليغًا شاعرًا محسنًا أتقن أهل عصره خطا وأجلهم منزعًا ما اكتسب قط شيئًا من متاع الدنيا ولا تلبس بها مقتنعًا باليسير راضيًا بالدون مع الهمة العلية والنفس الأبية على هذا قطع عمره وكتب من دواوين العلم ودفاتره ما لا يحصى كثرة بجودة وضبط وحسن خط وعني به أبوه نباهته استدعاه أبو عبد الله بن حسون قاضي مراكش إلى كتابته إلى أن صرف واستقر هو متولى حكمها وأحكامها والصلاة في مسجدها ثم ترك الأحكام واستقر في الإمامة‏.‏

ولما تصير الأمر إلى الموحدين ألحقه عبد المؤمن منهم بجملة طلبة العلم وتحفا به وقدمه إلى الأحكام بحضرة مراكش فقام بها مدة ثم ولاه قضاء غرناطة ثم نقله إلى إشبيلية قاضيًا بها مع ولي عهده‏.‏

ولما صار الأمر إلى أبي يعقوب ألزمه خدمة الخزانة العلمية وكانت عندهم من الخطط التي لا يعين لها إلا كبار أهل العلم وعليهم وكانت مواهب عبد المؤمن له جزلة وأعطياتهم مترافهة كثيرة‏.‏

مشيخته قرأ القرآن على أبيه وأكثر عنه وأجاز له وعلى أبي الحسن التطيلي قال‏:‏ وهو أول من قرأت عليه‏.‏

من روي عنه روى عنه أبو عبد الله وأبو خالد يزيد بن يزيد بن رفاعة وأبو محمد بن محمد بن علي بن وهب القضاعي‏.‏

دخوله غرناطة صحبة القاضي أبو القاسم بن حمزة ونوه به واستخلفه إذ وليها وقبض عليه بكلتي يديه ثم استقضى بها أبو الفضل عياض بن موسى فاستمسك به واشتمل عليه لصحبة كانت بينهما وقرابة إلى أن صرف عنها أبو الفضل عياض فانتقل إلى وادي آش فتولى أحكامها والصلاة بها ثم عاد إلى غرناطة سنة ست وثلاثين إلى أن استقضى بغرناطة في دولة أبي محمد بن عبد المؤمن بن علي فحمدت سيرته وشكر عدله وظهرت نزاهته ودام بها حتى ظن من أهلها‏.‏

شعره وشعره في طريقة الزهد وهي لا ينفذ فيها إلا من قويت عارضته وتوفرت مادته‏:‏ إلهي لك الملك العظيم حقيقةً وما للورى مهما منعت نقير تجافي بنو الدنيا مكاني فسرني وما قدر مخلوق جداه حقير وقالوا فقيرٌ وهم عندي جلالةٌ نعم صدقوا إني إليك فقير وشعره في هذا المعنى كثير وكله سلس المقادة دالًا على جودة الطبع‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ إرض العدو بظاهر متصنع إن كنت مضطرًا إلى استرضائه كم من فتًى ألقى بوجه باسمٍ وجوانحي تتقد من بغضائه له تصانيف مفيدة تدل على إدراكه وإشرافه كشرحه الشهاب فإنه أبدع فيه وكتابه أنوار الأفكار فيمن دخل جزيرة الأندلس من الزهاد والأبرار ابتدأ تأليفه وتوفي دون إتمام غرضه فيها فكمله عبد الله أبنه‏.‏

محنته كان ممن وقعت عليه المحنة العظمى بمراكش يوم دخول الموحدين إياها يوم السبت لإثني عشر لية بقيت من شوال عام إحدى وأربعين وخمسمائة على الوجه المشهور في استباحة دماء كل من اشتملت عليه من الذكور البالغين إلا من تستر بالاختفاء في سرب أو غرفة أو مخبأ‏.‏

وتمادى القتل فيها ثلاثة أيام ثم نودي بالعفو عمن أشارته الفتكة الكبرى فظهر من جميع الخلق بها ما يناهز السبعين رجلًا وبيعوا بيع أسارى المشركين هم وذراريهم وعفى عنهم فكان أبو العباس ممن تخطته المنية واستنقذه من الرق العفو وحسبك بها محنة نفعه الله وضاعت له في ذلك وفي غيره كتب كثيرة بخطه وبغير خطه مما تجل عن القيمة‏.‏

مولده بألمرية في أواخر شهر ربيع سنة اثنين وخمسمائة توفي بمراكش بين صلاة الظهر والعصر في يوم الأحد لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وخمسمائة‏.‏

ودفن يوم الإثنين بعده عقب صلاة الظهر وصلى عليه القاضي أبو يوسف حجاج وكانت جنازته عظيمة المحفل كثيرة الجمع برز إليها الرجال والنساء ورفعوا نعشه على الأيدي‏.‏

رحمه الله‏.‏

ومما رثاه به جاره وصديقه أبو بكر بن الطفيل وهو بإشبيلية بعث بها إلى ابنه مع كتاب في غرض العزاء‏:‏ لأمرٍ ما تغيرت الدهور وأظلمت الكواكب والبدور وطال على العيون الليل حتى كأن النجم فيه لا يغور أحمد بن أبي القاسم بن القباب أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن يعرف بابن القباب من أهل فاس ويكنى أبا العباس‏.‏

حاله هذا الرجل صدر عدول الحضرة الفاسية وناهض عشهم طالب فقيه نبيه مدرك جيد النظر سديد الفهم حضر الدرس بين يدي السلطان وولي القضاء بجبل الفتح متصفًا فيه بجزالة وانتهاض‏.‏

تعرفت به بمدينة فاس فأعجبتني سيمته ووصل مدينة سلا في غرض اختبار واستطلاع الأحوال السلطانية واستدعيته فاعتذر ببعض ما يقبل فخاطبته بقولي‏:‏ أبيتم دعوتي إما لشأوٍ وتأبي لومه مثلى الطريقة وبالمختار للناس اقتداء وقد حضر الوليمة والعقيقة وغير غريبةٍ أن رق حرٌ على من حاله مثلى رقيقة وإما زاجر الورع اقتضاها ويأبى ذاك دكان الوثيقة وغشيان المنازل لاختبارٍ يطالب بالجليلة والدقيقة شكرت مخيلة كانت مجازًا لكم وحصلت بعد على الحقيقة وتفرع الكلام على قولي‏:‏ ويأبى ذاك دكان الوثيقة بما دعي إلى بيانه بتصنيفي فيه الكتاب المسمى بمثلى الطريقة في ذم الوثيقة‏.‏

دخوله غرناطة في عام اثنين وستين وسبعمائة موجهًا من قبل سلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن لمباشرة صدقة عهد بها لبعض الربط وهو إلى الآن عدلٌ بمدينة فاس بحال تجلة وشهرة‏.‏

ثم تعرفت أنه نسك ورفض العيش من الشهادة ككثير من الفضلاء‏.‏

أحمد بن إبراهيم بن كعب الثقفي أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسين بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب الثقفي يكنى أبا جعفر أوليته كعبٌ الذي ذكر هو كعب بن مالك بن علقمة بن حباب بن مسلم بن عدي ابن مرة بن عوف بن ثقيف أصله من مدينة جيان منزل قنسرين من العرب الداخلين إلى الأندلس ونسبه بها كبير وحسبه أصيل وثروته معروفة‏.‏

خرج به أبوه عند تغلب العدو عليها عام ثلاثة وأربعين وستمائة ولأبيه إذ ذاك إثراء وجدة أعانته على طلب العلم وإرفاد من أحوجته الأزمة في ذلك الزمان من جالية العلماء عن قرطبة وإشبيلية كأبي الحسن الصائغ وغيره فنصحوا له وحطبوا في حبله‏.‏

حاله كان خاتمة المحدثين وصدور العلماء والمقرئين نسيج وحده في حسن التعليم والصبر على التسميع والملازمة للتدريس لم تختل له مع تخطي الثمانين ولا لحقته سآمة كثير الخشوع والخشية مسترسل العبرة صليبًا في الحق شديدًا على أهل البدع ملازمًا للسنة جزلا مهيبًا معظمًا عند الخاصة والعامة عذب الفكاهة طيب المجالسة حلو النادرة يؤثر عنه في ذلك حكايات لا تخل بوقار ولا تحل بجلال منصب‏.‏

فنونه إليه انتهت الرياسة بالأندلس في صناعة العربية وتجويد القرآن ورواية الحديث إلى المشاركة في الفقه والقيام على التفسير والخوض في الأصلين‏.‏

مشيخته أخذ عن الجلة المقرئين كالمقرى أبي عبد الله محمد بن ابراهيم بن مستقور الغرناطي نباهته وخططه ولي قضاء المناكح والخطبة بالحضرة وبلغ من الشهرة والإشادة بذكره ما لم يبلغه سواه‏.‏

تصانيفه من تأليفه كتاب صلة الصلة لابن بشكوال التي وصلتها بعده وسميت كتابي بعائد الصلة وافتتحت أول الأسماء فيه باسمه وكتاب ملاك التأويل في المتشابه اللفظ في التنزيل غريبٌ في معناه والبرهان في ترتيب سور القرآن وشرح الإشارة للباجي في الأصول وسبيل الرشاد في فضل الجهاد وردع الجاهل عن اغتياب المجاهل في الرد على الشودية وهو كتاب جليل ينبى عن التفنن والأضطلاع وكتاب الزمان والمكان وهو وصمةٌ تجاوز الله عنه‏.‏

شعره وشعره مختلف عن نمط الإجادة مما حقه أن يثبت أو ثبت في كتاب شيخنا أبي البركات المسمى شعر من لا شعر له مما رواه ممن ليس الشعر له بضاعة من الأشياخ الذي عد صدر عنهم هو‏.‏

فمن شعره‏:‏ مالي وللتسئال لا أم لي إن سألت من يعزل أو من يلي يا رب عفوًا إنها جمةٌ إن لم يكن عفوك لا أم لي محنته نشأت بينه وبين المتغلب بمالقة من الرؤساء التجيبيين من بني إشقيلولة وحشة أكدتها سعاية بعض من استهواهم رجلٌ ممخرق من بني الشعوذة ومنتحلي الكرامة يمتطيها زعموا إلى النبوة يعرف بالفزاري واسمه إبراهيم غري المنزع فذ المآخذ أعجوبة من أعاجيب الفتن يخبر بالقضايا المستقبلة ويتسور سور حمى العادة في التطور من التقشف والخلابة تبعه ثاغية وراغية من العوام الصم البكم مستفزين فيه حياته وبعد زمن من مقتله على يد الأستاذ بغرناطة قرعه بحقه وبادره بتعجيل نكيره فاستغاث بمفتونه الرئيس ظهير محاله فاستعصى له وبلغ الأستاذ النياحة ففر لوجهه وكبس منزله لحينه فاستولت الأيدي على ذخائر كتبه وفوائد تقييده عن شيوخه على ما طالت له الحسرة وجلت فيه الرزية ولحق بغرناطة آويًا إلى كنف سلطانها الأمير أبي عبد الله بن الأمير الغالب بالله بن نصر فأكرم مثواه وعرف حقه وانثال عليه الجم الغفير لالتماس الأخذ عنه إلى أن نالته لديه سعاية بسبب جارٍ له من صلحاء القرابة النصرية كان ينتابه لنسبة الخيرية نميت عنه في باب تفضيله واستهالت للأمر كلمة أوجبت امتحانه وتخلل تلك الألقية من الشك ما قصر المحنة على إخراجه من منزله‏.‏

المجاور لذلك المتهم به ومنعه من التصرف والتزامه قعر منزل انتقل إليه بحال اعتزال من الناس محجورًا عليه مداخلتهم فمكث على ذلك زمانًا طويلًا إلى أن سريت عنه النكبة وأقشعت الموجدة فتخلص من سرارها بدره وأقل من شكاتها جاهه وأحسنت أثرها حاله وكثر ملتمسه وعظمت في العالم غاشيته فدون واستمع وروى ودرب وخرج وأدب وعلم وحلق وجهر وكانت له الطايلة على عدوه والعاقبة للحسنى بعد ثبات أمره والظفر بكثير من منتهب كتبه‏.‏

وآلت الدولة للأمير أبي عبد الله نصر بمالقة فطالب الفزاري المذكور واستظهر بالشهادات عليه وبالغ في دحض دعوته إلى أن قتل على يده بغرناطة‏.‏

حدثنا شيخنا أبوالحسن بن الجياب قال‏:‏ لما أمر بالتأهب للقتل وهو في السجن الذي أخرج منه إلى مصرعه جهر بتلاوة ياسين فقال له أحد الذعرة ممن جمع السجن بينهم اقرأ قرآنك على أي شيء تتطفل على قرآننا اليوم أو ما هو معناه‏.‏

فتركها مثلاُ للوذعيته‏.‏

مولده ببلده جيان في أواخر عام سبع وعشرين وستمائه وتوفي بغرناطة في الثامن لشهر ربيع الأول عام ثمانية وسبعمائة‏.‏

وكانت جنازته جنازة بالغةً أقصى مبالغ الإحتفال نفر لها الناس من كل أوب واحتمل طلبه العلم نعشه على رؤوسهم إلى جدثه وتبعه ثناء جميل وجزع كبير رحمه الله‏.‏

ورثاه طائفة من طلبته وممن أخذ عنه منهم القاضي أبو جعفر بن أبي حبل في قصيدة أولها‏:‏ عزيزٌ على الإسلام والعلم ماجدٌ فكيف لعيني أن يلم بها الكرا وما لمآقي لا تفيض شئونها نجيعًا على قدر المصيبة أحمرا فوالله ما تقضي المدامع بعض ما يحق ولو كانت سيولا وأبحرا حقيقٌ لعمري أن تفيض نفوسنا وفرضٌ على الأكباد أن تتفطرا أحمد بن عبد الوالي بن أحمد الرعيني يكنى أبا جعفر ويعرف بالعواد صنعةٌ لأبيه الكاتب الصالح حاله هو من بيت تصاون وعفاف ودين والتزام السنة كانوا في غرناطة في الأشعار وتجويد القرآن والامتياز بحمله وعكوفهم عليه نظراء بني عظيمة بإشبيلية وبني الباذش بغرناطة وكان أبو جعفر هذا المترجم له ممن تطوى عليه الخناصر معرفةً بكتاب الله وتحقيقًا لحقه واتقانًا لتجويده ومثابرةً على تعليمه ونصحا في إفادته على سنن الصالحين انقباضًا عن الناس وإعراضًا عن ذوي الوجاهة سنيًا في قوله وفعله خاصيًا في جميع أحواله مخشوشنًا في ملبسه طويل الصمت إلا في دست تعليمه مقتصرًا في مكسبه متقيًا لدينه محافظًا على أواده‏.‏

سأل منه رجل يومًا كتب رقعة ففهم من أمره فقال يا هذا والله ما كتبت قط يميني إلا كتاب الله فأحب أن ألقاه على سجيتي بتوفيقه إن شاء الله وتسديده‏.‏

مشيخته قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير والأستاذ أبي جعفر الحزموني الكفيف وأبي عبد الله بن وفاته توفي في شهر ذي الحجة من عام خمسين وسبعمائة ودفن بجبانة باب الفخارين في أسفل السفح تجاه القصور الحكمية وأتبعه الناس أحسن الثناء‏.‏

أحمد بن علي بن خلف الأنصاري أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري من أهل غرناطة يكنى أبا جعفر ويعرف بتابن الباذش أوليته أصله من جيان من بيت خيرية وتصون حاله قال القاضي أبو محمد بن عطية إمامٌ في المقرئين ومقدم في جهابذة الأستاذين راويةٌ مكثر متفنن في علوم القراءة مستبحر عارف بالأدب والإعراب بصير بالأسانيد نقاد لها مميزٌ لشاذها من معروفها‏.‏

قال ابن الزبير وما علمت فيما انتهى إليه نظري وعلمي أحسن انقيادًا لطرق القراءة ولا أجل اختيارًا منه لا يكاد أحد من اهل زمانه ولا ممن أتى بعده أن يبلغ درجته في ذلك‏.‏

مشيخته تفقه بأبيه الإمام أبي الحسن وأكثر الرواية عنه واستوفى ما كان عنده وشاركه في كثير من شيوخه‏.‏

أخذ القراءات عرضًا عن الإمام المقري أبي القاسم ابن خلف بن النحاس رحل إلى قرطبة ولازمه وعلى المقرى أبي جعفر هابيل بن محمد الحلاسي وأبي بكر بن عياش بن خلف المقري وابي الحسن بن زكريا وأبي الحسن شريح بن محمد وأبي محمد عبد الله بن أحمد الهمداني الجياني رحل إليه إلى جيان وتلا على جميع من ذكر وروي بالقراءة والسماع والإجازة على عالمٍ كثير كأبي داود وأبي الحسن بن أخي الرش المقرئين أجازا له وأبي علي الغساني في الإمامة والإتقان وقد أسمع عليه وأبي القاسم خلف ابن صواب المقري وأبي عامر محمد بن حبيب الجياني وأبي عبد الله محمد بن أحمد التجيبي الشهير وأبي محمد بن السيد وأبي الحسن بن الأخضر وأبي محمد عبد الله بن أبي جعفر الحافظ وعالمٍ كثير غير هؤلاء يطول ذكرهم‏.‏

من روي عنه‏:‏ روي عنه أبو محمد عبد الله وأبو خالد بن رفاعة وأبو علي القلعي المعدي وأبو جعفر بن حكم وأبو الحسن بن الضحاك وابنه أبو محمد عبد المنعم وهو آخر من حدث عنه‏.‏

تصانيفه ألف كتاب الإقناع في القراءات لم يؤلف في بابه مثله وألف كتاب الطرق المتداولة في القراءات وأتقنه كل الإتقان وحرر أسانيده وأتقنها وانتقى لهان ولم يتسع عمره لفرش حروفهم وخلافهم من تلك الطرق‏.‏

وألف غير ما ذكر‏.‏

مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وفاته توفي ثاني جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة وكان عمره تسعًا وأربعين سنة‏.‏

أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد يكنى أبا جعفر من أهل مالقة ويعرف بيته بها ببني راشد قال شيخنا أبو البركات‏:‏ نقلت اسم هذا من خطه ولا نعلم له نسبًا إذ لم يكتبه وشهر بابن عبد النور‏.‏

حاله كان قيمًا على العربية إذ كانت جل بضاعته يشارك مع ذلك في المنطق على رأي الأقدمين وعروض الشعر وفرايض العبادات من الفقه وقرض الشعر وكان له اعتناء بفك المعمي والتنقير عن اللغوز‏.‏

وكان ذكي الصوت عند قراءة القرآن خاشعًا به‏.‏

رحل من بلده مالقة إلىة سبتة ثم انتقل إلى الأندلس وأقرأ بوادي آش مدة وتردد بين إلمرية وبرجة يقرىء بها القرآن وغير ذلك مما كان يشارك فيه‏.‏

وناب عن بعض القضاة وقتًا ودخل غرناطة أثناء هذا السفر‏.‏

مشيخته قال‏:‏ أخذ القرآن قراءةً على طريقة أبي عمرو الداني على الخطيب أبي الحسن الحجاج بن أبي ريحانة المربلي ولا يعلم له في بلده شيخ سواه إذا لم يكن له اعتناء بلقاء الشيوخ والحمل عنهم ومن علمي أنه لقي أبا الحسن ابن الأخضر المقري العروضي بسبتة وذاكره في العروض ولا أعلم هل أخذ عنه أم لا‏.‏

ورأيت في تقاييدي أن القاضي أبا عبد الله بن برطال حدثني أن ابن النور قرأ معه الجزولية على ابن مفرج المالقي تفقهًا وقيد عليه تقييدًا عرضه بعد ذلك على ابن مفرج هذا وهو محمد بن يحيى بن علي بن مفرج المالقي‏.‏

وروي عن أبي الحجاج المتقدم الذكر تيسير أبي عمرو الداني وجمل الزجاجي وأشعار الستة وفصيح أحمد بن يحيى بن ثعلب وقفت في ذلك على رق أجاز فيه بعض الآخذين عنه ولم ينص فيه على كيفية أخذه لهذا الكتيب عن أبي الحجاج‏.‏

قال‏:‏ ورأيت في ذلك الرق أوهامًا تدل على عدم شعوره بهذا الباب جملة وقبول التلقين فيها فلا ينبغي أن يركن إلى مثله فيه‏.‏

ورأيت بخط بعض أصحابه أنه تفقه على أبي ريحانة ولعل ذلك في صغره قبل أن يتحكم طلبه ويتفنن إذ الفنون التي كان يأخذ منها لم يكن أبو ريحانة مليًا بها ولا منسوبًا إليها‏.‏

تصانيفه منها كتاب الحلية في ذكر البسملة والتصلية‏.‏

وكتاب رصف المباني في حروف المعاني وهو أجل ما صنف ومما يدل عى تقدمه في العربية‏.‏

وجزءٌ في العروض وجزءٌ في شواذه وكتابٌ في شرح الكوامل لأبي موسى الجزولي يكون نحو الموطأ في الجرم وكتاب شرح مغرب أبي عبد الله بن هشام الفهري المعروف بابن الشواش ولم يتم انتهى فيه إلى همزة الوصل يكون نحو الإيضاح لأبي علي‏.‏

وله تقييدٌ على الجمل غير تام‏.‏

شعره قال‏:‏ وشعره وسطٌ بعيدٌ عن طرفي الغث والثمين أبعد وكان لا يعتني فيه ولا يتكلفه ولا يقصد قصده وإن ذلك لعذر في عدم الإجادة‏.‏

قال الشيخ ولدي جزءٌ منه تصفحته على أن أستجيد منه شيئًا أثبته له في هذا التعريف فرأيته بعضه أشبه ببعض من الغرابة فكتبت من ذلك لا مؤثرًا له على سواه من شعره بل لمرجح كونه أول خاطر بالبال ومتلمح خطه بالبصر فمن ذلك قوله من قصيدة ومن خطه نقلت‏:‏ محاسن من أهوى يضيق لها الشرح له الهمة العلياء والخلق السمح له بهجةٌ يغثي البصائر نورها وتعشي بها الأبصار إن غلس الصبح إذا ما رنى فاللحظ سهمٌ مفوقٌ وفي كل عضو من إصابته جرح إذ ما انثني زهوًا وولي تبخترًا يغار لذاك القد من لينه الرمح وإن نفحت أزهاره عند روضةٍ فيخجل ريا زهرها ذلك النفح لقد خامرت نفسي مدامة حبه فقلبي من سكر المدامة لا يصح وقد هام قلبي في هواه فبرحت بأسراره عينٌ لمدمعها سبح غفلته ونوكه‏:‏ كان هذا الرجل من البله في أسباب الدنيا له في ذلك حكايات دائرة على ألسنة الثقاة من الملازمين له وغيرهم لولا تواترها لم يصدق أحد بها تشبه ما يحكى عن أبي علي الشلوبين‏.‏

منها أنه اشترى فضلة ملف فبلها فانتقصت كما يجري في ذلك فذرعها بعد البل فوجدها تنقصت فطلب بذلك بائع الملف فأخذ يبين له سبب ذلك فلم يفهم‏.‏

ومنها أنه سار إلى بعض بساتين ألمرية مع جماعة من الطلبة واستصحبوا أرزًا ولبنًا فطلبوا قدرًا لطبخه فلم يجدوا فقال اطبخوا في هذا القدر وأشار إلى قدر بها بقية زفت مما يطلي به السواني عندهم فقالوا له‏:‏ وكيف يسوغ الطبخ بها ولو طبخ بها شيء مما تأكله البهائم لعافته فكيف الأرز باللبن فقال لهم اغسلوا معائدكم وحينئذ تدخلون فيها الطعام فلم يدروا مما يعجبون هل من طيب نفسه بأكله مما يطبخ في تلك القدر أم من قياسه المعدة عليها‏.‏

ومنها أنهم حاولوا طبخ لحمٍ مرة أخرى في بعض النزه فذاق الطعام من الملح بالمغرفة فوجده محتاجًا للملح فجعل فيه ملحًا وذاقه على الفور قبل أن ينحل الملح ويسري في المرقة الأولى فزاد ملحًا إلى أن جعل فيه قدر ما يرجح اللحم فلم يقدروا على أكله‏.‏

ومنها أنه أدخل يده في مفجر صهريج فصادفت يده ضفدعًا كبيرًا فقال لأصحابه تعالوا إن هنا حجرًا رطبًا‏.‏

ومنها أنه استعار يومًا من القائد أبي الحسن بن كماشة جوادًا ملوكيًا قرطاسي اللون من مراكب الأمراء فقال وجه لي تلك الدابة فتخيل أنه يريد الركوب إلى بعض المواضع ثم تفطن لغفلته وقال‏:‏ أي شيء تصنع به قال‏:‏ أجعله يسني شيئًا يسيرًا في السانية فقال‏:‏ تقضي الحاجة إن شاء الله بغيره ووجه له حمارًا برسم السانية وهو لا يشعر بشيء من ذلك كله‏.‏

قلت وفي موجودات الله تعالى عبرٌ وأغربها عالم الإنسان لما جبلوا عليه من الأهواء المختلفة والطباع المشتتة والقصور عن فهم أقرب الأشياء مع الإحاطة بالغوامض‏.‏

حدثنا غير واحد منهم عمي أبو القاسم وابن الزبير إذنًا في الجملة قالا‏:‏ حدثنا أبو الحسن بن سراج عن أبي القاسم بن بشكوال أن الفقيه صاحب الوثائق أبا عمر بن الهندي خاصم يومًا عند صاحب الشرطة والصلاة إبراهيم ابن محمد فنكل وعجز عن حجته فقال له الشرطي‏:‏ ما أعجب أمرك أبا عمر أنت ذكي لغيرك بكيٌّ في أمرك فقال أبو عمر‏:‏ كذلك يبين الله آياته للناس‏.‏

ثم أنشد متمثلًا‏:‏ صرت كأني ذبالة نصبت تضيء للناس وهي تحترق قال وحدثني الشيخ أبو العباس بن الكاتب ببجاية وهو آخر من كتبنا معه الحديث من أصحاب ابن العمار قال‏:‏ كنت آويا إلى أبي الحسن حازم القرطجاني بتونس وكنت أحسن الخياطة فقال لي‏:‏ إن المستنصر خلع علي جبة جربية من لباسه وتفصيلها ليس من تفصيل أثوابنا بشرق الأندلس وأريد أن تحل أكمامها وتصيرها مثل ملابسنا‏.‏

فقلت له‏:‏ وكيف يكون العمل فقال‏:‏ تحل رأس الكم ويوضع الضيق بالأعلى والواسع بالطرف‏.‏

فقلت‏:‏ وبم يحير الأعلى فإنه إذا وضع في موضع واسع سطت علينا فرج ما عندنا ما يصنع فيها إلا أن رقعنا بغيرها فلم يفهم‏.‏

فلما يئست منه تركته وانصرفت‏.‏

فأين هذا الذهن الذي صنع المقصورة وغيرها من عجائب كلامه‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:32 AM

مولده في رمضان من عام ثلاثين وستمائة وفاته توفي بألمرية يوم الثلاثاء السابع والعشرين لربيع الآخر من عام اثنين وسبعمائة ودفن بخارج باب بجاية بمقبرة من تربة الشيخ الزاهد أبي العباس بن مكنون‏.‏

أحمد بن محمد بن مصادف ابن مصادف بن عبد الله يكنى أبا جعفر ويعرف بابن مصادف من أهل بسطة واستوطن غرناطة وقرأ وأقرأ بها‏.‏

حاله من أهل الطلب والسلاطة والاجتهاد وممن يقصر محصله عن مدى اجتهاده خلوب اللسان غريب الشكل وحشيه شتيت الشعر معفيه شديد الاقتحام والتسور قادر على اللصوق بالأشراف‏.‏

رمي بنفسه على مشيخة الوقت يطرقههم طروق الأمراض الوافدة حتى استوعب الأخذ عن أكثرهم يفك عن فايدته فك المتبرم وينتزعها بواسطة الحيا ويسلط على قنصها جوارح التبذل والإطراء إلى أن ارتسم في المقريين بغرناطة محولًا عليه بالنحب والملق وسد الترتيب المدني ولوثة تعتاده في باب الركوب والثقافة وهو لا يستطيع أن يستقر بين دفتي السرج ولا يفرق بين مبسوط الكف أخذ نفسه في فنون من قرآن وعربية وتفسير وامتحن مرات لجرأ حركة القلقة الذي لا يملك عنانه ثم تخلص من ذلك وهو على حاله إلى الآن‏.‏

مشيخته قرأ على الخطيب ببسطة وأبي الأصبغ بن عامر والخطيبين بها أبي عبد الله وأبي إسحاق ابن عمه وأبي عبد الله بن جابر وعلى أبي عثمان بن ليون بالمرية والخطيب أبي عبد الله بن الغربي بحمة وتلا القرآن بقراءاته السبع على شيخنا أبي عبد الله بن الوالي العواد وروي عن شيخنا أبي الحسن بن الجياب‏.‏

وعلى الحاج أبي الحجاج الساحلي فكتب الإقراء وأخذ الفقه عن الأستاذ أبي عبد الله البياني‏.‏

وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم البياني وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني ولازم أستاذ الجماعة أبا عبد الله الفخار وقرأ عليه العربية وصاهره على بنته الأستاذ المذكور وانتفع به إلى أن ساء ما بينهما عند وفاة الشيخ فرماه بترمية بيضاء تخلقها مثيرة عجبٍ مرة‏.‏

وحاله متصلة على ذلك وقد ناهز الاكتهال‏.‏

أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي المؤفت بالمسجد الأعظم بغرناطة أصله من شرق الأندلس وانتقل إليها والده يكنى أبا جعفر‏.‏

حاله كان نسيج وحده وقريع دهره معرفة بالهيئة وإحكامًا للآلة الفلكية ينحت منها بيده ذخائر يقف عندها النظر والخبر جمال خط واستواء صنعة وصحة وضع بلغ في ذلك درجة عالية ونال غاية بعيدة حتى فضل بما ينسب إلأيه من ذلك كثيرًا من الأعلام المتقدمين وأزرت آلاته بالحمايريات والصفاريات وغيرها من آلات المحكمين وتغالي الناس في أثمانها اخذ ذلك عن والده الشيخ المتفنن شيخ الجماعة في هذا الفن‏.‏

وفاته في عام تسع وسبعمائة‏.‏

الحبالي أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري من أهل غرناطة يكنى أبا جعفر ويعرف بالحبالي‏.‏

حاله عكف صدرًا من زمانه منتظمًا في العدول آويًا إلى تخصيص وسكون ودمائة وحسن معاملة له بصر بالمساحة والحساب وله بصر بصناعة التعديل وجداول الأبراج وتدرب في أحكام النجوم مقصودٌ في العلاج بالرقا والعزايم من أولي المس والخبال تعلق بسبب هذه المنتحلات بأذيال الدول وانبت من شيمته الأولى فنال استعمالا في الشهادات المخزنية وخبر منه أيام قربه من مبادىء الأمور والنواهي ومداخلة السلطان صمتٌ وعقلٌ واقتصارٌ على معاناة ما امتحن به وهو الآن بقيد الحياة‏.‏

مشيخته أخذ تلك الصناعة عن الشيخ أبي عبد الله الفخار المعروف بأبي خزيمة أحد البواقع الموسومين بصحة الحكم فيها وعلى أبي زيد بن مثنى وقرأ الطب على شيخنا أبي زكريا هذيل رحمه الله ونسب إليه عند الحادثة على الدولة وانتقالها إلى يد المتغلب اختيار وقت الثورة وضمان تمام الأمر وشهد بذلك بخطٍ وغيب من إيثارها فلما عاد إلى السلطان المزعج بسببها إلى العدوة أوقع به نكيرًا كثيرًا وضربه بالسياط التي لم يخلصه منها إلا أجله وأجلاه إلى تونس في جملة المغربين في أواخر عام ثلاثة وستين وسبعمائة‏.‏

وأخبرني السلطان المذكور أن المترجم به كتب إليه بمدينة فاس قبل شروعه في الوجهة يخبره بعودة الملك إليه وبإيقاعه المكروه الكبير به بما شهد بمهارته في الصنعة إن صح ذلك كله من قوانينها نسأل الله أن يضفي علينا لبوس ستره ويقينا شر عثرات الألسن بمنه‏.‏

أحمد بن محمد الكرني حاله شيخ الأطباء بغرناطة على عهده وطبيب الدار السلطانية‏.‏

كان نسيج وحده في الوقار والنزاهة وحسن السمت والتزام مثلى الطريقة واعتزاز الصنعة قائمًا على صناعة الطب مقرئًا لها ذاكرًا لنصوصها موفقًا في العلاج مقصودًا فيه كثير الأمل والمثاب مكبوح العنان عما تثبت به أصول صناعته من علم الطبيعة سنيًا مقتصرًا على المداواة أخذ عن الأستاذ أبي عبد الله الرقوطي ونازعه بالباب السلطاني لما شد واحتيج إلى ما لديه في حكم بعض الأموال المعروضة على الأطباء منازعةً أوجبت من شيخه يمينًا أن لا يحضر معه بمكان فلم يجتمعا بباب السلطان بعد مع التمسك بما لديهما وأخذ عن ابن عروس وغيره وأخذ عنه جملةٌ من شيوخنا كالطبيب أبي عبد الله بن سالم والطبيب أبي عبد الله بن سراج وغيرهما‏.‏

حدثني والدي بكثير من أخباره في الوقار وحسن الترتيب قال كنت آنس به ويعجبني استقصاؤه أقوال أهل هذا الفن من صنعته على مشهوره فلقد عرض عليه لعليل لنا بعض ما يخرج وفيه حية فقال على فتور وسكونة ووقار كثير‏:‏ هذا العليل يتخلص فقد قال الرئيس ابن سينا في أرجوزته‏:‏ وهذا اليوم من أيام البحرانية فكان كما قال‏.‏

وفاته كان حيًا سنة تسعين وستمائة‏.‏

أحمد بن محمد بن أبي الخليل مفرج الأموي مولاهم من أهل إشبيلية يكنى أبا العباس وكناه ابن فرتون أبا جعفر وتفرد بذلك يعرف بالعشاب وابن الرومية وهي أشهرهما وألصقهما به‏.‏

أوليته قال القاضي أبو عبد الله كان والد جده أطباء قرطبة وكان قد تبناه وعن مولاه أخذ علم النبات‏.‏

حاله كان نسيج وحده وفريد دهره وغرة جنسه إمامًا في الحديث حافظًا ناقدًا ذاكرًا تواريخ المحدثين وأنسابهم وموالدهم ووفاتهم وتعديلهم وتجريحهم عجيبة نوع الإنسان في عصره وما قبله وما بعده في معرفة علم النبات وتمييز العشب وتحليتها وإثبات أعيانها على اختلاف أطوار منابتها بمشرق أو مغرب حسًا ومشاهدةً وتحقيقًا لا مدافع له في ذلك ولا منازع حجةٌ لا ترد ولا تدفع إليه يسلم في ذلك ويرجع‏.‏

قام على الصنعتين لوجود القدر المشترك بينهما وهما الحديث والنبات إذ موادهما الرحلة والتقييد وتصحيح الأصول وتحقيق المشكلات اللفظية وحفظ الأديان والأبدان وغير ذلك‏.‏

وكان زاهدًا في الدنيا مؤثرًا بما في يديه منها موسعًا عليه في معيشته كثير الكتب جماعًا لها في كل فن من فنون العلم سمحًا لطلبه العلم ربما وهب منها لمتلمسه الأصل النفيس الذي يعز وجوده احتسابًا وإعانةً على التعليم له في ذلك أخبار منبئة عن فضله وكرم صنعه وكان كثير الشغف بالعلم والدؤوب على تقييده ومداومته سهر الليل من أجله مع استغراق أوقاته وحاجات الناس إليه إذ كان حسن العلاج في طبه المورود الموضوع لثقته ودينه‏.‏

قال ابن عبد الملك إمام المغرب قاطبة فيما كان سبيله جال الأندلس ومغرب العدوة ورحل إلى المشرق فاستوعب المشهور من إفريقية ومصره وشامه وعراقه وحجازه وعاين الكثير مما ليس بالمغرب وعاوض كثيرًا فيها كل ما أمكنه بمن يشهد له الفضل في معرفته ولم يزل باحثًا على حقائقه كاشفًا عن غوامضه حتى وقف منه على ما لم يقف عليه غيره ممن تقدم مذاهبه كان سنيًا ظاهري المذهب منحيًا على أهل الرأي شديد التعصب لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم على دين متين وصلاح تام وورع شديد انتشرت عنه تصانيف أبي محمد بن حزم واستنسخها وأظهرها واعتنى بها وأنفق عليها أموالًا جمة حتى استوعبها جملة حتى لم يشذ له منها إلا ما لا خطر متقدمًا ومقتدرًا على ذلك بجدته ويساره بعد أن تفقه طويلًا على أبي الحسن محمد بن أحمد بن زرقون في مذهب مالك‏.‏

مشيخته البحر الذي لا نهاية له‏:‏ روي بالأندلس عن أبي إسحاق الدمشقي وأبي عبد الله اليابري وأبي البركات بن داود وأبي بكر بن طلحة وأبي عبد الله ابن الحر وابن العربي وأبي علي الحافظ وأبي زكريا بن مرزوق وابن يوسف وابن ميمون الشريشي وأبي الحسن بن زرقون وأبي ذر مصعب وأبي العباس ابن سيد الناس وأبي القاسم البراق وابن جمهور وأبي محمد بن محمد بن الجنان وعبد المنعم بن فرس وأبي الوليد بن عفير قرأ عليهم وسمع‏.‏

وكتب إليه مجيزًا من أهل الأندلس والمغرب أبو البقاء بن قديم وأبو جعفر حكم الجفار وأبو الحسن الشقوري وأبو سليمان بن حوط الله وأبو زكريا الدمشقي وأبو عبد الله الأندرشي وأبو القاسم بن سمجون وأبو محمد الحجري‏.‏

ومن اهل المشرق جملةٌ منهم أبو عبد الله الحمداني بن إسماعيل بن أبي صيف وأبو الحسن الحويكر نزيل مكة‏.‏

وتأدي إليه أذن طائفة من البغداديين والعراقيين له في الرواية منهم ظفر بن محمد وعبد الرحمن بن المبارك وعلي بن محمد اليزيدي وفناخسرو فيروز بن سعيد وابن سنية ومحمد بن نصر الصيدلاني وابن تيمية‏.‏

وابن عبد الرحمن الفارسي وابن الفضل المؤذن وابن عمر بن الفخار ومسعود بن محمد بن حسان المنيغي ومنصور بن عبد المنعم الصاعدي وابن هوازن القشيري وأبو الحسن النيسابوري‏.‏

وحج سنة اثني عشر وستمائة فأدى الفريضة ثلاثة عشر ولقب بالمشرق بحب الدين‏.‏

وأقام في رحلته نحو ثلاثة أعوام لقي فيها من الأعلام العلماء أكابر جملة فمنهم ببجاية أبو الحسن بن نصر وأبو محمد بن مكي وبتونس أبو محمد المرجاني وبالإسكندرية أبو الأصبغ بن عبد العزيز وأبو الحسن بن جبير الأندلس وأبو الفضل بن جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات وأبو محمد عبد الكريم الربعي وأبو محمد العثماني أجاز له ولم يلقه وبمصر أبو محمد بن سحنون الغماري ولم يلقه وأبو الميمون بن هبة الله القرشي وبمكة أبو علي الحسن ابن محمد بن الحسين وأبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري وببغداد أحمد ابن أبي السعادات وأحمد بن أبي بكر وابن أبي خط طلحة وأبو نصر القرشي وإبراهيم بن أبي ياسر القطيعي ورسلان المسدي والأسعد بن بقاقا وإسماعيل بن باركش الجوهري وإسماعيل بن أبي البركات‏.‏

وبرنامج مروياته وأشياخه مشتملٌ على مئين عديدة مرتبة أسماؤهم على البلاد العراقية وغيرها لو تتبعتها لاستبعدت الأوراق وخرجت عما قصدت‏.‏

قال القاضي أبو عبد الله المراكشي بعد الإتيان على ذلك منتهى الثقاة أبو العباس النباتي من التقييد الذي قيد وعلى ما ذكره في فهارس له منوعة بين بسط وتوسط واقتضاب وقفت منها بخطه وبخط بعض أصحابه والآخذين عنه من أخذ عنه حدث ببغداد برواية واسعة فأخذ عنه بها أبو عبد الله بن سعيد اللوشي وبمصر الحافظ أبو بكر القط‏.‏

وبغيرها من البلاد أمة وقفل برواية واسعة وجلب كتبًا غريبة‏.‏

تصانيفه‏:‏ له فيما ينتحله من هذين الفنين تصانيف مفيدة وتنبيهات نافعة واستدراكات نبيلة بديعة منها في الحديث رجالة المعلم بزوائد البخاري على مسلم واختصار غريب حديث مالك للدار قطني ونظم الدراري فيما تفرد به مسلم عن البخاري وتوهين طرق حديث الأربعين وحكم الدعاء في إدبار الصلوات وكيفية الأذان يوم الجمعة واختصار الكامل في الضعفاء والمتروكين لأبي محمد بن عدي والحافل في تذييل الكامل وأخبار محمد بن إسحاق ومنها في النبات شرح حشائش دياسقوريدوس وأدوية جالينوس والتنبيه على أوهام ترجمتها والتنبيه على أغلاط الغافقي والرحلة النباتية والمستدركه وهو الغريب الذي اختص به إلا أنه عدم عينه بعده وكان معجزة في فنه إلى غير ذلك من المصنفات الجامعة والمقالات المفيدة المفردة والتعاليق المنوعة‏.‏

مناقبه قال ابن عبد الملك وابن الزبير وغيرهما عني تلميذه الآخذ به الناقد المحدث أبو محمد بن بن قاسم الحرار وتهمم بجمع أخباره ونشر مآثره وضمن ذلك مجموعًا حفيلًا نييلًا‏.‏

شعره ذكره أبو الحسن بن سعيد في القدح المعلى وقال‏:‏ جوالٌ بالبلاد المشرقية والمغربية جالسته بإشبيلية بعد عوده من رحلته فرأيته متعلقًا بالأدب مرتاحًا إليه ارتياح البحتري لحلب وكان غير متظاهر بقول الشعر إلا أن أصحابه يسمعون منه ويروون عنه وحملت عنه في بعض خيمٌ تخلق بين الكأس والوتر في جنة هي ملء السمع والبصر ومتع الطرف في مرأى محاسنها بروض فكرك بين الروض والزهر وانظر إلى ذهبيات الأصيل بها واسمع إلى نغمات الطير في السحر وقل لمن لام في لذاته بشرًا دعني فإنك عندي من سوى البشر قال وكثيرًا ما يطنب على دمشق ويصف محاسنها فما انفصل عني إلا وقد امتلأ خاطري من شكلها فأتمني أن أحل مواطنها إلى أن أبلغ الأمل قبل المنون‏.‏

ولو أني نظرت بألف عينٍ لما استوفت محاسنها العيون دخوله غرناطة دخلها غير ما مرة لسماع الحديث وتحقيق النبات ونقر عن عيون النبات بجبالها أحد خزاين الأدوية ومظان الفوايد الغريبة يجري ذلك في تواليفه بما لا يفتقر إلى شاهد‏.‏

مولده في محرم سنة إحدى وستين وخمسمائة‏.‏

توفي بإشبيلية عند مغيب الشفق من ليلة الإثنين مستهل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

وكان مما رثي قال ابن الزبير ورثاه جماعة من تلامذته كأبي محمد الحرار وأبي أمية إسماعيل بن عفير وأبي الأصبغ عبد العزيز الكبتوري وأبي بكر محمد بن محمد بن جابر السقطي وأبي العباس بن سليمان ذكر جميعهم الحرار المذكور في كتاب ألفه في فضايل الشيخ أبي العباس رحمه الله‏.‏

أحمد بن عبد الملك بن عمار بن ياسر أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن خلف ابن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوليته بيت بني سعيد العنسي بيتٌ مشهور في الأندلس بقلعة يحصب نزلها جدهم الأعلى عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر وكان له حظوة لمكانه من اليمانية بقرطبة وداره بقرب قنطرتها كانت معروفة وهو بيت القيادة والوزارة والقضاء والكتابة والعمل وفيما يأتي وما مر كفاية من التنبيه عليه‏.‏

حاله قال الملاحي كان من جلة الطلبة ونبهائهم وله حظ بارع من الأدب وكتابة مفيدة وشعر مدون‏.‏

قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه المسمى بالطالع نشأ محبًا في الأدب حافظًا للشعر وذاكرًا لنظم الشريف الرضي ومهيار وابن خفاجة وابن الزقاق فرقت طباعه وكثر اختراعه وإبداعه فاشتد بها غرامه وطال حبه وهيامه وكانت بينهما منادمات ومغازلات أربت على ما كان بين علوة وأبي عبادة يمر من ذلك إلمام في شعر حفصة إن شاء الله‏.‏

نباهته وحظوته ولما وفدت الأندلس على صاحب أمر الموحدين في ذلك الأوان وهو محتلٌ بجبل الفتح واحتفل شعراؤها في القصائد وخطباؤها في الخطب بين يديه كان في وفد غرناطة أبو جعفر هذا المترجم به وهو حدث السن في جملة أبيه وإخوته وقومه فدخل معهم على الخليفة وأنشده قصيدة قال أبو الحسن بن سعيد كتبت منها من خط والده قوله‏:‏ تكلم فقد أصغى إلى قولك الدهر وما لسواك اليوم نهيٌ ولا أمرٌ ورم كل ما قد شئته فهو كائنٌ وحاول فلا برٌ يفوت ولا بحر وحسبك هذا البحر فألا فإنه يقبل تربًا داسه جيشك الغمر وما صوته إلا سلامٌ مرددٌ علي ك وعن بشرٍ بقربك اليوم يفتر بجيش لكي يلقى أمامك من غدا يعاند أمرًا لا يقوم له أمر فما طارقٌ إلا لذلك مطرقٌ ولابن نصير لم يكن ذلك النصر هما مهداها كي تحل بأفقها كما حل عند التم بالهالة البدر قال‏:‏ فلما أتمها أثنى عليه الخليفة وقال لعبد الملك أبيه‏:‏ أيهما خيرٌ عندك في ابنيك فقال يا سيدنا‏:‏ محمدٌ دخل إليكم مع أبطال الأندلس وقوادها وهذا مع الشعر فانظروا ما يجب أن يكون خيرًا عندي فقال الخليفة‏:‏ كل ميسرٌ لما خلق له وإذا كان الإنسان متقدمًا في صناعة فلا يؤسف عليه إنما يؤسف على متأخر القدر محروم الحظ‏.‏

ثم أنشد فحول الشعراء والأكابر ثم لما ولي غرناطة ولده السيد أبو سعيد استوزر أبا جعفر المذكور واتصلت حظوته إلى أن كان ما يذكر من نكبته محنته قال قريبه وغيره‏:‏ فسد ما بينه وبين السيد أبي سعيد لأجل حفصة الشاعرة إذ كانت محل هواه ثم اتصلت بالسيد وكان له بها علاقة فكان كل منهما على مثل الرضف للآخر ووجد حساده السبيل إلى إغراء السيد به فكان مما نمي به عنه أن قال لحفصة يومًا‏:‏ وما هذا الغرام الشديد به يعني السيد وكان شديد الأدمة وأنا أقدر أن أشتري لك من المعرض أسودًا خيرًا منه بعشرين دينارًا فجعل السيد يتوسد له المهالك وأبو جعفر يتحفظ كل التحفظ‏.‏

وفي حالته تلك يقول‏:‏ من يشتري مني الحياة وطيبها ووزارتي وتأدبي وتهذبي بمحل راعٍ في ذرًى ملمومة زويت عن الدنيا بأقصى مرتب لا حكم يأخذه بها إلا لمن يعفو ويرؤف دائمًا بالمذنب فلقد سئمت من الحياة مع امرىء متغضب متغلبٍ مترتب الموت يلحظني إذا لاحظته ويقوم في فكري أوان تجنبي لا أهتدي مع طول ما حاولته لرضاه في الدنيا ولا للمهرب وأخذ في أمره مع أبيه وأخوته وفتنة ابن مردنيش مضطربة فقال له أخوه محمد وأبوه إن حركنا حركة كنا سببًا لهلاك هذا البيت ما بقيت دولة إلا هؤلاء وأخذ مع أخيه عبد الرحمن واتفقا على أن يثورا في القلعة باسم ابن مردنيش وساعدهما قريبهما على ذلك حاتم بن حاتم بن سعيد وخاطبوا ابن مردنيش وصدر لهم جوابه بالمبادرة ووصلت منه خيلٌ ضاريةٌ وتهيأ لدخول القلعة وتهيأ الحصول في القلعة وخافوا من ظهور الأمر فبادر حاتم وعبد الرحمن إلى القلعة وتم لهما المراد وأخر الجبن أبا جعفر ففاتاه وتوقع الطلب في الطريق إلى القلعة فصار متخفيًا إلى مالقة ليركب منها البحر إلى جهة ابن مردنيش ووضع السيد عليه العيون في كل جهة فقبض عليه بمالقة وطولع بأمره فأمر بقتله صبرًا رحمه الله‏.‏

جزالته وصبره قال أبو الحسن بن سعيد حدثني الحسين بن دويرة قال‏:‏ كنت بمالقة لما قبض على أبي جعفر وتوصلت إلى الاجتماع به ريثما استؤذن السيد في أمره حين حبس فدمعت عيني لما رأيته مكبولا قال‏:‏ أعلى تبكي بعد ما بلغت من الدنيا أطايب لذاتها فأكلت صدور الدجاج وشربت في الزجاج وركبت كل هملاج ونمت في الديباج وتمتعت بالسراري والأزواج واستعملت من الشمع السراج الوهاج وهأنا في يد الحجاج منتظرًا محنة الحلاج قادمٌ على غافرٍ لا يحوج إلى اعتذار ولا احتجاج‏.‏

فقلت‏:‏ ألا أبكي على من ينطق بمثل هذا ثم تفقد فقمت عنه فما رأيته إلا مصلوبًا رحمه الله‏.‏

شعره أتاني كتابٌ منك يحسده الدهر أما حبره ليلٌ أما طرسه فجر به جمع الله الأماني لناظري وسمعي وفكري فهو سحرٌ ولا سحر ولا عجب أن أينع الزهر طيه فما زال صوب القطر يبدو به الزهر ومن شعره ما يجري مجرى المرقص وقد حضر مع الرصافي والكتندي ومعهم مغن بروطة‏.‏

لله يومٌ مسرةٍ أضوى وأقصر من ذباله لما نصبنا للمنى فيه من أوتارٍ حباله ظل النهار بها كمر تاعٍ وأجفلت الغزاله وشعره مدون كما قلنا وهذا القدر عنوانٌ على نبله‏.‏

غريبةٌ في أمره مع حفصة قال حاتم بن سعيد وكان قد أجرى الله على لسانه إذا حركت الكأس بها غرامه أن يقول والله لا يقتلني أحدٌ سواك وكان يغني بالحب والقدر موكل بالمنطق قد فرغ من قتله بغيره من أجلها‏.‏

قال ولما بلغ حفصة قتله لبست الحداد وجهرت بالحزن فتوعدت بالقتل فقالت في ذلك‏:‏ هددوني من أجل لبس الحداد لحبيبٍ أردوه لي بالحداد وسقته بمثل جود يديه حيث أضحى من البلاد الغواد ولم ينتفع بعد بها ثم لحقت به بعد قليل‏.‏

وفاته توفي على حسب ما ذكر في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وخمسمائة‏.‏

أحمد بن سليمان بن فركون أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن فركون يكنى أبا جعفر أوليته قد مر ذلك في اسم جده قاضي الجماعة وسيأتي في اسم والده‏.‏

حاله شعلة من شعل الذكاء والإدراك ومجموع خلال حميدة على الحداثة طالب نبيل مدرك نجيب بذ أقرانه كفاية وسما إلى المراتب فقرأ وأعرب وتمر وتدرب واستجاز له والده شيوخ بلده فمن دونهم ونظم الشعر وقيد كثيرًا وسبق أهل زمانه في حسن الخط سبقا أفرده بالغاية القصوى فيراعه اليوم المشار إليه بالظرف والإتقان والحوا والإسراح اقتضى ذلك كله ارتقاؤه إلى الكتابة السلطانية ومزية الشفوف بها بالخلع والاستعمال واختص بي وتأدب بما انفرد به من أشياخ تواليفي فآثرته بفوائد جمة وبطن حوضه من تحلمه وترشح إلى شعره أنشد له بين يدي السلطان في الميلاد الكريم‏:‏ حي المعاهد بالكثيب وجادها غيثٌ بروي حيها وجمادها مولده في ربيع الآخر من عام سبعة وأربعين وسبعمائة‏.‏

أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان من أهل مالقة يكنى أبا جعفر ويعرف بابن صفوان‏.‏

حاله بقية الأعلام أديب من أدباء هذا القطر وصدرٌ من صدور كتابه ومشيخة طلبته ناظمٌ ناثر عارف ثاقب الذهب قوي الإدراك أصيل النظر إمام الفرايض والحساب والأدب والتوثيق ذاكرٌ للتاريخ واللغة مشارك في الفلسفة والتصوف كلفٌ بالعلوم الإلهية آية الله في فك المعمى لا يجاريه في ذلك أحد ممن تقدمه شأنه عجبٌ يفك من المعميات والمستنبطات مفصولًا وغير مفصول شديد التعصب لذي ود وبالعكس تام الرجولة قليل التهيب مقتحم حمى أهل الجاه والحمد والمضايقة إذا دعاه لذلك داع حبل نقده على غاربه راضٍ بالخمول متبلغ بما تيسر كثير الدؤوب والنظر والتقييد والتصنيف على كلال الجوارح وعائق الكبرة متقارب نمطي الشعر والكتابة مجيد فيهما ولنظمه شفوف على نثره‏.‏

مشيخته قرأ على الأستاذ أبي محمد الباهلي أستاذ الجملة من أهل بلده ومولى النعمة عليهم لازمه وانتفع به ورحل إلى العدوة فلقي جملة كالقاضي المؤرخ أبي عبد الله بن عبد الملك والأستاذ التعالمي أبي العباس بن البنا وقرأ عليهم بمراكش‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:34 AM



نباهته استدعاه السلطان ثاني الملوك من بني نصر إلى الكتابة عنه مع الجلة ببابه وقد نما عشه وعلا كعبه واشتهر ذكاؤه وإدراكه‏.‏

ثم جنح إلى العودة لبلده‏.‏

ولما ولي الملك السلطان أبو اليد ودعاه إلى نفسه ببلده مالقة استكتبه رئيسًا مستحقًا إذ لم يكن ببلده فأقام به واقتصر على كتب الشروط معروف القدر بمكان من القضاة ورعيهم صدرًا في مجالس الشورى وإلى الآن يجعل إلى زيارة غرناطة حظًا من فصول بعض السنين فينصب بها العدالة ثم يعود إلى بلده في الفصل الذي لا يصلح لذلك‏.‏

وهو الآن بقيد الحياة قد علقته أشراك الهرم وفيه بعد مستمتعٌ بديع كبير‏.‏

تصانيفه من تواليفه مطلع الأنوار الإلهية وبغية المستفيد وشرح كتاب القرشي في الفرايض لا نظير له‏.‏

وأما تقاييده على أقوال يعترضها وموضوعات ينتقدها فكثيرة‏.‏

شعره قال في غرض التصوف وبلغني أنه نظمها بإشارة من الخطيب ولي الله أبي عبد الله الطنجالي كلف بها القوالون والمسمعون بين يديه‏:‏ بان الحميم فما الحمى والبان بشفاء من عنه الأحبة بانوا لم ينقضوا عهدًا ببينهم ولا أنساهم ميثاقك الحدثان لكن جنحت لغيرهم فأزالهم عن أنسهم بك موحشٌ غيران لو صح حبك ما فقدتهم ولا سارت بهم عن حبك الأظعان تشتاقهم وحشاك هالة بدرهم والسر منك لخلهم ميدان لا يشتكي ألم البعاد متيمٌ أحبابه في قلبه سكان ما عندهم إلا الكمال وإنما غطى على مرآتك النقصان شغلتك بالأغيار عنهم مقلةٌ إنسانها عن لمحهم وسنان غمض جفونك عن سواهم معرضًا إن الصوارم حجبها الأجفان واصرف إليهم لحظ فكرك شاخصًا ترهم بقلبك حيث كنت وكانوا ما بان عن مغناك من ألطافه يهمي عليها سحابها الهتان وجياد أنعمه ببابك ترتمي تسري إليك بركبها الأكوان جعلوا دليلًا فيك منك عليهم فبدا على تقصيرك البرهان يا لامحًا سر الوجود بعينه السر فيك بأسره والشان ارجع لذاتك إن أردت تنزهًا فيها لعيني ذي الحجا بستان هي روضةٌ مطلولةٌ بل جنةٌ فيها المني والروح والريحان كم حكمة صارت تلوح لناظرٍ حارت لباهر صنعها الأذهان حجبت بشمسك عن عيانك شمسها شمسٌ محاسن ذكرها التبيان لولاك ما خفيت عليك آياتها والجو من أنوارها ملآن فأخرج إليهم عنك مفتقرًا لهم إن الملوك بالافتقار تدان واخضع لعزهم ولذلهم يلح منهم علك تعطفٌ وحنان هم رشحوك إلى الوصول إليهم وهم على طلب الوصال عوان عطفوا جمالهم على أجمالهم فحلى المشوق الحسن والإحسان يا ملبسين عبيدهم حلل الضنا جسمي بما تكسونه يزدان لا سخط عندي للذي ترضونه قلبي بذاك مفرح جذلان فبقربكم عين الغنا وببعدكم محض الفنا ومحبكم ولهان إني كتمت عن الأنام هواكم حتى دهيت وخانني الكتمان ووشت بحالي عند ذاك مدامعٌ أدنى مواقع قطرها طوفان وبدت على شمايل عذرية تقضي بأني فيكم هيمان فإذا نطقت فذكركم لي منطقٌ ما عن سواكم للسان بيان وإذا صمت فأنتم سرى الذي بين الجوانح في الفؤاد يصان فبباطني وبظاهري لكم هوى من جنده الإسرار والإعلان وجوانحي وجميع أنفاسي وما أحوى على لحبكم أعوان وقال يذم الدنيا ويمدح عقبي من يقلل منها‏:‏ حديث الأمان في الحياة شجون إن أرضاك شأنٌ أحفظتك شئون يميل إليها جاهلٌ بغرورها فمنه اشتياقٌ نحوها وأنين وذو الحزم ينبو عن حجاه فحالها يقيه إذا شكٌ عراه يقين إليك صريع الأمن سنحه ناصح على نصحه سبما الشفيق تبين تجاف عن الدنيا ودن باطراحها فمركبها بالمطمعين حرون وترفيعها خفضٌ وتنعيمها أذى ومنهلها للواردين أجون إذا عاهدت خانت وإن هي أقسمت فلا ترج برًا باليمين يمين يروقك منها مطمعٌ من وفائها وسرعان ما إثر الوفاء تخون وتمنحك الإقبال كفة حابلٍ ومن مكرها في طي ذاك كمين سقاه لعمر الله إمحاضك الهوى لمن أنت بالبغضاء فيه قمين ومن تصطفيه وهو يقطعك القلا وتهدي له الإعزاز وهو يهين ألا إنها الدنيا فلا تغترر بها ولود الدواهي بالخداع تدين يعم رداها الغر والخب ذا الدها ويلحق فيها بالكناس عرين أبنها لحاها الله كم فتنةٍ لها تعلم صم الصخر كيف يلين فلا ملكٌ سام أقالت عثاره ولو أنه للفرقدين خدين ولا معهد إلا وقد نبهت به بعيد الكرى للثاكلات جفون أبيت لنفسي أن يدنسها الكرى سكونٌ إليها موبقٌ وركون فليس قرير العين فيها سوى امرىءٍ قلاه لها رأى يراه ودين أبيت طلاق الحرص فالزهد دائبًا خليلٌ له مستصحبٌ وقرين إذا أقبلت لم يولها بشر شيقٍ ولا خف للإقبال منه رزين وإن أدبرت لم يلتفت نحوها بها وادٍ على ما لم توات حزين خفيف المطا من حمل أثقال همها إذا ما شكت ثقل الهموم متون على حفظه للفقر أبهى ملاءةٍ سنى حليها وسط الزرى يدين برجف تخال الخائفين منازلٌ لهن مكانٌ حيث حل مكين منازل نجدٍ عندها وتهامةٍ سوى واستوى هندٌ لديه وصين يرود رياضًا أين سار وورده زلالٌ اعتاض الورود معين فهذا أنيل الملك لا ملك ثائرٍ لأعدائه حربٌ عليه زبون حوت شخصه أوصافها فكأنه وإن لم يمت فوق التراب دفين فيا خابطًا عشواء والصبح قد بدا إلام تغطى ناظريك دجون أفق من كرى هذا التعامي ولا تضع بجلك علق العمر فهو ثمين إذا كان عقبي ذي جدة إلى بلى وقصارى ذي الحياة منون ففيم التفاني والتنافس ضلة وفيم التلاحي والخصام يكون إلى الله أشكوها نفوسًا عمية عن الرشد والحق اليقين تبين وأسأله الرجعي إلى أمره الذي بتوفيقه حبل الرجاء متين فلا خير إلا من لدنه وجوده لتيسير أسباب النجاة ضمين وجمعت ديوان شعره أيام مقامي بمالقة عند توجهي صحبة الركاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام أربعة وأربعين وسبعمائة وقدمت صدره خطبة وسميت الجزء بالدرر الفاخرة واللجج الزاخرة وطلبت منه أن يجيزني وولدي عبد الله رواية ذلك عنه فكتب بخطه الرائق بظهر المجموع ما نصه‏:‏ الحمد لله مستحق الحمد أجبت سؤال الفقيه الأجل الأفضل السري الماجد الأوحد الأحفل الأديب البارع الطالع في أفق المعرفة والنباهة والرفعة المكينة والوجاهة بأبهى تعالى ومصليًا ومسلمًا على محمد نبيه المصطفى الكريم وعلى آله الطاهرين ذوي المنصب العظيم وصحبه البررة أولى المنصب والأثرة والتقديم في سادس ربيع الآخر عام أربعة وأربعين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

واشتمل هذا الجزء الذي أذن بحمله عنه من شعره على جملة من المطولات منها قصيدة يعارض بها الرئيس أبا علي بن سينا في قصيدته الشهيرة في النفس التي مطلعها‏:‏ هبطت إليك من المحل الأرفع أولها‏:‏ أهلا بمسراك المحب الموضع‏.‏

وأول قصيدة‏:‏ لمعناك في الأفهام سرٌ مكتمٌ عليه نفوس العارفين تحوم وأول أخرى‏:‏ أزهى حجابك رؤية الأغيار فامح الدجى بأشعة الأنوار وأول أخرى‏:‏ ثناء وجودي في هواكم هو الخلد ومحو رسومي حسن ذاتي به يبدو ومطلع أخرى‏:‏ ألا في الهوى بالذل ترعى الوسائل ودمعي أن أنادي مجيب وسائل ومطلع أخرى‏:‏ ومن أخرى‏:‏ ومن أخرى‏:‏ سقى زمن الرضا هامٌ من السحب ولله العود من أثوابه القشب ومن أخرى‏:‏ يا فوز نفسي في هواك هواؤها رقت معانيها وراق مناؤها ومن أخرى‏:‏ أما الغرام فبالفؤاد غريم هيهات مني ما العذول يروم ومن شعره في المقطوعات قوله‏:‏ رشق العذار لجينه بنباله فغدا يدور على المحب الواله خط العذار بصفحتيه لامه خطا توعده بمحو جماله فحسبت أن جماله شمس الضحى حسنًا وذاك الخط خط زواله فدنا إلي تعجبًا وأجابني والروع يبدو من خلال مقاله إن الجمال آخره اللام فعج عن رسمه واندب على أطلاله ومن أبياته في التورية بالفنون قوله‏:‏ كففت عن الوصال طويل شوقي إليك وأنت للروح الخليل وقال في التورية بالعروض‏:‏ يا كاملًا شوقي إليه وافر وبسيط خدي في هواه عزيز عاملت أسبابي لديك فقطعتها والقطع في الأسباب ليس يجوز وقال في التورية بالعربية‏:‏ أيا قمرًا مطالعه جناني وغرته تواري عن عيان أأصرف في هواك عن اقتراحي وسهدي وانتحابي علتان وقال أيضًا‏:‏ لا تصحبن يا صاحبي غير الوفي كل امرىء عنوانه من يصطفي كم من خليلٍ بشره زهر الربي وطي ذاك البشر حد المرهف ظاهره يريك سر من رأى وأنت من إعراضه في أسف ووقعت بينه وبين قاضي بلده أبي عمرو بن المنظور مقاطعة انبرى بها إلى مطالبته بما دعاه إلى التحول مضطرًا إلى غرناطة وأخذ بكظمه وطوقه الموت في أثناء القطيعة فقال في ذلك متشفيًا وهو من نبيه كلامه وكله نبيه‏:‏ تردى ابن منظورٍ وحم حماه وأسلمه حامٌ له ونصير وأودع بعد الأنس موحش بلقعٍ فحياه فيه منكرٌ ونكير ولا رشوةٌ يدلي القبول رشادها فينسخ بالسير المريح عسير ولا شاهدٌ يغضي له عن شهادةٍ تخللها إفكٌ يصاغ وزور ولا خدعةٌ تجدي ولا مكرٌ نافعٌ ولا غشٌ مطويٌ عليه ضمير ولكنه حقٌ يصول وباطلٌ يحول ومثوى جنةٍ وسعير وقالوا قضاء الموت حتمٌ على الورى يدير صغيرٌ كأسه وكبير فلا تنتسم ريح ارتياح لفقده فإنك عن قصد السبيل تحور فقلت بلى حكم المنية شاملٌ وكل إلى رب العباد يصير ولكن تقدم الأعادي إلى الردى نشاطٌ يعود القلب منه سرور وأمنٌ ينام المرء في برد ظله ولا حيةٌ للحقد نم نثور وحسبي بيتٌ قاله شاعرٌ مضى غدا مثلًا في العالمين يسير وإن بقاء المرء بعد عدوه ولو ساعةً من عمره لكثير بمالقة في آخر جمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة‏.‏

أحمد بن أيوب اللماي من أهل مالقة يكنى أبا جعفر‏.‏

حاله قال صاحب الذيل كان أديبًا ماهرًا وشاعرًا جليلا وكاتبًا نبيلا‏.‏

كتب عن أول الخلفاء الهاشميين بالأندلس على بن جمود ثم عن غيره من أهل بيته وتولي تدبير أمرهم فحاز لذلك صيتًا شهيرًا وجلالة عظيمة‏.‏

وذكره ابن بسام في كتاب الذخيرة فقال‏:‏ كان أبو جعفر هذا في وقته أحد أئمة الكتاب وشهب الأدب ممن سخرت له فنون البيان تسخير الجن لسليمان وتصرف في محاسن الكلام تصرف الرياح بالغمام طلع من ثناياه واقتعد مطاياه وله إنشاءات سرية في الدولة الحمودية إذ كان علم أدبائها والمضطلع بأعبائها إلا أني لم أجد عند تحريري هذه النسخة من كلامه إلا بعض فصول من منثور وهي ثمادٌ من بحور‏.‏

فصل‏:‏ من رقعة خاطب بها أبا جعفر بن العباس‏:‏ غصن ذكرك عندي ناضرٌ وروض شكرك لدي عاطرٌ وريح إخلاصي لك صبًا وزمان آمالي فيك صبًا فأنا شاربٌ ماء إخاثك متفييٌ ظل وفائك جان منك ثمرة فرعٍ طاب أكله وأجناني البر قديمًا أصله وسقاني إكرامًا برقه ورواني أفضالًا ودقه وأنت الطالع في فجاجه السالك لمنهاجه سهمٌ في كنانة الفضل صائبٌ وكوكبٌ في سماء المجد ثاقبٌ إن أتبعت الأعداء نوره أحرق وإن رميتهم به أصاب الحدق وعلى الحقيقة فلساني يقصر عن جميل أنشره ووصف ود أضمره‏.‏

شعره قال ومما وجد بخطه لنفسه‏:‏ طلعت طلائع للربيع فأطلعت في الروض وردًا قبل حين أوانه حيا أمير المسلمين مبشرًا ومؤملًا للنيل من إحسانه ضنت سحائبه عليه بمائها فأتاه يستسقيه ماء بنانه دامت لنا أيامه موصولةً بالعز والتمكين في سلطانه قال‏:‏ وأنشدني الأديب أبو بكر بن معن قال أنشدني أبو الربيع بن العريف لجده الكاتب أبي جعفر اللماي وامتحن بداء النسمة من أمراض الصدر وأزمن به نفعه الله وأعياه علاجه بعد أن لم يدع فيه غاية وفي ذلك يقول‏:‏ لم يبق من شيء أعالجها به طمع الحياة وأين من لا يطمع ودخل عليه بعض أصحابه فيها وجعل يروح عليه فقال له بديهة‏:‏ روحني عائدي فقلت له لا تزدني على الذي أجد ما ترى النار وهي خامدةٌ عند هبوب الرياح تتقد ودخل غرناطة غير مامرة منها مترددًا بين أملاكه وبين من بها من ملوك صنهاجة قالوا ولم تفارقه تلك الشكاية حتى كانت سبب وفاته‏.‏

وفاته مالقة عام خمسن وستين وأربعمائة‏.‏

ونقل منها إلى حصن الورد وهو عند حصن منت ميور إذ كان قد حصنه واتخذه لنفسه ملجأ عند شدته فدفن به بعهدٍ منه بذلك وأمر أن يكتب على قبره بهذه الأبيات‏:‏ بنيت ولم أسكن وحصنت جاهدًا فلما أتي المقدور صيره قبري ولم يكن حظي غير ما أنت مبصرٌ بعينك ما بين الذراع إلى الشبر فيا زائرًا قبري أوصيك جاهدًا عليك بتقوى الله في السر والجهر فلا تحسنن بالدهر ظنا فإنما من الحزم ألا يستنام إلى الدهر أحمد بن محمد بن طلحة من أهل جزيرة شقر يكنى أبا جعفر ويعرف بابن جده طلحة‏.‏

حاله قال صاحب القدح المعلى من بيت مشهور بجزيرة شقر من عمل بلنسية كتب عن ولاة الأمر من بني عبد المؤمن ثم استكتبه ابن هود حين تغلب على الأندلس وربما استوزره وهو ممن كان والدي يكثر مجالسته وبينهما مزاورة ولم أستفد منه إلا ما كنت أحفظه من مجالسته‏.‏

شعره قال سمعته يومًا يقول تقيمون القيامة بحبيب والبحتري والمتنبي وفي عصركم من يهتدي إلى ما لم يهتد إليه المتقدمون ولا المتأخرون فانبرى إليه شخص له همة وإقدام فقال يا أبا جعفر‏:‏ أين برهان ذلك فما أظنك تعني إلا نفسك فقال ما أعني إلا نفسي ولم لا وأنا الذي أقول‏:‏ يا له ترى الظرف من يومنا قلد جيد الأفق طوق العقيق وأنطق الورق بعيدانها مطربةً كل قضيبٍ وريق والشمس لا تشرب خمر الندى في الروض إلا بكأس الشقيق فلم ينصفوه في الاستحسان وردوه في الغيظ كما كان فقلت له‏:‏ يا سيدي هذا والله السحر الحلال وما سمعت من شعراء عصرنا مثله فبالله ألا ما لازمتني وزدتني من هذا النمط فقال لي لله درك ودر أبيك من منصف ابن منصف‏.‏

اسمع وافتح أذنيك‏.‏

ثم أنشد‏:‏ أدرها فالسماء بدت عروسًا مضمخة الملابس بالغوال وخد الأرض خفره أصيلٌ وجفن النهر كحل بالظلال وجيد الغصن يشرق في لآلٍ تضيء بهن أكناف الليال فقلت بالله أعد وزد فأعاد والارتياح قد ملأ عطفه والتيه قد رفع أنفه ثم قال‏:‏ لله نهرٌ عند ما زرته عاين طرفي منه سحرًا حلال إذا أصبح الطل به ليلة وجال فيه الغصن مثل الخيال فقلت ما على هذا مزيدٌ من الاستحسان فعسى أن يكون المزيد في الانشاد فزاد ارتياحه وأنشد‏:‏ ولما ماج بحر الليل بيني وبينكم وقد جددت ذكرا أراد لقاكم إنسان عيني فمد له المنام عليه جسرا فقلت إيه زادك الله إحسانًا فزاد‏:‏ أقام له العذار عليه جسرًا كما مد الظلام على الضياء فقلت فما تكرر ويطول فإنه مملول إلا ما أوردته آنفًا فإنه كنسيم الحياة وما أن يمل فبالله ألا ما زدتني وتفضلت علي بالإعادة فأعاد وأنشد‏:‏ هات المدام إذا رأيت شبيهها في الأفق يا فردًا بغير شبيه فالصبح قد ذبح الظلام بنصله فغدت حمائمه تخاصم فيه دخوله غرناطة‏:‏ دخلها مع مخدومه المتوكل على الله ابن هود وفي جملته إذ كان يصحبه في حركاته ويباشر معه الحرب وجرت عليه الهزائم وله في ذلك كله شعر‏.‏

محنته قالوا لم يقنع بما أجرى عليه أبو العباس الينشتي من الإحسان فكان يوغر صدره من الكلام فيه فذكروا أن الينشتي قال يومًا في مجلسه‏:‏ رميت يومًا بسهمٍ من كذا فبلغ إلى كذا فقال ابن طلحة لشخص كان إلى جانبه‏:‏ والله لو كان قوس قزح فشعر أبو العباس إلى قوله ما يشبه ذلك واستدعى الشخص وعزم عليه فأخبره بقوله فأسرها في نفسه إلى أن قوى الحقد عليه ما بلغه من عنه من قوله يهجوه‏:‏ سمعنا بالموفق فارتحلنا وشافعنا له حسبٌ وعلم فأنشدنا لسان الحال عنه يدٌ شلا وأمرٌ لا يتم فزادت موجدته عليهن وراعى أمره إلى أن بلغته أبياتٌ قالها في شهر رمضان وهو على حال الاستهتار‏:‏ يقول أخو الفضول وقد رآنا على الإيمان بلغنا الحجون أنشكو شهر الصوم هلا حماه منكم عقلٌ ودين فقلت اصحب سوانا فنحن قوم زنادقة مذاهبنا فنون ندين بكل دين غير دين ال رعاع فما به أبدًا ندين فنحن على صفوح الدهر ندعو وإبليس يقول لنا آمين أيا شهر الصيام إليك عنا ففيك أكفر ما نكون قال‏:‏ فأرسل إليه من هجم عليه وهو على هذا الحال وأظهر إرضاء العامة بقتله وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة‏.‏

ولا خفاء أنه من صدور الأندلس وأشدهم عثورًا على المعاني الغريبة المخترعة رحمه الله‏.‏

من أهل ألمرية يكنى أبا جعفر ويعرف بابن خاتمة‏.‏

حاله هذا الرجل صدرٌ يشار إليه طالبٌ متفننٌ مشاركٌ قوي الإدراك سديد النظر قوي الذهن موفور الأدوات كثير الاجتهاد معين الطبع جيد القريحة بارع الخط ممتع المجالسة حسن الخلق جميل العشرة حسنةٌ من حسنات الأندلس وطبقةٌ في النظم والنثر بعيد المرقى في درجة الاجتهاد وأخذه بطرق الإحسان عقد الشروط وكتب عن الولاة ببلده وقعد للاقراء ببلده مشكور السيرة حميد الطريقة في ذلك كله‏.‏

وجرى ذكره في كتاب التاج بما نصه ناظم درر الألفاظ ومقلد جواهر الكلام نحور الرواة ولبات الحفاظ والآداب التي أصبحت شواردها حلم النائم وسمر الأيقاظ وكم من بياض طرسها وسواد مقسها سحر الألحاظ رفع في قطره راية هذا الشأن على وفور حلبته وقرع فنه البيان علىسمو هضبته وفوق سهمه إلى بحر الإحسان فأتثبته في لبته فإن أطال شأن الأبطال وكاثر المنسجم الهطال وإن أوجز فضح وأعجز فمن نسيب تهيج به الأشواق وتضيق عن زفراتها الأطواق ودعابهٍ تقلص ذيل الوقار وتزري بأكواس العقار إلى انتماء للمعارف وجنوح إلى ظلها الوارف ولم تزل معارفه ينفسح آمادها وتحوز خص السباق جيادها‏.‏

مشيخته حسبما نقل بخطه في ثبت استدعاه منه من أخذ عنه الشيخ الخطيب الأستاذ مولى النعمة على أهل طبقته بألمرية أبو الحسن علي بن محمد بن أبي العيش المري قرأ عليه ولازمه وبه جل انتفاعه والشيخ الخطيب الأستاذ الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن العاص التنوخي‏.‏

وروي عن الرواية المحدث المكثر الرحال محمد بن جابر بن محمد بن حسان الوادي آشي وعن شيخنا أبي البركات ابن الحاج سمع عليه الكثير وأجازه إجازة عامة والشيخ الخطيب أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن شعيب القيسي من أهل بلده والقاضي أبو جعفر القرشي بن فركون‏.‏

وأخذ عن الوزير الحاج الزاهد أبي القاسم محمد ابن محمد بن سهل بن مالك‏.‏

وقرأ على المقرى أبي جعفر الأغر وغيرهم‏.‏

كتابته مما خاطبني به بعد إلمام الركب السلطاني ببلده وأنا صحبته ولقائه إياي بما يلقى به مثله من يا من حصلت على الكمال بما رأت عيناي منه من الجمال الرائع مرأى يروق وفي عطافي برده ما شئت من كرمٍ ومجدٍ بارع أشكو إليك من الزمان تحاملا في فض شملٍ لي بقربك جامع هجم البعاد عليه ضنا باللقا حتى تقلص مثل برق لامع فلو أنني ذو مذهب لشفاعة ناديته يا مالكي كن شافعي شكواي إلى سيدي ومعظمي أقر الله تعالى بسنائه أعين المجد وأدر بثنائه ألسن الحمد شكوى الظمآن صد عن القراح العذب لأول وروده والهيمان رد عن استرواح القرب لمعضل صدوده من زمانٍ هجم علي بعاده على حين النفادة ودهمني بفراقه غب إنارة أفقي به وإشراقه ثم لم يكفه ما اجترم في ترويع خياله الزاهر حتى حرم عن تشييع كماله الباهر فقطع عن توفية حقه ومنع من تأدية مستحقه لا جرم أنه أنف لشارع ذكائه من هذه المطالع النافية عن شريف الإنارة وبخل بالإمتاع بذكائه عن هذه المسامع النائية عن لطيف العبارة فراجع أنظاره واسترجع معاره وإلا فعهدي بغروب الشمس إلى طلوع وأن البدر ينصرف بين الاستقامة والرجوع‏.‏

فما بال هذا النير الأسعد غرب ثم لم يطلع من الغد ما ذاك إلا لعدوى الأيام وعدوانها وشأنها في تغطية إساءتها وجه إحسانها وكما قيل عادت هيفٌ إلى أديانها أستغفر الله أن لا يعد ذلك من المغتفر في جانب ما أوليت من الأثر التي أزرى العيان فيها بالأثر وأربى الخبر على الخبر فقد سرت متشوفات الخواطر وأقرت متشرفات النواظر بما جلت من ذلكم الكمال الباهر والجمال الناضر الذي قيد خطى الأبصار عن التشوف والاستبصار وأخذ بأزمة القلوب عن سبيل كل مأمول ومرغوب وأني للعين بالتحول عن كمال الزين أو للطرف بالتحول عن خلال الظرف أو للمسع من مراد بعد ذلك الإصرار والإيراد أو للقلب من مراد غير تلكم الشيم الرافلة من ملابس الكرم في حلل وأبراد وهل هو إلا الحسن جمع في نظام والبدر طالع التمام وأنوار الفضائل ضمها جنس اتفاقٍ والتآم فما ترعى العين منه في غير مرعى خصيب ولا تستهدف الآذان لغير سهمٍ في حدق البلاغة مصيب ولا تطلع النفس سوى مطلعٍ له في الحسن والإحسان أوفر نصيب‏.‏

لقد أزرى بناظم حلاه فيما تعاطاه التقصير‏.‏

وانفسح من أعلاه بكل باعٍ قصير وسفه حلم القائل‏:‏ إن الإنسان عالمٌ صغير شكرًا للدهر على يد أسداها بقلب مزاره وتحفة ثناء أهداها بمطلع أنواره على تغاليه في ادخار نفائسه وبخله بنفائس ادخاره ولا غرو أن يضيق عنا نطاق الذكر ولما يتسع لنا سوار الشكر فقد عمت هذه الأقطار بما شاءت من تحفٍ بين تحف وكرامة واجتنت أهلها ثمرة الرحلة في ظل الإقامة وجرى الأمر في ذلك مجرى الكرامة ألا وإن مفاتحتي لسيدي ومعظمي حرس الله تعالى مجده وضاعف سعده مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه وجرى له القدر على وفق مرغوبه فشرع له إلى أمله بابًا ورفع له من خجله جلبابًا فهو يكلف بالاقتحام ويأنف من الإحجام غير أن الحصر عن درج قصده يقيده فهو يقدم والبصر يبهرج نقده فيقعده فهو يقدم رجلًا ويؤخر أخرى ويجدد عزمًا ثم لا يتحرى فإن أبطأ خطابي فلواضحٌ الاعتذار ومثلكم لا يقبل حياة الأعذار والله عز وجل يصل إليكم عوايد الإسعاد والإسعاف ويحفظ لكم ما للمجد من جوانب وأكناف إن شاء الله تعالى كتب في العاشر من ربيع الأول من عام ثمانية وأربعين وسبعمائة‏.‏

دخوله غرناطة‏:‏ دخل غرناطة غير ما مرة منها في استدعاء شمال الخواص من أهل الأقطار الأندلسية عند إعذار الأمراء في الدولة اليوسفية في شهر شعبان من عام إحدى وخمسين وسبعمائة‏.‏

شعره كان مجليًا وأنشد في حلبة الشعراء قصيدةً أولها‏:‏ أجنان خلدٍ زخرفت أم مصنع والعيد عاود أم صنيعٌ يصنع من لم يشاهد موقفًا لفراق لم يدر كيف توله العشاق إن كنت لم تره فسائل من رأى يخبرك عن ولهي وهول سياق من حر أنفاسٍ وخفق جوانح وصدوع أكبادٍ وفيض مآق دهى الفؤاد فلا لسانٌ ناطقٌ عند الوداع طايع متراق ولقد أشير لمن تكلف رحلةً أن عج على ولو بقدر فواق على أراجع من ذماي حشاشةً أشكو بها بعض الذي أنا لاق فمضى ولم تعطفه نحوي ذمةٌ هيهات لابقيا على مشتاق يا صاحبي وقد مضى حكم النوى روحا على بمشيمة العشاق واستقبلابي نسمةً عن أرضكم فلعل نفحتها تحل وثاق إني ليشفيني النسيم إذا سرى متضوعًا من تلكم الآفاق من مبلغ بالجزع أهل مودتي أني على حكم الصبابة باق ولئن تحول عهد قربهم نوى ما حلت عن عهدي ولا ميثاق أنفت خلايقي الكرام لخلتي نسبًا إلى الإخلاق والإخراق قسمًا به ما استغرقتني فكرةٌ إلا وفكري فيه واستغراق أبكي إذا هب النسيم فإن تجد بللًا به فبدمعي المهراق أوما ما تكتب إليه مع الصبا فالذكر كتبي والرفاق رفاق من لي وقد شحط المزار بنازح أدنى لقلبي من جوى أشواق إن غاب عن عيني فمثواه الحشا فسراه بين القلب والأحداق جارت على يدي النوى بفراقه آهًا لما جنت النوى بفراق أحباب قلبي هل لماضي عيشنا ردٌ فينسخ بعدكم بتلاق أم هل لأثواب التجلد راقعٌ إذ ليس من داء المحبة راق ما غاب كوكب حسنكم عن ناطري إلا وأمطرت الدما آماق إيه أخي أدر على حديثهم كأسًا ذكت عرفًا وطيب مذاق وإذا جنحت لماء أو طربٍ فمن دمعي الهموع وقلبي الخفاق ذكراه راحي والصبابة خضرتي والدمع ساقيني وأنت الساق فليله عني من لحاني إنني راض بما لاقيته وألاق وقال‏:‏ وقفت والركب قد زمت ركائبه وللنفوس مع النوى تقطيع أضم منه كما أهدي لغير نوى ريحانةً في شذاها الطيب مجموع يهفو فأذعر خوفًا من تقلصها إن الشفيق بسوء الظن مولوع هل عند من قد دعي بالبين مقلته إن الردى منه مرئيٌ ومسموع أشيع القلب عن رغمٍ على وما بقاء جسم له للقلب تشييع أرى وشاتي أني لست مفتقرًا لما جرى وصميم القلب مصروع الوجد طبعٌ وسلواني مصانعة هيهات يشكل مصنوع ومطبوع إن الجديد إذا ما زيد في خلقٍ تبين الناس أن الثوب مرقوع وقال أيضًا‏:‏ لولا حيائي من عيون النرجس للثمت خد الورد بين السندس ورشفت من ثغر الأقاحة ريقها وضممت أعطاف الغصون الميس وهتكت أستار الوقار ولم أبل للباقلاء تلحظ بطرفٍ أشوس مالي وصهباء الدنان مطارحًا سجع القيان مكاشفًا وجه المس شتان بين مظاهرٍ ومخاتل ثوب الحجا ومطهر ومدنس ومجمجمٍ بالعذل باكرني به والطير أفصح مسعد بتأنس سفهت في العشاق يومًا إن أكن ذاك الذي يدعي الفصيح الأخرس أعذول وجدي ليس عشك فادرجي ونصيح رشدي بان نصحك فاجلس هل تبصر الأشجار والأطيار والأزه ار تلك الخافضات الأروس نالله وهو إليتي وكفى به قسمًا يفدي بره بالأنفس ما ذاك من شكوٍ ولا لخلالةٍ لكن سجود مسبحٍ ومقدس شكرًا لمن برأ الوجود بجوده فثني إليه الكل وجه المفلس وسما بساط الأرض فمده ودحا بسيط الأرض أوثر مجلس ووشى بأنواع المحاسن هذه وأنار هذي بالجوار الكنس وأدر أخلاف العطاء تطولًا وأنال فضلا من يطيع ومن يسى حتى إذا انتظم الوجود بنسبةٍ وكساه ثوبي نوره والحندس واستكملت كل النفوس كمالها شفع العطايا بالعطاء الأنفس بأجل هادٍ للخلائق مرشدٍ وأتم نورٍ للخلائق مقبس بالمصطفى المهدي إلينا رحمةً مرمى الرجا ومسكة المتيئس نعمٌ يضيق الوصف عن إحصائها فل الخطيب بها لسان الأوجس إن كنت قد أحسنت نعت جمالهم فلقد سها عني العذول بهم وسى ما إن دعوك ببلبل إلا لما قد هجت من بلبال هذي الأنفس سبحان من صدع الجميع بحمده وبشكره من ناطق أو أخرس وامتدت الأطلال ساجدةً له بجبالها من قائمٍ أو أقعس فإذا تراجعت الطيور وزايلت أغصانها بأن المطيع من المسى فيقول ذا سكرت لنغمة منشد ويقول ذا سجدت لذكر مقدس كل يفوه بقوله والحق لا يخفي على نظر اللبيت الأكيس وقال‏:‏ زارت على حذر من الرقباء والليل ملتحف بفضل رداء تصل الدجا بسواد فرع فاحم لتزيد ظلماءً إلى ظلماء وشى بها من وجهها وحليها بدر الدجا وكواكب الجوزاء أهلا بزائرةٍ على خطر السرى ما كنت أرجوها ليوم لقاء أقسمت لولا عفة عذريةٌ وتقىً على له رقيبٍ راء لنقعت غلة لوعتي برضا بها ونضحت ورد خدودها ببكائي أرسلت ليل شعرها من عقص عن محيا رمى البدور بنقص فأرتنا الصباح في جنح ليلٍ يتهادى ما بين غصنٍ ودعص وتصدت برامحات نهودٍ أشرعت للأنام من تحت قمص فتولت جيوش صبري انهزاما وبودي ذاك اللقاء وحرص ليس كل الذي يفر بناجٍ رب ظعن فيه حياةٌ لشخص كيف لي بالسلو عنها وقلبي قد هوى حلمه بمهوى لخرص ما تعاطيت ظاهر الصبر إلا ردني جيدها بأوضح نص ومن ذلك قوله أيضًا‏:‏ أنا بين الحياة والموت وقفٌ نفسٌ خافتٌ ودمعٌ ووكف حل بي من هواك ما ليس ينبى عنه نعتٌ ولا يعبر وصف عجبًا لانعطاف صدغيك والمع طف والجيد ثم ما منك عطف ضاق صدري بضيق حجلك واستو قف طرفي حيران ذلك الوقف كيف يرجى فكاك قلب معني في غرام قيداه قرطٌ وشنف ومن ذلك قوله أيضًا‏:‏ كأنما الشهب والإصباح ينهبها لآلىء سقطت من كف زنجي ومن شعره في الحكم قوله‏:‏ هو الدهر لا يبقى على عائذ به فمن شاء عيشًا يصطبر لنوائبه فمن لم يصب في نفسه فمصابه لفوت أمانيه وفقد حبائبه ومن ذلك قوله‏:‏ ملاك الأمر تقوى الله فاجعل تقاه عدةً لصلاح أمرك وبادر نحو طاعته بعزمٍ فما تدري متى يمضي بعمرك ومن ذلك أيضًا‏:‏ دماءٌ فوق خدك أم خلوق وريقٌ ما بثغرك أم رحيق وما ابتسمت ثنايا أم أقاحٌ ويكنفها شفاه أم شقيق وتلك سناة نومٍ ما تعاطت جفونك أم هي الخمر العتيق لقد أعدت معاطفك انثناءً وقلبي سكره ما إن يفيق جمالك حضرتي وهواك راحي وكأسك مقلتي فمتى أفيق ومن شعره في الأوصاف‏:‏ فانثني حول أسوق الدوح حجلا وجرى فوق بردة الروض رقشا وسما في الغصون حلي بنان أصبحت من سلافة الطل رعشا فترى الزهر ترقم الأرض رقما وترى الريح تنقش الماء نقشا فكأن المياه سيفٌ صقيلٌ وكأن البطاح غمدٌ موشي وكتب عقب انصرافه من غرناطة في بعض قدماته عليها ما نصه‏:‏ مما قلته بديهةً عند الإشراف على جنابكم السعيد وقدومي مع النفر الذين أتحفتهم السيادة سيادتكم بالإشراف عليه والدخول إليه وتنعيم الأبصار في المحاسن المجموعة لديه وإن كان يومًا قد غابت شمسه ولم يتفق أن كمل أنسه وأنشده حينئذ بعض من حضر ولعله لم يبلغكم وإن كان قد بلغكم


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:35 AM



ففضلكم يحملني في إعادة الحديث‏:‏ أقول وعين الدمع نصب عيوننا ولاح لبستان الوزارة جانب أهذي سماءٌ أم بناء سما به كواكب غضت عن سناها الكواكب تناظرت الأشكال منه تقابلًا على السعد وسطى عقده والجنائب وقد جرت الأمواه فيه مجرة مذانبها شهبٌ لهن ذوائب وأشرف من علياء بهو تحفه شماسيٌ زجاج وشيها متناسب هنالك ما شاء العلي من جلالةٍ بها يزدهي بستانها والمراتب هنالك ما شاء العلي من جلالةٍ بها يزدهي بستانها والمراتب ولما أحضر الطعام هنالك دعى شيخنا القاضي أبو البركات إلى الأكل فاعتذر بأنه صائم قد بيته من الليل فحضرني أن قلت‏:‏ دعونا الخطيب أبا البركا ت لأكل طعام الوزير الأحل وقد ضمنا في نداه جنان به احتفل الحسن حتى كمل فأعرض عنا لعذر الصيام وما كل عذرٍ له مستقل فإن الجنان محل الجزاء وليس الجنان محل العمل وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات فقال‏:‏ لو أنشدتنيها وأنتم بعد لم تفرغوا منه لأكلت معكم برا بهذه الأبيات والحوالة في ذلك على الله تعالى‏.‏

ولما قضى الله عز وجل بالإدالة ورجعنا إلى أوطاننا من العدوة واشتهر عني ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة والتية على السلطان والدولة والتكبر على أعلى ربت الخدمة وتطارحت على السلطان في استنجاز وعد الرحلة ورغبت في تفويت الذمة ونفرت عن الأندلس بالجملة خاطبني بعد صدر بلغ من حسن الإشارة وبراعة الإستهلال الغاية بقوله‏:‏ وإلى هذا يا سيدي ومحل تعظيمي وإجلالي أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم وضاعف في وتقنطوها مما عودت من طيب المزاج فما لدائها وحياة قربكم غير طبكم من علاج وإني ليخطر بخاطري محبةً فيكم وعنايةً بما يعنيكم ما نال جانبكم صانه الله بهذا الوطن من الجفاء ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء وأن الوطن إحدى المواطن الأظآر التي يحق لهن جميل الاحتفاء وما يتعلق بكم من حرمة أولياء القرابة وأولى الصفاء فيغلب على ظني أنكم لحسن العهد أجنح وبحق نفسكم على أوليائكم أسمح والتي هي أعظم قيمةً في فضائلكم أوهب وأمنح وهب أن الدر لا يحتاج في الإثباب إلى شهادة النحور واللبات والياقوت غني المكان عن مظاهرة القلائد والتيجان أليس أنه أعلى للعيان وأبعد عن مكابرة البرهان تألقها في تاج الملك أنو شروان والشمس وإن كانت أم الأنوار وجلاء الأبصار مهما أغمي مكانها من الأفق قيل الليل هو أم نهار وكما في علمكم ما فارق ذو الأحلام وأولو الأرحام مواطن استقرارهم وأماكن قرارهم إلا برغمهم واضطرارهم واستبدال دراهي خير من دراهم ومتى توازن الأندلس بالمغرب أو يعوض عنها إلا بمكة أو يثرب ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعباد وما فوقه مرابط جهاد ومعاقد ألوية في سبيل الله ومضارب أوتاد ثم يبوىء ولده مبوأ أجداده ويجمع له بين طرافه وتلاده أعيذ أنظاركم المسددة من رأى فائل وسعي طويل لم يحل منه بطائل فحسبكم من هذا الإياب السعيد والعود الحميد‏.‏

وهي طويلة‏.‏

لم في الهوى العذري أو لا تلم فالعذل لا يدخل أسماعي شأنك تعنيفي وشأني الهوى كل أمرىءٍ في شأنه ساعي أهلا بتحفة القادم وريحانة المنادم وذكرى الهوى المتقادم لا يصغر الله مسراك فما أسراك لقد جلبت إلى من همومي ليلا وجبت خيلا ورجلا ووفيت من صاع الوفا كيلا وظننت بي الأسف على ما فات فأعملت الالتفات لكيلا فأقسم لو أن الأمر اليوم بيدي أو كانت اللمة السوداء من عددي ما أفلت أشراكي المنصوبة لأمثالك حول المياه وبين المسالك ولا علمت ما هنالك لكنك طرقت حمى كسحته الغارة الشعواء وغيرت ربعه الأنواء فخمد بعد ارتجاجه وسكت أذين دجاجه وتلاعبت الرياح والهوج فوق فجاجه وطال عهده بالزمان الأول وهل عند رسمٍ دارس من معول وحيا الله ندبًا إلى زيارتي ندبك وبآدابه الحكيمة أدبك‏:‏ فكان وقد أفاد بك الأماني كمن أهدى الشفاء إلى العليل وهي شيمةٌ بوركت من شيمة وهبة الله قبله من لدن المشيمة ومن مثله في صلة رعى وفضل سعي وقولٍ ووعي‏:‏ قسما بالكواكب الزهر والزهر عاتمة إنما الفضل ملةٌ ختمت بابن خاتمة كساني حلة وصفه وقد ذهب زمان التجمل وحملني ناهض شكره وكتدي واهٍ عن التحمل ونظرني بالعين الكليلة عن العيوب فهلا أجاد التأمل واستطلع طلع نثي ووالي في مركب المعجزة حثى وإنما أشكوبني‏:‏ ولو ترك القطا ليلا لناما وما حال شمل وتده مفروق وقاعدته فروق وصواع بني أبيه مسروق وقلب قرحه من عضة الدهر دامٍ وجمرة حسرته ذات احتدام هذا وقد صارت الصغرى التي كانت الكبرى لمشيبٍ لم يرع أن هجم لما نجم ثم تهلل عارضه وانسحم‏:‏ لا تجمعي هجرًا علي وغربةً فالهجر في تلف الغريب سريع نظرت فإذا الجنب ناب وانلفس فريسة ظفر وناب والمال أكيلة انتهاب والعمر رهن ذهاب واليد صفرٌ من كل اكتساب وسوق المعاد متراميةٌ والله سريع الحساب‏.‏

ولو نعطي الخيار لما افترقنا ولكن لا خيار مع الزمان وهب أن العمر جديدٌ وظل الأمن مديدٌ ورأى الاغتباط بالوطن سديدٌ فما الحجة لنفسي إذا مرت بمطارح جفوتها وملاعب هفوتها ومناقب قناتها ومظاهر عزاتها ومناتها والزمان ولود وزناد الكون غير صلود‏.‏

ثم أن المرغب قد ذهب والدهر قد استرجع ما وهب والعارض قد اشتهب وآراء الاكتساب مرجوحة مرفوضةٌ وأسماؤه على الجوار مخفوضةٌ والنية مع الله على الزهد فيما بأيدي الناس معقودةٌ والتوبة بفضل الله عز وجل شروطها غير معارضة ولا منقودة والمعاملة سامرية ودروع الصبر سابرية والاقتصاد قد قرت العين بصحبته والله قد عوض حب الدنيا بمحبته فإذا راجعها مثلي من بعد الفراق وقد رقي لدغتها ألف راق وجمعتني بها الحجرة ما الذي تكون الأجرة جل شأني وقد رضي الوامق وسخط الشاني إني إلى الله تعالى مهاجر وللغرض الأدنى هاجر ولأظعان السرى زاجر لأحد إن شاء الله وحاجر ولكن دعاني إلى الهوى لهذا المولى المنعم هوى خلعت نعلي الوجود وما خلعته وشوق أمرني فأطعته وغالب والله صيري فما استطعته والحال والله أغلب وعسى أن لا يخيب المطلب فإن يسره رضاه فأمل كمل وراحل احتمل وحاد أشجى الناقة والجمل وإن كان خلاف ذلك فالزمان جم العوائق والتسليم بمقامي لائق‏.‏

ما بين غمضة عين وانتباهتها يصرف الأمر من حال إلى حال وأما تفضيله هذا الوطن على غيره ليمن طيره وعموم خيره وبركة جهاده وعمران رباه ووهاده بأشلاء عباده وزهاده حتى لا يفضله إلى أحد الحرمين فحقٌ بريٌ من المين لكنى للحرمين جنحت وفي جو الشوق إليهما سرحت فقد أفضت إلى طريق قصدي محجته ونصرتني والمنة لله حجته وقصد سيدي أسنى قصد توخاه الشكر والحمد ومعروفٌ عرف به النكر وأملٌ انتحاه الفكر والآمال والحمد لله بعد تمتار والله يخلق ما يشاء ويختار ودعاؤه يظهر الغيب مدد وعدة وعدد وبره حالي الظعن والإقامة معتملٌ معتمد ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أحد والسلام‏.‏

وهو الآن بقيد الحياة وذلك ثاني عشر شعبان عام سبعين وسبعمائة‏.‏

أحمد بن عباس بن أبي زكريا ويقال ابن زكريا‏.‏

ثبت بخط ابن التيانى أنصارى النسب يكنى أبا جعفر‏.‏

حاله كان كاتبًا حسن الكتابة بارع الخط فصيحًا غزير الأدب قوي المعرفة شارعًا في الفقه مشاركا في العلوم حاضر الجواب ذكي الخاطر جامعًا للأدوات السلطانية جميل الوجه حسن الخلقة كلفًا بالأدب مؤثرًا له على سائر لذاته جامعًا للدواوين العلمية معنيًا بها مقتنيًا للجيد منها مغاليًا فيها نفاعا من خصه بها لا يستخرج منها شيئًا لفرط بخله بها إلا لسبيلها حتى لقد أثرى كثيرٌ من الوراقين والتجار معه فيها وجمع منها ما لم يكن عند ملك‏.‏

يساره يقال إنه لم يجتمع عند أحد من نظرائه ما اجتمع عنده من عين وورق ودفاتر وخرق وآنية ومتاع وأثاث وكراع‏.‏

مشيخته روي عن أبي تمام غالب التياني وأبي عبد الله بن صاحب الأحباس‏.‏

نباهته وحظوته وزر لزهير العامري الآتي ذكره وراثًا الوزارة عن أبيه وهي ما هي في قطر متحر بينابيع السخلية وثر بهذه الأمنة مستندًا إلى قعساء العزة فتبنك نعيمًا كثيرًا تجاوز الله عنه‏.‏

دخوله غرناطة الذي اتصل علمي أنه دخل غرناطة منكوبًا حسبما يتقرر‏.‏

نكبته زعموا أنه كان أقوى الأسباب فيما وقع بين أميره زهير وبين باديس أمير غرناطة من المفاسدة وفصل صحبه إلى وقم باديس وقبيله وحطه في حيز هواه وطاعته وكان من شاء الله من استيلاء باديس على جملتهم ووضع سيوف قومه فيهم وقتل زهير واستئصال محلته وقبض يومئذ على أحمد بن عباس وجيء به إلى باديس وصدره يغلي حقدًا عليه فأمر بحبسه وشفاؤه الولوغ في دمه وعجل عليه بعد دون أصحابه من حملة الأقلام‏.‏

قال ابن حيان حديث ابن عباس أنه كان قد ولع ببيت شعر صيره هجواه أوقات لعبه بالشطرنج أو معنى يسنح له مستطيلًا بجده‏.‏

عيون الحوادث عني نيامٌ وهضمي على الدهر شيء حرام سيوقظها قدرٌ لا ينام فما كان إلا كلا ولا حتى تنبهت الحواث لهضمه إنتباهةً انتزعت منه نخوته وعزته وغادرته أسيرًا ذليلًا يرسف في وزن أربعين رطلًا من قيده منزعجًا من عضه لساقه البضة التي تألمت من ضغطة جوربه يوم أصبح فيه أميرًا مطاعًا أعتى الخلق على بابه وآمنهم بمكره فأخذه أخذ مليكٍ مقتدرٍ والله غالبٌ على أمره‏.‏

وفاته قال أبو مروان‏:‏ كان باديس قد أرجأ قتله مع جماعة من الأسرى وبذلك في فداء نفسه ثلاثين ألف دينار من الذهب العين مالت إليها نفس باديس إلا إنه عرض ذلك على أخيه بلكين فأنف منه وأشار عليه بقتله لتوقعه إثارة فتنة أخرى على يديه تأكل من ماله أضعاف فديته‏.‏

قال فانصرف يومًا من بعض ركباته مع أخيه فلما توسط الدار التي فيها أحمد بقصبة غرناطة لصق القصر ووقف هو وأخوه بلكين وحاجبه على بن القروى وأمر بإخراج أحمد إليه فأقبل يرسف في قيده حتى وقف بين يديه فأقبل على سبه وتبكيته بذنوبه وأحمد يتلطف إليه ويسأله إراحته مما هو فيه فقال له‏:‏ اليوم تستريح من هذا الألم وتنتقل إلى ما هو أشد وجعل يراطن أخاه بالبربرية فبان لأحمد وجه الموت فجعل يكثر الضراعة ويضاعف عدد المال فأثار غضبه وهز مزراقه وأخرجه من صدره فاستغاث الله زعموا عند ذلك وذكر أولاده وحرمه للحين أمر باديس بحز رأسه ورمي خارج القصر‏.‏

حدث خادم باديس قال‏:‏ رأيت جسد ابن عباس ثاني يوم قتله ثم قال لي باديس خذ رأسه ووراه مع جسده قال‏:‏ فنبشت قبره وأضفته إلى جسده بجنب أبي الفتوح قتيل باديس أيضًا‏.‏

وقال لي باديس‏:‏ ضع عدوًا إلى جنب عدو إلى يوم القصاص فكان قتل أبي جعفر عشية الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وعشرين وأربعمائة بعد اثنين وخمسين يومًا من أسره‏.‏

وكان يوم مات ابن ثلاثين‏.‏

نفعه الله ورحمه‏.‏

ابن عطية القضاعي أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطية القضاعي من أهل مراكش وأصله القديم من طرطوشة ثم بعد من دانية يكنى أبا جعفر‏.‏

حاله كان كاتبًا بليغًا سهل المأخذ منقاد القريحة سيال الطبع أخذ عن أبيه وعن طائفة كبيرة من أهل مراكش‏.‏

نباهته كتب عن علي بن يوسف بن تاشفين وعن إبه تاشفين وعن أبي إسحاق وكان أحظى كتابهم‏.‏

ثم لما انقطعت دولة لمتونة دخل في لفيف الناس وأخفى نفسه‏.‏

ولما أثار الماسي الهداية بالسوس ورمي الموحدين بحجرهم الذي رموا به البلاد وأعيا أمره وهزم جيوشهم التي جهزوها إليه وانتدب منهم إلى ملاقاته أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي في جيش خشن من فرسان ورجاله كان أبو جعفر بن عطية من الرجالة مرتسما بالرماية والتقى الجمعان فهزم جيش الماسي وظهر عليه الموحدون‏.‏

وقتل الدعي المذكور وعظم موقع الفتح عند الأمير الغالب يومئذ أبو حفص عمر فأراد إعلام الخليفة عبد المؤمن بما سناه الله فلم يلق في جميع من استصحبه من يجلي عنه ويوفي ما أراده فذكر له أن فتًى من الرماة يخاطر بشيء من الأدب والأشعار والرسايل فاستحضره وعرض عليه غرضه‏.‏

فتجاهل وظاهر بالعجز فلم يقبل عذره واشتد عليه فكتب رسالة فائقة مشهورة فلما فرغ منها وقرأها عليه اشتد إعجابه بها وأحسن إليه واعتنى به واعتقد أنه ذخرٌ يتحف به عبد المؤمن وأنفذ الرسالة فلما قرئت بمحضر أكابر الدولة عظم مقدارها ونبه فضل منشيها وصدر الجواب ومن فصوله الاعتناء بكاتبها والإحسان إليه واستصحابه مكرمًا‏.‏

ولما أدخل على عبد المؤمن سأله عن نفسه وأحظاه لديه وقلده خطة الكتابة وأسند إليه وزارته وفوض إليه النظر في أموره كلها فنهض بأعباء ما فوض إليه وظهر فيه استقلاله وغناؤه واشتهر بأجمل السعي للناس واستمالتهم بالإحسان وعمت صنايعه وفشا معروف فكان محمود السيرة منحب المحاولات ناجح المساعي سعيد المأخذ ميسر المآرب وكانت وزارته زينًا للوقت كمالا للدولة‏.‏

محنته قالوا واستمرت حالته إلى أن بلغ الخليفة عبد المؤمن أن النصارى غزوا قصبة ألمرية وتحصنوا بها واقترن بذلك تقديم ابنه يعقوب على إشبيلية فأصحبه أبا جعفر بن عطيه وأمره أن يتوجه بعد استقرار ولده بها إلى ألمرية وقد تقدم إليها السيد أبو سعيد بن عبد المؤمن وحصر من بها النصارى وضيق عليهم ليحاول أمر إنزالهم ثم يعود إلى إشبيلية ويتوجه معها مع واليها إلى منازلة الثائر بها على الوهيبي فعمل على ما حاوله من ذلك واستنزل النصارى من ألمرية على العهد بحسن محاولته ورجع السيد أبو سعيد إلى غرناطة مزعجين إليها حتى يسبقا جيش الطاغية ثم انصرف إلى إشبيلية ليقضي الغرض من أمر الوهيبي‏.‏

فعندما خلا منه الجو ومن الخليفة مكانه وجدت حساده السبيل إلى التدبير عليه والسعي به حتى أوغروا صدر الخليفة فاستوزر عبد المؤمن ابن عبد السلام بن محمد الكومي‏.‏

وانبرى لمطالبة ابن عطية وجد في التماس عوراته وتشنيع سقطاته وأغرى به صنايعه وشحن عليه حاشيته فبروا وراشوا وانقلبوا وكان مما نقم على أبي جعفر نكاة القرح بالقرح في كونه لم يقف في اصطناع العدد الكثيرمن اللمتونيين وانتياشهم من خمولهم حتى تزوج بنت يحيى الحمار من أمرائهم وكانت أمهم زينب بنت علي بن يوسف فوجدوا السبيل بذلك إلى استئصال شأنته والحكام‏.‏

حتى نظم منهم مروان بن عبد العزيز طليقه ومسترق اصطناعه أبياتًا طرحت بمجلس عبد المؤمن‏.‏

قل للإمام أطال الله مدته قولًا تبين لذي لب حقائقه إن الزراجين قوم قد وترتهم وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه وللوزير إلى آرائهم ميلٌ لذاك ما كثرت فيهم علائقه فبادر الحزم في إطفاء نارهم فربما علق عن أمر عوائقه هم العدو ومن والاهم كهم فاحذر عدوك واحذر من يصادقه قالوا ولما وقف عبد المؤمن على هذه الأبيات البليغة في معناها وغر صدره على وزيره الفاضل أبي جعفر وأسر له في نفسه تغيرًا فكان ذلك من أسباب نكبته‏.‏

وقيل أفضى إليه بسر فأفشاه‏.‏

وانتهى ذلك كله إلى أبي جعفروهو بالأندلس فقلق وعجل بالانصراف إلى مراكش فحجب عند قدومه ثم قيد إلى المسجد في اليوم الثاني بعده حاسر العمامة واستحضر الناس على طبقاتهم وقرروا ما يعلمون من أمره وما صار إليهم منه فأجاب كل بما اقتضاه هواه فأمر بسجنه ولف معه أخوه أبو عقيل عطية وتوجه عبد المؤمن في إثر ذلك زايرًا إلى تربة المهدي‏.‏

فاستصحبهما منكوبين بحال ثقاف وصدرت عن أبي جعفر في هذه الحركة من لطايف الأدب نظما ونثرا في سبيل التوسل بتربة إمامهم عجائب لم تجد مع نفوذ قدر الله فيه ولما انصرف من وجهته أعادهما معه قافلًا إلى مراكش فلما حاذى تاقمرت أنفذ الأمر بقتلهما بالشعراء المتصلة بالحصن على مقربة من الملاحة هنالك فمضيا لسبيلهما رحمهما الله‏.‏

شعره وكتابته كان مما خاطب به الخليفة عبد المؤمن مستعطفًا كما قلناه من رسالة‏:‏ تالله لو أحاطت بي خطيئةٌ ولم تنفك نفسي عن الخيرات بطيئةً حتى سخرت بمن في الوجود وأنفت لآدم من السجود وقلت إن الله لم يوح إلى الفلك إلى نوح وبريت لقرار ثمود نبلًا وأبرمت لحطب نار الخليل حبلًا وحططت عن يونس شجرة اليقطين وأوقدت مع هامان على الطين وقبضت قبضةً من الطير من أثر الرسول فنبذتها وافتريت على العذراء البتول فقذفتها وكتبت صحيفة القطيعة بدار الندوة وظاهرت الأحزاب بالقصوى من العدوة وذممت كل قرشي وأكرمت لأجل وحشى كل حبشي وقلت إن بيعة السقيفة لا توجب لإمام خليفة وشحذت شفرة غلام المغيرة بن شعبة واعتقلت من حصار الدار وقتل أشمطها بشعبة وغادرت الوجه من الهامة خضيبًا وناولت من قرع سن الخمسين قضيبًا ثم أتيت حضرة المعصوم لائذًا وبقبرالإمام المهدي عائذًا لقد آن لمقالتي أن تسمع وأن تغفر لي هذه الخطيئات أجمع‏:‏ فعفوًا أمير المؤمنين فمن لنا بحمل قلوبٍ هدها الخفقان عطفًا علينا أمير المؤمنين فقد بان العزاء لفرط البث والحزن قد أغرقتنا ذنوبٌ كلها لججٌ وعطفةٌ منكم أنجى من السفن وصادفتنا سهامٌ كلها غرضٌ لها ورحمتكم أوقى من الجنن هيهات للخطب أن تسطو حوادثه بمن أجازته رحماكم من المحن من جاء عندكم يسعى على ثقة بنصره لم يخف بطشًا من الزمن أنتم بذلتم حياة الخلق كلهم من دون من عليهم لا ولا ثمن ونحن من بعض من أحييت مكارمكم تلك الحياتين من نفسٍ ومن بدن وصبية كفراخ الورق من صغر لم يألفوا النوح في فرع ولا فتن قد أوجدتهم أيادٍ منك سابغة والكل لولاك لم يوجد ولم يكن ومن فصول رسالته التي كتب بها عن أبي حفص وهي التي أورثته الكتابة العلية والوزارة كما تقدم قوله‏:‏ كتبنا هذا من وادي ماسة بعد ما تزحزح أمر الله الكريم ونصر الله المعلوم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم‏.‏

فتح بمسرى الأنوار إشراقًا وأحدق بنفوس المؤمنين إحداقًا ونبه للأماني النائمة جفونًا وأحداقًا واستغرق غاية الشكر استغراقًا فلا تطيق الألسن كنه وصفه إدراكًا ولا لحاقًا جمع أشتات الطب والأدب وتقلب في النعم أكرم منقلب وملأ دلاء الأمل إلى عقد الكرب‏:‏ فتحٌ تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القشب وتقدمت بشارتنا به جملة حين لم تعط الحال بشرحه مهلة‏.‏

كان أولئك الضالون المرتدون قد بطروا عدوانًا وظلمًا واقتطعوا الكفر معني وإسمًا وأملى لهم الله ليزدادوا إثمًا وكان مقدمهم الشقي قد استمال النفوس بخزعبلاته واستهوى القلوب بمهولاته ونصب له الشيطان من حبالاته فأتته المخاطبة من بعد وكثب ونسلت إليه الرسل من كل حدب واعتقدته الخواطر أعجب عجب وكان الذي قادهم لذلك وأوردهم تلك المهالك وصول من بتلك السواحل ممن ارتسم برسم الانقطاع عن الناس فيما سلف من الأعوام واشتغل على رغمه بالصيام والقيام آناء الليل والأيام لبسوا الناموس أثوابًا وتدرعوا الرياء جلبابًا فلم يفتح الله لهم إلى التوفيق بابًا‏.‏

ومنها في ذكر صاحبهم‏:‏ فصرع والحمد لله لحينه وبادرت إليه بوادر منونه وأتته وافدات الخطيئات عن يساره ويمينه وكان يدعي أن المنية في هذه الأعلام لا تصيبه ويزعم أنه يبشر بذلك والنوائب لا تنوبه ويقول في سواه قولًا كثيرًا ويختلق على الله إفكًا وزورًا فلما عاينوا هيئة اضطجاعه ورأوا ما خطته الأسنة في أعضائه ونفذ فيه من أمر الله ما لم يقدروا على استرجاعه هزم لهم من كان لهم من الأحزاب وتساقطوا على وجوههم كتساقط الذباب وأعطوا عن بكرة أبيهم صفحة الرقاب ولم تقطر كلومهم إلا على الأعقاب فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم وأذنت الآجال بانقراض آمالهم وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم فلم يعاين منهم إلا من خر صريعًا وسقى الأرض نجيعًا ولقي من وقع الهنديات أمرًا فظيعًا ودعت الضرورة باقيهم إلى الترامي في الوادي فمن كان يؤمل الفرار منهم ويرتجيه ويسبح طامعًا في الخروج إلى ما ينجيه اختطفته الأسنة اختطافًا وأذاقته موتًا ذعافًا ومن لج في الترامي على لججه ورام البقاء في ثجه قضى عليه شرقه وألوى فرقته غرقه‏.‏

ودخل الموحدون إلى الباقية الكائنة فيه يتناولون قتالهم طعنًا وحربًا ويلقونهم بأمر الله هونًا عظيمًا وكربًا حتى سطت مراقات الدماء على صفحات الماء وحكت حمرتها علىزرقه حمرة الشفق على زرق السماء وظهرت العبرة للمعتبر في جرى الماء جرى الأبحر‏.‏

دخوله غرناطة احتل بغرناطة عام إحدى وخمسين وخمسمائة لما استدعى أهل جهات ألمرية السيد أبا سعيد إلى منازلة من بها النصارى وحشد ونزل عليها ونصب المجانيق على قصبتها واستصرخ من بها الطاغية فأقبل إلى نصرهم واستمد السيد أبو سعيد الخليفة فوجه إليه الكبير أبا جعفر بن عطية صحبة السيد أبي يعقوب ابنه فلحق به واتصل الحصار شهورًا سبعة وبذل الأمن لمن كان بها وعادت إلى ملكة الإسلام وانصرف الوزير أبو جعفر صحبة السيد أبي يعقوب إلى إشبيلية وجرت أثناء هذه الأمور يطول شرحها ففي أثناء هذه الحركة دخل أبو جعفر غرناطة مولده بمراكش عام سبعة وعشرين وخمسمائة وفاته على حسب ما تقدم ذكره لليلة بقيت من صفر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة‏.‏

محمد بن شعيب الكرياني من أهل فاس يكنى أبا العباس ويعرف بابن شعيب من كريانة قبيلة من قبائل الريف الغربي‏.‏

حاله من عائد الصلة‏:‏ من أهل المعرفة بصناعة الطب وتدقيق النظر فيها مشاركًا في الفنون وخصوصًا في علم الأدب حافظًا للشعر ذكر أنه حفظ منه عشرين ألف بيت للمحدثين والغالب عليه العلوم الفلسفيه وقد مقت لذلك وتهتك في علم الكمياء وخلع فيه العذار فلم يحل بطائل إلا أنه كان تفوه بالوصول شنشنة المفتونين بها على مدى الدهر‏.‏

وله شعر رائق وكتابة حسنة وخط ظريف‏.‏

كتب في ديوان سلطان المغرب مرئسا وتسرى جارية رومية إسمها صبح من أجمل الجواري حسنًا فأدبها حتى لقنت حظًا من العربية ونظمت الشعرن وكان شديد الغرام بها فهلكت أشد ما كان حبًا لها وامتداد أمل فيها فكان بعد وفاتها لا يرى إلا في تأوه دائم وأسف متمادٍ وله فيها أشعار بديعة في غرض الرثاء‏.‏

مشيخته قرأ في بلده فاس على كثير من شيوخها كالأستاذ أبي عبد الله بن أجروم نزيل فاس والأستاذ أبي عبد الله بن رشيد ووصل إلى تونس فأخذ منها الطب والهيئة على الشيخ رحلة وقته في تلك الفنون يعقوب بن الدراس‏.‏
وكان مما خاطب به الشيخ أبا جعفر بن صفوان وقد نشأت بينهما صداقة أوجبها القدر المشترك من الولوع بالصنعة المرموزة يتشوق إلى جهة كانوا يخلون بها للشيخ فيها ضيعة بخارج مالقة كلأها اللهك رعى الله وادي شنياية وتلك الغدايا وتلك الليال ومسرحنا بين خضر الغصون وودق المياه وسحر الظلال ومرتعنا تحت أدواحه ومكرعنا في النمير الزلال نشاهد منها كعرض الحسام إذا ما انتشت فوقه كالعوال ولله من در حصبائه لآلٍ وأحسن بها من لآل وليلٍ به في ستور الغصون كخودٍ ترنم فوق الحجال وأسحاره كيف راقت وص ح النسيم بها في اعتدال ولله منك أبا جعفر عميد الحلال حميد الخلال تطارحني برموز الكنو ز وتسفر لي عن معاني المعال فألقط من فيك سحر البيان مجيبًا به عن عريض النوال أفدت الذي دونها معشرٌ كثير المقال قليل النوال فأصبحت لا أبتغي بعدها سواك وبعد كما لا أبال وخاطب الفقيه العالم أبا جعفر بن صفوان يسأله عن شيء من علم الصناعة بما نصه‏:‏ دار الهوى نجدٌ وساكنها أقصى أماني النفس من نجد ومما صدر به رسالة‏:‏ أيجمع هذا الشمل بعد شتاته ويوصل هذا الحبل بعد انبتاته أما للبلي آية عيسويةٌ فينشر ميت الأنس بعد مماته ويورد عيني بعد ملح مدامعي برؤيته في عذبه وفراته وأنشد له صاحبنا الفقيه الجليل صاحب العلامة بالمغرب أبو القاسم بن صفوان قوله‏:‏ يا رب ظبي شعاره نسك ألحاظه في الورى لها فتك يترك من هام به مكتئبًا لا تعجبوا أن قومه الترك أشكو له ما لقيت من حرق فيمش لاهيًا إذا أشكو وبائعٌ للكتب يبتاعها بأرخص السوم وأغلاه في نصف الاستذكار أعط يته ومحض العين وأرضاه وله أيضًا‏:‏ يا من توعدني بحادث هجره إن السلو لدون ما يتوعد هذا عذارك وهو موضع سلوتي فأكفف فقد سبق الوعيد الموعد وأظن سلوتنا غدًا أو بعده فبذاك خبرنا الغراب الأسود وله أيضًا‏:‏ قال العذول تنقصًا لجماله هذا حبيبك قد أطل عذاره لا بل بدا فصل الربيع بخده فلذا تساوي ليله ونهاره وله يرثي‏:‏ يا قبر صبحٍ حل فيك بمهجتي أسنى الأمان وغدوت بعد عيانها أشهى البقاع إلى العيان أخشى المنية إنها تقصي مكانك عن مكان يا صاحب القبر الذي أعلامه درست وثابت حبه لم يدرس ما اليأس منك على التصبر حاملي أيأستني فكأنني لم أيأس لما ذهبت بكل حسن أصبحت نفسي تعاني شجو كل الأنفس أصباح أيامي ليال كلها لا تنجلي عن صبحك المتنفس وقال في ذلك‏:‏ أعلمت ما صنع الفراق غداة جد به الوفاق ووقفت منهم حين للنا ظرات والدمع استباق سبقت مطاياهم فما أبطى بنفسك في السباق أأطقت حمل صدودهم للبين خطبٌ لا يطاق عن ذات عرق أصعدوا أتقول دارهم العراق نزلوا ببرقة ثمهد فلذاك ما شئت البراق وتيامنوا عفان أن يقفوا بمجتمع الرفاق أولى لجسمك أن يرق وجمع عينك أن يراق أما الفؤاد فعندهم دعه ودعوى الاشتياق أعتاد حب محلهم فمحل صدرك عنه ضاق واها لسالفة الشبا ب مضت بأيامي الرقاق أبقت حرارة لوعةٍ بين الترايب والتراق لا تنطفي وورودها من أدمعي كأسٌ دهاق وقال أيضًا‏:‏ يا موحشي والبعد دون لقائه أدعوك عن شحطٍ وإن لم تسمع يدنيك مني الشوق حتى إنني لأراك رأى العين لولا أدمعي وأحن شوقًا للنسيم إذا سرى لحديثكم وأصيح كالمستطلع كان اللقا فكان حظي ناظري وسط الفراق فصار حظي مسمع فابعث خيالك تهده نار الحشي إن كان يجهل من مقامي موضع


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:37 AM



دخل غرناطة على عهد السابع من ملوكها الأمير محمد لقربٍ من ولايته في بعض شئونه وحقق بها تغيير أمر الأدوية المنفردة التي يتشوف الطيب إليها والشحرور وهي بقرية شون من خارجها‏.‏

وفاته رحمه الله توفي بتونس في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وأربعين وسبعمائة‏.‏

ابن عرفة اللخمي أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن حسين بن علي بن سليمان بن عرفة اللخمي الفقيه الرئيس المتفنن حامل راية مذهب الشعر في وقته المشار إليه بالبنان في ذلك ببلده يكنى أبا العباس‏.‏

حاله كان فذًا في الأدب طرفًا في الإدراك مهذب الشمايل ذلق اللسان ممتع المجالسة والمحاضرة حلو الفكاهة يرمي كل غرضٍ بسهم إلى شرف النشأة وعز المرتبة وكرم المحتد وأصالة الرياسة‏.‏

حدثني الشيخ أبو زكريا بن هذيل قال‏:‏ حضرت بمجلس ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم وأبو العباس بدر هالته وقطب جلالته فلم يحر بشيءٍ إلا ركض فيه وتكلم بملىء فيها‏.‏

ثم قمنا إلى زبارين يصلحون شجرة عنب فقال لعريفهم حق هذا أن يقصر ويطال هذا ويعمل كذا‏.‏

فقال الوزير يا أبا العباس ما تركت لهؤلاء أيضًا حظًا من صناعتهم يستحقون به الأجرة فعجبنا من استحضاره ووساعة ذرعه وامتداد حظ كفايته‏.‏

قدومه على غرناطة قدم عليها مع الجملة من قومه عند تغلب الدولة النصرية على بلدهم ونزول البلاء والغلاء والمحنة بهم والجلاء بهم في آخر عام خمسة وسبعمائة ويأتي التعريف بهم بعد إن شاء الله وكان أوفر الدواعي في الاستعطاف لهم بما تقدم بين يدي أدعيائهم ودخولهم على السلطان أن الذي تنخل بمثله السخائم وتذهب الإحن وخطب لنفسه فاستمرت حاله لطيف المنزلة معروف المكانة ملازمًا مجلس مدبر الدولة مرسومًا بصداقته مشتملًا عليه ببره إلى أن كان من تقلب الحال وإدالة الدولة ما كان‏.‏

شعره وشعره نمطٌ عال ومحل البراعة حال لطيف الهبوب غزير المائية أنيق الديباجة جم المحاسن فمنه في مذهب المدح يخاطب ذا الوزارتين أبا عبد الله ابن الحكيم‏:‏ تملكت رقي بالجمال فأجمل وحكمت قلبي بجورك فاعدل أنت الأمير على الملاح ومن يجر في حكمه إلا جفونك يعزل إن قيل أنت البدر فالفضل الذي لك بالكمال ونقصه لم يجهل لولا الحظوظ لكنت أنت مكانه ولكان دونك في الحضيض الأسفل عيناك نازلنا القلوب فكلها إما جريحٌ أو مصاب المقتل هزت ظباها بعد كسر جفونها فأصيب قلبي في الرعيل الأول ما زلت أعذل في هواك ولم يزل سمعي عن العذال فيك بمعزل أصبحت في شغل بحبك شاغلٍ عن أن أصيخ إلى كلام العذل لم أهمل الكتمان لكن أدمعي هملت ولو لم تعصني لم تهمل جمع الصحيحين الوفاء مع الهوى قلبي وأملي الدمع كشف المشكل ما في الجنوب ولا الشمال جواب ما أهدي إليك مع الصبا والشمال أو حالت الأحوال فاستبدلت بي فإن حبي فيك لم يستبدل لاقيت بعدك ما لو أن أقله لاقي الثرى لأذاب صم الجندل وحملت في حبك ما لو حملت شم الجبال أخفه لم تحمل من حيف دهرٍ بالحوادث مقدمٍ حتى على حبس الهزبر المشبل قد كنت منه قبل كر صروفه فوق السنام فصرت تحت الكلكل ونصول شيبٍ قد ألم بلمتي وخضاب أبي شيبة لم تنصل ينوي الإقامة ما بقيت وأقسمت لا تنزل اللذات ما لم يرحل ومسير ظعنٍ ودان حميمه لاقي الحمام وإنه لم يفعل يطوي على جسدي الضلوع فقلبه بأواره يغلي كغلي المرجل في صدره ما ليس في صدري له من مثله مثقال حبة خردل أعرضت عنه ولو أشف لذمة شعري لجرعة نقيع الحنظل جليت في حلبات سبق لم يكن فيها بمرتاح ولا بمرمل حتى يثوب له الغنى من ماجد بقضاء حاجات الكرام موكل مثل الوزير ابن الحكيم وماله مثلٌ يقوم مقامه متمثل ساد الورى بحديثه وقديمه في الحال والماضي وفي المستقبل من بيت مجد قد سمت بقبابه أقيال لخمٍ في الزمان الأول سامي الدعائم طال بيت وزارة ومشاجع وأبي الفوارس نهشل يلقى الوفود ببسط وجهٍ مشرق تجلو طلاقته هموم المجتلى فلآملي جدواه حول فنائه لقط القطا الأسراب حول المنهل وإذا نحى بالعدل فصل قضية لم تحظ فصلا من إطالة مفصل يقضي على سخب الخصوم وشغبهم ويقيم مغريهم مقام المزمل ويلقن الحج العيى تحرجًا من رامحٍ عند اللجاج وأعزل فإذا قضى صور المحق بحقه عنه وحاق عقابه بالمبطل عجلٌ على من يستحق مثوبةً فإذا استحق عقوبة لم يعجل أديبًا ناقدًا وبليغًا بالكلام بصيرًا والإجادة تلزم فيه منظومه إذ لا يوسع القريحة فيه عذرًا ولا يقبل من الطمع قدمًا وهي‏:‏ أما الرسوم فلم ترق لما بي واستعجمت عن أن ترد جوابي واستبدلت بوحوشها من أن سٍ بيض الوجوه كواعب أتراب ولقد وقفت بها أرقرق عبرةً حتى اشتكي طول الوقوف صحاب يبكي لطول بكاي في عرصاتها صحبي ورجعت الحنين ركاب ومن شعره في المقطوعات غير المطولات‏:‏ لم يبق ذو عين لم يسبه وجهك من زين بلا مين فلاح بينهما طالعًا كأنه القمر بلامين ومن ذلك قوله‏:‏ كأنما الخال مصباحٌ بوجنته هبت عواصف أنفاسي فعطف أو نقطةٌ قطرت في الخد إذ رسمت خط الجمال بخط اللام والألف ومن ذلك قوله‏:‏ وعدتني أن تزور يا أملي فلم أزل للطريق مرتقبا أنسني البدر منك حين بدا لأنه لو ظهرت لاحتجبا ومن ذلك قوله‏:‏ هجركم ما لي عليه جلد فأعيدوا إلى الرضى أو فعدوا ما قسى قلبي من هجرانكم ولقد طال عليه الأمد ومن ذلك قوله‏:‏ أبدي عذارك عذري في الغرام به وزادني شغفًا فيه إلى شغف كأنه ظن أني قد نسيت له عهدًا فعرض باللام والألف ومما هو أطول من المزدوجات قوله‏:‏ ويوم كساه الدجى دكن ثيابه وهبت نسيم الروض وهو عليل ولاحت بأفلاك الأفق كواكبٌ لها في البدور الطالعات أفول وجالت جياد الراح بالراح جولةً فلم تحل إلا والوقار قتيل ومن ذلك‏:‏ عذلوني فيمن أحب وقالوا دب ثمل العذار في وجنتيه إنما دب نحو شهدٍ بفيه فلذاك انتهى إلى شفتيه وإحسانه كثير ومثله لا يقنع منه بيسير‏.‏

وفاته قال في عائد الصلة‏:‏ ولما كان من تغلب الحال وإدالة الدولة وخلع الأمير وقتل وزيره يوم عيد الفطر من سنة سبع وسبعمائة وانتهبت دار الوزير ونالت الأيدي يومئذ من شمله دهليز بابه من أعيان الطبقات وأولى الخطط والرتب ومنهم أبو العباس هذا رحمه الله فأفلت تحت سلاحٍ مشهورٍ وحيز مرقوف وثوب مسلوف فأصابته بسبب ذلك علة أيامًا إلى أن أودت به فقضت عليه بغرناطة في الثامن والعشرين لذي حجة من سنة سبع وسبعمائة ودفن بمقبرة الغرباء من الربيط عبر الوادي تجاه قصور نجد رحمة الله عليه‏.‏

أحمد بن علي الملياني من أهل مراكش يكنى أبا عبد الله وأبا العباس‏.‏

صاحب العلامة بالمغرب الكاتب الشهير البعيد الشأن في اقتضاء الثرة المثل المضروب في العفة وقوة الصريمة ونفاذ العزيمة‏.‏

حاله كان نبيه البيت شهير الأصالة رفيع المكانة على سجية غريبة كانت فيه من الوقار والانقباض والصمت‏.‏

أخذ بحظ من الصب حسن الخط مليح الكتابة قارضًا للشعر يذهب نفسه في كل مذهب‏.‏

وصمته فتك فتكة شنيعة أساءت الظن بحملة الأقلام على مر الدهر وانتقل إلى الأندلس بعد مشقة وجرى ذكره في كتاب الإكليل بما نصه‏:‏ الصارم الفاتك والكاتب الباتك أبي اضطرابٍ في وقار وتجهمٍ تحته أنس عقار اتخذه صاحب المغرب صاحب علامته‏.‏

وتوجه تاج كرامته وكان يطالب جملة من أشياخ مراكش بثأر عمه ويطوقهم دمه بزعمه ويقصر على الاستبصار منهم بنات همه إذ سعوا فيه حتى اعتقل ثم جدوا في أمره حتى قتل فترصد كتابًا إلى مراكش يتضمن أمرًا جزمًا ويشل من أمور الملك عزمًا جعل الأمر فيه بضرب رقابهم وسبي أسبابهم ولما أكد على حامله في العجل وضياقه في تقدير الأجل تأنى حتى علم أنه قد وصل وأن غرضه قد حصل فر إلى تلمسان وهي بحال حصارها فاتصل بأنصارها حالا بين أنوفها وأبصارها وتعجب من فراره وسوء اغتراره ورجحت الظنون في آثاره‏.‏

ثم اتصلت الأخبار بتمام الحيلة واستيلاء القتل على أعلام تلك القبيلة وتركها شنعة على الأيام وعارًا في الأقاليم على حملة الأقلام وأقام بتلمسان إلى أن حل مخنق حصارها وأزيل اللقيان الضيقة عن خصرها فلحق بالأندلس فلم يعدم برًا ورعيًا مستمرًا حتى أتاه حمامه وانصرمت أيامه‏.‏

شعره من الذي يدل على بره وانفساخ خطاه في النفاسة وبعد شأوه قوله‏:‏ العز ما ضربت عليه قبابي والفضل ما اشتملت عليه ثيابي والزهر ما أهداه غصن براعتي والمسك ما أبداه نقش كتابي فإذا بلوت صنيعةً جازيتها بجميل شكري أو جزيل ثوابي وإذا عقدت مودة أجريتها مجرى طعامي من دمي وشرابي وإذا طلبت من الفراقد والسهى ثأرًا فأوشك أن أنال طلابي وفاته توفي رحمه الله يوم السبت تاسع ربيع الآخر عام خمسة عشر وسبعمائة ودفن بجبانة باب إلبيرة تجاوز الله عنه‏.‏

الزيات أحمد بن محمد بن عيسى الأموي يكنى أبا جعفر ويعرف بالزيات حاله من أهل الخير والصلاح والأتباع مفتوح عليهأع في طريق الله نير الباطن والظاهر مطرح التصنع مستدل مجانب للدنيا وأهلها صادق الخواطر مرسل اللسان بذكر الله مبذول النصيحة مثابر على اتباع السنة عارف بطريق الصوفيه ثبت القدم عند زلاتها ناطق بالحكمة على الأمية جميل اللقاء متوغل في الكلف بالجهاد مرتبط للخيل مبادر للهيعة حريص على الشهادة بركة من بركات الله في الأندلس يعز وجوده مثله‏.‏

وفاته توفي رحمه الله ببلده غرناطة يوم الخميس الثاني والعشرين لجمادى الثانية من عام خمسة وستين وسبعمائة وشارف الإكتهال‏.‏

الزيات الكلاعي أحمد بن الحسن بن علي بن الزيات الكلاعي من أهل بلش مالقة يكنى أبا جعفر ويعرف بالزيات الخطيب المتصوف الشهير‏.‏

حاله من عائد الصلة‏:‏ كان جليل القدر كثير العبادة عظيم الوقار حسن الخلق مخفوض الجناح متألق البشر مبذول المؤانسة يذكر بالسلف الصالح في حسن شيمته وإعراب لفظه مزدحم المجلس كثير الإفادة صبورًا على الغاشية واضح البيان فارس المنابر غير مدافع مستحق التصدر في ذلك بشروط قلما كملت عند غيره منها حسن الصورة وكمال الأبهة وجهورية الصوت وطيب النغمة وعدم التهيب والقدرة على الإنشاء وغلبة الخشوع إلى التفنن في كثير من المآخذ العلمية والرياسة في تجويد القرآن والمشاركة في العربية والفقه والعربية والأدب والعروض والمحاسة في الأصلين والحفظ للتفسير‏.‏

قال لي شيخنا أبو البركات بن الحاج وقد جرى ذكر الخطابة‏:‏ ما رأيت في استيفائها مثله‏.‏

كان يفتح مجالس تدريسه أكثر الأحيان بخطب غريبة يطبق بها مفاصل الأغراض التي يشرع في التكلم فيها وينظم الشعر دائمًا في مراجعاته ومخاطباته وإجازاته من غير تأن ولا روية حتى اعتاده ملكةً بطبعه واستعمل في السفارة بين الملوك لدحض السخائم وإصلاح الأمور فكانوا يوجبون حقه ويلتمون بركته ويلتمسون دعاءه‏.‏

مشيخته تحمل العلم عن جملة منهم خاله الفقيه الحكيم أبو جعفر أحمد بن علي المذحجي من أهل الحمة من ذوي المعرفة بالقرآن والفرائض ومنهم القاضي أبو علي الحسين بن أبي الأحوص الفهري أخذ عنه قراءةً وإجازة ومنهم العارف الرباني أبو الحسن فضل بن فضيلة أخذ عنه طريقة الصوفيه وعليه سلك وبه تأدب وبينهما في ذلك مخاطبات ومنهم أبو الزهر ربيع بن محمد بن ربيع الأشعري وأبو عبد الله محمد بن يحيى أخوه ومنهم أبو الفضل عياض ابن محمد بن عياض بن موسى قرأ عليه ببلش وأجاز له ومنهم الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير والأستاذ أبو الحسن التجلي وأبو محمد بن سماك وأبو جعفر بن الطباع وأبو جعفر بن يوسف الهاشمي الطنجلي والأستاذ النحوي أبو الحسن بن الصائغ والكاتب الأديب أبو علي بن رشيق التغلبي والراوية أبو الحسن بن مستقور الطائي والإمام أبو الحسن بن أبي الربيع والأستاذ أبو إسحاق الغافقي الميربي والإمام العارف أبو محمد عبد العظيم بن الشيخ البلوي بما كان من إجازته العامة لكل من أدرك عام أحد وأربعين وستمائة وغير هؤلاء ممن يشق إحصاؤهم‏.‏

تصانيفه كثيرة منها المسماة بالمقام المخزون في الكلام الموزون والقصيدة المسماة بالمشرف الأصفى في المأدب الأوفى وكلاهما ينيف على الألف بيت ونظم السلوك في شيم الملوك والمجتني النضير والمقتني الخطير والعبارة الوجيزة عن الإشارة واللطائف الروحانية والعوارف الربانية‏.‏

ومن تواليفه‏:‏ أس مبنى العلم وأس معنى الحلم في مقدمة علم الكلام ولذات السمع من القراءات السبع نظمًا ورصف نفائس اللآلى ووصف عرائس المعالي في النحو وقاعدة البيان وضابطة اللسان في العربية ولهجة اللافظ وبهجة الحافظ والأرجوزة المسماة بقرة عين السائل وبغية نفس الآمل في اختصار السيرة النبوية والوصايا النظامية في القوافي الثلاثية وكتاب عدة الداعي وعمدة الواعي وكتاب عليه السلام عوارف الكرم وصلات الإحسان فيما حواه العين من لطائف الحكم وخلق الإنسان وكتاب جوامع الأشراف والعنايات في الصوادع والآيات والنفحة الوسيمة والمنحة الجسيمة تشتمل على أربع قواعد اعتقادية وأصوليه وفروعية وتحقيقية وكتاب شروف المفارق في اختصار كتاب المشارق وتلخيص الدلالة في تخليص الرسالة وشذور الذهب في صروم الخطب وفائدة الملتقط وعائدة المغتبط وكتاب عدة المحق وتحفة المستحق‏.‏

نثره من ذلك خطبة ألغيت الألف من حروفها على كثرة ترددها في الكلام وتصرفها وهي‏:‏ حمدت ربي جل من كريم محمود وشكرته عز من عظيم موجود ونزهته عن جهل كل ملحد كفور وقدسته عن قول كل مفسد غرور كبير لو تقدم في فهم نجد قدير لو تصور في رسم لحد لو عدته فكرة التصور لتصور ولو حدته فكرة لتعذر ولو فهمت له كيفية لبطل قدمه ولو علمت له كيفية لحصل عدمه ولو حصره طرفٌ لقطع بتجسمه ولو قهره وصفٌ لصدع بتقسمه ولو فرض له شبحٌ لرهقه كيف ولو عرض له للحق عجلٌ وريث عظيم من غير تركب قطر عليمٌ من غير ترتب فكر موجود من غير شيء يمسكه معبود من غير وهم يدركه كريمٌ من غير عوض يلحقه حكيم من غير عرضٍ يلحقه قوي من غير سببٍ يجمعه عليٌّ من غير سبب يرفعه لو وجد له جنس لعورض في قيموميته ولو ثبت له حسٌّ لنوزع في ديموميته‏.‏

ومنها‏:‏ تقدس عن لم فعله وتنزه عن سم فضله وجل عن ثم قدرته وعز عن عم عزته وعظمت عن من صفته وكثرت عن كم منته فتق ورتق صور وحلق وقطع ووصل ونصر وخذل حمدته حمد من عرف ربه ورهب ذنبه وصفت حقيقة يقينه قلبه وذكرت بصيرة دينه لبه فنهض لوعي بشروط نفضته وحد وربط سلك سلوكه وشيد وهدم صرح عتوه وهد وحرس معقل عقله وحد طرد غرور غرته ورذله علم علم تحقيق فنحا نحوه وتفرد له عز وجل بثبوت ربوبيته وقدمه ونعتقد صدور كل جوهر وعرض عن جوده وكرمه ونشهد بتبليغ محمد صلى ربه عليه وسلم رسوله وخير خلقه ونعلن بنهوضه في تبيين فرضه وتبليغ شرعه ضرب قبة شرعه فنسخت كل شرع وجدد عزيمته فقمع عدوه خير قمع قوم كل مقوم بقويم سمته وكريم هديه وبين لقومه كيف يركنون فوره بقصده وسديد سعيه بشر وبعد فقد نصحتم لو كنتم تعلقون وهديتم لو كنتم تعملون وبصرتم لو كنتم تبصرون وذكرتم لو كنت تذكرون وظهرت لكم حقيقة نشركم وبرزت لكم خبيئة حشركم فلم تركضون في طلق غفلتكم وتغفلون عن يوم بعثكم وللموت عليكم سيفٌ مسلول وحكم عزم غير معلوم فكيف بكم يوم يؤخذ كل بذنبه ويخبر بجميع كسبه ويفرق بينه وبين صحبه ويعدم نصرة حزبه ويشغل بهمه وكربه عن صديقه وتربه وتنشر له رقعته وتعين له بقعته فربح عبدٌ نظر وهو في مهل لنفسه وترسل في رضى عمله جنةً لحلول رمسه وكسر صم شهوته ليقر في بحبوحة قدسه وحصر بنظر ينزله سرير سروره بين عقله وجسمه‏.‏

ومنها‏:‏ فتنبه ويحك من سنتك ونومك وتفكر فيمن هلك من صحبك وقومك هتف بهم من تعلم وشب عليهم من حرق مظلم فخربت بصيحته ربوعهم وتفرقت لهوله جموعهم وذل عزيزهم وخسي رفيعهم وصم سميعهم فخرج كل منهم عن قصره ورمي غير موسد في قبره فهم بين سعيدٍ في روضته مقرب وبين شقي في حفرته معذب فنستوهب منه عز وجل عصمته من كل خطيئة وخصوصية تقي من كل نفس جريئة‏.‏

كتب إلى شيخنا الوزير ابن ذي الوزارتين ابن الحكيم جوابًا عن مخاطبة كتبها إليه يلتمس منه وصايته ونصحه هذا الشعر‏:‏ هو الذي أوجد ما فوقها وتحتها وهو العليم الخبير ثم صلاة الله تترى على ياقوتة الكون البشير النذير وصحبه الأولى نالوا مرأى يرجع عنه العرف وهو الحسير وبعد فأنفسهم جوهر للأرواح منه ما للأثير فإنك استدعيت من ناصر نصحًا طويلًا وهو منه قصير ولست أهلا أن أرى ناصحًا لقلة الصدق وخبث الضمير وإنما يحسن نصح الورى من ليس للشرع عليه نكير ومستحيلٌ أن يقود امرًا يد امرىءٍ واهي المباني ضرير واعجبا يلتمس الخير من معتقل العقل مهيض كسير لكن إذا لم يكن بدٌّ فعن جهد أوفيك بتبر يسير فالقنه إن كنت به قانعًا درا نظيمًا يزدري بالنثير لازم أبا بكر على منهج ذاك تفز منه بخير كثير أين أبو شروان أضحى كأن لم يك أين المعتدي أزدشير هذا مقالٌ من وعاه اهتدي وحيط من كل مخوف مبير وصى أبو بكر به أحمدا وأحمد في الوقت شيخ كبير إنقرضت أيامه وانتهى وهنًا ومن قبل أتاه النذير وها هو اليوم على عدة مبرمه للشر وما من عذير ومن شعره في طريقة الذي كان ينتحله‏:‏ شهود ذاتك شيء عنك محجوب لو كنت تدركه لم يبق مطلوب علوٌ وسفل ومن هذا وذاك معا دور على نقطة الإشراق منصوب ومنزل النفس منه ميمٌ مذكرة إن صح للغرض الظنى مرغوب وإن تناءت مساويها فمنزلها أوج الكمال وتحت الروح تقليب والروح إن لم تخنه النفس قام له في حضرة الملك تخصيص وتقريب ومن شعره‏:‏ دعني على حكم الهوى أتضرع فعسى يلين لنا الحبيب ويخشع وامح اسم نفسك طالبًا إثباته واقنع بتفريقٍ لعلك تجمع واخضع فمن دأب المحب خضوعه ولربما نال المنى من يخضع ومن شعره‏:‏ مالي ببابٍ غير بابك موقف لا ولا لي عن فنائك مصرف هذا مقامي ما حييت فإن أمت فالذل مأوى للضراعة مألف غرضي وأنت به عليم لمحةٌ تذر الشتيت الشمل وهو مؤلف وعليك ليس على سواك معولي جاروا على لأجل ذا أو أنصفوا ومن المقطوعات في التجنيس‏:‏ يقال خصال أهل العلم ألفٌ ومن جمع الخصال الألف سادا ويجمعها الصلاح فمن تعدي مذاهبه فقد جمع الفسادا ومنه في المعنى‏:‏ إن شئت فوزًا بمطلوب الكرام غدًا فاسلك من العمل المرضى منهاجا واغلب هوى النفس لا تغررك خادعة فكل شيء يحط القدر منهاجا طلب العلم وروايته وحاجة عامة واستدعاء سلطان وقدوم من سفارة‏.‏

كان الناس ينسالون عليه ويغشون منزله فيما أدركت كلما تبوأ ضيافة السلطان تبر كابه وأخذًا عنه‏.‏

مولده ولد ببلش بلده في حدود تسع وأربعين وستمائة‏.‏

وفاته توفي ببلش سحر يوم الأربعاء السابع عشر من شوال عام ثمانية وعشرين وسبعمائة‏.‏

وممن رثاه شيخنا نسيج وحده العالم الصالح الفاضل أبو الحسن بن الجياب بقصيدة أولها‏:‏ على مثله خضابة الدهر فاجع تفيض نفوسٌ لا تفيض المدامع ورثاه شيخنا القاضي أبو بكر بن شبرين رحمه الله بقصيدة أولها‏:‏ أيساعد رائده الأمل أم يسمع سائله الطلل يا صاح فديتك ما فعلت ذا من الأحباب وما فعلوا فأجاب الدمع مناديه أما الأحباب فقد رحلوا ورثاه من هذه البلدة طائفة منهم الشيخ الأديب أبومحمد بن المرابع الآتي اسمه في العيادة له أدعوك ذا جزع لو أنك سامع ماذا أقول ودمع عيني هامع وأنشد خامس يوم دفنه قصيدة أولها‏:‏ عبرة تفيض حزنًا وثكلا وشجونٌ تعم بعضًا وكلا ليس إلا صبابة أضرمتها حسرةٌ تبعث الأسى ليس إلا وهي حسنة طويلة‏.‏

إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك المتأمر رومي الأصل‏.‏

أوليته مفرج أو همشك من أجداده نصراني أسلم على يدي أحد ملوك بني هود بسرقسطة نزح إليهم وكان مقطوع إحدى الأذنين فكان النصارى إذا رأوه في القتال عرفوه وقالوا هامشك معناه ترى المقطوع الأذن إذ ها عندهم قريب مما هي في اللغة العربي والمشك المقطوع الأذنين في لغتهم‏.‏

نباهته وظهوره ولما خرج بنو هود عن سرقسطة نشأ تحت خمول إلا أنه شهم متحرك خدم بعض الموحدين في الصيد وتوسل بدلالة الأرض ثم نزع إلى ملك قشتالة واستقر مع النصارى ثم انصرف إلى بقية اللمتونيين بالأندلس بعد شفاعة وإظهار توبة‏.‏

ولما ولي يحيى بن غانية قرطبة إرتسم لديه برسمه‏.‏

ثم كانت الفتنة عام تسعة وثلاثين وثار ابن حمدين بقرطبة وتسمى بأمير المؤمنين فبعثه رسولا ثقة بكفايته ودربته وعجمة لسانه لمحاولة الصلح بينه وبين ابن حمدين فأغنى ونبه قدره ثم غلى مرجل الفتنة وكثر الثوار بالأندلس فاتصل بالأمير ابن عياض بالشرق وغيره إلى أن تمكن له الامتزاز بحصن شفوبش ثم تغلب على مدينه شقورة وتملكها وهي ما هي من النعمة فغلظ أمره وساوى محمد بن مردنيش أمير الشرق وداخله حتى عقد معه صهرًا على ابنته فاتصلت له الرياسة والإمارة‏.‏

وكان يعد سيفًا لصهره المذكور مسلطًا على من عصاه فقاد الجيوش وافتتح البلاد إلى أن فسد ما بينهما فتفاتنا وتقاطعا وانحاز بما لديه من البلاد والمعاقل وعد من ثوار الأندلس أولى الشوكة الحادة والبأس الشديد والشبا المرهوب‏.‏

وآثاره بعد انقباض دولته تشهد بما تأمل من ملك وسلف من الدولة والدار الآخرة خير لمن اتقى‏.‏

قال ابن صفوان‏:‏ وديار شكوى الزمان فتشك حدثتنا عن عزة ابن همشك حاله قال محمد بن أيوب بن غالب المدعو بابن حمامة‏:‏ أبو إسحاق الرئيس شجاع بهمة من البهم‏.‏

كان رئيسًا شجاعًا مقدامًا شديد الحزم سديد الرأي عارفًا بتدبير الحرب حمى الأنف عظيم السطوة مشهور الإقدام مرتكبًا للعظيمة قال بعض من عرف به من المؤرخين وهو وإن كان قائد فرسان هو حليف فتنه وعدوان ولم يصحب قط متشرعًا ولا نشأ في أصحابه من كان متورعًا سلطه الله على الخلق وأملى له فأضر بمن جاوره من أهل البلاد وحبب إليه العيث في العباد‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:39 AM



سيرته كان جبارًا قاسيًا فظا غليظًا شديد النكال عظيم الجرأة والعبث بالخلق بلغ من عيثه فيهم إحراقهم بالنار وقذفهم من الشواهق والأبراج وإخراج الأعصاب والرباطات عن ظهورهم عن أوتار القسي بزعمه وضم أغصان الشجر العادي بعضها إلى بعض وربط الإنسان بينها ثم تسريحها حتى يذهب كل غصن بحظه من الأعضاء ورآه بعض الصالحين في النوم بعد موته وسأله ما فعل الله بك فأنشده‏:‏ من سره العيث في الدنيا بخلقة من يصور الخلق في الأرحام كيف يشا فليصبر اليوم صبري تحت بطشته مغللا يمتطي جمر الغضا فرشا شجاعته زعموا أنه خرج من المواضع التي كانت لنصره متصيدًا وفي صحبته محاولو اللهو وقارعو أوتار الغناء في مائة من الفرسان ونقاوة أصحابه فما راعهم إلا خيل العدو هاجمه على غرة في مائتي فارس ضعف عددهم فقالوا العدو في مائتي فارس فقال وإذا كنتم أنتم لمائة وأنا لمائة فنحن قدرهم فعد نفسه بمائة‏.‏

ثم استدعى قدحًا من شرابه وصرف وجهه إلى المغني وقال أعد لي تلك الأبيات كان يغنيه بها فتعجبه‏:‏ يتلقى الندا بوجهٍ حي وصدور القنا بوجه وقاح هكذا هكذا تكون المعالي طرق الجد غير طرق المزاح فغناه بها واستقبل العدو وحمل عليه بنفسه وأصحابه حملة رجل واحد فاستولت على العدو الهزيمة وأتى على معظمهم القتل ورجع غانمًا إلى بلده‏.‏

ثم ضربت الأيام وعاود التصيد في موضعه ذلك وأطلق بازه على حجلة فأخذها وذهب ليذكيها فلم يحضره خنجر ذلك الغرض في الوقت فبينما هو يلتمسه إذ رأى نصلًا من نصال المعترك من بقايا يوم الهزيمة فأخذه من التراب وذبح به الطائر ونزل واستدعى الشراب وأمر المغني فغناه بيتي أبي الطيب‏:‏ تذكرت ما بين العذيب وبارقٍ مجر عوالينا ومجرى السوابق وصحبة قوم يذبحون قنيصهم بفضلات ما قد كسروا في المفارق وقد رأيت من يروي هذه الحكاية عن أمراء بني مردنيش وعلى كل حال فهي من مستظرف الأخبار‏.‏

دخوله غرناطة قالوا وفي سنة ست وخمسين وخمسمائة في جمادى الأولى منها قصد إبراهيم ابن همشك بجمعه مدينة غرناطة وداخل طائفة من ناسها وقد تشاغل الموحدون بما دهمهم من اختلاف الكلمة عليهم بالمغرب وتوجه الوالي بغرناطة السيد أبي سعيد إلى العدوة فاقتحمها ليلًا واعتصم الموحدون بقصبتها فأجاز بهم بأنواع الحرب ونصب عليهم المجانيق ورمى فيها من ظفر به منهم وقتلهم بأنواع من القتل‏.‏

وعندما اتصل الخبر بالسيد أبي سعيد بادر إليها فأجاز البحر والتف به السيد أبو محمد بن أبي حفص بجميع جيوش الموحدين والأندلس ووصل الجميع إلى ظاهر غرناطة وأصحر إليهم ابن همشك وبرز منها فالتقى الفريقان بمرج الرقاد من خارجها ودارت الحرب بينهم فانهزم جيش الموحدين واعترضت الفل تخوم الفدادين وجداول المياه التي تتخلل المرج فاستولى عليهم القتل وقتل في الوقيعة السيد أبو محمد ولحق السيد أبو سعيد بمالقة وعاد ابن همشك إلى غرناطة فدخلها بجملةٍ من أسرى القوم أفحش فيهم المثلة بمرأى من إخوانهم المحصورين واتصل الخبر بالخليفة بمراكش وهو بمقربة سلا قد فرغ من أمر عدوه فجهز جيشًا أصحبه السيد أبا يعقوب ولده والشيخ أبا يوسف بن سليمان زعيم وقته وداهية زمانه فأجازوا البحر والتقوا بالسيد أبي سعيد بمالقة وتتابع الجمع والتف بهم من أهل الجهاد من المطوعة واتصل منهم السير إلى قرية دلر من قرى غرناطة وكان من استمرار الهزيمة على ابن همشك الذي أمده بنفسه وجيشه من نصارى وغيرهم ما يأتي ذكره عند اسم ابن مردنيش في الموحدين في حرف الميم بحول الله تعالى‏.‏

إنخلاعه للموحدين عما بيده وجوازه للعدوة ووفاته بها قالوا ولما فسد ما بينه وبين ابن مردنيش بسبب بنته التي كانت تحت الأمير أبي محمد بن مردنيش إلى أن طلقها وانصرفت إلى أبيها وأسلمت إليه ابنها منه مختارة كنف أبيها إبراهيم نازعة في انصرامه إلى عروقها فلقد حكي أنها سئلت عن ولدها وإمكان صبرها عنه فقالت‏:‏ جرو كلبٍ جرو سوءٍ من كلب سوءٍ لا حاجة لي به فأرسلت كلمتها في نساء الأندلس مثلًا فاشتدت بينهما الوحشة والفتنة وعظمت المحنة وهلك بينهما من الرعايا الممرورين المضطرين بقنينه الثوار ممن شاء الله بهلاكه إلى أن كان أقوى الأٍسباب في تدمير ملكه‏.‏

ولما صرف ابن سعد عزمه إلى بلاده وتغلب على كثير منها خدم ابن همشك الموحدين ولاذ بهم وساتجارهم فأجاز البحر فقدم على الخليفة عام خمسة وستين وخمسمائة وأقره بمواضعه إلى أوائل عام أحد وسبعين فطولب بالانصراف إلى العدوة بأهله وولده وأسكن مكناسة وأقطع بها سآمًا لها خطر واتصلت تحت عنايته إلى أن هلك‏.‏

وفاته‏:‏ قالوا واستمر مقام ابن همشك بمكناسة غير كبير وابتلاه الله بفالج غريب الأغراض شديد سوء المزاج إلى أن هلك فكان يدخل الحمام الحار فيشكو حره بأعلى صراخه فيخرج فيشكو البرد كذلك إلى أن مضى سبيله‏.‏

إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق يكنى أبا سالم‏.‏

أوليته الشمس تخبر عن حلي وعن حلل‏.‏

فهو البيت الشهير والجلال الخطير والملك الكبير والفلك الأثير ملاك المسلمين وحماة الدين وأمراء المغرب الأقصى من بني مرين غيوت المواهب وليوث العرين ومعتمد الصريخ وسهام الكافرين‏.‏

أبوه السلطان أبو الحسن الملك الكبير البعيد شأو الصيت والهمة والعزيمة والتحلي بحلى السنة والإقامة لرسوم الملك والاضطلاع بالهمة والصبر عند الشدة‏.‏

وأخوة أمير المسلمين فذلكة الحسب ونير النصبة وبدرة المعدن وبيت القصيد أبو عنان فارس الملك الكبير العالم المتحير العامل النظار الجواد الشجاع القسور الفصيح مدد السعادة الذي خرق الله به سياج العادة فما عسى أن يطلب اللسان وأين تقع العبارة وماذا يحصر الوصف عين هذا المجد فوارة وحسب هذا الحسب اشتهاره قولا بالحق وبعدًا عن الإطراء ونشرًا للواء النصفة حفظ الله على الإسلام ظلهم وزين ببدور الدين والدنيا حاله كان شابًا كما تطلع وجهه حسن الهيئة ظاهر الحياء والوقار قليل الكلام صليفة عن اللفظ آدم اللون ظاهر السكون والحيرية والحشمة فاضلًا متخلقًا قدمه أبوه أمير الرتبة موفي الألقاب بوطن سجلماسة وهي عمالة ملكهم فاستحق الرتبة في هذا الباب بمزيد هذه الرتبة المشترط لأول تأليفه‏.‏

ولما قبضه الله عليه واختار له ما عنده أحوج ما كانت الحال إلى من ينظم الشت ويجمع الكلمة ويصون الدما سبحانه أحوج ما كانت الدنيا إليه وصير إلى وارثه طواعيه وقسرًا ومستحقًا وغلابًا وسلمًا وذاتًا وكسبًا السلطان أخيه تحصل هو وأخ له اسمه محمد وكنيته أبو الفضل يأتي التعريف بحاله في مكانه إن شاء الله فأبقى وأغضى واجتنب الهوى وأجاب داعي البر والشفقة والتقوى فصرفهما إلى الأندلس باشرت إركابها البحر بمدينة سلا ثاني اليوم الذي انصرفت من بابه وصدرت عن بحر جوده وأفضت بإمامة عنايته مصحبًا بما يعرض لسان الثناء من صنوف كرامته في غرض السفارة عن السلطان بالأندلس تغمده الله برحمته ونزل مربلة من بلاد الأندلس المصروفة إلى نظره واصلًا السير إلى غرناطة‏.‏

دخوله غرناطة قدم هو وأخوه عليها يوم عشرين من جمادى الأولى من عام اثنين وخمسين وسبعمائة‏.‏

وبرز السلطان إلى لقائهما إبلاغا في التجلة وانحطاطًا في ذمة التخلق فسعيًا إلى مرتجلين وفاوضهما حتى قضيت الحقوق واستفرجت تفقده وجرايته وخلا بأحظى الأمكنة واحتفيا في سرير مجلسه مقسومٌ بينهما الحظ من هشته ولحظته فأما محمد فسولت له نفسه الأطماع واستفزته الأهواء أمرًا كان قاطع أجله وسعد أخيه اختاره الله من دونه‏.‏

وأما إبراهيم المترجم به فجنح إلى أهل العافية بعد أن ناله اعتقال بسبب إرضاء أخيه أمير المسلمين فارس في الأخريات لشهر ذي الحجة من عام تسعة وخمسين وسبعمائة وتقديم ولده الصبي المكنى بأبي بكر المسمى بسعيد لنظر وزيره في الحزم والكفاية حركه الاستدعاء وأقلقته الأطماع وهب به السائل‏.‏

وعرض بغرضه إلى صاحب الأمر بالأندلس ورفق عن صبوحه فشكا إلى غير مصمت فخرج من الحضرة ليلا من بعض مجاري المياه راكبًا للخطر في أخريات جمادى الأولى من العام بالحضرة المكتبة الجوار من ثغور العدو ولحق بملك قشتالة وهو يومئذ بإشبيلية قد شرع في تجريةٍ إلى عدوه من برجلونه فطرح عليه نفسه وعرض عليه مخاطبات استدعائه ودس له المطامع المرتبطة بحصول غايته فقبل سعايته وجهز له جفنًا من أساطيله أركب فيه في طائفة تحريكه وطعن بحر المغرب إلى ساحل أزمور وأقام به منتظرًا إلى إنجاز المواعد ممن بمراكش فألفى الناس قد حطبوا في حبل منصور بن سليمان وبايعوه بجملتهم فأخفق مسعاه وأخلف ظنه وقد أخذ منصور بمخنق البلد الجديد دار ملك فاس واستوثق له الأمر فانصرف الجفن أرداجه‏.‏

ولما حاذى لبلاد غمارة من أحواز أصيلًا تنادوا به قومٌ منهم‏.‏

وانحدروا إليه ووعدوه الوفاء له فنزل إليهم واحتملوه فوق أكتادهم وأحدقوا به في سفح جبلهم وتنافسوا في الذب عنه ثم كبسوا أصيلًا فملكوها وضيق بطنجة فدخلت في أمره واقتدت بها سبتة وجبل الفتح واتصل به بعض الخاصة وخاطبة الوزير المحصور وتخاذل أشياع منصور فخذلوه وفروا عنه جهارًا بغير علة وانصرفت الوجوه إلى السلطان أبي سالم فأخذ بيعاتهم عفوا ودخل البلد المحصور وقد تردد بينه وبين الوزير المحصور مخاطبات في رد الدعوة إليه فدخل البلد يوم الخميس خامس عشرة شعبان من عام التاريخ واستقر وجدد الله عليه أمره وأعاد ملكه وصرف عليه حقه وبلى هذا الأمير من سير الناس إلى تجديد عهد أبيه وطاعتهم إلى أمره وجنوحهم إلى طاعته وتمني مدته حال غريبة صارت عن كثبٍ إلى أضدادها فصرف ولده إلى اجتناث شجرة أبيه فالتقط من الصبية بين مراهق ومحتلم ومستجمع طائفة تناهز العشرين غلمانًا ردنة قتلوا إغراقًا من غير شفعة توجب إباحة قطرة من دمائهم ورأى أن قد خلاله الجو فتواكل وآثر الحجبة وأشرك الأيدي في ملكه فاستبيحت أموال الرعايا وضافت الجبايات وكثرت الظلامات وأخذ الناس حرمان العطاء وانفتحت أبواب الإرجاف وحدت أبواب القواطع إلى أن كل من أمره ما هو معروف‏.‏

وفي أول من شهر رجب عام واحد وستين وسبعمائة تحرك الحركة العظمى إلى تلمسان وقد استدعى الجهات وبعض البلاد ونهد في جيوش تجر الشوك والحجر ففر سلطانها أمام عزمه وطار الذعر بين يدي الضلالة وكنا قد استغثنا القرار في إيالته وانتهى بنا الإزعاج إلى ساحل سلا من ساحل مملكته فخاطبته وأنا يومئذٍ مقيم بتربة أبيه متذممٌ بها في سبيل استخلاص أملاكي بالأندلس في غرض التهنئة والتوسل‏:‏ مولاي فتاح الأقطار والأمصار فائدة الزمان والأعصار أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار قدوة أولى الأيدي والأبصار‏.‏

وفاته وفي ليلة العشرين من شهر ذي قعدة من عام اثنين وستين وسبعمائة ثار عليه بدار الملك وبلد الإمارة المعروف بالبلد الجديد من مدينة فاس الغادر مخلفه عليها عمر بن عبد الله بن علي نسمة السوء وجملة الشؤم المثل البعيد في الجرأة على قدر اهتبل غرة انتقاله إلى القصر السلطاني بالبلد القديم محتولا إليه حذرًا من قاطع فكلي الجدر منه استعجله ضعف نفسه وأعانه على فرض صحته به وسد الباب في وجهه ودعا الناس إلى بيعة أخيه المعتوه وأصبح حائرًا بنفسه يروم استرجاع أمر ذهب من يده ويطوف بالبلد يلتمس وجهًا إلى نجاح حيلته فأعياه ذلك ورشقت من معه السهام وفرت عنه الأجناد والوجوه وأسلمه الدهر وتبرأ منه الجد وعندما جن عليه الليل فر على وجهه وقد التفت عليه الوزراء وقد سفهت أحلامهم وفالت آرائهم ولو قصدوا به بعض الجبال المنيعة لو لوا وجوههم شطر مظنة الخلاص واتصفوا بعذار الإقلاع ولكنهم نكلوا عنه ورجعوا أدراجهم وتسللوا راجعين إلى بر غادر الجملة وقد سلبهم الله لباس الحياء والرجلة وتأذن الله لهم بسوء العاقبة وقصد بعض بيوت البادية وقد فضحه نهار الغداة واقتفى البعث أثره حتى وقعوا عليه وسيق إلى مصرعه وقتل بظاهر البلد ثاني اليوم الذي كان غدر فيها جعلها الله له شهادة ونفعه بها فلقد كان بقية البيت وآخر القوم دماثة وحياء وبعدًا عن الشر وركونًا للعافية‏.‏

وأنشدت على قبره الذي ووريت به جئته بالقلعة من ظاهر المدينة قصيدة أديت فيها بعض حقه‏:‏ بني الدنيا بني لمع السراب لدوا للموت وابنوا للخراب إبراهيم بن يحيى الهنتاني إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاني أبو إسحاق أمير المؤمنين بتونس وبلاد إفريقية ابن الأمير أبي زكريا أمير إفريقية وأصل الملوك المتأثلين العز بها والفرع الذي دوح بها من فروع الموحدين بالمغرب واستجلابه بها أبا محمد عبد المؤمن بن علي أبا الملوك من قومه وتغلب ذريته على المغرب وإفريقية والأندلس معروف كله يفتقر بسطه إلى إطالة كثيرة تخرج عن الغرض‏.‏

وكان جد هؤلاء الملوك من أصحاب المهدي في العشرة الذين هبوا لبيعته وصحبوه في غربته أبو حفص عمر بن يحيى ولم يزل هو وولده من بعده مرفوع القدر معروف الحق‏.‏

ولما صار الأمر للناصر أبي عبد الله بن المنصور أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي صرف وجهه إلى إفريقية ونزل بالمهدية وتلوك إليه ابن غانية فيمن لغه من العرب والأوباش في جيش يسوق الشجر والمدر فجهز إلى لقائه عسكرًا لنظر الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص جدهم الأقرب فخرج من ظاهر المهدية في أهبة ضخمة وتعبية محكمة والتقى الجمعان فكانت على ابن غانية الدايرة ونصر الشيخ محمد نصرًا لا كفاء له وفي ذلك يقول أحمد بن خالد من شعر عندهم‏:‏ فتوحٌ بها شدت عرى الملك والدين تراقب منا منكم غير ممنون وفتحت المهدية على هيئة ذلك الفتح وانصرف الناصر إلى تونس ثم تفقد البلاد وأحكم ثقافها وشرع في الإياب إلى المغرب وترجج عنده تقديم أبي محمد بن أبي حفص المصنوع له بإفريقية على ملكها مستظهرًا منه بمضاء وسابقة وحزم بسط يده في الأموال وجعل إليه النظر في جميع الأمور سنة ثلاث وستمائة ثم كان اللقاء بينه وبين ابن غانية في سنة ست بعدها فهزم ابن غانية واستولى على محلته فاتصل سعده وتوالى ظهره إلى أن هلك مشايعًا لقومه من بني عبد المؤمن مظاهرًا بدعوتهم عام تسعة وعشرين وستمائة‏.‏

وولي أمره بعده كبير ولده عبد الله على عهد المستنصر بالله بن الناصر من ملوكهم وقد كان الشيخ أبو محمد زوحم عند اختلال الدولة بالسيد أبي العلاء الكبير عم أبي المستنصر على أن يكون له اسم الإمارة بقصبة تونس والشيخ أبو محمد على ما لسائر نظره فبقي ولده عبد الله على ذلك بعد إلى أن كان ما هو أيضًا معروف من تصير الأمر إلى المأمون أبي العلاء إدريس ووقعه السيف في وجوه الدولة بمراكش وأخذه بثرة أخيه وعمه منهم‏.‏

وثار أهل الأندلس على السيد أبي الربيع بعده بإشبيلية وجعجعوا بهم وأخذوا في التشريد بهم وتبديد دعوتهم واضطربت الأمور وكثر الخلاف ولحق الأمير أبو زكريا بأخيه بإفريقية وعرض عليه الاستبداد فأنف من ذلك وأنكره عليه إنكارًا شديدًا خاف منه على نفسه فلحق بقابس فارًا واستجمع بها مع شيخها مكى وسلف شيوخها اليوم من بني مكي فمهد له وتلقاه بالرحب وخاطب له الموحدين سرًا فوعدوه بذلك عند خروج عبد الله من تونس إلى الحركة من جهة القيروان‏.‏

فلما تحرك نحوا عليه وطلبوا منه المال وتلكأ فاستدعوا أخاه الأمير أبا زكريا فلم يرعه وهو قاعد في خبائه آمنٌ في سربه إلا ثورة الجند به والقبض عليه ثم طردوه إلى مراكش وقعد أخوه الأمير أبو زكريا مقعده وأخذ بيعة الجند والخاصة لنفسه مسبتدًا بأمره ورحل إلى تونس فأخذ بيعة العامة وقتل السيد الذي كان بقصبتها وقبض أهل بجاية حين بلغهم الخبر على واليها السيد أبي عمران فقبلوه تغريقًا وانتظمت الدولة وتأثل الأمر وكان حازمًا داهية مشاركا في الطلب أديبًا راجح العقل أصيل الرأي حسن السياسة مصنوعًا له موفقًا في تدبيره جبي الأموال واقتنى العدد واصطنع الرجال واستكثر من الجيش وهزم العرب وافتتح البلاد وعظمت الأمنة بينه وبين الخليفة بمراكش الملقب بالسعيد وعزم كل منهما على ملاقاة صاحبه فأبى القدر ذلك فكان من مهلك السعيد بظاهر تلمسان ما هو معروف واتصل بأبي زكريا هلك ولده ولي العهد أبي يحيى ببجاية فعظم عليه حزنه وأفرط جزعه واشتهر من رثائه فيه قوله‏:‏ ألا جازعٌ يبكي لفقد حبيبه فإني لعمري قد أضر بي الثكل لقد كان لي مالٌ وأهل فقدتهم فهأنا لا مالٌ لدي أهل ولا أهل سأبكي وأرثي حسرةً لفراقهم بكاء قريحٍ لا يمل ولا يسل فلهفي ليوم فرق الدهر بيننا ألا فرجٌ يرجى فينتظم الشمل وإني لأرضى بالقضاء وحكمه وأعلم ربي أنه حاكم عدل نسبه ابن عذاري المراكشي في البيان المغرب‏.‏

واعتل بطريقه فمات ببلد العناب لانقضاء أربعة من مهلك السعيد وكان موت السعيد يوم الثلاثاء منسلخ صفر سنة ست وأربعين وستمائة‏.‏

وبويع ولده الأمير أبو عبد الله بتونس وسنه إحدى وعشرين سنة فوجد ملكًا مؤسسًا وجندًا مجندًا وسلطانًا قاهرًا ومالا وافرًا فبلغ الغاية في الجبروت والتيه والنخوة والصلف وتسمي بأمير المؤمنين‏.‏

وتلقب بالمستنصر بالله ونقم عليه أرباب دولته أمورًا أوجبت مداخلة عمه أبي عبد الله بن عبد الواحدالمعروف باللحياني ومبايعته سرًا بداره وانتهى الخبر للمستنصر فعاجل الأمر قبل انتشاره برأي الحزمة من خاصته كابن أبي الحسين وأبي جميل بن أبي الحملات بن مردنيش وظافر الكبير وقصدوا دار عمه فكبسوها فقتلوا من كان بها وعدتهم تناهز خمسين منهم عمه فسكن الإرجاف وسلم المنازع وأعطت مقادها واستمرت أيامه وأخباره في الجود والجرأة والتعاظم على ملوك زمانه مشهورة‏.‏

وكانت وفاته سنة أربع وسبعين وستمائة‏.‏

وولي أمره بعده ابنه الملقب بالواثق بالله وكان مضعوفًا ولم تطل مدته‏.‏

عاد الحديث وكان عمه المترجم لما اتصل به مهلك أخيه المستنصر قد أجاز البحر من الأندلس ولحق بتلمسان وداخل كثيرًا من الموحدين بها كأبي هلال فهيأ له أبو هلال تملك بجاية ثم تحرك إلى تونس فتغلب عليها فقتل الواثق وطائفة من إخوته وبنيه منهم صبيٌ يسمى الفضل وكان أنهضهم واستبد بالأمر رتمت بيعته بإفريقية وكان من الأمر ما يذكر‏.‏

حاله كان أيدا جميلًا وسميًا ربعة بادنا آدم اللون شجاعًا بهمةً عجلًا غير مراخٍ ولا حازم منحطا في هوى نفسه منقادًا للذته بريئًا من التشمت في جميع أمره‏.‏

وولي الخلافة في حال كبره ووخطه الشيب وآثر اللهو حتى زعموا أنه فقد فوجد في مزرعة باقلًا مزهرةٍ ألفى فيها بعد جهد نائمًا بينها نشوان يتناثر عليه سقطها واحتجب عن مباشرة سلطانه فزعموا أن خالصته أبا الحسن بن سهل داخل الناس بولده أبي فارس في خلعه والقيام مكانه وبلغه ذلك فاستعد وتأهب واستركب الجند ودعا ولده فأحضره ينتظر الموت من يمينه وشماله وأمر للحين فقتل وطرح بأزقة المدينة وعجل بإزعاج ولده إلى بجاية وعاد إلى حاله‏.‏

دخوله غرناطة قالوا ولما أوقع الأمير المستنصر بعمه أبي عبد الله كان أخوه أبو إسحاق ممن فر بنفسه إلى الأندلس ولجأ إلى أميرها أبي عبد الله بن الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر ثاني ملوكهم فنوه به وأكرم نزله وبوأه بحال عنايته وجعل دار ضيافته لأول نزوله القصر المنسوب إلى السيد خارج حضرته وهو آثر قصوره لديه وحضر غزوات أغزاها ببلاد الروم فظهر منه في نكاية العدو وصدامه سهولة وغناء‏.‏

ولما اتصل به موت أخيه تعجل الانصراف ولحق بتلمسان وداخل منها كبيرًا من الموحدين يعرف بأبي هلال بباجة كما تقدم فملكه أبو هلال منها بجاية ثم صعد تونس فملكها فاستولى على ملك ابن أخيه وما ثم من ذمه وارتكب الوزر الأعظم فيمن قتل معه وكان من أمره ما يأتي ذكره إن شاء الله‏.‏

الذي قيضه الله لهلاك حينه قالوا واتهم بعد استيلائه على الأمر فتًى من أخصاء فتيان المستنصر اسمه نصير بمال وذخيرة وتوجه إليه طلبه ونال منه‏.‏

وانتهز الفتى فرصةً لحق فيها بالمغرب واستقر بحلال المراعمة من عرب دباب وشارع الفساد عليه بجملة جهده حريصًا على إفساد أمره وعثر لقضاء الله وقدره بدعي من أهل بجاية يعرف بابن أبي عمارة‏.‏

حدثني الشيخ المسن الحاج أبو عثمان اللواتي من عدول المياسين متأخر الحياة إلى هذا العهد قال خضت مع ابن أبي عمارة ببعض الدكاكين بتونس وهو يتكهن لنفسه ما آل إليه أمره ويعد بعض ما جرى به القدر وكان أشبه الخلق بأحد الصبية الذين ماتوا ذبحًا بالأمير أبي إسحاق وهو الفضل فلاحت لنصير وجه حيلته فبكى حين رآه وأخبره بشبهه بمولده ووعده الخلافة فحرك نفسًا مهيأة في عالم الغيب المحجوب إلى ما أبرزته المقادر فوجده منقادًا لهواه فأخذ في تلقينه ألقاب الملك وأسماء رجاله وعوايده وصفة قصوره وأطلعه على إماراتٍ جرت من المستنصر لأمراء العرب سرًا كان يعالجها نصير وعرضه على العرب بعد أن أظهر العويل ولبس الحداد وأركبه وسار بين يديه حافيًا حزنًا لما ألفاه عليه من المضيعة وأسفًا لما جرى عليه فبايعته العرب النافرة وأشادوا بذكره وتقووا بما قرره من إمارته فعظم أمره واتصل بأبي إسحاق نبأه فبرز إليه بعد استدعاء ولده من بجاية فالتقى الفريقان وتمت على الأمير أبي إسحاق الهزيمة واستلحم الكثير ممن كان معه وهلك ولده ولجأ أخوه الأمير أبو حفص لقلعة سنان وفر هو لوجهه حتى لحق ببجاية وعاجله ابن أبي عمارة فبعث جريدة من الجند لنظر أشياخ من الموحدين وأغرت إليهم الإيقاع فوصلت إلى بجاية فظن من رآه من الفل المنهزم فلم يعترضه معترض عن القصبة‏.‏

وقبض على الأمير أبي إسحاق فطوقه الحمام واحتز رأسه وبعث إلى ابن أبي عمارة به وقد دخل تونس واستولى على ملكها وأقام سنين ثلاثة أو نحوها في نعماء لا كفاء له واضطلع بالأمر وعاث في بيوت أمواله وأجرى العظائم على نسائه ورجاله إلى أن فشا أمره واستقال الوكن من تمرته فيها وراجع أرباب الدولة بصايرهم في شأنه ونهد إليه الأمير أبو حفص طالبًا بثأر أخيه فاستولى ودحض عاره واستأصل شأفته ومثل به والملك لله الذي لا تزن الدنيا جناح بعوضة عنده‏.‏

وفي هذا قلت عند ذكر أبي حفص في الرجز المسمى بنظم الملوك المشتمل على دول الإسلام أجمع على اختلافها إلى عهدنا فمنه في ذكر بني حفص‏:‏ ولهم يحيى بن عبد الواحد وفضلهم ليس له من جاحد وهو الذي استبد بالأمور وحازها ببيعة الجمهور ثم تولى ابنه المستنصر وهو الذي علياه لا تنحصر أصاب ملكا رئيسًا أوطانه وافق عزًا ساميًا سلطانه ودولةً أموالها مجموعة وطاعةً أقوالها مسموعة فلم تخف من عهدها انتكاثًا وعاث في أموالها عياثا هبت بنصر عزه الرياح وسقيت بسعده الرماح حتى إذا أدركه شرك الردى وانتحب النادي عليه والندا قام ابنه الواثق بالتدبير ثم مضى في زمن يسير سطا عليه العم إبراهيم والملك في أربابه عقيم وعن قريبٍ سلب الإمارة عنه الدعي ابن أبي عمارة عجيبةٌ من لعب الليالي ما خطرت لعاقل ببال واخترم السيف أبا إسحاقا أبا هلال لقي المحاقا واضطربت على الدعي الأحوا ل والحق لا يغلبه المحال وهذه الأمور تستدعي الإطالة مخلةٌ بالغرض ومقصدي أن أستوفي ما أمكن من التواريخ التي لم يتضمنها ديوان وأختصر ما ليس بقريب والله ولي الإعانة بمنه‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:41 AM

إبراهيم بن محمد بن مالك الأزدي إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد ابن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي يكنى أبا إسحاق‏.‏

أوليته منزل جدهم الداخل إلى الأندلس قرية شون من عمل أو قيل من إقليم إلبيرة‏.‏

قال ابن البستي‏:‏ بيتهم في الأزد ومجدهم ما مثله مجد حازوا الكمال وانفردوا بالأصالة والجلال مع عفة وصيانة ووقار وصلاح وديانة نشأ على ذلك سلفهم وتبعهم الآن خلفهم‏.‏

وذكرهم مطرف بن عيسى في تاريخه في رجال الأندلس وقال ابن مسعدة وقفت على عقد قديم لسلفي فيه ذكر محمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي وقد حلى فيه بالوزير الفقيه أبي أحمد بن الوزير الفقيه أبي عمرو إبراهيم وتاريخ العقد سنة ثلاث وأربعمائة فناهيك من رجال تحلوا بالجلالة والطهارة منذ أزيد من أربعمائة سنة ويوصفون في عقودهم بالفقه والوزارة منذ ثلاثمائة سنة في وقت كان فيه هذا المنصب في تحلية الناس ووصفهم في نهاية من الضبط والحرز بحيث لا يتهم فيه بالتجاوز لأحد لا سيما في العقود فكانوا لا يصفون فيه الشخص إلا بما هو الحق فيه والصدق وما كان قصدي في هذا إلا أن شرفهم غير واقف عليه أو مستندٌ في الظهور إليه بل ذكرهم على قديم الزمان شهير وقدرهم خطير‏.‏

قلت ولما عقد لولدي عبد الله أسعده الله على بنت الوزير أبي الحسن بن الوزير أبي الحسن القاسم بن الوزير أبي عبد الله بن الفقيه العالم الوزير حزم فخارهم ومجدد آثارهم أبي الحسن سهل بن مالك خاطبت شيخنا أبا البركات بن الحاج أعرض ذلك عليه فكان من نص مراجعته فسبحان الذي أرشدك لبيت الستر والعافية والأصالة وشحوب الأبرار قاتلك الله ما أجل اختيارك وخلف هذا البيت الآن على سنن سلفهم من التحلي بالوزارة والاقتياد من العظمة الزاكية والاستناد القديم الكريم واغتنام العمر بالنسك عناية من الله أطرد لهم قانونها واتصلت عادتها والله ذو الفضل العظيم‏.‏

حاله كل من أهل السر والخصوصية والصمت والوقار ذا حظ وافر من المعرفة بلسان العرب ذكي الذهن متوقد الخاطر مليح النادرة شنشنته معروفة فيهم‏.‏

سار بسيرة أبيه وأهل بيته وفاته ابن حرة إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني من أهل قرطبة يكنى أبا إسحاق ويعرف بابن حرة‏.‏

أوليته من أهل البيوتات بالحضرة ولي أبوه القهرمة لثاني الملوك من بني نصر فتأثل مالًا ونباهةً‏.‏

حاله هذا الرجل من أعيان القطر ووزراء الصقع وشيوخ الحضرة أغنى هذه المدرة يدًا وأشغلهم بالعرض الأدنى نفسًا تحرف بالتجر المربوب في حجر الجاه ونما ماله تحاط به الجدات وتنمو الأموال ففار تنورها وفهق حوضها كثير الخوض في التصاريف الوقتية والأدات الزمانية وأثمان السلع وعوارض الأسعار متبجح بما ظهرت به يده من علق مضنة هرى المدينة الذي ينفق على أسواقها عند ارتفاع القيم وتمييز الأسعار وبلوغها الحد الذي يراه كفؤ حبته ومنتهى ثمن غلته غرض الفكر يخاطب الحيطان والشجر والأساطين محاسبًا إياها على معاملات وأغراض فنية يرى من التلبس شيئًا من المعارف والآداب والصنائع وحجة من الحجج في الرزق تغلب عليه السذاجة والصحة دمثٌ متخلق متنزل مختصر الملبس والمطعم كثير التبذل يعظم الانتفاع به في باب التوسعة بالتسلف والمداينة حسن الخلق كثير التجمل مبتلى بالموقب والطانز‏:‏ يسمع ذي القحة ويصم على ذوي المسألة‏.‏

ظهوره وحظوته لبس الحظوة شملة لم يفارق طرقها رقبته إذ كان صهرًا للمتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق صار بسهم في جذور خطته وألقى في مرقه حظوته مشتملا على حاله بعباءة جاهه ثم صاهر المصير الأمر إليه بعده القائد الحاجب أبا النعيم رضوان مولى الدولة النصرية وهلم جرا بعد أن استعمل في السفارة إلى العدوة وقشتالة في أغراض تليق بمبعثه مما يوجب فيه المياسير والوجوه مشرفين معززين بمن يقوم بوظيفة المخاطبة والجواب والرد والقبول وولى وزارة السلطان لأول ملكه في طريق من ظاهر جبل الفتح إلى حضرته وأيامًا يسيرة من أيام اختلاله إلى أن رغب الخاصة من الأندلسيين في إزالته وصرف الأمر إلى الحاجب المذكور الذي تسقط مع رياسته المنافسة وترضي به الجملة وامتحن هو وأخوه بالتغريب إلى تونس عن وطنهما على عهد السلطان الثالث من بني نصر‏.‏

ثم آب عن عهد غير بعيد ثم أسن واستسر أديمه وضجر عن الركوب إلى فلاحته التي هي قرة عينه وحظ سعادته يتطارح في سكة المترددين بإزاء بابه مباشرٌ الثرى بثوبه قد سدكت به شكايةٌ شائنة قلما يفلت منها الشيوخ ولا من شركها فهي تزفه بولاء بحال تقتحمها العين شعثًا وبعدًا عن النظر فلم يطلق الله يده من جدته على يده فليس في سبيل دواء ولا غذاء إلى أن هلك‏.‏

وفاته في وسط شوال عام سبعة وخمسين وسبعمائة‏.‏

مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة ابن المرأة إبراهيم بن يوسف بن دهاق الأوسي إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي حاله سكن مالقة دهرًا طويلا ثم انتقل إلى مرسية باستدعاء المحدث أبي الفضل المرسي والقاضي أبي بكر بن محرز وكان متقدمًا في علم الكلام حافظا ذاكرًا للحديث والتفسير والفقه والتاريخ وغير ذلك‏.‏

وكان الكلام أغلب عليه فصيح اللسان والقلم ذاكرًا لكلام أهل التصوف يطرز مجالسه بأخبارهم‏.‏

وكان بحرًا للجمهور بمالقة ومرسية بارعًا في ذلك متفننًا له متقدمًا فيه حسن الفهم لما يلقيه له وثوب على التمثيل والتشبيه فيما يقرب للفهم مؤثرًا للخمول قريبًا من كل أحد حسن العشرة مؤثرًا بما لديه‏.‏

وكان بمالقة يتجر بسوق الغزل قال الأستاذ أبو جعفر وقد وصمه وكان صاحب حيل ونوادر مستظرفة يلهى بها أصحابه ويؤنسهم ومتطلعًا على أشياء غريبة من الخواص وغيرها فتن بها بعض الحلبة واطلع كثير ممن شاهده على بعض ذلك وشاهد منه بعضهم ما يمنعه الشرع من المرتكبات الشنيعة فنافره وباعده بعد الاختلاف إليه متهم شيخنا القاضي العدل المسمى الفاضل أبو بكر بن المرابط رحمه الله أخبرني من ذلك بما شاهد مما يقبح ذكره وتبرأ منه من كان سعى في انتقاله إلى مرسية والله أعلم بغيبه وضميره‏.‏

منها شرحه كتاب الإرشاد لأبي المعالي وكان يعلقه من حفظه من غير زيادة وامتداد وشرح الأسماء الحسنى وألف جزءا في إجماع الفقهاء وشرح محاسن المجالس لأبي العباس أحمد بن العريف‏.‏

وألف غير ذلك‏.‏

وتواليفه نافعة في أبوابها حسنة الرصف والمباني‏.‏

من روى عنه أبو عبد الله بن أحلى وأبو محمد عبد الرحمن بن وصلة‏.‏

وفاته توفي بمرسية سنة أحد عشر وستمائة‏.‏

التلمساني إبراهيم بن أبي بكر الأصاري إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري تلمساني وقرشي الأصل نزل بسبتة يكنى أبا إسحاق ويعرف بالتلمساني‏.‏

حاله كان فقهيًا عارفًا بعقد الشروط مبرزًا في العدد والفرايض أديبًا شاعرًا محسنا ماهرًا في كل ما يحاول‏.‏

نظم في الفرايض وهو ابن ثمانية وعشرين سنة أرجوزة محكمة بعلمها ضابطة عجيبة الوضع‏.‏

قال ابن عبد الملك وخبرت منه في تكراري عليه تيقظا وحضور ذهن وتواضعًا وحسن إقبال وبر وجميل لقاء ومعاشرة وتوسطًا صالحًا فيما يناظر فيه من التواليف واشتغالًا بما يعنيه من أمر معاشه وتخاملا في هيئته ولباسه يكاد ينحط عن الاقتصاد حسب المألوف والمعروف بسبتة‏.‏

قال ابن الزبير كان أديبًا لغويًا فاضلا إمامًا في الفرائض‏.‏

مشيخته تلا بمالقة علي أبي بكر بن دسمان وأبي صالح محمد بن محمد الزاهد وأبي عبد الله ابن حفيد وروي بها عن أبي الحسن سهل بن مالك ولقي أبا بكر بن محرز وأجاز له وكتب إليه مجيزًا أبو الحسن بن طاهر الدباج وأبو علي الشلوبين ولقي بسبتة الحسن أبا العباس بن علي بن عصفور الهواري وأبا المطرف أحمد ابن عبد الله بن عفيرة فأجازوا له وسمع علي بن أبي يعقوب بن موسى الحساني الغماري‏.‏

من روى عنه روي عنه الكثير ممن عاصره كأبي عبد الله بن عبد الملك وغيره‏.‏

تواليفه من ذلك الأرجوزة الشهيرة في الفرائض لم يصنف في فنها أحسن منها‏.‏

ومنظوماته في السير وأمداح النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المعشرات على أوزان العرب وقصيدة في المولد الكريم وله مقالة في علم العروض الدوبيتي‏.‏

شعره وشعره كثير مبرز الطبقة بين العالي والوسط منحازًا أكثر إلى الإجادة جمة وتقع له الأمور العجيبة فيه كقوله‏:‏ الغدر في الناس شيمة سلفت قد طال بين الورى تصرفها ما كل من سرت له نعمٌ منك يرى قدرها ويعرفها بل ربما أعقب الجزاء بها مضرةٌ عنك عز مصرفها أما ترى الشمس تعطف بالن ور على البدر وهو يكسفها دخوله غرناطة أخبر عن نفسه أن أباه انتقل به إلى الأندلس وهو ابن تسعة أعوام فاستوطن به غرناطة ثلاثة أعوام ثم رحل إلى مالقة فسكن بها مدة وبها قرأ معظم قراءته‏.‏

ثم انتقل إلى سبتة وتزود بها أخت الشيخ أبي الحكم مالك بن المرحل‏.‏

وهذا الشيخ جد صاحبنا وشيخنا أبي الحسين ومن شعره وهو صاحب مطولات مجيدة وأمادح مبدية في الإحسان معيدة فمن قوله يمدح الفقيه أبا القاسم العزفي أمير سبتة‏:‏ أرأيت من رحلوا وزموا العيسا ولا نزلوا على الطلول حسيسًا أحسبت سوف يعود نسف ترابها يومًا بما يشفى لديك نسيسًا هل من مؤنسٍ نارًا بجانب طورها لأنيسها أم هل تحس حسيسًا مولده قال ابن عبد الملك أخبرني أن مولدهعو بتلمسان سنة تسع وستمائة‏.‏

وفاته في عام تسعين وستمائة بسبتة على سن عالية فسحت مدى الانتفاع به‏.‏

إبراهيم بن محمد الأنصاري إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي المشهور بالطويجن من غرناطة حاله من كتاب عائد الصلة كان رحمه الله نسيج وحده في الأدب نظمًا ونثرًا لا يشق فيهما غباره كلام صافي الأديم غزير المائية أنيق الديباجة موفور المادة كثير الحلاوة جامعٌ بين الجزالة والرقة إلى خط بديع ومشاركة في فنون وكرم نفس واقتدار على كل محاولة‏.‏

رحل بعد أن اشتهر فضله وذاع أوجه فشرق وجال في البلاد‏.‏

ثم دخل إلى بلد السودان فاتصل بملكها واستوطنها زمانًا طويلا بالغًا فيها أقصى مبالغ المكنة والحظوة والشهرة والجلالة واقتنى مالا دثرًا ثم آب إلى المغرب وحوم على وطنه فصرفه القدر إلى مستقره من بلاد السودان مستزيدًا من المال‏.‏

وأهدى إلى ملك المغرب هدية تشتمل على طرف فاثأبه عليها مالا خطيرًا ومدحه بشعر بديع كتبناه عنه‏.‏

وجرى ذكره في كتاب التاج بما نصه‏:‏ جواب الآفاق ومحالف الإباق ومنفق سعد الشعر كل الإنفاق رفع ببلده للأدب رأية لا تحجم وأصبح فيها يسوي ويلجم فإن نسب جرى ونظم نظم الجمان المحامد وإن ابن ورثى غبر في وجوه السوابق وحنا ولما اتفق كساد سوقه وضياق حقوقه أخذ بالحزم وأدخل على حروف علايه عوامل الجزم يسقط على الدول سقوط الغيث ويحل كناس الظبا وغاب الليث شيع العجائب وركض النجائب فاستضاف بصرام وشاهد البرابي والأهرام ورمى بعزمته الشأم فاحتل ثغوره المحوطة ودخل دمشق وتوجه الغوطة ثم عاجلها بالعراق فحيا بالسلام مدينة السلام وأورد بالرافدين رواحله ورأى اليمن وسواحله ثم عدل إلى الحقيقة عن المجاز وتوجه إلى شأنه الحجاز فاستلم الركن والحجر وزار القبر الكريم لما صدر وتعرف بمجتمع الوفود بملك السود فغمره بإرفاده وصحبه إلى بلاده فاستقر بأول أقاليم العرض وأقصى ما يعمر من الأرض فحل بها محل الحمر في الغار والنور في سواد الأبصار وتقيد بالإحسان وإن كان غريب الوجه واليد واللسان وصدرت عنه رسائل أثناء إغرابه تشهد بجلالة آدابه وتعلق الإحسان بأهدابه‏.‏

نثره فمن ذلك ما خاطب به أهل غرناطة بلده وقد وصل إلى مراكش‏:‏ سلام ليس دارين شعاره وحلق الروض والنضير به صداره وأنسى نجدًا شمه الزكي وعراره جر ذيله على الشجر فتعطر وناجى غصن البان فاهتز لحديثه وتأطر وارتشف الندى من ثغور الشقائق وحيا خدود الورد تحت أردية الحدائق طربت له النجدية المستهامة فهجرت صباها ببطن تهامة وحن ابن دهمان لصباه وسلا به التميمي عن رياه وأنسى النميري ما تضوع برقيب من بطن نعمايه واستشرف السمر والبان وتخلق بخلوقة الآس والظيان حتى إذا راقت أنفاس تحياته ورقت وملكت نفائس النفوس واستشرقت ولبست دارين في ملائها ونظمت الجوزاء في عقد ثنائها واشتغل بها الأعشى عن روضه ولهى وشهد ابن برد شهادة أطراف المساويك لها خيمت في ربع الجود بغرناطة ورقت وملأت دلوها إلى عقد ركبه وأقبلت منابت شرقها عن غربه لا عن عرفه هناك تترى لها صدور المجالس تحمل صدورًا وترايب المعالي تحلى عقودًا نفيسة وجذورًا ومحاسن الشرف تحاسن البروج في زهرها والأفنية في إيوانها والأندية في شعب بوانها لو رآها النعمان لهجر سديره أو كسرى لنبذ إيوانه وسريره أو سيف لقصر عن غمدانه أو حسان جلق لغسانه‏.‏

بلاد بها نيطت على تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها فإذا قضيت من فرض السلام ختما وقضت من فاره الثناء حتما ونفضت طيب عرارها على تلك الأنداء واقتطفت أزاهر محامدها أهل الود القديم والإخاء وعمت من هنالك من الفضلاء وتلت سور آلائها على منبر ثنائها وقصت وعطفت على من تحمل من الطلبة بشارتهم وصدرت عن إشارتهم وأنارت نجمًا حول هالتهم المنيرة ودارتهم فهناك تقص أحاديث وجدى على تلك المناهج لا إلى صلة عالج وشوقي إلى تلك العليا لا إلى عبلة والجزا إلى ذلك الشريف الجليل فسقى الله تلك المعاهد غيداقًا يهمي دعاؤها ويغرق روضها إغراقًا حتى تتكلل منه نحور زندها درًا وترنو عيون أطراف نرجسها إلى أهلها سررًا وتتعانق قدود أغصانها طربًا وتعطف خصور مذانبها على أطراف كثبانها لعبًا وتضحك ثغور أقاحها عند رقص أدواحها عجبًا وتحمر خدود وردها حياءً وتشرق حدائق وردها سناء وتهدي إلى ألسنة صباها خبر طيبة وإنباء حتى تشتغل المطرية عن روضتها المردودة والمتكلىء عن مشاويه المجودة والبكرى عن شقائق رياض روضته الندية والأخطل عن خلع بيعته الموشية‏.‏

فما الخورنق وسراد والرصافة وبغداد وما لف النيل في ملأته كرمًا إلى أفدين سقايته وحارته غمدان عن محراب وقصر وابرية البلقاء عن غوطة ونهر بأحسن من تلك المشاهد التي تساوي في حسنها الغائب والشاهد وما لمصر تفخر بنيلها والألف منها في شنيلها وإنما زيدت الشين هنالك ليعد بذلك‏:‏ ويا لله من شوق حثيث ومن وجدٍ تنشط بالصميم أجنح إنساني في كل جانحة‏.‏

وأنطق لساني من كل جارحة وأهيم وقلبي رهين الأنين وصريع البين تهفق به الرياح البليلة إذا ثارت وتطير به أجنحة البروق الخافقة أينما طارت وقد كنت أستنزل قربهم براحة الأجل وأقول عسى وطن يدنيهم ولعل وما أقدر الله أن يدني على الشحط ويبري جراح البين بعد اليأس والقنط هذا شوقي يستعيره البركان لناره ووجدي لا يجري قيس في مضماره فما ظنك وقد حمت حول المورد الخصر ونسمت ريح المنبت الخضر ونظرت إلى تلك المعاهد من أمم وهمست باهتصار ثمار ذلك المجد اليانع والكرم وإن المحب مع القرب لأعظم هما وأشد في مقاساة الغرام غمًا‏:‏ وأبرح ما يكون الشوق يومًا إذا دنت الديار من الديار وقربت مسافة الدوار لكن الدهر ذو غير ومن ذا يحكم على القدر وما ضره لو غفل قليلا وشفى بلقاء الأحبة غليلا وسمح لنا بساعة اتفاق ووصل ذلك الأمل القصير بباع وروى مسافة أيام كما طوى مراحل أعوام‏.‏

لد إبليس أفلا أشفقت من عذابي وسمحت ولو بسلام أحبابي‏:‏ أسلمتني إلى ذرع البيد ومحالفة الذميل والوحيد والتنقل في المشارق والمغارب والتمطي في الصهوات والغوارب يا سابق البين دع محمله وما بقي في الجسم ما يحمله ويا بنات جديل ما لكن وللذميل ليت سقمي عقيم فلم يلد ذات البين المشتتة ما بين المحبين ثم ما للزاجر الكاذب وللغراب الناعب تجعله نذير الجلا ورايد الخلا ما أبعد من زاجر عن رأي الزاجر إنما فعل ما ترى ذات الغارب والقرى المحتالة في الأزمة والبرى المترددة بين التأويب والسرى طالما باكرت النوى وصدعت صدع الثوى وتركت الهايم بين ربعٍ محيل ورسم مستحيل يقفو الأثر نحوه ويسئل الطلل عن عهده وإن أنصفت فما لعين معقودة وإبل مطرودة مالت عن الحوض والشوط وأسلمت إلى الحبل والعصا والسوط ولو خير النائي لأقام ولو ترك القطا ليلا لنام لكن الدهر أبو براقش وسهمٌ بينه وبين بنيه غير طائش فهو الذي شتت الشمل وصدعه وما رفع سيفٌ بعماده إلا وضعه ولا بل غليلًا أحرقه بنار وجده ولا نفعه‏.‏

فأقسم ما ذات خضاب وطوق شاكية غرام وشوق برزت في منصتها وترجمت عن قضيتها أو غربت عن بيتها ونفضت شرارة زفرتها عن عينها ميلا حكت الميلا والغريض وعجماء ساجلت بسجعها القريض ونصت الفود فكأنما نقرت العود ورددت العويل كأنما سمعت النقيل نبهت الواله فثاب وناحت بأشواقها فأجاب‏.‏

حتى إذا افتر بريقها استراب في أنتها فنادى يا حصيبة الساق مالك والأشواق أباكيةٌ ودموعك راقيةٌ ومحررة وأعصافك حالية عطلت الخوافي وحليت القوادم وخضبت الأرجل وحضرت المأتم‏.‏

أما أنت فنزيعة خمار وحليفة أنوار وأشجار تترددين بين منبر وسرير وتتهادين بين روضة وغدير أسرفت في الغناء وإنما حكيت خرير الماء وولعت بتكرير الراء فقالت أعد نظر البقير ولأمر ما جدع أنفه قصير أنا التي أغرقت في الرزء فكنيت عن الكل بالجزء كنت أربع بالفيافي ما ألافي وآنس مع مقيلي بكرته وأصيلي تحتال من غدير إلى شرج وتنتقل من سرير إلى سرج آونة تلتقط الحب وحينًا تتعاطى الحب وطورًا تتراكض الفنن وتارة تتجاذب الشجن حتى إذا رماه الدهر بالشتات وطرفة بالآفات فهأنا بعده دامية العين دائمة الأين أتعلل بالأثر بعد العين فإن صعدت مناري ألهبت منقاري أو نكأت أحشائي خضبت رجلي بدمائي فأقسم لا خلعت طوق عهده حتى أردى من بعده بل ذات خفض وترف وجمال باهر وشرف بسط الدهر يدها وقبض ولدها فهي إذا عقدت التمأيم على تريب أو لفت العمائم على نجيب حثت المفؤود وأدارت عين الحسود حتى إذا أينعت فسالها وقضى حملها وفصالها عمر لحدها بوحيد كان عندها وسطى وفريد أضحى في نحر عشيرتها سمطا استحثت له مهبأت النسيم الطارق وخافت عليه من خطرات اللحظ الراشق فحين هش للجياد ووهب التمائم للنجاد ونادى الصريم يا الآل والحريم فشد الأناة واعتقل القناة وبرز يختال في عيون لامه ويتعرف منه رمحه بألفه ولامه فعارضه شثن الكفين عاري الشعر والمنكبين فأسلمه لحتفه وترك حاشية ردائه على فلم تلق غير خمس قوايم وأشلاء لحم تحت ليثٍ سخايل يحط على أعطافه وترايبه بكفٍ حديد الناب صلب المفاصل أعظم من وجد إلى تلك الآفاق التي أطلعت وجوه الحسن والإحسان وسفرت عن كمال الشرف وشرف الكمال عن كل وجه حسان وأبرزت من ذوي الهمم المنيفة والسير الشريفة ما أقر عين العلياء وحلى جيد الزمان فتقوا للعلم أزهارًا أربت على الروض المجود وأداروا لأدب هالةً استدارت حولها بدور السعود نظم الدهر محاسنهم حليًا في جيده ونحره واستعار لهم الأفق ضياء شمسه وبدره وأعرب بهم الفخر عن صميمه وفسح لهم المجد عن مصدره فهم إنسان عين الزمان وملتقى طريقي الحسن والإحسان نظمت الجوزاء مفاخرهم ونثرت النثرة مآثرهم واجتلبت الشعري من أشعارهم وطلع النور من أزرارهم واجتمعت الثريا لمعاطاة أخبارهم وود الدلو لو كرع في حوضهم والأسد لو ربض حول ربضهم والنعايم لو غذيت بنعيمهم والمجرة لو استمدت من فيض كرمهم عشق المسك محاسنهم فرق وطرب الصبح لأخبارهم فخرق جبينه وشق وحام النسر حول حمامهم وحلق وقد الفخار جدار محامدهم وخلق إلى بلاغة أخرست لسان لبيد وتركت عبد الحميد غير حميد أهل ابن هلال لمحاسنهم وكبر وأعطى القارى ما زجر به قلمه وسطر وأيس إياس من لحاقهم فأقصر لما ومنها‏:‏ فما للوشي تألق ناصعةٌ وتأنق يانعه بأحسن مما وشته أنفاسهم ورسمته أطراسهم فكم لهم من خريدة غذاها العلم ببره وفريدة حلاها البيان بدره واستضاءت المعارف بأنوارهم وباهت الفضايل بسناء منارهم وجليت المشكلات بأنوار عقولهم وأفكارهم جلوا عروس المجد وحلوا وحلوا في ميدان السيادة ونشأوا وزاحموا السهي بالمناكب واختطوا الترب فوق الكواكب لزم محلهم التكبير كما لزمت الياء التصغير وتقدموا في رتبة الأفهام كما تقدمت همزة الاستفهام ونزلوا من مراتب العلياء منزلة حروف الاستعلاء وما عسى أن أقول ودون النهاية مدى نازح وما أغنى الشمس عن مدح المادح وحسبي أن أصف ما أعانيه من الشوق وما أجده من التوق وأعلل نفسي بلقائهم وأتعلل بالنسيم الوارد من تلقائهم وإن جلاني الدهر عن ورود حوضهم وأقعدني الزمان عن اجتناء روضهم فما ذهب ودادي ولا تغير اعتقادي ولا جفت أقلامي عن مدادهم ولا مدادي وأنا ابن جلا في وجدهم وطلاع الثناي إلى كرم عهدهم إن دعوا إلى ودٍ صميم وجدوني أضع العمامة عن ذوي عهد قديم عرفوني ولو شرعوا نحوي قلم مكاتبتهم وأسحوا بالعلق الثمين من مخاطبتهم لكفوا من قلبي العاني قيد إساره وبلوا صدى وجدي المتحرق بناره ففي الكتابة بلغة الوطر وقد يغني عن العين الأثر والسلام الأثير الكريم الطيب الريا الجميل المحيا يحضر محلهم الأثير وكبيرهم إذ ليس فيهم صغير ويعود على من هناك من ذوي الود الصميم والعهد القديم من أخٍ برٍ وصاحب حميم ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولا خفاء ببراعة هذه الرسالة على طولها وكثرة أصولها وما اشتملت عليه من وصف وعارضة وإشارة وإحالة وحلاوة وجزالة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:42 AM



شعره ثبت لدي من متأخر شعره قوله من قصيدة يمدح بها ملك المغرب أمير المسلمين عند دنو ركابه من ظاهر تلمسان ببابه أولها‏:‏ خطرت كمياس القنا المتأطر ورنت بألحاظ الغزال الأعفر ومن شعره في النسب‏:‏ زارت وفي كل لحظ طرف محترس وحول كل كتاس كف مفترس يشكو لها الجيد ما بالحلي من هدر ويشتكي الزند ما بالقلب من خرس متى تلاخدها الزاهي الضحى نطقت سيوف ألحاظها من آيه الحرس في لحظها سحر فرعون ورقتها آيات موسى وقلبي موضع القبس وترسل اللحظ نحوي ثم تهزأ بي تقول بعد نفوذ الزمية احترس أشكو إليها فؤادًا واجلًا أبدًا في النازعات وما تنفك من عبس يا شقة النفس إن النفس قد تلفت إلا بقية رجع الصوت والنفس هذا فؤادي وجفني فيك قد جمعا ضدين فاعتبري إن شئت واقتبسي ويا لطارق نومٍ منك أرقني ليلا ونبهني للوجد ثم نسي ما زال يشرب من ماء القلوب فلم أبصرته ذابلًا يشكو من اليبس ملأت طرفي عن وردٍ تفتح في رياض خديك صلا غير مفترس وقلت للحظ والصدغ احرسا فهما ما بين مصمٍ وفتاك ومنتكس وليلة جئتها سحرًا أجوس بها شبا العوالي وخيس الأخنف الشرس أستفهم الليل عن أمثال أنجمه وأسال العيس عن سرب المها الأنس وأهتك الستر لا أخشى بوادره ما بين منتهزٍ طورًا ومنتهس بتنا نعاطي بها ممزوجةً مزجت حلو الفكاهة بين اللين والشرس وهيمنت بالضنا تحت الصباح صبًا قد أنذرتها ببرد القلب واللعس قمت تجر فضول الريط آنسة كريمة الذيل لم تجنح إلى دنس تلوث فوق كثيب الرمل مطرفها وتمسح النوم عن أجفانها النعس فظل قلبي يقفوها بملتهب طورًا ودمعي يتلوها بمنبجس دهر يلون لونيه كعادته فالصبح في مأتمٍ والليل في عرس وإحسانه كثير مقداره كبير‏.‏

ثم آب إلى بلاد السودان وجرت عليه في طريقه محنة ممن يعترض الرفاق ويفسد السبيل‏.‏

واستقر بها على حاله من الجاه والشهرة وقد اتخذ أماء للتسرى من الزنجيات ورزق من الجوالك أولادًا كالخنافسة ثم لم يلبث أن اتصلت الأخبار بوفاته بتنبكتو وكان حيًا في أوائل تسعة وثلاثين وسبعمائة‏.‏

ابن الحاج إبراهيم بن عبد الله بن قاسم النميري إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن موسى بن إبراهيم ابن عبد العزيز بن إسحاق بن أسد بن قاسم النميري من أهل غرناطة يكنى أبا إسحاق ويعرف بابن الحاج أوليته بيت نبيهٌ يزعم من يعنى بالأخبار أن جدهم الداخل إلى الأندلس ثوابة ابن حمزة النميري ويشركهم فيه بنو أرقم الوادي شيون‏.‏

وكان سكناه بجهة وادي آش ولقومه اختصاصٌ وانتقال ببعض جهاتها وهي شوظر والمنظر وقرسيس وقطرش تغلب العدو عليها على عهد عبد العزيز وآوى جميعهم إلى كنف الدولة النصرية فانخرطوا في سلك الخدمة وتمحض خلفهم بالعمل‏.‏

وكان جده الأقرب إبراهيم رجلا خيرًا من أهل الدين والفضل والطهارة والذكاء كتب للرؤساء من بني إشقيلولة عند انفرادهم بوادي آش‏.‏

واختص بهم وحصل منهم على صهر بأم ولد بعضهم وضبط المهم من أعمالهم‏.‏

ثم رابته منهم سجايا أوجبت انصرافه عنهم وجنوحه إلى خالهم السلطان الذي كاشفوه بالثورة فعرف حقه وأكرم وفادته وقبل بيانه فقلده ديوان جنده واستمرت أيام عمره تحت رعيه وكنف عنايته وكان ولده عبد الله أبو صاحبنا المترجم به صدرًا من صدور المستخدمين في كبار الأعمال على سنن رؤسائهم مكسابًا متلافًا سرى النفس غاض الحواز‏.‏

ولي الأشغال بغرناطة وسبتة عند تصيرها إلى إيالة بني نصر وجرى طلاقه هذا في صل دنيا عريضة تغلبت عليه بآخرة ومضى لسبيله مصدوقًا بالكفاية وبراعة الخط وطيب النفس وحسن المعاملة‏.‏

حاله هذا الرجل نشأ على عفاف وطهارة امتهك صبابة ترف من بقايا عافية أعانته على الاستظهار ببزة وصابته من التحرف بمهنة‏.‏

ثم شد وبهرت خصاله فبطح بالشعر وبلغ الغاية في إجادة الخط وحاضر بالأبيات وأرسم في كتابة الإنشاء عام أربعة وثلاثين وسبعمائة مستحقًا حسن سمة وبراعة خط وجودة أدب وإطلاق يد وظهور كفاية وفي أثناء هذا الحال يقيد ولا يفتر ويروي الحديث ويعلق الأناشيد ولا يغب النظم والنثر ولا يعفي القريحة معمي مخولا في العناية مشتملا على الطهارة بعيدًا في زمان الشبيبة عن الريبة نزيهًا على الوسامة عن الصبوة والرقية أعانه على ذلك نخوة في طبعه وشفوفٌ وهمة‏.‏

كان مليح الدعابة طيب الفكاهة آثر المشرق فانصرف عن الأندلس في محرم عام سبعة وثلاثين وسبعمائة وألم بالدول محركًا إياها بشعره هازًا أعطافها بأمداحه فعرف قدره وأعين على طيته فحج وتطوف وقيد واستكثر ودون في رحلة سفره وناهيك بها طرفة وقفل إلى إفريقية وكان علق بخدمة بعض ملوكها فاستقر ببجايه لديه مضطلعًا بالكتابة والإنشاء‏.‏

ثم انتقل إلى خدمة سلطان المغرب أمير المسلمين أبي الحسن ولم ينشب أن عاد إلى البلاد المشرقية فحج وفصل إلى إفريقية وقد دالت الدولة بها بالسلطان المذكور فتقاعد عن الخدمة وآثر الانقباض ثم ضرب الدهر ضرباته وآل حال السلطان إلى ما هو معروف وثابت للموحدين برملة بجاية بارقة لم تكد تتقد حتى خنت فعاد إلى ديوانه من الكتابة عن صاحب بجاية‏.‏

ثم أبي مؤثرًا للدعة في كنف الدولة الفارسية ونفض عن الخدمة يده لا أحقق مضطرًا أم اختيارًا وحجة كليهما قائمة لديه وانقطع إلى تربة الشيخ أبي مدين بعباد تلمسان مؤثرًا للخمول عزيزًا به ذاهبًا مذهب التجلة من التجريد والعكوف بباب الله مفخرًا لأهل نحلته وحجة على أهل الحرص والتهافت من ذوي طبقته راجع الله بنا إليه بفضله ثم جبرته الدولة الفارسية على الخدمة وأبرته بزة النسك فعاد إلى ديدنه من الكتابة رئيسًا ومرؤوسًا‏.‏

ثم أفلت نفيه موت السلطان أبي عنان فلحق بالأندلس وتلقى ببر وجراية وتنويه وعناية واستعمل في السفارة إلى الملوك وولى القضاء في الأحكام الشرعية بالقليم بقرب الجضرة وهو الآن بحاله الموصوفة صدرًا من صدور القطر واعيانه يحضر مجلس السلطان ويعد من نبهاء من ينتاب بابه وقد توسط من الاكتهال مقيمًا لرسم الكتابة والظرف مع الترخيص للباس الحرير والخضاب بالسواد ومصاحبة الأبهة والحرص على التجلة‏.‏

وجرى ذكره في التاج المحلي بما نصه‏:‏ طلع شهابًا ثاقبًا وأصبح بشعره للشعري مصاقبًا فنجم وبرع وتمم المعاني واخترع إلى خط يستوقف الأبصار رايقه وتقيد الأحداق حدايقه وتفتن الألباب فنونه البديعة وطرايقه من بليغ يطارد أسراب المعاني البعيدة فيقتنصها ويغوص على الدرر الفريدة فيخرجها ويستخلصها بطبع مذاهبه دافقة وتأييد رايته خافقة نبه في عصره شرف البيان من بعد الكرى وانتدب بالنشاط إلى تجديد ذلك البساط وانبرى فدارت الأكواس وتضوع الورد والآس وطاب الصبوح وتبدل الروح المروح ولم تزل نفحاته تتأرج وعقائل بناته تتبرج حتى دعي إلى الكتابة وخطب إلى تلك المثابة فطرز المفارق برقوم أقلامه وشنف المسامع بدر كلامه ثم أجاب داعي نفسه التي ضاق عنها جثمانه لا بل زمانه وعظم لها فكره وغمه وتعب في مداراتها وكما قال أبو الطيب المتنبي وأتعب خلق الله من راد محمده فارتحل لطيته واقتعد غارب مطيته فحج وزار وشد للطواف الإزار‏.‏

ثم هبا إلى المغرب وحوم وقفل قفول النسيم عن الروض بعد ما تلوم وحط بإفريقية على نار القرى وحمد بها صباح السرى ولم يلبث أن تنقل ووحر الحميم شفافه وتنغل ثم بدا له أخرى فشرق وكان عزمه أن يجتمع فتفرق‏.‏

مشيخته روى عن مشيخة بلده وأشجر وقيد واستكثر وأخذ في رحلته عن أناس شتى بشق إحصاؤهم‏.‏

تواليفه منها كتاب المساهلة والمسامحة في تبيين طرق المداعبة والممازحة وإيقاظ الكرام بأخبار المنام وتنعيم الأشباح بمحادثة الأرواح وكتاب الوسائل ونزهة المناطر والخمائل والزهرات وإجالة النظرات وكتاب في التورية على حروف المعجم أكثره مروى بالأسانيد عن خلق كثير والله تعالى يخره وجزءٌ في تبيين المشكلات الحديثة الواصلة من زبيد اليمن إلى مكة وجزء في بيان اسم الله الأعظم وهو كبير الفائدة ونزهة الحدق في ذكر الفرق وكتاب الأربعين حديثًا البلدانية والمستدرك عليها من البلاد التي دخلتها ورويت فيها زيادة على الأربعين وروضة العباد المستخرجة من الإرشاد وهو من تأليف شيخنا القطب أبي محمد الشافعي والأربعون حديثًا التي رويتها عن الأمراء والشيوخ الذين رووا عن الملوك والأمراء والشيوخ الذين رووا عن الملوك والخلفاء القريب عهدهم ووصلت بها خاتمة ذكرت فيها فوائد مما رويته عن الملوك والأمراء وعن الشيوخ الذين رووا عن الملوك والأمراء وكتاب اللباس والصحبة وهو الذي جمعت فيه طرق المتصوفة المدعي أنه لم يجمع مثله وكتاب فيه شطر الحماسة لحبيب وهو غير مكمل ورجز في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت ببلاد الشرق ورجز صغير في الحجب والسلاح ورجز في الجدل ورجز في الأحكام الشرعية سماه بالفصول المقتضبة في الأحكام المنتخبة وكتاب سماه بمثاليث القوانين في التورية والاستخدام والتضمين وهو كله من نظمه وله تأليف سماه بفيض العباب وإجالة قداح الآداب في الحركة إلى قسنطينة والزاب‏.‏

شعره ومن شعره في المقطوعات طاب العذيب بماء ذكرك وانثنى فكأنما ما ء العذيب سلافه ومن ذلك‏:‏ لي المدح يروي منذ كنت كأنما تصورت مدحًا للورى وثناء ومالي هجاء فاعجبن لشاعر وكاتب سرٍ لا يقيم هجاء ومن ذلك‏:‏ ولي فرسٌ من علية الشهب سابق أصرفه يوم الوغى كيف أطلب عدوت له في حلبة القوم مالكا يتا بعني ما شئت في السبق أشهب وقال وقد وقف حاجب السلطان على عين ماء فيض الثغور وشرب منها‏:‏ تعجبت من ثغر هذي البلاد وها أنت من عينه شارب فلله ثغر أرى شاربًا وعينٌ بدا فوقها حاجب ومن ذلك‏:‏ وحمراء في الكأس مشمولة تحث على العود في كل بيت فلا غرو أن جاءني سابقا إلى الأنس خلٌ يحث الكميت وقا مضمنا وقد تذكر حمراء غرناطة وبابها الأحفل المعروف بباب الفرج‏:‏ أقول وحمراء غرناطة تشوق النفوس وتسبي المهج وما لي في عرجٍ رغبةٌ ولكن لأقرع باب الفرج وقال ملغزا في قلم وهر ظريف‏:‏ أحاجيك ما واشٍ يراد حديثه ويهوى الغريب النازح الدار إفصاحه تراه مع الأحيان أصفر ناحلا كمثل مريض وهو قد لازم الراحة وقال‏:‏ وقالوا رمى في الكأس وردًا فهل ترى لذلك وجهًا قلت أحسن به قصدا ألم تجد اللذات في الكأس حلبة فلا تنكروا فيها الكميث ولا الوردا وقال‏:‏ كماة تلاقت تحت نقع سيوفهم وللهام رقصٌ كلما طلب الثار فلا غرو أن غنت وتلك رواقص فيهم في مارد الحرب أوتار وقال‏:‏ وعارضٌ في خده نباته فحسنه بين الورى يسحرنا أجرى دموعي إذ جرت شوقا له فقلت هذا عارضٌ ممطرنا وقالوا أبو حفص حوى الملك غاصبًا وإخوته أولى وقد جاء بالنكر فقلت لهم كفوا فما رضي الورى سوى عمر من بعد موت أبي بكر وقال مضمنا وقد حضر الفتى الكبير عنبر قتالا وكان فارسًا مذكورًا عند بني مرين‏:‏ ولقد أقول وعنبرٌ ذاك الفتى يلقى الفوارس في العجاج الأكور يا عاثرين لدى الجلاد لعًا فقد بسقت لكم ريح الجلاد بعنبر وقال وقد اشتاق إلى السبيكة خارج حمراء غرناطة‏:‏ وإن إفراط بكائي لم يرع مني عريكة قد أذاب العين لما زاد شوقي للسبيكة لما نزلت من السبيكة صادني ظبيٌ وددت لديه أن لم أنزل فاعجب لظبي صاد ليثًا لم يكن من قبلها متخبطًا في أخبل وقال وهو ظريف‏:‏ قد قارب العشرين ظبيٌ لم يكن ليرى الورى عن حبه سلوانا وبدا الربيع بخده فكأنما وافي الربيع ينادم النعمانا فما فيه عيبٌ غير أن جفونه مراضٌ وأن الخصر منه ضعيف وقال‏:‏ أيا عجبًا كيف تهوى الملوك محلي وموطن أهلي وناسي وتحسدني وهي مخدومة وما أنا إلا خديم بفاس نثره ونثره تلو نظمه في الإجادة وقد تضمن الكتاب المسمى بنفاضة الجراب منه ذكر كل بديع فمما ثبت فيه مما خاطبته به‏.‏

وقد ولي خطة القضاء بالإقليم أداعبه وأثير ما تستحويه m0جئبه أيا قاضي العدل الذي لم تزل تمتار شهب الفضل من شمسك قعدت للإنصاف بين الورى فاطلب لنا الإنصاف من نفسك ما للقاضي أبقاه الله ضاق ذرع عدله الرحيب عن العجيب وهم عن العتب وضن على صديقه حتى بالكتب أمن المدونة الكبرى ركب هذا التحريج أم من المبسوطة ذهب إلى هذا الأمر المريج أم من الواضحة امتنع عن الإمام ببديع الوفاء والتعريج من أمثالهم إرض من أخيك بعشر وده إذا ولى وقد قنعنا والحمد لله بحبة من مده وإشارة من درجه وبرة وصاعةٍ معتدلة من زمان بلوغ أشده فما باله يمطل مع الغني ويحوج إلى العنا مع قرب الجني المحلة حلة ضالع ومطمعٍ وطامع ومرأى ومستمع وسامع والكنف الواسع والمكان لاناءٍ ولا شاسع والضرع حافل والزرع كافٍ كافل والقريحة وارية الزند والإمامة خافقة البند وهب أن البخل يقع بها في الخوان على الإخوان فما باله يسمح بالبيان وليس الخبر كالعيان ويتعدى حظ الجنان لاخط البنان أعيذ سيدي من ارتكاب رأيٍ ذميم ينقل إلى نميرها بيت تميم ويقصد معناه بتميم وهلا تلاحم وعهدي بالسياسة القاضوية وقد نامت في مهاد أهل الظرف نوم أهل الكهف ولم تبال بمردد الويل واللهف أو شربة لحفظ الصحة بختجا ودقت لإعادة الشبيبة عفصا ورد سختجا وغطت الصبح بالليل إذا سجا ومدت على ضاحي البياض صلًا سجسجا وردت سوسن العارض بنفسجا ولبس بحرها الزاخر من طحلب البحر منتسجا وأحكام العامة ومزين المرأة ينصح ويرشد ويطوي المحاسن وينشد حتى حسنت الدارة وصحت الاستدارة وأعجبه الوجه الجميل والقد الذي يميد في دكة الدار ويميل وأغرى بالسواك السميم والتكميل وولج بين شفرتي سيد الميل وقيل لو صاح اليمين خاب فيك التأميل وامتد جناح برنس السرق واحتفل الغصن الرطيب في الورق ورش الورد بمائه عند رشح العرق وتهيأ لمنطلق فقرأت عليه نساء أعوانه وكتبة ديوانه سورة الفلق من بعد ما وقف الإمليق حجابه على إقدامهم وسحبهم جلاوزته من أقوامهم فمثلوا واصطفوا وتألفوا والتفوا وداروا وحفوا وما تسللوا ولا خفوا كأنما أسمعتهم صيحة النشر وأخروجوا لأول الحشر‏.‏

فعيونهم بملتقى المصراع معقودة وأذهانهم لمكان الهيبة مفقودة وحبالتهم قبل الطلب بها منقودة فبعد ما فرش الوساد وارتفع بالنفاق الكساد وذارع البكا وتأرج الحساد واستقام الكون وارتفع الفساد وراجعت أرواحها الأجساد جاءت السادة القاضوية فجلست وتنعمت الأحداق بالنظر فيها واختلست وسجت الأكف حتى أفلست وزانت شمسها ذلك الفلك وجلت الأنوار ذلك الحلك وفتحت الأبواب وقالت هيت لك ووقفت الأعوان سماطين ومثلوا خطين وتشكلوا مجرة تنتهي منك إلى البطين يعلنون بالهدية ويجهرون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون من كل شهاب ثاقب وطائفٍ غاسق واقب وملاحظ مراقب كميش الإزار بعيد المزار حامل للأوبار خصيم مبين وراثٌ سوفسطائيًا عن رثين مضطلع بفقه البين وحريمها فضلا عن تلقين الخصوم وتعليمها يرأسهم العريف المقرب والمقدم المدرب والمشافة المباشر والنابح الشاكر والنهج العاشر الذي يقتضي خلاص العقد ويقطع الكالي والنقد ويزكي ويجرح ويمسك ويسرح ويطرح ويحمل من شاء أو يشرح والمسيطر الذي بيده ميزان الرزق وجميع أجزاء المفترق وكافة قابلة وحم الدواة الفاغرة ورشا بلالة الصدور الواغرة فإذا وقف الخمصان بأقصى مطرح الشعان أيان يجتمع الرعاع وأعلنا الندا وطلب الأعداء‏.‏

وصاحا جعل الله أنفسنا لك الفدا ورفع الأمر إلى مقطع الحق والأولى بالمثوبة الأحق أخذتهما الأيدي دفعًا في القفي ورفعا الستر اللطيف الخفي وأمسكا بالحجر والأكمام ومنعا المباشرة والإلمام فإذا أدلى بحجته من أدلى وسمعها دينه عدلا وحق القول واستقر الهول ووجبت اليمين أو الأداء الذي يفوت له الذخر اليمين أو الرهن أو الضمين أو الاعتقال الذي هو على أحدهما كالأمين نهش الصل الذي سليمه لأهل ولسبت العقارب التي لا يفلتها الهارب ولا تخفي منها المشارب وكم تحت ظلام الليل من غرارة يحملها غر وصده ريح فيها صر ويهدي ارتقاب قلة شهد وكبش يجر بقرنيه ويدفع بعد رفع ساقيه ومعزى وجدي وقلائد وسرب دجاج ذوات بجاج يفضحن الطارق ويشعثن المفارق فمتى يستفيق سيدي مع هذا اللغط العائد بالصلة واللهو المتصلة وتفرغ يده البيضا لأعمال ارتياض وخط سوادٍ في بياض أو حنينٍ لدوحٍ أو رياض أو إمتاع طرف باكتشاف حرف أو إعمال عدل لرسول في صرف أو حشو طرف بتحفة ظرف شأنه أشد استغراقًا ومثواه أ كثر طراقًا من ذكرى حبيبٍ ومنزل وأم معدل وكيف يستخدم القلم الذي يصرف ماء الحبر بذوب التبر في ترهاتٍ عدم جناها وأقطع جانب الخيبة لفظها ومعناها اللهم إلا أن تحصل النفس على كفاية تحتم لها الصدر ويشام من خلالها اللجين الرفيع القدر أو يحيى للفكاهة والأنس أو ينفق لديها ذمامٌ على الجنس فربما تقع المخاطبة المبرورة وتبيح هذا المرتكب الصعب الضرورة والمرغوب من سيدنا القاضي أن يذكرنا يومًا بالإغفال في نعيمه ولا يخيب آمالنا المتعلقة بأذيال زعيمه ويسهمنا حظًا من فرائد خطه لا من فرايد خطته ويجعل لنا كفلا من فضل برينه وحنطته لا من فضل هرته وقطته فقد غنينا عن الحلاوات بحلاوات لفظه وعن الطرف المجموعة بغنون حفظه وعن قصب السكر بقصب أقلامه وعن جنى الروم بروامه وبهديه عن جديه وبمجاجته عن دجاجته وبدلجه عن أترجه وعن البر ببره وعن الحب بحبه ولا نأمل إلا طلوع بطاقته وقد رضينا بوسع طاقته وإلا فلا بد أن يجيش جيش الكلام إلى عتبه ونوالي عليه ضرايب الكتايب حتى يتقى بضريبة كتبه‏.‏

والسلام‏.‏

فراجعني بما نصه‏:‏ فنيت عن الإنصاف مني لأنني كما قلت لكم من فراقكم قاض فمن سمعنا أو من بعينك إنني بكل الذي ترضاه يا سيدي راض عمرك الله أيها الإمام الفذ ومن بمدحه تطرب الأسماع وتلذ أوحد الدنيا وحائز الرتبة العليا ولولا أنك فوق ما يقال والزلة إن لم تظهر العجز عن وصفك لا تقال لأطلت في القول وهدرت هدير قرع الشول لكن تحصيل الحاصل محال ولكل من تهيب كمالك مقال ومقامٌ وحال ولولا أن الدعاء مأمول وهو يظهر الغيب مقبول والزيادة من فضل الله لا تنتهي والنعم قد توافيك فوق ما تشتهي لاريت أن أمراٌ كفى وأمرٌ ظهر فيه ما خفي إن قلت لازلت مرفوعًا فأنت كذا أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا إيه يا سيدي ما هذه الكلمات السحرية والأنفاس النفيسة الشجرية والألفاظ التي أنالت المرغوب وخالطت بشاشتها القلوب والنزعات الرائقة والأساليب الفائقة والفصاحة التي سلبت العقول والبلاغة التي أوجبت الذهول والبيان الذي لا يضيق صحيفه ولا يبلغ أحد مده ونصيفه يمينًا بما احتوى من المحاسن واللطائف التي لم يكن ماؤها بالآسن وقسمًا ببراعتك التي هي الواسي المطاع وطرسك الذي أبهجت به الأبصار والأسماع لقد عادلي بكتابتك عيد الشوق وجاد لي بخطابك جد التوق ولعهدي بنفسي رهن أشجاني غير محلولة عقدة لساني أشد من الصخرة جلدا وأغلظ من الإبل كبدًا حتى إذا بدت حقيدة القلب وهب نسيمه الرطب وأفيح مورده العذب وأضاء بنوره الشرق والغرب ولم يبق لي بثٌ ولا شجن ولا شاقني أهل ولا وطن ومضى سيف اللسان بعد النبو ونهض طرف الفكر بعد البكر وهزني الطرب المثير للأفراح ومشى الجذل في أطرافي وأعطافي مشي الراح بيد أني خجلت ولا خجلة ربة الخدر وتضاءلت نفسي لجلالة ذلك القدر وقلت ما لي بشربةٍ من كأس بيانه وقطرة من بحور إحسانه حتى أؤدي ولو بعض حقك وأكتب عقد ملك رقي لرقك إنني على ما وليت من الصدقة والصداقة وبعد طلاقك لكني أقوم في حقك مستغفرًا ولا أرضى أن أكون لذمة المخدوم خفرًا على أنني أقول قد كتبت فلم يرد جوابي وجرمت فهاج الجوى بي ولعمري قد لزمت فيه خطة الأدب ولم أر التثقيل على المولى الرفيع الرتب فأما وقد نفقت عندك بضاعتي المزجاة وشملني من لدنك الحلم والأناة وشرفتني بالخطاب الكريم والرسالة التي عرفت في وجهها نضرة النعيم فما أبغي إلا إيرادها عليك وكلها خراج ولبردها في الإجادة إنهاج ولعلك ترضى التخريج من مدونة الأخبار والمبسوطة والواضحة لكن من الأعذار‏.‏

وأما الولاية التي يقنع بسببها من الود بالعشر أو بحبة من المد إلى يوم النشر فلا بد أن يكون القانع محتاجًا للوالي ومفتقرًا إلى التفقد المتوالي وأما إذا كان القانع هو الذي تولى الخطة وأكسب الهر الذي أشار إليه والقطة فهو قياسٌ عكسه كان أقيس بل تعليمٌ لمن وجد في نفسه خيفةً وأوجس وهأنا قد فهمت وعلمت من حسن تأديبك ما علمت وعلى ما فرطت في جنبك ندمت وإلى المعذرة والحمد لله ألهمت ومع ذلك أعيد حديث الشيخ القاضي وذكر عهدك به في الزمان الماضي فلقد أجاد في الخضاب بالسواد واعتمد على قول المالكي الذي هدى إلى الرشاد وأوجبه بعضهم في بلاد الجهاد وبين عمر منافع الخضاب الصادقة الإشهاد وخضب بالسواد جماعة من الصحابة الأمجاد وكان ذلك ترخيصًا لم يعد شرعًا لكنه دفع شرًا وجلب نفعًا لا كأخيه الذي أبكى عين الحميم وأنشد قول الرضي يوم السقيم وفجع قلوب أترابه ولم يأت بيت النصف من بابه وإلا فقد علم أن في الخير مشروع وتعجل الشيء قبل أوانه ممنوع وستغبط أخاك ولو بعد حين وما كل صاحب يحمد في إيضاح وتبيين وإني لأرجو أن تتزوجها بكرًا تلاعبها وتلاعبك أو ثيبًا تقصر عن حبها مآربك فلا جرم ترجع إلى الخضاب وحينئذ تمتع برشف الرضاب وإلا قالت سيدي لا تعظم المني ولا تجعل القطر قبل أن يموت عمر لعمر الله إن هذا الموقف صعب قد ملأ الروح منه روعٌ ورعب وإن أضاف إلى ذلك غلبة الأوهام وظن الشيخوخة الصادرة عن نيل المرام سكن المتحرك المصلوب وتنغص عند ذلك المحبوب والله يعينك أيها المولى ويواليك من بسطه أضعاف ما ولي‏.‏

وأما الأوصاف التي حسبتها أوصافي وأوجبت حكمها بالقياس على خلافي فهي لعمري أوصاف لا تراد ومراعٍ لا شك أنها تراد غير أني بعيد العهد بهذه البلاد لا أمت لها إلا بالانتساب والميلاد لا كالقضاة الذين ذكرت لهم عهدًا ونظمت حلاهم في جيد الدهر عقدًا ولو أنك بسرك بصرتني بشروط القضاء وسجايا أهل الصرامة والمضاء لحققت المناط وأظهرت الزهد والاغتباط لكني جهلت والآن ألهمت وما علم الإنسان إلا ليعلم والله يهدينا إلى الذي يكون أحسن وأقوم وإني لأعلم سيدي بخبري وأطلع جلاله على عجري وبجري ولكني رحلت عن تلك الحضرة وعدمت النظرة في تلك النظرة لبست الإهمال واطعلت في السفر والاعتمال فأقيم بادي الكآبة مهتاج الصبابة قد فارقت السكن وخلفت الدار مثيرة الشجن‏:‏ وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار حتى إذا حططت رحلي بالقرى وقنعت بالزاد الذي كفى معيارًا والقرى أدخلت إلى دار ضيقة المسالك شديدة الظلمة كالليل الحالك تذكرني القبر وأهواله وتنسيني الذي أهواه بل تزيد على القبر برفل لا يتخلص وبراغيث كزريعة الكتان حين تمحص وبعوضٍ يطيل اللهز ولا تغني حتى تشرب وبوق يسقط سقوط الندى ويزحف إلى فراشي زحف العدا وأراقم خارجة من الكوى وحيات بلدغها نزاعة للشوى وجنون يسمع عزيفها وسراق لا يعدم تخويفها هذا ولا قرق لمن بالقهر حبس إلا حصيرٌ قد اسود من طول ما لبس لا يجتزي في طهارته بالنضح ولا يحشد من جلس عليه إلا بالجرح حتى إذا سجا الليل وامتد منه على الآفاق الذيل فارقني العون فراق الكرى ورأيت الدمع لما جرى قد جرى فأتوسد والله ذراعي ولأحمد والله اضطجاعي فكلا ليلي محمومين والوجع والسهر محمولان على الرأس والعين حتى إذا طلع الصبح وآن لبالي وعيون الخصوم الفتح أتاني عونٌ قد انحنى ظهره ظهره ونيف عن المائة عمره لا يشعر بالجون الصيب ولا تسمعه كلمات أبي الطيب بربري الأصل غير عارف بالفصل حتى إذا أذنت للخصوم وأردت إحياء الرسوم دخل على غولان عاقلان وأثقل كتفي منهما ما يلان قد أكلا الثوم النيء والبصل وعرقا في الزنانير عرقًا اتصل يهديان إلى تلك الروائح ويظهران لي المخازي والفضائح فإذا حكمت لأحدهما على خصمه وأردت الفصل الذي لا مطمع في فصمه هرب العون هربا وقضى من النجاة بنفسه أربا واجتمع إلى النصحاء وجاء المرضى والأصحاء كل يقول أتريد تعجيل المنايا وإثكال الولايا وإتعاب صديقك السيد العماد بمرتبةٍ كما فعل مع القاضي الحداد فأقول هذا جهاد وما لي في الحياة مراد فأرتكب الخطر وأقضى في الحكم الوطر‏.‏

والله يسلم ويكمل اللطف ويتمم‏.‏

وأما إذا جاء أحدكم لكتب عقد وطمعت في نسيئةٍ أو نقد قطعت يومي في تفهم مقصده مستعيذًا بالله من غضبه وحرده حتى إذا ما تخلصت منه وملأت السجل بما أثبته عنه كشف عن أنياب عضل وعبس عبوس المحب لانقطاع وصل وقال لقد أخطأت فيما كتبت ورسمت ما أردت وأحببت فأكتب عقدًا ثانيًا وثالثًا وأرتقب مع كل كلام حادثٍ حادثًا فإذا رضي فأسأله كيف وسن السالي الذي أظهره أو اسمه أو السيف أخرج من فمه درهمًا نتنًا قد لزم ضرسًا عفنًا فأعاجله في البخور وأحكه في الصخور حتى إذا حمل لمن يبيع خبز الذرة منتنًا ويرى أنه قد فضل بذلك أنسًا وحسنًا وجده ناقصًا زايفًا فيرجع حامله وجلًا خايفًا ويبقى القاضي فقيد الهجوع يشد الحجر على بطنه من الجوع على أنني أحمد خلاء البطن وما بجسمي لا يحكى من الوهن لتعذر المرحاض وبعد ماء الحياض وكمون السباع في الغياض وتعلق الأفاعي بالرداء الفضفاض ونجاسة الحجارة وكثرة تردد السيارة والانكشاف للريح العقيم والمطر المنصب إلى الموضع الذميم‏.‏

هذه الحال وعلى شرحها مجال وقد صدقتك سنن فكري وأعلمتك بذات صدري فتجلى الغرارة غرور وشهود الشهد زور والطمع في الصرة إصرار ودون التبر يعلم الله تيار‏.‏

وأما الكبش فحظى منه غباره إذا خطر والثور بقرنه إذا العيد حضر كما أن حظى من الجدي التأذي بمسلكه وإن جدى السماء لأقرب لي من تملكه وأنا من الحلاوة سالم ابن حلاوة ولا أعهده من طرف الطرف الدماوة ودون الدجاج كل مدجج وعوض الأترج رجة بكل معرج ولو عرفت أنك تقبل على علاتها الهدايا وتوجب المزيد لأصحابك المزايا لبعثت بالقماش وأنفذت الرياش وأظهرت الغنى والوقوف بمبنى المنى وأوردتها عليك من غير هلع مطلعة في الجوف بعد بلع من كل ساحلية تقرب إلى البحر وعدوية لا تعد وصدر مجلس الصدر حتى أجمع بين الفاكهة والفكاهة ويبدو لي بعد الشقف وجوه الوجاهة وأتبرأ من الصد المذموم ولا أكون أهدأ من القطا لطرق اللوم لأنك زهدت في الدنيا زهد ابن أدهم وألهمك الله من ذلك أكرم ما ألهم فيدك من أموال الناس مقبوضة وأحاديث اللها الفاتحة للها مرفوضة وإذا كان المرء على دين خليله ومن شأنه سلوك نهجه وسبيله فالأليق أن أزهد في الصفراء والبيضاء وأقابل زخرف الدنيا بالبغضاء وأحقق وأرجو على يدك حسن التخلي والاطلاع على أسرار التجلي حتى أسعد بك في آخرتي ودنياي وأجد بركة خاطرك في مماتي ومحياي أبقاك الله بقاء يسر وأمتع بمناقبك التي يحسدها الياقوت والدر ولا زلت في سيادة تروق نعتًا وسعادةٍ لا ترى فيها عوجا ولا أمتًا وأقرأ عليك سلامًا عاطر العرف كريم التأكيد والعطف ما رثى لحالي راث وذكرت أداية حراث ورحمة الله وبركاته‏.‏
وكتبه أخوك ومملوكك وشيعة مجدك في الرابع والعشرين من جمادى الأولى عام أربعة وستين وسبعمائة‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:43 AM

مولده بغرناطة عام ثلاثة عشر وسبعمائة محنته توجه رسولا عن السلطان إلى صاحب تلمسان السلطان أحمد بن موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمر اسن بن زيان‏:‏ وظفر بالجفن الذي ركبه العدو بأحواز جزيرة حبيبة من جهة وهران فأسر هو ومن بأسطول سفره من المسلمين وبلغ الخبر فعظم الفجع وبين نحن نروم سفر أسطول يأخذ الثار ويستقري الآثار فيقيل العثار إذا اتصل الخبر بمهادنة السلطان المذكور ففدى من أسر بذلك المال الذي ينيف على سبعة آلاف من العين في ذلك فتخلص من المحنة لأيام قلائل وعاد فتولى السلطان إرضاءه عما فقد وضاعف له الاستغناء وجدد وكان حديثه من أحاديث الفرج بعد الشدة محسوبًا وإلى سعادة السلطان منسوبًا وأنشدته شعرًا في مصابه بعدها وقد قضيبت له من بر السلطان على عادتي ما جبر الكسر وخفض الأمر‏:‏ خلصت كما خلص الزبرقان وقد محق النور عنه السرا وفي السيق والرار في هذا سر وفي ذا أسرار وكان تاريخ هذه المحنة المردفة المنحة حسبما نقلته من خطه قال اعلموا يا سيدي أبقاكم الله تعالى أن سفرنا من ألمرية كان في يوم الخميس السادس لشهر ربيع الآخر من عام ثمانية وستين وسبعمائة وتغلب علينا العدو في عشية يوم الجمعة الثاني منه بعد قتال شديد وكان خروجنا من الأسر في يوم السبت الثاني والعشرين لربيع الثاني المذكور وكان وصولي إلى الأندلس في أسطول مولانا نصره الله في جمادى الآخرة من العام المذكور بعد أن وصلوا قرطاجنة وأخذوا أجفانًا ثلاثة من أجفان العدو وعمل المسلمون الأعمال الكريمة‏.‏

إبراهيم بن خلف القرشي العامري إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب بن عبد الله ابن عمر بن فرقد القرشي العامري قال ابن عبد الملك كذا وقفت على نسبه بخطه في غير ما موضع من أهل مورة وسكن إشبيلية‏.‏

حاله كانت متفننًا في معارفه محدثًا راوية عدلًا فقيها حافظًا شاعرًا كاتبًا بارعًا حسن الأخلاق وطيء الأكناف جميل المشاركة لإخوانه وأصحابه كتب بخطه الكثير من كبار الدواوين وصغارها وكان من أصح الناس كتبًا وأتقنهم ضبطًا وتقييدًا لا تكاد تلقى فيما تولى تصحيحه خللا وكان رؤوفًا شديد الحنان على الضعفاء والمساكين واليتامى صليبًا في ذات الله تعالى يعقد الشروط محتسبًا لا يقبل ثوابًا عليها إلا من الله تعالى‏.‏

مشيخته تلا بالسبع على أبي عمران موسى بن حبيب وحدث عن أبي الحسن بن سليمان ابن عبد الرحمن المقرى وعبد الرحمن بن بقى وأبي عمرو ميمون بن ياسين وأبي محمد بن عتاب وتفقه بأبوى عبد الله بن أحمد بن الحاج وابن حميد وأبي الوليد بن رشد وأجاز له أبو الأصبغ بن مناصف وأبو بكر بن قزمان وأبو الوليد بن طريف‏.‏

من روى عنه روى عنه أبو جعفر وأبو إسحاق بن علي المزدالي وأبو أمية إسماعيل بن سعد السعود بن عفير وأبو بكر بن حكم الشرمسي وابن خير وابن تسع وابن عبد العزيز الصدفي وأبو الحجاج ابراهيم بن يعقوب وأبو علي ابن وزير وأبو الحسن بن أحمد بن خالص وأبو زيد محمد الأنصاري وأبو عبد الله ابن عبد العزيز الذهبي وأبو العباس بن سلمة وأبو القاسم بن محمد بن إبراهيم المراعي وأبو محمد بن أحمد بن جمهور وعبد الله بن أحمد الأطلس‏.‏

تواليفه دون برنامجًا ممعتعًا ذكر فيه شيوخه وكيفية أخذه عنهم وله رجزٌ في الفرائض مشهور ومنظومٌ كثير وترسل منوع وخطب مختلفة المقاصد ومجموعٌ في العروض‏.‏

دخوله غرناطة قال المؤرخ‏:‏ وفي عام أربعة وخمسين وخمسمائة عند تغيب الخليفة بالمهدية استدعى السيد أبو سعيد الوالي بغرناطة عند استقراره بها الحافظ أبا بكر بن الجد والحافظ أبا بكر بن حبيش والكاتب أبا القاسم بن المراعي والكاتب أبا إسحاق بن فرقد وهو هذا المترجم به فأقاموا معه مدة تقرب عن عامين اثنين بها‏.‏

شعره مما ينقل عنه قصيدة شهيرة في رثاء الأندلس‏:‏ ألا مسعدٌ منجزٌ ذو فطن يبكي بدمعٍ معين هتن جزيرة أندلسٍ حسرةً لا غالب من حقود الزمن ويندب أطلالها آسفًا ويرثى من الشعر ما قد وهن ويبكي الأيام ويبكي اليتامى ويحكي الحمام ذوات الشجن ويشكو إلى الله شكوى شجٍ ويدعوه في السر ثم العلن وكانت رباطًا لأهل التقى فعادب مناطًا لأهل الوثن وكانت معاذًا لأهل التقى فصارت ملاذًا لمن لمن يدن وكانت شجى في حلوق العدا فأضحى لهم مالها محتجن وهي طويلة ولدى خلاف فيمن أفرط في استحسانها‏.‏

وشعره عندي وسط‏.‏

ومن شعره وهو حجة في عمره عند الخلاف في ميلاده ووفاته‏.‏

قال‏:‏ ثمانون عامًا مع ست عمرت وليتني أرقت دموعي بالبكاء على ذنب فلا الدمع في محو الخطيئة غنيةٌ إذا هاج من قلبٍ منيب إلى الرب فيا سامع الأصوات رحماك أرتجي فهب لي انسكاب الدمع من رقة القلب وزك الذي تدريه من شيمةٍ تعلق بالمظلوم من شدة الكرب وزك مثابي في العقود وكتبها لوجهك لم أقبل ثوابًا على كتب ولا تحرمني أجر ما كنت فاعلًا فحق اليتامى عندي من لذي صعب ولا تحزني يوم الحساب وهوله إذا جئت مذعورًا من الهول والرعب مولده حسبما نقل من خط ابنه أبي جعفر ولد يعني أباه سنة أربع وثمانين وأربعمائة‏.‏

وفاته بعد صلاة المغرب من ليلة الثلاثاء الثامن عشر من محرم عام اثنين وسبعين وخمسمائة‏.‏

ونقل غير إبراهيم بن محمود النفري إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفري أبدي الأصل غرناطي الإستقرار ويكنى أبا إسحاق‏.‏

حاله خاتمة الرجال بالأندلس وشيخ المجاهدات وأرباب المعاملات صادق الأحوال شريف المقامات مأثور الإخلاص مشهور الكرامات أصبر الناس على مجاهداته وأدومهم على عمل وذكرٍ وصلاة وصوم ولا يفتر عن ذلك ولا ينام آيه الله في الإيثار لا يدخر شيئًا لغد ولا يتحرف بشيء وكان فقيهًا حافظًا ذاكرًا للغة والأدب نحويًا ماهرًا درس ذلك كله أول أمره كريم الأخلاق غلب عليه التصوف فشهر به وبمعرفة طريقه الذي ند فيها أهل زمانه وصنف فيها التصانيف المفيدة‏.‏

ترتيب زمانه كان يجلس إثر صلاة الصبح لمن يقصده من الصالحين فيتكلم لهم بما يجريه الله على لسانه وييسر من تفسير وحديث وعظة إلى طلوع الشمس فيتنفل صلاة الضحى وينفصل إلى منزله ويأخذ في أوراده من قراءة القرآن والذكر والصلاة إلى صلاة الظهر فيبكر في رواحه ويوالي التنفل إلى إقامة الصلاة ثم كذلك في كل صلاة ويصل ما بين العشاءين بالتنفل هذا دأبه أبدا‏.‏

وكان أمره في التوكل عجبًا لا يلوي على سبب وكانت تجبى إليه ثمرات كل شيء فيدفع ذلك بجملته وربما كان الطعام بين يديه وهو محتاجٌ فيعرض من يسأله فيدفعه جملة ويبقى طاويًا فكان الضعفاء والمساكين له لياذًا ينسلون من كل حدب فلا يرد أحدًا منهم خائبًا ونفع الله بخدمته وصحبته واستخرج بين يديه عالمًا كثيرًا‏.‏

مشيخته أخذ القراءة عن أبي عبد الله الحضرمي وأبي الكوم جودي بن عبد الرحمن والحديث عن أبي الحسن بن عمر الوادي آشي وأبي محمد عبد الله بن سليمان ابن حوط الله والنحو واللغة عن ابن يربوع وغيره‏.‏

ورحل وحج وجاور وتكرر‏.‏

ولقي هناك غير واحد من صدور العلماء وأكابر الصوفيه فأخذ صحيح البخاري سماعًا منه سنة خمس وستمائة عن الشريف أبي محمد بن يونس وأبي الحسن علي بن عبد الله بن المغرباني ونصر بن أبي الفرج الحضرمي وسنن أبي داود وجامع الترمذي علي أبي الحسن بن أبي المكارم نصر بن أبي المكارم البغدادي أحد السامعين علي أبي الفتح الكروخي وأبي عبد الله محمد بن مسترى الحمة وأبي المعالي بن وهب بن البنا وببجاية عن أبي الحسن علي بن عمر ابن عطية‏.‏

من روى عنه روي عنه خلق لا يحصون كثرة منهم أحمد بن عبد المجيد ابن هذيل الغساني وأبو جعفر بن الزبير وغيره‏.‏

تواليفه صنف في طريقه التصوف وغيرها تصانيف مفيدة منها مواهب العقول وحقائق المعقول والغيرة المذهلة عن الحيرة والتفرقة والجمع والرحلة العنوية ومنها الرسائل في الفقه والمسائل وغير ذلك‏.‏

شعره له أشعار في التصوف بارعة فمن ذلك ما نقلته من خط الكاتب أبي إسحاق ابن زكريا في مجموع جمع فيه الكثير من القول‏:‏ يضيق علي من وجدي الفضاء ويقلقني من الناس العناء رأينا العرش والكرسي أعلا فواليناهما حرم الولاء فأين الأين منا أو زمانٌ بحيث لنا على الكل استواء شهدنا للإله بكل حكم فغاب القلب وانكشف الغطاء ويدعوني الإله إليه حقًا فيؤنسني من الخوف الرجاء ويقبضني ويبسطني ويقضي بتفريقي وجمعي ما يشاء ويعي في وجود الخلق نحوًا ينعت من تولاه الفناء فكم أخفي وجودي وقت فقدي كأن الفقد والإحيا سواء فسكرٌ ثم صحوٌ ثم سكر كذاك الدهر ليس له انقضاء فوصفي حال من وصفي ولكن ظهور الحق ليس له خفاء إذا شمس النهار بدت تولت نجوم الليل ليس لها انجلاء ومن شعره‏:‏ كم عارف سرحت في العلم همته فعقله لحجاب العقل هتاك كساه نور الهدى بردًا وقلده درًا ففي قلبه للعلم أسلاك كسب ابن آدم في التحقيق كسوته إن القلوب لأنوار وأحلاك كيف وكم ومتى والأين منسلب عن وصف باريها والجهل تباك كيف وكم ومتى والأين منسلب عن وصف باريها والجهل تباك كبر وقدس ونزه ما أطقت فلم يصل إلى ملك الأملاك أملاك كرسيه ذل والعرش استكان له ونزه الله أملاك وأفلاك كل يقر بأن العجز قيده والعجز عن درك الإدراك دراك وقال وهو ما اشتهر عنه وأنشدها بعض المشارقة في رحلته في غرض اقتضى ذلك يقتضي ذكره طولا‏:‏ يا من أنامله كالمزن هاميةٌ وجود كفيه أجرى من يجاريها بحق من خلق الإنسان من علقٍ أنظر إلى رقعتي وافهم معانيها أني فقيرٌ ومسكين بلا سبب سوى حروف من القرآن أتلوها سفينة الفقر في بحر الرجا غرقت فامنن عليها بريحٍ منك يجريها لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها وقال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك وقد ذكره على الجملة فبه ختم جلة أهل هذا الشأن بصقع الأندلس نفعه الله ونفع به‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:46 AM

ولد بجيان سنة اثنتين وخمسمائة أو ثلاث وستين‏.‏

إبراهيم بن أبي بكر التسولي إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي من أهل تازي يكنى أبا سالم ويعرف بابن أبي يحيى‏.‏

حاله من أهل الكتاب المؤتمن كان هذا الرجل قيمًا على التهذيب ورسالة ابن أبي زيد حسن الإقراء لهما وله عليهما تقييدان نبيلان قيدهما أيام قراءته إياهما على أبي الحسن الصغير حضرت مجالسه بمدرسة عدوة الأندلس من فاس ولم أر في متصدري بلده أحسن تدريبًا منه‏.‏

كان فصيح اللسان سهل الألفاظ موفيًا حقوقها وذلك لمشاركته الحضر فيما في أيديهم من الأدوات وكان مجلسه وقفًا على التهذيب والرسالة وكان مع ذلك شيخًا فاضلًا حسن اللقاء على خالق بائنة من أخلاق أهل مصرة‏.‏

امتحن بصبحة السلطان فصار يستعمله في الرسايل فمر في ذلك حظٌ كبير من عمره ضايعًا لا في راحة دنيا ولا في نصيب آخرة ثم قال هذه سنة الله فيمن خدم الملوك ملتفتًا إلى ما يعطونه لا إلى ما يأخذون من عمره وراحته أن يبوؤا بالصفقة الخاسرة لطف الله بمن ابتلى بذلك وخلصنا خلاصًا جميلًا‏.‏

ومن كتاب عائد الصلة‏:‏ الشيخ الحافظ الفقيه القاضي من صدور المغرب مشاركًا في العلم متبحرًا في الفقه كان وجيهًا عند الملوك صحبهم وحضر مجالسهم واستعمل في السفارة فلقيناه بغرناطة وأخذنا بها عنه تام السراوة حسن العهد مليح المجالس أنيق المحاضرة كريم الطبع صحيح المذهب‏.‏

تصانيفه قيد على المدونة بمجلس شيخه القاضي أبي الحسن كتابًا مفيدًا وضم أجوبته على المسائل في سفر وشرح كتاب الرسالة شرحًا عظيم الفائدة‏.‏

مشيخته لازم أبا الحسن الصغير وهو كان قارىء كتب الفقه عليه وجل انتفاعه في التفقه به وروى عن أبي زكريا بن أبي ياسين قرأت عليه كتاب الموطأ إلا كتاب المكاتب وكتاب المدبر فإنه سمعه بقراءة الغير وعن أبي عبد الله بن رشد قرأ عليه الموطأ وشفاء عياض وعن أبي الحسن ابن عبد الجليل السداري قرأ عليه الأحكام الصغرى لعبد الحق وأبي الحسن ابن سليمان قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد وعن غيرهم‏.‏

الخط ثبتًا محققًا لما ينقله وألقى الله عليه من المحبة والقبول وتعظيم الخلق له ما لا عهد بمثله لأحد بلغ من ذلك مبلغًا عظيمًا حتى كان أحب إلى الجمهور من أوصل أهلهم وآبائهم يتزاحمون عليه في طريقه يتمسحون به ويسعون بين يديه ومن خلفه ويتزاحم مساكينهم على بابه قد عودهم طلاقة وجهه ومواساته لهم بقوته يفرقه عليهم متى وجدوه وربما أعجلوه قبل استواء خبزه فيفرقه عليهم عجينًا‏.‏

له في ذلك أخبار غريبة‏.‏

وكان صادعًا بالحق غيورًا على الدين مخالفًا لأهل البدع ملازمًا للسنة كثير الخشوع والتخلق على علو الهمة مبذول المشاركة للناس والجد في حاجاتهم مبتلى بوسواس في وضوئه يتحمل الناس من أجله مضضًا في تأخير الصلوت ومضايقة أوقاتها‏.‏

مشيخته قرأ ببلده على الخطيب القاضي المقرى أبي الحسن عبيد الله بن عبد العزيز القرشي المعروف بابن القارىء من أهل إشبيلية وقرأ بسبتة على الأستاذ إمام المقرئين لكتاب الله أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن الطيب بن زرقون القيسي الضرير نزيل سبتة والأستاذ أبي إسحاق الغافقي المريوني وقرأ على الشيخ الوزير أبي الحكم بن منظور القيسي الإشبيلي وعلى الشيخ الراوية الحاج أبي عبد الله محمد بن الكتامي التلمساني بن الخضار وقرأ بغرناطة على الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير وأخذ عن أبي الحسن بن مستقور‏.‏

شعره كان يقرض شعرًا وسطًا قريبًا من الانحطاط‏.‏

قال شيخنا أبو بكر ابن الحكيم في كتابه المسمى بالفوائد المنتخبة والموارد المستعذبة كتب إليه شيخنا وبركتنا أبو جعفر بن الزيات في شأن شخص من أهل البيت النبوي بما نصه‏:‏ رجل يدعي القرابة للبي ت وإن الثريا منه بمعزل سأل مني خطابكم وهو هذا ولكم في القلوب أرفع منزل فهبوه دعاءكم وامنحوني منه حظا ينمي الثواب ويجزل وعليكم تحية الله ما دا م أمير الهدى يولي ويعزل فأجابه‏:‏ يا إمامي ومن به قطركم ذا ك وحادي البلاد أطيب منزل لم أضع ما نظمتم من يدي حتى أنيل الشريف تحفة منزل دمتم تنشرون علمًا ثواب الل ه فيه لكم أعز وأجزل تذكرون الله ذكرًا كثيرًا وعليكم سكينة الله تنزل وطلبتم مني الدعاء وإني عند نفسي من الشروط بمعزل لكن ادعو ولتدع لي يرضا الل ه وأبدى فهم ذكر قد انزل وحديث الرسول صلى عليه كل وقت ورب لنا الغيث ينزل وعليكم تحيتي كل حين ما اطمأنت بمكة أم بمعزل قال ومما أنشدني من نظمه أيضًا في معرض الوصية للطلبة‏:‏ إعمل بعلمك تؤت علمًا إنما عدوي علوم المرء منح الأقوم وإذا الفتى قد نال علمًا ثم لم يعمل به فكأنما لم يعلم وقال موطئًا على البيت الأخير‏:‏ أمولاي أنت العفور الكريم لبذل النوال مع المعذرة على ذنوبٌ وتصحيفها ومن عندك الجود والمغفرة إسماعيل بن فرج الأنصاري إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن خميس بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي أمير المؤمنين بالأندلس رحمه الله‏.‏

أوليته تقرر عند ذكر الملوك من قومه في اسم صنو جده أمير المسلمين أبي عبد الله الغالب بالله‏.‏

حاله من كتاب طرفة العصر في تاريخ دولة بني نصر من تصنيفنا‏:‏ كان رحمه الله حسن الخلق جميل الرواء رجل جد سليم الصدر كثير الحياء صحيح العقل ثبتًا في المواقف عفيف الإزار ناشيئًا في حجر الطهارة بعيدا ًعن الصبوة بريًا من المعاقرة نشأ مشتغلا بشأنه متبنكًا نعمة الله مختصًا بإيثار السلطان جده أبي أمه وابن عم والده منقطعًا إلى الصيد معروف اللذة إلى استجادة سلاحه وانتقاء مراكبه واستفراه جوارحه إلى أن أفضي إليه الأمر وساعدته الأيام‏.‏

وخدمه الجد وتنقل إلى بيته الملك به وثوى في عقبه الذكر فبذلك العدل في رعيته واقتصد في جبايته واجتهد في مدافعة عدو الله وسد ثلم ثغوره فكان غرة في قومه ودرة في بيته وحسنةً من حسنات دهره‏.‏

وسيرد نبذٌ من أحواله مما يدل على فضل جلاله‏.‏

صفته كان معتدل القد وسيم الصورة عبل اليدين أبيض اللون كثير اللحية بين السواد والصهوبة أنجل أعين أفوه مليح العين أقنى الأنف جهير الصوت أمه الحرة الجليلة العريقة في الملوك فاطمة بنت أمير المؤمنين أبي عبد الله نخبة الملك وواسطة العقد وفخر الحرم البعيدة الشأو في العز والحرمة وصلة الرعي وذكر التراث‏.‏

واتصلت حياتها ملتمسة الرأي برنامجا للفوائد تاريخًا للأنساب إلى أن توفيت في عهد حفيدها السلطان أبي الحجاج رحمها الله وقد أنفت على تسعين من السنين فكان الحفل في جنازتها موازيًا لمنصبها ومتروكها المفضي إليه خطيره وقلت في رثائها‏:‏ نبيت على علم بغائله الدهر ونعلم أن الخلق في قبضة الدهر ونركن للدنيا اغترارًا بقهرها وحسبك من يرجو الوفاء من الغدر ونمطل بالعزم الزمان سفاهةً فيومٌ إلى يوم وشهرٌ إلى شهر هو الدهر لا يبقى على حدثانه جديدٌ ولا ينفك من حادث نكر وبين الخطوب الطارقات تفاضل كفضل من اغتالته في رفعة القدر ألم تر أن المجد أقوت ربوعه وصوح من أدواحه كل مخضر ولاحت على وجه العلاء كآبة فقطب من بعد الطلاقة والبشر وثبت اسمها في الوفيات من الكتاب المذكور بما نصه‏:‏ السلطانة الحرة الطاهرة فاطمة بنت أمير المسلمين أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله بقية نساء الملوك الحافظة لنظام الإمارة رعيا للمتات وصلة للحرمة وإسداء للمعروف وسترًا للبيوتات واقتداء بسلفها الصالح في نزاهة النفس وعلو الهمة ومتانة الدين وكشف الحجاب ونفاذ العزم واستشعار الصبر توفيت في كفالة حفيدها أمير المسلمين أبي الحجاج مواصلا برها ملتمسًا دعاءها مستفيدًا تجربتها وتاريخها مباشرًا مواراتها بمقبرة الجنان داخل الحمراء سحر يوم الأحد السابع لذي حجة من عام تسعة وأربعين وسبعمائة‏.‏

أولاده تخلف من الولد أربعة أكبرهم محمد ولي الأمر من بعده وفرج شقيقه التالي له بالسن المنصرف عن الأندلس بعد مهلك أخيه المذكور المتقلب في الإيالات الهالك أخيرًا في سجن قصبة ألمرية عام أحد وخمسين وسبعمائة مظنونا به الاغتيال ثم أخوه أمير المسلمين أبو الحجاج تغمده الله برحمته أقعد القوم في الملك وأبعدهم أمدًا في السعادة ثم إسماعيل أصغرهم سنًا المبتلي في زمان الشبيبة في الثقاف المخيف مدة أخيه المستقر الآن موادعًا مرفودا بقصر المستخلص من ظاهر شالوبانية وبنتين ثنتين من حظيته علوة عقد عليهما أخوهما أبو الحجاج لرجلين من قرابته‏.‏

وزراؤه وزر له أول أمره القائد البهمة أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الفهري وبيت هؤلاء القواد شهير ومكانتهم من الملوك النصريين مكينة أشرك معه في الوزارة الفقيه الوزير أبا الحسن علي بن مسعود بن علي بن مسعود المحاربي من أعيان الحضرة وذوي النباهة فجاذب رفيقه حبل الخطة ونازعه لباس الحظوة حتى ذهب باسمها ومسماها وهلك القائد أبو عبد الله بن أبي الفتح فخلص له شربها وسيأتي التعريف بكل على انفراد‏.‏

كتابه كتب عنه لأول أمره بمالقة ثم بطريقه إلى غرناطة وأيامًا يسيرة بها الفقيه الكاتب أبو جعفر بن صفوان المتقدم ذكره ثم ألقى المعتادة إلى كاتب الدولة قبل شيخنا أبي الحسن بن الجياب فاصل الخطة وباري القوس واقتصر عليه إلى آخر أيامه‏.‏

قضاته استقضى أخا وزيره الشيخ الفقيه أبا بكر بن يحيى بن مسعود بن علي رجل الجزالة وفيصل الحكم فاشتد في إقامة الحكم وغلظ بالشرع واستعان بالجاه فخيف سطوته واستمر قاضيًا إلى آخر أيامه رئيس جنده الغربي الشيخ البهمة لباب قومه وكبير بيته أبو سعيد عثمان بن أبي العلاء إدريس ابن عبد الله بن عبد الحق مشاركا له في النعمة ضاربًا بسهم في المنحة كثير التجني والدالة إلى أن هلك المخلوع وخلا الجو فكان منه بعض الإقصار‏.‏

الملوك على عهده وأولاد بعدوة المغرب كان على عهده من ملوك المغرب السلطان الشهير جواد الملوك الرحب الجناب الكثير الأمل خدن العافية ومحالف الترفية مفحم النعيم السعيد على خاصته وعامته أبو سعيد عثمان بن السلطان الكبير المجاهد المرابط أبي يوسف بن عبد الحق‏.‏

وجرت بينه وبينه المراسلات واتصلت أيامه بالمغرب بعد مهلكه وصدرًا من أيام ولده أبي عبد الله حسبما مر عند ذكره‏.‏

وبمدينة تلمسان وطن القبلة الأمير أبو حمو موسى بن عثمان بن يغمر اسن بن زيان ثم توفي قتيلا على عهده بأمر ولده المذكور واستغرقت أيام ولده المذكور الوالي بعده إلى أن هلك في صدر أيام أبي الحجاج وجرت بينه وبين الأمير مراسلات وهدايات‏.‏

وبمدينة تونس الشيخ المتلقب بأمير المؤمنين أبو يحيى زكريا بن أبي حفص المدعو باللحياني المتوثب بها على الأمير أبي البقاء خالد بن أبي زكريا بن أبي حفص وهو كبير إلا أن أبا حفص أكبر سنًا وقدرًا وقد تملك تونس تاسع جمادى الآخرة من عام ظهر له اضطرب من بها أحد عشر وسبعمائة وتم له الأمر واعتقل أبا البقاء بعد خلعه ثم اغتاله في شوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة ثم رحل عن تونس لما ظهر له من اضطراب أمره بها وتوجه إلى طرابلس في وسط عام خمسة عشر واستناب صهره الشيخ أبا عبد الله بن أبي عمر ولم يعد بعد إليها ثم اضطراب أمر إفريقية وتنوبه عدة من الملوك الحفصيين منهم الأمير أبو عبد الله بن أبي عمر المذكور وأبو عبد الله بن اللحياني والسلطان أبو بكر ابن الأمير أبي زكريا بن الأمير أبي
إسحاق لبنة تمامهم وآخر رجالهم واستمرت أيامه إلى أيام ولده الأمير بالأندلس ومعظم أيامه ولديه رحم الله الجميع‏.‏

ومن ملوك الروم بقشتاله كان على عهده مقرونًا بالعهد القريب من ولايته الطاغية هراندة بن شانجه بن ألهنشة بن هراندة المجتمع له ملك قشتالة وليون وهو المتغلب على إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان ابن ألهنشة الذي جرت له وعليه هزيمة الأرك والعقاب ابن شانجه بن ألهنشة المسمى إنبرذور وهو الذي أفرد صهره وزوج بنته بملك برتقال إلى أجداد يخرجنا تقصي ذكرهم عن الغرض‏.‏

ومن ملوك رغون من شرق الأندلس الطاغية جايمش بن بطره بن جايمش الذي تغلب على بلنسية ابن بطره بن ألهنشة إلى أجداد عدة كذلك‏.‏

ثم هلك في أخريات أيامه فولي ملك أرغون بعده ألهنشة بن جايمش إلى أخريات أيامه‏.‏

وببرتقال ألهنشة بن يومس بن ألهنشة بن شانجه ابن ألهنشة بن شانجه بن ألهونشة ويسمو أولا دوقًا‏.‏

ذكر تصير الأمر إليه لما ولي الأمر بالأندلس حرسها الله السلطان أبو الجيوش نصر بن السلطان أبي عبد الله محمد بن السلطان الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة بالهجوم على أخيه أبي عبد الله الزمن المقعد الآمن في ركن بيته واغتيال ابن الحكيم وزيره ببابه والإشادة بخلعه حسبما يأتي في موضعه استقر الأمر على ضعف أخيه وسارع دخلته فساءت السيرة لمنافسة الخاصة وكان الرئيس الكبير عميد القرابة وعلم الدولة أبو سعيد فرج ابن عم السلطان المخلوع وأخيه الوالي بعده راسخًا قدمه وعرفه بمثوبة الوارث ولنظره عن أبيه المسوغ عن جده مالقة وما إليها ولنظره مدينة سبتة المضافة إلى إيالة المخلوع عن عهد قريب قد أفرد بها ولده المترجم به وجميعهم تحت طاعته وفي زمان انقياد سوغ مديد الدولة بل مد سروها لما شاء عز وجل من احتوائهم في حبل هذا الدايل يتعقبون على الرئيس الكبير أمورًا تثر مخيمة الصدور وتستدعي فرض الطاعة وتحتوي على مظنات مخلة واحترسوا صافيات منافعه وأوعزوا إلى ولاة الأعمال بالتضييق على رجاله وصرفوا سننه عن نظره‏.‏

ولما بادر إلى الحضرة لإعطاء صفقة البيعة وتهنئة السلطان نصر عن روحه وابن عمه على عادته داخله بعض أرباب الأمر محذرًا ومشيرًا بالامتناع ببلده والدعء لنفسه ووعده بما وسعه فاستعجل الانصراف إلى بلده ولم تمر إلا برهة واشتعلت نار الفتنة وهاجت مراجل الحفيظة فتلاحق به ولده وأظهر الانفراد والاستعداد في سابع عشر رمضان من هذا العام‏.‏

وأقام ولده إسماعيل برسم الملك والسلطان ورتب له ألقاب الملك ودون ديوان الملك بحسبه ونازل حضرة أنتقيرة وناصبها القتال فتملكها ودخلت مربلة في طاعته وتحرك إلى بلش فنازلها ونصب عليها المجانيق فدانت فضخمت الدعوة ومكنت الجباية والتف إليه من مساعير الحروب ومن أجاب‏.‏

وتحرك إلى غرناطة في أول شهر محرم عام اثني عشر وسبعمائة ونزل بقرية العطشا من مرجها‏.‏

وبرز السلطان نصر في جيش خشن مستجاد العدة وافر الرجل فكان اللقاء ثالث عشر الشهر فأظهر الله أقل الفئتين وانجرت على الجيش الغرناطي الهزيمة وكبا بالسلطان نصر فرسه في مجرى سقى لبعض الفدن فنجا بعد لأي ودخل البلد مفلولا وانصرف الجيش المالقي ظاهرًا إلى بلده وطال بالرئيس وولده الأمر وضرستها الفتنة وعظم احتياجه إلى المال وكادت تفضحه المطاولة وزاحمه الملك بمكلف ضخم فاقتضى ذلك إذعانه إلى الصلح وإصغاره المهادنة على سبيله من المقام ببلده مسلمًا للسلطان في جبايته جاريةً وطايفةً في رياسته وأرزاق جنده فتم ذلك في ربيع الأول من العام المذكور‏.‏

ثم لقحت فتنة في العام المذكور هاتفين بخلعان السلطان وطاعة مخلوعهم وطالبين منه إسلام وزيره خدن الروم المتهم على الإسلام أبي عبد الله بن الحاج‏.‏

ثم لحق زعماؤهم بمالقة عند اختلال ما أبرموه فكانت الحركة الثانية لغرناطة بعد أمور اختصرتها من استبداد السلطان أبي الوليد بأمره والانحطاط في القبض على أبيه إلى هوى جنده والتصميم في طلب حقه فاتصل سيره واحتل بلوشة سرار شوال فتملكها ورحل قافلا إلى وطنه طريد كلب الشتاء وافر الخزانة واقتضى الرأي الفائل ممن له النظر الجاش من زعيم شيوخ جندها اتهامًا له بالطاغية فسجنه‏.‏

ثم بدا له في أمره‏.‏

ثم سرحه بعد استدعاء يمينه فوغرت صدور حاشيته وبتعهم من كان على مثل رأيهم وهو شوكة حادة فصرفوا الوجوه إلى السلطان المقبل الحظ المحبوب إليه هوى الملك بما راعه ثانيًا من عنانه بأحواز أرجدونة إلا تثويب داعيهم فكر إلى المدينة وبزر إليه جيشها ملتفا على عبد الحق بن عثمان فأبلى وصدق الحملة فكادت تكون الدائرة فلولا ثبوت السلطان لما استقبلت بأسفلهم الحملة فولوا منهزمين وتبعهم إلى سور المدينة وقد خفت اللفيف والغوغا الناعقون بالخلعان الشرهون إلى تبديل الدعوات وإلى تسم المآذن والمنارات والربا وبرز أهل ربض البيازين الهافون إلى مثل هذه البوارق إلى شرف ربوتهم كل يشير مستدعيا إعلانًا بسوء الجوار وملل الإيالات والانحطاط وبعد التلون والتقلب وسآمة العافية شنشنة معروفة في الخلق مألوفة‏.‏

وبودر غلق باب إلبيرة ففض قفله ودخلت المدينة وجاء السلطان إلى معقل الحمراء بأهله وذخيرته وخاصته وبزر السلطان أبو الوليد بالقصبة القدمى تجاهها بالدار الكبرى المنسوبة لابن المول ينفذ الصكوك ويذيع العفو ويؤلف الشارد وضعفت بصاير المحصورين وفشلوا على وجود الطعمة ووفور المال وتمكن المنعة فالتمسوا لهم ولسلطانهم عهدًا نزلوا به منتقلين إلى مدينة وادي آش في سبيل العوض بمال معروف وذخيرة موصوفة وتم ذلك وخرج السلطان رحمه الله مخلوعًا ساء به القرار جانيًا على ملكه الأخابيث والأغمار ليلة الثامن والعشرين من شوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة واستقر بها موادعًا مرة ومحاربًا أخرى إلى أن هلك حسبما يأتي ذكره‏.‏

وخلا للسلطان الجو وصرفت إليه المقادة وأطاعة القاضي والداني ولم يختلف عليه اثنان والبقاء الخلص لله وحده‏.‏

مناقبه اشتد رحمه الله على أهل البدع وقصر الخوض على ما تضطر إليه الملة ولقد تذوكر بين يديه أهل البيت فبذل في فدية بعضهم ما يعز بذله ونقل منهم بعضًا من حرف خبيثة فزعموا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فشكر له ذلك‏.‏

واشتد في إقامة الحدود وإراقة المسكرات وحظر تجلى القينات للرجال في الولائم وقصر طربهن على أجناسهن من الناس وأخذ يهود الذمة بالتزام سمةٍ تشهرهم وشارة تميزهم وليوفي حقهم من المعاملة التي أمر بها الشارع في الخطاب والطرق وهي شواشي صفر‏.‏

ولقد حدث من يخف حديثه من الشيوخ أولى المجانة والدعابة قال‏:‏ كنا عاكفين على راح وبرأسي شاشية ملف حمراء فحاول أصحابي إنامتي حتى أمكن ذلك وبادروا إلى رقاع من ثوب أصفر فصنعوا منها شاشية ووضعوها في رأسي مكان شاشيتي وأيقظوني فقمت لشأني وقد هيئوا ثمنًا لشراء بقل وفاكهة وجهزوني لشرائه فخرجت حتى أتيت دكان السوق فساومته فلما نظر إلي قال لصاحبه‏:‏ جزى الله هذا السلطان خيرًا والله لقد كنت أبادر هذا اللعين بالسلام عند لقائه أظنه مسلمًا وبصق علي فهممت أن أوقع به ثم فطنت للحيلة فانتزعتها وبادرت فأوسعتهم ذمًا وعظم خجلي وسبقني إليهم عين لهم علي فكاد الضحك يهلكهم عند دخولي‏.‏

ومناقبه كثيرة‏.‏

جهاده وبعض الأحداث في مدته والتأثت الأمور لأول مدته فجرت على جيشه بمظاهرة جيش المخلوع لجيش الروم الهزيمة الشنيعة بوادي فرتونه أوقع بهم الطاغية بطره كافل ملك الروم المملك صغيرا على عهد أبيه وعمه الذاب عنه ففشا في الأعلام القتل وذلك في صفر من عام ستة عشر وسبعمائة وظهر العدو بعدها فغلب على حصن شتمانس وحصن بجيج وحصن طشكر وتغر روط‏.‏

ثم صرفت المطامع عزمه إلى الحضرة فقصد مرجها وكف الله عاديته وقمعه ونصر الإسلام عليه ودالت للدين عليه الهزيمة العظمى بالمرج من ظاهر غرناطة على بريد منها واستولى على محلته النهب وعلى فرسانه ورجاله القتل وعظم الفتح وبهر الصنع وطار الذكر وثاب السعد‏.‏

وكانت الوقيعة سادس جمادى الأولى من عام تسعة عشر وسبعمائة وفي ذلك يقول كاتبه شيخنا أبو الحسن بن الجياب‏:‏ الحمد حق الحمد للرحمن كافي العدو وناصر الإيمان ومكيف الصنع الكريم ودافع ال خطب العظيم وواهب الإحسان في كل أمر للمهيمن حكمة أعيت على الأفكار والأذهان واستقر ملكهم القتيل بأيدي المسلمين بعد فرارهم فجعل في تابوت خشب ونصب بالسور المنازل من الحمراء يسار الداخل بباب يعقوب من أبوابها إذاعةً للشهرة وتثبتًا لتخليد الفخر‏.‏

ومن الغريب أنني في هذه الأيام بعد خمسين سنة تمامًا‏.‏

تفقدت ذلك المكان في بعض ما أباشره أيام نيابتي عن السلطان بدار ملكه على عادتي فألفيته قد علا عليه كوم من الحجارة رجم الصبيان إياه فظهر لي تجديد الإشادة به والاستفتاح بوقوع مثله ولما كشف عن الرمة لتنقل إلى وعاء ثان ألفى بعظم القطن العريض منها سنانٌ مرهب ثبت في العظم انتزع منه وقد غالبتتي الرقة والإجهاش وقلت اللهم ادخر رضوانك لمن أودع في هذه الرمة الطاغية سنان جهادك إلى اليوم وأثبه وارفع درجته إنك أهل لذلك‏.‏

رجعٌ واستقامت الأيام وهلك المخلوع فصفا الجو واتحدت الكلمة وأمكن الجهاد‏.‏

فتحرك في شهر رجب من عام أربعة وعشرين وسبعمائة وأعمل القصد إلى بلاد العدو ونازل حصن إشكر الشجى المعترض في حلق بسطة فأخذ بمخنقة ونشر الحرب عليه ورمى بالآله العظمى المتخذة بالنفط كرة حديد محماة طاق البرج المنيع من معقله فاندفعت يتطاير شررها واستقرت بين محصوريه فعاثت عياث الصواعق السماوية فألقى الله الرعب في قلوبهم وأتوا بأيديهم ونزلوا قسرًا على حكمه في الرابع والعشرين من الشهر وأقام بظاهره فصيره دار جهاد وعمل في خندقه بيده وانصرف فكانت غزاة جمة البركة عظمت بها على الشرق الجدوى وأنشد الشعراء في هذه الوجهة قصائد أشادت بفضلها وشهرت من ذكرها فمن ذلك عن كاتب سره قوله‏:‏ أما مداك فغاية لم تلحق أعيت على غر الجياد السبق بحيث القباب الحمر والأسد الورد كتائب سكان السماء لها جند أنشدني منها في وصف النفط قوله وظنوا بأن الصعق والرعد في السما فحاق بهم من دونها الصقع والرعد غرائب أشكال سما هرمسٌ بها مهندةٌ تأتي الجبال فتنهد ألا إنها الدنيا تريك عجائبًا وما في القوى منها فلا بد أن يبدو وفي العاشر لشهر رجب من عام خمسة وعشرين وسبعمائة تحرك للغزو بعد أخذ الأهبة والاستكثار والاجتهاد للمطوعة وقصد مدينة مرتش العظيمة الساحة الطيبة البقعة فأضرب بها المحلات وكان القصد إجمام الناس فصوب الحشود ووجهها إلى ما بها من بحر الكروم والملتفات وأدواح الأشجار فأمعنوا في إفسادها وبزر حاميتها فناشبت الناس القتال فحميت النفوس وأريد منع الناس فأعيا أمرهم وسال منهم البحر فتعلقوا بالأسوار وقيل السلطا بادر بالركوب فقد دخل الربض فركب ووقف بإزائها فدخل البلد عنوة واعتصم أهله بالقصبة فدخلت أيضًا القصبة عنوة وانطلقت أيدي الغوغاء على من بها من ذكر وأنثى كبيرًا أو صغيرًا فساءت القتلة وقبحت الأحدوثة‏.‏

ورفعت من الغد آكام من الجثث صعدت ذراها المؤذنون وقفل إلى غرناطة بنصر لا كفًا له فكان دخوله من هذه الغزاة في الرابع وفاته ولما فصل من مرتش نقم على أحد الرؤساء من قرابته وهر ابن عمه محمد ابن إسماعيل المعروف بصاحب الجزيرة أمرًا تقرعه عليه وبالغ في الإهمال له وتوعده بما أثار حفيظته فأقدم عليه بالفتكة الشنعاء التي ارتكبها منه بباب قصره بين عبيده وأرباب دولته آمن ما كان سربًا وأعز سلطانًا وجندًا وذلك اليوم الإثنين ثالث يوم من دخوله من مرتش بعد أن عاهد في الأمر جملة من القرابة والخدام فوثب به وهو مجتاز بين السماطين من ناسه إلى مجلس كان يجلس فيه للناس فاعتنقه وانتضى خنجرًا كان ملصقًا في ذراعه فأصابه بجراحات ثلاث إحداهن في عنقه بأعلى ترقوته فخر صريعًا‏.‏

وصاح بكرٌ وزيره فعمته سيوف الحاضرين من أصحاب الفاتك ووقعت الرجة وسلت السيوف وتشاغل كل بمن يليه واستخلص السلطان من يديه وحيل بينه وبينه وحين تشاغل القوم بالوزير رفع السلطان وظن أنه قد أفلت جريحًا فرقع البهت وبادروا الفرار فسدت المذاهب فقتلوا حيث وجدوا وأخذت الظنة قومًا من أبريائهم فامتحنوا ونهب الغوغاء دورهم وعلقت بالجدرات أشلاؤهم وكان يومًا عصيبًا وموقفًا صعبًا واحتمل السلطان إلى بعض دور قصره وبه صبابة روح أشبه شيء بالعدم وكان من أخذ البيعة لولده الأمير أبي عبد الله من بعده ما هو معروف في موضعه‏.‏

ودفن غلس ليلة الثلاثاء ثاني يوم وفاته بروضة الجنة من قصره إلى جانب جده وتنوهي الاحتفال بقبره نقشًا وتخريمًا وإحكامًا وحليًا وتمويهًا يشق على الوصف وكتب بإزاء رأسه في لوح الرخام ما نصه من كلام شيخنا بعد سطر الافتتاح‏:‏ هذا قبر السلطان الشهيد فتاح الأمصار وناصر ملة المصطفى المختار ومحيى سبيل آبائه الأنصار الإمام العادل الهمام الباسل صاحب الحرب والمحراب الطاهر الأنساب والأثواب أسعد الملوك دولة وأمضاهم في ذات الله صولة سيف الجهاد ونور البلاد ذي الحسام المسلول في نصرة الإيمان والفؤاد المعمور بخشية الرحمن المجاهد في سبيل الله المنصور بفضل الله أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن الهمام الأعلى الطاهر الذات والفخار الكريم المآثر والآثار كبير الإمامة النصرية وعماد الدولة الغالبية المقدس المرحوم أبي سعيد فرج ابن علم الأعلام وحامي حمى الإسلام صنوا الإمام الغالب وظهيره المقدس العلي المراتب المقدس المرحوم أبي الوليد إسماعي بن نصر قدس الله روحه الطيب وأفاض عليها غيث رحمته الصيب ونفعه بالجهاد والشهادة وحياه بالحسنى والزيادة جاهد في سبيل الله حق الجهاد وصنع الله له في فتح البلاد وقتل كبار الأعاد ما يجده مذخورًا يوم التناد إلى أن قضى الله بحضور أجله فحتم عمره بخير عمله وقبضه إلى ما أعد له من كرامته وثوابه وغبار الجهاد طي أثوابه فاستشهد رحمه الله شهادةً أثبتت له في الشهداء من الملوك قدمًا ورفعت له في أعلام السعادة علمًا‏.‏

ولد رضي الله عنه في الساعة المباركة بين يدي الصبح من يوم الجمعة سابع عشر شوال عام سبعة وسبعين وستمائة وبويع يوم الخميس السابع والعشرين لشوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة واستشهد في يوم الإثنين السادس والعشرين لشهر رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة فسبحان الملك الحق الباقي بعد فناء الخلق‏.‏

وبعده من جهة اللوح الأخير‏:‏ تخص قبرك يا خير السلاطين تحيةٌ كالصبا مرت بدارين قبر به من بني نصر إمام هدى عالي المراتب في الدنيا وفي الدين أبو الوليد وما أدراك من ملكٍ مستنصرٍ واثقٍ بالله مأمون سلطان عدلٍ وبأسٍ غالبٍ وندىً وفضل تقوى وأخلاقٍ ميامين لله ما قد طواه الموت من شرف وسر مجدٍ بهذا اللحد مدفون ومن لسان بذكر الله منطلق ومن فؤادٍ بحب الله مسكون فكم فتوحٍ له تزهو المنابر من عجبٍ بهن وأوراق الدواوين مجاهدٌ نال من فضل الشهادة ما يجبى عليه بأجر غير ممنون قصى كعثمان في الشهر الحرام ضحىً وفاة مستشهد في الدار مطعون في عارضيه غبار الغزو تمسحه في جنة الخلد أيدي حورها العين يسقي بها عين تسلمي وقاتله مردد بين زقوم وغلسين تبكي البلاد عليه والعباد معًا فالخلق ما بين أحزان أفانين لكنه حكم رب لا مردً له فأمره الجزم بين الكاف والنون فرحمة الله رب العالمين على سلطان عدلٍ بهذا القبر مدفون بعض ما رثى به وعظمت فيه فجيعة المسلمين لما ثكلوا من جهاده وعزمه وبلوه من سعده وعز نصره فكثرت فيه المراثي وتراهنت في شجوه القرائح وبكاه الغادي والرائح‏.‏

فمن المراثي التي أنشدت على قبره قول كاتبه شخنا أبي الحسن بن الجياب‏.‏

أيا عبرة العين امزجي الدمع بالدم ويا زفرة الحزن احكمي وتحكمي وصح بأناة الصبر سحقًا تأخري وقل لشكاة الحزن أهلا تقدمي ولم لا وشمس الملك والمجد والهدى وفتاح أبواب الندى والتكرم ثوى بين أطباق الثرى رهن غربة وحيدًا وأصمته الليالي بأسهم على ملك الإسلام فاسمح بزفرةٍ تساقط درًا بين فذ وتوأم على علم الأعلام والقمر الذي تجلى بوجه العصر غرة أدهم على أوحد الأملاك غير منازع أصالة أعراق وفضل تقدم ومن مثل إسماعيل نورٌ لمهتدٍ وبشرى لمكروبٍ وعفوٌ لمجرم وما مثل إسماعيل للبأس والندى لأصراخ مذعور وإغناء معدم وما مثل إسماعيل للحرب يجتني به الفتح من غرس القنا المتحطم وما مثل إسماعيل سهم سعادةٍ أصاب به الإسلام شاكلة الدم شهيدٌ سعيدٌ صبحته شهادة تبوأ منها في الخلود التنعم أتت وغبار الغزو طي ثيابه ظهير أمانٍ من دخان جهنم فمن شام منها اليوم برق تبسم ففي الغد تلقاه بوجه جهنم فضاحكها باكٍ وجذلانها شجٍ وطالعها هاوٍ ومبصرها عم وسراؤها تفنى وضراؤها معًا فكلتاهما طيف الخيال المسلم سطت بملوك الأرض من بعد آدم تبدد منهم كل شملٍ منظم فكم من قصير قصرت شأو عمره فخر صريعًا لليدين وللفم وكم كسرت كسرى وفضت جيوشه فلم تحمه منها كتائب رستم ولو أنها ترعى إمام هدايةٍ لأعفت عليًا من حسام ابن ملجم وما قتلت عثمان في جوف داره فقدس من مستسلم ومسلم وما أمكنت فيروز من عمر الرضى فهدت من الإسلام أرفع معلم إلى آخرها‏.‏

وتضمن إجمال ما ذكر من ذلك التاريخ المسمى بقطع السلوك المنظوم رجزًا من تأليفي بما نصه‏:‏ وعندما خيف انتثار السلك ووزر الروم وزير الملك تدارك الأمر الإمام الطاهر فعالج الدار طبيب ماهر وجده صنو الإمام الغالب مناقب كالشهب الثواقب فقاد من مالقة الجنودا ونشر الأعلام والبنودا وعاد نصر بمدى حمرائه أتى وأمر الله من ورائه فخلع الأمر وألقى باليد من بعد عهد موثق مؤكد وسار في الليل إلى وادي الأشى والملك لله يعز من يشا ولم يزل فيها إلى أن ماتا وطلق الدنيا بها بتاتا واتسق الأمر وقر الملك وربما جر الحياة الهلك ومن الرجز المذكور في وصف جهاده ومقتله‏:‏ وكان يوم المرج في دولته ففرق الأعداء من صولته وفتح المعاقل المنيعة وابتهجت بعدله الشريعة وانتبه الدهر له من نومه على يدي طائفة من قومه بكى عليه الحرب والمحراب وندبته الضمر العراب إسماعيل بن فرج بن نصر إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر السلطان الذي احتال على أخيه المتوثب على ملكه يكنى أبا الوليد‏.‏

حاله كان صبيًا كما اجتمع وجهه بادنًا دمت الخلق لين الجانب شديد البياض كثيف الحاشية متصلا بالجفوة لطول الحجبة وبعد التمرن والحنكة غرًا فاقدًا لحسن الأدب عريقةً ألفاظه في العجمة‏.‏

تصير الأمر إلى أخيه السلطان خيرتهم ولباب بيتهم يوم قتل أبوهما وله مزية السن والرجاحة والسكنى بمحل وفاة الأب فأبقى عليه وأسكنه بعض القصور لصقه ولم يضايق أمه فيما استأثرت به من بيت المال إذ كان إقليده في يدها وبيضاؤه وصفراؤه في حكمها ورفه متبوأه واستدعى له ولأخيه المعلم الذي كان السبب في إفاته إرماقهما وإعدام حياتهما الشيخ السفلة محمد البطروجي البائس قرد ذلك السرب فاستمرت أيام احتجابه وانتظاره على قصره إلى رمضان من عام ستين وسبعمائة‏.‏

وحرك سماسرة الفتنة له ولأمه جواز الطمع في الملك ودندنوا لها حتى رقصت على إيقاعهم وخفت إلى مواعدهم وشمروا إلى خلاص الأمر وأحام الوثبة صهره الرئيس أبو عبد الله حلف الشؤم زوج أخته محمد بن إسماعيل الشهير الكائنة المذكور في موضعه من حرف الميم‏.‏

فسيرت إليه أمه المال فبثه في الدعرة والشرار حتى تم غرضه واقتحم القلعة من بعض أسوارها عند البالية وقد هدم منها شيء في سبيل إصلاحه ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من عام ستين وسبعمائة والسلطان ليلتئذ غير حال بها فملؤوها لجبًا ولغطًا وصراخًا وهولا وتنويرًا في جملة تناهز المائة وانضاف إليهم أخوان رأيهم من حراسها وسكانها فألبس الناس وسقط في أيديهم‏.‏

وأهدى الليل فتكته هائلة وأداها شنيعة فاقتصر كل على النظر لنفسه وانقسموا فرقتين قصدت إحداهما دار كبير الدولة وقيوم التفويض وشيخ رجال الملك رضوان المستبد بإحالة كورتها الشيخ الذهول معزوز القدر ورائب النكتة ومعود الإقامة وجرار رسن الأطواد وطول الإملا الماشي على خد الدنيا المغضوض البصر عن النظر المستهين بكل سبة وحية تسعى المعول على نظره وقوة سعده وإجابة دعوته مع كونه نسيج وحده في عفافه وديانته ورضى الناس به وسقوط منافستهم من أجله ومأويهم على مول لفظه وبساط معاملته وصحة عقده فعالجوا بابه طويلًا وتولجوا داره وقتلوه بين أهله وولده‏.‏

وقصدت الأخرى دار الأمير المترجم به ومعها صهره فأخرجوه وأركبوه على فرس راعدٍ الفرائض منتقع اللون مختلط القول تحف به داياته بين مولولةٍ وتافلةٍ ومعوذة قد جعلوا به سيفًا مصلتًا على سبيل اللواعب بالنصول والرواقص في مدارج اللهو واستخرجت طبول الملك فقرعت وقيدت الخيل من مرابطها فركبت وقصدت الخزائن السلاحية ففرقت وتم الأمر‏.‏

وحل من الريب على دار الإمارة القصد وخرجت الكتب إلى البلاد والقواعد فالتفت باليد أمهاتها لقطع من بها من أولى الأمانة بتمام الأمر وهلاك السلطان فتم له الأمر‏.‏

وبادر أخوه السلطان لحينه لظهر سابق كان مرتبطًا عند مجرٍ له من الجنة لصق القلعة فاستأجر الليل ووافق الحزم فاستقر بوادي آش‏.‏

وكان أملك بها ونازلته المحلات وأخذ بمخنقه الحصص واستنصرت لمنازلته الناس وأعملت الحيل وتأذن الله بثبوت قدمه وانتقاله إلى ملك المغرب صبح عيد النحر من العام المذكور إلى أن أعاد الله إليه أمره ورد عليه حقه وتولى بعد اليأس جبره حسبما يذكر في موضعه إن شاء الله‏.‏

وخلا الجو لهذا الأمير المضعوف واستولى على أريكة الملك الأغمار وأولو البطالة وأولياء صهره الرئيس خاطبها له ابتداءً ثم ناقلها إلى فسه انتهاءً وحاملها إلى غايته درجًا وإلى إعاقته سلمًا وهو ما هو من غش الحبيب وسوء العقد ودخل السريرة واستيطان المكروه فأغرى منه بالعهد نفسًا مطاوعةً للشهوة متبرمة بالامتحان والخلوة برية من نور العلم وتهذيب الحكمة ناشئة بين أخابيث القسوة جانيةً أماني الشهوة والمخالفة مضادة للفلاح حايدة عن سبيل النجاة بمحل اغتراب عن النصحاء وانتباذ عن مقاعد الأحرار فجرى طلق الجموح في التخلف حتى كبا لفيه ويديه وأعان نسمة السوء الرئيس على نفسه وقد كان اصطنع الرجال واستركب أولى البسالة وأسالف الدعرة واختص في سبيل خدمته والذب عنه بالبؤساء والمساعير يشركهم في الأكلة‏.‏

ويصافيهم النعمة‏.‏

واظلم ما بينهما فحذر كل جانب أخيه إلا أن المهين كان أضعف من أن يستأثر بخطة المعالجة ويهتدي إلى سبيل الحزم‏.‏

وفي عشي يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر شعبان شارفه من مكمن غدره الرحب بجوار قصره وارتبط به الخيل واستكثر من الحاشية وأخفى المساعير‏.‏

وداخل المورورى المشئوم على الدولة فبادر رجاله سد الأبواب وانخرط في جملة أو باشه من باب السلطان من الرجل لنظر ممالئه في العنا وعونه على الهول الموروري فأحاط به وقد بادر الاعتصام بالمصنع ثاني الصرح المنسوب إلى هامان سموا ونفالًا في السكاك وسعة ذرع‏.‏

وبعد ما رقى وصرخ بالناس يناشدهم الذمام فخف إليهم منهم الكثير وتراكموا بالطريق تحته وتولى استنزاله عن سويه مملوك أبيه العلج المخذول عباد وقد تحصل في قبضته الغادر ففتل له في الغارب والذروة ووعده الحياة فنزل عن أمان فسحة الغدر الصراح والوفاء المستباح ولحين استهاله أمر نقله إلى المطبق فقيد مختبلًا كثير الضراعة إلى الأرى لصق قصره وتعاورته السيوف وألحق به صغيره قيس استخرج من بعض الخزاين وقد جهدت أمه في إخفائه فمضى لسبيله وطرح رأسه على الرعاع المجيبين لندائه فانفضوا لحينه وبقي مطروحًا مواري بحلس دابة من دواب الظهر إلى يوم بعده فووري هو وأخوه بمقربة من مدفن أبيهم فكان من أمرهما عبرة‏.‏

وقد استوفى ذلك الكتاب المسمى بنفاضة الجراب من تأليفنا‏.‏



أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:48 AM



وزراء دولته قدم للوزارة عشية يوم ولايته محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري بطالع الشؤم ونعبة النحس‏.‏

عهدي بالطبيب الإسرائيلي الحبري العظيم المهارة في الفن النجومي إبراهيم بن زرزار يتطاير بتلك الولاية بكون النحس الأعظم في درجة طالعها جذوًا انفرد بنحز أديمه الجهالة المعدودون في البهم والهمج الذين لا يعبأ الله بهم فكان الخبر وفوق الخبر فلم ير في الأندلس وزارةٌ أثقل وطأة ولا أخبث عهدًا ولا أعظم شرهًا ولا أكثر حجرًا منها ثم كان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين من رجل حبركة كمداللون تنطف سحنته مرةً وسمًا غائر العين مطأطىء الرأس طرفٌ في الحقد والطمع وعي المنطق وجمود الكف معدنٌ من معادن الجهل مثلٌ في الخيانة تناول الأمر مزاحمًا فيه بالرئيس المتوثب وابن عم نفسه الغادر الضخم الجرارة بالوعث المهين وثور النقل وثعيان الفواكه وصاعقة الاخونه ووكيل الدولة المنحط عن خلالهم بالأبوة والنشأة فجرت أمورها أسوأ مجاريها إلى ان كان ما أذن الله به من مداحلة الرئيس الغادر على قتل أميره المسكين المهين مقلده أنوه الرتب وتاركه وخطة الخيانة ثم أخذه الأخذة الرابية بيد من أمده في الغي وظاهره في الخزي فجعله نكالًا لما بين يديه وما خلفه وموعظةً للمتقين حسبما يأتي في اسمه بحول الله تعالى‏.‏

كاتبه واستعمل في الكتابة صاحبنا الرجل الأخرق الطوال الأهوج البري من الخلال الحميدة إلا ما كان من وسط الخط وسوقي السجع والدرك الأسفل من النظم عبد الحق بن محمد بن عطية المحاربي الآتي ذكره‏.‏

وهو الذي أفرده الله جل جلاله بالغاية البعيدة من مجال سوء العهد وقلة الوفاء‏.‏

وتولى القضاء أبو جعفر أحمد بن أبي القاسم بن جزي أيامًا ثم شهر به قوم من الفقهاء منافسيه ورشقوه بما أوجب صرفه وقدم للقضاء الشيخ المسن الطويل السباحة في بحر الأحكام المفرى الودجين والحلقوم بسكين القضاء المنبور بالموبقات فيه تجاوز الله عنه سلمون بن علي بن سلمون‏.‏

وشيخ الغزاة على عهده يحيى بن عمر بن عبد الله ابن عبد الحق شيخ الغزاة لأخيه أصبح يوم الكائنة في قياده ونصح له فأمر له وضاعف بره‏.‏

الملوك على عهده مولده في يوم الإثنين الثامن والعشرين لربيع الأول من عام أربعين وسبعمائة‏.‏

وفاته حسبما تقرر آنفًا في يوم الأربعاء السابع والعشرين لشعبان من عام أحد وستين وسبعمائة‏.‏

أبو يحيى المسوفي الصحراوي أبو بكر إبراهيم الأمير أبو يحيى المسوفي الصحراوي من أمراء المرابطين صهر علي بن يوسف بن تاشفين زوج أخته وأبو ولده منها يحيى المشهور بالكرم‏.‏

أوليته معروفة تستقرأ عند ذكر ملوكهم حاله كان مثلًا في الكرم وآيةً في الجود أنسي أجواد الإسلام والجاهلية إلى الغاية في الحياء والشجاعة والتبريز في ميدان الفضائل‏.‏

استوزر الوزير الحكيم الشهير أبا بكر بن الصائغ واختصه فتجملت دولته ونبه قدره‏.‏

وأخباره معه شهيرة‏.‏

ولايته ولي غرناطة سنة خمسمائة‏.‏

ثم انتقل منها إلى سرقسطة‏.‏

عند خروج المستعين ابن هود إلى روطة‏.‏

فأقام بها مراسم الملك وانهمك في اللذات وعكف على المعاقرة وكان يجعل التاج بين خروجه من الصحراء قال المؤرخ‏:‏ كان أبو بكر هذا رئيسًا على بعض قبيله في الصحراء وكان ابن عمه منفردًا بالتدبير فاتفق يومًا أن دخل على ابن عمه في خبائه وزوج ابن عمه تمتشط في موضع قريب من الخباء فاشتغلت نفس أبو بكر بالمرأة لحسنها وجمالها فحين دخل قال لابن عمه فلانة تريد الوصول إليك وإنما قصد الاستئذان لرجل من أصحابه فنطق باسم المرأة لشغل باله بها‏:‏ فقال له ابن عمه بعد طول صمت وفكرة وقد أنكر ذلك عهدي بهذا الشخص لا يستأذن علينا‏.‏

فرجع عقله وثاب لبه وعلم قدر ما من القبيح وقع فيه فخرج من ذلك المجلس وركب جمله وهان عليه مفارقة وطنه من أجل العار واستصحب نفرًا قليلًا من أصحابه على حال استعجال ورحل ليلا ونهارًا حتى وصل سجلماسة أولى عمالات علي بن يوسف ابن عمه واتصل به قدومه فأوجب حقه وعرف قدره وعقد له على أخته وولاه على سرقسطة دار ملك بني هود بشرق الأندلس بعد ولاية غرناطة‏.‏

نبذة من أخباره في الكرم قالوا لما حل بظاهر سجلماسة مجهول الوفادة خافي الأمر نزل بظل نخلة بظاهرها لا يعرف أحدًا ولا يقصده فجاء في ذلك الموضع رجل حدادٌ فقراه بعنز كان عنده وتعرف له وأبو بكر يستغرب أمره فلما فرغوا من أكلهم قال للحداد ألا تصحبنا لموضع أملنا وتكون أحد إخواننا حتى تحمد لقاءنا فأجابه وصحبه الحداد وخدمه فلما قربوا من مراكش استأذن أبو بكر علي بن يوسف بن تاشفين وأعلمه بنفسه فأخرج له علي بن يوسف فرسًا من عتاق خيله وكسوة من ثيابه وألف دينار فأمر أبو بكر بدفعها للحداد فبهت الحداد وانصرف الرسول موجهًا إلى مرسله فأخبره بما عاين من كرمه وفعله فأعاده إليه في الحين بفرسٍ أخرى وكسى كثيرة وآلاف من المال فلما دخل مراكش ولقي علي بن يوسف وأنزله أنزل الحداد مع نفسه في بيت واحد وشاركه في الأموال التي توجه بها فانصرف يجر وراءه دنيا عريضة‏.‏

ولما ملك سرقسطة احتضن الوزير الحكيم أبا بكر بن الصائغ ولطف منه محله‏.‏

ذكر أنه غاب يومًا عنه وعن حضور مجلسه بسرقسطة ثم بكر من الغد فلما دخل قال له أين غبت يا حكيم عنا فقال يا مولاي أصابتني سوداء واغتتمت فأشار إلى الفتى الذي كان يقف على رأسه وخاطبه بلسان عجيمة فأحضره طبقًا مملوءًا مثاقيل محشمة وعليها نوادير ياسمين فدفعه كله إليه فقال ابن باجة‏:‏ يا مولاي لم يعرف جالينوس من هذا الطب فضحك‏.‏

وذكر أنه أنشد شعرًا في مدحه وقد قعد يشرب فاستفزه الطب وحلف أن لا يمشي إلا من فوق المال إلى منزله في طريقه فالتمس الخدام برنسه بأن كانوا يطرحون من المال شيئًا له خطر على أوعيته حتى يغمرها فيمشي خطوًا إلى أن وصل إلى منزله وحسد الحكيم أصحابه ولم يقدروا على مطالبته‏.‏

واتفق أن سار الأمير أبو بكر وأمر أصحابه بالتأهب والاستعداد فاستعد ابن باجة واتخذ الأقبية والأخبية واستفره الجياد من بغال الحمولة فكانت له منها سبعة صفر الألوان حمل عليها الثياب والفرش والمال فلما نزل الأمير بمقره مرت عليه البغال المذكورة في أجمل الهيئات فقال لجلسائه لمن هذه البغال ومن يكون من رجالنا هذا فأصابوا العزة فقالوا هي للحكيم ابن الصائغ صاحب سرقسطة وليعلم مولانا أن في وسط كل حمل منها ألف دينار ذهبًا سوى المتاع والعدة فاستحسن ذلك‏.‏

وقال أهذا حق قالوا نعم فدعا الخازن على المال وقال له ادفع لابن باجة خمسة آلاف دينار ليكمل له ذلك اثني عشر ألفًا فقد سمعته غير ما مرة يتمنى أن يكون له ذلك ثم بعث عنه في الحين وقال له يا حكيم ما هذا الاستعداد فقال يا مولاي كل ذلك من هباتكم وأعطياتكم ولما علمت أن أظهار ذلك يسركم فسر بذلك‏.‏

وأخباره رحمه الله كثيرة‏.‏

قالوا ولما ولى غرناطة سنة خمسمائة‏.‏

ثار بها وانبرى على قومه لأمر رابه فانتبذ عنه قومه وناصبوه الحرب حتى استنزلوه عنوة وقبضوا عليه ووجهوه إلى علي بن يوسف‏.‏

فآثر الإبقاء عليه وعفا عنه واستعمله بسرقسطة كذا ذكره الملاحي وأشار إليه‏.‏

وعندي أن الأمر ليس كذلك وأن الذي جرى له ذلك أبو بكر بن علي بن يوسف بن تاشفين فيتحقق‏.‏

وفاته توفي بسرقسطة في سنة عشر وخمسمائة بعد أن ضاق ذرعه بطاغية الروم الذي أناخ عليه بكلكله‏.‏

وعندما تعرف خبر وفاته واتصلت بالأمير أبي إسحاق إبراهيم بن تاشفين وهو يومئذ والي مرسية بادر إلى سرقسطة فضبطها ونظر في ساير أمورها ثم صدر إلى مرسية‏.‏

رثاؤه ورثاه الحكيم أبو بكر بن الصائغ بمراث اشتهر عنه منها قوله‏:‏ سلام وإلمام ووسمي مزنةٍ على الجدث الثاني الذي لا أزوره أحقٌ أبو بكر تقضي فلا ترى ترد جماهير الوفود ستوره لئن أنست تلك اللحود بلحده لقد أوحشت أقصاره وقصوره أيها الملك المفدى لعمري نعي المجد ناعيك يوم قمنا فنحنا كما تقارعت والخطوب إلى أن غادرتك الخطوب في الترب وهنا غير أني إذا ذكرتك والده ر أخال اليقين في ذاك ظنا وسألنا متى اللقاء فقيل الحش ر قلنا صبرًا إليه وحزنا إدريس بن عبد المؤمن بن علي إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي أمير المؤمنين الملقب بالمأمون مأمون الموحدين أوليته جده عبد المؤمن جذع الشجرة وينبوع الجداول هو ابن علي بن علوي بن يعلي بن موار بن نصر بن علي بن عامر بن موسى بن عون الله بن يحيى بن ورجايغ بن سطفور بن نفور بن مطماط بن هزرج بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏.‏

وكان طالبًا بربريًا ضعيفًا خرج مع عمه يؤم للشرق وكان رأى رؤيا هالته تدل على ملك إذ كان صفحته من طعام على ركبتيه يأكل منها الناس وكانت أمه رأت وهي حاملٌ كأن نارًا خرجت منها أحرقت المشرق والمغرب فكانت في نفسه حركة لأجل هذه الرؤيا فلمات حل بسجلماسة سمع بها عن المهدي وكان رجلًا يعرف بأبي عبد الله السوسي ووصف له بالعلم فتشوف إلى لقائه ليرى ما عنده في تأويل رؤياه فانصرف إليه مع بعض الطلبة فلقي رجلا قد وسمه على ما يزعم الناس حدثان من أبي حامد الغزالي وعلقت به دعوة منه في إذهاب ملك أهل اللثام لحرق كتابه على أيديهم فهو مغري بالخروج عليهم مهيأ في عالم الغيب إلى تخريب دعوتهم فوافق شن طبقه وما اجتمع الداآن إلا ليقتتلا والله غالب على أمره‏.‏

فأجلسه وسأله عن اسمه وبلده وسنه ونسبه بالتعريف وأمره أن يخفي من أمره وعبر له رؤياه بأنه يملك الأرض فاهتزت الآمال وتعاضدت ونفذت مشيئة الله بأن دالت الدولة وهلك محمد بن تومرت المهدي فأفضى الأمر إلى عبد المؤمن واستولى على ملك اللمتونيين فأباد خضراءهم واستأصل شأفتهم واستولى على ملك المغرب فأقام به رسمًا عظيمًا وأمرًا جسيمًا وأورثه بنيه من بعده والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏

حاله كان رحمه الله شهمًا شجاعًا جريئًا بعيد الهمة نافذ العزيمة قوي الشكيمة لبيبًا كاتبًا أديبًا فصيحًا بليغًا أبيًا جوادًا حازمًا‏.‏

وذكره ابن عسكر المالقي في تاريح بلده قال دخل مالقة من قبل أخيه فوصل إليها في الحادي عشر من محرم وهو شاب حدث فكان منه من نباهة القدر وجلالة النفس وأبهة الملك ما يعجز عنه كثير من الملوك‏.‏

ولحين وصوله عقد مجلس مذاكرة استظهر له نبهاء الطلبة وكان الشيخ علي بن عبد المجيد يحضره‏.‏

وكان يبدو منه مع حداثة سنة من الذكاء والنبل والتفطن ما كان يبهت الحاضرين وكانوا ينظرون منه إلى بدري الحسن وأسدي الهيبة وكهلي الوقار والتؤدة واشتغل بما يشتغل به الملوك من تفخيم البناء كبينان رياض السيد الذي على ضفة الوادي بمالقة المعروف باسمه لله ورسوله وكان عرفاء البنائين لا يتصرفون إلا بنظره واستمرت ولايته مفخم الأمر عظيم الولاية إلى أن نقل منها إلى قرطبة ثم نقل إلى إشبيلية وفيها بويع الخلافة‏.‏

تصير الأمر إليه وجوازه إلى العدوة قام على أخيه العادل بين يدي مقلعة بممالأة أخيه السيد أبي زيد أمير بلنسية وتحريكه إياه فتم له ذلك وعقدت له البيعة بمراكش والأندلس‏.‏

ثم إن الموحدين في مراكش بدا لهم في أمره وعدلوا عنه إلى ابن عمه أبي زكريا ابن الناصر واتصل به خبر خلعهم إياه فهاجت نفسه ووقدت جمرته واستعد لأخذ ثاره ورحل من إشبيلية واستصحب جمعًا من فرسان الروم واستجاز البحر سنة ست وعشرين وستمائة قاصدًا مراكش وبرز ابن عمه إلى مدافعته والتقى الجمعان فكانت الهزيمة على يحيى بن الناصر وفر إلى الجبال واستولى القتل على جيشه ودخل المأمون مراكش فأمر بتقليد شرفاتها بالرءوس فعمتها على اتساع الساحة واستحضر الناكثين لبيعته وبيعة أخيه وهم كبار الدولة واستفتى قاضيه بمرأى منهم واستحضر خطوطهم وبيعاتهم فأفتى بقتلهم فقتل جماعتهم وهم نحو مائة رجل واتصل البحث عمن أفلت منهم وصرف عزمه إلى محو آثار دولة الموحدين وتغيير رسمها فأزال اسم مهديها من الخطبة والسكة والمآذن وقطع النداء عند الصلاة تاصليت الإسلام وكذلك منسوب رب وبادري وغير ذلك مما جرى عليه عمل الموحدين وأصدر في ذلك رسالة حسنة من إنشائه يأتي ذكرها في موضعه‏.‏

وعند انصرافه من الأندلس خلا للأمير أبي عبد الله بن هود الجو بعد وقائع خلت بينهما وانتهز النصارى الفرصة فعظمت الفتنة وجلت المحنة‏.‏

دخوله غرناطة لم يصح عندي أنه دخل غرناطة مع غلبة الظن القريب من العلم بذلك إلا طريقه إلى مدافعته المتوكل بن هود بجهة مرسية فإنه تحرك لمعالجة أمره في جيش إشبيلية باستدعاء أخيه السيد أبي زيد والي بلنسية بعد هزائم جرت بصقع الشرق لابن هود فتحرك المأمون إليه واحتل غرناطة في رمضان من عام خمسة وعشرين وستمائة وأنفذ منها كتابه إلى أخيه يقوي بصيرته ويعلمه بنفوذه إليه والتف عليه جيش غرناطة وما والاها واتصل سيره إلى الشرق فبرز ابن هود إلى لقائه فكان اللقاء بخارج لورقة فانهزم ابن هود وفر إلى مرسية وعساكر الموحدين في عقبه واستقصاء مثل هذا يخرج عن الغرض‏.‏

وخاطب لأول أمره وأخذ الناس ببيعته‏.‏

من بأقطار الأندلس صادعًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحض على الصلوات وإيتاء الزكاة وإيتاء الصدقات والنهي عن شرب الخمر والمسكرات والتحريض على الرعاية فمن كتابه‏:‏ الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلين يتفرع منهما مصالح الدنيا والدين وأمر بالعدل والإحسان إرشادًا إلى الحق المبين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الكريم المبعوث بالشريعة التي طهرت الجيوب من الأدران واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان طورًا بالشدة وتارة باللين القائل ولا عدول عن قوله‏:‏ ‏"‏ ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ‏"‏ تنبيهًا على ترك الشك لليقين وعلى آله أعلام الإسلام الملقين راية الإسلام باليمين الذين مكنهم الله في الأرض فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وفاء بالواجب لذلك التمكين‏.‏

ومن فصل‏:‏ وإذا كنا نوفي الأمة تمهيد دنياها ونعني بحماية أقصاها وأدناها فالدين أهم وأولى والتهمم بإقامة الشريعة وإحياء شعائرها أحق أن يقدم وأحرى وعلينا أن نأخذ بحسب ما يأمر به الشرع وندع ونتبع السنن المشروعة ونذر البدع‏.‏

ولنا أن لا ندخر عنها نصيحة ولا نغبنها أداة من الأدوات مريحة ولنا عليها أن تطيع وتسمع‏.‏

ومن فصل وأول ما يتناول به الأمر النافذ الصلاة لأوقاتها والأداء لها على أكمل صفاتها وشهودها إظهارًا لشرائع الإيمان في جماعتها‏.‏

فقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ أحب الأعمال إلى الصلاة لأوقاتها‏.‏

وقال‏:‏ أول ما ينظر فيه من أعمال العمد الصلاة‏.‏

وقال عمر‏:‏ إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع‏.‏

وقال‏:‏ لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وهي الركن الأعظم من أركان الإيمان والسور الأوثق لأعمال الإنسان والمواظبة على حضورها في المساجد وإيثار ما لصلاة الجماعة من المزية على صلاة الواحد أمرٌ لا يضيعه المفلحون ولا يحافظ عليها إلا المؤمنون‏.‏

قال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ لقد رأينا وما يتخلف عنها إلا المنافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف‏.‏

وشهود الصبح وعشاء الآخرة شاهد بمحضر الإيمان‏.‏

ولقد جاء‏:‏ حضور الصبح في جماعة يعدل قيام ليلة وحسبكم بهذا الرجحان‏.‏

ومن الواجب أن يعتني بهذه القاعدة الكبرى من قواعد الدين ويأخذ بها في جميع الأمصار الصغير والكبير من المسلمين ونيط في إلزامها قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين ‏"‏‏.‏

وهي طويلة في معاني متعددة‏.‏

نثره ونظمه ولما غير رسوم الموحدين وأوقع بأرباب دولتهم خبر النكث ببيعته وبيعتي أخيه وعمه كتب إلى الأقطار عن نفسه ولم يكمل إنشاءه بكتابة رسالة بديعة اشتملت على فصول كثيرة تنظر في كتاب المغرب والبيان المغرب وغير ذلك‏.‏

وكتابا بخطه إلى أهل اندوجر‏:‏ إلى الجماعة والكافة من أهل فلانة وقاهم الله عثرات الألسنة وأرشدهم إلى محو السيئة بالحسنة أما بعد فإنه قد وصل من قبلكم كتابكم الذي جدد لكم أسهم الانتقاد ورماكم من السهاد بالداهية الساد أتعتذرون من المحال بضعف الحال وقلة الرجال‏.‏

إذًا نلحقكم بربات الحجال كأنا لا نعرف مناحي أقوالكم وسوء منقلبكم وأحوالكم لا جرم أنكم سمتعم بالعدو قصمه الله وقصده إلى ذلك الموضع عصمه الله فطاشت قلوبكم خورًا وعاد صفوكم كدرًا وشممتم ريح الموت وردًا وصدرًا وظننتم أنكم أحيط بكم من كل جانب وأن الفضاء قد غص بالتفاف القنا واصطفاف المناكب ورأيتم غير شيء فتخيلتموه طلائع الكتائب تبًا لهمتكم المنحطة وشيمتكم الراضية بأدون خطة أحين ندبتم إلى حماية إخوانكم والذب عن كلمة إيمانكم نسقتم الأقوال وهي مكذوبة ولفقتم الأعذار وهي بالباطل مشوبة لقد آن لكم أن تتبدلوا جل الخرصان إلى مغازل النسوان وما لكم ولصهوات الخيول وإنما على الغانيات جر الذيول‏.‏

أتظهرون العناد تخريصًا بل تصريحًا وتلويحًا ونظن أن لا يجمع لكم شتا ولا يدني منكم نزوحًا‏.‏

أين المفر وأمر الله يدرككم وطلبنا الحثيث لا يترككم فأزيلوا هذه النزعة النفاقية من خواطركم قبل أن نمحو بالسيف أقوالكم وأفعالكم ونستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم‏.‏

ونحن نقسم بالله لو اعتسفتم كل بيداء سملق واعتصمتم بأمنع معقل وأحفل فيلق ما ونينا عنكم زمانًا ولا ثنينا عن استيصال العزم منكم عنانًا فلا يغرنكم الإمهال أيها الجهال‏.‏

وهي طويلة وقال عند الإيقاع بالأشياخ أولى الفساد على الدول وصلبهم في الأشجار والأسوار مما كلف السلمى بحفظها واستظرافها‏:‏ أهل الحرابة والفساد من الورى يعزون في التشبيه بالذكار ففساده فيه الصلاح لغيره بالقطع والتعليق في الأشجار ذكارهم ذكرى إذا ما أبصروا فوق الجذوع وفي ذرى الأسوار توقيعه قال ابن عسكر وكانت تصدر منه توقيعات نبيلة‏.‏

فمنها أن المرأة رفعت رقعتها بأحد من الأجناد ممن نزل دارها وصدر لها أمر ينكر فوقع على رقعتها‏:‏ يخرج هذا النازل ولا يعوض بشيء من المنازل‏.‏

وغير ذلك مما اختصرناه‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:49 AM

بنوه أبو محمد عبد الواحد ولي عهده وأمير المؤمنين بعد وفاته الملقب بالرشيد وعبد العزيز ومان وأبو الحسن علي الملقب بالسعيد الوالي بعد أخيه الرشيد‏.‏

بناته‏:‏ ابنة العزيز وصفية ونجمة وعائشة وفتحونة وأمهات الجميع روميات وسريات مغربيات‏.‏

وزراؤه وزر له الشيخ أبو زكريا بن أبي الغمر وغيره‏.‏

كتابه كتب له جملة من مشاهير الكتاب منهم أبو زكريا الفازازي وأبو المطرف بن عميرة‏.‏

وأبا الحسن الرعيني وأبوعبد الله بن عياش وأبو العباس ابن عمران وغيرهم‏.‏

وما منهم إلا شهير وفاته توفي رحمه الله بوادي أم الربيع وقد طوى المراحل من ظاهر سبتة مقلعا عن حصارها مبادرًا إلى مراكش وقد اتصل به دخول يحيى بن الناصر إياها فأعد السير وقد اشتد حنقه على أهلها وأقسم أن يبيح حماها للروم ويذهب اسمها ومسماها فهلك عند دنوه منها فجأة فكانت عند أهل مركش من غرر الفرج بعد الشدة وكتمت زوجة حبابة الرومية أم الرشيد ولده خبر وفاته إلا عن الأفراد من قواد النصارى وبعض الأشياخ واتفق القول على مبايعة ابنها المذكور بيعةً خاصة ثاني يوم وفاته ثم جعل في هودج وأشيع أنه مريض وزحفت الجيوش على تعبيته وبرز يحيى بن الناصر من مراكش إلى لقائه والتقى الجمعان فانهزم يحيى واستولى الرشيد عليه ودخل مراكش فاستقام الأمر وكانت وفاة المأمون أبي العلا رحمه الله ليلة الخامس عشر لمحرم عام ثلاثين وستمائة‏.‏

وجرى ذكر المأمون والمهدي وأوليتهم في الرجز المتضمن ذكر بالمسلمة من نظمي بما نصه بعد ذكر الدولة اللمتونية‏:‏ ونجم المهدي وهو الداهية فأصبحت تلك المباني واهية لم يأل فيها أن دعا لنفسه وكان في الحزم فريد جنسه أغرب في ناموسه ومذهبه وفي الذي سطره من نسبه وعنده سياسةٌ وعلمٌ وجرأةٌ وكرم وحلمٌ ووافقت أيامه في الناس لدولة المسترشد العباسي ثم انقضت أيامه المنيفة وكان عبد المؤمن الخليفة فضاء لون سعده ووضحا ولاح مثل الشمس في وقت الضحى ثم تلمسان وفاسًا فتحا وملك أصحاب اللثام قد محا ولما انتهى القول إلى المأمون المترجم به بعد ذكر من يليه وعبد المؤمن جده قلت‏:‏ ثم تولى أمرهم أبو العلا فسلط البيض على بيض الطلا وهو الذي أركب جيش الروم وجد في إزالة الرسوم أسباط بن جعفر بن سليمان بن أيوب بن سعد السعدي سعد بن بكر بن عفان الإلبيري هذا هو جد سعيد بن جودي بن سوادة بن جودي بن أسباط أمير المغرب‏.‏

وقدرهم بهذه المدينة شهير‏.‏

حاله وكان من أهل العلم والفقه والدين المتين والورع الشديد والصلاح الشهير‏.‏

نباهته ولاه الأمير عبد الرحمن قضاء إلبيرة حين بلغه زهده وورعه وأنه لم يشرك إخوته في شيء من ميراث أبيه إذ كان لم يحضر الفتح فبرىء به إليهم وابتاع موئلًا بوطنه أنيط به ماءٌ وانفرد به للعبادة والتبتل فاستقدمه هشام فركب حماره وقدم عليه في هيئة رثة بذلة فتوسم فيه الخير وقدمه ووسع له في الرزق ووهب له ضياعًا كثيرة تعرف اليوم باسمه وتوفي هشام وهو قاض بإلبيرة فأقره ابنه الحكم ثم ولاه شرطته إلى أن توفي أسباط قلت انظر حال الشرطة عند أسلم بن عبد العزيز بن أبان أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد بن عبد الله بن خالد ابن حسين بن جعفر بن أسلم بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه يكنى أبا الجعد‏.‏

أوليته من أهل شرق الأندلس أصلهم من لوشة فتية غرناطة وموضعهم بها معروف وإلى جدهم ينسب جبل أبي خالد المطل عليها وكان لهم ظهور هنالك وفيهم أعلام وفضلاء‏.‏

حاله كان أسلم من خيار أهل إلبيرة شريف البيب كريم الأبوة من كبار أهل العلم وكانت فيه دعابة لم ينسب إليه قط بسببها خزية في دين ولا زلة‏.‏

قال أبو الفضل عياض كان أسلم من خيار أهل إلبيرة رفيع الدرجة في العلم وعلو الهمة في الإدراك والرواية والديانة والصحبة وبعد الرحلة في طلب العلم معروف النصيحة والإخلاص للأمراء‏.‏
مشيخته لقي بمصر المدني ومحمد بن عبد الحكم ويونس والربيع بن سليمان المؤذن وأحمد بن عبد الرحيم البرقي‏.‏

وسمع من علي بن عبد العزيز وسليمان ابن عمران بالقيروان‏.‏

من روي عنه سمع منه عثمان بن عبد الرحمن وعبد الله بن يونس ومحمد بن قاسم وغير واحد وانصرف إلى الأندلس من رحلته فنال الوجاهة العظيمة‏.‏

ولايته ولاه قضاء الجماعة بغرناطة الناصر لدين الله أول ولايته وسط سنة ثلاثمائة إلى أن استعفى سنة تسع وثلاثمائة فأعفاه ثم أعاده‏.‏

وكان في قضاء صارمًا لا هوادة عنده‏.‏

قال المؤرخ كان الناصر يستخلفه في سطح القصر إذا خرج إلى مغازيه‏.‏

وحكى ابن حارث أن ابن معاذ وابن صالح أتيا يومًا فلما أخذا مجلسهما نظر إليهما وقال ألقوا ما أنتم ملقون فأبهتهما‏.‏

ودخل عليه محمد بن وليد يومًا فكلمه في شيء فقال أسلم سمعنا وعصينا فقال ابن وليد ونحن قلنا واحتسبنا‏.‏

وأتاه في بعض مجالسه شهود بعضهم من أهل المدينة بقرطبة وبعضهم من شلار من الربض الشرقي يشهدون في ترشيد امرأة من الربض الغربي فلما أخذوا مجالسهم فتح باب الخوخة التي في المجلس الذي يجلس بدهليزه ونادى من بخارجه فاجتمعوا اسمعوا عجبًا لله در راحت مشرقة ورحت مغربًا شتان بين مشرق ومغرب هؤلاء من أهل المدينة وشلار يشهدون في ترشيد امرأة من ساكنات آخر بلاط مغيث ثم سكت فدهش القوم وتسللوا‏.‏

وبلغه عن بعض الشهود المتهمين أنه أرشي في شهادته ببساط فلما أتى ليؤديها ودخل على أسلم جعل يخلع نعليه عند المشي على بساط القاضي فناداه أبا فلان البساط الله الله فتنبه بأن أمره عند القاضي ولم يجسر على أداء شهادته تلك‏.‏

وخاصم فقيهٌ عند أسلم رجلًا في خادم أغربها وجاء بشاهد أتى به من إشبيلية فقال يا قاضي هذا شاهدي فاسمع منه فصعد أسلم في الشاهد وصوب وقال أمحتسب أو مكتسبٌ أصلحك الله فقال الشاهد أحسن الظن أيها القاضي فليس هذا إليك هذا إلى الله المطلع على ما في القلوب ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه وإنما عليك الظاهر وتكل الباطن إلى الله فإن شئت فاسمع الشهادة كما يلزمني أداؤها ثم أقبلها أو اضرب بها الحائط‏.‏

وفي رواية أخرى وليس لك أن تكشف الستر المنسدل بينك وبيني فإن هذا التفسير للشهود يوقف عن الشهادة عندك ويعرض لإهانتك أهل لائقةٍ وفي ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفي فأخجل أسلم كلامه وقال له لك ما قلت فأد شهادتك يرحمك الله‏.‏

قال فأين الخادم تحضر حتى أشهد على عينها قال أسلم وفقيهٌ أيضًا هاتوا الخادم فجاءت من عند الأمين فلما مثلت بين يديه نظر منها مليًا ثم قال أعرف هذه الخادم ملكا لهذا الرجل لا أعرف ملكه زال عنها بوجه من الوجوه إلى حين شهادتي هذه سلامٌ على القاضي ثم خرج فبقى أسلم متعجبًا منه‏.‏

محنته كف بصره في أخريات أيامه فطلب لأجل ذلك الإعفاء فأعفى ولزم بيته صابرًا محتسبًا إلى حين وفاته‏.‏

مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين‏.‏

أسد بن الفرات بن بشر بن أسد المري من أهل قرية الصير مورته من إقليم البساط من قرى غرناطة‏.‏

حاله كان عظيم القدر والشرف والشهرة أصيل المعرفة والدين‏.‏

خرج إلى المشرق ولقي مالك بن أنس رضي الله عنه روي عنه سحنون ابن سعيد‏.‏

تآليفه ألف كتاب المختلطة وولى القضاء بالقيروان أجمل ما كانت وأكثر علمًا وولاه زيادة الله غزو صقلية ففتحها وأبلى بلاء حسنًا‏.‏

وفاته توفي رحمه الله محاصرًا سرقوسة منها سنة ثلاث عشر ومائتين‏.‏

هذا ما وقع في كتاب أبي القاسم الملاحي‏.‏

وذكره عياض فذكر خلافًا في اسمه وفي أوليته‏.‏

أبو بكر المخزومي الأعمى المورورى المدوري حاله كان أعمى شديد القحة والشر معروفًا بالهجاء مسلطًا على الأعراض سريع الجواب ذكي الذهن فطنًا للمعاريض سابقًا في ديوان الهجاء فإذا مدح ضعف شعره‏.‏

دخوله غرناطة وذكر شيء من شعره ومهاترته مع نزهون بنت القلاعي‏.‏

قال أبوالحسن بن سعيد في كتابه المسمى بالطالع السعيد قدم على غرناطة أيام ولاية أبي بكر بن سعيد عمل غرناطة ونزل قريبًا منه وكان يسمع به فقال صاعقةٌ يرسلها الله عز وجل على من يشاء من عباده ثم رأى أن يبدأه بالتأنيس والإحسان فاستدعاه بهذه الأبيات‏:‏ يا ثانيا للمعري في حسن نظمٍ ونثر وفرط ظرف ونبلٍ وغوص فهم وفكر صل ثم واصل حفيًا بكل شكر وبر وشادنٌ قد تغنى على ربابٍ وزمر وما يسامح فيه الغف ور من كأس خمر وبيننا عقد حلف لبان شركٍ وكفر فقم نجدده عهدًا يطيب شكر وسكر والكأس مثل رضاع ومن كمثلك يدري ووجه له الوزير أبو بكر بن سعيد عبدًا صغيرًا قاده‏.‏

فلما استقر به المجلس وأفعمته روائح الند والعود والأزهار وهزت عطفه الأوتار قال‏:‏ دار السعيدي ذي أم دار رضوانٍ ما تشتهي النفس فيها حاضرٌ دان سقت أبارقها للند سحب ندى تحدو برعد لأوتار والحان والبرق من كل دن ساكبٌ مطرا يحيي به ميت أفكار وأشجان هذا النعيم الذي كنا نحدثه ولا سبيل له إلا بآذان فقال أبو بكر بن سعيد ولا سبيل له إلا بآذان فقال حتى يبعث الله ولد زنا كلما أنشدت هذه الأبيات قال‏:‏ وإن قائلها أعمى فقال‏:‏ أما أنا فلا أنطق بحرف في ذلك‏.‏

فقال من صمت نجا‏.‏

وغناء وطيب شراب تتعجب من تأتيه وتشبهه بنعيم الجنة وتقول ما كان يلم إلا بالسماع ولا يبلغ إليه إلا بالعيان لكن من يجيئ من حصن المدور وينشأ بين تيوس وبقر من أين له معرفةٌ بمجالس النغم‏.‏

فلما استوفت كلامها تنحنح الأعمى فقالت له دعه فقال من هذه الفاعلة فقالت عجوز مقام أمك فقال كذبت ما هذا صوت عجوز إنما هذه نغمة قحبة محترقة تشم روائح كذا منها على فرسخ فقال له أبو بكر‏:‏ يا أستاذ هذه نزهون بنت القلاعي الشاعرية الأديبة فقال سمعت بها لا أسمعها الله خيرًا ولا أراها إلا‏.‏

‏.‏

‏.‏

فقالت له يا شيخ سوءٍ تناقضت وأي خير أفضل للمرأة‏.‏

ففكر المخزومي ساعة ثم قال‏:‏ على وجه نزهون من الحسن مسحة وإن كان قد أمسى من الضوء عاريا قواصد نزهون تدارك غيرها ومن قصد البحر استقل السواقيا فأعملت فكرها وقالت‏:‏ قل للوضيع مقالًا يتلى إلى حين يحشر من المدور أنش ئت والخرا منه أعطر حيث البداوة أمست في أهلها تتبختر لذلك أمسيت صبا بكل شيء مدور جازيت شعرًا بشعر فقل لعمري من أشعر إن كنت في الخلق أنثى فإن شعري مذكر فقال لها اسمعي‏:‏ ألا قل لنزهونة ما لها تجر من التيه أذيالها ولو أبصرت بشةً شمرت كما عودتني سربالها فحلف أبو بكر بن سعيد ألا يزيد أحدهما على الآخر في هجوه كلمة فقال المخزومي أكون هجاء الأندلس وأكف عنها دون شيء فقال أنا أشتري منك عرضها فاطلب فقال بالعبد الذي أرسلته فقادني إلى منزلك فإنه لين القد رقيق الملمس‏.‏

فقال أبو بكر لولا أنه صغير كنت أبلغك فيه مرادك وأهبه لك ففطن لقصده وقال أصبر عليه حتى يكبر ولو كان كبيرًا ما آثرتني على نفسك فضحك أبو بكر وقال قد هجوت نثرًا وإن لم نهج نظمًا فقال أيها الوزير لا تبديل لخلق الله وانفصل المخزومي بالعبد بعد ما أصلح بينه وبين نزهون‏.‏

وقال يمدح القاضي بغرناطة أبا الحسن بن أضحى رحمهما الله‏:‏ عجبًا للزمان يطلب هضمي وملاذي منه على بن أضحى جاره قد سما على النطح عزًا ليس يخشى من حادث الدهر نطحا فقال له ابن أضحى هلا اقتصرت على ما أنت بسبيله فكم تقع في الناس فقال أنا أعمى وهم حفرٌ فلا أزال أقع فيها فقال فأعجبني كلامه على قبحه وحديث مقامه بغرناطة يقتضي طويلا‏.‏

وفاته‏:‏ قال أبو القاسم بن خلف كان حيًا بعد الأربعين وخمسمائة‏.‏

أصبغ بن محمد بن الشيخ المهدي يكنى أبا القاسم عالم مشهور‏.‏

حاله كان محققًا بعلم العدد والهندسة مقدمًا في علم الهيئة والفلك وعلم النجوم وكانت له مع ذلك عناية بالطب‏.‏

تواليفه حسان وموضوعاته مفيدة منها كتاب المدخل إلى الهندسة في تفسير كتاب إقليدس ومنها كتاب ثمار العدد المعروف بالمعاملات‏.‏

ومنها كتابه الكبير في الهندسة تقصي فيه أجزاءها‏.‏

ومنها كتاب في الآلة المعروفة بالأسطرلاب‏.‏

ومنها تاريخه الذي ألفه وهو تاريخ كبير‏.‏

وفاته قال ابن جماعة في تاريخه أخبرني أبو مروان سليمان بن عيسى الناشي المهندس أنه توفي بمدينة غرناطة قاعدة الأمير حبوس ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت لرجب سنة ست وعشرين وأربعمائة وهو ابن ست وخمسين سنة شمسية‏.‏

وعده من مفاخر الأندلس‏.‏

أبو علي بن هدية من أهل غرناطة حاله قال أبوالقاسم الملاحي فيه من أهل الدين والفضل والأمانة والعدالة والمعرفة بالتكسير والأعمال السلطانية وولى المستخلص بغرناطة فثقب وأجاد النظر‏.‏

قال ابن الصيرفي‏:‏ ولما ولي الوزير أبو علي بن هدية المستخلص وباشر جلائل الأمور ودقائقها بنفسه حمي المناصفين ورفع المؤن والكلف عنهم ووسع بسليف البذر عليهم وآثرهم بالنصفة بالتزام حصة بيت المال ولم يكن له حجاب ولا بواب فكان القوي والضعيف والمشروف والشريف والكبير والصغير والرجل والمرأة شرعًا سواءً في الوصول إليه والتكلم في مجلسه فلم يهتضم جانب ولا دحضت حجة إلا أنه ارتفعت الرقبة وزالت الهيبة وأمحق نور الخطة وخص أحباس جامع غرناطة بنظره بفضل مال كثير من غلته ونبه باجتماعه ليزيد بن بلاطين في مسقفه من شرقه وغربه فأكمل الله ذلك بسعيه وعلى يديه ورام ربع المستخلص وزاد به في حماماته ورم حوانيته واستحدث منيحة سماها المستحدثة‏.‏

وغرس قضبان الجوز في مواضع المياه وعوض بما ذهب وشمر في جمع المال ووالي الحفز على العمل ونصح بمقتضى جهده ومنتهى وسعه ولم تمد يده في مصانعة ولا مالت إلى مداخلة ولكنه لم يحمل في حق ولا نوقش في باطل‏.‏

أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي من أهل لوشة‏.‏

نبيلةٌ حسيبةٌ تجيد قراءة القرآن وتشارك في فنون من الطلب من مبادىء غريبة وخلف وإقراء مسائل الطب وتنظم أبياتًا من الشعر‏.‏

وذكرتها في خاتمة الإكليل بما نصه‏:‏ ثالثة حمدة وولادة وفاضلة الأدب والمجادة تقلدت المحاسن من قبل ولادة وأولدت أبكار الأفكار قبل سن الولادة‏.‏

نشأت في حجر أبيها لا يدخر عنها تدريجًا ولا سهمًا حتى نهض إدراكها وظهر في المعرفة حراكها ودرسها الطب ففهمت أغراضه وعلمت أسبابه وأعراضه‏.‏

وفي ذكر m0عها ولما قدم أبوها من المغرب وحدث بخبرها المغرب توجه بعض الصدور إلى اختبارها ومطالعة أخبارها فاستنبل أغراضها واستحسنها واستطرف لسنها وسألها عن الخط وهو أكسد بضاعة جلبت وأشح درة حلبت‏.‏

فأنشدته من نظمها‏:‏ الخط ليس له في العلم فائدة وإنما هو تزيينٌ بقرطاس والدرس سؤلي لا أبغي به بدلًا بقدر علم الفتى يسمو على الناس وراجعها بعض المجان يغفر الله له‏:‏ إن فرط الدرس يا أمي سحق وهذا هو المشهور في الناس فخذ من الدرس شيئًا تافها خطا وبالفهم يحيى كل الناس ومن شعرها في غرض المدح‏:‏ إن قيل من الناس رب فضيلةٍ حاز العلا والمجد منه أصيل فأقول رضوان وحيد زمانٍ إن الزمان بمثله لبخيل بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي الأمير الملقب بسيف الدولة صاحب أمر والده والمرشح للولاية بعده حاله قال المؤرخ‏:‏ كان زيري بن مناد ممن ظهر في حرب ابن يزيد بإفريقية واتسم هو وقومه بطاعة العبيديين أمراء الشيعة فكانوا حربًا لأضدادهم من زنانة الموالين لأملاك المراونة لتحقق جدهم خزر بولايته عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما صار الأمر إلى بني مناد بعد انتقال ملك الشيعة إلى المشرق وولي الأمر باديس بن منصور بن بلكين بن زيري ذهب أعمامه وأعمام أبيه إلى استضعافه فلم يعطهم ذلك من نفسه ووقعت بينهم الحرب التي قتل فيها عم أبيه ما كسن بن زيري فرهب الباقون منهم صولة باديس وخافوا عاديته على أنفسهم على صغر سنه فخاطب شيخ بيته يومئذ زاوي بن زيري ومعه أبناء أخيه المظفر ابن أبي عامر ليجوز إليه إلى الأندلس رغبة في الجهاد فألفى همه بعيدة وملكًا شامخًا يذهب إلى استخدام الأشراف واصطناع الملوك فأذن في ذلك فدخل منهم جماعةٌ الأندلس مع أميرهم زاوي بن زيري ومعه أبناء أخيه حباسة وحبوس وماكسن فأنزلهم المظفر وأكرمهم إلا أنهم كابدوا مشقة من دهرهم الذي أصارهم يخدمون بأبواب الملوك من أعدائهم غيرهم فلما انهدمت الإمامة وانشقت عصا الجماعة سعوا في الفتنة سعى غيرهم من سائر قبائل البرابرة عند تشديد أهل الأندلس للبربر وانحازوا عند ظهورهم على أهل الأندلس بملوك بني حمود إلى بلاد تضمهم فانحازت صنهاجة مع شيخهم ورئيسهم زاوي بن زيري إلى مدينة غرناطة‏.‏

ثم آثر زاوي العودة إلى وطنه إفريقية فخرج عن الأندلس حسبما يتفسر في موضعه‏.‏

والتف قومه على ابن أخيه حبوس بن ماكسن في جماعة عظيمة تحمي حوزته وأقام بها ملكًا وغلب على ما اتصل بمدينته من الكور فتملك قبرة وجيان واتسع نظره وحمى وطنه ورعيته ممن جاوره من البرابر وكان داهية شجاعًا فدامت رياسته واتصل ملكه إلى أن هلك‏.‏

فولى بعده ابنه باديس وسيأتي التعريف به وولد له ابنه بلكين هذا المترجم به فرشحه إلى ملكه وأخذ له بيعة قومه وأهله للأمر من بعده‏.‏

قال المؤرخ‏:‏ ونشأ لباديس ابن حبوس ولد اسمه بلكين وكان عاقلًا نبيلًا فرشحه للأمر من بعده وسماه سيف الدولة وقال‏:‏ ولي مالقة في حياة أبيه وكان نبيلًا جليلًا ووقعت على كتاب بخطه نصه بعد البسملة‏:‏ هذا ما التزمه واعتقد العمل به بلكين بن باديس للوزير القاضي أبي عبد الله بن الحسن الجذامي سلمة الله‏.‏

أعتقد به إقراره على خطة الوزارة والقضاء في جميع كوره وأن يجري من الترفيع والإكرام له إلى أقصى غاية وأن يحمل على الجراية في جميع أملاكه بالكور المذكورة حاضرتها وباديتها الموروثة منها والمكتسبة القديمة الاكتساب والحديثة وما ابتاع منها من العالي رحمة الله وغيره لا يلزمها وظيفٌ بوجه ولا يكلف منها كلفة على كل حال وأن يجري في قرابته وخوله وحاشيته وعامري ضيعه على المحافظة والبر والحرية‏.‏

وأقسم على ذلك كله بلكين بن باديس بالله العظيم والقرآن الحكيم وأشهد الله على نفسه وعلى التزامه له وكفى بالله شهيدًا‏.‏

وكتب بخط يده مستهل شهر رمضان العظيم سنة ثمان وأربعين وأربعمائة والله المستعان‏.‏

ولا شك أن هذا المقدار يدل على نبل ويعرف عن كفاية‏.‏

سبب وفاته‏:‏ قال صاحب البيان المغرب وغيره‏:‏ وأمضى باديس كاتب أبيه ووزيره إسماعيل ابن نغرالة اليهودي على وزارته وكتابته وسائر أعماله ورفعه فوق كل منزلة وكان لولده بلكين خاصة من المسلمين يخدمونه وكان مبغضًا في اليهودي فبلغه أنه تكلم في ذلك لأبيه فبلغ منه كل مبلغ فدبر الحيلة فذكروا أنه دخل عليه يومًا فقبل الأرض بين يديه فقال له الغلام‏:‏ ولم ذلك فقال‏:‏ يرغب العبد أن تدخل داره مع من أحببت من عبيدك ورجالك فدخل إليه بعد ذلك فقدم له ولرجاله طعامًا وشرابًا ثم جعل السم في الكأس لابن باديس فرام القيء فلم يقدر عليه فحمل إلى قصره وقضى نحبه في يومه وبلغ الخبر إلى أبيه ولم يعلم السبب فقرر اليهودي عنده أن أصحابه وبعض جواريه سموه‏.‏

فقتل باديس جواري ولده ومن فتيانه وبني عمه جماعة كبيرة وخافه سائرهم ففروا عنه‏.‏

وكانت وفاته سنة ست وخمسين وأربعمائة‏.‏

وبعده قتل اليهودي في سنة تسع وخمسين‏.‏

باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري ابن مناد الصنهاجي كنيته أبو مناد ولقبه الحاجب المظفر بالله الناصر لدين الله‏.‏

أوليته قد تقدم الإلماع بذلك عند ذكر ابنه بلكين حاله كان رئيسًا يبسًا طاغيةً جبارًا شجاعًا داهية حازمًا جلدًا شديد الأمر سديد الرأي بعيد الهمة مأثور الإقدام شره السيف واري زناد الشر جماعة للمال ضخمت به الدولة ونبهت الألقاب وأمنت لحمايته الرعايا وطم تحت جناح سيفه العمران واتسع بطاعته المرهبة الجوانب ببأسه النظر وانفسخ الملك وكان ميمون الطائر مطعم الظفر مصنوعًا له في الأعداء يقنع أقتاله بسلمه ولا يطمع أعداؤه في حربه‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ يكنى أبا مسعود وكان من أهل الحزم وحماية الجانب وكان يخطب ويدعو للعلويين بمالقة فلما توفي إدريس بن يحيى العالي ملك وقال الفتح في قلائده‏:‏ كان باديس بن حبوس بغرناطة عاثيًا في فريقه عادلًا عن سنن العدل وطريقه يجتريء على الله غير مراقب ويسري إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب قد حجب سنانه لسانه وسبقت إساءته إحسانه ناهيك من رجل لم يبت من ذنبٍ على ندم ولم يشرب الماء إلا من قليب دم أحزم من كاد ومكر وأجرم من راح وابتكر وما زال متقدًا في مناحيه متفقدًا لنواحيه لا يرام بريث ولاعجل ولا يبيت له جار إلا على وجل‏.‏

أخباره في وقائعه ينظر إيقاعه بزهير العامري ومن معه في اسم زهير فقد ثبت منه هنالك نبذة وإيقاعه بجيش ابن عباد بمالقة عندما طرق مالقة وتملكها واستصرخ من استمسك بقصبتها من أساودتها وغير ذلك مما هو معلوم وشهرته مغنية عن الإطالة‏.‏

ومن أخباره في الجبرية والقسوة قال ابن حيان‏:‏ عندما استوعب الفتكة بأبي نصر بن أبي نور اليفرني أمير رندة المنتزي بها وقتله ورجوعها إلى ابن عباد حكي أبو بكر الوسنشاني الفقيه عن ثقة عنده من أصادقة التجار أنه حضر مدينة غرناطة حضرة باديس بن حبوس الجبار أيام حدث علي أبي نصر صاحب تاكرنا ما حدث وأن أميرها باديس قام للحادثة وقعد وهاج من داء عصبيته ما قد سكن وشق أثوابه وأعلن أعواله وهجر شرابه الذي لا صبر له عنه وجفا ملاذه وأوهمته نفسه الخبيثة تمالؤ رعيته من أهل الأندلس على الذي دهي أبا نصر فسولت له نفسه حمل السيف على أهل حضرته جميعًا مستحضرًا لهم وكيمًا ينبرهم ويخلص برابرته وعبيده فيريح نفسه ودبر أن يأتي ذلك إليهم عند اجتماعهم بمسجدهم الجامع الأقرب أيام الجمعة من قوة همومه وشاور وزيره اليهودي يوسف بن إسماعيل مدبر دولته الذي لا يقطع أمرًا دونه مستخليًا مستكتمًا بسره مصممًا في عزمه إن هو لم يوافقه عليه فنهاه عن ذلك وخطأ رأيه فيها وسأله الأناة ومحض الروية وقال له هبك وصلت إلى إرادتك ممن بحضرتك على ما في استباحتهم من الخطر فأني تقدر على الإحاطة بجميعهم من أهل حضرتك وبسائط أعمالك أتراهم يطمئنون إلى الذهول عن مصائبهم والاستقرار في موضعهم ما أراهم إلا سيوفًا ينتظمون عليك في جموعٍ يغرقونك في لججها أنت وجندك فرد نصيحته وأخذ الكتمان عليه وتقدم إلى عارضه باعتراض الجند في السلاح والتعبية لركوبه يوم الفتكة يوم تلك الجمعة فارتج البلد‏.‏

وذكر أن اليهودي دس نسوانًا إلى معارف لهن من زعماء المسلمين بغرناطة ينهاهم عن حضور المسجد يومهم ويأمرهم بإخفاء أنفسهم وفشا الخبر فتخلف الناس عن شهود الجمعة ولم يأته إلا نفر من عامتهم اقتدوا بمن أتاه من مشيخة البربر وأغفال القادمين وجاء إلى باديس الخبر والجيش في السلاح حوالي قصره فساءه وفت في عضده ولم يشك في فشو سره وأحضر وزيره وقلده البوح بسره فأنكر ما قرفه به وقال ومن أين ينكر على الناس الحذر وأنت قد استركبت جندك وجميع جيشك في التعبية لا لسفرٍ ذكرته ولا لعدو وثب إليك فمن هناك حدس القوم على أنك تريدهم وقد أجمل الله لك الصنع في نفارهم وقادك إصارهم فأعد نظرك يا سيدي فسوف تحمد عاقبة رأيي وغبطة نصحي‏.‏

فنصح وزيره شيخٌ من موالي صنهاجته فانعطف لذلك بعد لأي وشرح الله صدره‏.‏

ويجري التعريف بشيء من أمور وزيره‏.‏

قال ابن عذاري المراكشي في كتابه المسمى بالبيان المغرب‏:‏ أمضى باديس كاتب أبيه ووزيره ابن نغرالة اليهودي وعمالًا متصرفين من أهل ملته فاكتسبوا الجاه في أيامه واستطالوا على المسلمين‏.‏

قال ابن حيان وكان هذا اللعين في ذاته على ما زوى الله عنه من هدايته من أكمل الرجال علمًا وحلمًا وفهمًا وذكاء ودماثة وركانة ودهاء ومكرًا وملكا لنفسه وبسطًا من خلقه ومعرفةً بزمانه ومداراة لعدوه واستسلالًا لحقودهم بحلمه ناهيك من رجل كتب بالقلمين واعتنى بالعلمين وشغف باللسان العربي ونظر فيه وقرأ كتبه وطالع أصوله فانطلقت يده ولسانه وصار يكتب عنه وعن صاحبه بالعربي فيما احتاج إليه من فصول التحميد لله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والتزكية لدين الإسلام وذكر فضائله ما يريده ولا يقصرفيما ينشئه عن أوسط كتاب الإسلام فجمع لذلك السجيج في علوم الأوائل الرياضية وتقدم منتحليها بالتدقيق للمعرفة النجومية ويشارك في الهندسة والمنطق ويفوق في الجدل كل مستول منه على غاية قليل الكلام مع ذكائه ماقتًا للسباب دائم التفكر جماعةٌ للكتب‏.‏

هلك في العشر الثاني لمحرم سنة تسع وخمسين وأربعمائة فجلل اليهود نعشه ونكسوا لها أعناقهم خاضعين وتعاقدوه جازعين وبكوه معلنين وكان قد حمل ولده يوسف المكنى بأبي حسين على مطالعة الكتب وجمع إليه المعلمين والأدباء من كل ناحية يعلمونه ويدارسونه وأعلقه بصناعة الكتابة ورشحه لأول حركته لكتابة ابن مخدومه بلكين برتبة المترشح لمكانه تمهيدًا لقواعد خدمته فلما هلك إسماعيل في هذا الوقت أدناه باديس إليه وأظهر الاغتباط به والاستعاضة بخدمته عن أبيه‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:51 AM

مقتل اليهودي يوسف بن إسماعيل ابن نغرالة الإسرائيلي قال صاحب البيان وترك ابنًا له يسمى يوسف لم يعرف ذل الذمة ولا قذر اليهودية‏.‏
وكان جميل الوجه حاد الذهن فأخذ في الاجتهاد في الأحوال وجمع المال واستخراج الأموال واستعمال اليهود على الأعمال فزادت منزلته عند أميره وكانت له عليه عيون في قصره من نساءٍ وفتيانٍ يشملهم بالإحسان فلا يكاد باديس يتنفس إلا وهو يعلم ذلك‏.‏

ووقع ما تقدم ذكره في ذكر بلكين من اتهامه بسمه وتوليه التهمة به عند أبيه للكثير من جواريه وخدامه وفتك هذا بقريب له تلو له في الخدمة والوجاهة يدعى بالقائد شعر منه بمزاحمته إياه فتكة شهيرة واستهدف للناس فشغلت به ألسنتهم وملئت غيظًا عليه صدورهم وذاعت قصيدة الزاهد أبي إسحاق الإلبيري في الإغراء بهم واتفق أن أغارت على غرناطة بعوثٌ صمادحية تقول إنها باستدعائه ليصير الأمر الصنهاجي إلى مجهزها الأمير بمدينة ألمرية‏.‏

وباديس في هذه الحال منغمسٌ في بطالته عاكفٌ على شرابه‏.‏

ونمى هذا الأمر إلى رهطه من صنهاجة فراحوا إلى دار اليهودي مع العامة فدخلوا عليه فاختفى زعموا في بيت فحم وسود وجهه يروم التنكير فقتلوه لما عرفوه وصلبوه على باب مدينة غرناطة وقتل من اليهود في يومه مقتلةٌ عظيمة ونهبت دورهم وذلك سنة تسع وخمسين وأربعمائة‏.‏

وقبره اليوم وقبر أبيه يعرف أصلًا من اليهود ينقلونه بتواترٍ عندهم أمام باب إلبيرة على غلوة يعترض الطريق على لحده حجارة كدان جافية الجرم ومكانه من الترفه والترف والظرف والأدب معروفٌ وإنما أتينا ببعض أخباره مكان باديس من الذكاء وتولعه بالقضايا الآتية‏:‏ قال ابن الصيرفي حدثني أبو الفضل جعفر الفتى وكان له صدقٌ‏.‏

وفي نفسه عزة وشهامة وكرم وأثنى عليه وعرف به حسبما يأتي في اسم جعفر المذكور‏.‏

قال خاض باديس مع أصحابه في المجلس العلي من دار الشارب بقصره واصطفت الصقاليب والعبيد بالبرطل المتصل به لتخدم إرادته فورد عليه نبأ قام لتعرفه عن مجلسه ثم عاد إلى موضعه وقد تجهم وجهه وخبثت نفسه فحذر ندماؤه على أنفسهم وتخيلوا وقوع الشر بهم ثم قال أعلمتم ما حدث قالوا لا والله يطلع على خير قال‏:‏ دخل المرابط الدمنة فسرى عن القوم وانطلقت ألسنتهم بالدعاء بنصره وفسحة عمره ودوام دولته ثم وجموا لوجومه فلما رأى تكدر صفوهم قال أقبلوا على شأنكم ما نحن وذاك اليوم خمر وغدًا أمر بيننا وبينه أمداد الفجو والنشور الجبال وأمواج البحار ولكن لا بد له أن يتملك بلدي ويقعد منه مقعدي وهذا أمر لا يلحقه أحد منا وإنما يشقى أحفادنا قال جعفر فلما دخل الأمير القصر عند خلعه حفيد باديس برحبة مؤمل طاف بكل ركن ومكان منه وأنا في جملته حتى انتهى إلى ذلك المجلس فبسط له ما قعد عليه فتذكرت قول باديس وتعجبت منه تعجبًا ظهر علي فالتفت إلى أمير المسلمين منكرًا وسألني ما بي فأخبرته وصدقته وقصصت عليه قول باديسن فتعجب وقام إلى المسجد بمن معه فصلى فيه ركعات وأقبل يترحم على وفاته‏:‏ قال أبو القاسم بن خلف‏:‏ توفي باديس ليلة الأحد الموفى عشرين من شوال سنة خمسة وستين وأربعمائة ودفن بمسجد القصر‏.‏

قلت وقد ذهب أثر المسجد وبقي القبر يحف به حلقٌ له باب كل ذلك على سبيل من الخمول وجدث القبر رخام إلى جانب قبر الأمير المجاهد أبي زكريا يحيى بن غانية المدفون في دولة الموحدين به‏.‏

وقد أدال اعتقاد الخليفة في باديس بعد وفاته قدم العهد بتعرف أخبار جبروته وعتوه على الله سبحانه لما جبلهم عليه من الانقياد للأوهام والانصياع للأضاليل فعلى حفرته اليوم من الازدخام بطلاب الحوائج والمستشفين من الأسقام حتى أولى الدواب الوجيعة ما ليس على قبر معروف الكرخي وأبي يزيد البسطامي‏.‏

ومن أغرب ما وقفت عليه رقعة رفعها إلى السلطان على يدي وجل من أهل الخبر مكتب يوم في مسجد القصبة القدمى من دار باديس يعرف بابن باق وهو يتوسل إلى السلطان ويسأل منه الإذن في دفنه مجاورًا لقبره‏.‏

وعفو الله أوسع من أن يضيق على مثله ممن أسرف على نفسه وضيع حق ربه‏.‏

ودايره اليوم طلول قد تغيرت أشكالها وقسم التملك جناتها ومع ذلك فمعاهدها إليه منسوبةٌ وأخباره متداولة‏.‏

وقد ألمعت في بعض مشاهده بقولي من قصيدة غريبة الأغراض تشتمل على فنون أثبتها عسى خطرة بالركب يا حادي العيس على الهضبة الشماء من قصر باديس بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي يكنى أبا يحيى حاله كان من ذوي الأصالة ومشايخ الجند فارسًا نجدًا حازمًا سديد الرأي مسموع القول شديد العضلة أيدًا فحلًا وسيمًا قائدًا عند الجند الأندلسي في أيام السلطان ثاني ملوك بني نصر من أحفل ما كان الأمر يجر وراءه دنيا عريضة وجبى الجيش على عهده مغانم كثيرة‏.‏

قال شيخنا ابن شبرين في تذكرة ألفيتها بخطه كان له في الخدمة مكانٌ كبير وجاهٌ عريض ثم صرفه الأمر عن رسمه وأنزله الدهر عن حكمه تغمدنا الله وإياه برحمته‏.‏

وفاته‏:‏ في عام أربعة عشر وسبعمائة ودفن بمقبرة قومه بباب إلبيرة‏.‏

بدر مولى عبد الرحمن بن معاوية الداخل يكنى أبا النصر رومي الأصل كان شجاعًا داهية حازمًا فاضلًا مصممًا تقيًا علمًا من أعلام الوفاء‏.‏

لازم مولاه في أعقاب النكبة وصحبه إلى المغرب الأقصى مختصًا به ذابا عنه مشتملا عليه وخطب له الأمر بالأندلس فتم له بما هو مذكور‏.‏

قال أبومروان في المقتبس إن عبد الرحمن لما شرده الخوف إلى قاصية المغرب وتنقل بين قبائل البربر ودنا من ساحل الأندلس وكان بها همه يستخبر من قرب فعرف أن بلادها مفترقةٌ بفرقتي المضرية واليمانية فزاد ذلك في أطماعه فأدخل إليهم بدرًا مولاه يحسس عن خبرهم فأتى القوم وبلى ما عندهم فداخل اليمانيين منهم وقد عصفت ريح المضريين بظهور بني العباس بالمشرق فقال لهم ما رأيكم في رجل من أهل الخلافة يطلب الدولة بكم فيقيم أودكم ويدرككم آمالكم‏.‏

فقالوا‏:‏ ومن لنا به في هذه الديار فقال بدرٌ‏:‏ ما أدناه منكم وأنا الكفيل لكم به هذا فلان بمكان كذا وكذا يقدمن نفسه فقالوا‏:‏ فجيء به أهلا إنا سراعٌ إلى طاعته وأرسلوا بدرًا بكتبهم يستدعونه فدخل إليه بأيمن طائر واستجمع إليه خلق كثير من أنصاره قاتل بهم يوسف الفهري فقهره لأول وقائعه وأخذ الأندلس منه وأورثها عقبه‏.‏

محنته قال الراوي‏:‏ وكان من أكبر من أمضى عليه عبد الرحمن بن معاوية حكم سياسته وقومه معدلته مولاه بدر المعتق منه بكل ذمة محفوظة الخائض معه لكل غمرة مرهوبة وكل ذلك لم يغن عنه نقيرًا لما أسلف في إدلاله عليه وكثر من الانبساط لحرمته فجمح مركب تحامله حتى أورده ألمًا يضيق الصدر عنه وآسف أميره ومولاه حتى كبح عنانه عن نفسه بعد ذلك كبحة أقعى بها أو شارف حمامه لولا أن أبقى الأمير على نفسه التي لم يزل مسرفًا عليها‏.‏

قال‏:‏ فانتهى في عقابه لما سخط عليه أن سلب نعمته وانتزع دوره وأملاكه وأغرمه على ذلك كله أربعين ألفًا من صامته ونفاه إلى الثغر فأقصاه عن قربه ولم يقله العثرة إلى أن هلك فرفع طمع الهوادة عن جميع ثقله وخدمته وصير خبره مثلا في الناس بعده‏.‏

تاشفين بن علي بن يوسف أمير المسلمين بعد أبيه بالعدوة صالي حروب الموحدين أوليته فيما يختص به التعريف بأولية قومه ينظر في اسم أبيه وجده إن شاء الله‏.‏

قال ابن الوراق في كتاب المقياس وغيره‏:‏ وفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ولي الأمير علي بن يوسف أمير لمتونة الشهير بالمرابط ولده الأمير المسمى بسير عهده من بعده وجعل له الأمر في بقية حياته ورأى أن يولي ابنه تاشفين الأندلس فولاه مدينة غرناطة وألمرية ثم قرطبة مضافة إلى ما بيده قلت وفي قولهم رأى أن يولي الأندلس فولاه مدينة غرناطة شاهد كبير على ما وصفناه من شرف هذه المدينة فنظر في مصالحها وظهر له بركة في النصر على العدو وخدمه الجد الذي أسلمه وتبرأ منه في حروبه مع الموحدين حسبما يتقرر في موضعه فكانت له على النصارى وقائع عظيمة بعد لها الصيت وشاع الذكر حسبما يأتي في موضعه‏.‏

قال فكبر ذلك على أخيه سيرولي عهد أبيه وفاوض أباه في ذلك وقال له‏:‏ إن الأمر الذي أهلتني إليه لا يحسن لي مع تاشفين فإنه قد حمل الذكر والثناء دوني وغطى على اسمي وأمال إليه جميع أهل المملكة فليس لي معه اسمٌ ولا ذكرٌ‏.‏

فأرضاه بأن عزله عن الأندلس وأمره بالوصول إلى حضرته فرحل عن الأندلس في أواسط سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ووصل مراكش وصار من جملة من يتصرف بأمر أخيه سير ويقف ببابه كأحد حجابه فقضى الله وفاة الأمير سير على الصورة القبيحة حسبما يذكر في اسمه وثكله أبوه واشتد جزعه عليه وكان عظيم الإيثار والإرضاء لأمه قمر وهي التي تسببت في عزل تاشفين وإخماله نظرًا إلى ابنها فقطع المقدار بها عن أملها بهلاكه‏.‏

ولما توفي الأمير سير أشارت الأم المذكورة على أبيه بتقديم ولده إسحاق وكان رؤومًا لها قد تولت تربيته عند هلاك أمه وتبنته فقال لها وهو صغير السن لم يبلغ الحلم ولكن حتى أجمع الناس في المسجد خاصة وعامة وأخبرهم فإن صرفوا الخيار إلى فعلت ما أشرت به فجمع الناس وعرض عليهم الأمر فقالوا كلهم في صوت واحد‏:‏ تاشفين فلم توسعه السياسة مخالفتهم فعقد له الولاية بعده ونقش اسمه في الدنانير والدراهم مع اسمه وقلده النظر في الأمور السلطانية فاستقر بذلك‏.‏

وكتب إلى العدوة والأندلس وبلاد المغرب ببيعته فوصلت البيعات من كل جهة‏.‏

ثم رمى به جيوش الموحدين الخارجين عليه فنبا جده ومرضت أيامه وكان الأمر عليه لا له بخلاف ما صنع الله له بالأندلس‏.‏

قال أبو مروان الوراق‏:‏ وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قد أمل في ابنه تاشفين ما لم تكن الأقدار تساعده به فتشاءم به وعزم على خلعه وصرف عهده إلى إسحاق ولده الأصغر ووجه إلى عامله على إشبيلية أغمار أن يصل إليه ليجعله شيخ ابنه إلى أن وافاه خبرٌ أمضه وأقلقه ولم يمهله فأزعج تاشفين إلى عدوه على غير أهبة بتفويضه إياه وصرف المدد في إثره وتوفي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين لفعله ذلك‏.‏

ملكه ووصف حاله‏:‏ فأفضى إليه ملك أبيه بتفويضه إياه في حياته لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وكان بطلًا شجاعًا حسن الركبة والهيئة‏.‏

سالكًا ناموس الشريعة مائلًا إلى طريقة المستقيمين وكتب المريدين قبل إنه لم يشرب قط مسكرًا ولا استمع إلى قينة ولا اشتغل بلذة مما يلهو به الملوك‏.‏

الثناء عليه‏:‏ قال ابن الصيرفي‏:‏ وكان بطلًا شجاعًا أحبه الناس خواصهم وعوامهم وحسنت سياسته فيهم وسد الثغور وأذكى على العدو العيون وآثر الجند ولم يكن منه إلا الجد ولم تنل عنده الحظوة إلا بالعناء والنجدة‏.‏

وبذلك حمل على الخيل وقلد الأسلحة وأوسع الأرزاق واستكثر من الرماة وأركبهم وأقام همتهم للاعتناء بالثغور ومباشرة الحرب ففتح الحصون وهزم الجيوش وهابه العدو ولم ينهض إلا ظاهرًا ولا صدر إلا ظافرًا وملك الملك ومهد بالحزم وتملك نفوس الرعية بالعدل‏.‏

وقلوب الجند بالنصفة‏.‏

ثم قال‏:‏ ولولا الاختصار الذي اشترطناه لأوردنا من سنى خلاله ما يضيق عنه الرحب ولا يسعه الكتب‏.‏

دينه‏:‏ قال المؤرخ عكف على زيارة قبر أبي وهب الزاهد بقرطبة وصاحب أهل الإرادة وكان وطيء الأكناف سهل الحجاب‏.‏

يجالس الأعيان ويذاكرهم قال ابن الصيرفي ولما قدم غرناطة أقبل على صيام النهار وقيام الليل وتلاوة القرآن وإخفاء الصدقة وإنشاء العدل وإيثار الحق‏.‏

قالوا مر يومًا بمرج القرون من أحواز قلعة يحصب فقال لزمال من عبيده كان يمازحه هذا مرجك فقال الزمال ما هو إلا مرجك ومرج أبيك وأما أنا فمن أنا فضحك وأعرض عنه‏.‏

دخوله غرناطة‏:‏ قالوا‏:‏ وفي عام ثلاثة وعشرين وخمسمائة ولي الأمير أبو محمد تاشفين بن أمير المسلمين علي بن امير المسلمين يوسف ووافاها في السابع عشر لذي حجة فقوي الحصون وسد الثغور وأذكى العيون وعمد إلى رحبة القصر فأقام بها السقائف والبيوت واتخذها لخزن السلاح ومقاعد الرجال وضرب السهام وأنشأ السقي وعمل التراس ونسج الدروع وصقل البيضات والسيوف وارتبط الخيل وأقام المساجد في الثغور وبنى لنفسه مسجدًا بالقصر وواصل الجلوس للنظر في الظلامات وقراءة الرقاع ورد الجواب وكتب التوقيعات وأكرم الفقهاء والطلبة وكان له يوم في كل جمعة يتفرغ فيه للمناظرة‏.‏

وزراؤه‏:‏ قال أبو بكر وقرن الله به ممن ورد معه الزبير بن عمر اللمتوني ندرة الزمان كرمًا وبسالة وحزمًا وأصالة‏.‏

فكان كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من ولي شيئًا من أمور المسلمين فأراد الله به خيرًا جعل الله له بطانة خيرٍ وجعل له وزيرًا صالحًا إن نسي شيئًا ذكره وإن ذكره أعانه ‏"‏‏.‏

الوزير أبو محمد الحسين بن زيد بن أيوب بن حامد بن منحل بن يزيد كتابه الرئيس العالم أبو عبد الله بن أبي الخصال والكاتب المؤرخ أبو بكر الصيرفي وغيرهم‏.‏

من أخبار جهاده خرج الأمير تاشفين في رمضان عام أربعة وعشرين وخمسمائة بجيش غرناطة ومطوعتها واتصل به جيش قرطبة إلى حصن السكة من عمل طليطلة وقد اتخذه العدو ركابًا لإضراره بالمسلمين وسحنه وجم به شوكة حادة بقومس مشهور فأحدق به ونشر الحرب عليه فافتتحه عنوة وقتل من كان به وأحيا قائده فرند ومن معه من الفرسان وصدر إلى غرناطة فبرز له الناس بروزًا لم يعهد مثله‏.‏

وفي شهر صفر من عام خمسة وعشرين أوقع بالعدو المضيق على أوليته‏.‏

وفي ربيع الأول من عام ستة وعشرين تعرف خروج عدو طليطلة إلى قرطبة فبادر الأمير تاشفين إلى قرطبة ثم نهد إلى العدو في خف وترك السيقة والثقل بأرجونة‏.‏

وقد اكتسح العدو بشنت إشطيبن والوادي الأحمر‏.‏

وأسرى الليل وواصل الركض وتلاحق بالعدو بقرية براشة‏.‏

فتراءى الجمعان صبحًا وافتضح الجيش ونشرت الرماح والرايات وهدرت الطبول وضاقت المسافة وانتبذ العدو عن الغنيمة والتف الجمع فتقصرت الرماح ووقعت المسابقة ودارت الحرب على العدو وأخذ السيف مأخذه فأتى القتل على آخرهم وصدر إلى غرناطة ظافرًا‏.‏

وفي آخر هذا العام خرج العدو للنمط وقد احتفل في جيشه إلى بلاد الإسلام فصبح إشبيلية يوم النصف من رجب وبرز إليه الأمير أبو حفص عمر بن علي بن الحاج فكانت به الدبرة في نفر من المسلمين استشهد جميعهم ونزل العدو على فرسخين من المدينة فجللها نهبًا وغارةً فقتل عظيمًا وسبى عظيما وبلغ الخير الأمير تاشفين فطوى المراحل ودخل إشبيلية وقد أسرها واستؤصلت باديتها وكثر بها التأديب والتنكيل فأخذ أعقاب العدو وقد قصد ناحية بطليوس وباجة ويابرة في ألف عديدة من أنجاد الرجال ومشهور الأبطال فراش جولًا عهدًا بالروع فظفر بما لا يحصيه أحد ولا يقع عليه عدد وانثنى على رسل انتقل السيقة وثقته ببعد الصارخ وتجشمت بالأمير تاشفين الأدلاء كل ذروة وتنية وأفضى به الإعداد إلى فلاة بقرب الزلاقة وهو المهيع الذي يضطر العدو إليه ولم يكن إلا كلا ولا حتى أقبلت الطلائع منذرةً بإقبال العدو والغنيمة في يده قد ملأت الأرض فلما تراءى الجمعان واضطربت المحلات ورتبت المراكب فأخذت مصافها ولزمت الرجال مراكبها فكان القلب مع الأمير ووجوه المرابطين وأصحاب الطاعات وعليه البنود الباسقات مكتبة بالآيات وفي المجتبين كبار الدولة من أبطال الأندلس عليهم حمر الرايات بالصور الهائلة وفي الجناحين أهل الثغر والأوشاب من أهل الجلادة عليهم الرايات المرقعات بالعذبات المجزعات‏.‏

وفي المقدمة مشاهير زناتة ولفيف الحشم بالرايات المصبغات المنبقات‏.‏

والتقى الجمعان ونزل الصبر وحميت النفوس واشتد الضرب والضراب وكثرت الحملات فهزم الله الكافرين وأعطوا رقابهم مدبرين فوقع القتل واستلحم العدو السيف واستأصله الهلاك والأسار وكان فتحًا جليلا لا كفاء له وصدر الأمير تاشفين ظافرًا إلى بلده في جمادى من هذا العام‏.‏

ولو ذهبنا لاستقصاء حركات الأمير تاشفين وظهوره لاستدعى ذلك طولا كثيرًا‏.‏

بعض ما مدح به‏:‏ فمن ذلك‏:‏ أما وبيض الهند عنك خصوم فالروم تبذل ما ظباك تروم تمضي سيوفك في العدا ويردها عن نفسه حيث الكلام وخيم وهذه القصائد قد اشتملت على أغراضها الحماسية‏.‏

والملك سوقٌ يجلب إليها ما ينفق عندها‏.‏

وفاته قد تقدم انصرافه عن الأندلس سنة إحدى وثلاثين وخمسماية وقيل سنة اثنين واستقراره بمراكش مرؤوسًا لأخيه سير إلى أن أفضى إليه الأمر بعد أبيه قال واستقبل تاشفين مدافعة جيش أمير الموحدين أبي محمد عبد المؤمن بن علي خليفة مهديهم ومقاومة أمر قضى الله ظهوره والدفاع عن ملك بلغ مداه وتمت أيامه‏.‏

كتب الله عليه فالتأث سعده وفل جده ولم تقم له قائمةٌ إلى أن هزم وتبدد عسكره ولجأ إلى وهران فأحاط به الجيش وأخذ الحصار قالوا فكان من تدبيره أن يلحق ببعض السواحل وقد تقدم به وصول ابن ميمون قائد أسطوله ليرفعه إلى الأندلس فخرج ليلا في نفر من خاصته فرقهم الليل وأضلهم الروع وبددتهم الأوعار فمنهم من قتل ومنهم من لحق بالقطائع البحرية وتردى بتاشفين فرسه من بعض الحافات ووجد ميتًا في الغد وذلك ليلة سبع وعشرين لرمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وصلبه الموحدون واستولوا على الأمر من بعده والبقاء لله تعالى‏.‏

ثابت بن محمد الجرجاني ثم الإستراباذي يكنى أبا الفتوح حاله قال ابن بسام كان الغالب على أدواته علم اللسان وحفظ الغريب والشعر الجاهلي والإسلامي إلى المشاركة في أنواع التعاليم والتصرف في حمل السلاح والحذق بأنواع الجندية والنفاذ في أنواع الفروسية فكان الكامل في خلال جمة‏.‏

قال أبومروان‏:‏ ولم يدخل الأندلس أكمل من أبي الفتوح في علمه وأدبه قال ابن زيدون لقيشة بغرناطة فأخذت عنه أخبار المشارقة وحكايات كثيرة وكان غزير الأدب قوي الحفظ في اللغة نازعًا إلى علم الأوائل من المنطق والنجوم والحكمة له بذلك قوة ظاهرة‏.‏

طروؤه على الأندلس قال صاحب الذحيرة طرأ على الحاجب منذ صدر الفتنة للذائع من كرمه فأكرمه ورفع شأنه وأصحبه ابنه المرشح لمكانه فلم يزل له بهما المكان المكين إلى أن تغير عليه يحيى لتغير الزمان وتقلب الليالي والأيام بالإنسان ولحق بغرناطة بعسكر البرابرة فحلت به من أميرهم باديس الفاقرة‏.‏

من روي عنه‏:‏ قال أبوالوليد قرأت عليه بالحضرة الحماسة في اختيار أشعار العرب يحملها عن أحمد بن عبد السلام بن الحسين البصري ولقيه ببغداد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة عن أبي رياش أحمد بن أبي هشام بن شبل العبسي بالبصرة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وله في الفضائل أخبار كثيرة‏.‏

محنته ووفاته لحقه عند باديس مع عمه يدير بن حباسه تهمةٌ في التدبير عليه والتسور على سلطانه دعتهما إلى الفرار عن غرناطة واللحاق بإشبيلية قال أبو يحيى الوراق واشتد شوق أبي الفتوح إلى أهله عند هربه مع يدير إلى إشبيلية لما بلغه أن باديس قبض على زوجته وبنيه وحبسهم بالمنكب عند العبد قداح صاحب عذابه وكان لها من نفسه موقعٌ عظيمٌ وكانت أندلسية جميلة جدًا لها طفلان ذكرٌ وأنثى لم يطق عنهما صبرًا وعمل على الرجوع إلى باديس طمعًا في أن يصفح عنه كما عمل مع عمه أبي ريش فاستأمن إلى باديس يوم نزوله على باب إستجه إثر انهزام عسكر ابن عباد وفارق صاحبه يدير ورمي هو بنفسه إلى باديس من غير توثق بأمان أو مراسلة فلما أدخل عليه وسلم قال له ابتدي بأي وجهٍ جئتني يا نمام ما أجرأك على خلقك وأشد اغترارك بسحرك فرقت بين بني ماكسن ثم جئت تخدعني كأنك لم تصنع شيئًا فلاطفه وقال اتق الله يا سيدي وارع ذمامي وارحم غربتي وسوء مقامي ولا تلزمني ذنب ابن عمك فما لي سبب فيه وما حملني على الفرار معه إلا الخوف على نفسي لسابق خلطته ولقد لفظتني البلاد إليك مقرًا بما لم أجنه رغبة في صفحك فافعل أفعال الملوك الذين يجلون عن الحقد على مثلى من الصعاليك قال بل أفعل ما تستحقه إن شاء الله أن تنطلق إلى غرناطة فدم على حالك والق أهلك إلى أن أقبل فأصلح من شأنك‏.‏

فاطمأن إلى قوله وخرج إلى غرناطة وقد وكل به فارسان وقد كتب إلى قداح بحبسه فلما شارف إلى غرناطة قبض عليه وحلق رأسه وأركب على بعير وجعل خلفه أسود فظٌ ضخم يوالي صفعه فأدخل البلد مشهرًا ثم أودع حبسًا ضيقًا ومعه رجل من أصحاب يدير أسر في الوقعة من صنهاجة فأقاما في الحبس معًا إلى أن قفل باديس‏.‏

مقتله قال أبو مروان في الكتاب المسمى بالمتين واستراح باديس أيامًا في غرناطة يهيم بذكر الجرجاني ويعض أنامله فيعارضه فيه أخوه بلكين ويكذب الظنون وسعى في تخليصه فارتبك باديس في أمره أيامًا ثم غافض أخاه بلكين فقتله وقتًا أمن فيه أمر معارضته لاشتغاله بشرابٍ وآلة وكانت من عادته فأحضر باديس الجرجاني إلى مجلسه وأقبل يشتمه ويسبه ويبكته ويطلق الشماتة ويقول لم تغن عنك نجومك يا كذاب ألم يعد أميرك الجاهل يعين يدير أنه سوف يظفر بي ويملك بلدي ثلاثين سنة لم لم تدقق النظر لنفسك وتحذر ورطتك قد أباح الله لي دمك‏.‏

فأيقن أبو الفتوح بالموت وأطرق ينظر إلى الأرض لا يكلمه ولا ينظر إليه فزاد ذلك في غيظ باديس فوثب من مجلسه والسيف في يده فخبط به الجرجاني حتى جد له وأمر بحز رأسة قال وقدم الصنهاجي الذي كان محبوسًا معه إلى السيف فاشتد جزعه وجعل يعتذر من خطيئته ويلح في ضراعته فقال له باديس أما تستحي يا ابن الفاعلة يصبرالمعلم الضعيف القلب على الموت مثل هذا الصبر ويملك نفسه عن كلامه لي واستعطافي وأنت تجزع مثل هذا الجزع وطال ما أعددت نفسك في أشداء الرجال لا أقال الله مقيلك فضرب عنقه وانقضى المجلس‏.‏

ومن تمام الحكاية مما جلبه ابن حيان‏.‏

قال وكلم الصنهاجيون باديس في جثة صنهاجهم المقتول مع أبي الفتوح فأمرني بإسلامها إليهم فخرجوا بها من فورهم إلى المقبرة على نعش فأصابوا قبرا قد احتفر لميت من أهل البلد فصبوا صاحبهم الصنهاجي فيهن ووراوه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة فعجب الناس من تسحيهم في الاغتصاب حتى الموتى في قبورهم‏.‏

مولده سنة خمسين وثلاثمائة‏.‏

وفاته كما ذكر ليلة السبت لاثنتين بقيتا من محرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة قال برهون من خدام باديس‏:‏ أمرني بمواراة أبي الفتوح إلى جانب قبر أحمد بن عباس وزير زهير العامري فقبراهما في تلك البقعة متجاوران وقال اجعل قبر عدو إلى جانب عدو إلى يوم القصاص فيا لهما قبران أجما أدبا لا كفاء له والبقاء لله سبحانه‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:53 AM

جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي من أهل غرناطة ويعسوب الثاغية والراغية من أهل ربض البيازين يكنى أبا أحمد الشهير ذكره بشرق الأندلس المعروف بكرامة الناس المقصود الحفرة المحترم التربة حتى من العدو والرائق بغير هذه الملة‏.‏

خرج قومه من وطنهم عند تغلب العدو على الشرق فنزلوا ربض البيازين جوفي المدينة وارتاشوا وتلثموا وبنوا المسجد العتيق وأقاموا رسم الإرادة يرون أنهم تمسكوا من طريق الشيخ أبي أحمد بآثاره فلا يغبون بيته ولا يقطعون اجتماعًا على حالهم المعروفة من تلاوة حسنة وإيثار ركعات ثم ذكر ثم ترجيع أبياتٍ في طريق التصوف مما ينسب للحسين بن منصور الحلاج وأمثاله يعرفونها منهم مشيخةٌ قوالون هم فحول الأجمة وضرائك تلك القطيعة يهيجون بلابلهم فلا ينشبون أن يحمي وطيسهم ويخلط مريعهم بالهمل فيرقصون رقصا غير مساوق للإيقاع الموزون دون العجال الغالبة منهم بإفراد كلمات من بعض المقول ويكر بعضهم على بعض وقد خلعوا خشن ثيابهم ومرقوعات قباطيهم ودرانيكهم فيدوم حالهم حتى يتصببوا عرقًا وقوالهم يحركون فتورهم ويزمرون روحهم يخرجون بهم من قول إلى آخر ويصلون الشيء بمثله فربما أخذت نوبة رقصهم بطرفي الليل التمام ولا تزال المشيعة لهم يدعونهم ويحاجونهم إلى منازلهم وربما استدعاهم السلطان إلى قصره محمضًا في لطايف نعيمه باخشيشانهم مبديًا التبرك بألويتهم ولهم في الشيخ أبي أحمد والد نحلتهم وشحنة قلوبهم عصبية له وتقليد بإيثاره أنفجت لعقده أيمانهم وشرطٌ في صحة دينهم وارتكبوا في النفور عن سماع المزمار القصبي المسمى بالشبابة الذي أرخص في حضور الولائم مع نفخٍ برعه العدد الكثير من الجلة الصلحاء القدوة مرتكبًا حتى ألحقوه بالكبائر المربقة وتعدوا اجتنابه جبلة وكراهةً طباعية فتزوي عند ذكره الوجوه وتقتحم عند الاتهام به الدور وتسقط فيما بينهم بفلتة سماعه أخوة الطريق وهم أهل سذاجة وسلامة أو لو اقتصاد في ملبس وطعمة واقتيات بأدنى بلغة ولهم في التعصب نزعة خارجية وأعظمهم ما بين مكتسب متسبب وبين معالج مدرة ومريع حياكة وبين أظهر من الذعرة والصعاليك كثير والطرق إلى الله عدد أنفاس الخلايق جعلنا الله ممن قبل سعيه وارتضى ما عنده ويسره لليسرى‏.‏

حاله‏:‏ قام هذا الرجل مقام الشيخ أبي تمام قريبه على هيئة مهلكه فسد مسده على حال فتور وغرارة حتى لان متن الخطة وخف عليه بالمران ثقل الوظيفة فأم وخطب وقاد الجماعة من أهل الإرادة‏.‏

وقضى في الأمور الشرعية بالربض تحت ضبن قاضي الجماعة وهو الآن بعده على حاله حسن السجية دمث الأخلاق لين العريكة سهل الجانب مقترن الصدق والعفة ظاهر الجدة محمود الطريقة تطأه أقدام الكلف وتطرح به المطارح القاصية حوا على الشفاعات مستور الكفاية في لفق الضعف متوالي شعلة الإدراك في حجر الغفلة وجهٌ من وجوه الحضرة في الجمهورية مرعى الجانب مخفف الوظايف مقصودًا من منتامي أهل طريقه بالهدايا مستدعي إلى من بالجهات منهم في كثير من الفصول ظاهر الجدوى في نفير الجهاد رحمه الله ونفع بأهل الخير‏.‏

مولده عام تسعة وسبعمائة‏.‏

وفاته يوم الإثنين التاسع والعشرين لرمضان خمسة وستين وسبعمائة‏.‏

جعفر بن سيدبونة الخزاعي جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونة الخزاعي من أهل شرق الأندلس من نظر دانية يكنى أبا أحمد الولي الشهير‏.‏

حاله كان أحد الأعلام المنقطعي القرين في طريق كتاب الله وأولى الهداية الحقة فذ شهير شائع الخلة كثير الأتباع بعيد الصيت توجب حقه حتى الأمم الداينة بغير دين الإسلام عند التغلب على قرية مدفنه بما يقضي منه بالعجب‏.‏

قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير عند ذكره في الصلة‏:‏ أحد أعلام المشاهير فضلًا وصلاحًا قرأ ببلنسية وكان يحفظ نصف المدونة وأقرأها ويؤثر الحديث والتفسير والفقه على غير ذلك من العلوم‏.‏

مشيخته أخذ القراءات السبع عن المقرىء أبي الحسن بن هذيل وأبي الحسن بن النعمة ورحل إلى المشرق فلقي في رحلته جلة أشهرهم وأكبرهم في باب الزهد وأنواع سنى الأحوال ورفيع المقامات الشيخ الجليل الولي لله تعالى العارف أبو مدين شعيب بن الحسين المقيم ببجاية صحبه وانتفع به ورجع من عنده بعجايب دينية ورفيع أحوال إيمانية وغلبت عليه العبادة فشهر بها حتى رحل إليه الناس للتبرك بدعائه والتيمن برؤيته ولقائه فظهرت بركته على القليل والكثير منهم وارتورا زلالا من ذلك العذب النمير وحظه من العلم مع عمله الجليل موفور وعلمه نورٌ على نور‏.‏

لقيت قريبه الشيخ أبا تمام غالب بن حسين بن سيدبونة حين ورد غرناطة دخوله غرناطة وذكر المعتنون بأخباره بالحضرة إلى طريقه أنه دخل الحضرة وصلى في رابطة الربط من باب‏.‏

‏.‏

‏.‏

وأقام بها أيامًا فلذلك المسجد المزية عندهم إلى اليوم‏.‏

وانتقل الكثير من أهله وأذياله عند تغلب العدو على الشرق على بلدهم إلى هذه الحضرة فسكنوا منها ربض البيازين على دين وانقباض وصلاح فيحجون بكنوز من أسراره ومبشراته مضنونٌ بها على الناس وبالحضرة اليوم منهم بقية تقدم الإلماع بذكرهم‏.‏

وفاته توفي رحمه الله بالموضع المعروف بزناتة في شوال سنة أربع وعشرين وستمائة وقد نيف على الثمانين‏.‏

الحسين بن أبي الأحوص الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري نشأ بغرناطة يكنى أبا علي ويعرف بابن الناظر‏.‏

كان متفننًا في جملة معارف أخذ من كل علم سنى بحظ وافر حافظًا للحديث والتفسير ذاكرًا للأدب واللغة والتواريخ شديد العناية بالعلم مكبًا على استفادته وإفادته حسن اللقاء لطلبة العلم حريصًا على نفعهم جميل المشاركة لهم‏.‏

وقال الأستاذ‏:‏ كان من بقايا أهل الضبط والإتقان لما رواه وآخر مقرئي القرآن ممن يعتبر في الأسانيد ومعرفة الطرق والروايات متقدمًا في ذلك على أهل وقته وهو أوفر من كان بالأندلس في ذلك أقرأ القرآن والعربية بغرناطة مدة ثم انتقل إلى مالقة فأقرأ بها يسيرًا ثم انقبض عن الإقراء وبقي خطيبًا بقصبة مالقة نحوًا من خمسة وعشرين سنة ثم كر منتقلا إلى غرناطة فولى قضاء ألمرية ثم قضاء يسطة ثم قضاء مالقة‏.‏

وصمته قال الأستاذ‏:‏ إلا أنه كان فيه خلق أخلت به وحملته على إعداء ما ليس من شأنه عفا الله عنه فكان ذلك مما يزهد فيه‏.‏

مشيخته روي عن الأستاذ المقرىء أبي محمد عبد الله بن حسين الكواب أخذ عنه قراءة السبع وغير ذلك وعن أبي علي وأبي الحسن بن سهل بن مالك الأزدي وأبي عبد الله محمد بن يحيى المعروف بالحلبى وجماعة غير هؤلاء ورحل إلى إشبيلية فروى بها عن الشيخ الأستاذ أبي علي أكثر كتاب سيبويه تفقهًا وغير ذلك‏.‏

وأخذ عن جماعة كثيرة من أهلها وقدم عليها إذ ذاك القاضي أبو القاسم بن بقي فلقيه بها وأخذ عنه ورحل إلى بلنسية فأخذ بها عن الحاج أبي الحسن ابن خيرة وأبي الربيع بن سالم وسمع عليه جملةٌ صالحة كأبي عامر بن يزيد بن أبي العطاء بن يزيد وغيرهم وبجزيرة شقر عن أبي بكر بن وضاح وبمرسية عن جماعة من أهلها وبأوريولة عن أبي الحسن بن بقي وبمالقة عن آخرين وتحصل له جماعة نيفوا على الستين‏.‏

تصانيفه منها المسلسلات والأربعون حديثًا والترشيد في صناعة التجويد وبرنامج رواياته وهو نبيل‏.‏

شعره كان يقرض شعرًا لا يرضى لمثله ممن برز تبريزه في المعارف‏.‏

مولده يوم الخميس لإثني عشر ليلة بقيت من شوال سنة خمسين وستمائة‏.‏

وفاته الحسن بن النباهي الجذامي الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي من أهل مالقة يكنى أبا علي‏.‏

أوليته قال القاضي المؤرخ أبو عبد الله بن أبي عسكر فيه من حسباء مالقة وأعيانها وقضاتها وهو جد بني الحسن المالقيين وبيته بيت قضاء وعلم وجلالة لم يزالوا يرثون ذلك كابرًا عن كابر استقضى جده المنصور بن أبي عامر وكانت له ولأصحابه حكاية مع المنصور‏.‏

قال القاضي ابن بياض أخبرني أبي قال‏:‏ اجتمعنا يومًا في منتزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة مع المنصور بن أبي عامر في حداثة سنه وأوان طلبه وهو مرتج مؤمل ومعنا ابن عمه عمرو بن عبد الله بن عسكلاجة والكاتب ابن المرعزي والفقيه أبوالحسن المالقي وكانت سفرة فيها طعام فقال ابن أبي عامر من ذلك الكلام الذي كان يتكلم به لا بد أن نملك الأندلس ونحن نضحك منه ومن قوله‏.‏

ثم قال‏:‏ يتمنى كل واحد منكم على ما شاء أوليه فقال عمرو‏:‏ أتمنى أن توليني المدينة نضرب ظهور الجنات وقال ابن المرعزي‏:‏ وأنا أشتهي الأسفح القضاء في أحكام السوق وقال أبوالحسن‏:‏ وأنا أحب هذه أن توليني قضاء مالقة بلدي‏.‏

قال موسى بن غدرون قال لي تمن أنت فشققت لحيته بيدي واضطربت به وقلت قولا قبيحًا من قول السفهاء‏.‏

فلما ملك ابن أبي عامر الأندلس ولي ابن عمه المدينة وولي ابن المرعزي أحكام السوق وولي أبا الحسن المالقي قضاء ريه وبلغ كل واحد ما تمنى وأخذ مني مالا عظيما أفقرني لقبح قولي‏:‏ فبيت بني الحسن الشهير وسيأتي من أعلامه ما فيه كفاية‏.‏

حاله قال ابن الزبير كان طالبًا نبيلًا من أهل الدين والفضل والنهي والنباهة‏.‏

نباهته قال ابن الزبير في كتاب نزهة البصائر والأبصار استقضى بغرناطة‏.‏

وفاته توفي سنة اثنين وسبعين وأربعمائة ذكره ابن بشكوال في الصلة وعرف بولايته قضاء غرناطة وذكره ابن عسكر وتوهم فيه الملاحي فقال هو من أهل إلبيرة‏.‏

القلنار حسن بن محمد بن حسن القيسي حاله كان رحمه الله بقية شيوخ الأطباء ببلده حافظًا للمسائل الطبية ذاكرًا للدواء فسيح التجربة طويل المزاولة متصرفًا في الأمور التي ترجع إلى صناعة اليدين صدلة وإخراعةً محاربًا مقدورًا عليه في أخرياته ساذجًا مخشوشنًا كثير الصحة والسلامة محفوظ العقيدة قليل المصانعة بريًا من التشمت يعالج معيشته بيده في صبابة فلاحة‏.‏

أخذ صناعة الطب عن أبي الحسن الأركثي ومعرفة أعيان النبات عن المصحفي وسرح معه وارتاد منابت العشب في صحبته فكان آخر السحارين بالأندلس وحاول عمل الترياق الفارق بالديار السلطانية عام اثنين وخمسين وسبعمائة مبرزًا في اختيار أجزائه وإحكام تركيبه وإقدام على اختبار مرهوب حياته قتلًا وصنجًا وتقريصًا بما يعجب من إدلاله فيه وفراهته عليه‏.‏

حسن بن محمد بن باصة يكنى أبا علي ويعرف بالصعلعل رئيس المؤقتين بالمسجد الأعظم من غرناطة أصله من شرق الأندلس‏.‏

حاله كان فقيهًا إمامًا في علم الحساب والهيئة أخذ عنه الجلة والنبهاء قائمًا على الأطلال والرخائم وآلالات الشعاعية ماهرًا في التعديل مع التزام السنة والوقوف عندما حد العلماء في ذلك مداوم النظر ذا مستنبطات ومستدركات وتواليف نسيج وحده ورحقة وقته‏.‏

وفاته توفي بغرناطة عام ستة عشر وسبعمائة‏.‏

الحسن بن محمد بن علي الأنصاري من أهل يكنى أبا علي ويعرف بابن كسرى حاله كان متقدمًا في حفظ الأدب واللغة مبرزًا في علم النحو شاعرًا مجيدًا ممتع المؤانسة كثير المواساة حسن الخلق كريم النفس مثرًا في نظم الشعر في غير فن مدح الملوك والرؤساء مؤثرًا للخمول على الظهور وفي تخامله يقول شعرًا ثبت في موضعه‏.‏

مشيخته روي عن أبي بكر بن عبد الله بن ميمون الكندي وأبي عبد الله الكندي وابي الحكم بن ممن روي عنه روى عنه أبو الطاهر أحمد بن علي الهواري السبتي وأبو عبد الله إبراهيم بن سالم بن صالح بن سالم‏.‏

نباهته وإدراكه من كتاب نزهة البصائر والأبصار قال القاضي أبو عبد الله بن عسكر نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي رحمه الله ما معناه‏:‏ قال حدثني الفقيه الأديب أبو علي قال كنت بإشبيلية‏.‏

وقد قصدتها لبعض الملوك فبينما أنا أسير في بعض طرقها لقيت الشيخ أبا العباس فسلمت عليه ووقفت معه وكنت قد ذكر لي أن بها رجلا من الصالحين زاهدًا فاضلًا ينتقد من الشعر في الزهد والرقائق ببدائع تعجب وكان بالمغرب قد قصد الهربي والنادر فسألني أبوالعباس عن مصيري فأعلمته بقصدي فرغب أن يصحبني إليه حتى أتيناه فرأيناه رجلًا عاقلًا قاعدًا في موضع قذر فسلمنا عليه فرد علينا وسألناه عن قعوده في ذلك الموضع فقال أتذكر الدنيا وسيرتها فزدنا به غبطة ثم استنشدناه في ذلك الغرض من كلامه ففكر ساعة ثم أنشدنا كلامًا قبيحًا تضمن من القبيح ومن الإقذاع والفواحش ما لا يحل سماعه فقمنا نلعنه وخجلت من أبي العبس واعتذرت له‏.‏

ثم اتفق أن اجتمعنا في مجلس الأمير الذي كنت قد قصدته فقال أبو العباس إن أبا علي قد حفظ لبعض الحاضرين شعرًا في الزهد من أعذب الكلام وأحسنه فسألني الأمير وطلب مني إنشاده فخجلت ثم ثاب إلى عقلي فنظمت بيتين فأنشدتهما إياه وهما‏:‏ أشهد ألا إله إلا الله محمد المصطفى رسول الله لا حول للخلق في أمورهم إنما الحول كله لله قال فأعجب الأمير ذلك واستحسنه‏.‏

ومن مقاماته بين يدي الملوك وبعض حاله نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي أبي الحسن بن أبي الحسن قال المروي منسوب إلى قرية بقرب مالقة وهو الذي قال فيه الشيخ أبو الحجاج بن الشيخ رضي الله عنه‏:‏ إذا سمعت من أسرى ومن إلى المسجد أسرى فقل ولا تتوقف أبا علي بن كسرى قال وهو قريب الأستاذ الأديب أبي علي الإستجي ومعلمه وأحد طلبة الأستاذ أبي القاسم السهيلي وممن نبع صغيرًا وارتحل إلى غرناطة ومرسية وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا إسحاق بإشبيلية‏:‏ وكان بالحضرة أبو القاسم السهيلي فقام عند إتمامه القصيدة وقال لمثل هذا أحسيك الحسا وأواصل في تعليمك الإصباح والإمسا وكان يومًا مشهودًا‏.‏

وأنشد الأمير أبا يعقوب حين حلها‏:‏ أمعشر أهل الأرض في الطول والعرض بهذا استنادي في القيامة والعرض لقد قال فيك الله ما أنت أهله فيقضي بحكم الله فيك بلا نقض وإياك يعني ذو الجلال بقوله كذلك مكنا ليوسف في الأرض وذكره ابن الزبير وابن عبد الملك وابن عسكر وغيرهم‏.‏

ومن شعره في معنى الانقطاع والتسليم إلى الله تعالى وهي لزومية ولنختتم بها ختم الله لنا بالحسنى‏:‏ إلهي أنت الله ركني وملجيء وما لي إلى خلق سواك ركون رأيت بني الأيام عقبي سكونهم حراكٌ وفي عقبي الحراك سكون رضي بالذي قدرت تسليم عالمٍ بأن الذي لا بد منه يكون الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي يكنى أبا علي مرسي الأصل سبتي الاستيطان منتمٍ إلى صاحب الثورة على المعتمد‏.‏

حاله كان نسيج وحده وفريد دهره إتقانًا ومعرفة ومشاركة في كثير من الفنون اللسانية والتعالمية متبحرًا في التاريخ ريانًا من الأدب شاعرًا مفلقًا عجيب الإستنباط قادرًا على الإختراع والأوضاع جهم المحيا موحش الشكل يضم برداه طويًا لا كفاء له تحرف بالعدالة وبرز بمدينة سبتة وكتب عن أميرها وجرت بينه وبين الأديب أبي الحكم مالك بن المرحل من الملاحات والمهاترات أشد ما يجري بين متناقضين آلت به إلى الحكاية الشهيرة وذلك أنه نظم قصيدة نصها‏:‏ لكلاب سبتة في النباح مدارك وأشدها دركًا لذلك مالك شيخ تفاني في البطالة عمره وأحال فكيه الكلام الآفك كلبٌ له في كل عرض عضة وبكل محصنةٍ لسانٌ آفك أحلى شمائله السباب المفتري وأعف سيرته الهجاء الماعك وألذ شيء عنده في محفلٍ لمزٌ لأستار المحافل هاتك يغشى مخاطره اللثيم تفكها ويعاف رؤيته الحليم الناسك لو أن شخصًا يستحيل كلامه خرءا للاك الخرء منه لائك فكأنه التمساح يقذف جوفه من فيه ما فيه ولا يتماسك أنفاسه وفساؤه من عنصر وسعاله وضراطه متشارك ما ضرفا من معد الله لو أسلمته نواجذ وضواحك في شعره من جاهلية طبعه أثقال أرضٍ لم ينلها فانك صدر وقافية تعارضتا معًا في بيت عنسٍ أو بعرسٍ فارك قد عم أهل الإرض بلعنه فللأعنية في السماء ملائك ولأعجب العجبين أن كلامه لخلاله مسكٌ يروح ورامك إن سام مكرمة جثا متثاقلا يرغو كما يرغو البعير البارك والدهر باكٍ لانقلاب صروفه ظهرًا لبطن وهو لاه ضاحك واللسن تنصحه بأفصح منطق لو كان ينجو بالنصيحة هالك تب يا ابن تسعين فقد جزت المدا وارتاح للقيا بسنك مالك أو ما ترى من حافديك تشابها ابنٌ بضاجع جده ويناسك هيهات أية عشرة لهجت به هنوات مملوك وطيع مالك يا ابن المرحل لو شهدت مرحلا وقد انحنى بالرحل منه الحارك وطريد لومٍ لا يحل بمعشر إلا أمال قفاه صفعٌ دالك مركوب لهو لجاجة وركاكة وأراك من ذاك اللجاج البارك لرأيت للعين اللئيمة سحة وعلا بصفع عرك أذنك عارك وشغلت عن ذم الأنام بشاغل وثناك خصمٌ من أبيك مماحك قسمًا بمن سمك السماء مكانها ولديه نفس رداء نفسك شائك لأقول للمغرور منك بشيبةٍ بيضاء طي الصحف منها حالك فعليه ثم على الذي يصغي له ويلٌ يعاجله وحتفٌ واشك وأتاه من مثواه آت مجهزٍ لدم الخناجر بالخناجر سافك وهي طويلة تشتمل من التعريض والصريح على كل غريب واتخذ لها كنانة خشبية كأوعية الكتب وكتب عليها‏:‏ رقاص معجل إلى ما ملك بن المرحل‏.‏

وعمد إلى كلب وجعلها في عنقه وأوجعه خبطًا حتى لا يأوي إلى أحد ولا يستقر وطرده بالزقاق متكتما بذلك‏.‏

وذهب الكلب وخلفه من الناس أمة وقرىء مكتوب الكنانة واحتمل إلى أبي الحكم ونزعت من عنق الكلب ودفعت إليه فوقف منها على كل فاقرةٍ كفت من طماحه وغضت عن عنان مجاراته وتحدث بها مدة ولم يغب عنه أنها من حيل ابن رشيق فعوق سهام المراجعة ثم أقصر مكبوحًا وفي أجوبته عن ذلك يقول‏:‏ كلاب المزابل آذينني بأبوالهن على باب داري وقد كنت أوجعها بالعصا ولكن عوت من وراء الجدار واستدعاه بآخرةٍ أمير المغرب السلطان أبو يعقوب فاستكتبه واستكتب أبا الحكم صدقةً فيقال أن جر عليه خجلةً كانت سبب وفاة أبي علي‏.‏

ودخل الأندلس وحط بها بألمرية وقد أصيب بأسر عياله فتوسل إلى واليها من قرابة السلطان الغالب بالله بشعر مدحه فيه من ملقى النوى ملقٍ لبعض نوالكا فاشف المحب ولو بطيف خيالكا ومنها‏:‏ لا تحسبني من فلانٍ أو فلا أنا من رجال الله ثم رجالكا ومنها‏:‏ نصب العدو حبائلا لحبائبي وعلقت في استخلاصها بحبالكا وفي خاتمها‏:‏ وكفاك شر العين عيبٌ واحد لا عيب فيه سوى فلول نصالكا ولحق بغرناطة ومدح السلطان بها ونجحت لديه مشاركة الرئيس بألمرية‏.‏

فجبر الله حاله وخلص أسره‏.‏

ومما جمع فيه بين نثره ونظمه ما كتبه لما كتب إليه الأديب الطبيب صالح بن شريف بهاتين القصيدتين اللتين تنازع فيهما الأقوام واتفقوا على أن يحكم بينهما الأحلام وعبر عن ذلك الأقلام ولينظرهما من تشوق إليهما بغير هذا الموضع‏.‏

تواليفه وأوضاعه غريبة واختراعاته عجيبة تعرفت أنه اخترع في سفرة الشطرنج شكلا مستديرًا‏.‏

وله الكتاب الكبير في التاريخ والتلخيص المسمى بميزان العمل وهو من أظرف الموضوعات وأحسنها شهرة‏.‏

وفاته كان حيا عام أربعة وسبعين وستمائة‏.‏

حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي يكنى أبا مسعود ملك إلبيرة وغرناطة وما والاها‏.‏

حاله وأوليته أما أوليته فقد مر ذلك بما فيه الكفاية عند ذكر بلكين‏.‏

ولما دخل زاوي ابن زيري على الأندلس غب إيقاعه بالمرتضى الذي نصبته الجماعة واستيلائه على محلته بظاهر غرناطة وخاف تمالؤ الأندلس عليه ونظر للعاقبة فأسند الأمر إلى ابن أخيه حبوس بن ماكسن وكان بحصن أشتر فلما ركب البحر من المنكب وودعه به زعيم البلدة وكبير فقهائها أبو عبد الله بن أبي زمنين ذهب إلى ابن أخيه المذكور واستقدمه وجرت بينه وبين ابن عمه المتخلف على غرناطة من قبل والده محاورة أنجلت عن رحيلة تبعًا لأبيه وانفرد حبوس فاستبد بالملك ورأب الصدع سنة أحد عشر وأربعمائة قال ابن عذارى في تاريخه‏:‏ فانحازت صنهاجة مع شيخهم ورئيسهم حبوس بن ماكسن وقد كان أخوه حباسة هلك في الفتنة وبقي منهم معه بعد انصراف زاوي إلى إفريقية جماعة عظيمة فانحازوا إلى مدينة غرناطة وأقام حبوس بها ملكًا عظيمًا وحامي رعيته ممن جاوره من سائر البرابرة المنتشرين حوله فدامت رياسته‏.‏

وفاته توفي بغرناطة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة‏.‏

الحكم بن عبد الرحمن بن معاوية الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية صفته وحاله كان أصهب العين أسمر أقنى معسل اللحية جهير الصوت طويل الصلب قصير الساقين عظيم الساعد أفصم وكان ملكًا جليلًا عظيم الصيت رفيع القدر عالي الهمة فقيهًا بالمذهب عالمًا بالأنساب حافظًا للتاريخ جماعًا للكتب محبًا في العلم والعلماء مشيرًا للرجال من كل بلد جمع العلماء من كل قطر ولم يكن في بني أمية أعظم همة ولا أجل رتبة في العلم وغوامض الفنون منه‏.‏

واشتهر بهمته بالجهاد وتحدث بصدقاته في المحلول وأملته الجبابرة والملوك‏.‏

دخوله إلبيرة قال ابن الفياض كتب إليه من الثغر الجنوبي أن عظيم الفرنجة من النصارى حشدوا إليه وسألوه الممرة بطول المحاصرة فاحتسب شخوصه بنفسه إلى ألمرية في رجب سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة في جحفل لجبٍ من نجدة الأولياء وأهل المراتب‏.‏

ولما أحل إلبيرة ورد عليه كتاب أحمد بن يعلي من طرطوشة بنصر الله العزيز وصنعه الكريم على الروم ووافي ألمرية وأشرف على أمورها ونظر إلى أسطولها وجدده وعدته يومئذ ثلاثمائة قطعة وانصرف إلى قرطبة‏.‏

مولده لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثمائة‏.‏

وفاته لأربع خلون من صفر سنة ست وستين وثلاثمائة وعمره نحوٌ من ثلاث وستين سنة وهو خاتمة العظماء من بني أمية‏.‏

الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن أمية كنيته أبو العاصي‏.‏

صفته آدم شديد الأدمة طويل أشم نحيف لم يخضب‏.‏

بنوه تسعة عشر من الذكور منهم عبد الرحمن ولي عهده‏.‏

بناته إحدى وعشرون أمه أم ولد اسمها زخرف‏.‏

وزراؤه وقواده خمسة منهم إسحاق بن المنذر والعباس بن عبد الله وعبد الكريم بن عبد الواحد وفطيس بن سليمان وسعيد بن حسان‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:54 AM



قضاته مصعب بن عمران وعمر بن بشر والفرج بن كنانة وبشر ابن قطن وعبد الله بن موسى كتابه فطيس بن سليمان‏.‏

وعطاف بن زيد وحجاج بن العقيلي‏.‏

حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث‏.‏

حاله كان الحكم شديد الحزم ماضي العزم ذا صولة تتقى وكان حسن التدبير في سلطانه وتولية أهل الفضل والعدل في رعيته مبسوط اليد بالعطاء الكثير وكان فصيحًا بليغًا شاعرًا مجيدًا أديبًا نحويًا‏.‏

قال ابن عذارى كانت فيه بطالة إلا أنه كان شجاعًا مبسوط اليد عظيم العفو وكان يسلط قضاته وحكامه على نفسه فضلا عن ولده وخاصته وهو الذي جرت على يده الفتكة العظيمة بأهل ربض قرطبة الذين هاجوا به وهتفوا بخلعانه فأظهره الله عليهم في خبر شهير وهو الذي أوقع بأهل طليطلة أيضًا فأبادهم بحيلة الدعاء إلى الطعام بما هو معلوم‏.‏

دخوله غرناطة ‏:‏ قالوا وبإلبيرة وأحوازها تلاقي مع عمه أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن فهزمه وقتله شعره قالوا وكان له خمس جوارٍ قد استخلصهن لنفسه وملكهن أمره فذهب يومًا إلى الدخول عليهن فتابين عليه وأعرضن عنه وكان لا يصبر عنهن فقال‏:‏ قضبٌ من البان ماست فوق كثبان ولين عني وقد أزمعن هجراني ناشدتهن بحقي فاعتزمن على ال عصيان حتى خلا منهن همياني ملكنني ملك من ذلت عزيمته للحب ذل أسير موثقٍ عاني من لي بمغتصبات الروح من بدني يغصبنني في الهوى عزي وسلطاني ثم عطفن عليه بالوصال فقال‏:‏ نلت الوصال بعد البعاد فكأني ملكت كل العباد وتناهى السرور إذ نلت ما لم يغن عنه تكاثف الأجناد مناقبه أنهى إليه عباس بن ناصح وقد عاد من الثغر أن امرأة من ناحية وادي الحجارة سمعها تقول‏:‏ واغوثاه يا حكم ضيعتنا وأسلمتنا واشتغلت عنا حتى استأسد العدو علينا ورفع إليه شعر في هذا المعنى والغرض فخرج من قرطبة كاتمًا وجهته وأوغل في بلاد الشرك ففتح الحصون وهدم المنازل وقتل وسبى وقفل بالغنائم على الناحية التي فيها تلك المرأة فأمر لأهل تلك الناحية بمال من الغنائم يفدون به أسراهم ويصلحون به أحوالهم وخص المرأة وآثرها وأعطاها عددًا من الأسرى وقال لها هل أغاثك الحكم قالت أي والله أغاثنا وما غفل عنا أعانه الله وأعز نصره‏.‏

وفاته توفي لأربع بقين لذي الحجة سنة ست ومائتين وكان عمره اثنين وخمسين سنة‏.‏

وجرى ذكره في الرجز من نظمي في تاريخ دول الإسلام بما نصه‏:‏ حتى إذا الدهر عليه احتكما قام بها ابنه المسمى حكما واستشعر الثورة فيها وانقبض مستوحشًا كالليث أقعى وربض حتى إذا فرصته لاحت تفض فأفحش الوقعة في أهل الربض وكان جبارًا بعيد الهمة لم يرع من آلٍ بها أو ذمة حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري من أهل غرناطة يكنى أبا العاصي‏.‏

حاله ‏:‏ كان من قرائها ونبهائها وكان من أهل الفضل والطلب وإليه ينسب مسجد أبي العاصي وحمام أبي العاصي ودربه بغرناطة‏.‏

وكفى بذلك دليلا على الأصالة والتأثل ذكره أبو القاسم ولم يذكر من أمره مزيدًا على ذلك‏.‏

حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن سعيد بن الحسن بن عثمان بن سعيد بن عبد الملك بن سعيد بن عمار بن ياسر أوليته ‏:‏ قد مر بعض ذلك وسيأتي بحول الله‏.‏

حاله قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه الموضوع في مآثر القلعة‏:‏ كان صاحب سيف وقلم وعلم ودخل في الفتنة المردنيشيه حسبما مر ذلك عند ذكر أخيه أبي حعفر فصار من جلساء الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش بمرسية وأرباب آرائه وذوي الخاصة من وزرائه وكان مشهورًا بالفروسية والشجاعة والرأي‏.‏

حكاياته ونوادره‏:‏ قال كانت التندير والهزل قد غلبا عليه‏.‏

وعرف بذلك فصار يحمل منه ما لا يحمل من غيره قالوا فحضر يومًا مع الأمير محمد بن سعد‏.‏

يوم الجلاب من حروبه وقد صبر الأمير صبرًا جميلًا ووالي الكر المرة بعد المرة‏.‏

وذلك بمرأى من حاتم فرد رأسه إليه وقال يا قائدًا أبا الكرم كيف رأيت فقال له حاتم لو رآك السلطان اليوم لزاد في مرتبك فضحك ابن مردنيش وعلم أنه أراد بذلك‏:‏ لا تليق به المخاطرة وإنما هو للثبات والتدبير‏.‏

وقال له يومًا وقد جرى ذلك الجنات جن اليوم يا أبا الكرم على بستانك بالزنقات وأردت أن أكون من ضيافتك فقال عبد الرحمن بن عبد الملك وهو إذ ذاك وزير الأمير وبيده المجابي والأعمال لعل الأمير اغتر بسماع اسمه حاتم ما فيه من الكرم إلا الاسم فقال الحاتم ولعل الأمير اغتر بسماع أمانة عبد الرحمن فقدمة على وزرائه وما عنده من الأمانة إلا الاسم فقال ابن مردنيش وقد ضحك الأولى فهمت ولم أفهم الثانية فقال له كاتبه أبو محمد السلمى إنما أشار إلى قول رسول الله صلى الله عليه في عبد الرحمن بن عوف رضي الله‏:‏ أمير هذه الأمة وأمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض فطرب ابن مردنيش وجعل يقول‏:‏ أحسنتما‏.‏

شعره ‏:‏ قال أبو الحسن ولم أحفظ من شعر حاتم ما أورده في هذا المكان إلا قوله يخاطب حفصة الركونية الشاعرة التي يأتي ذكرها حين فر إلى مرسية وتركها بغرناطة‏:‏ أحن إلى ديارك يا حياتي وأبصر ذو وهد سيل الظبات وأهوى أن أعود إليك لكن خفوق البند عاق عن القنات وكيف إلى جنابك من سبيل وليس يحله إلا عداتي مولده في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة‏.‏

وقال أبو القاسم الغافقي فيه عند ذكره‏:‏ كان طالبًا نبيهًا جميلًا سرياص تام المروءة جميل العشرة‏.‏

وفاته قال مات بغرناطة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة‏.‏

بن زيري بن مناد الصنهاجي كان شهمًا هيبًا بهمةً من البهم كريمًا في قومه أبيًا في نفسه صدرًا من صدور صنهاجة وكان أشجع من أخيه حبوس‏.‏

وفاته قال أبو مروان عند ذكر وقعة رمداي بطرف قرطبة في حروب البرابرة لأهلها في شوال عام اثنين وأربعمائة قال‏:‏ واستلحم حباسة بن ماكسن الصنهاجي ابن أخي زاوي بن زيري وهو فارس صنهاجة طرًا وفتاها وكان قد تقدم إلى هذه الناحية‏.‏

زعموا لما بلغه اشتداد الأمر فيها فرمى بنفسه على طلابها واتفق أن ركب بسرج طري العمل متفتح اللبد وخانه مقعده عند المجاولة لتقلبه على الصهوة وقيل إنه كان منتبذًا على ذلك‏.‏

فتطارح على من بإزائه ومضى قدمًا بسكرى شجاعته ونشوته يصافح البيوت بصفحته ويستقبل القنا بلباته لا يعرض له شيء إلا حطه إلى أن مال به سرجه فأتيح حمامه لاشتغاله بذلك بطعنة من يد المسمى النبيه النصراني‏.‏

أحد فرسان الموالي العامريين فسقط لفيه وانتظمته رماح الموالي فأبادته وحامي أخوه حبوس وبنو عمه وغيرهم من أنجاد البرابرة على جئته فلم يقدروا على استنقاذها‏.‏

بعد جلاد طويل وغلب عليه الموالي فاحتزوا رأسه وعجلوا به إلى قصر السلطان وأسلموا جسده للعامة فركبوه بكل عظيمة واجتمعوا إليه اجتماع البغاث على كبير الصقورة فجروه في الطريق وطافوا به الأسواق وقطعوا بعض أعضائه وأبدوا شواره وكبده بكل مكروه من أنواع الأذى بأعظم ما ركب ميت فلما سئموا تجراره وأوقدوا له نارًا فخرقوه بها جريًا على ذميم عادتهم في قبح المثلة‏.‏

ولؤم القدرة وانجلت الحروب في هذا اليوم لمصابه عن أمر عظيم وبلغ من جميع البرابرة الحزن عليه مناله ورأت أن دماء أهل قرطبة جميعًا لا تعدله‏.‏

من الكتاب المتين‏.‏

حبيب بن محمد بن حبيب من أهل النجش من وادي المنصورة أخوه مالك النجشي دباب الحلقات ومراد أذناب المقربين‏.‏

حاله كان على سجية غريبة من الإنقباض المشوب بالاسترسال والأمانة مع الحاجة بادي الزي واللسان يحفظ الغريب من اللغة ويحرك شعرًا لا غاية وراءه في الركاكة‏.‏

وله قيامٌ على الفقه وحفظ القرآن ونغمةٌ حسنة عند التلاوة‏.‏

قدم الحضرة غير ما مرة وكان الأستاذ إمام الجماعة وسيبويه الصناعة أبو عبد الله ابن الفخار المعروف بالبيري أبا مثواه ومحط طيته يطلب منه مشاركته بباب السلطان في جراية يرغب في تسميتها وحال يروم إصلاحها فقصدني مصحبًا منه رقعة تتضمن الشفاعة وعرض على قصيدة من شعره يروم إيصالها إلى السلطان فراجعت الأستاذ برقعة أثبتها على جهة الإحماض وهي‏:‏ يا سيدي الذي أتشرف وبالانتماء إلى معارفه أتميز وصل إلى عميد حصن النجش وناهض أفراخ ذلك العش تلوح عليه مخائل أخيه المسمى بمالك ويترجج به الحكم في الغاية في أمثال تلك المسالك أشبه من الغراب بالغراب وإنها لمن عجائب الماء والتراب فألقى من ثنائكم الذي أوجبته السيادة والأبوة ما يقصر عن طيب الألوة وتخجل عند مشاهدته الغرر المجلوة وليست بأولى بر أسديتم ومكرمة أعدتم وأبديتم والحسنات وإن كانت فهي إليكم منسوبة وفي أياديكم محسوبة وبلوت من الرجل طلعة نتفة لم يغادر من صفات النبل صفة حاضر بمسائل من الغريب وقعد مقعد الذكي الأريب وعرض على حاجته وغرضه وطلب مني المشاركة وهي مني لأمثالة مفترضة ووعدني بإيقافي على قصيدة حبرها وأنسى بالخبر خبرها وباكرني بها اليوم مباكرة الساقي بدهاقة وعرضها على عرض التاجر نفائس أعلاقه وطلب مني أن أهذب له ما أمكن من معانيها وألفاظها وأجلو القذى عن ألحاظها فنظرت منها إلى روضٍ كثرت أثغابه وجيشٍ من الكلام زاحم خواصه أو شابه ورمت الإصلاح ما استطعت فعجزت عن ذلك وانقطعت ورأيت لا جدوى إلى ذلك الغرض ما لم تبدل الأرض غير الأرض‏.‏

وهذا الفن أبقى الله سيدي ما لم يمت إلى الإجادة بسبب وثيق وينتمي في الإحسان إلى مجد عريق كان رفضه أحسن وأحمد واطراحه بالفائدة أعود وإذا اعتبره من عدل وقسط وجده طريقين لا يقبل الوسط فمنهما مال يقتنى ويدخر وسافلٌ يهزء به ويسخر والوسط ثقيل لا يتلبس به نبيل‏.‏

قيل لبعضهم ألا تقول الشعر فقال أريد منه ما لا يتأتى لي ويتأتى لي منه ما لا أريده‏.‏

وقال بعضهم فلان كمغن وسط لا يجيد فيطرب ولا يسيء فيسلي‏.‏

فاقتضى نظركم الذي لا يفارق السداد والتوفيق وإرشادكم الذي رافقة الهدى ونعم الرفيق أن يشير عليه بالاستغناء عن رفعها والامتساك عن دفعها فهو أقوى لأمته وأبقى على سكنته وسمته وأستر لما لديه قبل أن يمد أبو حنيفة رجليه وإن أصمت عن هذا العذل مسامعه وهفت به إلى النجاح مطامعه فليعمد على الاختصار فذو الإكنار جم العثار وليعدل إلى الجادة عن ثنيات الطرق ويجتزىء عن القلادة بما أحاط بالعنق فإذا رتبها وهذبها وأوردها من موارد العبارة أعذبها توليت زفافها وإهداءها وأمطت بين يدي الكفوء الكريم رداءها والسلام‏.‏

حمدة بنت زياد المكتب من ساكني وادي الحمة بقرية بادي من وادي آش‏.‏

حالها قال أبو القاسم نبيلةً شاعرةٌ كاتبة ومن شعرها وهو مشهور‏:‏ أباح الدمع أسراري برادي له في الحسن آثارٌ بوادي فمن نهر يطوف بكل روض ومن روض يطرف بكل وادي ومن بين الظبا مهات إنس سبت لبي وقد سلبت فؤادي لها لحظٌ ترقده لأمرٍ وذاك الأمر يمنعني رقادي إذا سدلت ذوائبها عليها رأيت البدر في جنح السوادي كأن الصبح مات له شقيق فمن حزن تسربل في الحدادي ومن غرائبها‏:‏ ولما أبى الواشون إلا قتالنا وما لهم عندي وعندك من ثار وشنوا على آذاننا كل غارة وقلت حماتي عند ذاك وأنصاري وقال أبو الحسن بن سعيد في حمدة وأختها زينب‏:‏ شاعرتان أديبتان من أهل الجمال والمال والمعارف والصون إلا أن حب الأدب كان يحملها على مخالطة أهله مع صيانة مشهورة ونزاهةٍ موثق بها‏.‏

حفصة بنت الحاج الركوني من أهل غرناطة فريدة الزمان في الحسن والظرف والأدب واللوذعية قال أبوالقاسم كانت أديبة نبيلة جيدة البديهة سريعة الشعر‏.‏

بعض أخبارها قال الوزير أبو بكر بن يحيى بن محمد بن عمر الهمداني رغبت أختي إلى حفصة أن تكتب شيئًا بخطها فكتبت‏.‏

يا ربة الحسن بل يا ربة الكرم غضى جفونك عما خطه القلم تصفحيه بلحظ الود منعمة لا تحفلي بقبيح الخط والكلم قال أبوالحسن بن سعيد وقد ذكر أنهما باتا بحوز مؤمل في جنة له هنالك على ما يبيت عليه أهل الظرف والأدب قال‏:‏ وقد نفحت من نحو نجد أريجه إذا نفحت هبت بريح القرنفل وغرد قمريٌ على الدوح وانثنى قضيبٌ من ريحان من فوق جدول يرى الروض مسرورًا بما قد بدا له عناق وضم وارتشاف مقبل فقالت‏:‏ يرى الروض مسرورًا بما قد بدا له عناق وضم وارتشاف مقبل فقالت‏:‏ لعمرك ما سر الرياض وصالنا ولكنه أبدى لنا الغل والحسد ولا صفق النهر ارتياحًا لقربنا ولا مدح القمري الأ لما وجد فلا تحسبن الظن الذي أنت أهله فما هو في كل المواطن بالرشد فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه لأمرٍ سوى كي ما يكون لنا رصد قال أبوالحسن بن سعيد وبالله ما أبدع ما كتبت به إليه وقد بلغها أنه علق بجارية سوداء أسعت له من بعض القصور فاعتكف معها أيامًا وليالي بظاهر غرناطة في ظل ممدود وطيب هوى مقصور وممدود‏:‏ يا أظرف الناس قبل حالٍ أوقعه نحوه القدر عشقت سوداء مثل ليل بدائع الحسن قد ستر لا يظهر البشر في دجاها كلا ولا يبصر الخفر من الذي هام في جنان لا نوار فيه ولا زهر من الذي هام في جنان لا نوار فيه ولا زهر فكتب إليها بأظرف اعتذار وألطف أنوار‏:‏ لا حكم إلا لآمر ناهٍ له من ذنبه معتذر له محيا به حياتي أعيذ مداه بالسور كصحبة العيد في ابتهاج وطلعةٍ الشمس والقمر سعده لم أمل إليه إلا اطرافًا له خبر عدمت صبحي فاسود عش قي وانعكس الفكر والنظر إن لم تلح يا نعيم رو حي فكيف لا تفسد الفكر قال وبلغنا أنه خلا مع حاتم وغيره من أقاربهم لهم طربٌ ولهو فمرت على الباب مستترة‏.‏

وأعطت البواب بطاقةً فيها مكتوب‏:‏ زائر قد أتى بجيد غزال طامع من محبه بالوصال أتراكم بإذنكم مسعفيه أم لكم شاغلٌ من الأشغال فلما وصلت الرقعة إليه قال ورب الكعبة ما صاحب هذه الرقعة إلا الرقيعة حفصة ثم صل وواصل فأنت أشهى إلينا من جميع المنى فكم ذا تشوق بحياة الرضى يطيب صبوحٌ عرفًا إن جفوتنا أو غبوق لا وذل الهوى وعز التلاقي واجتماع إليه عز الطريق وذكرها الأستاذ في صلته فقال‏:‏ وكانت أستاذة وقتها‏.‏

وانتهت إلى أن علمت النساء في دار المنصور وسألها يومًا أن تنشده ارتجالا فقالت‏:‏ أمنن على بصك يكون للدهر عدة تخط يمناك فيه الحمد لله وحده قال‏:‏ فمن عليها وحرز لها ما كان لها من ملك‏.‏

وفاتها‏:‏ قالوا‏:‏ توفيت بحضرة مراكش في آخر ثمانين أو إحدى وثمانين وخمسمائة‏.‏

الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية من أهل غرناطة يكنى أبا القاسم‏.‏

من كتاب عائد الصلة كان رحمه الله صدرًا من صدور القضاة من أهل النظر والتقييد والعكوف على الطلب مضطلعًا بالمسائل مسائل الأحكام مهتديًا لمظنات النصوص نسخ بيده الكثير وقيد على الكثير من المسائل حتى عرف فضله واستشاره الناس في المشكلات‏.‏

وكان بصيرًا بعقد الشروط ظريف الخطاب بارع الأدب شاعرًا مكثرًا مصيبًا غرض الإجادة‏.‏

وتصرف في الكتابة السلطانية ثم في القضاء وانتقل في الولايات الرفيعة النبيهة‏.‏

وجرى ذكره في التاج المحلي بما نصه‏:‏ فارس في ميدان البيان‏.‏

وليس الخبر كالعيان وحامل لواء الإحسان لأهل هذا الشان رفل في حلل البدائع فسحب أذيالها وشعشع أكواس العجائب فأدار جريًا لها واقتحم على الفحول أغيالها وطمح إلى الغاية البعيدة فنالها وتذوكرت المعصلات فقال أنا لها‏.‏

عكف واجتهد وبرز إلى مقارعة المشكلات ونهد فعلم وحصل وبلغ الغاية وتوصل وتولى القضاء فاضطلع بأحكام الشرع‏.‏

وبرع في معرفة الأصل والفرع وتميز في المسائل بطول الباع وسعة الذراع فأصبح صدرًا في مصره وغرة في صفحة عصره وسيمر من بديع كلامه وهثات أقلامه وغرر إبداعه ودرر اختراعه ما يستنير لعلم الحليم وتلقى له البلغاء يد التسليم‏.‏

قال في غرض الحكمة والأمثال‏:‏ عز الهوى نقصان والرأي الذي ينجيك منه إذا ارتأيت مروما فإذا رأيت الرأي يتبع الهوى خالف وفاقهما تعد حكيما وكيف تخاف من الحليم مراجيًا خف من نصيحك ذي السفاهة شوما واحذر معادات الرجال توقيًا منهم ظلومًا كنت أو مظلوما فالناس إما جاهلٌ لا يتقى عارًا ولا يخشى العقوبة لؤما أو عاقلٌ يرمي بسهم مكيدةٍ كالقوس ترسل سهمها مسموما فاحلم عن القسمين تسلم منهما وتسد فتدعي سيدًا وحليما ودع المعادات التي من شأنها أن لا تديم على الصفاء قديما أبت المغالبة الوداد فلا تكن ممن يغالب ما حييت نديما وإذا منيت بقربه فاخفض له جناح الذل واخضع ظاعنًا ومقيما إن الغريب لكالقضيب محاير إن لم يمل للريح عاد رميما وارع الكفاف ولا تجاوز حده ما بعده يجنى عليك هموما وابسط يديك متى غنيت ولا تكن فيما يكون به المديح ذميما وعف الورود إذا تزاحم موردٌ واحسب ورود الماء منه حميما وعف الورود إذا تزاحم موردٌ واحسب ورود الماء منه حميما واصحب كريم الأصل ذا فضلٍ فمن يصحب لئيم الأصل عد لئيما فالفضل من لبس الكرام فمن عرا عنه فليس لما يقول كريما إن المقارن بالمقارن يقتدي مثلٌ جرى جرى الرياح قديما وجماع كل الخير في التقوى فلا تعدم حلي التقوى تعد عديما وقال يصف الشيب من قصيدة وهي طويلة أولها‏:‏ لاح الصباح صباح شيب المفرق فاحمد سراك نجوت مما تتقى هي شيبة الإسلام فاقدر قدرها قد أعتقتك وحق قدر المعتق خطت بفودك أبيضًا في أسودٍ بالعكس من معهود خطٍ مهرق كالبرق راع بسيفه طرف الدجا فأعار دهمته شتات الأبلق كالفجر يرسل في الدجنة خيطه ويجر ثوب ضيائه بالمشرق كالماء يستره بقعر طحلب فتراه بين خلاله كالزئبق كتبسم الزنجي إلا أنه يبكي العيون بدمعه المترقرق وكذا البياض قذى العيون ولا ترى للعين أبكي من بياض المفرق ما للغواني وهو لون خدودها يجزعن من لألائه المتألق وأخلته لمع السيوف ومن يشم لمع السيوف على المفارق يفرق هو ليس ذاك ولا الذي أنكرته فكن خائفًا ما خفن منه واتق داءٌ يعز على الطبيب دواؤه ويضيع خسرا فيه مال المنفق لكنه والحق أصدق مقولٍ شين المسيء الفعل زين المتقى ومن مقطوعاته قوله‏:‏ أقلى فما الفقر بالمرء عارٌ ولا دار من يألف الهون دارا وما يكسب العز إلا الغنى غنى النفس فاتخذه شعارا وما اجتمع الشمل في غيره فيحسن إلا وساء انتشارا فدهر غيرك لا تنظرن فيألم قلبك منه انكسارا والمال عزٌ وعيشٌ والفقر ذلٌ وحين والناس أعضاء جسم فمنهم أستٌ وعين هذي مقالة حق ما في الذي قلت مين وقال أيضًا‏:‏ إن أراك الزمان وجهًا عبوسًا فتلقاه من بعد ذاك طلقا لا يهمنك حاله إن في طر فة عينٍ ترتاح فيه وتشقى أي عز رأيت أو أي ذل لذوي الحالتين في الدهر يبقى سل نجوم الدجى إذا ما استنارت ما الذي في وقت الظهيرة تلقى وتفكر وقل بغير ارتيابٍ كل شيء يفنى وربك يبقى وقال أيضًا‏:‏ لو أن أيام الشباب تعود لي عود النضارة للقضيب المورق ما إن بكيت على شبابٍ قد ذوى وبقيت منتظرًا لآخر مونق وقال في القلم‏:‏ وقال في التشبيه‏:‏ كأنما السوسن الغض الذي افتتح ت منه كمائمه المبيضة اللون بنان كف فتاةٍ قط ما خضبت تلقى بها من يراها خيفة العين وقال يعرض بقوم من بني أرقم‏:‏ إذا ما نزلت بوادي الآشى فقل رب من لدغه سلم وكيف السلامة في موطنٍ به عصبةٌ من بني أرقم وقال موريًا بالفقه‏.‏

وهو بديع‏:‏ لي دينٌ على الليالي قديمٌ ثابت الرسم منذ خمسين حجة أقاعدًا بالحكم عليها أم لها في تقادم الدهر حجة ونختم مقطوعاته بقوله‏:‏ نجوت بفضل الله مما أخافه ولم لا وخير العالمين شفيع وما ضعت في الدنيا بغير شفاعة فكيف إذا كان الشفيع أضيع وقال أيضًا‏:‏ عليك بتقوى الله فيما ترومه من الأمر تخلص بالمرام وبالأجر فمن أم غير الله أشرك عاجلا وفارقه إيمانه وهو لا يدر وفاته‏:‏ توفي قاضيًا ببرجة وسيق إلى غرناطة فدفن بباب إلبيرة عصر يوم الأربعاء آخر يوم من ربيع عام خمسة وأربعين وسبعمائة‏.‏

خالد بن أبي خالد البلوي خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي من أهل قنتورية من حصون وادي المنصورة‏.‏

حاله هذا الرجل من أهل الفضل والسذاجة كثير التواضع منحط في ذمة التخلق نابه الهيئة حسن الأخلاق جميل العشرة محبٌ في الأدب قضى ببلده وبغيره وحج وقيد رحلته في سفر وصف فيه البلاد ومن لقي بفصول جلب أكثرها من كلام العماد الأصبهاني وصفوان وغيرهما من ملح‏.‏

وقفل إلى الأندلس وارتسم في تونس في الكتابة عن أميرها زمانًا يسيرًا وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية‏.‏

وجرى ذكره في الرحلة التي صدرت عني في صحبة الركاب السلطاني عند تفقد البلاد حتى إذا الفجر تبلج‏.‏

والصبح من باب المشرق تولج عدنا وتوفيق الله قائدٌ وكنفنا من عنايته صلةٌ وعائدٌ تتلقى ركابنا الأفواج وتحيينا الهضاب والفجاج إلى قنتورية فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال قريبة البكر من الآصال كان المبيت بإزاء قلعتها السامية الارتفاع الشهيرة الامتناع وقد برز أهلها في العديد والعدة والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدة صفوفًا بتلك البقعة خيلًا ورجلا كشطرنج الرقعة لم يتخلف ولدٌ عن والدٍ وركب قاضيها ابن أبي خالد وقد شهرته النزعة الحجازية وقد لبس من الحجازي وأرخى من البياض طيلسانا وتشبه بالمشارقة شكلًا ولسانا وصبغ لحيته بالحناء والكتم ولاث عمامته واختتم والبداوة تسمه على الخرطوم وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم فداعبته مداعبة الأديب للأديب والأريب للأريب وخيرته بين خصلتين وقلت نظمت مقطوعتين إحداهما مدحٌ والأخرى قدحٌ فإن همت ديمتك وكرمت شيمتك فللذين أحسنوا الحسنى‏.‏

وإلا فالمثل الأدنى‏.‏

فقال‏:‏ انشدني لأرى على أي أمري أتيت وأفرق بين ما جنيتني وما جنيت فقلت‏:‏ قالوا وقد عظمت مبرة خالد قاري الضيوف بطارفٍ وبتالد ماذا تممت به فجئت بحجة قطعت بكل مجادل ومجالد أن يفترق نسبٌ يؤلف بيننا أدبٌ أقمناه مقام الوالد وأما الثانية فيكفي من البرق شعاعه وحسبك من شر سماعه‏.‏

ويسير التنبيه كافٍ للنبيه فقال لست إلى قراي بذي حجة وإذا عزمت فأصالحك على دجاجة فقلت ضريبةٌ غريبةٌ ومؤنةٌ قريبةٌ عجل ولا تؤجل وإن انصرم أمد النهر فأسجل فلم يكن إلا كلا ولا وأعوانه من القلعة تنحدر والبشر منهم بقدومها يبتدر يزفونها كالعروس فوق الرؤوس فمن قائل يقول أمها يمانية وآخر يقول أخوها الخصي الموجه إلى الحضرة العلية وأدنوا مرابطها من المضرب بعد صلاة المغرب وألحقوا في السؤال وتشططوا في طلب النوال فقلت يا بني اللكيعة جئتم ببازي بماذا كنت أجازي فانصرفوا وما كادوا يفعلون وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون حتى إذا سلت لذبحها المدى وبلغت من طول أعمارها المدى قلت يا قوم ظفرتم بقرة العين وابشروا باقتراب اللقاء فقد ذبحت لكم غراب البين‏.‏
ولقد بلغني أنه لهذا العهد بعد أن طال المدى يتظلم من ذلك وينطوي من أجله على الوجدة فكتبت إليه‏:‏ وصل الله عزة الفقيه النبيه العديم النظير والتشبيه وارث العدالة عن عمه وابن أبيه في عزة تظلله وولاية تتوج جاهه وتكاله‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:56 AM

داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر ابن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي يكنى أبا سليمان‏.‏

أوليته قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير من بيت علم وعفاف أصله من أندة حصن بشرقي الأندلس وانتقل أبو سليمان هذا مع أخيه أبي محمد إلى حيث يذكر بعد‏.‏

حاله قال ابن عبد الملك كان حافظًا للقراءة عارفًا بإقراء القرآن بها أتقن ذلك عن أبيه ثم أخيه كبيره أبي محمد محدثاُ متسع الرواية شديد العناية بها كثير السماع مكثرًا عدلًا ضابطًا لما ينقله عارفًا بطرق الحديث أطال الرحلة في بلاد الأندلس شرقها وغربها طالبا للعلم بها ورحل إلى سبتة وغيرها من بلاد الأندلس العدوية وعني بلقاء الشيوخ كبارًا وصغارًا والأخذ منهم أتم عناية وحصل له بذلك ما لم يحصل لغيره وكان فهيمًا بصيرًا بعقد الشروط حاذقًا في استخراج نكتها تلبس بكتبها زمانًا طويلًا بمسجد الوحيد من مالقة وكان محبًا في العلم وأهله حريصًا على إفادته أياهم صبورًا على سماع الحديث حسن الخلق طيب النفس متواضعًا ورعًا منقبضًا لين الجانب مخفوض الجناح حسن الهدى نزيه النفس كثير الحياء رقيق القلب تعدد الثناء عليه من الجلة‏.‏

قال ابن الزبير كان من أهل العدالة والفضل وحسن الخلق وطيب النفس والتواضع وكثرة الحياء‏.‏

وقال ابن عبد المجيد كان ممن فضله الله بحسن الخلق والحياء على كثير من العلماء‏.‏

وقال أبو عبد الله بن سلمة مثل ذلك‏.‏

وقال ابن‏.‏

‏.‏

‏.‏

بمثله‏.‏

مشيخته قال الأستاذ أقرأ بمرسيه وأخذ بها وبقرطبه ومالقة وإشبيلية وغرناطة وسبتة وغيرها من بلاد الأندلس‏.‏

وغرب العدوه واعتناؤه يعينه وأخاه بباب الرواة والأخذ عن الشيوخ حتى اجتمع لهما ما لم يجتمع لأحد من أهل عصرهما فمن ذلك أبوهما أبو داود وأبو الحسن صالح بن يحيى بن صالح الأنصاري وأبوالقاسم بن حسن وأبوعبد الله بن حميد وأبو زيد السهيلي وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عراق الغافقي وأبوالعباس يحيى بن عبد الرحمن المجريطي وعن ابن بشكوال وأخذ عن أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبي محمد ابن عبد الله وأبي عبد الله بن الفخار الحافظ وأبي العباس بن مضاء وأبي محمد ابن بونة وأبي محمد بن عبد الصمد بن يعيش الغساني وأبي بكر بن أبي حمزة وأبي جعفر بن حكم الزاهد وأبي خالد بن يزيد بن رفاعة وأبي محمد عبد المنعم ابن الفرس وأبي الحسن بن كوثر وأبي عبد الله بن عروس وأبي بكر بن أبي زمنين وأبي محمد بن جمهور وأبي بكر بن النيار وأبي الحسن بن محمد بن عبد العزيز الغافقي الشقوري وأبي القاسم الحوفي القاضي وأبي بكر بن بيبش بن محمد ابن بيبش العبدري وأبي الوليد بن جابر بن هشام الحضرمي وأبي بكر ابن مالك الشريشي وأبي عبد اليسر الجزيري وأبي بكر بن عبد الله السكسكي وأبي الحجاج ابن الشيخ الفهري وغيرهم ممن يطول ذكرهم‏.‏

قضاؤه وسيرته فيه قال ابن الربيع لازمت ابني حوط الله فكان أبو محمد يفوق أخاه والناس في العلم وكان أبو سليمان يفوق أخاه والناس في الحلم‏.‏

واستقضى بسبتة والمرية والجزيرة الخضراء وقام قاضيًا بها مدة ثم نقل منها إلى قضاء بلنسية آخر ثمان وستمائة ثم صرف بأبي القاسم بن نوح وقدم على القضاء بمالقة في حدود إحدى عشر وستمائة فشكرت أحواله كلها وعرف في قضائه بالنزاهة‏.‏

قال أبو عبد الله بن سلمة كان إذا حضر خصوم ظهر منه من التواضع ووطأة الأكناف وتبيين المراشد والصبر على المداراة والملاطفة وتحبيب الحق وتكريه الباطل ما يعجز عنه ولقد حضرته وقد أوجبت الأحكام عنده الحدود على رجل فهاله الأمر وذرفت عيناه وأخذ يعتب عليه ويؤنبه على أن ساق نفسه إلى هذا وأمر بإخراجه ليحد بشهود في موضع آخر لرقة نفسه وشدة إشفاقه واستمرت ولايته بمالقة إلى أن توفي‏.‏

مولده ببلدة أندة سنة ستين وخمسمائة وفاته قال أبو عبد الرحمن بن غالب توفي إثر صلاة الصبح من يوم السبت سادس ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وستمائة ودفن إثر صلاة العصر يوم وفاته بسفح جبل فارة في الروضة المدفون بها أخوه أبو محمد فأتبعه الناس ثناءً جميلا ذكر واختلفوا في جنازته وخرج إليها النساء والصبيان داعين متبكين‏.‏

الحاجب المعظم حسنة الدولة النصرية وفخر مواليها‏.‏

أوليته رومي الأصل‏.‏

أخبرني أنه من أهل القلصادة وأن انتسابه يتجاذبه القشتالية من طرف العمومة والبرجلونية من طرف الخؤولة وكلاهما نبيه في قومه‏.‏

وأن أباه ألجأه الخوف بدم ارتكبه في محل أصالته من داخل قشتالة إلى السكني بحيث ذكر ووقع عليه سباءٌ في سن الطفولية واستقر بسببه بالدار السلطانية ومحض إحراز رقه السلطان دايل قومه أبو الوليد المار ذكره فاختص به ولازمه قبل تصيير الملك إليه مؤثرًا له مغتبطًا بمحائل فضله وتماثل استقامته ثم صير الملك إليه فتدرج في معارج حظوته واختص بتربية ولده وركن إلى فضل أمانته وخلطه في قرب الجوار بنفسه واستجلى الأمور المشكلة بصدقه وجعل الجوائز السنيه لعظماء دولته على يده وكان يوجب حقه ويعرف فضله إلى أن هلك فتعلق بكنف ولده وحفظ شمله ودبر ملكه فكان آخر اللخف وسترًا للحرم وشجىً للعدا وعدة في الشدة وزينًا في الرخاء رحمة الله عليه‏.‏

كان هذا الرجل مليح الشيبة والهيئة‏.‏

معتدل القد والسحنة مرهب البدن‏.‏

مقبل الصورة حسن الخلق واسع الصدر أصيل الرأي رصين العقل كثير التجمل عظيم الصبر قليل الخوف من الهيعات ثابت القدم في الأزمات ميمون النقيبة عزيز النفس عالي الهمة بادي الحشمة آية في العفه مثلًا في النزاهة ملتزمًا للسنة دؤبًا على الجماعة جليس القبلة شديد الإدراك مع السكون ثاقب الذهن مع إظهار الغفلة مليح الدعابة مع الوقار والسكينة مستظهرًا لعيون التاريخ ذاكرًا للكثير من الفقه والحديث كثير الدالة على تصوير الأقاليم وأوضاع البلاد عارفًا للسياسة مكرمًا للعلماء متركًا للهوادة قليل التصنع نافرًا من أهل البدع متساوي الظاهر والباطن مقتصدًا في المطعم والملبس‏.‏

مكانته من الدين أتفق على أنه لم يعاقر مسكرًا قط ولا زن بهناة ولا لطخ بريبة ولا وصم بخلة تقدح في منصب ولا باشر عقاب جاز ولا أظهر شفاء من غائظ ولا اكتسب من غير التجر والفلاحة مالا‏.‏

آثاره أحدث المدرسة بغرناطة‏.‏

ولم تكن بها بعد وسبب إليها الفوائد ووقف عليها الرباع المغلة وانفرد بمنقبها فجاءت نسيجة وحدها بهجة وصدرًا وظرفًا وفخامة وجلب الماء الكثير إليها من النهر فأبد سقيه عليها وأدار السور الأعظم على الربض الكبير المنسوب للبيازين فانتظم منه النجد والغور في زمان قريب وشارف التمام إلى هذا العهد وبنى من الأبراج المنيعة في مثالم الثغور وروابي مطالعها المنذرة ما ينيف على أربعين برجا فهي ماثلة كالنجوم ما بين البحر الشرقي من ثغر بيرة إلى الأحواز الغريبة وأجرى الماء بجبل مورور مهتديًا إلى ما خفي على من تقدمه وأفذاذ أمثال هذه الأنقاب يشق تعداده‏.‏

جهاده‏:‏ غزا في السادس والعشرين من محرم عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة بجيش مدينة باغة وهي ما هي من الشهرة وكرم البقعة فأخذ بمخنقها وشد حصارها وعاق الصريخ عنها فتملكها عنوة وعمرها بالحماة ورتبها بالمرابطة فكان الفتح فيها عظيما وفي أوائل شهر المحرم من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة غزا بالجيش عدو المشرق وطوى المراحل مجتازًا على بلاد قشتالة لورقة ومرسية وأمعن فيها ونازل حصن المدور وهو حصن أمن غائلة العدو مكتنفٌ بالبلاد مد بالبسيني موضوعٌ على طية التجارة وناشبه القتال فاستولى عنوة عليه منتصف المحرم من العام المذكور وآب مملوء الحقائب سبيًا وغنمًا‏.‏

وغزواته كثيرة كمظاهرة الأمير الشهير أبي مالك على منازلة جبل الفتح وما اشتهر عنه فيه من الجد والصبر وأوثر عنه من المنقبة الدالة على صحة اليقين وصدق الجهاد إذ أصابه سهم في ذراعه وهو يصلي فلمي شغله عن صلاته ولا حمله توقع الإغارة على إبطال عمله‏.‏

ترتيب خدمته وما تخلل عن ذلك من محنته‏:‏ لما استوثق أمر الأمير المخصوص بتربيته محمد ابن أمير المسلمين أبي الوليد نصر وقام بالأمر وكيل أبيه الفقيه أبو عبد الله محمد بن المحروق ووقع بينه وبين المترجم عهدٌ على الوفاء والمناصحة ولم يلبث أن نكبه وقبض عليه ليلة كذا من رجب عام ثمانية وعشرين وسبعمائة وبعثه ليلا إلى مرسي المنكب واعتقله في المطبق من قصبتها بغيًا عليه وارتكب فيه أشنوعة أساءت به العامة وأنذرت باختلال الحال ثم أجازه البحر فاستقر بتلمسان ولم يلبث أن قتل المذكور وبادر سلطانه الموتور بفرقته عن سدته فاستدعاه فلحق محله من هضبة الملك متمليًا ما شاء من عز وعناية فصرفت إليه المقاليد ونيطت به الأمور وأسلم إليه الملك وأطلقت يده في المال واستمرت الأحوال إلى عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة والتأث الأمر وظهر من سلطانه التنكر عليه فعاجله الحمام فخلصه الله منه وولى أخوه أبو الحجاج من بعده فوقع الإجماع على اختياره للوزارة أوائل المحرم من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة فرضي الكل به وفرحت العامة والخاصة للخطة لارتفاع المنافسات بمكانه ورضي الأضداد بتوسطه وطابت النفوس بالأمن من غائلته تفولى الوزارة وسحب أذيال الملك وانفرد بالأمر واجتهد في تنفيذ الأحكام وتقدم الولاة وجواب المخاطبات وقواد الجيوش إلى ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب عام أربعين وسبعمائة فنكبه الأمير المذكور نكبة ثقيلة البرك هائلة الفجأة من غير زلة مأثورة ولا سقطة معروفة إلا ما لا يعدم بأبواب الملوك من شرور المنافسات ودبيب السعايات الكاذبة وقبض عليه بين يدي محراب الجامع من الحمراء إثر صلاة المغرب وقد شهر الرجال سيوفهم فوقه يحفون به ويقودونه إلى بعض دور الحمراء وكبس ثقات السلطان منزله فاستوعبوا ما اشتمل عليه من نعمة وضم إلى المستخلص عقاره وسوغ الخبر عظيم غلاته ثم نقل بعد أيام إلى قصبة ألمرية محمولا على الظهر فشد بها اعتقاله ورتب الحرس عليه إلى أوائل شهر ربيع الثاني من عام أحد وأربعين وسبعمائة فبدا للسلطان في أمره واضطر إلى إعادته ووجد فقد نصحه وأشفق لما عدم من أمانته والانتفاع برأيه وعرض عليه بما لنوم الكف والإقصار عن ضره فعفا عنه وأعاده إلى محله من الكرامة وصرف عليه من ماله وعرض الوزارة فأباها واختار برد العافية وأنس لذة التخلي فقدم لذلك من سد الثغور فكان له اللفظ ولهذا الرجل المعنى فلم يزل مفزعًا للرأي محلى في العظة على الولاية كثير الآمل والغاشي إلى أن توفي السلطان المذكور غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعمائة فشعب الثأي وحفظ البلوى وأخذ البيعة لولده سلطاننا الأسعد أبي عبد الله وقام خير قيام بأمره وجرى على معهود استبرائه‏.‏

وقد تحكمت التجربة وعلت السن وزادت أنة الخشية وقربت من لقاء الله الشقة فلا تسأل عما حط من خل وأفاض من عدل وبذل من مداراة وحلول عقد السلم وسد أمور الجند على القل ودامت حاله متصلة على ما ذكره وسنه تتوسط عشر التسعين إلى أن لحق بربه‏.‏

وقد علم الله أني لم يحملني على تقرير سيرته والإشادة بمنقبته داعيةٌ وإنما هو قول بالحق وتسليم لحجة الفضل وعدل في الوصف والله عز وجل يقول‏:‏ وإذا قلتم فأعدلوا وفاته في ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من رمضان من عام ستين وسبعمائة طرق منزله بعد فراغه من إحياء ثلث الليل متبذل اللبسة خالص الطوية مقتضيًا للأمن مستشعرًا للعافية قائمًا على المسلمين بالكل حاملا للعظيمة وقد بادره الغادرون بسلطانه فكسروا غلقه بعد طول معالجة ودخلوا عليه وقتلوه بين أهله وولده وذهبوا إلى الدايل برأسهن وفجعوا الإسلام بالسائس الخصيب المتغاضي راكب متن الصبر ومطوق طوق النزاهة والعفاف وآخر رجال الكمال والستر‏.‏

الضافي على الأندلس ولوئم من الغدبين رأسه وجسده ودفن بإزاء لحود مواليه من السبيكة ظهرًا ولم يشهد جنازته إلا القليل من الناس وتبرك بعد بقبره‏.‏

وقلت عند الصلاة عليه أخاطبه دون الجهر من القول لمكان التقية‏:‏ أرضوان لا توحشك فتكة ظالم فلا موردٌ إلا سيتلوه مصدر ولله سرٌ في العباد مغيبٌ يشهد بخافيه القضاء المقدر سميك مرتاحٌ إليك مسلم عليك ورضوان من الله أكبر فحث المطاليس النعيم منغصٌ ولا العيش في دار الخلود مكدر زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي الحاجب المنصور يكنى أبا مثنى‏.‏

أوليته قد مر ما حدث بين أبيه زيري وبين قرابته من ملوك إفريقية وباديس بن منصور من المشاحنة التي أوجبت مخاطبة المظفر بن أبي عامر في اللحاق بالأندلس وإذنه في ذلك‏.‏

فدخل الأندلس منهم على عهده جماعة وافرة من مساعير الحروب وآثار الحتوف مع شيخهم هذا وأميرهم ودخل منهم معه أبناء أخيه ماكسن وحباسة وحبوس وقاموا في جملة المظفر وزاوي مخصوصٌ باسم الحجابة فلما اختل بناء الخلافة بمحمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي أذلهم وتنكر لهم وأشاع بينهم وبين أمثالهم من البرابر المغايرة فكان ذلك سبب الفتنة التي يسميها أهل الأندلس بالبربرية فانحاشوا ونفروا عهده وبايعوا سليمان بن الحكم واستعانوا بالنصارى وحركوا على أهل قرطبة خصوصًا وعلى أهل الأندلس عمومًا ما شاء الله من استباحة وإهلاك النفوس وغلبوا على ملك الأندلس وما وراء البيضة واقتسموا أمهات الأقطار وانحازوا إلى بلاد تضمهم فانحازت صنهاجة مع رئيسهم المذكور إلى غرناطة فأووا إليها واتخذوها ملجأ وحماها زاوي المذكور وأقام بها ملكًا وأثل بها سلطانًا لذويه فهو أول من مدن غرناطة وبناها وزادها تشييدًا ومنعة واتصل ملكه بها وارتشحت عروقه إلى أن كان من ظهوره بها وأحوازها على عساكر الموالي الراجعين بإمامهم المرتضى إلى قرطبة البادين بقتاله والآخذين بكظمه بما تقرر ويتقرر في اسم المرتضى من باب المحمدين بحول الله‏.‏

وكان زاوي كبش الحروب وكاشف الكروب خدم قومه شهير الذكر أصيل المجد المثل المضروب في الدهاء والرأي والشجاعة والأنفة والحرم‏.‏

قال بعضهم أحكم التدبير والدولة تسعده والمقادر تنجده وحكيت له في الحروب حكايات عجيبة‏.‏

بعض أخباره في الرأي قال أبو مروان وقد مر ذكر الفتنة البربرية لما خلص ملأ القوم لتشاور أميرهم وهم فرض في خروجهم من قرطبة عند ما انتهوا إلى فحص هلال واجتمعوا على التأسي وضرب لهم زعيمهم زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي مثلا بأرماح خمسة جمعها مشدودة ودفعها لأشد من حضره منهم وقال إجهد نفسك في كسرها كما هي وأغمزها فعالج ذلك فلم يقدر عليه فقال له حلها وعالجها رمحًا رمحًا فلم يبعد عليه دقها فأقبل على الجماعة فقال‏:‏ هذا مثلكم يا برابرة إن جمعتم لم تطاقوا وإن تفرقتتم لم تبقوا والجماعة في طلبكم فانظروا لأنفسكم وعجلوا فقالوا نأخذ بالوثيقة ولا نلقى بأيدينا إلى التهلكة فقال هم بايعوا لهذا القرشي سليمان يرفع عنكم الأنفة في الرياسات وتستميلون إليه العامة بالجنسية ففعلوا فلما تمت البيعة قال إن مثل هذا الحال لا يقوى على أهل الإستطالة فيقيد له رئيس كل قبيله منكم قبيلة يتكفل السلطان بتقويمهم وأنا الكفيل بصنهاجة قال وامتارت بطون القبائل على أرحامها وقبائلها إلى أفخاذها وفصائلها فاجتمع كل فريق منهم على تقديم سيده فاجتمعت صنهاجة على كبيرها زاوي ولم تزل تلك القبائل المتألفة بالأندلس لطاعة أميرها المنادين له إلى ان أورثوهم الإمارة‏.‏

التوقيع قالوا ولما نازله المرتضى الذي أجلب به الموالي العامريين بظاهر غرناطة خاطبه بكتاب يدعوه فيه إليه طاعته وأجمل موعده فيه فلما قرىء على زاوي قال لكاتبه اكتب على ظهر رقعته‏:‏ قل يا أيها الكافرون السورة‏.‏

فلما بلغت المرتضى أعاد عليه كتابًا يعده فيه بوعيده فلما قرىء على زاوي قال رد عليه‏:‏ ألها كم التكاثر إلى آخرها فازداد المرتضى غيظًا وناشبه القتال فكان الظهور لزاوي‏.‏

قال المؤرخ واقتتلت صهناجه مع أميرهم مستميتين لما دهمهم من بحر العساكر على انفرادهم وقلة عددهم إلى أن انهزم أهل الأندلس وطاروا على وجوههم مسلموهم وإفرنجهم لا يلوون على أحد فأوقع البرابر بهم السيف ونهبوا تلك المحلات واحتووا على مالا كفاء له اتساعًا وكثرة ظل الفارس يجيء من أتباع المنهزمين ومعه العشرة ولا تسل عما دون ذلك من فاخر النهب وخير الفساطيط ومضارب الأمراء والرؤساء‏.‏

قال ابن حيان‏:‏ فحل بهذه الوقيعة على جماعة الأندلس مصيبةٌ أنست ما قبلها ولم يجتمع لهم جمعً بعدها وفروا بإدبار وباءوا بالصغار‏.‏

منصرفه عن الأندلس قال المؤرخ ولهول ما عاينه زاوي من اقتدار أهل الأندلس في أيام تلك الحروب وجعاجعهم وإشرافهم على التغلب عليه هان سلطانه عنده بالأندلس وخرج عنها نظرًا إلى عاقبة أمره ودعا بجماعة من قومه لذلك فعصوه وركب البحر بجيشه وأهله فلحق بإفريقية وطنه‏.‏

قال فكان من أغرب الأخبار في الدولة الحمودية انزعاج ذلك الشيخ زاوي عن سلطانه بعد ذلك الفتح العظيم الذي ناله على أهل الأندلس وعبوره البحر بعد أن استأذن ابن عمه المعز بن باديس فأذن له‏.‏

وحرص بنو عمه بالقيروان على رجوعه لهم لحال سنه وتقريبهم يومئذ من مثله من مشيختهم لمهلك جميع إخوتهم وحصوله هو على مقرر بني مناد الغريب الشأن في أن لا تحجب عنهم نساؤهم وكن زهاء ألف امرأة في ذلك الوقت هن ذوات محرم من بنات أخوته وبناتهن وبين بنيهن‏.‏

وكان رحيل زاوي عن الأندلس سنة ستة عشر وأربعمائة‏.‏

قال ابن حيان وأخبار هذا الداهية كثيرة وأفعاله ونوادره مأثورة‏.‏

زهير العامري فتى المنصور بن أبي عامر حاله كان شهمًا داهية سديد المذهب مؤثرًا للأناة ولي بعد خيران صاحب ألمرية وقام بأمره أحمد قيام سنة تسعة عشر وأربعمائة يوم الجمعة لثلاث خلون من جمادى الأولى‏.‏

وكان أميرًا بمرسية فوجه عند خيران حين أحس بالموت فوصل إليه وكان عنده إلى أن مات فخرج زهير مع ابن عباس إلى الناس فقال لهم أما الخليفة خيران فقد مات وقد قدم أخاه زهيرًا هذا‏.‏

فما تقولون‏:‏ فرضي الناس به فدامت مدة ولايته عشرة أعوان ونصف عام إلى أن قتل‏.‏

مناقبه قال أبو القاسم الغافقي وكان حسن السيرة جميلها بنى المسجد في ألمرية ودار فيه من جهاته الثلاث المشرق والمغرب والجوف وبني مسجدًا ببجانة وشاور الفقهاء وعمل بقولهم وملك قرطبة ودخل قصرها يوم الأحد لخمس بقين من شعبان سنة خمس وعشرين وأربعمائة ودام سلطانه عليها خمسة عشر شهرًا ونصف شهر‏.‏

قال ابن عذاري وأما زهير الفتى فامتدت أطناب مملكته من ألمرية إلى قرطبة ونواحيها وإلى بياسة وإلى الفج من أول طليطلة‏.‏

وقالوا‏:‏ قر ما بينه وبين باديس فأرسل باديس إلى زهير رسوله مكاتبًا مستدعيًا تجديد المحالفة فسارع زهير وأقبل نحوه وضيع الحزم واغتر بالعجب ووثق بالكثرة‏.‏

أشبه شيء بمجيء الأمير الضخم إلى عامل من عماله قد ترك رسم الالتقاء بالنظراء وغير ذلك من وجوه الحزم وأعرض عن ذلك كله وأقبل ضاربًا بسوطه حتى تجاوز الحد الذي جرت العادة بالوقوف عنده من عمل باديس دون إذنه وصير الأوعار والمضايق خلف ظهره فلا يفكر فيها واقتحم البلد حتى صار إلى باب غرناطة‏.‏

ولما وصل خرج باديس في جمعه وقد أنكر اقتحامه عليه وعده حاصلًا في قبضته فبدأه بالجميل والتكريم وأوسع عليه وعلى رجاله في العطاء والقرى والتعظيم بما مكن اغترارهم وثبت طمأنينتهم ووقعت المناظرة بين زهير وباديس ومن حضرهما من رجال دوليتهما فنشأ بينهما عارض الخلاف لأول وهلة وحمل زهير أمره على التشطط فعزم باديس على اللقاء ووافقه عليه قوم من خدامه فأقام المراتب ونصب الكتائب وقطع قنطرة لا محيد عنها لزهير والحائن لا يشعر وغاداه عن تعبية محكمة فلم يرعه إلا رجة القوم راجعين فدهش زهير وأصحابه إلا أنه أحسن تدبير الثبات لو استتمه وقام فنصب الحرب وثبت في قلب العسكر وقدم خليفته هذيلا في وجوه أصحابه إلى الموالي فلما رأتهم صنهاجة علموا أنهم الحماة والشوكة ومتى حصدوا لم يثبت من وراءهم فاختلطوا بهم واشتد القتال فحكم الله لأقل الطائفتين من صنهاجة ليرى قدرته فانهزم زهير وأصحابه وتقطعوا وعمل السيف فيهم فمزقوا وقتل زهير وجهل مصرعه وغنم رجال باديس من المال والمرافق والأسلحة والحيلة والعدة والغلمان والخيام ما لا يحاط بوصفه‏.‏

وكانت وفاة زهير يوم الجمعة عقب شوال سنة تسع وعشرين وأربعمائة بقرية ألفنت خارج غرناطة‏.‏

طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البلطيوسي وأخواه أبو بكر وأبو الحسن بنو القبطرنة يكنى أبا محمد‏.‏

حالهم كانوا عيونًا من عيون الأدب بالأندلس ممن اشتهروا بالظرف والسرو والجلالة‏.‏

وقال أبو الحسن بن بسام وقد ذكر أبا بكر منهم فقال أحد فرسان الكلام وحملة السيوف والأقلام من أسرة أصالة وبيت جلالة أخذوا العلم أولا عن آخر وورثوه كابرًا عن كابر ثلاثة كهقعة الجوزاء وإن أربوا عن الشهر في السنا والسناء‏.‏

كتب أبو محمد عبد العزيز وأخواه عن ملك لمتونة ودخلوا معه غرناطة‏.‏

ذكر ذلك غير واحد‏.‏

واجتزأت بذكر أبي محمد وأتبعه أخويه اختصارًا‏.‏

شعره من شعر أبي محمد قوله في الاستدعاء‏:‏ هلم إلى روضنا يا زه ير ولح في سماء المنى يا قمر وفوق إلى الأنس سهم الإخا ء فقد عطلت قوسه والوتر إذا لم تكن عندنا حاضرًا فما بغصون الأماني ثمر وقعت من القلب وقع المنى وحزت من العين حسن الحور قال أبو نصر بات مع أخويه في أيام صباه واستطابة جنوب الشباب وصباه بالمنية المسماة بالبديع وهو روض كان المتوكل يكلف بموافاته ويبتهج بحسن صفاته ويقطف ريحانه وزهره ويقف عيه إغفاءه وسهره ويستفزه الطرب متى ذكره وينتهز فرص الأنس فيه روحاته وبكره ويدير حمياه على ضفة نهره ويخلع سره فيه لطاعة جهره ومعه أخواه فطاردوا اللذات حتى أنضوها ولبسوا برود السرور فما نضوها حتى صرعتهم العقار وطلحتهم تلك الأوقار فلما هم رداء الفجر أن يندي وجبين الصبح أن يبتدي قام الوزير أبو محمد فقال‏:‏ يا شقيقي وافي الصباح بوجهه ستر الليل نوره وبهاؤه فاصطبح واغتنم مسرة يومٍ لست تدري بما يجيء مساؤه ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال‏:‏ يا أخي قم تر النسيم عليلا باكر الروض والمدام شمولا في رياض تعانق الزهر فيها مثل ما عانق الخليل خليلا لا تنم واغتنم مسرة يوم إن تحت التراب نومًا طويلا ثم استيقظ أخوهما أبوالحسن وقد ذهب من عقله الوسن فقال‏:‏ يا صاحبي ذرا لومي ومعتبتي قم نصطبح قهوة من خير ما ذخروا وبادرا غفلة الأيام واغتنما فاليوم خمرٌ ويبدو في غد خبر وقال أبو بكر في بقرة أخذها له الرنق صاحب قلمورية وقد أعاد أرضه‏:‏ وأفقدنيها الرنق أما حفية إذا هي حفت ألفت بين وفدين تعنفني أمي على أن رثيتها وأن أتبعتها الدم من عين

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:57 AM



محمد بن إسماعيل بن نصر محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر الرئيس المتوثب على الملك وحي كرسي الإمارة وعاقد صفقة الخسران المبين يكنى أبا عبد الله‏.‏

أوليته معروفة‏.‏

حاله ‏:‏ من نفاضة الجراب وغيره كان شيطانًا ذميم الخلق حرفوشًا على عرف المشارقة متراميًا للخسائس مألفًا للدعرة والأجلاف والسوار وأولى الريب خبيثًا كثير النكر منغمسًا في العهن كلفًا بالأحداث متقلبًا عليهم في الطرق خليع الرسن ساقط الحشمة كثير التبذل قواد عصبة كلاب معالجًا لأمراضها مباشرًا للصيد بهما راجلًا في ثياب منتاب الشعر من الجلود والسوابل والأسمال عقد له السلطان على بنته لوقوع القحط في رجال بيتهم ونوههه بالولاية وأركبه وأغضى له عن موبقات تقصر به إلى أن هلك وحاد الأمر عن شقيق زوجه واستقر في أخيه وثقل على الدولة لكراهة طلعته وسوء الأحدوثة به فأمر بترك المباشرة والدخول للقلعة وأذن له في التصرف في البلد والفحص وأبقيت عليه النعمة فداخل أم زوجه وضمن لها تمام الأمر لولدها وأمدته بالمال فنظر من المساعير شيعةً من كسرة الأغلاق وقتلة الزقاق ومختلسي البضائع ومخيفي السابلة واستضاف من أسافلة الدولة من آسفته بإقصار قصد أو مطل وعد أو حط رتبة أو عزل عن ولاية فاستظهر منهم بعدد ولا كالشقي الدليل الموروي الغريب الطور وإبراهيم بن أبي الفتح المنبوذ بالإضليع قريع الجهل ومستور العظيمة وارتادوا عورة القلعة فاهتدوا منها إلى ما شاءوا وتألفوا بخارج ثم تسللوا ببطن الوادي المعروف بهداره إلى أن لصقوا بجناح السور الصاعد الراكبة قوسه جرية النهر وصعدوا مساوقين جناحه المتصل بسور القلعة وقد نقص كثير من ارتفاعه لحدثان إصلاح فيه فتسوروه عن سلم ودافع بعض محاربيهم بعضًا في استباق أدراجه فدخلوا البلد في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان عام ستين وسبعمائة ثم استغلظوا بالمشاعل وقتلوا نائب الملك رضوانًا النصري سايس الأمر وبقية المشيخة واستخرجوا السلطان الذي هو يزيفه فنصبوه للناس وتم الأمر بما دل على احتقار الدنيا عند الله وانخرط هذا الخب في طور غريب من التنزل للسلطان والاستخدام لأمه والتهالك في نصحه وخلط نفسه فيه وتبذل في خدمته يتولى له الأمور ويمشي في زي الأشراط بين يديه ويتأتى لشهواته ويتظاهر بحراسته‏.‏

ولما علم أن الأمر يشق تصيره إليه من غير واسطة بغير انقياد الناس إليه من غير تدريج كاده فألطف الحيلة في مساعدته على اللذات وإغرائه بالخبائث وشغله بالعهر وقتله بالشهوات المنحرفة وجعل يترأ من دنيته وينفق بين الناس من سلع اغتيابه ويرى الجماهير الإنكار لصنيعه ويزين لهم الاستعاضة منه بعد ما غلظت شوكته وضم الرجال إلى نفسه موريًا بحفظه والاستظهار على صونه‏.‏

وفي الرابع من شعبان عام أحد وستين وسبعمائة ثار به في محل سكناه في جواره واستجاش أولياء غدره وكبس منزله مداخلا للوزير المشئوم عاقدًا معه صفقة الغدر‏.‏

وامتنع السلطان بالبرج الأعظم فاستنزله وقتله كما مر في اسم المذكور قبل واستولى على الملك فلم يختلف عليه اثنان واشتغل طاغية الروم بحرب كان بينه وبين القطالنيين فتمالأ لمسالمته فاغتبط الصنيع وتهنا المنحة وتشطط على الروم في شروط غير معتادة سامحوه بها مكيدة واستدراجًا واجتاز أمير المسلمين المصاب بغدره إلى الأندلس طالبًا لحقه ومبادرًا إلى رد أمره فسقط في يده ووجه الجيش إليه بمثواه من بلد رندة فانصرف عنها خائبًا ورجع أدراجه يشك في النجاة وتفرغ إليه الطاغية ففض عليه جمه وقد أجرت عليه شوكته وقيعةً نصر الله فيها الدين وأملى لهذا الوغد فلم يقله العثرة بعدها‏.‏

ونازل حصونه المهتضمة واستولى على كثير منها وحام فلم يصحر غلوة وأكذب ما موه به من البسالة‏.‏

وظهر للناس بلبس الصوف وأظهر التوبة على سريرة دخلة وفسق مبين وقل ما بيده ونفد بيت ماله فلم يجد شيئًا يرجع إليه من بعد ما سبك الآنية والحلية وباع العقار لبتذيره وسحه المال سحًا في أبواب الأراجيف والاختلاف والبهج بالغنا فشرف الإنقاب إلى الفرار وأزمع إلى الانسلال‏.‏

وعندما تحرك السلطان إلى غربي مالقة ونجع أهلها بطاعته ودخلوا في أمره وسقط عليه الخبر‏.‏

اشتمل على الذخيرة جمعاء وهي التي لم تشتمل خزائن الملوك مطلقًا على مثلها من الأحجار واللؤلؤ والقصب والتف عليه الجمع المستميت جمع الضلال ومرد الغي وخرج عن المدينة ليلة الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة‏.‏

وصوب وجهه إلى سلطان قشتالة مكظومٌ تجنيه وموتور سوء جواره من غير عهد إلا ما أمل من التبقي عنده من التذميم به وضمان إتلاف الإسلام واستباحة البلاد والعباد بنكرته‏.‏

ولما استقر لديه نزله تقبض عليه وعلى شر ذمته المنيفة على ثلاثمائة فارس من البغاة كشيخ جنده الغربي إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق ومن سواه تحصل بسببهم بيد الطاغية كل ما تسمو إليه الآمال من جواد فاره أومنطقة ثقيلة وسلاح محلي وجوشن رفيع ودرع حصينة وبلبلة منيعة وبيضة مذهبة وبزة فاخرة وصامت عتيد وذخيرة شريفة فتنخل منهم متولي التسور فجعلهم أسوة رأسهم في القتل خر بعضهم يومئذ على بعض في القتل وأخذتهم السيوف فحلوا بعد الشهرة والتمثيل في أزقة المدينة وإشاعة النداء في الجزيرة ثاني رجب من العام المؤرخ به وركب أسوق سايرهم الأداهم واستخلصهم الإسار وبارد بتوجيه رؤسهم فنصبت من فوق العورة التي كان منها تسورهم القلعة فمكثت بها إلى أن استنزلت وووريت وانقضى أمره على هذه الوتيرة مشئومًا دبيرًا لم يمتعه الله بالنعيم ولا هناه سكنى المحل الكريم ولا سوغه راحة ولا ملأه موهبة ولا أقام على فضله حجة ولا أعانه على زلفة إنما كان رئيس السراق وعريف الخراب وإمام الشرار ندر يوماص في نفسه وقد رفعت إليه امرأة من البدو تدعى أنها سرقت دارها قال‏:‏ إن كان ليلا بعد ما سد باب الحمراء علي وعلى ناسي فهي والله كاذبة إذ لم يبق سارق في الدنيا أو في البلاد إلا وقد تحصل خلفه وقانا الله المحن وثبتنا على مستقر الرشد ولا عاقنا عن جادة الاستقامة‏.‏

وزراء دولته استوزر الوزير المشئوم ممدهً في الغي الوغد الجهول المرتاش من السرقة الحقود على عباد الله لغير علة عن سوء العاقبة المخالف في الأدب سنن الشريعة البعيد عن الخير بالعادة والطبيعة دودة القز وبغل طاحونة الغدر وزق القطران محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري فانطلقت يده على الإبشار ولسانه على الأعراض وعينه على النظر الشزر وصدره على التأوه والرين يلقى الرجال كأنه قاتل أبيه محدقًا إلى كميه يحترش بهما خبيئة أو يظن بهما رشوة فأجاب الله دعاء المضطرين ورغبات السائلين وعاجله بالأخذة الرابية والبطشة القاضية فقبض عليه في ليلة السبت العاشر لرمضان من العام المذكور وعلى ابن عمه العصر فوط وعلى الحيرا من نواهض بيتهما وأنفذ الأمر بتعريضهم فمضى حكم الله بهذه المنية الفرعونية فيهم لا تبديل لكلمات الله قاهر الجبابرة وغالب الغلاب وجاعل العاقبة للمتقين‏.‏

واستوزر بعده أولى الناس وأنسبهم إلى دولته وأحقهم بمظاهرته المسوس الجبار اليأس والفطرة المختبل الفكرة القيل المرجس الحول الشهير الضجر محمد بن علي بن مسعود فميا يلي الناس على طول الحمرة وانفساح زمان التجربة أسوأ تدبيرًا ولا أشر معاملة ولا أبذأ لسانًا ولا أكثر شكوى ومعاتبة ولا أشح يدًا ولا أجدب خوانًا من ذلك المشئوم بنعق البوم ينعق بما لا يسمع ويسرد الأكاذيب ويسيء السمع فيسيء الإجابة ويقود الجيش فيعود بالخيبة إلى أن كان الفرار فصحبه إلى مصرعه وكان ممن استؤثر به القيد الثقيل والأسر الشديد والعذاب الأليم عادة بذلك عبد المالاخوينا التي كان يحجب سمتها زمان ترفيهه فقضت عليه سيء الميتة مطرح الجثة‏.‏

سترنا الله بستره ولا سلبنا في الحياة ولا في الممات ثوب كاتب سره صاحبنا الفقيه الأهوج قصب الريح وشجرة الخور وصوت الصدى أبو محمد عبد الحق بن عطية المستبد بتدبير الدبير خطًا فوق الرقاع الجاهلة ومسارةً في الخلوات الفاسقة وصدعًا فوق المنابر الكبيبة بحلة لث الراية ويذب عنه ذب الوالدة ينتهي في الاعتذار عن هناته إلى الغايات القاصرة‏.‏

قضاته شيخنا أبو البركات قيس ليلى القضاء المخدوع بزخرف الدنيا على الكبرة والعناء لطف الله به وألهمه رشده‏.‏

شيخ الغزاة على عهده‏:‏ إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق بن محيو بقية بيت الدبرة ووشيجة الشجرة المجتثة عذب في الجملة من أهل بيته عند القبض عليهم واستقر في القبض الأشهب من قبيله بالمغرب مطلق الإقطاع مرموقًا بعين التجلة مكنوفًا بشهرة الأب إلى أن سعى به إلى السلطان نسيج وحده فارس بن علي واستشعر البث فطار به الذعر لا يلوي عنانًا حتى سقط بإفريقية وعبر البحر إلى ملك برجلونة ثم اتصل بالدولة النصرية بين إدالة الغدر وإيالة الشر فقلده الدائل مشيخة الغزاة ونوه به فاستراب معزله يحيى بن عمر ففر إلى أرض الروم حسبما يذكر في اسمه فقام له بهذا الوظيف ظاهر الشهرة والأبهة مخصوصًا منه بالتجلة إلى أن كان ما كان من إزمانه وفراره فوفى له وصحبه ركابه وقاسمه المنسجة شق الأبلة واستقر بعد قتله أسيرًا عانيًا علق الدهر لضنانة العدو بمثله إلى أن أفلت من دون الأغلاق وشد الوثاق ولحق بالمسلمين في خبر لم يشتمل كتاب الفرج بعد الشدة على مثله والأغراب منه يستقر في اسمه إلماعٌ به ثم استقر بالمغرب معتقلا‏.‏

ثم مات رحمه الله‏.‏

من كان على عهده من الملوك‏:‏ وأولًا بمدينة فاس دار ملك المغرب السلطان الخير الكريم الأبوة المودود قبل الولاية اللين العريكة الشهير الفضل في الحياة آية الله في إغراب الصنع وإغراب الإدبار أبو سالم إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أمير المسلمين المترجم به في حرف الألف‏.‏

ولما قتل يوم الحادي والعشرين لذي قعدة من عام اثنتين وستين قام بالأمر بعده أخوه المتحيل أبو عامر تاشفين بن علي إلى أواخر صفر عام ثلاثة وستين ولحق بالبلد الجديد الأمير أبو محمد زيان بن الأمير أبي عبد الرحمن بن علي بن عثمان المترجم به في بابه ثم المتولي من عام ثمانية وستين وسبعمائة السلطان أبو فارس عمه المؤمل للم الشعث وضم النشر وتجديد الأمر بحول الله ابن السلطان الكبير المقدس أبي الحسن بن سعيد بن يعقوب بن عبد وبتلمسان الأمير أبو حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمر اسن بن زيان‏.‏

وبإفريقية الأمير الخليفة على عرفهم إبراهيم بن أمير المؤمنين أبي يحيى ابن حفص‏.‏

وبقشتالة بطره بن ألهنشة بن هراندة بن شانجه المصنوع له ولي النعمة منه ومستوجب الشكر من المسلمين لأجله بإراحته منهم‏.‏

وبرغون بطره بن شانجه‏.‏

وبرندة مزاحمه بالملك الفخم أمير المسلمين حقيقة المرتب الحق المعقود البيعة وصاحب الكرة وولي حسن العاقبة مجتث شجرته الخبيثة وصارخ إيالته الدنية أبو عبد الله محمد بن أمير المسلمين أبي الحجاج بن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر‏.‏

مولده مولد هذه النسمة المشئومة أول يوم من رجب عام اثنين وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وفاته توفي قتيلًا ممثلا به بطيلاطه من ظاهر إشبيلية في ثاني من رجب عام ثلاثة وستين وسبعمائة وسيقت رؤوس أشياعه الغادرين مع رأسه إلى الحضرة فصلبت بها‏.‏

وفي ذلك قلت‏:‏ لا خلفت ذكرًا ولا رحمةً في فم إنسانٍ ولا في فؤاد محمد بن إسماعيل بن يوسف محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن خميس بن نصر الخرزجي أمير المسلمين بالأندلس بعد أبيه رحمه الله‏.‏

أوليته‏:‏ معروفة‏.‏

حاله كان معدودًا في نبلاء الملوك صيانة وعزًا وشهامة وجمالًا وخصلًا عذب الشمائل حلوًا لبقًا لو ذعيًا هشًا سخيًا المثل المضروب به في الشجاعة المقتحمة حد التهور حلس ظهور الخيل وأفرس من جال على ظهورها لا تقع العين وإن غصت الميادين على أدرب بركض الجياد منه مغرمًا بالصيد عارفًا بسمات السقار وشتات الخيل يحب الأدب ويرتاح إلى الشعر وينبه على العيون ويلم بالنادرة الحارة‏.‏

أخذت له البيعة يوم مهلك أبيه وهو يوم الثلاثاء السابع والعشرين لرجب من عام خمسة وعشرين وسبعمائة‏.‏

وناله الحجب واشتملت عليه الكفالة إلى أن شب وظهر وفتك بوزيره المتغلب على ملكه وهو غلام لم يبقل خده فهيب شأنه ورهبت سطوته وبرز لمباشرة الميادين وارتياد المطارد واجتلاء الوجوه فكان ملء العيون والصدور‏.‏

ذكاؤه حدثني القائد أبو القاسم بن الوزير عبد الله بن عيسى وزير جده قال تذوكر يومًا بحضرته تباين قول المتنبي‏:‏ ألا خدد الله ورد الخدود وقد قدود الحسان القدود وقول امرىء القيس‏:‏ وإن كنت قد ساءتك مني خليقةً فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقول إبراهيم بن سهل‏:‏ أني له من دمي المسفوك معتذرًا أقول حملته في سفكه تعبا فقال رحمه الله بديهة‏:‏ بينهما ما بين نفس ملك عربي وشاعر ونفس يهودي تحت الذمة وإنما تتنفس بقدر همتها أو كلامًا هذا معناه‏.‏

ولما نازل مدينة قبرة ودخل جفنها عنوة ونال قصبتها ورماها بالنفط وتغلب عليها وهي ما هي عند المسلمين وعند النصارى من الشهرة والجلالة بادرناه نهنيه بما نسق له فزوي وجهه عنا وقال ماذا تهنونني به كأنكم رأيتم تلك الخرقة بكذا يعني العلم الكبير في منار إشبيلية فعجبنا من بعد همته ومرمى عزمه‏.‏

شجاعته أقسم أن يغير على باب مدينة بيانة في عدة قليلة عينها الميمن فوقع البهت وتوقعت الفاقرة لقرب الصريخ ومنعة الحوزة وكثرة الحامية واتصال تخوم البلاد ووفور الفرسان بذلك الصقع وتنخل أهل الحفاظ وهجم على باب الكفار نهارًا وانتهى إلى باب المدينةن وقد برزت الحامية وتوقع فرسان الروم الكمناء فأقصروا عن الإحصار وحمى المسلمون فشد عليهم فأعطوهم الضمة ودخلوا أمامهم المدينة ورمي السلطان أحد الرجال الناشبة بمزراق كان بيده محلى السنان رفيع القيمة وتحامل يريد الباب فمنع الإجهاز عليه وانتزاع الرمح الذي كان يجره خلفه وقال اتركوه يعالج به رمحه أن كان أخطأته المنية وقد أفلت من أنشوطة خطر عظيم‏.‏

جهاده ومناقبه كان له وقائع في الكفار على قلة أيامه وتحرك ونال البلاد وفتح قبرة ومقدم جيش العدو الذي بيت بظاهرها وأثخن فيه وفتح الله على يده مدينة باغوة وتغلب المسلمون على حصن قشتالة ونازل حصن قشرة بنفسه لدى قرطبة فكاد أن يتغلب عليه لولا مددٌ اتصل للنصارى به‏.‏

وأعظم مناقبه تخليص جبل الفتح وقد أخذ الطاغية بكظمه ونازله على قرب العهد من تلك المسلمين إياه وناخ بكلكله وهد بالمجانيق أسواره فداري الطاغية واستنزل عزمه وتحفه ولحق في موضع اختلاله إلى أن صرفه عنه وعقد له له صلحًا ففازت به قداح الإسلام وتخلصه من بين ناب العدو وظفره فكان الفتح عظيمًا لا كفاء له‏.‏

بعض الأحداث في دولته‏:‏ وفي شهر المحرم من عام سبعة وعشرين وسبعمائة نشأت بين المتغلب على دولته وزيره وبين شيخ الغزاة وأمير القبائل العدوية عثمان بن أبي العلاء الوحشة وألحقت ربحها السعايات فصبت على المسلمين شؤبوب فتنة عظم فيهم أثرها معاطبًا وسئم الانصراف عن الأندلس فلحق بساحل ألمرية وأحوزته المذاهب وتحامت جواره الملوك فداخل أهل حصن أندرش فدخل في طاعته ثم استضاف إليه ما يجاوره فأعضل الداء وتفاقمت اللأواء وغامت سماء الفتنة واستنفد خزائن الأموال المستعدة لدفاع العدو واستلحق الشيخ أبو سعيد عم السلطان وقد استقر بتلمسان فلحق به وقام بدعوته في أخريات صفر عام سبعة وعشرين وسبعمائة واغتنم الطاغية فتنة المسلمين فنزل ثغربيرة ركاب الجهاد وشجى العدو فتغلب عليه واستولى على جملة من الحصون التي تجاوره فاتسع نطاق الخوف وأعيى داء الشر وصرف إلى نظر ملك المغرب في أخريات العام رندة ومربلةً وما يليهما وترددت الرسائل بين السلطان وبين شيخ الغزاةن فأجلت الحال عن مهادنة ومعاودة للطاعة فصرف أميرهم أدراجه إلى العدوة وانتقلوا إلى سكنى وادي آش على رسم الخدمة والحماية على شروط مقررة وأوقع السلطان بوزيره وأعاد الشيخ إلى محله من حضرته أوائل عام ثمانية وعشرين بعده واستقدم القائد الحاجب أبا النعيم رضوان من أعاصم حباليه قتيله فقام بأمره أحسن قيام‏.‏

وعبر البحر بنفسه بعد استقرار ملكه في الرابع والعشرين من شهر ذي حجة من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة فاجتمع مع ملك المغرب السلطان الكبير أبي الحسن بن عثمان فأكرم نزله وأصحبه إلى الأندلس وحباه بما لا يحب به ملك تقدمه من مغربيات الخيل وخطير الذخيرة ومستجاد العدة ونزل الجيش على أثره جبل الفتح وتوجه الحاجب أبو النعيم بأكبر إخوة السلطان مظاهرًا على سبيل النيابة وهيأ الله فتحه ثم استنقاذه بلحاق السلطان ومحاولة أمره كما تقدم فتم ذلك يوم الثلاثاء الثاني عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وزراء دولته وزر له وزير أبيه وأخذ له البيعة وهو مثخن بالجراحات التي أصابته يوم الفتك بأبيه السلطان أبي الوليد ولم ينشب أن أجهز جرح تجاوز عظم الدماغ بعد مصابرة ألم العلاج الشديد حسبما يأتي في اسمه وهو أبو الحسن علي بن مسعود بن يحيى بن مسعود المحاربي وترقى إلى الوزارة والحجابة وكيل أبيه محمد بن أحمد المحروق من أهل غرناطة يوم الإثنين غرة شهر رمضان من عام خمسة وعشرين وسبعمائة ويأتي التعريف بهم‏.‏

ثم اغتيل بأمره عشي ثاني يوم من محرم فاتح تسعة وعشرين وسبعمائة‏.‏

ثم وزر له القائد أبو عبد الله بن القائد أبي بكر عتيق بن يحيى بن المول من وجوه الدولة وصدور من يمت بوصله إلى السابع عشر من رجب من العام ثم صرف إلى العدوة وأقام رسم الوزارة والحجابة والنيابة أبو النعيم مولى أبيه إلى آخر مدته بعد أن التأث أمره لديه وزاحمه بأحد المماليك المسمى بعصام حسبما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله‏.‏

رئيس كتابه‏:‏ كتب له كاتب أبيه قبله وأخيه بعده شيخنا نسيج وحده أبو الحسن علي بن الجياب الآتي ذكره في موضعه إن شاء الله‏.‏

قضاته استمرت الأحكام لقاضي أبيه أخي وزيره الشيخ الفقيه أبي بكر بن مسعود رحمه الله إلى عام سبعة وعشرين وسبعمائة ووجهه رسولًا عنه إلى ملك المغرب فأدركته وفاته بمدينة سلا فدفن بمقبرة سلا‏.‏

رأيت قبره بها رحمه الله‏.‏

وتخلف ابنه أبا يحيى مسعود عام أحد وثلاثين وسبعمائة وتولى الأحكام الشرعية القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن بكر الأشعري خاتمة الفقهاء وصدر العلماء رحمة الله فاستمرت له الأحكام إلى تمام مدة أخيه بعده‏.‏

أمه رومية اسمها علوة وكانت أحظى لداتها عند أبيه وأم بكره إلى أن نزع عنها في أخريات أمره لأمر جرته الدالة وتأخرت وفاتها عنه إلى مدة أخيه‏.‏

من كان على عهده من الملوك بأقطار المسلمين والنصارى‏:‏ فبفاس السلطان الكبير الشهير الجواد خدن العافية وحلف السعادة وبحر الجود وهضبة الحلم أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق الذي بذل المعروف وقرب الصلحاء والعلماء وأدنى مكانهم وأعمل إشارتهم وأوسع بأعطيته المؤمنين المسترفدين وعظم قدره واشتهر في الأقطار صيته وفشا معروفه وعرفت بالكف عن الدماء والحرمات عفته إلى أن توفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة عام أحد وثلاثين وسبعمائة ثم صار الأمر إلى ولده السلطان مقتفي سننه في الفضل والمجد وصخامة السلطان مبرًا عليه بالبأس المرهوب والعزم الغالب والجد الذي لا يشوبه هزل والاجتهاد الذي لا يتخلله راحة الذي بعد مداه وأذعن لصولته عداه واتصلت ولايته مدته ومعظم مدة أخيه الوالي بعده‏.‏

وبتلمسان الأمير عبد الرحمن بن موسى بن يغمر اسن ومن بني عبد الواد مشيد القصور ومروض الغروس ومتبنك الترف واتصل إلى تمام مدته وصدرا من مدة أخيه بعده‏.‏

وبتونس الأمير أبو يحيى أبو بكر بن الأمير أبي زكريا بن الأمير أبي إسحاق لبنة تمام قومه وصقر الجوارح من عشه وسابق الجياد من حلبته إلى تمام المدة وصدرًا كبيرًا من دولة أخيه بعده‏.‏

ومن ملوك النصارى ملك على عهده الجفرتين القنيطية والتاكرونية الطاغية المرهوب الشبا المسلط على دين الهدى ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفتش بن هراندة الذي احتوى على كثير من بلاد المسلمين حتى الجفرتين واتصلت أيامه إلى أخريات أيام أخيه وأوقع بالمسلمين على عهده وتملك الجزيرة الخضراء وغيرها‏.‏

وبرغون ألفنش بن جايمش بن ألفنش بن بطره بن جايمش الذي استولى على بلنسية ودام إلى آخر مدته وصدرًا من مدة أخيه‏.‏

وقد استقصينا من العيون أقصى ما سح به الاستقصاء وما أغفلناه أكثر ولله الإحاطة‏.‏

مولده في الثامن من شهر المحرم من عام خمسة عشر وسبعمائة‏.‏

وفاته وإلى هذا العهد مات وغرت عليه رؤوس الجند من قبائل العدوة الصدور وشحنت عليه القلوب غيظًا وكان شرها لسانه غير جزوع ولا هياب فربما يتكلم بملىء فيه من الوعيد الذي لا يخفى على المعتمد به وفي ثاني يوم من إقلاع الطاغية من الجبل وهو يوم الأربعاء الثاني عشر من ذي حجة وقد عزم على ركوب البحر من ساحل مربلة فهو مع وادي ياروا من ظاهر جبل الفتح تخفيفًا للمؤنة واستعجالا للصدور وقد أخذت على حركته المراصد فلما توسط كمين القوم ثاروا إليه وهو راكب بغلا أثابه به ملك الروم فشرعوا في عتبه بكلام غليظ وتأنيب قبيح وبدأوا بوكيله فقتلوه وعجل بعضهم بطعنه وترامى عليه مملوك من مماليك أبيه زنمة من أخابيث العلوج يسمى زيانًا صونع على مباشرة الإجهاز عليه فقضى لحينه بسفح الربوة الماثلة يسرة العابر للوادي ممن يقصد جبل الفتح وتركوه بالعراء بادي البوار مسلوب البزة سيء المصرع قد عدت عليه نعمه وأوبقه سلاحه وأسلمه أنصاره وحماته‏.‏

ولما فرغ القوم من مبايعة أخيه السلطان أبي الحجاج صرفت الوجوه يومئذ إلى دار الملك ونقل القتيل إلى مالقة فدفن على حاله تلك برياضٍ تجاور منية السيد فكانت وفاته ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر لذي حجة من عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وأقيمت على قبره بعد حين قبة ونوه بقبره وهو اليوم ماثلٌ رهن غربةٍ وجالب عبرة جعلنا الله للقائه على حذر وأهبة وبلوح الرخام الماثل عند رأسه مكتوب‏:‏ هذا قبر السلطان الأجل الملك الهمام الأمضى الباسل الجواد ذي المجد الأثيل والملك الأصيل المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن السلطان الجليل الكبير الرفيع الأوحد المجاهد الهمام صاحب الفتوح المسطورة والمغازي المشهورة سلالة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين وناصر الدين الشهيد المقدس المرحوم أبي الوليد بن فرج بن نصر قدس الله روحه وبرد ضريحه‏.‏

كان مولده في الثاني لمحرم عام خمسة عشر وسبعمائة وبويع في اليوم الذي استشهد فيه والده رضي الله عنه السادس والعشرين لرجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة وتوفي رحمه الله في الثالث عشر لذي حجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة فسبحان يا قبر سلطان الشجاعة والندى فرع الملوك الصيد أعلام الهدى وسلالةٍ السلف الذي آثاره وضاحة لمن اقتدى ومن اهتدى سلفٌ لأنصار النبي نجاره قد حل منه في المكارم محتدا متوسط البيت قد أس سته سادة الأملاك أوحد أوحدا بيتٌ بناه محمدون ثلاثةٌ من آل نصر أورثوه محمدا أودعت وجهًا قد تهلل حسنه بدرًا بآفاق الجلالة قد بدا وندًا يسح على العفاة مواهبًا مثنى الأيادي السابغات وموحدا يبكيك مذعورٌ بك استعدى على أعدائه فسقيتهم كاس الردى يبكيك محتاجٌ أتاك مؤملا فغدا وقد شفعت يداك له اليدا أما سماحك فهو أسنى دية أما جلالك فهو أسمى مصعدا جادت ثراك من الإلة سحابةٌ لرضاه عنك تجود هذا المعهدا وشر ما تبع هذا السلطان تواطؤ قتلته من بني أبي العلاء وأصهارهم وسواهم من شيوخ تسوغ إراقة دمه الذي توفرت الدواعي على حياطته والذب عنه تولي كبرها شيخنا أبو الحسن بن الجياب مرتكبًا منها وصمة محت على غرر فضله إلى كثير من خدامه وممالكيه وبعثوا بها إلى ملك المغرب فاقتطعت جانب التمهيل والتأخير واللبث عن الحكم والتعليل عن السماع وبروز الأغراض واتباع السيئة أمثالها‏.‏

وقد كان رحمه الله من الجهاد وإقامة رسم الدين بحيث تزل عن هذه الهنات صفاته وتنكر هذه المذمات صفاته وكان بمكان من العز وإرسال السجية ربما عذله الشيخ في بعض الأمر فيسجم إضجارًا وتمليحًا بإخراجه ولم يمر إلا الزمان اليسير وأوقع الله بالعصبة المتمالئة عليه من أولاد عبد الله فسفتهم رياح النكبات واستأصلت نعمهم أيدي النقمات ولم تقم لهم من بعد ذلك قائمة والله غالب على أمره‏.‏

وتبعت هذا السلطان نفوس أهل الحرية ممن له طبع رقيق وحسٌ لطيف ووفاءٌ كريم ممن كان بينه وبين سطوته دفاعٌ وفي جو اعتقاده له صفاءٌ فصدرت مراث مؤثرة وأقاويل للشجون مهيجة نثبت منها يسيرًا على العادة‏.‏
فمن ذلك ما نظمه الشيخ الكاتب القاضي أبو بكر بن شبرين وكان على فصاحة ظرفه وجمال روايته غراب قربه ونائحة مأتمه يرثيه ويعرض ببعض من حمل عليه من ناس وخدامه‏:‏ استقلا ودعاني ظائفًا بين المغاني ومن قوله‏:‏ عينٌ بكى لميت غادروه في ثراه ملقى وقد غدروه دفنوه ولم يصل عليه أحدٌ منهم ولا غسلوه إنما مات يوم مات شهيدًا فأقاموا رسمًا ولم يقصدوه


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 05:58 AM


محمد بن قيس الخزرجي محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي ثالث الملوك من بني نصر يكنى أبا عبد الله‏.‏

أوليته معروفة‏.‏

حاله كان من أعاظم أهل بيته صيتًا وهمة أصيل المجد مليح الصورة عريق الإمارة ميمون النقيبة سعيد النصبة عظيم الإدراك تهنأ العيش مدة أبيه وتملى السياسة في حياته وباشر الأمور بين يديه فجاء نسيج وحده إدراكًا ونبلا وفخارًا وشأوًا‏.‏

ثم تولى الأمر بعد أبيه فأجراه على ديدنه وتقبل سيرته ونسج على منواله وقد كان الدهر ضايقه في حصته ونغصه ملاذ الملك بزمانة سدكت بعينيه لمداخلة السهر ومباشرة أنوار ضخام الشمع إذ كانت تتخذ له منها جذوع في أجسادها مواقيت تخبر بانقضاء ساعات الليل ومضى الربع وعلى التزامه لكنه وغيبوبته في كسر بيته فقد خدمته السعود وأملت بابه الفتوح وسالمته الملوك وكانت أيامه أعيادًا‏.‏

وكان يقرض الشعر ويصغي إليه ويثيب عليه فيجيز الشعراء ويرضخ للندماء ويعرف مقادر العلماء ويواكل الأشراف والرؤساء ضاربا في كل إصلاح بسهم مالئا من كل تجربة وحنكة حار النادرة حسن التوقيع مليح الخط تغلب عليه الفظاظة والقسوة‏.‏

شعره كان له شعر مستظرف من مثله لا بل يفضل به الكثير ممن ينتحل الشعر من الملوك‏.‏

ووقعت على مجموع له ألفه بعض خدامه فنقلب من مطولاته‏:‏ واعدني وعدا وقد أخلفا أقل شيء في المليح الوفا وحال من عهدي ولم يرعه ما ضره لو أنه أنصفا ما بالها لم تتعطف على صاحب لها ما زال مستعطفا خفيت سقمًا عن عيون الورى وبان حبي بعد ما قد خفا لله كم من ليلةٍ بتها أدير من ذاك اللمى قرقفا متعتني بالوصل منها وما أخلفت وعداص خلت أن يخلفا ومنها‏:‏ ملكتك القلب وأني امرؤٌ على ملك الأرض قد وقفا أوامري في الناس مسموعةٌ وليس مني في الورى أشرفا يرهف سيفي في الوغى متسلطًا ويتقي عزمي إذا ما أرهفا وترتجي يمناي يوم الندى تخالها السحب غدت وكفا نحن ملوك الأرض من مثلنا حزنا تليد الفخر والطرفا نخاف إقدامًا ونرجى ندًا لله ما أرجى وما أخوفا لي رايةٌ في الحرب كم غادرت ربع العدا قاعًا بها صفصفا يا ليت شعري والمنى جمة والدهر يومًا هل يرى منصفا وأعظم مناقبه المسجد الجامع بالحمراء على ما هو عليه من الظرف والتنجيد والترقيش وفخامة العمد وإحكام أنوار الفضة وإبداع ثراها ووقف عليه الحمام بإزائه وأنفق فيه مال الجزية وأغرمها لمن يليه من الكفار فدوا به زرعًا نهد إليه صائفته لا نتسافه وقد أهمتهم فتنة فظهر بها منقبة يتيمة ومعلوة فذة فاق بها من تقدمه ومن تأخره من قومه‏.‏

جهاده أغزى الجيش لأول أمره مدينة المنظر فاستولى عليها عنوة وملك من احتوت عليه المدينة ومن جملتهم الزعيمة صاحبة المدينة من أفراد عقائل الروم فقدمت الحضرة في جملة السبي نبيهة المركب ظاهرة الملبس رائقة الجمال خص بها ملك المغرب فاتخذها لنفسه وكان هذا الفتح عظيمًا والصيت بمزايه عظيمًا بعيدًا أنشدني‏.‏

ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة‏:‏ هجم لأول أمره على طائفة من مماليك أبيه وكان سيء الرأي فيهم فسجنهم في مطبق الأرى من حمرائه وأمسك مفتاح قفله عنده وتوعد من يرمقهم بقوت بالقتل فمكثوا أياما وصارت أصواتهم تعلو بشكوى الجوع حتى خفتت ضعفًا بعد أن اقتات آخرهم موتًا من لحم من سبقه وحملت الشفقة حارسًا كان برأس المطبق على أن طرح لهم خبزًا يسيرًا تنقص أكله مع مباشرة بلواهم وتمنى إليه ذلك فأمر بذبحه على حافة الجب فسالت عليهم دماؤه وقانا الله مصارع السوء وما زالت المقالة عنها شنيعة والله أعلم بجريرتهم لديه‏.‏

وزراؤه بقي على خطة الوزارة‏.‏

وزير أبيه أبو سلطان عزيز بن علي بن عبد المنعم الداني الجاري ذكره بحول الله في محله متبرمًا بحياته إلى أن توفي فأنشد عند موته‏:‏ مات أبو زيد فواحسرتا إن لم يكن مات من جمعة مصيبة لا غفر الله لي أن كنت أجريت لها دمعة وتمادى بها أمره يقوم بها حاشيته وقد ارتاح إليها متوليها بعده المترفع بدولته القائد الشهير البهمة أبو بكر بن المول‏.‏

حدث قارىء العشر من القرآن بين يدي السلطان ويعرف بابن بكرون وكان شيخًا متصاونًا ظريفًا قال‏:‏ عزم السلطان على تقديم هذا الرجل وزيرًا وكان السلطان يؤثر الفال وله في هذا المعنى وساوسٌ ملازمة فوجه إلى الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى يومئذ أبو عبد الله بن الحكيم المستأثر بها دونه والمتلقف لكرتها قبله وخرج لي عن الأمر وطلب مني أن أقرأ آيًا يخرج فألها عن الغرض قال فلما غدون لشآني تلوت بعد التعوذ قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم إلى قوله لنا ‏"‏ فلما فرغت الآية سمعته حاد عن رأيه الذي كان أزمعه‏.‏

وقدم للوزارة كاتبه أبا عبد الله بن الحكيم في ذي قعدة من عام ثلاثة وسبعمائة‏.‏

وصرف إليه تدبير ملكه فلم يلبث أن تغلب على أمره وتقلد جميع شئونه حسبما يأتي في موضعه إن شاء الله‏.‏

كتابه استقل برياسته وزيره المذكور وكان ببابه من كتابه جملةٌ تباهي بهم دسوت الملوك أدبًا وتفننًا وفضلًا وظرفًا كشيخنا تلوه وولي الرتبة الكتابية من بعده وفاصل الخطبة على أثره‏.‏

وغيره ممن يشار إليه في تضاعيف الأسماء كالشيخ الفقيه القاضي أبي بكر بن شبرين والوزير الكاتب أبي عبد الله بن عاصم والفقيه الأديب أبي إسحاق بن جابر‏.‏

والوزير الشاعر المفلق أبي عبد الله اللوشي من كبار القادمين عليه والفقيه الرئيس أبي محمد الحضرمي والقاضي الكاتب أبي الحجاج الطرطوشي والشاعير المكثر أبي العباس القراق وغيرهم‏.‏

استمرت ولاية قاضي أبيه الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن هشام الألثي قاضي العدل وخاتمة أولى الفضل إلى أن توفي عام أربعة وسبعمائة‏.‏

وتولي له القضاء القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي المنبور بابن فركون وتقدم التعريف به والتنبيه على فضله إلى آخر أيامه‏.‏

من كان على عهده من الملوك بالأقطار وأول ذلك بفاس كان على عهده بها السلطان الرفيع القدر السامي الخطر المرهوب الشبا المستولى في العز وبعد الصيت على المدى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المنصور بن عبد الحق وهو الذي وطد الدولة المرينية وجبا الأموال العريقة واستأصل من تتقي شوكته من القرابة وغيرهم وجاز إلى الأندلس في أيام أبيه وبعده غازيًا ثم حاصر تلمسان وهلك عليها في أوائل ذي قعدة عام ستة وسبعمائة فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرًا‏.‏

ثم صار الأمر إلى حافده أبي ثابت عامر بن الأمير أبي عامر عبد الله بن يوسف بن يعقوب بعد اختلاف وقع ونزاع انجلى عن قتل جماعة من كبارهم منهم الأمير أبو يحيى بن السلطان أبي يوسف والأمير أبو سالم بن السلطان أبي يعقوب واستمر الأمر للسلطان أبي ثابت إلى صفر من عام ثمانية وسبعمائة وصار الأمر إلى أخيه أبي الربيع سليمان تمام مدة ملكه وصدرا من دولة أخيه نصر وبتلمسان الأمير أبو سعيد عثمان بن يغمر اسن ثم أخوه أبو عمران موسى ثم ولده أبو تاشفين عبد الرحمن إلى آخر مدة أخيه‏.‏

وبتونس السلطان الفاضل الميمون النقيبة‏.‏

المشهور الفضيلة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص من أولى العفة والنزاهة والتؤدة والحشمة والعقل عني بالصالحين واختص بأبي محمد المرجاني فأشار بتقويمه وظهرت عليه بركته وكان يرتبط إليه ويقف في الأمور عنده فلم تعدم الرعية بركة ولا صلاحًا في أيامه إلى أن هلك في ربيع الآخر عام تسعة وسبعمائة ووقعت بينه وبين هذا الأمير المترجم به المراسلة والمهاداة‏.‏

وبقشتالة هراندة بن شانجة بن أدفونش بن هراندة المستولي على إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان ولا حول ولا قوة إلا بالله هلك أبوه وتركه صغيرًا مكفولا على عادتهم فتنفس المخنق وانعقدت السلم واتصل الأمان مدة أيامه وهلك في دولة أخيه‏.‏

وبرغون جايمش بن ألفنش بن بطره‏.‏

الأحداث في عام ثلاثة وسبعمائة نقم على قريبه الرئيس أبي الحجاج بن نصر الوالي بمدينة وادي آش أمرًا أوجب عزله عنها وكان مقيمًا بحضرته فاتخذ الليل جملا وكان أملك بأمرها وذاع الخبر فاستركب الجيش وقد حد ما ينزل في استصلابه وجدد الصكوك بولايته خوفًا من اشتعال الفتنة وقد أخذ على يديه وأغرى أهل المدينة بحربه فتداعوا لحين شعورهم باستعداده وأحاطوا به فدهموه وعاجلوه فتغلبوا عليه وقيد إلى بابه أسيرًا مصفدًا فأمر أحد أبناء عمه فقتله صبرًا وتملا فتحًا كبيرًا وأمن فتنة عظيمة وفي شهر شوال من عام خمسة وسبعمائة قرع الأسماع النبأ العظم الغريب من تملك سبتة وحصولها في قبضته وانتزاعها من يد رئيسها أبي طالب عبد الله بن أبي القاسم الرئيس الفقيه ابن الإمام المحدث أبي العباس العزمي حسبما يتقرر في اسم الرئيس الفقيه أبي طالب إن بلغنا الله ذلك واستأصل ما كان لأهلها من الذخائر والأموال ونقل رؤساءها وهم عدة إلى حضرته غرناطة في غرة المحرم من العام فدخلوا عليه وقد احتفل بالملك واستركب في الأبهة الجند فلثموا أطرافه واستعطفه شعراؤهم بالمنظوم من القول وخطباؤهم بالمنثور منه فطمأن روعهم وسكن جأشهم وأسكنهم في جواره وأجرى عليهم الأرزاق الهلالية وتفقدهم في الفصول إلى أن كان من أمرهم ما هو معلوم‏.‏

اختلاعه في يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة أحيط بهذا السلطان وأتت الحيلة عليه وهو مصاب بعينيه مقعدٌ في كنه فداخلت طائفة من وجوه الدولة أخاه وفتكت بوزيره الفقيه أبي عبد الله بن الحكيم ونصبت للناس الأمير أبا الجيوش نصرًا أخاه وكبست منزل السلطان فأحيط به وجعل الحرس عليه وتسومع بالكائنة فكان البهت وسال من الغوغاء البحر فتعلقوا بالحمراء يسألون عن الحادثة فشغلوا بانتهاب دار الوزير وبها من مال الله ما يفوت الوصف وكان الفجع في إضاعته على المسلمين وإطلاق الأيدي الخبيثة عليه عظيمًا وفي آخر اليوم عند الفراغ من الأمر دخل على السلطان المخلوع الشهداء عليه بخلعه بعد نقله من دار ملكه إلى دار أخرى فأملى رحمه الله زعموا وثقية خلعه مع شغب الفكر وعظم الداهية وانتقل رحمه الله بعد إلى القصر المنسوب إلى السيد بخارج الحضرة أقام به يسيرًا ثم نقل إلى مدينة المنكب وكان من أمره ما يذكر إن شاء الله‏.‏

ومما يؤثر من ظرفه حدث من كان منوطًا به من خاصته مدة أيام إقامته بقصر نجد قبل خلعه قال‏:‏ أرسل الله الأغربة على سقف القصر وكان شديد التطير والقلق لذلك حسبما تقدم من الإشارة إلى ذلك بحديث العشر وكان من جملتها غرابٌ شديد الإلحاح حاد النعيب والصياح فأغرى به الرماة من مماليكه بأنواع القسى فأبادوا من الغربان أمة وتخطأ الحتف ذلك الغراب الخبيث العبقان فلما انتقل إلى سكنى الحمراء ظهر ذلك الغراب على سقفه ثم لما أهبط مخلوعًا إلى قصر شنيل تبعه وقام في بعض السقف أمامه فقال يخاطبه رحمه الله‏:‏ يا مشئوم يا محروم بين الغربان قد خلصت أمرنا ولم يبق لك علينا طلب ولا بيننا وبينك كلام إرجع إلى هؤلاء المحارم فاشتغل بهم قال فأضحكنا على حال الكآبة بعذوبة منطقه وخفة روحه‏.‏

وفاته قد تقدم ذكر استقراره بالمنكب وفي أخريات شهر جمادى الآخرة عام عشرة وسبعمائة أصابت السلطان نصرًا سكتةٌ توقع منها موته بل شك في حياته فوقع التفاوض الذي تمحض إلى التوجيه عن السلطان المخلوع الذي بالمنكب ليعود إلى الأمر فكان ذلك وأسرع إلى إيصاله إلى غرناطة في محفة فكان حلوله بها في رجب من العام المذكور‏.‏

وكان من قدر الله أن أفاق أخوه من مرضه ولم يتم للمخلوع الأمر فنقل من الدار التي كان بها إلى دار أخيه الكبرى فكان آخر العهد به‏.‏

ثم شاعت وفاته أوائل شوال من العام المذكور فذكر أنه اغتيل غريقًا في البركة في الدار المذكورة لما توقع من عادية جواره ودفن بمقبرة السبيكة مدفن قومه بجوار الغالب هذا قبر السلطان الفاضل الإمام العادل علم الأتقياء أحد الملوك الصلحاء المخبت الأواه المجاهد في سبيل الله الرضي الأورع الأخشى الله الأخشع المراقب في السر والإعلان المعمور الجنان بذكره واللسان السالك في سياسة الخلق وإقامة الحق منهاج التقوى والرضوان كافل الأمة بالرأفة والحنان الفاتح لها بفضل سيرته وصدق سريرته ونور بصيرته أبواب اليمن والأمان المنيب الأواب العامل ما يجده نورًا مبينًا يوم الحساب ذي الآثار السنية والأعمال الطاهرة القائم في جهاد الكفار بماضي العزم وخلص النية المقيم قسطاس العدل المنير منهاج الحلم والفضل حامي الذمار وناصر دين المصطفى المختار المقتدي بأجداده الأنصار المتوسل بفضل ما أسلفوه من أعمال البر والجهاد ورعاية العباد والبلاد إلى الملك القهار أمير المسلمين وقامع المعتدين المنصور بفضل الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله السلطان الأعلى إمام الهدى وغمام الندى محيي السنة حسن الأمة المجاهد في سبيل الله الناصر لدين الله أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله بن يوسف بن نصر كرم الله وجهه ومثواه ونعمه برضاه‏.‏

ولد رضي الله عنه يوم الأربعاء الثالث لشعبان المكرم من عام خمسة وخمسين وستمائة‏.‏

وتوفي قدس الله روحه وبرد ضريحه ضحوة يوم الإثنين الثالث لشوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة رفعه الله إلى منازل أوليائه الأبرار وألحقه بأئمة ومن الجانب الآخر‏:‏ رضي الملك الأعلى يروح ويغتدي على قبر مولانا الإمام المؤيد مقر العلى والملك والبأس والندى فقدس من مغنى كريم ومشهد ومثوى الهدى والفضل والعدل والتقي فبورك من مثوى زكي وملحد فيا عجبًا طود الوقار جلالة ثوى تحت أطباق الصفيح المنضد وواسطة العقد الكريم الذي له مآثر فخرٍ بين مثنى وموحد محمد الرضى سليل محمد إمام الندى نجل الإمام محمد فيا نخبة الأملاك غير منازعٍ ويا علم الأعلام غير مفند بكتك بلادٌ كنت تحمي ذمارها بعزمٍ أصيلٍ أو برأي مسدد وكم معلم للدين أوضحت رسمه بني لك في الفردوس أرفع مصعد كأنك ما سست البلاد وأهلها بسيرة ميمون النقيبة مهتد كأنك ما قدت الجيوش إلى العدا فصيرتهم نهب القنا المتقصد كأنك ما احييت للخلق سنة تجادل عنها باللسان وباليد كأنك ما أمضيت في الله عزمة تدافع فيها بالحسام المهند فإن تجهل الدنيا عليك وأهلها بذاك ثوب الله يلقاك في غد تعوضت ذخرًا من مقام خلافة مقيمٍ منيبٍ خاشع متعبد وكل الورى من كان أو هو كائنٌ صريع الردى إن يكن فكأن قد فلا زال جارًا للرسول محمد بدار نعيمٍ في رضى الله سرمد وهذي القوافي قد وفيت بنظمها فيا ليت شعري هل يصيخ لمنشد محمد بن نصر الأنصاري الخزرجي محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي ثاني الملوك الغالبين من بني نصر وأساس أمرهم وفحل جماعتهم أوليته تقرر بحول الله في اسم أبيه الآتي بعد حسب الترتيب المشترط‏.‏

حاله من كتاب طرفة العصر من تأليفنا كان هذا السلطان أوحد الملوك جلالة وصرامة وحزمًا‏.‏

مهد الدولة ووضع ألقاب خدمتها وقرر مراتبها واستجاد أبطالها وأقام رسوم الملك فيها واستدر جباياتها مستظهرًا على ذلك بسعة الذرع وأصالة السياسة ورصانة العقل وشدة الأسر ووفور الدهاء وطول الحنكة وتملؤ التجربة مليح الصورة تام الخلق بعيد الهمة كريم الخلق كثير الأناة‏.‏

قام بالأمر بعد أبيه وباشره مباشرة الوزير أيام حياته فجرى على سنن أبيه من اصطناع أجناسه ومداراة عدوه وأجرى صدقاته وأربى عليه بخلال منها براعة الخط وحسن التوقيع وإيثار العلماء والأطباء والعدلين والحكماء والكتاب والشعراء وقرض الأبيات الحسنة وكثرة الملح وحرارة النادرة‏.‏

وطما بحرٌ من الفتنة لأول استقرار أمره وكثر عليه المنتزون والثوار وارتجت الأندلس وسط أكلب الكفار فصبر لزلزالها رابط الجأش ثابت المركز وبذل من الاحتيال والدهاء المكنوفين بجميل الصبر ما أظفره بخلو الجو‏.‏

وطال عمره وجد صيته واشتهر في البلاد ذكره وعظمت غزواته وسيمر من ذكره ما يدل على أجل من ذلك إن شاء الله‏.‏

شعره وتوقيعه وقفت على كثير من شعره وهو نمطٌ منحط بالنسبة إلى أعلام الشعراء ومستظرفٌ من الملوك والأمراء‏.‏

من ذلك يخاطب وزيره‏:‏ تذكر عزيز ليالٍ مضت وأعطاءنا المال بالراحتين وقد قصدتنا ملوك الجها ت ومالوا إلينا من العدوتين وإذا سأل السلم منا اللعي ن فلم يحظ إلى بخفي حنين وتوقيعه يشذ عن الإحصاء وبأيدي الناس إلى هذا العهد كثير من ذلك فمما كتب به على رقعة كان رافعها يسأل التصرف في بعض الشهادات ويلح عليها‏:‏ وأطال الخط عند إلهي إشعارًا بالضراعة عند الدعاء والجد‏.‏

ويذكر أنه وقع بظهر رقعة اشتكى ضرر أحد الجند المنزلين في الدور ونبزه بالتعرض لزوجه‏:‏ يخرج هذا النازل ولا يعوض بشيء من المنازل‏.‏

بنوه ثلاثة ولي عهده أبو عبد الله المتقدم الذكر وفرج المغتال أيام أخيه ونصر الأمير بعد أخيه‏.‏

بناته‏:‏ أربع عقد لهن جمع أبرزهن إلى أزواجهن من قرابتهن تحت أحوال ملوكية ودنيا عريضة وهن‏:‏ فاطمة ومؤمنة وشمس وعائشة‏.‏

وفاطمة منهن أم حفيده إسماعيل الذي ابتز ملك بنيه عام ثلاثة عشر وسبعمائة‏.‏

وزيره كان وزيره الوزير الجليل الفاضل أبو سلطان لتقارب الشبه زعموا في السن والصورة وفضل الذات ومتانة الدين وصحة الطبع وجمال الرواء أغنى وحسنت واسطته ورفعت إليه الوسائل وطرزت باسمه الأوضاع واتصلت إلى أيامه أيام مستوزره ثم صدرًا من أيام ولي عهده‏.‏

ولي له خطة الكتابة والرياسة العليا في الإنشاء جملةٌ منهم كاتب أبيه أبو بكر ابن أبي عمرو اللوشي ثم الأخوان أبو علي الحسن والحسين إبنا محمد بن يوسف ابن سعيد اللوشي سبق الحسن وتلاه الحسين وكانا توأمين ووفاتهما متقاربة ثم كتب له الفقيه أبو القاسم محمد بن محمد بن العابد الأنصاري آخر الشيوخ وبقية الصدور والأدباء أقام كاتبًا مدة إلى أن أبرمه انحطاطه في هوى نفسه وإيثاره المعاقرة حتى زعموا أنه قاء ذات يوم بين يديه‏.‏

فأخره عن الرتبة وأقامة في عداد كتابه إلى أن توفي تحت رفده‏.‏

وتولى الكتابة الوزير أبو عبد الله بن الحكيم فاضطلع بها إلى آخر دولته‏.‏

قضاته تولي له خطة القضاء قاضي أبيه الفقيه العدل أبو بكر بن محمد بن فتح الإشبيلي الملقب بالأشبرون‏.‏

تولى قبل ذلك خطة السوق فلقي سكران أفرط في قحته واشتد في عربدته وحمل على الناس فأفرجوا عنه فاعترضه واشتد عليه حتى تمكن منه بنفسه واستنصر في حده وبالغ في نكاله واشتهر ذلك عنه فجمع له أمر الشرطة وخطة السوق ثم ولي القضاء فذهب أقصى مذاهب الصرامة إلى أن هلك فولي خطة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد بن هشام من أهل ألش لحكاية غبطت السلطان بدينه ودلته على محله من العدل والفضل فاتصلت أيام قضائه إلى أيام مستقضية رحمه الله‏.‏

جهاده‏:‏ وباشر هذا السلطان الوقائع فانجلت ظلماتها عن صبح نصره وطرزت مواقعها بطراز جلادته وصبره فمنها وقيعة المطران وغيرها مما يضيق التأليف عن استقصائه‏.‏

وفي شهر المحرم من عام خمسة وتسعين وستمائة على تفئة هلاك طاغية الروم شانجه بن أدفونش عاجل الكفار لحين دهشهم فحشد أهل الأندلس واستنفر المسلمين فاغتنم الداعية وتحرك في جيش يجر الشوك والشجر ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها ففتحها الله على يديه وتملك بسببها جملة من الحصون التي ترجع إليها وكان الفتح في ذلك عظيما وأسكنها جيشًا من المسلمين وطائفة من الحامية فأشرقت العدو بريقه‏.‏

وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة نازل مدينة القبذاق فدخل جفنها واعتصم من تأخر أجله بقصبتها ذات القاهرة العظيمة الشأن الشهيرة في البلدان فأحيط بهم فخذلوا وزلزل الله أقدامهم فألقوا باليد وكانوا أمنع من عقاب الجو وتملكها على حكمه وهي من جلالة الوضع وشهرة المنعة وخصب الساحة وطيب الماء والوصل إلى أفلاذ الكفر والاطلاع على عوراته بحيث شهر‏.‏

فكان تيسر فتحها من غرائب الوجود وشواهد اللطف وذلك في صلاة الظهر من يوم الأحد الثامن لشهر شوال عام تسعة وتسعين وستمائة وأسكن بها رابطة المسلمين وباشر العمل في خندقها بيده رحمه الله فتساقط الناس من ظهور دوابهم إلى العمل فتم ما أريد منه سريعًا‏.‏

وأنشدني شيخنا أبو الحسن الجياب بهنئه بهذا الفتح‏:‏ عدوك مقهورٌ وحزبك غالب وأمرك منصور وسهمك صائب وشخصك مهما لاح للخلق أذعنت لهيبته عج الورى والأعارب وهي طويلة‏.‏

من كان على عهده من الملوك‏.‏

كان على عهده بالمغرب السلطان الجليل أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور وكان ملكًا صالحًا ظاهر السذاجة سليم الصدر مخفوض الجناح شارعًا أبواب الدالة عليه منهم أشبه بالشيوخ منه بالملوك في إخمال اللفظ والإغضاء عن الجفوة والنداء بالكنية‏.‏

وهو الذي استولى على ملك الموحدين واجتث شجرتهم من فوق الأرض وورث سلطانهم واجتاز إلى الأندلس كما تقدم مرات ثلاث أو أزيد منها وغزا العدو وجرت بينه وبين السلطان المترجم به أمور من سلم ومنقاضة وإعتاب وعتب حسبما تدل على ذلك القصائد الشهيرة المتداولة وأولها ما كتب به على عهده الفقيه الكاتب الصدر أبو عمرو بن المرابط في هل من معيني في الهوى أو منجدي من متهم في الأرض أو منجد وتوفي السلطان المذكور بالجزيرة الخضراء في عنفوان وحشة بينه وبين هذا السلطان في محرم خمسة وثمانين وستمائة وولي بعده ولده العظيم الهمة القوي العزيمة أبو يعقوب يوسف وجاز إلى الأندلس على عهده واجتمع به بظاهر مربلة وتجدد العهد وتأكد الود ثم عادت الوحشة المفضية إلى تغلب العدو على مدينة طريف فرضة المجاز الأدنى واستمرت أيام السلطان أبي يعقوب إلى آخر مدة السلطان المترجم به ومدة ولده بعده‏.‏

وبوطن تلمسان أبو يحيى يغمور وهو يغمر اسن بن زيان بن ثابت بن محمد ابن بندوسن بن طاع الله بن علي بن يمل وهو أوحد اهل زمانه جرأة وشهامة ودهاء وجزالة وحزمًا‏.‏

مواقفه في الحروب شهيرة وكانت بينه وبين بني مرين وقائع كان عليه فيها الظهور وربما ندرت الممانعة وعلى ذلك فقوى الشكيمة ظاهر المنعة‏.‏

ثم ولي بعده ولده عثمان إلى تمام مدة السلطان المترجم به وبعضًا من دولة ولده‏.‏

وبوطن إفريقية الأمير الخليفة أبو عبد الله بن أبي زكريا بن أبي حفص الملقب بالمستنصر المثل المضروب في البأس والأنفة وعظم الجبروت وبعد الصيت إلى أن هلك سنة أربعة وسبعين وستمائة ثم ولده الواثق بعده ثم الأمير أبو إسحاق وقد تقدم ذكره‏.‏

ثم كانت دولة الدعي ابن أبي عمارة المتوثب على ملكهم ثم دولة أبي حفص مستنقذها من يده وهو عمر بن أبي زكريا ابن عبد الواحد ثم السلطان الخليفة الفاضل الميمون النقيبة أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير زكريا‏.‏

وبوطن النصارى بقشتالة ألفنش بن هراندة إلى أن ثار عليه ولده شانجه واقتضت الحال إجازة سلطان المغرب واستجار به وكان من لقائه بأحواز الصخرة من كورة تاكرنا ما هو معلوم‏.‏

ثم ملك بعده ولده شانجه واتصلت ولايته مدة أيام السلطان وجرت بينهما خطوب إلى أن هلك عام أربع وسبعين وستمائة‏.‏

وولي بعده ولده هراندة سبعة عشر عامًا وصار الملك إليه وهو صبيٌ صغير فتنفس مخنق أهل الأندلس وغزا سلطانهم وظهر إلى آخر مدته‏.‏

وبرغون ألفنش بن جايمش بن بطره بن جايمش المستولى على بلنسية ثم هلك وولي بعده جايمش ولده وهو الذي نازل مدينة ألمرية على عهد نصرٍ ولده واستمرت أيام حياته إلى آخر مدته‏.‏

وكان لا نظير له في الدهاء والحزم والقوة‏.‏

من الأحداث في أيامه على عهده تفاقم الشر وأعيا داء الفتنة ولقحت حرب الرؤساء الأصهار من بني إشقيلولة فمن دونهم وطنب سرادق الخلاف وأصاب الأسر وفحول الثروة الرؤساء فكان بوادي آش الرئيسان أبو محمد وأبو الحسن وبمالقة وقمارش الرئيس أبو محمد عبد الله وبقمارش‏:‏ رئيس آخر هو الرئيس أبو إسحاق فأما الرئيس أبو محمد فهلك وقام بأمره بمالقة ولده وابن أخت السلطان المترجم به‏.‏

ثم خرج عنها في سبيل الانحراف والمنابذة إلى ملك المغرب ثم تصير أمرها إلى السلطان على يد واليها من بني علي‏.‏

وأما الرئيسان فصابرا المضايقة وعزمًا على النطاق والمقاطعة بوادي آش زمانًا طويلًا‏.‏

وكان آخر أمرهما الخروج عن وادي آش إلى ملك المغرب‏:‏ معوضين بقصر كتامة حسبما يذكر في أسمائهم‏.‏

إن بلغنا الله إليه‏.‏

في أيامه كان جواز السلطان المجاهد أبي يوسف يعقوب بن عبدالحق إلى الأندلس مغازيًا ومجاهدًا في سبيل الله‏.‏

في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة وقد فسد ما بين سلطان النصارى وبين ابنه واغتنم المسلمون الغرة واستدعى سلطان المغرب إلى الجواز ولحق به السلطان المترجم به وجمع مجلسه بين المنتزين عليه وبينه وأجلت الحال عن وحشة وقضيت الغزاة وآب السلطان إلى مستقره‏.‏

وفي العام بعده كان إيقاع السلطان ملك المغرب بالزعيم ذنوبه واستئصال شأفته وحصد شوكته‏.‏

ثم عبر البحر ثانية بعد رجوعه إلى العدوة واحتل بمدينة طريف في أوائل ربيع الأول عام سبعة وسبعين وستمائة ونازل إشبيلية وكان اجتماع السلطانين بظاهر قرطبة فاتصلت اليد وصلحت الضمائر ثم لم تلبث الحال أن استحالت إلى فساد فاستولى ملك المغرب على مالقة بخروج المنتزي بها إليه إلى يوم الأربعاء التاسع والعشرين لرمضان عام سبعة وسبعين وستمائة‏.‏

ثم رجعت إلى ملك الأندلس بمداخلة من كانت بيده ولنظره حسبما يأتي بعد إن شاء الله‏.‏

وعلى عهده نازل طاغية الروم الجزيرة الخضراء وأخذ بمخنقها وأشرف على افتتاحها فدافع الله عنها ونفس حصارها وأجاز الروم بحرها على يد الفئة القليلة من المسلمين فعظم المنح وأسفر الليل وانجلت الشدة في وسط ربيع الأول من عام ثمانية وسبعة وسبعين وستمائة‏.‏

مولده بغرناطة عام ثلاثة وثلاثين وستمائة وأيام دولته ثلاثون سنة وشهر واحد وستة أيام‏.‏

وفاته من كتاب طرفة العصر من تأليفنا في التاريخ قال واستمرت الحال إلى أحد وسبعمائة فكانت في ليلة الأحد الثامن من شهر شعبان في صلاة العصر وكان السلطان رحمه الله في مصلاه متوجهًا إلى القبلة لأداء فريضته على أتم ما يكون عليه المسلم من الخشية والتأهب زعموا أن شرقًا كان يعتاده لمادة كانت تنزل من دماغه وقد رجمت الظنون في غير ذلك لتناول عشية يومه كعكا اتخذت له بدار ولي عهده والله أعلم بحقيقة ذلك‏.‏

ودفن منفردًا عن مدفن سلفه شرقي المسجد الأعظم في الجنان المتصل بداره ثم ثني بحافده السلطان أبي الوليد وعزز بثالث كريم من سلالته وهو السلطان أبو الحجاج ابن أبي الوليد تغمد الله جميعهم برحمته وشملهم بواسع مغفرته وفضله‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif الجزء الثاني
محمد بن يوسف بن قصر الخزرجي محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن قصر الخزرجي أمير المسلمين لهذا العهد بالأندلس صدر الصدور وعلم الأعلام وخليفة الله وعماد الإسلام وقدوة هذا البيت الأصيل ونير هذا البيت الكريم ولباب هذا المجد العظيم ومعنى الكمال وصورة الفضل وعنوان السعد وطاير اليمن ومحول الصنع الذي لا تبلغ الأوصاف مداه ولا توفى العبارة حقه ولا يجري النظم والنثر في ميدان ثنايه ولا تنتهي المدائح إلى عليائه‏.‏
أوليته أشهر من إمتاع الضحى مستولية على المدا بالغلة بالسعة بالانتساب إلى سعد بن عبادة عنان السماء مبتجحة في جهاد العدا بحالة من ملك جزيرة الأندلس وحسبك بها وهي بها في أسنى المزاين والحلى وقدمًا فيه بحسب لمن سمع ورأى‏.‏
حاله هذا السلطان أيمن أهل بيته نقيبة وأسعدهم ميلادًا وولاية قد جمع الله له بين حسن الصورة واستقامة البنية واعتدال الخلق وصحة الفكر وثقوب الذهن ونفوذ الإدراك‏.‏
ولطافة المسايل وحسن التأني وجمع له من الظرف ما لم يجمع لغيره إلى الحلم والأناة اللذين يحبهما الله وسلامة الصدر التي هي من علامة الإيمان ورقة الحاشية وسرعة العبرة والتبرين في ميدان الطهارة والعفة إلى ضخامة التنجد واستجادة الآلات والكلف بالجهاد وثبات القدم وقوة الجأشئ ِ ومشهور البسالة وإيثار الرفق وتوخي السداد ونجح المحاولة‏.‏
زاده الله من فضله وأبقى أمره في ولده وأمتع المسلمين بعمره‏.‏
ساق الله إليه الملك طواعية واختيارًا إثر صلاة عيد الفطر على بغتة وفاة المقدس أبيه من عام خمسة وخمسين وسبعمائة لمخايل الخير ومزية السن ومظنة البركة وهو يافع قريب العهد بالمراهقة فأنبته الله النبات الحسن وسدل به الستر وسوغ العافية وهنأ العيش فلم تشح في مدته السماء ولا كلب الأعداء ولا تبدلت الألقاب ولا عونيت الشدائد ولا عرف الخوف ولا فورق الخصب إلى أن كانت عليه الحادثة ونابه التمحيص الذي أكسبه الحنكة وأفاده العبرة فشهد بعناية الله في كف الأيدي العادية وأخطأ ألم السهام الراشقة وتخييب الآمال المكايدة وانسدال أروقة الستر والعصمة ثم العودة الذي عرف الإسلام بدار الإسلام قدرها وتملأ عزها ورجح وزنها كما اختبر ضدها فرصة الملك وشاع العدل وبعد الصيت وانتشر الذكر وفاض الخير وغزر القطر فظهرت البركات وتوالت الفتوح وتخلدت الآثار‏.‏
وسيرد من بيان هذه الجمل ما يسعه الترتيب بحول الله‏.‏
ترتيب دولته الأولى إذ هو ذو دولتين ومسوغ ولايتين عززهما الله بملك الآخرة بعد العمر الذي يملأ صحايف البر ويخلد حسن الذكر ويعرف إلى الوسيلة ويرفع في الرفيق الأعلى الدرجة عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون‏.‏
وزراؤه وحجابه أنتدب إلى النيابة عنه والتشمير إلى الحجابة ببابه الشيخ القايد المعتمد بالتجلة المتحول من الخدام النبهاء المتسود الأبوة المخصوص بالفدح المعلى من المزية المسلم له في خصوصية الملك والتربية ظهير العلم والأدب وأمين الجد ومولى السلف ومفرغ الرأي إلى هذا العهد وعقد سفرة السلطان وبقية رجال الكمال من مشيخة المماليك وخيار الموالي أبا النعيم رضوان رحمه الله فحمد الكل وخلف السلطان وأبقى الرتب وحفظ الألقاب وبذل الإنصاف وأوسع السكنف واستدعى النصيحة ولم يأل جهدًا في حسن السيرة وتظاهر المحض وأفردني بالمزية وعاملني بما يرتد عنه جسر أطرف الموالاة والصحبة ووفى لي الكيل الذي لا يقتضيه السن والقربة من الاشتراك في الرتبة والتزحزح عن الهضبة والاختصاص باسم الوزارة على المشهر والغيبة والمحافظة على التشيع والقدمة بلغ في ذلك أقصى الغايات‏.‏
مدارج التخلق المأثور عن الجلة والتودد إلى المرة بعد المرة واختصصت بفوت المدة بالسلطان فكنت المنفرد بسره دونه ومفضي همه وشفاء نفسه فيما ينكره من فتنة تقع في سيرته أو تصير توجيه السذاجة في معاملاته وصلاح ما يتغير عليه من قلبه إلى أن لحق بربه‏.‏
شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره أقر على الغزاة شيخهم على عهد أبيه أبا زكريا يحيى بن عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق مطمح الطواف وموفي الاختيار ولباب القوم وبقية السلف‏.‏
حزمًا ودهاء وتجربة وحنكة وجدًا وإدراكًا ناهيك من رجل فذ المنازع غريبها مستحق التقديم شجاعة وأصالة ورأيًا ومباحثة نسابة قبيله وأضحى قسهم وكسرى ساستهم إلى لطف السجية وحسن التأني لغرض السلطان وطرق التنزل للحاجات ورقة غزل الشفاعات‏.‏
وإمتاع المجلس وثقوب الذهن والفهم وحسن الهيئة‏.‏
وزاده خصوصية ملازمته مجلس الرفاع المعروضة‏.‏
والرسل الواردة‏.‏
وسيأتي ذكره في موضعه بحول الله تعالى‏.‏
قمت لأول الأمر بين يديه بالوظيفة التي أسندها إلي أبوه المولى المقدس رحمه الله من الوقوف على رأسه والإمساك في التهاني والمبايعة بيده‏.‏
والكتابة والإنشاء والعرض والجواب‏.‏
والخلعة والمجالسة جامعًا بين خدمة القلم ولقب الوزارة معزز الخطط برسم القيادة مخصوصًا بالنيابة عنه في الغيبة على كل ما اشتمل عليه سور القلعة والحضرة مطلق أمور الإيالة محكمًا في أشتاته تحيكم الأمانة مطلق الجراية ظاهر الجاه والنعمة‏.‏
ثم تضاعف العز وتأكد الرعي وتمحض القرب فنقلني من جلسة المواجهة إلى صف الوزارة وعاملني بما لا مزيد عليه من العناية وأحلني المحل الذي لا فوقه في الخصوصية كافأ الله فضله وشكر رعيه وأعلى محله عنده‏.‏
وأصدر لي هذا الظهير لثاني يوم ولايته‏:‏ هذا ظهير كريم صفي شربه‏.‏
وسفرني في الرسالة عنه إلى السلطان الخليفة الإمام ملك المغرب وما إليه من البلاد الإفريقية أبي عنان حسبما يأتي ذكره‏.‏
ثم أعفاني في هذه المدة الأولى عن كثير من الخدمة ونوه بي عن مباشرة العرض بين يديه بالجملة فاخترت للكل والبدلة وما صان عنه في سبيل التجلة وإن كان منتهي أطوار الرفعة الفقيه أبا محمد بن عطية مستنزلًا عن قضاه وادي آش وخطابتها فكان يتولى ما يكتب بنظري وراجعًا لحكمى ومترددًا لبالي مكفي المؤنة في سبيل الحمل الكلي إلى وقوع الحادثة قضاته حدد أحكام القضاء والخطابة لقاضي أبيه الشيخ الأستاذ الشريف نسيج وحده وفريد دهره إغرابًا في الوقار وحسن السمت وأصالة البيت وتبحرًا في علوم اللسان وإجهازًا في فصل القضايا وانفرادًا ببلاغة الخطبة وسبقًا في ميدان الدهاء والرجاحة أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسني الجانح إلى الإيالة النصرية من مدينة سبتة‏.‏
وسيأتي التعريف به في مكانه إن شاء الله‏.‏
وتوفي رحمه الله بين يدي حدوث الحادثة فأرجئ الأمر بمكانه إلى قدوم متلفق الكرة ومتعاور تلك الخطة الشيخ الفقيه القاضي أبي البركات قاضي أبيه‏.‏
ووليها الأحق بها بعده إذ كان غايبًا في السفارة عنه فوقع التمحيص قبل إبرام الأمر على حال الإستنابة‏.‏
الملوك على عهده وأولهم بالمغرب السلطان الإمام أمير المسلمين أبو عنان ابن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق البعيد الشأو في ميدان السعادة والمصمى أغراض السداد ومعظم الظفر ومخول الموهبة المستولي على آماد الكمال عقلًا وفضلًا وأبهةً ورواءًا وخطًا وبلاغة وحفظًا وذكاء وفهمًا وأقدامًا تغمده الله برحمته بعثني إلى بابه رسولًا على إثر بيعته وتمام أمره وخاطبًا إثره ووده مسترفدًا من منحة قبوله فألفيت بشرًا مبذولا ورفدًا ممنوحًا وعزًا باذخًا يضيق الزمان عن جلالته وتقصر الألسنة عن كنه وصفه فكان دخولي عليه في الثامن والعشرين من شهر ذي قعدة عام خمسة وخمسين المذكور وأنشدته بين يدي المخاطبة ومضمن الرسالة‏:‏ خليفة الله ساعد القدر علاك ما لاح في الدجا قمر فأحسب وكفى واحتفل واحتفى وأفضت بين يدي كرمته إلى الحضور معه في بعض المواضع المطلة على مورد وحب‏.‏
هاج به الخدام أسدًا أرود شئن الكفين مشعر اللبدة حتى مرق عن تابوت خشبي كان مسجونا به من بعد إقلاعه من بعض كواه وأثارته من خلقه واستشاط وتوقد بأسًا‏.‏
وجلب ثور عبل الشوى منتصب المروى يقدمه صوار من الجواميس فقربت الخطا وحميت الوغى وبلغ الزئير والجوار ما شاء في موقف من ميلاد الشيم العلي يخشى الجبان مقارعة العدا ويوطن نفسه الشجاع على ملاقة الردى وخار الأسد عن المبارزة لما بلغ منه ثقافًا عن رد المناوشة ومضطلعًا بأعباء المحاملة فتخطاه إلى طائفة من الرجالة أولى عدة وذوي دربة حمل نفسه متطارحًا كشهاب الرجم وسرك الدجا وأخذته رماحهم بإبادته بعد أن أردى بعضهم وجدل بين يدي السلطان متخبطا في دمه‏.‏
وعرض بعض الحاضرين وأغرى بالنظم في ذلك فأنشدته‏:‏ وخصايص لله بث ضروبها في الخلق ساد لأجلها من سادا إن الفضايل في حماك بضايع لم تخش من بعد النفاق كسادا كان الهزبر محاربًا فجزيته بجزاء من في الأرض رام فسادا فابغ المزيد من آلايه بشكره وأرغم بما خولته الحسادا فستحسن تأتى القريحة وإمكان البديهة مع قيد الصفة وهيبة المجلس‏.‏
وكان الانصراف بأفضل ما عاد به سفير من واد أصيل وإمداد موهوب ومهاداة أثيرة وقطار مجنوب وصامت محمول وطعمة مسوغة‏.‏
وكان الوصول في وسط محرم من عام ست وخمسين وسبع ماية وقد نجح السعي وأثمر الجهد وصدقت المخيلة وقد تضمن رحلى الوجهة والأخرى قبلها جزء‏.‏
والحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة‏.‏
وتوفى زعموا بحيلة وقيل حتف أنفه لما نهكه المرض وشاع عنه الإرجاف وتنازع ببابه الوزراء وتسابق إلى بابه الأبناء‏.‏
وخاف مدبر أمره عايدة ملامته على توقع برئه وكان سيفه يسبق على سوطه والقبر أقرب إلى من تعرض لعتبه من سجنه فقضى موضع هذا السبيل خاتمة الملوك الجلة من أهل بيته‏.‏
جدد الملك وحفظ الرسوم وأجرى الألقاب وأغلظ العقاب وصير إيالته أضيق من الخد‏.‏
وأمد الأندلس وهزم الأضداد وخلد الآثار وبنى المدارس والزوايا واستجلب الأعلام‏.‏
وتحرك إلى تلمسان فاستضافها إلى إيالته ثم ألحق بها قسنطينة وبجاية وجهز أسطوله إلى تونس فدخلها وتملكها ثقاته في رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة واستمرت بها دعوته إلى ذي قعدة من العام رحمة الله عليه‏.‏
وكانت وفاته في الرابع عشر لذي حجة من عام تسع وخمسين وسبعمائة‏.‏
وصار الأمر إلى ولده المسمى بالسعيد المكنى بأبي بكر مختار وزيره ابن عمر الفدووي‏.‏
ورام ضبط الإيالة المشرقية فأعياه ذلك وبايع الجيش الموجه إليها منصور بن سليمان ولجأ الوزير وسلطانه إلى البلد الجديد مثوى الخلافة المرينية فكان أملك بها‏.‏
ونازله منصور بن سليمان ثم استفضى إليه أمر البلد لحزم الوزير وقوة شكيمته‏.‏
وغادر السلطان أبو سالم إبراهيم بن السلطان أبي الحسن أخو الهالك السلطان أبي عنان الأنلسي وقد كان استقر بها بإبعاد أخيه إياه عن المغرب كما تقدم في اسمه فطلع على الوطن الغربي بإعانة من ملك النصارى عانى فيها هولًا كثيرًا واستقر بآخرة بعد إخفاق شيعته المراكشيةِ بساحل طنجة مستدعي ممن بجبال غمارة ودخلت سبتة وطنجة في طاعته‏.‏
وفر الناس عن منصور بن سليمان ضربة لازب وتقبض عليه وعلى ابنه فقتلا صبرًا نفعهما الله‏.‏
وتملك السلطان أبو سالم المدينة البيضاء يوم الخميس عشر لشعبان عام ستين وسبعمائة بنزول الوزير وسلطانه عنها إليه‏.‏
ثم دالت الدولة‏.‏
وكان من لحاق السلطان برندة واستعانته على رد ملكه ما يأتي في محله والبقاء وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى بن يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراس بن زيان قريب العهد باسترجاعها لأول أيام السعيد‏.‏
وبتونس الأمير إبراهيم بن الأمير أبي بكر بن الأمير أبي حفص بن الأمير أبي بكر ين أبي حفص بن إبراهيم بن أبي زكريا يحيى بن عبد الواجد لنظر الشيخ رأس الدولة وبقية الفضلاء الشهير الذكر الشائع الفضل المعروف السياسة أبي محمد عبد الله بن أحمد بن تأفراقين‏.‏
تحت مضايقة من عرب الوطن‏.‏
ومن ملوك النصارى بقشتالة بطره بن ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفنش بن هراندة إلى الأربعين وهو كما اجتمع وجهه تولى الملك على أخريات أيام أبيه في محرم عام أحد وخمسين وسبعمائة‏.‏
وعقد معه سلم على بلاد المسلمين‏.‏
ثم استمر ذلك بعد وفاته في دولة ولداه المترجم به وغمرت الروم‏.‏
وألقت العصا وأغضت القضاء وأجالت على الكثير من الكبار الردى بما كان من إخافته ساير إخواته لأبيه من خاصته العجلة الغالبة على هواه فنبذوه على سوء بعد قتلهم أمهم وانتزوا عليه بأقطار غرسهم فيها أبوهم قبل موته بمرعية أمهم‏.‏
وسلك لأول أمره سيرة أبيه في عدوله عن عهوده بمكابيه لمنصبه إلى اختصاص عجلة أنف بحراه كبار قومه من أجل ضياع بذره وانقراض عقبه فمال الخوارج عليه ودبروا القبض عليه وتحصل في أنشوطة يقضي أمره بها إلى مطاولة عقله أو عاجل خلع لولا أنه أفلت وتخلص من شراراها‏.‏
فاضطره ذلك إلى صلة السلم وهو الآن بالحالة الموصوفة‏.‏
الأحداث في أيامه لم يحدث في أيامه حدث إلا العافية المسحة والهدنة المتصلة والأفراح المتجددة والأمنة المستحكمة والسلم المنعقدة‏.‏
وفي آخر جمادى عام ست وخمسين وسبعمائة لحق بجبل الفتح فشمم شعبته وأبر متبوته كان على ثغره العزيز على المسلمين من لدن افتتاحه الموسوم الخطة المخصوص بمزية تشييده عيسى بن الحسن بن أبي منديل بقية الشيوخ أولي الأصالة والدهاء والتزيي بزي الخير والمثل الساير في الانسلاخ من آية السعادة والإغراق في سوء العقبى‏.‏
والله غالب على أمره فكان أملك بمصامه وقر عينه بلقاء ولده والتمتع منه بجواد عتيق‏.‏
ملي من خلال السياسة أرداه سوء الحظ وشؤم النصبة وأظلم ما بينه وبين سلطانه مسوغه برداء العافية على تفه صغر وملبسه رداء العفة على قدح الأمور أبدى منها الخوف على ولده وعرض ديسم عزمه على ذوبان الجبل فاتحطوا في هواه وغروه بكاذب عصبة فأظهر الامتناع سادس ذي قعدة من العام المذكور واتصلت الأخبار وساءت الظنون وضاقت الصدور ونكست الرؤوس لتوقع الفاقرة بانسداد باب الصريخ‏.‏
وانبتات سبب النصرة‏.‏
وانبعاث طمع العدو واتحطت الأطماع في استرجاعه واستقالته لمكان حصانته وسمو الذروة ووفور العدة ووجود الطعمة وأخذه بتلاشي الفرصة‏.‏
ثم ردفت الأخبار بخروج جيشه صحبة ولده إلى منازلة أشتبونة وإخفاق أمله فيها‏.‏
وامتساك أهلها بالدعوة وانتصافهم من الطائفة العادية فبودر إليها من مالقة بالعدد‏.‏
وخوطب السلطان من ملك المغرب أيده الله بالجلية فتحققت المنابذة واستقرت الظنون‏.‏
وفي الخامس والعشرين من شهر ذي قعدة ثار به أهل الجبل وتبرأ منه أشياعه وخذلوه بالفرار فأخذت شعابه ونقابه فكر راجعًا أدراجه إلى القاعدة الكبيرة‏.‏
وقد أعجله الأمر وحملته الطمأنينة على إغفال الاستعداد بها‏.‏
وكوثر فألقى به وقد لحق به بعض الأساطيل بسبتة‏.‏
لداعي تسور توطي على إمارته فقيد هو وأبنه وخيض بهما البحر للحين‏:‏ ولم ينتطح فيها عنزان رحمه الله سنام فئة ألقت بركها وأناخت بكلكلها وقد قدر أنها واقعة ليس لها من دون الله كاشفة فقد كان من بالجبل برموا على إيالة ذينك المرتسمين‏.‏
وألقوا أجوارها وأعطوهما الصفقة بما أطمعهما في الثورة ولكل أجل كتاب‏.‏
واحتمل إلى الباب السلطاني بمدينة فاس وبرز الناس إلى مباشرة إيصالهما مجلوبين في منصة الشهرة مرفوعين في هضبة المثلة‏.‏
ثم أمضى السلطان فيهما حكم الفساد بعد أيام الحرابة فقتل أشيخ بخارج باب السمارين من البلد الجديد‏.‏
بأيدي قرابته فكان كما قال الأول‏:‏ وقطهن رجل الولد ويده‏.‏
بعد طول عمل وسوء تناول ولم ينشب أن استنفذه حمامه فأضحى عبرة في سرعة انقلاب حالهما من الأمور الحميدة حسن طلعة وذياع حمد وفضل شهرة‏.‏
واستفاضة خيرية ونباهة بيت وأصالة عز إلى ضد هذه الخلال وقانا الله مصارع السوء ولا سلب عنا جلباب الستر والعافية‏.‏
وسد السلطان ثغر الجبل بآخر من ولده اسمه السعيد وكنيته أبو بكر فلحق به في العشر الأول من المحرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة ورتب له بطانته وقدر له أمره وسوغه رزقًا رغدًا وعيشًا خفضًا‏.‏
وبادر السلطان المترجم له إلى توجيه رسوله قاضيًا حقه مقرر السرور بجواره وأتبع ذلك ما يليق من الحال من بر ومهاداة ونزل وتعقبت بعد أيام المكافآت فاستحكم الود وتحسنت الألفة إلى هذا العهد‏.‏
والله ولي توفيقهم ومسني الخير والخيرة على أيديهم‏.‏
الحادثة التي جرت عليه واستمرت أيامه كأحسن أيام الدول خفض عيش وتوالى خصب وشياع أمن إلا أن شيخ الدولة القايد أبا النعيم رحمه الله أضاع الحزم‏.‏
وإذا أراد الله إنفاذ قضايه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم بما كان من أمنه جانب القصر الملزم دار سكناه من علية فيها أخو السلطان بتهاونه يحيل أمه المداخلة في تحويل الأمر إليه جملة من الأشرار دار أمرهم على زوج ابنتها اللائيس محمد بن إسماعيل بن فرج من القرابة الأخلاف وإبراهيم بن أبي الفتح‏.‏
والدليل الموروري‏.‏
وأمدته بالمال فداخل القوم جملة من فرسان القيود وعمرة السجون وقلاميد الأسوار‏.‏
وكانت تتردد إليه في سبيل زيارة بنتها الساكنة في عصمة هذا الخبيث المنزوع العصمة خارج القلعة حتى تم يوم الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من العام اجتمعوا وقد خفى أمرهم وقد تألفوا عددا يناهز الماية بالقوس الداخل من وادي هداره إلى البلد لصق الجناح الصاعد منه إلى الحمراء وكان بسورها ثلم لم يتم ما شرعوا فيه من إصلاحه فنصبوا سلمًا أعد لذلك وصعدوا منه‏.‏
ولما استوفوا قصدوا الباب المضاع المسلحة للثقة بما قبل فلما تجاوزوه أعلنوا بالصياح واستغلظوا بالتهويل‏.‏
وراعوا الناس بالاستكثار من مشاعل الخلفاء فقصدت طايفة منهم دار الشيخ القايد أبي النعيم فاقتحمته غلابًا وكسرت أبوابه وقتلته في مضجعه وبين أهله وولده وأنتهبت ما وجدت به‏.‏
وقصدت الأخرى دار الأمير الذي قامت بدعوته فاستنجزته واستولت على الأمر‏.‏
وكان السلطان متحولًا بأهله إلى سكني جنة العريف خارج القلعة فلما طرقه النبأ وقرعت سمعه الطبول سدده الله وساند أمره في حال الحيرة إلى امتطاء جواد كان مرتبطًا عنده في ثياب تبذله ومصاحبًا لأفراد من ناسه وطار على وجهه فلحق بوادي آش قبل سبوق نكبته وطرق مكانه بأثر ذلك فلم يلف فيه واتبع فاعيا المتبع‏.‏
ومن الغد استقام الأمر لأولي الثورة واستكملوا لصاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم أمر البيعة وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم بالأزمة وأرسلوا إلى ملك النصارى في عقد الصلح‏.‏
وشرعوا في منازلة وادي أش بعد أنثبت أهلها مع المعتصم بها فلازمته المحلات وولي عليه التضييق‏.‏
وخيف فوات البدر ونفاد القوة فشرع السلطان في النظر نفسه وخاطب السلطان أبا سالم ملك المغرب في شأن القدوم عليه فتلقاه بالقبول وبعث من يمهد الحيث في شأنه فتم ذلك ثاني يوم عيد النحر من العام‏.‏
وكنت عند الحادثة على السلطان ساكنًا بجننتي المنسوبة إلي من الحضرة منتقلًا إليها بجملتي عادة المترفين إذ ذاك من مثلي فتخطائى الحتف ونالتني النكبة فاستأصلت النعمة العريضة والجدة الشهيرة فما ابتقت طارفًا ولا تليدًا ولا ذرت قديمًا ولا حديثًا والحمد لله مخفف الحساب وموقظ أولي الألباب ولطف الله بأن تعطف السلطان بالمغرب إلى شفاعة بي بخطه وجعل أمري من فصول قصده‏.‏
ففكت عني أصابع الأعداء واستخلصت من أنيابهم ولحقت بالسلطان بوادي آش‏.‏
فذهب البأس واجتمع الشمل‏.‏
وكان رحيل الجميع ثاني عيد النحر المذكور فكان النزول بفحص ألفنت ثم الانتقال إلى لوشة ثم إلى أنتقيه ثم إلى ذكوان ثم إلى مربلة يضم أهل كل محل من هذه مأتمًا للحسرة ومناحة للفرقة‏.‏
وكان ركوب البحر صحوة الرابع والعشرين من الشهر والاستقرار بمدينة سبتة وكفى بالسلامة غنما والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏
وكان الرحيل إلى باب السلطان تحت بر لا تسعه العبارة ولقاؤنا إياه بظاهر البلد الجديد لإلمام ألم عاقه عن الإصحار والتغني على البعد يوم الخميس السادس لمحرم من عام أحد وستين بعده‏.‏
في مركب هايل واحتفال رايع رايق فعورض فيه النزول عن الصهوات والبر اللايق بمناصب الملوك والوصول إلى الدار السلطانية والطعام الجامع للطبقات وشيوخ القبيل‏.‏
وقمت يومئذ فوق رأس السلطان وبين يدي مؤمله فأنشدته مغريًا بنصره كالوسيلة بقولي‏:‏ سلا هل لديها من مخبرة ذكر وهل أعشب الوادي ونم به الزهر فهاج الامتعاض وسالت العبرات وكان يومًا مشهودًا وموقفًا مشهورًا طال به الحديث وعمرت به النوادي وتوزعتنا النزايل على الأمل شكر الله ذلك وكتبه لأهله يوم الافتقار إلى رحمته‏.‏
واستمرت الأيام ودالت الدولة للرئيس بالأندلس والسلطان تغلبه المواعيد وتونسه الآمال والأسباب تتوفر والبواعث تتأكد‏.‏
وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه واستقرت بي الدار بمدينة سلا مرابطًان مستمتعًا بالغيبة تحت نعمة كبيرة وإعفاء من التكليف‏.‏
وفي اليوم السابع لشوال من عام التاريخ قعد السلطان بقبة العرض بظاهر جنة المصارة لتشييعه بعد اتخاذ ما يصلح لذلك من آلة وحلية وقد برز الخلق لمشاهدة ذلك الموقف المسيل للدموع الباعث للرقة‏.‏
المتبع بالدعوات لما قذف الله في القلوب من الرحمة وصحبه به في التغرب من العناية فلم تنب عنه عين ولا حمل له موكب ولا تقلصت عنه هيبة ولا فارقته حشمة كان الله له في الدنيا الآخرة‏.‏
وأجاز واضطربت الأحوال‏.‏
بما كان من هلاك معينه السلطان أبي سالم وغدر الخبيث المؤتمن على قلعته به عمر بن عبد الله بن علي صعر الله حزبه وخلد خزيه وسقط في يده إلا أنه ثبتت في رندة من إيالة الأندلس الراجعة إلى إيالة المغرب قدمه فتعلل بها وارتاش بسببها إلى أن فتح الله عليه وسدد عزمه وأراه لما ضعفت الحيل صنعه فتحرك إلى بر مالقة وقد فغر عليها العدو فمه ثم أقبل على مالقة مستميتًا دونها فسهل الله الصعب وأنجح القصد واستولى عليها وأنثالت عليه لحيتها البلاد وبدا الريس المتوثب على الحضرة بعد أن استوعب الذخيرة والعدة في جملة ضخمة ممن خاف على نفسه لو وفى بذمة الغادر وعهده واستقر بنادي صاحب قشتالة فأخذه بجريرته وحكم الحيلة في جنايته وغدره وألحق به من شاركه في التسور من شيعته ووجه إلى السلطان بؤوسهم تبع رأسه‏.‏
وحث السلطان أسعده الله خطاه إلى الحضرة يتلقاه الناس مستبشرين وتتزاحم عليه أفواجهم مستقبلين مستغفرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين‏.‏
وكان دخول السلطان دار ملكه وعوده إلى أريكة سلطانه وحلوله بمجلس أبيه وجده زوال يوم السبت الموفي عشرين لجمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة وجعلنا الله من هم الدنيا على حذر وألهمنا لما يخلص عنده من قول وعمل‏.‏
وتخلف الأمير وولده بكره أسعده الله بمدينة فاس فيمن معه من جملة وخلفه من حاشية‏.‏
ولد المستولي على ملك المغرب في إمساكه إلى أن يسترجع رندة في معارضة هدفه‏.‏
ثم إن الله جمع لأبيه بجمع شمله وتمم المقاصد بما عمه من سعده‏.‏
وكان وصولي إليه معه في محمل اليمن والعافية وعلى كسر التيسير من الله والعناية يوم السبت الموفي عشرين شعبان عام ثلاثة وستين وسبعمائة‏.‏
ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور هنأ المسلمين ببركتها الوافرة ومزاياها المتكاثرة‏.‏
السلطان أيده الله قد مر ذكره ويسر الله من ذلك ما تيسر‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:00 AM


وزراؤه اقتضى حزمه إغفال هذا الرسم جملة مع ضرورته في السياسة وعظم الدخول حذرًا من انبعاث المكروه له من قبله وإن كان قدم بهذا اللقب في طريق منصرفه إلى الأندلس وإيامًا من مقامه برندة فنحله عن كره علي بن يوسف بن كماشة من عتاق خدامه وخدام أبيه مستصحبًا إياه مسدول التجمل على باطن نفرة مختوم الجرم على شوكه في حطبه في حبل المتغلب وإقراضه السيئة من الحسنة والمنزل الخشن إلى الإنفاق منه على الخلال الذميمة ترأسها خاصة الشوم علاوة على حمل الشيخ الغريب الأخبار والطمع في أرزاق الدور والاسترابة بمودة الأب وضيق العطن وقصر الباب وعي اللسان ومشهور الجبن‏.‏
ولما وقع القبض وساء الظن بعثه من رندة إلى الباب المريني ليخلى منه جنده ويجس مرض الأيام بعد أن نقل من الخطة كعبه فتيسر بعد منصرفه الأمر وتسني الفتح‏.‏
وحمله الجشع الفاضح والهوى المتبع على التشطط لنفسه والكدح لخويصته بما أقطعه الجفوة وعسر عليه العودة على السلطان بولده إلى أن بلغ الخبر برجوع أمره ودخول البلاد في طاعته‏.‏
فألقى ما تعين إليه وأهوى به الطمع البالغ في عرش الدولة ويرتاش في ريق انتقامها‏.‏
وتحرك وراية الإخفاق خافقة على رأسه قطب مخلصه وجوجوة عوده من شيخ تدور بين فتكه رحى جعجعة وتثور بين أضلاعه حية مكيدة وينعق فوق مساعيه غراب شوم وطيرة وحدث حرفاؤه صرفًا من مداخلة سلطان قشتالة أيام هذه المجاورة فبلغ أمنيته من ضرب وعد واقتنا عهد واتخاذ مدد وترصيد دار قرار موهمًا نفسه البقاء والتعمير والتملي وانفساح المدة والأمر وقيادة الدجن عند تحول الموطن لملة الكفر يسمح لذلك لنقصان عقله وقلة حيائه وضعف غيرته‏.‏
وطوى المراحل وقيض حمى تزلزل لها فكاه أضلها الحسرة وانتزاء الخبائث‏.‏
وتلقاه بمالقة إيعاز السلطان بالإقامة بها لما يتصل به من سوء تصريفه ثم أطلع شافع الحياء في استقامة وطنه طوق عتبه وصرفه إلى منزله ناظرًا في علاج مرضه‏.‏
ثم لما أفاق وقفه دون حده ولم يسند إليه شيئًا من أموره فشرع في ديدنه من الفساد عليه وقرس سلطان قشتالة شاكيًا إليه بثه وأضجر لسكني باديته بالثغر فراب السلطان أمره وأهمه شأنه فتقبض عليه وعلى ولده وصرفا في جملة من دائرة السوء ممن ثقلت وطأته فغربوا إلى تونس أوايل شهر رمضان من عام ثلاثة وستين‏.‏
ثم لما قفل من الحج واستقر ببجاية يريد المفرب حن إلى جوار النصانية التي ريم سلفه العبودية إليها فعبر البحر إلى برجلونه ينفض عناء طريق الحج على الصلبان ويقفو على آثار تقبيل الحجر الأسود تقبيل أيدي الكفار‏.‏
ثم قصد باب المغرب رسولًا عن طاغية برجلونه في سبيل فساد على المسلمين فلم ينجح فيه قصده فتقاعد لما خسر فيه ضمائه وصرف وكره إلى الاتصال بصاحب قشتالة وعن علي كتب إليه بخطه يتنفق عنده ويغريه المسلمين فتقبض عليه وسجن بفاس مع أرباب الجرائم‏.‏
وعلى ذلك استقر حاله إلى اليوم وأبرأ إلى الله من التجاوز في أمره‏.‏
ومن يضلل الله فما له من هاد‏.‏
ولما وفدت على السلطان بولده وقرت عيني بلقايه تحت سداده وعزه وفوق أريكة ملكه وأديت ما يجب من حقه عرضت عليه غرضي ونفضت له خزانة سري وكاشفته ضميري بما عقدت مع الله عهدي وصرفت إلى التشريق وجهي فعلقت بي لركومه علوق الكرامة ولاطفني بما عاملت البر بين الدعر والضنانة ويضرب الآماد وخرج لي عن الضرورة وأراني أن مؤازرته أبر القرب وراكنني إلى عهد بخطه فسح فيه لعامين أمد الثواء واقتدى بشعيب صلوات الله عليه في طلب الزيادة على تلك النسبة وأشهد م حضر من العلية ثم رمى إلى بعد ذلك بمقاليد رأيه وحكم عقلي في اختيار عقله وغطى جفائي بحلمه وحثا في وجوه شهواته تراب زجري ووقف القبول على وعظي وصرف هواه في التحول ثانيًا وقصدى واعترف بقبول نصحي فاستعنت بالله وعاملت وجهه فيه‏.‏
وصادقني مقارضة الحق بالجهاد ورمى إلي بدنياه وحكمني فيما ملكته يداه وغلبني على أمره لهذا العهد والله غلب على أمره‏.‏
فأكمل المقام ببابه إلى هذا التاريخ مدة أجرى الله فيها من يمن النقيبة واطراد السداد وطرد الهوى ورفض الزور واستشعار الجد ونصح الدين وسد الثغور وصون الجباية وإنصاف المرتزقة ومحاولة العدو وقرع الأسماع بلسان الصدق وإيقاظ العيون من نوم الغفلة وقدح زناد الرجولة ما هو معلوم يعضد دعواه ولله المنة سجية السذاجة ورفع التسمت وتكور المنسأه وتفويت العقار في سبيل القربة والزهد في الزبرج وبث حبال الآمال والتعزيز بالله عن الغنيمة وجعل الثوب غطاء الليل ومقعد المطالعة فراش النوم والشغل لمصلحة الإسلام لريم الأنفاس فأثمر هذا الكرخ وأثبج هذا المسعى مناقب الدولة بلغت أعنان وآثارًا خالدة ما بقيت الخضراء على الغبراء وأخبارًا تنقل وتروى إن عائدها الحاسد فضحه الصباح المنير وكاثره القطر المنثال وأعياه السيل المتدافع‏:‏ فما يختص من ذلك بالسلطان فخامة الرتبة ونباهة الألقاب وتجمل الرياش وتربع الشريعة وارتفاع التشادر ببابه والمنافسة الاغتباط منه بمجالس التنبيه والمذاكرة وبدر الدموع في حال الرقة والإشادة باحتقار الدنيا بين الخاصة وتعيين الصدقات في الأوقات العديدة والقعود لمباشرة المظالم ستة عشر يومًا في كل شهر من شهور الأهلة يصل إليه فيها اليتيم والأرملة فيفرح الضعيف وينظر حضور الزمن ويتغمد هفوة الجاهل ويتأثر لشكوى المصاب ويعاقب الوزعة على الأغلاط إلى إحسان الملكة في الأسري والأغراب في باب الحلم والإعياء في ترك الحظ والتبري من سجية الانتقام والكلف بإرباط الخيل واقتناء أنواع السلاح ومباشرة الجهاد والوقار في الهيعات وإرسال سجية الإيمان وكساد سوق المكيدة والتصامم عن السعاية هذا مع الشباب الغض والفاحم الجعد وتعدد حبائل الشيطان في مسالك العمر ومطاردة قانص اللذات في ظل السلم ومغازلة عيوم الشهوات من ثنايا الملوك‏.‏
وأيم الله الذي له تستخلص الحقوق وتيسر الستور وتستوثق العهود ولا تطمئن القلوب إلا يه ما كاذبته ولا راضيت في الهوادة طوله ولا سامحته في نقيض هذه الخلال‏.‏
ولقد كنت أعجب من نفاق أسواق الذكري لديه وانتظام أقسية النصح عنده وإيقاع نبات الرشد فيه نصيحة وأقول بارك الله فيها من سجية وهنأ المسلمين بها من نفس زكية‏.‏
وسيأتي بيان هذه النتائج وتفسير مجمل هذه الفضايل بحول من لا حول إلا به سبحانه‏.‏
والحال متصلة على عهده الوثير من إعانته بالوسوع والخروج له عن هذه العهدة والتسليم له في البقية إرهاقًا لسيف جهاده وجلاء لمرآة نصحه وتسوية إيزان عدله وإهابة لمحمد رشده شد العقدة عقدة وغيرة على حرمة ماله وعرضه ورعاية للسان العلم المنبئ عن شأنه ونيابة عنه في معقل ملكه ومستودع ماله وذخيرته ومحافظة على سره وعلانيته لحرمه وولده وعمرانًا للجوانح بتفضيله وحبه معاملة أخلص الله قصدها لوجهه وأمحضها من أجله ترفعه عن جراية رحل هلالها وإقطاع تنجع قدرته أو فصلة تعبث البنان بنشيرها وخطة تشد إليه على منشورها‏.‏
والله يرجح ميزاني عنده ويحظى وسبلتي لديه ويحرك مكافأة سعيي في خواطر حجه وينبه لتبليغ أملي من حج بيت الله وزيارة رسول الله بمنه وكرمه فما على استحثاث الأجل من قرار ولا بعد الشيب من أولاده كمل له في هذا الوقت من الولد أربعة ثلاثتهم ذكور يوسف بكره وأراه يتلوه سعد ثم نصرن غلمة روقة قد أفرغهم الله في قالب الكمال إذا رايتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا فسح الله لهم أمد السعادة وجعل مساعيهم جانحة إلى حسني العقبى سالكًا بهم سبيل الاهتداء بفضل الله ورحمته‏.‏
قضاته قدم لأول قدومه‏.‏
الفقيه القاضي الحسيبن الخير أبا جعفر بن أحمد بن جزي شاكرًا بلاءه بمالقة إذ كان قد ألقاه قاضيًا بها للمتغلب فلم يأل جهدًا في الإجلاب على من اعتصم بقصبتها والتحريض على استنزالهم فاتخذ زلفة لديه فأجرى الأحكام وتوخى السداد‏.‏
ثم قدم إليها الفقيه القاضي الحسيبن أبا الحسن علي بن عبد الله بن الحسن عين الأعيان ببلده مالقة والمخصوص برسم التجلة والقيام بوظيفة العقد والحل بها في الدولة الأولى وأصالة البيت والانقطاع إليه ومصاحبة ركابه في طلب الملك ومتسور المشاق من أجله وأولى الناس باستدار خلف دولته فسدد وقارب وحمل الكل وأحسن فصاحة الخطبة والخطة وأكرم المشيخة وأرضى واستشعر النزاهة ولم يقف في حسن التأني عند غاية واشتمل معها لفق الخطابة فأبرز وأعلم تسميًا وحفظًا وجهورية فاتفق في ذلك على رجاحته واستصحب نظره على الأحباس‏.‏
فلم يقف في النصح عند غاية أعانه الله‏.‏
كتابه أسند الكتابة إلى الفقيه المدرك المبرز في كثير من الخلال ملازمه أيضًا في طلب الملك‏.‏
ومطاردة قنص الحظ أبي عبد الله بن زمرك ويأتي التعريف بجميعهم‏.‏
شيخ عزاته متولي ذلك في الدولة الأولى الشيخ أبو زكريا يحية بن عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق قدمه إليها معتبًا إياه طاويًا بساط العدو بالجملة قدموها بابنه عثمان على الخاصة يومئذ لما ظهرته في الوجهة وسعيه في عودة الدولة‏.‏
واستمرت الحال إلى اليوم الثالث عشر لشهر رمضان من عام أربعة وستين وسبعمائة وكان القبض على جملتهم وأجلى هذا البيت من سفرة السياسة مدة مجتزيًا فيه بنظره على رسمه في الوزاة من قبيله‏.‏
ثم قدم إليها موعده بها القديم الخدمة وسالف الأدمة لما لجأ إلى وادي آش مفلتًا من وبقة الحادثة الشيخ أبا الحسن علي بن بدر الدين بن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق‏.‏
حلف السداد أيامه والمقاربة والفضل والدمائة المخصوص على اختصار بيمن النقيبة واستمرت أيامه إلى نقبة القفول عن غزوة جيان أخريات محرم من عام تسعة وستين وتوفي رحمه الله حتف أنفه فاحتفل لمواراته وإقرابه من تأبيه واستغفاره وتوفي رحمه الله حتف أنفه فاحتفل لمواراته وإقرابه من تأبيه واستفغاره والاعتراف بصدق موالاته وتفجيعه لفقده وما أعرب به من وفاء نجده وقدم لها عهدًا طرف اختياره الأمين الشهم والبهمة خدن الشهرة والمشار إليه بالبسالة وفرع الملك والأصالة عبد الرحمن بن الأمير أبي الحسن علي بن السلطان أبي علي عمر بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق إذ كان قد لحق به بعد ظهور أتيح له بوطنه من المغرب استقر مبايعًا بعمالة سجلماستة وما إليها وطن جده وميراث سلفه ففسح له جانب قبوله وأحله من قربه محل مثله وأنزله بين ثغر الأغتاط ونحره ثم استظهر به على هذا الأمر فأحسن الاختيار‏.‏
وأعز الخطة وهو القايم عليه لهذا العهد وإلى الله أسباب توفيقه‏.‏
ظرف السلطان وحسن توقيعه لا بد في هذا الباب من تقدمه وكثرة وقوعه بحيث لا يعد نادره وقليل الشيء يدل على كثيره‏.‏
مر بي يومًا ومعي ولده يرم اتخاذ حنق القرآن فقلت له أيدك الله الأمير يريد كذا ولا بد له من ذلك وأنا وكيله عليك في هذا فقال حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
ولا خفاء ببراعة هذا الملوك على عهده بالمغرب السلطان الجليل إبراهيم بن السلطان أبي الحسن بن السلطان أبي سعيد بن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق‏.‏
تولى ملك المغرب حسبما تقدم في اسمه وألقى إليه بالمقاليد واستوسقت له الطاعة وبحسب ما بث الله من إشرباب الخلق إليه وتعطشهم‏.‏
إلى لقاية ورغبتهم في إنهاضه إلى ملك أبيه كان انقلابهم إلى ضد هذه الخلال شرقًا بأيامه وإحصاء لسقطاته وولعًا باغتيابه وتربصًا لمكروه به إذ أخفقت فيه الأمال واستولت الأيدي من خدامه على ملكه‏.‏
وقيض الله لإبادة أمره وتغير حالة وهد ركنه الخائن الغادر نسمة السوء وقذار ناقة الملك وصاعقة الوطن وحرد السيد عمر بن عبد الله بن علي مؤتمنة على البلد الجديد دار ملكه ومستودع ماله وذخيرته فسد الباب دونه‏.‏
وجهر يخلعانه‏.‏
وفض في اتباع الناعق المشئوم سور ماله وأقام الدعوة باسم أخيه أبي عمر ذي اللوثة الميئوس من إفاقته وذلك صحوة اليوم الثامن عشر لشوال من عام اثنين وستين وسبعمائة‏.‏
وبادر السلطان أبو سالم البيعة من متحول سكناه بقصر البلد القديم وصابر الأمر عامة اليوم‏.‏
ولما جن الليل فر لوجهة وأسلم وزراءه وخاصته وقيدت خطاه الخيرية فأوى إلى بعض البيوت وبه تلاحق متبعه فقيد إلى مصرعه السوء بظاهر بلده وحز رأسه وأوتى به إلى الغادر‏.‏
وكان ما بين انفصال السلطان عنه مودعًا إلى الأندلس بإعانته ومطوق فضل تلقيه وقوله وحسن كفالته ثمانية أشهر ويوم واحد‏.‏
واستمرت دعوة أخيه المموه به إلى الرابع والعشرين من صفر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة واستدعى من باب قشتالة الأمير محمد أبو زيان بن الأمير أبي زيد بن عبد الرحمن بن السلطان المعظم أبي الحسن‏.‏
وقد استقر نازعًا إليه أيام عمه السلطان أبي سالم وقع عليه اختيار هذا الوزير الغادر إذ وافق شن تغلبه طبق ضعفه وأعمل الحيلة في استجلابه فوصل حسب غرضه وأجريت الأمور باسمه وأعيد أخوه المعتوه إلى مكانه واستمرت أيام هذا الأمير مغلوبًا عليه مغري بالشراب على فيه وبين الصحب إلى أن ساءت حاله وامتلأت بالموجدة على الوزير نفسه فعاجله بحتفه وباشر اغتياله وأوعز إلى خدامه بخنقه وطرحه بحاله في بعض سواقي قصره متبعًا ببعض أواني خمره وهم بذلك قابله ترديه سكرًا وهويه طفوحًا‏.‏
ووقف عليه بالعدول عند استخراجه وندب الناس إلى مواراته وبايع يومه ذلك أبا فارس عبد العزيز وارث ملك أبيه السلطان أبي الحسن المنفرد به وخاطب الجهات بدعوته وهو صبي ظاهر النبل والإدراك مشهور الصون وأعمل الحيلة لأول أمره على هذا الوزير مخيف أريكو ملكه ومظنة البدا في أمره فطوقه الحمام واستأصل ما زراه من مال وذخيرة شكر الله على الدولة صنيعه وفي ذلك يقول‏:‏ تغدًا به عبد العزيز مبادرًا وعاجله من قبل أن يتعشاه وكان بعده وليه الحق ونصيره لا إله إلا هو‏.‏
وهو اليوم ملك المغرب مزاحمًا بابن أخيه السلطان أبي سالم المعقود البيعة بمراكش وما إليها جمع الله شتات الإسلام ورفع عن البلاد والعباد مضرة الفتنة‏.‏
وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى بن الأمير أبي يعقوب يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى بن يغمراسن بن زيان‏.‏
حسبما كان في الدولة الأولى متفقها منه على خلال الكرم والحزم مضطلعًا بأمره والقيام على ما بيده‏.‏
وبتونس الأمير أبو سالم إبراهيم بن الأمير أبي يحيى بن أبي حفص حسبما تقدم ذكره‏.‏
ومن ملوك النصارى فبقشتالة سلطانها المتقدم الذكر في الدولة الأولى بطره بن السلطان ألهنشة نب هراندة بن شانجه بن ألهنشة بن هراندة متأكدة بينهما السلم الجمة والهدنة المبرمة بما سلف من مظاهرته إياه والحرص على ما استحاله من المغرب في أطوله وبعثه إليه برأس عدوه المتوثب على ملكه ورؤوس أشياعه الظالمين الغدرة وأتباعه الفجرة مستمرة أيامه إلى وسط شعبان عام سبعة وستين صارفًا وجهه إلى محاربة صاحب برجلونة مستوليًا على كثير من قواعده الشهيرة وقلاعه المنيعة لما أسلفه به من إجازته أخيه أندريق المدعو بالقند ومظاهرته حتى ساءت أحواله وأحوال عدوه وأوهنت الحركات قوى جيشه وأضعف الاحتشاد عمرة أرضه واشرأبت القلوب إلى الانحراف عن دعوته ومالت النفوس إلى أخيه وقامت البلاد بدعوته وتلاحقت الوجوه بجهته ورام التمسك بإشبيلية دار ملكه فثار أهلها به في عام سبعة وستين‏.‏
فخرج فارًا عنها به والسلاح يهش إليه وبعد أن استظهر بخويصته وأحمل ما قدر عليه من ذخيرة ورفع من له من ولد وحرمة رأى سخنة العين من انتهاب قصوره وتشعيث منازله وعياث الأيدي في خزائنه وأسمعه الناس من محض التأنيب وأعراض الشتمات ما لا مزيد عليه ولاذ بصاحب برتغال فنأى عنه جانبه لما يجنيه أبواه من مخالفة رأي الأمة فيه فقصد بلاد غليسية وتلاحق أخوه أندريق بحضرة إشبيلية فاستوى على الملك وطاعت لأمره البلاد وعاجله المسلمون لأول أمره فاستولوا على كثير من الثغور والحمد لله‏.‏
ولما توسد له الأمر تحول لاستئصال شأفة المخلوع فأجلى عن غليسية في البحر واستقر ببلد بيونة مما وراء دروب قشتالة وانتبذ عن الخطة القشتالية وأمر نفسه ولجأ إلى ابن صاحب الأنتكيرة وهو المعروف ببرقسين أبي الأمير وبين أول أرضه وبين قشتالة ثمانية أيام فقبله ولد السلطان المذكور الساكن بأول ما تلقاه من تلك الأرض وسفر بينه وبين أبيه‏.‏
فأنكر الأب استئذانه إياه والمراجعة في نصره جمية له وامتعاضًا للواقع‏.‏
وحال هذه الأمة غريبة في الحماية المزدودة بالوفاء والرقة والاستهانة بالنفوس في سبيل الحمد وبين يدي العشايق عادة العرب الأول‏.‏
وأخبارهم في القتال غريبة من الاسترجال والزحف على الأقدام أميرهم ومأمورهم والجئو في الأرض أو دفن ببعض الأرض في التراب والاستظهار في حال المحاربة ببعض الألحان المهيجة ورماتهم قسيهم غريبة جافية وكلهم في دروع والإحجام عندهم والتقهقر مقدار الشبر ذنب عظيم‏.‏
وعار شنيع ورماتهم يثبتون للخيل في الطراد وحالهم في باب التحلي بالجواهر وكثرة آلات الفضة غريب‏.‏
وبعد انقضاء سبعة عشر يومًا كان رجوعه ورجوع البرنس المذكور معه مصاحبًا بأمراء كثيرين من خترانه وقرابته وبعد أن أسلفوه مالًا كثيرًا واختص من ه صاحب الأنتكيرة بمائتي ألف دينار من الذهب إلى ما اختص به غيره وارتهنوا فيه ولده وذخيرته‏.‏
وكان ينفق على نفسه وجيشه بحسب دينار واحد من الذهب للفارس في ثلاثة أيام وكان تأليف الجيوش في بنبلونة في أزيد من ثلاثين ألفًا وعسر عليهم المجاز على فحص أحدونيه لبلاد تمسك لطاعة القند أخيه فصالح القوم صاحب نباره على الإفراج لهم ونزلت المحلات في فحص نبارة ما بين حدود أرض نبارة وقشتالة ونزل المتصير إليه أمر قشتالة القند بإزايها في جموع لم تنظم لمثله إلا أنه لشهامته واغتراره أجاز خندقًا كان بين يديه وعبر جسرًا نشب فيه عند الجولة‏.‏
وكان اللقاء بين الفريقين يوم السبت سادس إبريل العجمي وبموافقة شعبان من عام ثمانية وستين‏.‏
وكان هذا الجموع الإفرنجي الآتي من الأرض الكبيرة في صفوف ثلاثة مرتبة بعضها خلف بعض ليس فيهم فارس واحد وإنما هم رجالة سواء أميرهم ومأمورهم في أيديهم عصي جافية في غلظ المعاصم يشرعونها أمامهم بعد إثبات زجاجها فيما خلفهم من الأرض يستقبلون منها وجوه عدوهم ونحور خيله ويجعلونها دعايم وتكآت لبناء مصافهم فلم تقلقهم المحلات وبين أيديهم من الرماح الناشبة الدارعة ما لا يحصيهم إلا الله عز وجل‏.‏
وسايرهم السلطان مستدعي نصرهم راجلًا أميالًا برأيهم إلى أن أعيا بعد ميلين منها فأركبوه بغلة حملوه بينهم عليها إلى موقف اللقاء والقند‏.‏
وكان على مقدمة القوم الدك أخو البرنس والبرنس مع السلطان مستجيره في القلب والقند المعروف بقندار مانيان وكثير من الأمراء ردا وسيفه دونهم ومن خلف الجميع الخيل بجنبها ساستهم وغلمانهم وخدامهم ووراءها دواب الظهر وأبغالهم وفي أثنا هذه العبية من البنود وآلات الحرب والطرب والأبواق ما يطول ذكره‏.‏
وكان في مقدمة القند المستأثر بملك قشتالة أخوه شانجه في رجل قشتالة قد ملأ السهل والجبل ومن خلفهم أولو الخيل الجافية القبيلية المسبغة الدروع من رأس إلى حافر فينحو ألف وخمسماية وفي القلب أخوه الآخر دنطية في جمهور الزعماء والفرسان والدرق وهو الأكثر من رجال الجيش اليوم ومن رائهم السلطان أندريق في لفيف من الناس‏.‏
ولما حمل بعضهم على بعض أقدم رماة الفرنج ثقة بدروعهم فعظم أثرهم فيمن بإزايهم من رماة عدوهم ورجالهم لكونهم كشفاء فكشفوا إياهم‏.‏
وحملت خيل قشالة الدارعة فزحزحت كر المصاف الإفرانجي واتصل الحرب بالبرنس وهو مطل عليهم في ربوة فصاح بهم بحيث أسمع وتناول شيئًا من التراب فاستفه وكسر ثلاث عصيي وفعل من معه مثل فعله وهي عادتهم عند الغضب وعلامة الإقدام الذي لا نكوص بعده‏.‏
ووجه إلى أخيه في المقدمة يقول له إن وجدت نفسك ضعفًا فاذكر أنك ولد صاحب الأنتكيرة‏.‏
وحمل الكل حملة رجل واحد فلم تجد الخيل الدارعة سبيلًا وقامت في نحورها تلك الأسنة فولوا منهزمين‏.‏
ولما رأى القند هزيمة أخيه تقدم بنفسه بمن معه من مدد الأمة الرغونية وهو ينادي يا أهل قشتالة يا موالي إياكم والعار‏.‏
هأنذا فلم يثبت أمره وتراجع فله‏.‏
فعند ذلك فر في أربعة من أولى ثقته واستولى القتل والأسر على خاصته وتردى المنهزمون في الوادي خلفهم‏.‏
فكان ذلك أعون الأسباب على هلكهم فأناف عدد من هلك في هذه الوقيعة حسبما اشتهر خمسين ألفًا‏.‏
وامتلأت أيدي هذه الأمة من الأسلحة والأموال والأمتعة والأسرى الذين يفادونهم بمال عظيم واتصل القند المنهزم بأرض رغون ثم تجم من البلاد الفرنسية‏.‏
ودخل أخوه بهذه أمة أوايل البلاد معترفًا بحميد سعيهم وعزيز نصرهم وقد رابه استيلاؤهم وأوجسه تغلبهم وساءه في الأرض الرعادة عيائهم فاستأذنهم في اللحوق بقواعد أرضه وقبض الأموال التي تجبى منها نفقاتهم وقبض منها ديونهم قبله وحث السير فوصل طليطلة لا يصدق بالنجاة وخاطب السلطان المترجم به وقدر وده وحذره سورة هذه الأمة التي فاض بحرها وأعيا أمرها وأنهى إليه شرها وشره إلى استيصال المسلمين‏.‏
وحد له مواعدها التي جعلت لذلك‏.‏
ووصل إشبيلية وانثالت البلاد عليه وعادت الإيالة إلى حكمه ثم شرع في جعل الضرايب وفرض الأموال وأخاف الناس بالطلب والتبعات فعاد نفورهم عنه جزعًا‏.‏
وامتنعوا من الغرم وطردوا العمال وأحس بالشر فتحصن بإشبيلية وجهاتها على نفسه وطال على الأمة الواصلة في سبيل نصره الأمر‏.‏
فرجعت إلى بلادها ووقيت نفرة الفرسان وأولى الأتباع وأظهروا الخلاف وكشفت ديان وجهها في خلعانه والرجوع إلى دعوة أخيه المتصرف فتحرك إليها السلطان المترجم به بعد أن احتشد المسلمين فكان من دخولها عنوة واستباحة المسلمين إياها وتخريبها ما هو مذكور في موضعه‏.‏
ثم ألحقت بها مدينة أبدة الذاهبة في مخالفة مذاهبها والحمد لله‏.‏
وخالفت عليه قرطبة واستقر بها من الكبار جملة كاتبوا أخاه واستعجلوا فتعرف في هذه الأيام أنه قد بلغ أرض برغش ونار الفتنة بينهم ويد الإسلام لهذا العهد وإنما مددنا القونل في ذكر هذه الأحوال الرومية لغرابة تاريخها ولستشعر الحذر ويؤخذ من الأمة المذكورة وغيرها والله ولي نصر المؤمنين بفضله‏.‏
وبأرض رغون سلطانها الكاين على الدولة الأولى‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:02 AM

بعض مناقب الدولة لهذا العهد وأولا ما يرجع إلى مناقب الحلم والكظم من مآزق الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس‏.‏
فمن ذلك أن السلطان لما جرت الحادثة وعظه التمحيص وألجأ إلى وادي آش لا يملك إلا نفسه في خبر طويل بادر إلى مخاطبة ثقته بقصبة ألمرية قلعة الملك ومظنة الامتناع ومهاد السلامة ومخزن الجباية والعدة وقد أصبح محل استقراره بينها وبين المنتزى سدًا وبيعة أهلها لم ينسخ الشرع منها حكمًا يناشده الله في رمقه ويتملقه في رعي ذمته والوفاء له وإبراء غربته وتمسكه من أمانته فرد عليه أسوأ الرد‏.‏
وسجن رسوله في المطبق وخرج منها لعدوه وناصح بعد في البغي عليه‏.‏
فلما رد الله الأمر وجبر الحق أعتب وأجرى عليه الرزق‏.‏
ولما ثار في الدولة الثانية الدليل البركي هاتفًا بالدعوة لبعض القرابة وأكذبه الله وعقه الشيطان بعد نشر راية الخلاف وجعل للدولة علو اليد وحسن العاقبة وتمكن من المذكور أبقى عليه وغلب حكم المصلحة العامة في استحيائه وهو من مغربات الحلم المبني على أساس الدين وابتغاء ولما أجلى عن الترشيح من القرابة بعد تقرب التهمة وغمس الأيدي في المعصية صرفوا إلى المغرب صرف العافية وأجرى على من تخلفوه عوايد الأرزاق ومرافق المواسم ووعد ضعفاءهم بالإرفاد وتجوفى عما يرجع للجميع من عقار ورباع وأسعفت آمالهم في لحاق ذويهم من أهل وولد‏.‏
ومما يرجع إلى عوايد الرفق ومرافق العدل من مأزق في جهاد النفس وقوف وكيل الدولة مع من يجاور مستخلص السلطان من العامرين ومما ولي الفلاحة وقد ادعوا أضرارًا يجره الحوار بين يدي القاضي بالحضرة حتى بعد منقطع الحق على ما يخص السلطان من الأصول التي جرها الميراث عن كريم السلف‏.‏
ولا كقضية التاجر المعروف بالحاج اللباس من أهل مدينة وادي آش وقد تحصلت في داره من قبل التاجر المذكور جارية من بنات الروم في سبيل تفوت الذمم ومستهلك المتولات وترقت إلى تربية ولده وأصبحت بعض الآظار لأمرايه واتصل بها كلفه وزاد هيمانه وغشي مدافن الصاحين من أجلها وأنهيت إليه خبره وبثه‏.‏
وقررت عنده شجوه وألمعت بما ينقل في هذا الباب عن الملوك قبله فبادر إلى إخراجها من القصر بنفسه وانتزاعها من أيدي الفبطة انتزاع القهر بحاله في جميل الزي فمكنت منها يد عاشقها الذاهل وقد خفت نفسه وسكن حسه وكاد لقاؤه إياها أن يقضي عليه‏.‏
ونظاير هذا الباب متعددة‏.‏
ومن مواقف الصدق والإحسان من خارق جهاد النفس‏.‏
بناء المارستان الأعظم حسنة هذه التخوم القصوى‏.‏
ومزية المدينة الفضلى‏.‏
لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول مع توفر الضرورة وظهور الحاجة فأغرى به همة الدين ونفس التقوى فأبرزه موقف الأخدان ورحلة الأندلس وفذلكة الحسنات فخامة بيت وتعدد مساكن ورحب ساحة ودرور مياه وصحة هواء وتعدد خزاين ومتوضآت وانطلاق جراية وحسن ترتيب أبر على مارستان مصر بالساحة العريضة والأهوية الطيبة وتدفق المياه من فورات المرمل وأسود الصخر وتموج البحر وانسدال الأشجار‏.‏
إلى موافقته إياي وتسويغه ما اخترعتنه بإذنه وأجريته بطيب نفسه من اتخاذ المدرسة والزاوية وتعيين التربة مغيرًا في ذلك كله على مقاصد الملوك نقشًا عليه بطيب اسمه في المزيد وتخليد في الجدرات للذكر وصونًا للمدافن غير المعتادة في قلب بلده بالمقاصر والأصونة وترتيل التلاوة آناء الليل وأطراف النهار‏.‏
وكل ذلك إنما ينسب إلى صدقاته وعلو همته ويشهد بما ينبه الحس إلى المنقبة العظمى في هذا الباب من إمداد جبل الفتح مع كونه في إيالة غيره وخارج عن ملكة حكمه وما كان من إعانته وسد ثغره فانهار إليه على خطر السرى والظهر البعيد المسعى ما ملأ الأهواء وقطع طمع العداة أنفقت عليه الأموال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة بودر بذلك بين يدي التفاؤل بنزول العدو إياه فكان الكرى على إيصال الطعام إليه بحساب درهم واحد وربع درهم للرطل من الطعام منفعة فذة وحسنة كبرى وبدعًا من بدع الفتوى‏.‏
وفي موقف الاستعداد لعدو الإسلام من خارق جهاد النفس إطلاق البنى للمدة القريبة والزمان الضيق باثنين وعشرين ثغرًا من البلاد المجاورة للعدو والمشتركة الحدود مع أراضيه المترامية النيران لقرب جوابه منها ثغر أرجدونة المستولي عليه الخراب‏.‏
وأنفق في تجديد قبضته‏.‏
واتخاذ جبه‏.‏
ما يناهز عشرين ألفًا من الذهب فهو اليوم شجي العدو ومعتصم المسلمين‏.‏
وحصن أشر وما كان من تحصين جبله بالأسوار والأبراج على بعد أقطاره‏.‏
واتخاذ جباب الماء به واحتفار السانية الهايلة برضه وترك بها من الآثار ما يشهد بالقوة لله والعناية بالإسلام‏.‏
ثم ختم ذلك بنديد حصن الحمراء رأس الحضرة ومعقل الإسلام ومفزع الملك ومعقد الأيدي‏.‏
وصوان المال والذخيرة بعد أن صار قاعًا صفصفًا‏.‏
وخرابًا بلقعًا فهو اليوم عروس يحلى المهضب ويغازل الشهب سكن لمكانه الإرجاف وذوت نجوم الأطماع ونقل إليه مال الجباية المتفضل لهذا العهد بحسب التدبير ونفد الخراج وصون الألقاب وقمع الخزانة بما لم يتقدم به عهد من ثمانين سنة والحمد لله‏.‏
وتجديد أساطيل الإيلام وإزاحة علل جيوش المرج وعساكر البحر فهي لهذا العهد ملس الأديم شارعة الشبا منقضة جفاتها إلى مساواة الأعداء راكبة ظهور المحاسن قلقة الموافق قدمًا إلى الجهاد قد تعدد إعزاؤها وجاست البحر سوابحها وتعرفت بركتها والحمد لله وأنصاب جيش الجهاد استغرق الشهور المستقبلة لرود الصفراء والبيضاء الأهلة إلى أكف أهلها على الدوام بعد أن كانت يتحيفها المطل وينقصها المطال والحمد لله‏.‏
وفي مواقف الجهاد الحسي وبيع النفوس من الله وهو ثمرة الجهاد الأول ما لا يحتاج عليه إلى دليل من الجوف إلى حصن أشر قبل الثغر والجارح المطل على الإسلام والعزم على افتتاحه‏.‏
وقد غاب الناس من مساورته وأعيى عليهم فتحه فلزمه السلطان بنفسه بياض يوم القيظ محرضًا للمقاتلة مواسيًا لهم خالطًا نفسه بالمستنفرة يصابر لهيب النار ووقع السلاح وتعميم الدخان مفديًا للكلمات محرضًا لذوي الجراح مباشرًا الصلاة على الشهداء إلى أن فتحه الله على يده بعزمه وصبره فباشر رم سوره بيده وتحصين عورته بنفسه ينقل إليه الصخر وينال الطين ويخالط الفعلة لقرب محل الطاغية وتوقع المفاجأة‏.‏
ثم كان هذا العمل قانونًا مطردًا في غيره وديدنًا في سواه حسبما نذكر في باب الجهاد‏.‏
وفي باب النصيحة للمسلمين من مآزق الجهاد الأكبر ما صدر في هذه الدولة من مخاطبة الكافة بلسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدعت بذلك الخطباء من فوق أعواد نص الكتاب ولما صحت الأخبار بخروج الأمة الإفرنسية إلى استئصال هذه البقيعة والله متم نوره ولم كره الكافرون صدر من مخاطبة الجمهنور في باب التحريض بما نصه‏:‏ من أمير المسلمين عبد الله محمد بن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج بن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد نصر أيده الله ونصره وأوى أمره وخلد مآثره‏.‏
إلى أوليائنا الذين نوقظ من الغفلة أحلامهم وندعوهم لما يطهر من الارتياب إيمانهم ويخلص لله أسرارهم وإعلانهم يرثي لعدم إحسانهم وخيبة قياسهم ويغار من استيلاء الغفلات على أنواعهم وأجناسهم ونسأل الله لهم ولنا إقالة العثرات وتخفيض الشدائد المعتورات وكف أكف العوادي المبتدرات‏.‏
إلى أهل فلانة دافع الله عن فئتهم الغريبة وعرفهم في الذراري والحرم عوارف اللطائف القريبة وتداركهم بالصنايع العجيبة سلام عليكم أجمعين ورحمة الله وبركاته‏.‏
أما بعد حمد الله الذي لا نشرك به أحدًا ولا نجد من دونه ملتحدًا مبتلى قلوب المؤمنين أيها أقوى جلدًا وأبهد في الصبر مدًا ليزيد الذين اهتدوا هذى‏.‏
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنقذ من الردى وتكفل بالشفاعة لم غدًا ضاربًا هام العدا ومجاهدًا من اتخذ مع الله ولدا والرضى عن آله الذين كانوا لسماء ملته عمدًا فلم ترعهم الكتايب الوافرة وكانوا لهم أقل عددًا ولا هالتهم أمم الكفر وإن كانت أظهر جمعًا وأكثر عددًا صلاة لا تنقطع أبدًا ورضى لا يبلغ مدًا‏.‏
فإنا كتبنا إليكم كتبكم الله فيمن امتلأ قلبه غضبًا لأعدايه وحمية ورمى بفكره غرض السداد فلم يخط منه هدفًا ولا رمية‏.‏
وقد اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ورعى الجوار والذمام وما جعل الله للمأموم على الإمام فوجب علينا إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة وجمع أهوايكم المفترقة وتهيئكم إلى مصادمة الشدايد المرعدة المبرقة وهو أن كبير النصرانية الذي أليه ينقادون وفي مرضاته يصادقون ويعدون وعند رؤية صليبه يبكون ويسجون لما رأى الفتن قد أكلتهم خضمًا وقضمًا‏.‏
وأوسعتهم هضمًا فلم تبق لهم عصبًا ولا عظمًا ونثرت ما كان نظمًا أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ويرفع ما طرق ويرفى ما مزق الشتات وخرق فرمى الإسلام بأمة عددها كالقطر المغثال والجراد الذي تضرب به الأمثال وعاهدهم وقد حضر التمثال وأمرهم وشأنهم الامتثال أن يدمنوا لمن ارتضاه الطاعة ويجمعوا من ملته الجماعة ويطلع الكل على هذه الفئة القليلة الغريبة لغتة كقيام الساعة وأقطعهم قطع الله بهم العباد والبلاد‏.‏
والطارف والتلاد وسوغهم الحريم المستضعف والأولاد وبالله نستدفع مالا نطيقه‏.‏
ومنه نسأل عادة الفرج فما سدت لديه طريقه إلا أنا رأينا غفلة الناس مع تصميمهم مؤذنة بالبوار‏.‏
وأشفقنا للذين من وراء البحار وقد أصبح معظمهم في لهوات الكفار وأردنا أن نهزهم بالموعظة التي تكحل البصاير بميل الاستبصار‏.‏
وتلهمكم الاستنصار بالله عند عدم الانتصار فإن جبر الله الخواطر بالضراعة إليه والانكسار ونسخ الإعسار بالإيسار وأنجد اليمين بانتهاء اليسار وإلا فقد تعين في الدنيا والآخرة حظ الخسار فإن من ظهر عليه عدو دينه وهو عن الله مصروف وبالباطل مشغوف وبغير العرف معروف‏.‏
وعلى الحطام المسلوب ملهوف فقد تله الشيطان للجبين وخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين‏.‏
ومن نفذ فيه قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود وآجر بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ووطن النفس عن الشهوات الموبقة في دار الخلود العايدة بالحياة الدايمة والوجود أو الظهور على عدوه المحشود إليه صبرا على المقام المحمود وبيعًا تكون املائكة فيه من الشهود حتى تعيث يد الله في ذلك البناء المهدوم بقوة الله المحمود والسواد الأعظم الممدود كان على أمر ربه بالحياء المردود ‏"‏ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ‏"‏‏.‏
فالله الله في الهمم فقد خبت ريحها‏.‏
والله الله في العقايد‏.‏
فقد خفت مصابيحها‏.‏
والله الله في الرحولة فقد فل حدها‏.‏
والله الله في الغيرة‏.‏
فقد نعس حدها‏.‏
والله الله في الدين فقد طمع العدو في تحويله‏.‏
والله الله في الحريم‏.‏
فقد مد إلى استرقاقه يد تأميله‏.‏
والله الله في المساكن التي زحف لسكناها والله الله في الملة التي يردي إطفاء نورها وسناها وقد كمل فضلها وتناهى‏.‏
والله الله في القرآن العظيم‏.‏
والله الله في الجيران‏.‏
والله الله في الطارف والتالد والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن والوالد‏.‏
اليوم تستأسد النفوس المهينة‏.‏
اليوم يستنزل الصبر والسكينة‏.‏
اليوم تحتتج الهمم أن ترعى هذه النفوس الكريمة الذمم اليوم يسلك سبيل العزم والحزم والشدة والشمم اليوم يرجع إلى الله تعالى المصرون اليوم يقيق من نومه الغافلون والمغترون‏.‏
قبل أن يتفاقم الهول ويحق القول ويسد الباب ويحيق العذاب ويسترق بالكفر والرقاب‏.‏
فالنساء تقي بأنفسهن أولادهن الصغار‏.‏
والطيور ترفرف لتحمي الأوكار إذا أحست العياث بأفراخها والأضرار‏.‏
تمر الأيام عليكم مر السحاب وذهاب الليالي لكم ذهاب‏.‏
فلا خبر يفضي إلى العين ولا حديث في الله تعالى يسمع بين اثنين ولا كد إلا لزينة يحلى بها نحر وجيد ولا سعي إلى في متاع لا يغني في الشدائد ولا يفيد‏.‏
وبالأمس ندبتم إلى التماس رحمي أو رضى مسخر السحاب واستقالة أكاشف العذاب وسؤال مرسل الديمة ومحيي البشر والبهيمة وقد أمسكت عنكم رحمة السماء واغبرت جوانبكم المخضرة احتياجًا إلى إيالة الماء وفي السماء رزقكم وما توعدون‏.‏
وإليها الأكف تمدون وأبوابها بالدعاء تقصدون فلم يصرح منكم عدد معتبر ولا ظهر للإنابة ولا للصدقة خبر وتنوقوون عن إعادة الرغبة إلى الغنى الحميد والولي الذي إن شا يذهبكم ويأت بخلق جديد‏.‏
وأيم الله لو كان لهوا لارتقبت الساعات وضاقت المتسعات‏.‏
وتزاحمت على جماله وغصت الجماعات‏.‏
أتعززًا على الله وهو القوي العزيز وتلبيسًا على الله وهو الذي يميز الخبيث من الطيب والشبه من الإبريز أمنابذة والنواصي بيده أغرورًا في الشدايد بالأمل والرجوع بعد إليه‏.‏
من يرجى في الشدايد والأزمات من يوجد في المحيا والممات أفي الله شك يختلج القلوب أم غير الله يدفع المكروه وييسر المطلوب‏.‏
تفضلون على اللجأ إليه في الشدايد بواسم الجهل وثرة الأهل وطايفة منكم قد بررت إلى استسقاء رحمته تمد إليه الأيدي والرقاب‏.‏
وتستكشف بالخضوع لعزته العقاب وتستعجل إلى مواعد إجابته الارتقاب وكأنكم أنتم عن كرمه قد استغنيتم أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم‏.‏
أما تعلمون كيف كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه من التبلغ باليسير والاستعداد إلى دار الرحيل الحق والمسير ومداومة الجوع وهجر الهجوع والعمل على الإياب إلى الله والرجوع‏.‏
دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها وبيدها كسرة شعير فقال ما هذه يا فاطمة فقالت يا رسول الله خبزت قرصة وأحببت أن تأكل منها فقال يا فاطمة أما أنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث‏.‏
وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم سبعين مرة يلتمس رحماه ويقوم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تورمت قدماه وكان شأنه الجهاد ودأبه الجد والاجتهاد ومواقف صبره تعرفها الربى والوهاد‏.‏
فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون‏.‏
وإذا لم تهتدوا بهدية فبمن تهتدون وإذا لم ترضوه باتباعكم فكيف تعتزون إليه وتنتسبون وإذا لم ترغبوا في الاتصاف بصفاته غضبًا لله تعالى وجهادًا وتقللًا من العرض الأدنى وسهادًا ففيم ترغبون فابتروا حبال الآمال فكل آت قريب واعتبروا بمثلات ما دهم من تقدم من أهل البلاد والقواعد فذهولكم عنها غريب وتفكروا في منابرها التي كان يعلوها واعظ أو خطيب ومطيل ومطيب ومساجدها المتعددة الصفوف والجماعات المعمورة بأنواع الطاعات وكيف أخذ الله فيها بذنب المترفين من دونهم وعاقب الجمهور بما أغمضوا عيونهم وساءت بالغفلة عن الله عقبى جميعهم وذهبت النقمات بعاصيهم ومن داهن في أمره من مطيعهم وأصبحت مساجدهم مناصب للصلبان واستبدلت مآذنهم بالنواقيس من الأذان‏.‏
هذا والناس ناس والزمان زمان‏.‏
فما هذه الغفلة عن من إليه الرجعى وإليه المصير وإلى متى التساهل في حقوقه وهو السميع البصير وحتى متى مد الأمل في الزمن القصير وإلى متى نسيان اللجأ إلى الولي النصير‏.‏
قد تداعت الصلبان مجلبة عليكم وتحركت الطواغيت من كل جهة إليكم‏.‏
أفيخذلكم الشيطان وكتاب الله قائم فيكم وألسنة الآيات تناديكم لم تمح سطورها ولا احتجب نورها وأنتم بقايا من افتحها من عدد قليل وصابر فيها كل خطب جليل فوالله لو تمحض الإيمان ورضي الرحمن ما ظهر التثليث في هذه الجزيرة على التوحيد ولا عدم الإسلام فيها عزم التأييد‏.‏
ولكن شمل الداء وصم النداء وعميت الأبصار فكيف الاهتداء والباب مفتوح والفضل ممنوح فتعالوا نستغفر الله جميعًا فهو الغفور الرحيم ونستقبل مقيل العثرات فهو الرؤوف الحليم ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدمت أيدينا فقبول المعاذير من شأن الكريم‏.‏
سدت الأبواب وضعفت الأسباب وانقطعت الآمال إلا منك يا كريم يا فتاح يا وهاب‏.‏
يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين‏.‏
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين‏.‏
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏.‏
أعدوا الخيل وارتبطوها وروضوا النفوس على الشهادة واغبطوها فمن خاف الموت رضيي بالدنية ولا بد على كل حال من المنية والحياة مع الذل ليست من شيم أهل العقول والنفوس السنية واقتنوا السلاح والعدة وتعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة واستشعروا القوة بالله تعالى على أعدايكم واستميتوا من دون أبنايكم‏.‏
وكونوا كالبنيان المرصوص لحملات العدو النازل بفنايكم وحطوا بالتعويل على الله وحجة بلادكم‏.‏
واشتروا من الله جل جلاله أبيناءكم‏.‏
ذكروا أن امرأة احتمل السبع ولدها‏.‏
وشكت إلى بعض الصالحين فأشار عليها بالصدقة فتصدقت برغيف فأطلق السبع ولدها‏.‏
وسمعت النداء يا هذه لقمة بلقمة وإنا لما استودعناه لحافظون‏.‏
أهجروا الشهوات واستدركوا الباقيات من قبل الفوات وأفضلوا لمساكينكم من الأقوات واخشعوا لما أنزل الله تعالى من الآيات وخذوا نفوسكم بالصبر على الأزمات والمواساة في المهمات وأيقظوا جفونكم من السنات واعلموا أنكم رضع ثدي كلمة التوحيد وجيران البلد الغريب والدين الوحيد وحزب التمحيص ونفر المرام العويص فتفقدوا معاملتكم مع الله تعالى فمهما رأيتم الصدق غالبًا‏.‏
والقلب للمولى الكريم مراقبًا وشهاب اليقين ثاقبًا فثقوا بعناية الله التي لا يغلبكم معها غالب ولا ينالكم من أجلها عدو مطالب وأنكم في الستر الكثيف‏.‏
وعصمة الخبير اللطيف‏.‏
ومهما رأيتم الخواطر متبددة والظنون بالله مترددة والجهات التي تخاف وترجى متعددة والغفلة عن الله ملابسها متجددة‏.‏
وعادة دواعي الخذلان دايمة وأسواق الشهوات قايمة‏.‏
واعلموا أن الله منفذ فيكم وعده ووعيده في الأمم الغافلين وأنكم قد ظلمتم أنفسكم‏.‏
ولا عدوان إلا على الظالمين‏.‏
والتوبة ترد الشارد والله يحب التوابين ويحب المتطهرين‏.‏
وهو القائل‏:‏ ‏"‏ إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ‏"‏‏.‏
وما أقرب صلاح الأحوال إذا صلحت العزايم وتوالت على حزب الشيطان الهزايم وخملت الدنيا الدنية في العيون وصدقت فيها عند الله الظنون‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ‏"‏‏.‏
وتوبوا سراعًا إلى طهارة القلوب وإزالة الشوب واقصدوا أبواب الشدايد ويسد طريق العوايد فلا تمطلوا بالتوبة أزمانكم ولا تأمنوا مكر الله فتغشوا إيمانكم ولا تعلقوا منابكم بالصرائر‏.‏
فهو علام السراير وإنما عليا معاشر الأولياء أن ننصحكم وإن كنا أولى بالنصيحة‏.‏
ونعتمدكم بالموعظة الصريحة الصادرة علم الله عن صدق القريحة‏.‏
وإن شاركناكم في الغفلة فقد ناديناكم إلى الاسترجاع والاستغفار وإنما لكم الدنيا نفس مبدولة في جهاد الكفار‏.‏
وتقدم إلى ربكم العزيز الغفار وقتدم لديكم إلى موافق الصبر‏.‏
التي لا ترضى بتوفيق الله الفرار واجتهاد فيما يعود بالحسنى وعقبى الدار والاختيار لله ولي الاختيار‏.‏
ومصرف الأقدر وها نحن نسرع في الخروج إلى مجافعه هذا العدو‏.‏
ونفدى بنفوسنا البلاد والعباد‏.‏
والحريم المستضعف والأولاد‏.‏
ونصلى من دونهم نار الجلاد ونستوهب منكم الدعاء إلى من وعد بإجابته‏.‏
وتقبل من صرف إليه وجه إنابته‏.‏
اللهم كنم لنا في هذا الانقطاع نصيرًا وعلى أعدائك ظهيرًا ومن انتقام عبدة الأصنام مجيرًا اللهم قومن ضعفت حيلته فأنت القوي المعين وانصر من لا نصير له إلا أنت إياك نعبد وإياك نستعين‏.‏
اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا عند تزلزل الأقدام ولا تسلمنا عند لقاء عدو الإسلام فقد ألقينا إليك يد الاستلام اللهم دافع بملايكتك المسومين عمن ضيقت أرجاؤه وانقطع إلا منك رجاؤه‏.‏
اللهم هيئ لضعفائنا وكلنا ضعيف فقير إليك‏.‏
ذليل بين يديك حقير رحمة تروي بالأزمة وتشبع وقوة تطرد وتستنبع يا غلاب الغلاب يا هازم الأحزاب‏.‏
يا كريم العوايد يا مفرج الشدايد ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏.‏
اللهم اجعلنا ممن تيقظ فتيقظ وذكر فتذكر ومن قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم‏.‏
وقد وردت علينا المخاطبات من قبل إخواننا المسلمين الذين عرفنا في القديم والحديث اجتهادهم وشكرنا في ذات الله تعالى جهادهم بني مرين أولى الامتعاض الله والحمية والمخصوصين بين القبائل الكريمة بهذه المزية بعزمهم على الامتعاض لحق الجوار والمصارخة التي تليق بالأحرار والنفرة لانتهاك ذمار بيتهم المختار وحركة سلطانهم محل أخينا بمن له من الأولياء والأنصار إلى الإعانة على هؤلاء الكفار ومدافعة أحزاب الشيطان وأهل النار فاسألوا الله تعالى إعانتهم على هذا المقصد الكريم الآثار والسعي الضمين للعز والأجر والفخار والسلام الكريم يخصكم أيها الأولياء ورحمة اله وبركاته‏.‏
في الثاني عشر من شهر رمضان المعظم من عام سبع وستين وسبعمائة‏.‏
عرفنا الله خيره‏.‏
صح هذا‏.‏
فكان دفاع الله أقوى وعصمته أكفى‏.‏
والحمد لله على عوايده الحسني‏.‏
ومن الغيرة على الدين وتغير أحوال الملحدين من مآزق جهاد النفس ما وقع به العمل من إخماد البدع‏.‏
وإذهاب الآراء المضلة والاشتداد على أهل الزيغ الزندقة‏.‏
وقد أضاقت أرباب هذه الأضاليل الشريعة وسدت مضرهم في الكافة فيسلط عليهم الحكام‏.‏
واستدعيت الشهادات‏.‏
وأخذهم التشريد فهل تحس منهم أحدًا أو تسمع لهم ركزًا‏.‏
وقيد في ذلك عني مقالات أخرى‏.‏
منها رسالة الغيرة على أهل الحيرة ورسالة حمل الجمهور على السنن المشهور‏.‏
ورسالة أنشدت على أهل الرد‏.‏
فارتفع الخوض وكسدت تلك الأسواق الخبيثة‏.‏
وصم منها الصدا ووضح نار الهدى والحمد لله ولو تتبعت مناقب الهدا لأخرج ذلك عن الغرض‏.‏
الأحداث وفي غرة ذي الحجة كانت الثورة الشنعاء المجحفة بالدولة وقد كان السلطان أنذر بطائفة تداخل بعضه القرابة فعاجله بالقبض عليه وهو في محل ولايته فصفد وأحمل إلى قصبة ألمرية وخاف أرباب المكيدة افتضاح الأمر فتعجلوا إبراز الكامن وإظهار الخبث وتولى ذلك جملة من بني غرون ذنابي بيت الإدبار وقد عابهم من بني مطرون يدور أمرهم على الدليل البركي فأكذب الله دعوتهم بعد أن أركبوا الشيخ عليًا بن نصر ونصبوه تلقاء القلعة بباب البنود ودعوا الناس إلى بيعته‏.‏
وأخذ السلطان حذره وناصبهم القتال وأشاع العطا واستركب الجيش وعمر الأسوار فأخفق القصد وفر الدليل البركي وتقبض على الرئيس المذكور وجعل الله العاقبة الحسنة للسلطان‏.


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:03 AM

وكان مما أمليته يومئذ بين يدي السلطان من الكلام المرسل ما هو نصه بعد الصدر‏:‏ وإلى هذا فمما أفادته القطر السليمة والحلم والقضا بالشريعة والنقل الشرعي والسنن المرعى أن مغلوب ومزاحم الله مهزوم ومكابر البرهان بالجهل موسوم ومرتع الغي مهجور وسيف العدوان مفلول وحظ الشيطان موكوس وحزب السلطان منصور‏.‏
ولا خفاء بنعمة الله علينا التي اطردها في المواطن العديدة والهضبات البعيدة‏.‏
والشبهات غير المبينة والظلمات الكثيفة معلن بوفور الحظ من رحمته وإبراز القداح في مجال كرامته والاختصاص بسيما اختياره فجعل العصمة ليلة الحادث علينا من دون مضجع أمانًا ونهج لنا سبيل النجاة بين يدي كسبه علينا وسخر لنا ظهري الطريف والطريق بعد أن فرق لنا بحر الليل وأوضح لنا خفي المسلك وعبد لنا عاصي الحزم ودمث غمر الشعراء وأوطأنا صهوة المنعة وضرب وجوه الشرذمة المتبعة بعد أن ركضوا قنيب البراذن البادئة من خزاين إهداينا المتجملة بحلى ركبنا وتحملوا السلاح والرياش المختار من أثير صلاتنا وأبهروا الأنفاس التي طال ما رفعها إيناسنا وأبلغها الريق تأميننا وصببوا العرق الذي أفضله طعامنا شرهين إلى دمنا المحظور بالكتاب والسنة المحوط بسياج البيعة المحصن عنهم بتقديم النعمة وحرمة الأب ومتعدد الأذمة فجعل الله بيننا وبينهم حاجزًا وسد ليأجوجهم من المردة مانعًا وانقلبوا يعضون الأنامل الغضة من سريط جفاننا ويقلبون الأكف التي أجدبها الدهر ترفيعًا من المهن المترتبة في خدمتنا قد حالهم صغار القدر وذل الخيبة وكبح الله جماعتهم عن التنفق بتلك الوسيلة‏.‏
واحتللنا قصبة وادي آش لا تملك إلا أنفسًا لم يشبها غش الملة ولا كياد الأمة ولا دنسها والحمد لله عار الفاحشة ولا وسمها الشوم في الولاية ولا أحبط عمل نجابتها دخل اعقيدة ولا مرض السريرة مذ سلمنا المقادة لمن عطف علينا القلوب وصير إلينا ملك أبينا من غير حول ولا حيلة نرى أنها أملك لحرمتنا وأعلم بما كنا وأرحم بنا‏.‏
فتشبثت بها القدم وحميت لنا من أهلها ورعاهم الله الهمم وصدقت في الذب عنا العزايم وحاصرنا جيش العدو وأولياء الشياطين وظهر الباطل فيان الظفر والاسقتبال وظهرت الفية القليلة والله مع الصابرين فغلبوا هناك وانقلبوا صاغرين‏.‏
ومع ما لنا من الضيق وأهمنا من الأمر فلم نطلق به غارة ولا شرهنا إلى تغيير نعمة ولا سرحنا عنا اكتساح على هجمة ولا شعنا لبسًا في بيت ولا حلة وأمسكنا الأرماق بيسير الحلال الذي اشتملته خزايننا من أعشار وزكوات وحظوظ من زراعات وارتقبنا الفرج ممن محص بالشدة والإقالة ممن نبه من الغفلة وألهم الإقلاع والتوبة‏.‏
ثم وفقنا سبحانه وألهمنا من أمرنا رشدًا وسلك بنا طريقًا في بحر الفتنة يبسًا فدناه بحقن الدماء وتأمين الأرجاء وشكرنا على البلاء كشكرنا إياه على الآلاء‏.‏
وخرجنا عن الأندلس ولقد كاد لولا عصمته بأن نذهب مذاهب الزوراء ونستأصل الشأفة ونستأصل العرصة سبحانه ما أكمل صنعه وأجمل علينا ستره إلى أن جزنا البحر ولحقنا بجوار سلطان المغرب لم تنب عنا عين ولا شمخ علينا أنف ولا حمل علينا بركب ولا هتفت حولنا غاشية ولا نزع عنا للتقوى والعفاف ستر بل كان الناس يوجبون لنا الحق الذي أغفله الأوغاد من أبناء دولتنا والضفادع ببركة نعمتنا حتى إذا الناس عافوا الصيحة وتملوا الحسرة وسيموا الخسار والخيبة وسامهم الطغام الذين لا يرجون لله وقارًا ولا يألون لشعايره المعظمة احتقارًا كلاب الأطماع وعبدة الطاغوت ومدبرو حجون الجهل ومياسيس أسواق البعد عن الرب وعرايس محرم الزينة ودود القز وثغار النهم‏.‏
الأعزة على المؤمنين بالباطل‏.‏
الأذلة في أنفسهم بالحق ممن لا يحسن المحاولة ولا يلازم الصهوة ولا يحمل السلاح ولا ينزه مجتمع الحشمة عن الفحشاء ولا يطعم المسكين ولا يشعر بوجود الله جارا من شقيهم المحرم على مضعوف ملتف في الحرم المحصور محتف بلطف المهد معلل بالخداع مسلوب الجرأة بأيدي انتهازهم شؤم على الإسلام ومعرة في وجه الدين أخذ الله منهم حق الشريعة وأنصف أيمة الملة فلم ينشبوا أن تهارشوا فعض بعضهم واستأصلهم البغي وألحم للسيف وتفنن القتل فمن بين مجدل يواري بأحلاس الدواب الوبرة وغريق يزف به إلى سوء الميتة وأستينت حرمة الله واستضيم الدين واستبيحت المحرمات واستبصعت الفروج في غير الرشدة وسات في عدو الدين الحيلة فتحركنا عن اتفاق من أرباب الفتيا وعزم من أولى الحرية وتحريض من أولى الحفيظة الهمة وتداحير من الشوكة وتحريك من وراء البحر من الأمة فكان ما قد علمتم من تسكين الثايرة وإشكا العديم وإصمات الصارخ وشعب الثأي ومعالجة البلوى وتدارك القطر وقد أشفى وكشف الضر والبأسا أما الحبوة فالتمسها وجل الرب واستشاط عليها جو السماء‏.‏
وأما مرافق البحر ومرافده‏.‏
فسدت طرقها أساطيل الأعداء‏.‏
وأما الحمية فبددها فساد السيرة وغمط الحق وتفضيل الأذى‏.‏
وأما المال فاصطلم السفه بيضاءه وصفراءه وكبس خزاينه حتى وقع الإدقاع والإعدام وأقوى العامر وأفتقرت المجابي والمغابن واغتربت جفون السيوف من حلاها‏.‏
وجردتموه الآلة إلى أعلاها والدغل المستبطن الفاضح ويمحض الحين وأسلمت للدواء العرصة وتخربت الثغور من غير مدافعة واكتسحت الجهات فلم يترك بها نافخ ووقع القول وحق البهت وخذل الناصر وتبرأتن الأواصر فحاكمنا العدو إلى النصفة‏.‏
ولم نقره على الدنية وبايناه أحوج ما كنا إلى كدحه وأطمع ما أصبحنا في مظاهرته على الكفار مثله اعتزازًا بالله وثقة به ولجأ إليه وتوكلًا عليه سبحانه ما أبهر قدرته وأسرع نصرته وأودى أمره وأشد قهره‏.‏
وركبنا بحر الخطر بجيش من التجربة وتهدنا قدمًا لا تهاب الهول ولا تراقبه وأطللنا على أحوازريه في الجمع القليل إلا من مدد الصبر المفرد إلا من مظاهرة الله الغفل إلا من زينة الحق المظلل جناح عقابه يجتاح الروح تسد جياده بصهيل العز المطالعة غرره بطليعة النصر‏.‏
فلما أحس بنا المؤمنون المطهرون بساحتهم انتزوا من عقال الإيالة الظالمة والدعوة الفاجرة وتبرأوا من الشرذمة الغاوية‏.‏
والطايفة المناصبة لله المحارية وأقبلوا ثنيات وأفرادًا وزرافات ووجدانًا‏.‏
ينظرون بعيون لم ترو من غيبتنا من محيا رحمة ولا اكتحلت بمنظر رأفة ووجوه عليها قسوة الخسلف وإبشار عليها بوس الجهد يتعلقون بأذيالنا تعلق الغريق يئنون من الجوع والخوف أنين المرضى ويجهشون بالبكاء ويعلنون لله ولنا بالشكوى فعرفناهم الشأمان من الأعداء وأول عارفه جعلونا عليهم وصرفنا وجه التأمين والتأنيس وجميل الود إليهم وخارطناهم الإجهاش والرقعة ووثبنا لهم من الذلة واستولينا على دار الملك ببلدهم فأنزلنا منها أخابيث كان الأشقياء مخلفوهم بها من أخلاف لا يزال تضأ إبشارهم الحدود وتأنف من استكفايهم اليهود وانثالت علينا البلاد وشكمر الطاغية ذيله عن الجهات وراجع الإسلام رمق الحياة وحثثنا السير إلى دار الملك وقد فرعتها الشقي الغاصب بشوكة بغيه التي أمدته في الغي وأجرته على حرمة الله وقصد دار قشتالة بكل ما صانت الحقاق من ذخيرة وحجبت الأمهاء من خرزة ثمينة يتوعدون المسلمين بإدالة الكفر من الإيمان واقياد جيوش الصلبان وشد الحيازم إلى تبديل الأرض غير الأرض وسوم الدين وطمس معالم الحق كيادًا لرسول الله في أمته ومناصبة له في حنيفيته وتبديلًا لنعمة الله كفرًا ولمعروف الحق نكرًا أصبح له الناس على مثل الرضف يرتقبون إطلال الكريهة وسقوط الظلة وعودة الكرة وعقبى المعرة والله من ورائهم محيط وبما يعلمون محيط ولدعاء المستضعفين من المؤمنين مجيب ومنهم وإن قعدوا في أقصى الأرض قريب‏.‏
ولم نق م مذ حللنا بدار الملك شيئًا على مراسلة صاحب قشتالة في أمره نناشده العهد ونطري له الوفاء ونناجزه إلى الحق ونقوده إلى حسن التلطف إلى الذي نشاء من الأمن فحسم الداء واجتث الأعداء وناصح الإسلام وهو أعدا عدوه وحزم الدين وهو المعطل من أدوايه وصارت صغرى عناية الله بنا التي كانت العظمى واندرجت أولاها في الأخرى وأتت ركايب اليمن واليمين تترى ورأى المؤمنون أن الله لم يخلق هذا الصقع سدى ولا هباء عبثًا وأن له فينا خبيثة غيب وسر عناية ويبلغنا إياها ويطوقنا طوقها لا مانع لعطايه ولا معدد لآلايه له الحمد ملئ أرضه وسمايه‏.‏
فمن اضطردت له هذه العجايب فحملته عوايق الاستقامة مزية جيوب التقوى كيف لا يتمنى ويدين لله بمناصحته ويحذر عناد الله بمخالفته ويخشى عاقبة أمره إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏.‏
فقلمنا أظفار الطالبة وأغضينا عن البقية وسوغنا من كشف وجهه في حربنا نعمة الإبقاء وأقطعنا رحم من قطع طاعتنا جانب الصفح وأدررنا لكثير ممن شح عنا ولو بالكلمة الطيبة جورية الرزق ووهنا ما وجب لنا من الحق ودنا له بكظم الغيظ وعمرنا الرتب بأربابها وجردنا الألقاب بعد خرابها وقبضتا الجباية محملة كتد العادة مقودة بزمام الرفق‏.‏
ممسوحًا عطفها بكف الطواعية‏.‏
فبللنا صدأ الجيش الممطول بالأماني المعلل بالكذب المستخدم في الذب عن مجاثم الفحشاء ومراقد العهر ودارينا الأعداء وحسمنا الداء وظهر أمر الله وهم كارهون‏.‏
إلا أن تلك الشرذمة الخبيثة أبقت جراثيم نفاق ركبها انحجار الغدر وبذر بها حصيد الشر وأخلطوا الحقايب اللعنة ممن ساء ظنه وخبث فكره وظن أن العقاب لا يفلته والحق لا يذره والسياسة لا تحفزه فدبت عقاربهم وتدارت طوافاتهم وتأبت فسادهم فدبروا أمرًا تبره الله تتبيرًا وأوسعه خزيًا وبيلا وجفلوا يرتادون من أذيال القرابة من استخلصه الشيطان وأصحبه الخذلان من لا يصلح لشيء من الوظائف ولا يستقل ببعض الكلف فحركوا منهم زاهق زمانه من شر الدواب الذين لا يسمعون فأجرهم رسنه وتوقف وقفة العين بين الورد والصدر‏.‏
بخلال ما أطلعنا الله طلع نيته فعاجلناه بالقبض واستودعناه مصفدًا ببعض الأطباق البعيدة والأجباب العميقة فخرج أمرهم وخافوا أن نحترش السعايات صباب مكرهم وتتبع نفاقهم فأقدموا إقدام العير على الأسد استعجالًا للحين ورجعًا لحكم الخيار وإقدامًا على التي هي أشد تولي كبرها وكشف وجهه في معصيتها الخبيث البركي حلف التهور والخرق المموه بالبسالة وهو الكذوب النكوث الفلول تحملنا هفوته وتغمدنا بالعفو قديمًا وحديثًا زلته وأعرضنا فيه عن النصيحة وأبقينا له حكم الولاية وأنسنا من نفرته وتعاففنا عن غرته وسوغنا الجرايم التي سبقت والجراير التي سلفت من إفساد العهد وأسر المسلمين والافتيات على الشرع والصدوع بدعوى الجاهلية فلم يفده إلا بطرًا ولم يزده إلا مكرًا والخير في غير أهله يستحيل شرًا والنفع ينقلب ضرًا‏.‏
والتفت عليه طايفة من الخلايق بنو غرون قرعاء الجبل والمشأمة‏.‏
وأذناب بيت الإدبار ونفاية الشرار عرك جرأتهم مكان صهرهم البائس ابن بطرون الضعيف المنة السقيط الهمة الخامل التفصيل والجملة وغيرهم ممن يأذن الله بضلال كيدهم وتخييب سعيهم فاقتحموا البلد صبيحة يهتفون بالناس أن قد طرق حكامهم وأن العدو قد دهمهم ملتفتين يرون أنهم في أذيالهم وأن رماحهم تنهشهم وتنوشهم وسرعانهم ترهقهم كأنهم سقطوا من السماء أو ثاروا من بين الحصباء‏.‏
ثم جالوا في أزقة البلد يقذفون في الصفاح نار الحباحب ركضًا فوق الصخر المرصوف وخوضًا في الماء غير المرهوف ثم قصدوا دار الشيخ البايس علي بن أحمد بن نصر نفاية البيت ودردى القوم ممسوخ الشكل قبيح اللتغ ظاهر الكدر لإدمان المعاقرة مزنون بالمعاقرة والربت على الكبرة ساقط الهمة‏.‏
عديم الدين والحشمة منتمت في البخل والهلع إلى أقصى درجات الخسة مثل في الكذب والنميمة معيب المثانة‏.‏
لا يرق بوله واليجف سلسه فاستخرجوه مبايعًا في الخلافة منصوبًا بأعلى كرسي الإمامة مدعومًا بالأيدي لكونه قلقًا لا يثبت على الصهوة مختارًا لحماية البيضة‏.‏
والعدل في الأمة مغتما للذب عن الحنيفية السمحة وصعدوا به إلى ربوة بإزاء قلعتنا منتترا باب البنود مستندا إلى الربض‏.‏
مطلًا على دار الملك قد أقام له رسم الوزارة ابن مطرون الكاري الكسح الدروب برسم المسومة الحرد المهين الحجة فحل طاحوثة الغدر وقدر السوق والخيانة واليهودي الشكل والنحل وقرعتن حوله طبول الأعراس إشادة بخمول أمره واستهجان آلته ونشرت عليه راية فال رأيها وخلب سعيها ودارت به زعنفة من طغام من لا يملي ولا يزيد المكا والصغير من حيله وأنبث في سكك البلد مناديه وهتف أوليا باطله باسمه وكنيته‏.‏
وانتجزوا مواعيد الشيطان فأخلفت ودعوا سماسير الغرور فصمت وقدحوا زناد الفتنة فصلدت وما أوارت‏.‏
ولحين شعرنا بالحادثة ونظرنا إلى مرج الناس واتصل بنا ريح الخلاف وجهير الخلعان استعنا بالله وتوكلنا عليه وفوضنا أمرنا إلى خير الناصرين وقلنا ربنا افتح بيننا وبين قومن ا بالحق وأنت خير الفاتحين واستركبنا الجند وأذعنا خبر العطاء وأطلقنا بريح الجهاد ونفير الجلاد وملأنا الأكف بالسلاح وعمرنا الأبارج بالرجال وقرعنا طبول الملك ونشرنا ألوية الحق واستظهرنا بخالصة الأمراء أولياء الدعوة وخاطبنا فقيه الربض نخبر مخبره ونسبر غوره فالفيناه متواريًا في وكره مرعيا على دينه مشفقًا من الإخطار برمه مشيرًا بكمه‏.‏
وتفقدنا البلد فلم نرتب بأحد من أهله‏.‏
فلما كملت البيعة وفخمت الجملة أنهدنا الجيش ولي أمرنا الذي اتخذناه ظهيرًا واستنبطناه مشيرًا والتزمناه جليسًا وصهيرًا‏.‏
ولم ندخر عنه محلا أثيرًا الشيخ الأجل أبا سعيد عثمان بن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عمر بن رحو ممهد الرعب بقدومه والسعد في خدمتنا بخدمه في جيش كثيف الحملة سابغ العدة مزاح العلة وافر الناشية أخذ بباب الربض وشعابه ولف عليه أطنابه وشرع إليه أمله‏.‏
ولم يكن إلا كلًا ولا حتى داسه بالسنابك وتخلفه مجر العوالي ومجرى السوابق وهو الحمى الذي لا يتوعد والمجد الذي لا يغرب فلولا تظاهر مشيخته بشعار السلم واستظلاله بظلال العافية لحث الفاقرة ووقعت به الرزية‏.‏
وفر الأعداء لأول وهلة وأسلموا شقيهم أذل من تد في قاع وسلحفة في أعلى يفاع فتقبض عليه وأخذت الخيل أعقاب الغدرة أشياعه وقيد إلينا يرسف في قيد المهزم ثعبان مكيدة وشكية ضلال مظنة فضيحة وأضحوكة سمر‏.‏
فتضرع بين أيدينا وأخذته الملامة وعلاه الخزي وثل إلى المطبق حتى نستدعي حكم الله في جرمه ونقتضي الفتيا في جريرته ونختار في أقسام ما عرضه الوحي من قتلته‏.‏
وهدأت الثايرة والحمد لله من يومها واجتثت شجرة الخلاف من أصلها فالحمد لله الذي أتم نوره ولو كره الكافرون ‏"‏ إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ‏"‏‏.‏
وماذا رأيهم منا أصغر الله منقلهم وأخزى مردهم وأستأصل فلكهم‏.‏
أولا يتبنى أمر وارثه‏.‏
ثم عوده إلينا طواعية ثم رفعنا وطأة العدو وحربه ومددنا ظلال الأمن دفعة وأنفأنا رمتي الثغور حين لم يجدوا حيلة إلا ما عرفوا من أمنه وبلوا من حيطته وتسوغًا من هدنه وانسحبت فوق آمالهم وحريمهم من عفة‏.‏
وأظهر الله علينا من نعمة‏.‏
ربنا أنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء‏.‏
اللهم ألبسنا سريرتنا وعاملنا بدخلتنا فيهم وإن كنا أردنا لجماعتهم شرًا وفي دينهم إغماضًا وعن العدل فيهم عدولًا فعاملنا بحسب ما تبلوه من عقيدنا وتستكشفه من خبيئتنا وإن كنت تعلم صحة مناصحتنا لسوادهم واستنفادنا الجهد في إتاحة عافيتهم ورعى صلاحهم وتكيف آمالهم فصل لنا عادة صنعك فيهم ومسلنا طاعتهم واهدبنا جماعتهم وارفع بنظرنا إطاعتهم يا أرحم الراحمين‏.‏
ولما أسفر صبح هذا الصنع عن حسن العفو وأستقر على التي هي أزكى وظهر لنا لا تخاف بالله دركا ولا تخشى وأن سبيل الحق أنجى ومحجته أحجى خاطبناكم تجلو نعم الله قبلنا عليكم ونشيد بتقوى الله بناديكم وعنايته لدينا ولديكم ونهدي طرف صنعه الجميل قبلنا إليكم ليكسبكم اعتبارًا فزجوا الله وقارا وتزيدوا يقينًا واستبصارًا وتصفوا العين من اختار لكنم اختيارا‏.‏
وهو حسبنا ونعم الوكيل والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم‏.‏
كتب في كذا‏.‏
والسلام عليكم ورحمت الله وبركاته‏.‏
صح هذا الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة اقتضى نظر الحزم ورأى الاجتهاد للإسلام إطلاق الغارات على بلد الكفرة من جميع جهات المسلمين فعظم الأثر وشهر الذكر واكتسحت الماشية وألحم السيف‏.‏
وكان ثغر برغة الفايزة به يد الكفرة لهذا السنين القريبة قد أهم القلوب وشغل النفوس وأضاق الصدور لانبتات مدينة رندة بحيث لا يخلص الطيف ولا تبلغ الرسالة من الطير وغيرها إلى ناحية العدو‏.‏
فوقع العمل على قصده واستعانة الله عليه واستنفر لمنازلته أهل الجهات الغربية من مالقة ورندة وما بينهما ويسر الله في فتحه بعد قتال شديد وحرب عظيمة وجهاد شهير واستولى المسلمون عليه فامتلأت أيديهم أثاثًا وسلاحًا ورياشًا وآلة وطهرت للحين مساجده وزينت بكلمة الله مشاهده وأنست بالمؤمنين معاهده ورتبت فيه الحماة والرماة والفرسان الكماة واتصلت بفتحة الأيدي وارتفعت العوايق وأوضحت بين المسلمين وأخوانهم السبل والحمد لله‏.‏
وتوجهت بفتحه الرسايل وعظمت المنن الجلايل وفر العدو لهذا العهد عن حصن السهلة من حصون الحفرة اللويشية وسد الطريق الماثلة وذلك كله في العشر الأوسط لشعبان من هذا العام‏.‏
ثم أجلب المسلمون في يرندة في أخرياته وقصدوا باغة وجيرة فاستنزلوا أهلها وافتتحوها فعظمت النعمة واطرد الفتح واتسعت الجهة‏.‏
وكانت مما خوطبت به الجهة المرينية من إملائي‏:‏ المقام الذي نبشره بالفتح ونحييه ونعيد له خبر المسرة بعد أن نبديه ونسأل الله أن يضع لنا البركة فيه‏.‏
ونشرك مساهمته فيما نهصره من أغصان الزهور ونجنيه ونعلم أن عزة الإسلام وأهله أسنى أمانيه وإعانتهم أهم ما يعنيه‏.‏
مقام محل أخينا الذي نعظم قدره ونلتزم بره ونعلم سره في مساهمة المسلمين وجهره السلطان الكذا الذي أبقاه الله في عمل الجهاد ونيته متكلفة بنشر كلمة الله طويته متممة من ظهور الدين الحنيف أمنيته معظم جلاله ومجزل ثنايه ومؤمل عادة احتفاله بهذا الوطن الجهادي واعتنايه أيد الله أمره وأعز نصره‏.‏
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
أما بعد حمد الله واصل سبب الفتوح ومحزل مواهب النصر الممنوح‏.‏
ومؤيد الفية القليلة بالملايكة والروح والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه الآتي بنور الهدى بين الوضوح الداعي من قبوله ورضوانه إلى المنهل المورود والباب المفتوح الرضا عن آله وأصحابه أسود السروج وجماة السروج والمقتفين نهجه في جهاد عدو الله بالعين القارة والصدر المشروح والدعاء لمقامكم العلي بالعز الرفيع الصروح فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سبوغ المواهب ووضوح المذاهب وعزة الجانب وظفرة الكتايب من حمراء غرناطة حرسها الله ونعم الله واكفة السحايب كفيلة بنيل الرغايب والله يصل لنا ولكم عوارف اللطايف ويجعل الشهيد دليلًا على الغايب‏.‏
وإلى هذا وصل الله إزازكم وحرس أحوازكم وعمر بالحقيقة من أمراد مجازنا ومجازكم‏.‏
فإنا بادرنا تعريفكم بما فتح الله علينا من الثفر العزيز على الإسلام العايد رزؤه الفادح على عبادة الأصنام ركاب الغارات وممكن حياة المضرات ومخيف الطريق السابلة والمسارح الآهلة حصن برغة ويسر الله في استرجاعه مع شهرة امتناعه وتطهر من دنس الكفار وأنيرت مئذنته بكلمة الشهادة الساطعة الأنوار وعجلنا ذلك على حين وضعت الحرب فيه أوزارها ووفت الأوتار أوبارها فسار الكتاب إليكم وأجير الأجر لم يجف عرقه وعذر الاستعجال لأحبة طرقه‏.‏
ولما عدنا إلى حضرتنا بعد ما حصناه وعمرناه وأجزلنا نظر الحزم له وفرقناه‏.‏
لم تكد البنود لمسرة فتحه أن تعاد إلى أماكن صوتها مرتقبة عادة الله ف يعونها حتى طرقت الأنباء السارة بتوالي الصنع وانفراده بتشفيع أفراده وذلك أن أهل رندة حرسها الله نافسوا جيرانهم من أهل مالقة كان الله لجميعهم وتولى شكر صنيعهم فيما كان من امتيازهم بحصن برغة الجار المصاقب لها فحميت هممهم السنية وهانت في الله موارد المنية وتضافر العمل والنية وظهر نجح المقاصد الدينية في إتاحة الفتح الهنية فوجهوا نحو حصن وحبر وهو الداين صحر المدينة ونحرها‏.‏
والعدو الذي لا يفتر عن ضرها والحية الذكر التي هي مروان أمرها ففتحوه بعون الله وقوته وتهنوا بعده سلوك الطريق وإشاعة الريق ومراصد الحرس‏.‏
ومجلوا الجرس وأنصفوا وانصرفوا إلى حصن باغة من مشاهد تلك الحفرة فناشبوه القتال وأذاقوه الوبال وفوقوا إليه النبال ففتحة الله فتحًا هينًا‏.‏
لم تفت فيه للمسلمين نفس ولا تطرق لنصر التيسير لبس فقابلنا بها لشكر هذه النعم المتوالية والمنن المتقدمة والتالية‏.‏
و أعدنا الأعلام إلى مراكزها المشرفة المراقب والطبول إلى قرعها عملًا من الإشارة بالواجب وشكرنا الله على اتصال المواهب ووضوح المذاهب وخاطبنا مقامكم الذي ترى الصنايع متواترة بنيته الصالحة وقصده ويعتد في الحرب والسلم بمجده علمًا بأن هذه المسرات نصيبكم منها النصيب الأوفى وارتياحكم أي لمثلها لا يخفى ونحن نرقب ما تنجلي عنه هذه النكايات التي تفتت كبد العدو تناليها وتروع أحوازه وما يليها ولا بد له من امتعاض يروم به صرع المعرة ويأبى الله أن ذلك يأتي بالكرة والله يجعلها محركان لحتفه المرقوب وحينه المجلوب ويحقق حق القلوب في نصرة المطلوب عرفنا كم بما تريدون عملًا بواجب بركم ومعرفة بقدركم وما يتزايد نعرفكم به ويتصل سبب التأكيد والتعجيل بسببه والسلام‏.‏
الغزاة إلى حصن أشر وفي أوائل شهر رمضان بعده‏.‏
أعمل السلطان الحركة السعيدة إلى حصن أشر وهو قفل الثغر الذي فضه الطاغية وسورها الذي فرغه الكفر‏.‏
وجارحه المحلق على البلاد‏.‏
والمتحكم لو لا فضل الله في الأموال والأولاد فتأذن الله برد مغتصبه والشفا من وصبه وأحاط به وناصبه الحرب ففتحة الله على يده عنوة‏.‏
على سمو ذروته وبعد صيته وشهرته واختيار الطاغية في حاميته بعد حرب لم يسمع بمثله فاز بمزية الحمد فيها السلطان لمباشرته إياها بنفسه وحمل كلها فوق كاهله واتقاد ما خمد من الحمية بتحريضه‏.‏
ثم لما كان بعد الفتح من استخلاص القصبة وسد ثلمها بيده ومصابرة جمو القيظ عامة يومه فجاز ذكرًا جميلًا وحل من القلوب محلا أثيرًا ورحل منها بعد أن أسكن بها من الفرسان رابطة متخيرة ومن الرماة جملة وتخلف سلاحًا وعدة فكان الفتح على المسلمين‏.‏
في هذا المعقل العزيز عليهم جليلًا والمن من الله جزيلا والصنع كثيرًا‏.‏
في هذا المعقل العزيز عليه جليلًا والمن من الله جزيلا والصنع كثيرًا وصدرت الخاطبة للمغرب بذلك على الأسلوب المرسل الخلي من السجع الغني‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:04 AM


الغزاة المعملة إلى أطريرة في شهر شعبان من عام ثمانية وستين وسبعمائة كانت الحركة إلى مدينة أطريرة بنت إشبيلية‏.‏
وبلدة تلك الناحية الآمنة‏.‏
مهاد الهدنة البعيدة عن الصرمة حرك إليها بعد المدى وآثرها بمحض الردى من بين بلاد العدا ما أسلف به أهلها المسلمين من قتل أسراهم في العام قبله‏.‏
فنازلها السلطان أول رمضان وناشبها الحرب واستباح المدينة وربضها عنوة‏.‏
ولجأ أهلها إلى قصبتها المنيعة ذات الأبراج المشيدة وأخذ القتال بمخنقهم وأعان الزحام على استنزالهم فاستتنزلوا على حكم المسلمين فيما يناهز خمسة بما لم يتقدمه عهد ولا اكتحلت به في هذه المدة عين‏.‏
ولا تلقته عنها أذن وامتلأت أيدي المسلمين بما لم يعالمه إلى الله من شتى الغنايم وأنواع الفوايد واقتسم الناس السبي رنعًا على الأكفال والظهور وتقديرا بقدر الرجال وحملا فوق الظهور للفرسان وعمرانا للسروج والأعضاد بالصبية وبرز الناس إلى ملاقاة السلطان‏.‏
في هول من العز شهير من الفخر وبعيد من الصيت قرت له أعينهم وقعد لبيعتهم أيامًا تباعًا وملأبهم البلاد هدايا وتحفًا والحمد لله وصدرت المخاطبة بذلك إلى السلطان بالمغرب بما نصه من الكلام المرسل من إنشائي‏.‏
الغزاة إلى فتح جيان وفي آخر محرم من عام تسعة وستين وسبعمائة كانت الحركة الكبرى إلى مدينة جيان إحدى دور الملك ومدن المعمود وكرسية الإمارة ولوان المدن الشهيرة افتتحها الله عنوة ونقل المسلمون ما اشتملت عليه من النعم والأقوات والأموال والأنعام والأثواب والدواب والسلاح ومكنهم من قتل المقاتلة وسبي الذرية وتخريب الديار ومحو الآثار واستنساف النعم وقطع الأشجار‏.‏
وهذا الفتح خارق‏.‏
تعالى أن يحيط به النظم والنثر فذكره أطير وفخره أشهر وصدرت في ذلك المخاطبة من إملائي إلى ملك المغرب‏.‏
وأصاب الخلق عقب القفول في هذه الغزاة‏.‏
مرض وافد فشا في الناس كافة وكانت عاقبته السلامة وتدارك الله بلطفه فلم يتسع المجال لإنشاد الشعراء ومواقف الإطراء إلى شغل عن ذلك‏.‏
الغزاة إلى مدينة أبدة وفي أو لربيع الأول من هذا العام كان الغزو إلى مدينة أبدة واحتل بظاهرها جيش المسلمين وأبلى السلطان في قتالها وقد أخذت بعج جارتها جيان أقصى أهبة‏.‏
واستعدت بما في الوسع والقوة وكانت الحرب بها مشهورة‏.‏
وافتتحها للمسلمون فانتهبوها وأعفوا مساكنها العظيمة البناء وكنايسها العجيبة المرأى وألصفوا أسوارها بالثرى ورأوا من سعة ساحتها وبعد أقطارها وضخامة بناها ما يكذب الخبر فيه المرأى ويبلد الأفكار ويحير النهي‏.‏
ولله الحمد على آلايه التي لا تحصى‏.‏
وقفل المسلمون عنها وقد أخربوها بحيث لا تعمر رباعها ولا تأتلف حجورها وجموعها‏.‏
وصدرت المخاطبة بذلك إلى صاحب المغرب من إنشائي بما نصه‏:‏ وإلى هذا العهد جرت الحادثة على ملك قشتالة بطره بن أدفونش بن هراندة بن شانجه وهو الذي تهيأ به الكثير من الصنع للمسلمين بمزاحمة أخيه أندريق في الملك وتضييقه عليه وحياز سبعة من كبار أصحابه وأهل ملته إليه وافتقار بطره المذكور إلى إعانة المسلمين وإجلابهم على من آثر طاعته ضده فانهزم بظاهر حصن منتيل ومعه عدد من فرسان المسلمين ولجأ إلى الحصن على غير أهبة ولا استعداد فأخذ أخوه الذي هزمه بمخنقه وأدار على الحصن البنا وفر جيش المحصور فاجتمع فله بأحواز أبدة وراسلوا المسلمين في مظاهرتهم على استنقاذهم فتوجهت الفتيا بوجوب ذلك‏.‏
ووقع الاستنفار والاحتشاد حرصًا على تخليثه لسبب بقاؤه بقاء الفتنة تستأصل الكفر ونشغل بعض العدو ببعضه‏.‏
وفي أثناء هذه المحاولة تباطن الحاين المحصور بمن معه وبعد عليه الخلاص من ورطته ومساهمة المسلمين إياه في محنته وانقطعت عنه الأنباء بفرج من كربته فداخل بعض أمراء أخيه وظهراه ممن يباشر حصاره وكان قومسًا شهيرًا من المدد الذي ظاهره من أهل إفرنسية ووعده بكل ما يطمع من مال ومهد وتوفية عهد‏.‏
فأظهر له القبول وأضمر الخديعة‏.‏
ولما نزل إليه سجنه ومن لحق به من الأدلاء وأولى الحرة بالأرض وأمسكه وقد طير الخبر إلى أخيه فأقبل في شرذمة من خواصه وخدامه فهجم عليه وقتله وأوس العفو من كان محصورًا معه وطير إلى البلاد برأسه وأوغر التبن في جثته ولبس ثياب الحزن من أجله وإن كان معترفًا بالصواب في قتله وخاطب البلاد التي كانت على مثل الجمر من طاعة الجاهر بمظاهرة المسلمين وما جر ذلك من افتتاح بلادهم وتخريب كنايسهم والإتيان على نعمهم فأجابته ضربة وانفقت على طاعته فلم يختلف عليه منها اثنان إلا ما كان من مدينة قرمونة‏.‏
واجتمعت كلمة النصارى ووقع ارتفاع شتاتهم وصرفوا وجوههم إلى المسلمين وشاع استدعاؤهم جميع من بأرض الشرق من العدو والثقيل ببرجلونة وعدو الأشبونة والعدو الثقيل الوطأة بإفرانسية‏.‏
وقد كان الله جل جلاله ألهم أهل البصاير النظر في العواقب والفكر فيما بعد اليوم أعمل‏.‏
ووقع لي إذن السلطان المخلى بيني وبين النصائح في مخاطبة سلطان النصارى المنكوب لهذا العهد فأشرت عليه بالاحتراز من قومه والتفطن لمكايد من يحطب في حبل أخيه وأريته اتخاذ معقل بحرز ولده وذخيرته ويكون له به الخيار على دهره واستظهرت له على ذلك بالحكايات المتداولة والتواريخ المعروفة لتتصل الفتنة بأرضهم فقبل الإشارة وشكر النصيحة واختار لذلك مدينة قرموتة المختصة بالجوار المكتب من دار ملكهم إشبيلية فشيد هضابها وحصن أسوارها وملأها بالمخازن طعامًا وعدة واشتكثر من الآلات واستظهر عليها بالثقات ونقفل إليها المال والذخيرة وسجن بها رهان أكابر إشبيلية وأسرى المسلمين وبالغ في ذلك فيما الغاية وراءه ولا مطمع ولا ينصرف إلى مصرعه الذي دعاه القدر إليه حتى تركها عدة خلقه وأودع بها ولده وأهله ولجأ إليها بعض من خدامه من لا يقبل مهدنة ضده ولا يقر أمان عدوه والتقوا على صغير من ولده كالنحل على شهده ولجأوا إلى المسلمين فبغض عليهم الكرة والفتح بقاء هذا الشجي المعترض في حلقه وأهمه تغيير أمره وجعجع به المسلمون لأجله‏.‏
وأظهروا لمن انحاز بقرمونة‏.‏
الامتساك بعهده فعظم الخرق وأظهر الله نجح الحيلة‏.‏
وصدق بها المخيلة وتفتر الأمر‏.‏
وخمدت نار ذلك الإرجاف‏.‏
واشتغل الطاغية بقرمونة بخلال ما خوطب به صاحب الأرض الكبيرة فطمعه في المظاهرة‏.‏
وتحطب له ملك قشتالة وعقد السلم مع صاحب برطغال والأشبونة ونشأت الفتن بأرضهم‏.‏
وخرجت عليهم الخوارج فأوجب إزعاجه إلى تلك الجهة‏.‏
وإقرار ما بالبلاد المجاورة للمسلمين من الفرسان والحماة تقاتل وتدافع عن أحوازها وجعل الخصص موجهة قرمونة وانصرف إلى سد الفتوق التي عليه بلطف الحيلة‏.‏
ببواطن أرضه وأحشاء عمالته وصار في ملكه أشغل من ذات النحيين‏.‏
فساغ الريق‏.‏
وأمكن العذر وانتهز الغرة واستؤنفت الحركة فكانت إلى حصن منتيل والحويز ففتحهما الله في رمضان من عام سبعين وسبعمائة ثم إلى ثغر روطة‏.‏
ففتحه الله عن جهد كبير واتصل به حصن زمرة‏.‏
فأمن الإسلام عادية العدو بتلك الناحية وكبس أهل رندة‏.‏
بإيعاز من السلطان إليها وإلى من بالجبل جبل الفتح حصن برج الحكيم والقشتور فيسر الله فتحهما في رمضان أيضًا‏.‏
ثم كانت الحركة إلى الجزيرة الخضراء باب الأندلس وبكر الفتح الأول فكانت الحركة إليها شهر ذي الحجة من العام المذكور‏.‏
ووقع تحريض الناس بين يدي قصدها في المساجد بما نصه‏:‏ معاشر المسلمين المجاهدين‏.‏
وأولي الكفاية عن ذوي الأعذار من القاعدين‏.‏
أعلى الله بعلو أيديكم كلمة الدين‏.‏
وجعلكم في سوى الأجر والفخر من الزاهدين إعلموا رحمكم الله أن الإعلام بالأندلس ساكن دار والجزيرة الخضراء بابه ومبعد مغار والجزيرة الخضراء ركابه فمن جهتها اتصلت في القديم والحديث أسبابه ونصرته على أعدايه وأعداء الله أحبابه ولم يشك العدو الكافر الذي استباحها وطمس بظلمة الكفر صباحها على أثر اغتصابها واسوداد الوجوه المؤمنة لمصابها وتبديل محاربها وعلوق أصله الخبيث في طيب تراثها أن صريع الدين الحنيف بهذا الوطن الشريف‏.‏
لا ينتعش ولا يقوم بعد أن فرى الحلقوم‏.‏
وأن الباقي رمق يذهب وقد سد إلى التدارك المذهب‏.‏
لو لا أن الله دفع الفاقرة ووقاها‏.‏
وحفظ المسكنة واستبقاها وإن كان الجبل عصمه الله نعم البقية‏.‏
وبمكانه حفت التقية فحسبك من مصراع باب فجع بثانيه ومضايق جوار حيل بينه وبين أمانيه‏.‏
والآن يا عباد الله قد أمكنكم الانتهاز فلا تضيعوا الفرصة وفتر المنخنق فلا تسوغه غصة واعمروا البواطن بحمية الأحرار وتعاهدوا مع الله معاهد الأولياء الأبرار‏.‏
وانظروا للعون من الذراري والأبكار والنشأة الصغار زغب الحواصل في الأكوار والدين المنتشر بهذه الأقطار واعملوا للعواقب تحمدوا عملكم واخلصوا لله الضماير يبلغكم من فضله أملكم فما عذر من سلم في باب وكره‏.‏
وماذا ينتظر من أذعن لكيد عدوه ومكروه‏.‏
من هذه الفرضة دخل الإسلام تروع أسوده‏.‏
ومن هذه الجهة طلع الفتح الأول تخفق بنوده ومنها تقتحم الطير الغريب إذا رامت الجواز وفوده فيبصر بها صفات والدليل يقوده‏.‏
الباب المسدود يا عباد الله فافتحوه وجه النصر تجلى يا عباد الله فالمحوه الداء العضال يا عباد الله فاستأصلوه حبل الله يا رجال الله قد انقطع فصلوه‏.‏
في مثلها ترخص النفوس الغالية في مثلها تختبر الهمم العالية في مثلها تشهر العقايد الوثيقة وتدس الأحباس العريقة فنضر الله وجه من نظر إلى قلبه وقد امتلأته حمية الدين وأصبح لأن تكون كلمة الله هي العليا متهلل الجبين‏.‏
اللهم إنا نتوسل إليك بأسرار الكتاب الذي أنزلته وعناية النبي العربي الذي أوفدت من خصوص الرحمات وأجزلت وبكل نبي ركع لوجهك الكريم وسجد وبكل ولي سده من إمدادك كما وجد‏.‏
ألا ما رددت علينا ضالتنا الشاردة وهنأتنا بفتحها من نعمك الواردة يا مسهل المآرب العسرة يا جابر القلوب المنكسرة يا ولي الأمة الغريبة يا منزل اللطايف القريبة اجعل لنا ملايكة نصرك مددًا وانجز لنا من تمام نورك الحق موعدًا‏.‏
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا فوقع الانفعال وانتشرت الحمية وجهزت الأساطيل‏.‏
وكانت منازلتها يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور وعاطاها المسلمون الحرب فدخلت البنية وهي المدينة الملاصقة لها عنوة قتل بها من الفرسان الدارعة عدة وصرفت الغنايم إلى المدينة الكبرى‏.‏
فرأوا من أمر الله ما لا طاقة لهم به وخذلهم الله جل جلاله على منعة الأسوار وبعد مهاوي الأغنوار وكثرة العهد والعدد‏.‏
وطلبوا الأمان لأنفسهم‏.‏
وكان خروجهم عنها يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر المذكور السعيد على المسلمين في العيد والسرور برد الدين‏.‏
ولله الحمد على آلايه وتوالي نعمه وإرغام أعدايه‏.‏
وفي وسط ربيع الأول من عام أحد و سبعين وسبعمائة أعمل الحركة إلى أحواز إشبيلية دار الملك ومحل الشوكة الحادة وبها نايب سلطان النصارى في الجمع الخشن من أنجاد فرسانهم وقد عظم التضييق ببلدة قرمونة المنفردة بالانتزاء على ملك النصارى والانحياز إلى خدمة المسلمين فنازل المسلمون مدينة أشونة ودخلوا جفنها عنوة واعتصم أهلها بالقصبة فتعاصت واستعجل الإقلاع منها لعدم الماء المروى والمحلات فكان الانتقال قدمًا إلى مدينة مرشانة وقد أحدقوا بها‏.‏
وبها العدة والعديد من الفرسان الصناديد ففتحها الله سبحانه إلا القصبة واستولى المسلمون فيها وفي جارتها‏.‏
من الدواب والآلات على ما لا يأخذه الحصر‏.‏
وقتل الكثير من مقاتلتها‏.‏
وعم جميعها العدم والإحراق ورفعت ظهور دواب المسلمين التوسعة انحطاط الأسعار وأودب الغلاء في أرض الكفار وقفل والحمد لله في عز وظهور‏.‏
وفرح وسرور‏.‏
مولده السعيد النشيبة الميمون الطلوع والجيية المقترن بالعافية منقولًا من تهليل نشأته المباركة‏.‏
وحرز طفولته السعيدة في نحو ثلث ليلة الاثنين والعشرين من جمادى الآخرة عام تسعة وثلاثين وسبعمائة‏.‏
قلت ووافقه من التاريخ الأعجمي رابع ينير من عام لف وثلاثمائة وسبعة وسبعين لتاريخ الأعجمي رابع ينير من عام ألف وثلاثمائة وسبعة وسبعين لتاريخ الصفر‏.‏
واقتضت صناعة التعديل بحسب قيمودا وبطليموس أن يكون الطالع ببرج القمر لاستيلائه على مواضع الاستقبال المتقدم للولادة ويكون التخمين على ربع ساعة وعشر ساعة وثلث عشر الساعة السادسة من ليلة الاثنين المذكورة‏.‏
والطالع من برج السنبلة خمس عشرة درجة وثمان وأربعون دقيقة من درجة‏.‏
كان الله له في الدنيا والآخرة‏.‏
وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
محمد بن يوسف الخزرجي الأنصاري محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سليمان ابن حارثة بن خليفة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة ابن عمر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن هميسع بن يمن بن نبت بن إسماعيل ابن إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد الكريم‏.‏
أمير المسلمين بالأندلس ودايلها وخدمة انصريين بها يكنى أبا عبد الله ويلقب بالغالب بالله‏.‏
أوليته وقد اشتهر عند كثير ممن عني بالأخبار أن هذا البيت النصري من ذرية سعد بن عبادة سيد الخزرج‏.‏
وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وصنف الناس في اتصال نسبهم بقيس بن سعد بن عبادة غير ما تصنيف وأقوى ما ذكر قول الرازي‏:‏ دخل الأندلس من ذرية سعد بن عبادة رجلان نزل أحدهما أرض تاكرونا ونزل الآخر قرية من قرى سقرسطونة تعرف بقرية الخزرج ونشأ بأحواز أرجونة من كنبانية قرطبة أطيب البلاد مدرة وأوفرها غلة وهو بلده وبلد جده في ظل نعمة وعلاج فلاحة وبين يدي نجدة وشهرة بحيث اقتضى ذلك أن يفيض شريان الرياسة وانطوت أفكاره على نيل الإمارة ورآه مرتادو أكفاء الدول أهلًا فقدحوا رغبته وأثاروا طمعه‏.‏
حدث شيخنا الكاتب الشاعر محمد بن محمد بن عبد الله اللوشي اليحصبي وقد أخبرني أنه كان يوجد بمدينة جيان رجل من أهل المالية وكان له فرس أنثى من عتاق الخيل‏.‏
على عادة أولى المالية وكان له من أهل الثغور من ارتباط الخيل والتنافس في إعداد القوة‏.‏
وشهرت هذه الفرس في تلك الناحية وبعث الطاغية ملك الروم في ابتياعها فعلقت بها كف هذا الرجل وآهر بها نفسه وازداد غبطة بها لديه ورأى في النوم قايلًا يقول له سر إلى أرجونة بفرسك وابحث عن رجل اسمه كذا وصفته كذا فاعطه إياها فإنه سيملط جيانًا وسواها ينتفع بها عقبلك وأرجي الأمر فعرض عليه ثانية وحث في ذلك في الثالثة فسأل ثقة له خبيرًا بتلك الناحية وأهلها فقال له المخبر وكان يعرف بابن يعيش فوصفه له فتوجه الفقيه إلى أرجونة ونزل بها وتسومع به وأقبل السلطان وأظهاره وتكلموا في شأنه‏.‏
فذكر غرضه فيه وأظهر العجز عن الثمن وسأل منه تأخير بعضه فأسعفه‏.‏
واشترى منه الفرس بمال له خطر‏.‏
فلما كمل له القصد‏.‏
طلب منه الخلوة به في المسجد من الحصن وخرج له عن الأمر وأعطاه بيعته وصرف عليه الثمن‏.‏
واستكتمه السلطان خيفة على نفسه وانصرف إلى بلده‏.‏
قال‏:‏ وفي العام بعده دعا إلى نفسه بأرجونة وتملك مدينة جيان‏.‏
واختلف في السيب الذي دعاه إلى ذلك فقيل إن بعض العمال أساء معاملته في حق مخزني وقيل غير ذلك‏.‏
حاله هذا الرجل كان آية من آيات الله في الذاجة والسلامة والجمهورية جنديًا ثغريًا شهمًا أيدًا عظيم التجلد رافضًا للدعة والراحة مؤثرًا للتقشف والاجتراء باليسير متبلغًا بالقليل بعيدًا عن التصنع جافي السلاح شديد العزم مرهوب الإقدام عظيم التشمير مقريًا لضيفه مصطنعًا لأهل بيته فظًا في طلب حظهم محميًا لقرابته وأقرائه وجيرانه‏.‏
مباشرًا للحروب بنفسه تتعالى الحكاة في سلاحه وزينة دبوره‏.‏
يخصف النعل ويلبس الخشن ويؤثر البداوة ويستشعر الجد في أموره‏.‏
سعد بيوم الجمعة وكان فيه الصدقة الجارية على ضعفاء الحضرة ومنايهم إلى اليوم‏.‏
وتملك مدينة إشبيلية في أخريات ربيع الأول من عام ظهوره وهو عام تسعة وعشرين وستماية نحوًا من ثلاثين يومًا‏.‏
وملك قرطبة في العشر الأول لرجب من العام المذكور وكلاهما عاد إلى ملك ابن هود‏.‏
ولما تم له القصد من تملك البيضة والحصول على العمال مباشرًا للحسابات بنفسه فتوفر ماله وغصت بالصامت خزاينه وعقد السلم الكبير وتهنأ أمره وأمكنه الاستعداد فأنعم الأهواء‏.‏
وملأ بطن الجبل المتصل بالقلعة حبوبًا مختلفة‏.‏
وخزاين درة ومالًا وسلاحًا وارية ظهرًا وكراعًا‏.‏
فوجد فايدة استعداده ولجأ إلى ما ادخره من عتاده‏.‏
سيرته تظاهر لأول أمره بطاعة الملوك بالعدوة وإفريقية يخطب لهم زمانًا يسيرًا‏.‏
وتوصل بسبب ذلك إلى إمداد منهم وإعانة‏.‏
ولقبل ما افتتح أمره بالدعاء للمستنصر العباسي ببغداد حاذيًا حذو سميه ابن هود للهج العامة في وقته‏.‏
بتقلد تلك الدعوة إلى أن نزع عن ذلك كله‏.‏
وكان يعقد للناس مجلسًا عامًا يومين في كل أسبوع فترفع إليه الظلامات ويشافه طالب الحاجات وتنشده الشعراء‏.‏
وتدخل إليه الوفود ويشافه أرباب النصايح في مجلس اختص به أهل الحضرة وقضاة الجماعة وأولى الرتب النبيهة في الخدمة بقراءة أحاديث من الصحيحين ويختم بأعشار من القرآن ثم ينتقل إلى مجلس خاص ينظر فيه في أموره فصرف كل قصد إلى من يليق به ذلك ويؤاكل بالعشيات خاصته من القرابة ومن يليهم من نبهاء القواد‏.‏
أولاده أعقب ثلاثة من الذكور محمدًا ولي عهده وأمير المسلمين على أُره والأميرين أبا سعيد فرج وزراء دولته وزر له جماعة الوزير أبو مروان عبد الملك بن يوسف بن صناديد زعيم قاعدة جبان وهو الذي مكنه من ناصية جيان المذكورة‏.‏
واستوزر علي ابن إبراهيم الشيباني من وجوه حضرته وذوي النسب من الفضلاء أولي الدماثة والوقار‏.‏
واستوزر الرييس أبا عبد الله بن الرييس أبي عبد الله الرميمي‏.‏
واستوز الوزير أبا يحيى ابن الكاتب من أهل حضرته‏.‏
وغيرهم ممن تبلغ به الشهرة مبلغًا فيهم‏.‏
كتابه كتب له من الجلة جماعة كالكاتب المحدث الشهير أبي الحسن علي بن محمد ابن محمد بن سعيد اليحصبي اللوشي ولما توفي كتب عنه ولده أبو بكر بن محمد‏.‏
هؤلاء مشاهير كتابه ومن المرءوسين أعلام كأبي بكر بن خطاب وغيره‏.‏
قضاته ولي له قضاء الجماعة القاضي العالم الشهير أبنو عامر يحيى بن عبد الرحمن ابن ربيع الأشعري من جلة أهل الأندلس في كبر البيت وجلالة المنصب وغزارة العلم‏.‏
ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الجليل ابن غالب الأنصاري الخرزجي ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن عبد السلام التميمي‏.‏
وهذا الرجل من أهل الدين والأصالة وآخر قضاة العدل‏.‏
ثم ولي بعده الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عياض بن موسى اليحصبي ثم ولي بعده الفقيه القاضي الحسيب أبنو عبد الله بن أضحى وبيته شهير ولم تطل مدته‏.‏
وولي بعده آخر قضاته أبو بكر محمد بن فتح بن علي الإشبيلي الملقب بالأشبرون‏.‏
الملوك على عهده بمراكش المأمون إدريس مأمومن الموحدين مزاحمًا بأبي زكريا يحيى ابن الناصر ابن المنصور بن عبد المؤمن بالجبل‏.‏
ولما توفي المأمون ولي الرشيد أبو محمد عبد الواحد في سنة ثلاثين وستماية وولي بعده أبو حفص عمر بن إسحاق المرتضى إلى أن قتله إدريس الواثق أبو دبوس في عام خمسة وستين‏.‏
وولي بعده يسيرًا بنو عامر بن علي بمراكش وتعاقب منهم على عهده جلة كالأمير عثمان وابنه حمو وأخيه أبي يحيى بن عبد الحق‏.‏
واستمر الملك في أسن أملاكهم أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو إلى آخر أيامه‏.‏
وبتلمسان شبيهه يغمراسن بن زيان أول ملوكهم وتقدمه أخوه أكبر منه برهة‏.‏
ويغمراسن أول وبتونس الأمير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص‏.‏
وخاطبه السلطان المترجم به والتمس رفده وقد حصل على إعانته وولي بعد موته ولده المستنصر أبو عبد الله ودامت أيامه إلى أول أيام ولد السلطان المترجم له عام أربعة وسبعين‏.‏
وبقشتالة هراندة بن ألهنشة بن شانجه الإنبرطور‏.‏
وهراندة هذا هو الذي ملك قرطبة وإشبيلة ولما هلك ولي بعده ألفنش ولده ثلاثًا وثلاثين سنة واستمر ملكه مدة ولايته‏.‏
وصدرا من دولة ولده بعده‏.‏
ويرغون جايمش ابن بطره ابن ألفونش قمط برجلونه‏.‏
وجايمش هذا هو الذي ملك بلنسية وصيرها دار ملكه من يد أبي جميل زيان ابن مردنيش‏.‏
لمع من أخباره قام ابن أبي خالد بدعوته بغرناطة كما ذكر في اسمه ودعاه وهو بجيان‏.‏
فبادر إليها في أخريات رمضان من عام خمس وثلاثين وستمائة بعد أن بعث إليه الملأ من أهلها ببيعتهم مع رجلين من مشيختهم أبي بكر الكاتب وأبي جعفر التيزولي‏.‏
قال ابن عذارى في تاريخه أقبل ومازيه بفاخر ونزل عشي اليوم الذي وصفل بخارج غرناطة وحدث أبو محمد البسطي قال‏:‏ عاينته يوم دخوله وعليه شاشية ملف مضلعة أكتافها مخرقة وعندما نزل بباب جامع القصبة كان مؤذن المغرب في الحيعلة وإمامه يومئذ أبو المجد المرادي قد غاب فدفع الشيخ السلطان إلى المحراب وصلى بهم على هيئته تلك بفاتحة الكتاب‏.‏
وإذا جاء نصر الله والفتح‏.‏
والثانية بقل هو الله أحد ثم وصل قصر باديس والشمع بين يديه‏.‏
وفي سنة ثلاث وأربعين وستماية صالح طاغية الروم وعقد معه السلم الذي طاحت في شروطه جيان‏.‏
وكان واقع بالعدو الراتب تجاه حضرته المختص بحصن بليلش على بريد من الحضرة‏.‏
وكان الفتح عظيمًا‏.‏
ثم حالفه الصنع بما يضيق المجال عن استيعابه‏.‏
وفي حدود اثنين وستين وستمائة صالح طاغية الروم وعقد معه السلم وعقد البيعة لولي عهده واستدعى القبائل للجهاد‏.‏
مولده في عام خمسة وتسعين وخمسمائة بأرجونة عام الأرك‏.‏
وفاته في منتصف جمادة الثانية من عام واحد وسبعين وستمائة ورد عليه وقد سن‏.‏
جملة من كتاب الزعايم يقودون جيشًا من أتباعهم فبرز إلى لقايهم بظاهر حضرته ولما كر أيبًا إلى قصره سقط ببعض طريقه وخامره خصر وهو راكب وأردفه بعض مماليكه واسمه صابر الكبير وكانت وفاته ليلة الجمعة التاسع والعشرين لجمادى الثانية المذكورة ودفن بالمقبرة الجامعة العتيقة بسنام السبيكة وعلى قبره اليوم منقوش‏:‏ ‏"‏ هذا قبر السلطان الأعلى عز الإسلام جمال الأنام فخر الليالي والأيام غياث الأمة غيث الرحمة قطب الملة نور الشريعة حامي السنة سيف الحق كافل الخلق أسد الهيجاء حمام الأعداء قوام الأمور ضابط الثغور كاسر الجيوش قامع الطغاة قاهر الكفرة والبغاة أمير المؤمنين علم المهتدين قدوة المتقين عصمة الدين شرف الملوك والسلاطين الغالب بالله المجاهد في سبيل الله أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف ين نصر الأنصاري رفعه الله إلى أعلى عليين وألحقه بالذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولد رضي الله عنه وأتاه رحمة من لدنه عام أحد وتسعين وخمسمائة وبويع له يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان عام خمسة وثلاثين وستماية وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر التاسع والعشرين لجمادى الآخرة عام أحد وسبعين وستماية فسبحان من لا يفنى سلطانه ولا يبيد ملكه ولا ينقضي زمانه لا آله إلا هو الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏
هذا محل العلى والمجد والكرم قبر الإمام الهمام الطاهر العلم لله ما ضم هذا اللحد من شرف ومن شيم علوية الشيم بالجود والباس ما تحوي صفايحه لا بأس عنترة ولا ندى هرم مغنى الكرامة والرضوان يعهده فخر الملوك الكريم الذات والشيم مقامه في كلا يومي ندى ووغى كالغيث في مجد وكالليث في أجم مآثر تليت آثارها سورًا تقر بالحق فيها جملة الأمم كأنه لم يسر في محفل لجب تضيق عنه بلاد العرب والعجم ولم يباد العدا منه ببادرة بفتر منها الهدى عن ثغر مبتسم ولم يجهز لهم خيلًا مضمرة لا تشرب الماء إلا من قليب دم ولم يقم حكم عدل في سياسته تأوى رعيته منه إلى حرم من كان يجهل ما أولاه من نعم وما حواه لدين الله من حرم فتلك آثره في كل مكرمة أبدى وأوضح من نار على علم


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:06 AM

محمد بن عبد الله بن عبد الملك المعافري محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد ابن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري المنصور بن أبي عامر معظم الظفر وخدن السعد وملقي عصيي الجد وجو رياح الشهرة وديوان فنون السياسة وحجاج الدولة العبشمية في النخوم المغربية المزي بالظرف وكمال السجية والجهاد العظيم العريق في بحبوحة بلاد الكفار رحمه الله تعالى‏.‏
أوليته دخل جده عبد الملك الأندلس مع طارق مولى موسى بن نصير في أول الداخلين من المغرب وكان له في فتحها أثر جميلا‏.‏
وإلى ذلك أشار مادحه محمد بن حسان‏:‏ وكل عدو أنت تهزم عرشه وكل فتوح عنك يفتح بابها برأيك عبد المليك الذي له حلا فتح قرطبة وانتهابها ونزل عبد الملك الجزيرة الخضراء لأول الفتح فساد أهلها وكثر عقبه بها وتكررت فيهم النباهة وجاوروا الخلفاء بقرطبة‏.‏
وكان والد محمد هذا من أهل الدين والعفاف والزهد في حاله كان هذا الرجل بكر الدهر وفايدة الأيام وبيضة العمر وفرد الخلق في اضطراد السعد وتملد العاجل من الحظ حازمًا داهية مشتملًا على أقطار السؤدد هويًا إلى الأقاصي وطموحًا سوسًا حميًا مصطنعًا للرجال جالبًا للأشراف مستميلًا للقلوب مطبقًا المفاصل مزيحًا للعلل مستبصرًا في الاستبداد خاطبًا جميل الذكر عظيم الصبر رحيب الذرع طموح الطرف جشع السيف مهادي جياد العقاب والمثوبة مهيبًا جزلًا منكسف اللون مصفر الكيف آية الله جل جلاله في النصر على الأعداء ومصاحبة الظفر وتوالى الصنع‏.‏
نباهته قال المؤرخ سلك سبيل القضاء في أوليته مقتفيًا آثار عمومته وخؤولته يطلب الحديث في حداثته وكتب منه كثيرًا ولقي الجلة من رجاله ثم صحب الخليفة الحكم متحزبًا في زمرته وولي له الأعمال من القضاء والإمامة ثم استكفاه فعدل عن سبيله وصار في أهل الخدمة‏.‏
ثم اختصه بخدمة أم ولده هشام فزاد بخاصته لولي العهد عزًا ومكانة من الدولة فاحتاج الناس إليه‏.‏
وغشوا بابه وبلغ الغاية من أصحاب السلطان معه إسعاف وكرم لقاء وسهولة حجاب وحسن أخلاق‏.‏
فاستطار ذكره وعمر بابه وساعده الجد‏.‏
ولما صار أمر المسلمين إليه فبلغ التي لا فوقعها عزًا وشهرة‏.‏
الثناء عليه قال‏:‏ وفي الدولة العامرية وأعين محمد على أمره مع قوة سعده بخصال مؤلفة لم تجتمع لمن قبله منها الجود والوقار والجد والهيبة والعدل والأمن وحب العمارة وتثمير المال والضبط للرعية وأخذهم بترك الجدل والخلاف والتشغب من غير وهن في جينه وصحة الباطن وشرح كل فضل وجلب كل ما يوجب عن المنصور فيه‏.‏
غزواته وظهوره على أعدايه واصل رحمه الله الغزو بنفسه فيما يناهز خمسين غزوة وفتح فيها البلاد وخضد شوكة الكفر وأذل الطواغيت وفض مصاف الكفار وبلغ الأعماق وضرب على العدو الضرايب إلى أن تلقاه عظيم الروم بنفسه وأتحفه بإبنته في سبيل الرغبة في صهره فكانت أحظى عقايله وأبرت في الدين والفضل على ساير أزواجه وعقد اثني عشر بروزًا إلى تلقي ملوك الروم القادمين عليه مصطهرين بإلحاح سيفه منكبين على لثم سريره‏.‏
ومما يؤثر من شعره‏:‏ رميت بنفسي هول كل عظيمة وخاطرت والحر الكريم يخاطر وما صاحبي إلا جنان مشيع وأسمر خطى وأبيض باتر ومن شيمتي أني على طالب أجود بمال لا تقيه المعاذر وإني لزجاء الجيوش إلى الوغى أسود تلاقيها أسود خوادر فسدت بنفسي أهل كل سيادة وكاثرت حتى لم أجد من أكاثر وما شدت بنيانا ولكن زيادة على ما بني عبد المليك وعامر رفعنا العلى بالعوالي سياسة وأورثناها في القديم معافر وبلغ في ملكه أقطار المغرب إلى حدود القبلة وبمدينة فاس إثر ولده المقلد فتح تلك الأقطار ونهد أوليك الملوك الكبار‏.‏
دخوله غرناطة قال صاحب الديوان في الدولة العامرية وقد مر ذكر المصور قومس الغرنجة بمدينة برشلونة‏:‏ وهذه الأمة أكثر النصرانية جمعًا وأوسعها وأوفرها من الاستعداد وما أوطئ من الممالك والبلاد وفتح من القواعد وهزم من الجيوش‏.‏
وقفل المنصور عنها وهو أطمع الناس في استسيصالها ثم خصهم بصايفة سنة خمس وسبعين وهي الثالثة عشر لغزواته وقد احتفل لذلك واستبلغ في النفير‏.‏
واستوفى أتم الأبهة وأكمل العدة فجعل طريقه على شرقي الأندلس لاستكمال ما هنالك من الأطعمة فسلك طريق إلبيرة إلى بسطة إلى تدمير وهزم في هذه الغزوات بريل ملك فرنجة ونازل مدينة برجلونة فدخلها عنوة يوم الاثنين النصف من صفر سنة أربع وسبعين أو خمس بعدها‏.‏
قلت وفي دخول المنصور بجيشه بلد إلبيرة‏:‏ ما يحقق دعوى من ادعى دخول المعتمدين من أهل الأندلس لذلك العهد إذ كان يصحب المنصور في هذه الغزوة من الشعراء المرتزقين بديوانه من يذكر فضلًا عن ساير الأصناف على تدارة هذه الصنف من الخدام بالنسبة للبحر الزاخر من غيرهم‏.‏
والذي صح أنه حضر ذلك أبو عبد الله محمد بن حسين الطبني‏.‏
أبو القاسم حسين بن الوليد المعروف بابن العريف‏.‏
أبو الوضاح بن شهيد‏.‏
عبد الرحمن بن أحمد‏.‏
أبو العلا صاعد بن الحسن اللغوي‏.‏
أبو بكر زيادة الله بن علي بن حسن اليمني‏.‏
عمر بن المنجم البغدادي‏.‏
أبو الحسن علي بن محمد القرشي العباسي‏.‏
عبد العزيز بن الخطيب المحرود‏.‏
أبو عمر يوسف بن هارون الزيادي‏.‏
موسى بن أبي طالب‏.‏
مروان بن عبد الحكم بن عبد الرحمن‏.‏
يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيال المكفوف‏.‏
سعد بن محمد القاضي‏.‏
ابن عمرون القرشي المرواني‏.‏
علي النقاش البغدادي‏.‏
أبو بكر يحيى بن أمية بن وهب‏.‏
محمد بن إسماعيل الزبيدي صاحب المختصر في اللغة‏.‏
أحمد بن دراح القسطلي متنبي الأندلس‏.‏
أبو الفرج منيل بن منيل الأشجعي‏.‏
محمد بن الحسن القرشي من أهل المشرق‏.‏
أبو عبيدة حسان بن مالك بن هاني‏.‏
طاهر بن محمد المعروف بالمهند‏.‏
محمد بن مطرف بن شخيص سعيد بن عبد الله الشنتريني وليد بن مسلمة المرادي أغلب بن سعيد‏.‏
أبو الفضل أحمد بن عبد الوهاب‏.‏
أحمد بن أبي غالب الرصافي‏.‏
محمد بن مسعود البلخي عبادة بن محمد بن ماء السماء‏.‏
عبد الرحمن بن أبي الفهد الإلبيري‏.‏
أبو الحسن بن المضيئ البجلي الكاتب‏.‏
عبد الملك بن سهل‏.‏
الوزير عبد الملك بن إدريس الجزيري‏.‏
قاسم بن محمد الجياني‏.‏
قال المؤرخ هؤلاء من حفظته منهم‏.‏
وهم أكثر من أن يحصوا فعلى هذا يتبنى القياس في ضخامة هذا الملك وانفساح هذا العز‏.‏
وفاته توفي رحمه الله منصرفًا من غزاته المسماه بقنالش والريد وقد دوخ أقطار قشتالة ليلة الاثنين سبع وعشرين لرمضان عام اثنين وتسعين وثلاثمائة وقد عهد أن يدفن ببلد وفاته بعد وصية شهيرة صدرت عنه إلى المظفر ولده فدفن بمدينة سالم التي بناها في نحر العدو من وادي الحجارة وبقصرها‏.‏
وقبره معروف إلى اليوم‏.‏
وكان قد اتخذ له من غبار ثيابه الذي علاها في الجهاد‏.‏
وعاء كبير بحديه رحمه الله‏.‏
وكتب على قبره هذا الشعر‏:‏ آثاره تنبيك عن أخباره حتى كأنك بالعيان تراه تا لله لا يأتي الزمان بمثله أبدًا ولا يحمى الثغور سواه محمد بن عطاف بن نعيم محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش ابن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم لخمي النسب أوليته دخل الأندلس جده عطاف مع بلج بن بشر القشيري من أشراف الطالعة البلجية وهم من عرب حمص من أرض الشأم وموضعه بها يعرف بالعريش في آخر الجفار بين مصر والشأم‏.‏
ونزل عطاف بقرية تعرف بيومين من إقليم طشانة على ضفة النهر الأعظم من أرض إشبيلية‏.‏
ولما هلك قريش ورث السيادة إسماعيل بن قريش وهو القاضي المشهور بالفضل والدهاء وسكنى أبا الوليد‏.‏
ولي الشرطة الوسطى لهشام بن الحكم وخصة الإمامة إلى صلاة الجمعة‏.‏
ثم خلفه أبو القاسم المنفرد برياسة إشبيلية المتحف فيها بخطط الوزارتين والقضاء والمظالم‏.‏
وعز جاهه وكثرت حاشيته وتعددت غلمانه وأذعنت له عداته‏.‏
ثم خلفه الأمير المعتضد ولده وكان خيرًا حازمًا سديد الرأي مصنوعًا له في الأعداء فلما توفي تصير الأمر إلى ولده المترجم به المكنى أبا القاسم إلى حين خلعه‏.‏
قالوا كلهم كان المعتمد رحمه الله فارسًا شجاعًا‏.‏
بطلًا مقدامًا شاعرًا ماضيًا مشكور السيرة في رعيته‏.‏
وقال أبو نصر في قلائده وكان المعتمد على الله ملكًا قمع العدا وجمع بين البأس والندا‏.‏
وطلع على الدنيا بدر هدى‏.‏
لم يتعطل يومًا كفه ولا بنانه آونة يراعه‏.‏
وآوثة سنانه‏.‏
وكانت أيامه مواسم وثغوره بواسم‏.‏
لقبه أولًا الظافر‏.‏
ثم تلقب بالمعتمد‏.‏
كلفًا بجاريته اعتماد لما ملكها‏.‏
لتتفق حروف لقبه بحروف اسمها‏.‏
لشدة ولوعه بها‏.‏
وزراؤه ابن زيدون‏.‏
وابن عمار‏.‏
وغيرهم‏.‏
أولاده المملكون عبيد الله يكنى أبا الحسن وهو الرشيد وهو الذي لم يوافق أباه على استصراخ المرابطين وعرض بزوال الملك عنهم فقال‏:‏ أحب إلى أن أكون راعي إبل بالعدوة من أن ألقى الله وقد حولت الأندلس دار كفر وكان قد ولاه عهده وبويع له بإشبيلية وهو المحمول معه إلى العدوة‏.‏
ثم الفتح وهو الملقب بالمأمون كان قد بويع له بقرطبة وهو المقتول بها المحمل رأسه إلى محلة العدو المرابطين‏.‏
المحاصرة لأبيه بإشبيلية‏.‏
ثم يزيد الراضي وكان قد ولاه رندة فقتل لما ملكها المقونيون ثم عبد الله‏.‏
ويكنى أبا بكر‏.‏
هؤلاء الأربعة من جاريته اعتماد السيدة الكبرى‏.‏
والمدعوة بالرميكية منسوبة إلى مولاها رميك بن حجاج الذي ابتاعها منه المعتمد‏.‏
ملمته لما تكالب أدفونش بن فردلاند على الأندلس بعد أخذه مدينة طليطلة ضيق بالمعتمد وأجحف في الجزية التي كان يتقي بها على المسلمين عاديته وعلى ذلك أقسم أخذها وتجني عليه وطمع في البلاد فحكى بعض الإخباريين أنه وجه إليه رسله في آخر أمره لقبض تلك الضريبة مع قوم من رؤساء النصارى ونزلوا خارج باب إشبيلية فوجه إليهم المال مع بعض الوزراء فدخلوا على اليهودي المذكور في خبايه وأخرجوا المال فقال لهم لا أخذت منه هذا العيار ولا أخذت منه إلا ذهبًا مشجرًا ولا يؤخذ منه في هذا العام إلى أجفان البلاد ونقل كلامه إلى المعتمد فبادر بالقبض عليه وعلى النصارى ونكل بهم وقتل اليهودي بعد أن بذل في نفسه زنة جسمه ذهبًا فلم يقبل منه واحتبس النصارى وراسله الطاغية في إطلاقهم فأبى غلا أن يخلي منه حصن الحدود فكان ذلك‏.‏
واستصرخ اللمتونيين وأجاز البحر بنفسه وأقسم الطاغية بإيمائه المفلطة ألا يرفع عنه يده‏.‏
وهاجت حفيظة المعتمد واجتهد في جواز المرابطين وكان مما هو معلوم من الإيقاع بالطاغية في وقعة الزلاقة فإنه الذي أثلى نارها بنفسه فعظم بلاؤه وشهر بلاؤه وشهر صبره وأصابته الجراح في وجهه ويده رحمه الله‏.‏
وفي ذلك يقول أبو بكر بن عبادة المري‏:‏ وقالوا كفه جرحت فقلنا أعاديه تواقعها الجراح وما لمرتد الجراحة ما رأيتم فتوهنها المناصل والرماح ولكن فاض سيل البأس منها ففيها من مجاريه انسياح وقد صحت وسحت بالأماني وفاض الجود منها والسماح رأى منه أبو يعقوب فيها عقابًا لا يهاض له جناح فقال له لك القدح المعلى إذا ضربت بمشهدك القداح ولما اتصلت به الصيحة بين يدي دخول المدينة ركب في أفراد من عبيده وعليه قميص يشف عن بدنه والسيف منتضي بيده ويممم باب الفرج فقدم الداخلين فردهم على أعقابهم وقتل فارسًا منهم فانزعجوا أمامه وخلفوا الباب فأمر بإغلاقه وسكنت الحل وعاد إلى قصره‏.‏
وفي ذلك يقول‏:‏ إن يسلب القوم العدا ملكي وتسلمني الجموع قد رمت يوم نزالهم ألا تحصنني الدروع وبرزت ليس سوى القميص عن الحشاشيئ دفوع أجل تأخر لم يكن بهوادي ذنى والخضوع ما سرت قط إلى القتال وكان من ملي الرجوع شيم الأولى أنا منهم والأصل تتبعه الفروع جوده وأخبار جوده شهير ومما يؤثر من ذلك على استصحاب حال العز ووفور ذات اليد وأدوات الملك غيب والشاهد المقبول بقاء السدية ومصاحبة الخلق الملكية مع الغقتار والإيسار وتقلب الأطوار وتعرض له الحصرى القرموني الضرير بخارج طنجة وهو يجتاز عليها في السواحل من قهر واعتقال بأشعار ظاهرة المقت غير لايقة بالوقت ولم يكن بيده زعموا غير ثلاثين دينارًا كانت بخفه معدة لضرورة وأزمة وأطبع عليها دمه وأدرج قطعة شعر طيها اعتذار عن نزرها راغبًا في قبول أمرها فلم يراجعه الحصري بشيء عن ذلك فكتب إليه‏:‏ قل لمن جمع العلم وما أحصى صوابه قد أتيناك فهلأ جلب الشعر جوابه حلمه رفع إليه صدر دولته شعر أغرى فيه بأبي الوليد بن زيدون وهو شهير وتخير له موقع وترصد حين وانتظر به مؤجره وهو‏:‏ يا أيها الملك الأعز الأعظم أقطع وريدي كل باغ يسلم واتحسم بسيفك كل منافق يبدي الجميل وضد ذلك يكتم لا تتركن للناس موضع شبهة وأحزم فمثلك في العظائم يحزم قد قال شاعر كندة فيما مضى قولًا على مر الليالي يعلم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم فوقع على الرقعة‏:‏ كذبت منا كم صرحوا أو جمجموا الدين أمتن والسجية أكرم خنتم ورمتم أن أخون وإنما حلولتم أن يستخف بلملم وأردتم تضييق صدر لم يضق والسمر في صدر النحور تحطم أتى رجوتم غدر من جربتم منه الوفاء وظلم من لا يظلم أنا ذا كم لا السعي يثمر غرسه عندي ولا مبني الصنيعة يهدم كفوا وإلا فارقبوا لي بطشة يبقى السفيه بمثلها يتحلم توقيعه ونثره في البديهة كتب مع الحمايم إلى ولده الرشيد عق ب الفراغ من وقعة الزلاقة‏.‏
يا بني ومن أبقاه الله وسلمه ووقاه الأسواء وعصمه‏.‏
وأسبغ عليه آلاءه وأنعمه كتبته وقد أعز الله الدين وأظهر المسلمين وفتح لهم على يدي مستدعيات الفتح المبين بما يسره الله في أمسه وسناه وقدره سبحانه وقضاه من هزيمة أدفونش ابن فردلند لعنه الله وأصلاه وإن كان طاح للجحيم ولا أعدمه وإن كان أهل العيش الذميم كما قنعه الخزي العظيم‏.‏
وأتى القتل على أكثر رجاله وجماته واتصل النهب ساير اليوم والليلة المتصلة به جميع محلاته وجمع من رؤوسهم بين يدي من مشهوري رجالهم ومذ كوري أبطالهم ولم يختر منهم إلا من شهر وقرب وامتلأت الأيدي مما سلب ونهب‏.‏
والذي لا مرية فيه أن الناجي منهم قليلش والمفلت من سيوف الجزع والبعد قتيل ولم يصبني بفضل الله إلا جرح أشو وحسن الحال عندنا والله وزكى ولا يشغل بذلك بال ولا يتوهم غير الحال التي أشرت إليها حال والأدفونش بن فرذلاند إن لم يصبح تحت السيوف فسيموت لا محالة كمدًا وإن كان لم تعلقه أسراد الحمام فغدًا فإن برأسه طمرة ولحام‏.‏
فإذا ورد كتابي هذا فمر بجمع الخاص والعم من أهل إشبيلية وجيرانها الأقرببن وأصفيائنا المحبين في المسجد الجامع أعزهم الله‏.‏
وليقرأ عليهم فيه ليأخذوا من المسرة بأنصبايهم ويضيفوا شكرًا لله إلى صالح دعايهم والحمد لله على ما صنع حق حمده جل المزيد لأمر حين إلا من عنده‏.‏
والسلام‏.‏
تلطفه وظرفه قال أبو بكر الداني‏:‏ سألني في بعض الأيام عند قدومي عليه بأغمات قاضيًا حق نعمته مستكثرًا من زيارته مستمتعًا برايق أدبه على حال محنته عن كتبي فأعلمته بذهابيها في نهب حضرته‏.‏
وكنت قد جلبت في سفرتي تلك الأشعار الستة بشرح الأستاذ أبي الحجاج الشنتمري الأعلم وكانت مستعارة فكتمتها عنه‏.‏
ووشي إليه أحد الأصحاب‏.‏
فخجل بكرمه وحسن شيمته من الأخذ معي في ذكر ما كتمته فاستطرد إلى ذلك بغرض نبيل ونحا فيه نحوًا يعرب عن الشرف الأصيل وأملى علي في جملة ما كان يمليه‏:‏ نادمتها في جنح ليل دامس فأعرنه مثلًا من الأنوار في وسط روضة نرجس كعيونها ما أشبه النوار بالنوا فإذا وصفنا الحديث حسبتني ألهو بملتقط الدر نثار فإذا اكتحلت برق ثغر باسم سكبت جفوني أغزر الأمطار حذر الملام وخيفة من جفوة تذر الصدور على شفير هار ترك الجواري الآنسات مذاهبي وسولها ظفر بريشة الأشعار فلم أمالك عند ذلك ضحكًا وعلمت أن الأمر قد سرى إليه فأعلمته قصتها فبسط العذر بفضله‏.‏
وتأول الأمر وقسم الأشعار على ثلاثة من بنيه‏.‏
ذوي خط رائع ونقل حسن‏.‏
وأدب بارع‏.‏
أخذوا في نسخها‏.‏
وصرفوا الأصل لأجل قريب‏.‏
محنته ولم يلبث أمير الملمتونيين بعد جوازه إلى الأندلس وظهوره على طايفة الروم أن فسد ما بينه وبين رؤساء الطوائف بالأندلس وعزم على خلعهم‏.‏
فأجاز من سبتة العساكر وضرب الأمداد‏.‏
وأخذ المعتمد بالعزم يحصن حصونه وأودع المعاقل عدته وقسم على مظان الامتناع ولده وصمدت الجموع صمدة بنيه ونازل الأمير سير إشبيلية دار المعتمد وحضرة ملكه ونازل الأمير محمد بن الحاج قرطبة وبها المأمون ونزل جرور من قواده رندة وبها الراضي ابن المعتمد‏.‏
واستمر الأمر واتصلت المحاصرة ووقعت أمور يضيق الكتاب عن استقصايها‏.‏
فدخلت قرطبة في جمادى الآخرة عام أربع وثمانين وأربعمائة وقتل الراضي وجلب رأسه فطيف به بمرأى من أبيه‏.‏
وكان دخول إشبيلية على المعتمد دخول القهر والغلبة يوم الأحد لعشر بقين من رجب‏.‏
وشملت الغارة‏.‏
واقتحمت الدور وخرج ابن عباد في شكته‏.‏
وابنه مالك في أمته معيمًا فقتل مالك الملقب بفخر الدولة ورهقت الخيل وكثر فدخل القصر ملقيًا بيده‏.‏
ولما جن الليل وجه ابنه الأكبر الرشيد إلى الأمير فحجب عنه ووكل بعض خدمه به وعاد إلى المعتمد فأخبره بالإعراض عنه فأيقن بالهلكة وودع أهله وعلا البكاء وكثر الصراخ وخرج هو وابنه فأنزلا في خباء حصين ورقبا بالحرس وأخرج الحرم من قصره وضم ما اشتمل عليه وأمر بالكتب إلى ولده برندة ففعل‏.‏
ولما نزل واستوصلت ذخيرته سلا وأجيز المعتمد البحر‏.‏
ومن معه إلى طنجة‏.‏
فاستقر بها في شعبان من العام‏.‏
وفي هول البحر عليه في هذا الحال يقول رحمه الله‏:‏ لم أنس والموت يدنيني ويقصيني والموت كأن المني يأتيني قد كنت ضانًا بنفس لا أجود بها فبعتها باضطرار بيع مغبون كم ليلة بت مطويًا على حرق في عسر من عيون الدبر في العين فتلك أحسن أم ظلت به في ظل عزة سلطان وتمكين ولم يكن والذي تعنو الوجوه له عرضى مهانًا ولا مالي بمخزون وكم خلوت من الهيجا بمعترك والحرب ترفل في أثوابها الجون يا رب إن لم تدع حالًا أسر به فهب لعبدك أجرًا غير ممنون وجرى على بناته شيء يوم خروجهن وأضطرتهن الضيعة إلى معيشتهن من غزل أيديهن وجرت عليه محن طال لها شجنه وأقعده قيده‏.‏
إلى أن نقل إلى أغمات وريكة وحل عنه الاعتقال وأجرى عليه رزقه تبلغ به لمدة من أعوام أربعة واستنقذه حمامه رحمة الله عليه‏.‏
وصوله إلى غرناطة قال ابن الصيرفي وقد أجرى ذكر تملك يوسف بن تاشفين غرناطة وخلع أميرها عبد الله بن بلقين حفيد باديس يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب عام ثلاثة وثمانين‏:‏ ولحق ابن عباد وحليفة ابن مسلمة بخيل ورجل ورماة وعدد وحل ذلك من ابن عباد تضمنًا لمسرة أمير المسلمين وتحققًا موالاته فدخلا عليه وهنياه وقد تحكمت في نفس ابن عباد الطماعية في إسلام غرناطة إلى ابنه بعد استصفاء نعمة صاحبها عوضًا عن الجزيرة الخضراء وكان قد أشخصه معه فعرض بغرضه فأعرض أمير المسلمين عن الجميع إعراضًا كانت منية كل منهما التخلص من يده والرجوع إلى بلده‏.‏
فأعمل ابن عباد الحيلة‏.‏
فكتب يزعم أنه وردت عليه تحثه من إشبيلية في اللحاق أثناء مهمة طرقت بتحرك العدو واستأذن بها في الصدور فأخذ له ولحليفه ابن مسلمة فانتهزا الفرصة وابتدرا الرجعة‏.‏
ولحق كل بموضعه يظن أنه ملك رياسة أمره‏.‏
مولده ولد المعتمد على الله بمدينة باجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة‏.‏
وولي سنة إحدى وستين‏.‏
وخلع سنة أربع وثمانين‏.‏
وفاته كانت وفاة المعتمد على الله بأعمات في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بعد أن تقدمت وفاته وفاة الحرة اعتماد‏.‏
وجزع عليها جزعًا أقرب سرعة لحاقه بها‏.‏
ولما أحس بالمنية رثى قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقًا ظفرت بأسلاء ابن عباد بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب أن أجدبوا بالري لصادي بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا بالموت أحمر بالضرغامة العادي بالدهر في نقم بالبحر في نعم بالبدر في ظلم بالصدر في النادي نعم هو الحق فاجأني على قدر من السماء ووافاني لميعاد ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه أن الجبال تهادي فوق أعواد كفاك فارفق بما استودعت من كرم رواك كل قطوب البرق رعاد يبكي أخاه الذي غيبت وابله تحت الصفيح بدمع رائح غادي حتى يجودك دمع الضل منهمرًا من أعين الزهر لم تبخل بإسعاد فا تزل صلوات الله نازلة على دفينك لا تحصى بتعداد بعض ما رثي به قال ابن الصيرفي وخالف في وفاة المعتمد‏.‏
فقال‏:‏ كانت في ذي حجة‏.‏
فلما انفصل الناس من صلاة العيد‏.‏
حف بقبره ملأ يتوجعون ويترحمون عليه وأقبل ابن عبد الصمد فوقف على قبره ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماع عوادي لما خلت منك القصور فلم تكن فيها كما قد كنت في الأعياد أقبلت في هذا الثرى لك خاضعًا وتخذت قبرك موضع الإنشاد ثم خر يبكي ويقبل القبر ويعفر وجهه في التراب فبكى ذلك الملأ حتى أخضلوا ملابسهم وارتفع نشيجهم فلله در ابن عبد الصمد وملاذ ذلك البلد‏.‏
محمد بن مردنيش الجذامي محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي قال بعضهم ينتمي في تجيب الأمير أبو عبد الله‏.‏
أوليته معروفة وعلى يد أبيه جرت الوقيعة الكبرى بظاهر إفراغة‏.‏
على ابن رذمير الطاغية فجلت الشهرة وعظمت الأثرة قال بعضهم تولى أبوه سعد قيادة إفراغة وما إليها‏.‏
وضبطها‏.‏
ونازلها ابن رذمير‏.‏
فشهر غناؤه بها في دفاعه‏.‏
وصبره على حصاره إلى أن هزمه الله عز وجل على يدي ابن غانيه‏.‏
وظهر بعد ذلك فحسن بلاؤه‏.‏
وبعد صيته‏.‏
ورأس ابنه محمد ونفق في القته‏.‏
وكان بين هوبين ابن عياض المتأمر بمرسية صهر ولاه لأجله بليسة‏.‏
فلما توفي ابن عياض بادرها ابن سعد وبلغه أثناء طريقه غدر العدو بحصن جلالن فكر وقاد له وفتحه‏.‏
وعاد فملك بلنسية وقد ارتفع له صيت شهير ثم دخلت مرسية في أمره واستقام له الشرق‏.‏
وعظمت حاله‏.‏
حاله قال ابن حمامة ساد من صغره بشجاعته ونجابته وصيت أبيه فمال بذلك إلى القيادة‏.‏
وسنه أحجى وعشرون سنة ثم ارتقى إلى الملك الراسخ والسلطان الشامخ بباهر شجاعته وشهامته‏.‏
فسما قدره‏.‏
وعظم أمره‏.‏
وفشي في كل أمة ذكره‏.‏
قال غيره كان بعيد الغور قوي الساعد أصيل الرأي‏.‏
شديد العزم بعيد العفو مؤثرأ للانتقام مرهوب العتوبة‏.‏
قوال في مختصر ثورة المريدين كان عظيم القوة في جسمه ذا أيد في عظمته‏.‏
جزارة في لحمه وكان له فروسية وشجاعة وشهامة ورياسة‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:08 AM


بطالته وجوده قال وكان له يومان في كل جمعة‏.‏
الاثنين والخميس يشرب مع ندمايه فيهما ويجود على قواده وخاصته وأجناده ويذبح البقر فيهما ويفرق لحومها على الأجناد ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن ويتخلل ذلك لهو كثير حتى ملك القلوب من الجند وعاملوه بغاية النصح وربما وهب المال في مجالس أنسه‏.‏
ذكر أنه ستدعى يومًا ابن الأزرق أحد قواده فشرب معه ومع القرابة في مجلس قد كسان بأحمر الوشي والوطئ والآنية من الفضة وغيرها وتمادى في لهو وشراب عامة اليوم‏.‏
فلما كمل نهاره معهم وهبهم الآنية‏.‏
وكل ما كان في المجلس من الوشي أو غير ذلك‏.‏
ما نقم عليه ووصم به قالوا‏:‏ كان عظيم الانهماك في ميدان البطالة واتخذ جملة من الجواري‏.‏
فصار يراقد منهن جملة تحت لحاف واحج‏.‏
وانهمك في حب القيان والزمر والرقص‏.‏
قالوا‏:‏ وكان له فتى اسمه حسن ذو رقبة سمينة وقفًا عريض فإذا شرب كان يرزه ويعطيه بعد ذلك عطاء جزيلًا‏.‏
وفي ذلك يقول كاتبه المعروف بالسالمي وكان يحضر شرابه‏.‏
ويخمر‏.‏
أدر كؤوس المدام والرز فقد ظفرنا بدولة العز نعم ما لكف من قفا حسن فإنها في ليانة الخز وصاحب إن طلبت أخدعه فلم يكن في بذله بمعتز انحنى على أخذاعي فاطربني وهز عطفي أيما هز وأجزل صلة السالمي حين أنشدها إياه واشتهرت هذه الأبيات بالشرق واستظرفها الناس‏.‏
فرد مرسية دار مجونه وبلغ في زمانه ألفا وأربعين‏.‏
وآثر زي النصارى من الملابس والسلاح واللجم والسروج‏.‏
وكلف بلسانهم بتكلم مباهتة وألجأه الخروج عن الجماعة‏.‏
والانفراد بنفسه إلى الاحتماء بالنصارى ومصانعتهم والاستعانة بطواغيتهم‏.‏
فصالح صاحب برشلونة لأول أمره على ضرية‏.‏
وصالح ملك قشتالة على أخرى‏.‏
فكان يبذل لهم في السنة خمسي ألف مثقال‏.‏
وابتنى لجيشه من النصارى منازل معلومات وحانات للخمور وأجحف برعيته لأرزاق من استعان به منهم فعظمت في بلاده المغارم وثقلت واتخذ حوانيت بيع الأدم والمرافق تخنتنق بجانبه وجعل على الأغنام وعروض البقر مؤنًا غريبة‏.‏
وأما رسوم الأعراس والملاهي فكانت قبالاتها غريبة‏.‏
حدث بعض المز رخين عن الثقة قال كنت بجيان مع الوزير أبي جعفر الوقشي فوصل إليه رجل من أهل مرسية كان يعرفه فسأله الوزير عن أحوال ابن مردنيش وعن سيره فقال الرجل أخبرك بما رأيته من جور عماله وظلمهم‏.‏
وذلك أن أحد الرعية بشاطبة واسمه محمد بن عبد الرحمن كان له بنظر شاطبة ضويعة يعيش بها وكان لازمها أكثر من فايدها فأعطى لازمها حتى افتقر وفر إلى مرسية‏.‏
وكان أمر ابن مردنيش أنه من فر من الرعية أمام الغزو أخذ ماله للمخزن‏.‏
قال الرجل الشاطبي فلما وصلت إلى مرسية فارًا عن وطني وخدمت الناس في البنيان فاجتمع لي مثقالان سعديان فبينما أنا أمشي في السوق‏.‏
وإذا بقوم من أهل بلدي شاطبة ومن قرابتي فسألتهم عن أولادي وزوجتي فقالوا إنهم باقية بيد أولادك فقلت لهم عسى تبيتوا عندي الليلة فاشتريت لحمًا وشرابًا وضربنا دفًا‏.‏
فلما كان عند الصباح وإذا بنقر عنيف بالباب‏.‏
فقلت من أنت فقال أنا الطرقون الذي بيده قبالة اللهو وهي متفقة بيدي وأنتم ضربتم البارحة الدف فأعطنا حق العرس الذي عملت‏.‏
فقلت له والله ما كانت لي عرس‏.‏
فأخذت وسجنت‏.‏
حتى افتديت بمثقال واحد من الذي خدمت به‏.‏
وجئت إلى الدار‏.‏
فقيل لي أن فلانًا وصل من شاطبة الساعة‏.‏
فمشيت لأسأله عن أولادي‏.‏
فقال تركتهم في السجن‏.‏
وأخذت الضويعة من أيديهم في رسم الجبالى فرجعت إلى الدار‏.‏
إلى قرابتي‏.‏
وعرفتهم بالذي طرأ علي‏.‏
وبكيت طول ليلتي وبكوا معي‏.‏
فلما كان من الغد‏.‏
وإذا بناقر بالباب‏.‏
فخرجت فقال أنا رجل صاحب المواريث‏.‏
أعلمنا أنكم بكيتم البارحة‏.‏
وأنه قد مات لكم ميت من قرابتكم غني‏.‏
وأخذتم كل ما ترك‏.‏
فقلت والله ما بكيت إلا نفسي فكذبني وحملني إلى السجن فدفعت المثقال الثاني ورجعت إلى الدار وقلت أخرج إلى الوادي إلى باب القنطرة أغسل ثيابي من درن السجن وأفر إلى العدوة فقلب لإمرأة تغسل الثياب إغسلي مما علي‏.‏
وجردتها‏.‏
ودفعت لي زنارًا ألبسه‏.‏
فبينا أنا كذلك‏.‏
وإذا بالخصى قائد ابن مردنيش يسوق ستين رجلًا من أهل الجبل لابس الزنانير‏.‏
فرآني على شكلهم فأمر بحملي إلى السخرة والخدمة بحصن مسقوط عشرة أيام‏.‏
فلبثت أخدم وأحضر مدة عشرة أيام وأنا أبكي واشتكي للقايد المذكور حتى أشفق علي وسرحني‏.‏
فرجعت أريد مرسية فقيل لي عند باب البلد كيف أسمك فقلت محمد بن عبد الرحمن فأخذني الشرطي وحملت إلى القابض بباب القنطرة‏.‏
فقالوا هذا من كتبته من أرباب الحالي بكذا وكذا دينار‏.‏
فقلت والله ما أنا إلا من شاطبة‏.‏
وإنما إسمي وافق ذلك الاسم ووصفت له ما جرى علي فأشفق وضحك مني وأمر بتسريحي فسرت على وجهي إلى هنا‏.‏
بعض الأحداث في أيامه ونبذ من أخباره استولى على بلاد الشرق مرسية وبلنسية وشاطبة ودانية ثم اتسع نطاق ملكه فولي جيان وأبدة وبياسة وبسطة ووادي آش وملك قرمونة ونازل قرطبة وإشبيلية وكاد يستولي علة جميع بلاد الأندلس‏.‏
فولي صهره ابن همشك وقد مر في باب إبراهيم مدينة جيان وأبدة وبياسة وضيق منها على قرطبة واستولى على إستجة ودخل غرناطة سنة سبع وخمسين وخمسماية وثار عليه يوسف بن هلال من أصهاره بحصن مطرنيش وما إليه‏.‏
ثم تفاسد ما بينه وبين صهره الآخر ابن همشك‏.‏
فكان سبب إدبار أمره واستولى العدو في مدة ابن سعد على مدينة دخوله غرناطة ولما دخل ابن همشك مدينة غرناطة وامتنعت عليه قصبتها وهزم الجيش المصرخ لمن حصر بها من الموحدين بمرج الرقاد وثاب أثناء ذلك أمر الموحدين‏.‏
فتجهز لنصرهم السيد أبو يعقوب‏.‏
وأجار البحر‏.‏
واجتمعوا بالسيد أبي سعيد بمالقة‏.‏
استمد ابن همشك صهره الأسعد أبا عبد الله محمد بن سعد فخرج بنفسه في العسكر الكبير من أهل الشرق والنصارى‏.‏
فوصل إلى غرناطة واضطربت محلته بالربوة السامية المتصلة برابض البيازين‏.‏
وتعرف إلى اليوم بكدية مردنيش وتلاحق جيش الموحدين بأحواز غرناطة‏.‏
فأبينوا جيش عدوهم فكانت عليه الدبر وفر ابن مردنيش فلحق بجيان واتصلت عليه الغلبة من لدن منتصف عام ستين فلم يكن له بعده ظهور‏.‏
وفاته وظهر عليه أمر الموحدين فاستخلصوا معظم ما بيده وأوقعوا بجنده الوقايع العظيمة‏.‏
وحصر بمدينة مرسة واتصل حصاره فمات أثناء الحصار في عشر رجب من عام سبعة وستين وخمسماية وله ثمانية وأربعون عامًا ووصل أمره أبو القمر هلال وألقى باليدين إلى الموحدين فنزل على عهد ورسوم حسيما يأتي في موضعه‏.‏
محمد بن يوسف بن هود الجذامي أمير المسلمين بالأندلس يكنى أبا عبد الله ويلقب من الألقاب السلطانية بالمتوكل على الله‏.‏
أوليته من ولد المستعين بن هود‏.‏
وأوليتهم معروفة ودولتهم مشهورة وأمراؤهم مذكورون‏.‏
خرج من مرسية تاسع رجب عام خمسة وعشرين وستماية إلى الصخور من جهاتها في نفر يسير من الجنود معه وكان الناس يستشعرون ذلك‏.‏
ويرتقبون ظهور مسمى باسمه واسم أبيه وينددون‏.‏
بإخمرته وسلطانه‏.‏
وجرى عليه بسبب ذلك امتحان في زمن الموحدين مرات إذ كان بعض الهاتفين بالأمور الكاينة والقضايا المستقبلة يقول لهم يقوم عليكم قايم من صنف الجند اسمه محمد بن يوسف‏.‏
فقتلوا بسبب ذلك شخصًا من أهل جيان‏.‏
ويقال إن شخصًا ممن ينتحل ذلك لقي ابن هود فأمعن النظر إليه ثم قال له أنت سلطان الأندلس فانظر لنفسك وأنا أدلك على من يقيم ملكك فاذهب إلى المقدم الغشتي فهو القايم بأمرك‏.‏
وكان الغشتي رجلًا صعلوكًا يقطع الطريق وتحت يده جماعة من أنجاد الرجال وسباع الشرار قد اشتهر أمرهم فنهض إلى المقدم وعرض عليه الأمر وقال نسستفتح بمغاورة إلى أرض العدو على اسمك وعلى سعدك ففعلوا فجلبوا كثيرًا من الغنايم والأسرى وانضاف إلى ابن هود طوايف مثل هؤلاء وبايعوه بالصخيرات كما ذكر من ظاهر مرسية وتحرك إليه السيد أبو العباس بعسكر مرسية فأوقع به وشرده ثم ثاب إليه ناسه وعدل إلى الدعاء للعباسيين فتبعه اللفيف ووصل تقليد الخليفة المستنصر بالله ببغداد فاستنصر الناس في دعوته وشاع ذكره وملك القواعد وجيش الجيوش وقهر الأعداء ووفي للغشتي بوعده فولاه أسطول إشبيلية ثم أشطول سبتة مضافًا إلى أمرها وما يرجع إليه فصار به أهلها بعد وخلعوه وفر أمامهم في البحر وخفي أثره إلى أن تحقق استقراره أسيرًا في البحر بغرب الأندلس ودام زمانًا ثم تخلص في سن الشيخوخة ومات برباط آسفي‏.‏
حاله كان شجاعًا ثبتًا كريمًا حييًا فاضلًا وفيًا متوكلًا عليه سليم الصدر قليل المبالاة فاستعلى لذلك عليه ولاته بالقواعد كأبي عبد الله بن الرميمي بألمرية وأبي عبد الله بن زنون بمالقة وأبي يحيى عتبة بن يحيى الجزولي بغرناطة‏.‏
وكان مجدودًا لم ينهض له جيش‏.‏
ولا وفق بعض الأحداث في أيامه جرت عليه هزائم منها هزيمة السلطان الغالب بالله إياه مرتين إحداهما بظاهر إشبيلية وركب البحر فنجا بنفسه‏.‏
ثم هزمه بإلبيرة من أحواز غرناطة زعموا ذلك في سنة أربع وثلاثين وستماية أو نحوها‏.‏
وفي سنة خمس وثلاثين كان اللقاء بينه وبين المأمون إدريس أمير الموحدين بإشبيلية فهزمه المأمون أقبح هزيمة واستولى على محلته ولاذ منه بمدينة مرسية‏.‏
ثم شغل المأمون الأمر وأهمته الفتنة الواقعة بمراكش فصرف وجهه إليها وثاب الأمر للمتوكل فدخلت في طاعته ألمرية ثم غرناطة ثم مالقة‏.‏
وفي سبع وعشرين وستماية تحرك بفضل شهامته بجيوش عظيمة لإصراخ مدينة ماردة وقد نازلها العدو وحاصر ولقي الطاغية بظاهرها فلم يتأن زعموا حتى دفع بنفسه العدو ودخل في مصافه‏.‏
ثم لما كر إلى ساقته وجد الناس منهزمين لما غاب عنهم فاستولت عليه هزيمة شنيعة‏.‏
واستولى العدو على ماردة بعد ذلك‏.‏
وفتح عليه في أمور منها تملكه إشبيلية سنة تسع وعشرين وستماية وولي عليها أخاه الأمير أبا النجاة سالمًا الملقب بعماد الدولة‏.‏
في سنة إحدى وثلاثين‏.‏
رجعت قرطبة إلى طاعته واستوسق أمره‏.‏
وتملك غرناطة ومالقة عام خمسة وعشرين وستمائة ودانت له البلاد‏.‏
وفي العشر الأول من شوال‏.‏
دخل في طاعته الريسان أبو زكريا وأبو عبد الله إبنا الرئيس أبي سلطان عزيز بن أبي الحجاج بن سعد‏.‏
وخرجا عن طاعة الأمير أبي جميل وأخذا البيعة لابن هود على ما في أيديهما‏.‏
وفي سنة ست وعشرين وستمائة تملك الجزيرة الخضراء عنوة يوم الجمعة التاسع لشعبان من العام‏.‏
وفي العشر الوسط من شوال ورد عليه الخبر ليلًا بقصد العدو وجهة مدينة وادي آش‏.‏
فأسرى ليله مسرجًا بقية يومه ولحق بالعدو على ثمانين ميلًا فأتى على آخرهم ولم ينج منه أحد‏.‏
أخوته الرئيس أبو النجاة سالم وعلامته وثقت بالله ولقبه عماد الدولة والأمير أبو الحسن عضد الدولة وأسره العدو في غارة وافتكه بمال كثير والأمير أبو إسحاق شرف الدولة‏.‏
وكلهم يكتب عنه من الأمير فلان‏.‏
ولده أبو بكر الملقب بالواثق بالله أخذ له البيعة على أهل الأندلس‏.‏
في كذا وولي بعده ولي عهده واستقل بملك مرسية‏.‏
ثم لم ينشب أن هلك‏.‏
‏.‏
دخوله غرناطة دخل غرناطة مرات عديدة إحداها في سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقد وردت عليه الراية والتقليد من الخليفة العباسي ببغداد‏.‏
وبمصلى غرناطة قرئ على الناس كتابه وهو قايم وزيه السواد ورايته السوداء بين يديه وكان يوم استسقاء فلم يستتم على الناس قراءة الكتاب يومئذ إلا وقد جادت السماء بالمطر وكان يومًا مشهودًا وصنعًا غريبًا وأمر بعد انصرافه أن يكتب عنه بتلك الألقاب التي تضمنها الكتاب المذكور إلى البلاد‏.‏
وفاته اختلف الناس في سبب وفاته فذكر أنه قد عاهد زوجه ألا يتخذ عليها امرأة طول عمره فلما تصير إليه الأمر أعجبته رومية حصلت له بسبب السبي من أبناء زعمائهم من أجمل الناس فسترها عند ابن الرميمي خليفته فزعموا أن الن الرميمي علق بها‏.‏
ولما ظهر حملها خاف افتضاح القصة فدبر عليه الحيلة فلما حل بظاهر ألمرية عرض عليه الدخول إليها فاغتاله ليلًا بأن أقعد له أربعة رجال قضوا عليه خنقًا بالوسايد‏.‏
ومن الغد داعي أنه مات فجأة ووقف عليه العدول والله أعلم بحقيقة الأمر سبحانه‏.‏
وكانت وفاته ليلة الرابع والعشرين من جمادى الآخرة عام خمسة وثلاثين وستماية‏.‏
وفي إرجاف الناس بولاية ابن هود والأمر قبل وقوعه يقول الشاعر‏:‏ همام به زاد الزمان طلاقة ولذت لنا فيه الأماني موردا فقل لبني العباس ها هي دولة أغار بها الحق المبين وأنجدا فإن الذي قد جاء في الكتب وصفه بتمهيد هذي الأرض قد جاء فاهتدا فإن بشرتنا بابن هود محمد فقد أظهر الله ابن هود محمدا محمد بن أحمد الغافقي محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن بن أيوب ابن حامد بن زيد بم منخل الغافقي يكنى أبا بكر من أهل غرناطة‏.‏
وسكن وادي آش أوليته أصل هذا البيت من إشبيلية وذكره الرازي في الاستيعاب فقال وبإشبيلية بيت زيد الغافقي وهم هناك جماعة كبيرة فرسان ولهم شرف قديم وقد تصرفوا في الخدمة‏.‏
بلديون ثم انتقلوا إلى طليطلة ثم قرطبة ثم غرناطة‏.‏
وذكر الملأحي في كتابه الحسن بن أيوب بن حامد بن زيد ابن الحسن هو المقتول يوم قيام بني خالد بدعوة السلطان أبي عبد الله الغالب بالله بن مصر وكان عامل المتوكل على الله بن هود بها وعمن جمع له بين الدين والفضل والمالية‏.‏
حاله ونباهته وحنته ووفاته كان هذا الرجل عينًا من أعيان الأندلس وصدرًا من صدورها‏.‏
نشأ عفًا متصاونًا عزوفًا وطلاوة نزيهًا أبيًا كريم الخؤولة طيب الطعمة حر الأصالة نبيه الصهر‏.‏
ثم استعمل في الوزارة ببلده ثم قدم على من به من الفرسان فأوردهم الموارد الصفية بإقدامه واستباح من العدو الفرصة وأكسبهم الذكر والشهرة وأنفق في سبيل الله إلى غضاضة الإيمان وصحة العقد وحسن الشيعة والاسترسال في ذكر التواريخ والأشعار الجاهلية والأمثال والتمسك بأسباب الدين وسحب أذيال الطهارة وهجر الخبايث وإيثار الجد والانحطاط في هوى الجماعة‏.‏
مشيخته قرأ بغرناطة على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخار وببلده على الأستاذ أبي عبد الله الطرسوني وبه انتفاعه وكان جهوري الصوت متفاضلًا قليل التهيب في الحفل‏.‏
ولما حدث بالسلطان أبي عبد الله من كياد دولته وتلاحق بوادي آش مفلتًا قام بأمره وضبط البلد على دعوته ولم المداهنة في أمره وجعل حيل عدوه دبر أذنه إلى أن خرج عنها إلى العدوة فكان زمان طريقه مفديًا له بنفسه حتى لحق بمأمنه فتركها مغربة‏.‏
خبر في وفاته ومعرجه وكانت الحمد لله على محمده واستأثر به الداخل فشد عليه يد اغتباطه وأغرى به عقد ضنانته وخلطه بنفسه ثم أغرى به لمكانته من الشهامة والرياسة فتقبض عليه وعلى ولده لباب بني وقته وغرة أبناء جنسه فأودعهما مطبق أرباب الجرايم وهم باغتيالهما ثم نقلهما إلى مدينة المنكب ليلة المتصف لمحرم من عام اثنين وستين وسبعمائة في جملة من النبهاء مأخوذين بمثل تلك الجريرة ثم صرف الجميع في البحر إلى بجاية في العشر الأول لربيع الأول مصفدين‏.‏
ولما حلوا بها أقاموا تحت بر وتجلة ثم ركبوا البحر إلى تونس فقطع بهم أسطول العدو بأحواز تكرنت ووقعت بينه وبين المسلمين حرب فكرم مقام المترجم يومئذ وحسن بلاؤه‏.‏
قال المخبر عهدي به وقد سل سيفًا وهو يضرب بالعدو ويقول اللهم اكتبها لي شهادة‏.‏
واستولى العدو على من كان معه من المسلمين ومنهم ولده وكتب افتك الجميع ببلد العناب وانصرف ابنه إلى الحج وآب لهذا العهد بخلال حميدة كريمة‏.‏
من سكون وفضل ودين وحياء وتلاوة إلى ما كان يجده من الركض ويعانية من فروسية فمضى على هذا السبيل من الشهادة نفعه الله في ليلة الجمعة الثامن لرجب من عام اثنين وستين وسبعمائة‏.‏
شعره أنشدني قاضي الجماعة أبو الحسن بن الحسن له‏:‏ يا أيها المرتجى لطف خالقه وفضله في صلاح الحال والمال فإن لله لطفًا عز خالقنا عن أن يقاس بتشبيه وتمثال وكل أمر وإن أعياك ظاهره فالصنع في ذاك لا يجري على بال محمد بن أحمد بن محمد الأشعري من أهل غرناطة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن المحروق الوكيل بالدار السلطانية القهرمان بها المستوزر آخر عمره سداد من عون‏.‏
حاله وأوليته وظهوره كان رحمه الله من أهل العفاف والتصاون جانحًا إلى الخير محبًا في أهل الإصلاح مغضوض الطرف عن الحرم عفيفًا عن الدماء متسمسكًا بالعدالة من أهل الخصوصية كتب الشروط وبرز في عدول الحضرة وكان له خط حسن ومشاركة في الطلب وخصوصًا في الفرايض وحظه تافه من الأدب امتدح الأمراء فترقى إلى الكتابة مرؤوسًا مع الجملة‏.‏
وعند الإيقاع بالوزير ابن الحكيم تعين لحصر ما استرفع من منتهب ماله وتحصل بالدار السلطانية من آثاثه وخرثيه فحزم واضطلع بما كان داعية ترقيه إلى الوكالة فساعده الوقت وطلع له جاه كبير تملك أموالًا غريضة وأرضًا واسعة فجمع الدنيا بحزمه ومثابرته على تنمية داخله وترقى إلى سماء الوزارة في الدولة السادسة من الدول النصرية بتدبير شيخ الغزاة وزعيم الطايفة عثمان بن أبي العلاء فوصله إلى إدوار دنياه والله قد خبأ له المكروه في المحبوب وتأذن الله سبحانه بنفاد أجله على يده فستولى وحجب السلطان‏.‏
ثم وقعت بينه وبين مرشحه الوحشة الشهيرة عام سبع وعشرين وسبعمائة مارسًا لمكان الفتنة صلة فارط في حجب السلطان وأجلى جمهور ما كان ببابه ومنع من الدخول إليه فاضطربت حاله وأعمل التدبير عليه فهجم عليه بدار الحرة الكبيرة جدة السلطان وكان يعارضها في الأمور ويجعلها تكأة الغرضه فتيان من أحداث المماليك المستبقين مع محجوبه تناولاه سطًا بالخناجر ورمى نفسه في صهريج الدار وما زالا يتعاورانه من كل جانب حتى فارق الحياة رحمه الله تعالى‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وكانت له فيه فراسة صادقة‏.‏
محمد بن فتح بن علي الأنصاري يكنى أبا بكر ويشهر بالأشبرون‏.‏
قاضي الجماعة‏.‏
حاله كان طرفًا في الدهاء والتخلق والمعرفة بمقاطع الحقوق ومغامز الريب وعلل الشهادات فذًا في الجزالة والصرامة مقدامًا بصيرًا بالأمور حسن السيرة عذب الفكاهة ظاهر الحظوة علي الرتبة خرج من إشبيلية عند تغلب العدو عليها وولي القضاء بمالقة وبسطة‏.‏
ثم ولي الحسبة بغرناطة ثم جمعت له إليها الشرطة ثم قدم قاضيًا واستمرت ولايته نحوًا من ثلاثين سنة‏.‏
محمد بن الزيات الكلاعي محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن الزيات الكلاعي ولد الشيخ الخطيب أبي جعفر بن الزيات من أهل بلش يكنى أبا بكر‏.‏
حاله من عائد الصلة من تأليفنا‏.‏
كان رحمه الله شبيهًا بأبيه في هديه وحسن سمته ووقاره إلا أنه كان حافظًا للرتبة‏.‏
مقيمًا للأبهة مستدعيًا بأبيه ونفسه للتجلة بقية من أبناء المشايخ ظرفًا وأدبًا ومروءة وحشمة إلى خط بديع قيد البصر ورواية علاية ومشاركة في فنون وقراءة وفقه وعربية وأدب وفريضة ومعرفة بالوثاق والأحكام‏.‏
تولى القضاء ببلده وخلف أباه على الخطابة والإمامة فأقام الرسم واستعمل في السفارة فسد مسد مثله وأقرأ ببلده فانتفع به‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ الخطيب أبي محمد بن أبي السداد الباهلي‏.‏
وبغرناطة على شيخ الجماعة الأستاذ أبي جعفر بن الزبير‏.‏
ومن أعلام مشيخته جده للأم خال أبيه الحكيم العارف أبو جعفر ابن الخطيب أبي الحسن بن الحسن المذحجي الحمى والخطيب الرباني أبو الحسن فضل بن محمد بن علي بن الحاج محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج يكنى أبا بعد الله ويعرف بابن الحاج‏.‏
أوليته وحاله كان أبوه نجارًا من مدجنى مدينة إشبيلية من العارفين بالحيل الهندسية بصيرًا باتخاذ الآلات الحربية الجافية والعمل بها وانتقل إلى مدينة فاس على عهد أبي يوسف المنصور بن عبد الحق واتخذ له الدولاب المنفسخ القطر البعيد المدى ملين المركز والمحيط المتعدد الأكواب الخفي الحركة حسبما هو اليوم مائل بالبلد الجديد دار الملك بمدينة فاس أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الركاب وبناء دار الملك بمدينة فاس أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الركاب وبناء دار الصنعة بسلا‏.‏
وانتقل بعد مهلك أبيه إلى باب السلطان ثاني الملوك من بني نصر ومت إليه بوسيلة أدنت محله وأسنت جراياته إلى أن تولى وزارة ولده أمير المسلمين أبي الجيوش نصر واضطلع بتدبيره‏.‏
ونقم الناس عليه إيثاره لمقالات الروم وانحطاطه في مهوى لهم والتشبيه بهم في الأكل والحديث وكثير من الأحوال والهيئات والاستحسان وتطريز المجالس بأمثالهم وحكمهم سمة وسمت منه عقلًا لنشأته بين ظهرانيهم وسبقت إلى قوى عقله المكتسب في بيوتهم فلم بفارقه بحال وإن كان آية في الدهاء والنظر في رجل بعيد الغور عميق الفكر قايم على الدمنة منطو على الرضف لين الجانب مبذول البشر وحيد زمانه في المعرفة بلسان الروم وسيرهم محكم الأوضاع في أدب الخدمة ذرب بالتصرف في أبواب الملوك‏.‏
وكان من ثورة العامة بسلطانه ما تقدم وجهروا بإسلامه إليهم وقد ولوه بسبب الثورة وطوقوه كياد الأزمة‏.‏
فضن به السلطان ضنانة أعربت عن وفايه وصان مهجتة واستمر الأمر إلى أن خلع الملك عن الملك‏.‏
وكان نزول الوزير المذكور تحت خفارة شيخ الغزاة وكبير الطايفة عثمان بن أبي العلي فانتقل محفوظ الجملة محوط الوفر ولم ينشب إلى أن لجأ إلى العدوة واتصل بالأمير أبي علي عمر بن السلطان الكبير أبي سعيد فحركه‏.‏
زعموا على محادة أبيه وحمله على الانتزاء فكان ما هو معلوم من دعاية إلى نفسه ومنازعة أبيه ولقايه إياه بالمقرمدة وفل جيشه وفي أثناؤه هلك المترجم به‏.‏
وفاته توفي بفاس الجديد في العشر الأول من شعبان عام أربع عشرة وسبعماية‏.‏
محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أرقم النميري من أهل وادي آش يكنى أبا يحيى‏.‏
حاله كان صدرًا شهيرًا عالمًا علما حسيبًا أصيلًا جم التحصيل قوي الإدراك مضطلعًا بالعربية واللغة إمامًا في ذلك مشاركًا في علوم من حساب وهيئة وهندسة‏.‏
قال الشيخ‏:‏ كان في هذا كله أبرع من لقيته إلى سراوة وفضل وتواضع ودين جاريًا في ذلك على سنن سلفه‏.‏
وعلو محتده‏.‏
جالسته‏.‏
رحمه الله كثيرًا عند علية من أدركته بغرناطة لإقامته بها وتكرر لقائي إياه بها وبغيرها فرأيت أصيلًا جليلًا قد جمع علمًا وفضلًا وحسن خلق وكان حسن التقييد لخطه رونق يمتاز به ويبعد عن غيره ولي القضاء ببلجه ثم ولي بعد مدة ببرشانة فحمدت سيرته‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:10 AM

مشيخته أخذ القراءات السبع عن أبي كرم جودى بن عبد الرحمن وقرأ عليه الغريب واللغة ولازمه في ذلك وأجاز له إجازة عامة‏.‏
وأخذ من غيره ببلده وصحب بغرناطة جملة من العلماء بها أيام تواليفه ألف كتابًا سماه الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأحوال وهو كتاب ضخم وفقت عليه من قبله وأفدته‏.‏
واختصر الغريب المصنف وله تقاييد منثور ومنظوم في علم النجوم ورسالة في الإسطرلاب الخطى والعمل به‏.‏
وشجرة في أنساب العرب‏.‏
وفاته توفي ليلة السبت السابع عشر لشهر ربيع الآخر عام سبع وخمسين وسبعماية‏.‏
محمد بن محمد أبو عيشون محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار بن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عياش المكنى بأبي عيشون بن حمود الداخل إلى الأندلس صحبة موسى بن نصير ابن عنبسة بن حارثة بن العباس بن المرداس يكنى أبا البركات بلفيقي الأصل مروى النشأة والولادة والسلف يعرف بابن الحاج وشهر الآن في غير بلده بالبلفيقي وفي بلده بالمعرفة القديمة‏.‏
أوليته قد تقدم اتصال نسبه بحارثة بن العباس بن مرادس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد خطبايه وشعرايه رييس في الإسلام ورييس في الجاهلية‏.‏
وكان لسلفه وخصوصًا لإبراهيم من الشهرة بولاية الله وإيجاب الحق من خلقه ما هو مشهور حسبما تنطق به الفهارس يعضد هذا المجد من جهة الأمومة كأبي بكر بن صهيب وابن عمه أبي إسحاق وغيرهم الكثير ممن صنف في رجال الأندلس كأبي عبد المجيد المالقي وابن الأبار وابن طلحة وابن فرتون وابن صاحب الصلاة وابن الزبير وابن عبد الملك فلينظر هناك‏.‏
حاله نشأة ببلده ألمرية عمود العفة فضفاض جلباب الصيانة غضيض طرف الحياء نائي جنب السلام حليف الانقباض والازورار آويًا إلى خالص النشب وبحت الطعمة لا يرى إلا في منزل من سأله وفي حلق الأسانيد أو في مسجد من المساجد خارج المدينة المعدة للتعبد لا يجيئ سوقًا ولا مجمعًا ولا وليمة ولا مجلس حاكم أو وال ولا يلابس أمرًا من الأمور التي جرت عادته أن يلابسها بوجه من الوجوه‏.‏
ثم ترامى إلى رحلة فجاس خلال القطر الغربي إلى بجاية نافضًا إياه من العلماء والصلحاء والأدباء والآثار بتقييده وأخذه قيام ذكر وإغفال شهرة‏.‏
ثم صرف عنانه إلى الأندلس فتصرف في الإقراء والقضاء والخطابة‏.‏
وهو الآن نسيج وحده في أصالة عريقة وسجية على السلامة مفطورة فما شيت من صدر سليم وعقد وثيق وغور قريب ونصح مبذول وتصنع مرفوض ونفس ساذجة وباطن مساو للظاهر ودمعة سريعة وهزل يثمر تجلة‏.‏
وانبساط يفيد حسن نية إلى حسن العهد وفضل المشاركة ورقة الحاشية وصلابة العود وصدق العزيمة وقوة الحامية وبلاغة الموعظة وجلة الوقت‏.‏
وفايدة العصر تفننًا وإمتاعًا فارس المنابر غير الهيابة ولا الجزوع طيب النغمة بالقرآن مجهشًا في مجال الرقة كثير الشفقة لصالح العامة متأسفًا لضياع الأوقات مدمعًا على الفيئة مجمًا محولًا في رياسة الدين والدنيا‏.‏
هذا ما يسامح فيه الإيجاز ويتجافى عنه الاختصار ويكفى فيه الإلماع والإشارة أبقى الله شيخنا أبا البركات‏.‏
مشيخته ولايته تقدم قاضيًا بقنالش في جمادى الثانية عام خمسة عشر وسبع مائة ثم ولي مربلة وإستبونة ثم كانت رحلته إلى بجاية‏.‏
ثم عاد فقعد بمجلس الإقراء من مالقة للكلام على صحيح مسلم متفقًا على اضطلاعه بذلك‏.‏
ثم رحل إلى فاس‏.‏
ثم آب إلى الأندلس واستقر ببلده ألمرية فقعد بمسجدها الجامع للإقراء ثم قام قاضيًا ببرجة ودلاية والبنيول وفنيانة ثم نقل عنها إلى بيرة ثم غربي ألمرية‏.‏
ثم قدم قاضيًا بمالقة ثم قدم بغربها مضافًا إلى الخطابة ثم أعيد إلى قضاء ألمرية بعد وفاة القاضي أبي محمد بن الصايغ‏.‏
ومن كتاب طرفة العصر من تأليفنا في خبر ولايته ما نصه‏:‏ فتقلد الحكم في الثالث والعشرين لشعبان من عام سبع وأربعين وسبعمائة ثالث يوم وصوله مستدعي وانتابه الطلبة ووجوه الحضرة والدولة مهنئين بمثواه من دار الصيانة ومحل التجلة إحدى دور الملوك بالحمراء فطفقوا بغشونه بها زرافات ووجدانًا في إتاحة الخير وإلهام السداد وتسويغ الموهبة‏.‏
وكان وصوله والأفق قد اغبر والأرض قد اقشعرت لانصرام حظ من أيام الشتاء الموافق لشهر ولايته لم يسح فيه الغمام بقطرة ولا لمعت السماء بنزعة حتى أضرت الأنفس الشح وحسر العسر عن ساقه وتوقفت البذور فساعده الجد بنزول الرحمة عند نزوله من مرقاة المنبر مجابة دعوة استسقايه ظاهرة بركة خشوعه ولذلك ما أنشدته في تلك الحال‏:‏ ظمئت إلى السقيا الأباطح والربا حتى دعونا العام عاما مجدبًا والغيث مسدول الحجاب وإنما علم الغمام قدومكم فتأدبا وتولى النظر في الأحكام فأجال قداحها مضطلعًا بأصالة النظر وإرجاء المشبهات وسلك في الخطابة طريقة مثلى يفرغ في قوالب البيان أغراضها ويصرف على الأحكام الكواين والبساطات أساليبها‏.‏
من المحاكاة باختلاف القبض والبسط والوعد والوعيد حظوظها على مقبض العدل‏.‏
وسبب الصواب يقوم على كثير مما يصدع به من ذلك شاهد البديهة‏.‏
ودليل الاستيعاب قال شيخنا أبو البركات‏:‏ ثم صرفت عنها للسبب المتقدم‏.‏
وبقيت مقيمًا بها لما اشتهر من وقوع الوباء بألمرية ثم أعدت إلى القضاء والخطابة بألمرية وكتب بذلك في أوايل رجب عام تسعة وأربعين‏.‏
وبقيت على ذلك إلى أن صرفت بسبب ما ذكر‏.‏
ثم أعدت إليها في أواخر رجب سنة ست وخمسين عسى أن سكون الانقطاع لله سبحانه‏.‏
فأنا الآن أتمثل بما قاله أبو مطرف بن عميرة رحمه الله‏:‏ قد نسبنا إلى الكتابة يومًا ثم جاءت خطة القضاء تليها وبكل لم نطق للمجد إلا منزلًا نابيًا وعيشًا كريها نسبة بدلت فلم تتغير مثل ما يزعم المهندس فيها بدل من لفظ الكتابة إلى الخطابة‏.‏
وأغرب ما رأيت ما أحكى لك وأنت أعلم ببعض ذلك أن أفضل ما صدر عني في ذلك الخطة من العمل الذي أخلصت لله فيه ورجوت منه المثوبة عليه وفيه مع ذلك مفتخر لمن أراد أن يفتخر غير ملفت للدنيا فعليه عولت سبحانه‏.‏
انتهى كلامه‏.‏
تصانيفه كتب إلي بخطه ما نصه وهو فصل من فصول‏:‏ وأما تواليفي فأكثرها أو كلها عير متممة في مبيضات‏.‏
منها كتاب قد يكبو الجواد في أربعين غلطة عن أربعين من النقاد وهو نوع نمن تصحيق الحفاظ لدار قطني منها سلوة الخاطر فيما أشكل من نسبة النسب الرتب إلى الذاكر‏.‏
ومنها كتاب قدر جم في نظم الجمل‏.‏
ومنها كتاب خطر فبطر ونظر فحظر على تنيهات على وثائق ابن فتوح ومنها كتاب الإفصاح فيمن عرف بالأندلس بالصلاح‏.‏
ومها حركة الدخولية في المسألة المالقية‏.‏
ومنها خطرة المجلس في كلمة وقعت في شعر استنصر به أهل الأندلس جزء صغير‏.‏
ومنها تاريخ ألمرية غير تام‏.‏
ومنها ديوان شعره المسمى بالعذب والأجاج في شعر أبي البركات ابن الحاج‏.‏
ومختصرة سماه القاضي الشريف اللؤلؤ والمرجان اللذان من العذاب والأجاج يستخرجان‏.‏
ومنها عرايس بنات الخواطر المجلوة على منصات المنابر يحتوي على فصول الخطب التي أنشئت بطول بني والخطابة‏.‏
ومنها المؤتمن على أنباء أبناء الزمن‏.‏
ومنها تأليف في أسماء الكتب والتعريف بمؤلفيها على حروف المعجم‏.‏
ومنها ما اتفق لأبي البركات فيما يشبه الكرامات ومنها كتاب ما رأيت وما رؤى لي من المقامات‏.‏
ومنها كتاب المرجع بالدرك على من أنكر وقوع المشترك ومنها مشبهات اصطلاح العلوم‏.‏
ومنها ما كثر وروده في مجلس القضاء‏.‏
ومنها الغلسيات وهو ما صدر عني من الكلام على صحيح مسلم أيام التكلم عليه في التغليس‏.‏
ومنها الفصول والأبواب في ذكر من أخذ عني من الشيوخ والأتباع والأصحاب‏.‏
ثم قال‏:‏ وقد ذهب شرخ الشباب ونشاطه وتقطعت أوصاله ورحل رباطه وأصبحت النفس تنظر لهذا كله بعين الإمهال والإغفال وقلة المبالاة التي لا يصل أحد بها إلى منال‏.‏
وهذه الأعمال لا ينشط إليها إلا المحركات التي هي مفقودة عندي أحدها طلبة مجتمعون متعطشون إلى ما عندي متشوفون غاية التشوف وأين هذه بألمرية‏.‏
الثاني طلب رياسة على هذا متى يرأس أحد بهذا اليوم وعلى تقدير أن برأسي به وهو محال في عادة هذا الوقت فالتشوف لهذه الرياسة مفقود عندي‏.‏
الثالث سلطان يملأ يد من يظهر مثل هذا على يده غبطة وما تم هذا‏.‏
الرابع نية خالصة لوجه الله تعالى في الإفادة وهذا أيضًا مفقود عندي ولا يد من الإنصاف‏.‏
الخامس قصد بقاء الذكر وهذا خيال ضعيف بعيد عني‏.‏
السادس الشفقة على شيء ابتدى وسعى في تحصيل مباديه أن يضيع على قطع ما سوى هذا الإشفاق وهذا السادس هو الذي في نفسي منه شيء وبه أنا أقيد أسماء من لقيت وما أخذت ويكون إن شاء الله إبراز إذا الصحف نشرت‏.‏
وأكثر زماني يذهب في كيفية الخروج عما أنا فيه فإذا ينظر إلى العاقل في هذا الوقت بعين البصيرة لا يسعه إلا الشفقة علي‏.‏
والرحمة لي‏.‏
فإنه يرى رجلًا مطرقًا أكثر نهاره ينظر إلى مآله فلا ينشط إلى إصلاحه وهو سابع ولا يلبس بالعبادة وهو في زمانها المقارب للفوت ولا ينهض إلى إقامة حق كما ينبغي لعدمك المعين ولا يجنح إلى شيء من راحات الدنيا ويشاهد من علوم الباطل الذي لا طاقة له على رفعه ما يضيق صدر الحر يقضى نصف النهار محتلًا في مكان غير حسن تارة يفكر وتارة يكتب ما هو على يقين منه أنه كذا لا ينتفع به ونصف النهار يقعد للناس تارة يرى ما يكره وتارة يسمع مايكره لا صديق يذكره بأمر الآخرة ولا صديق يسليه بأمر الدنيا يكفيني من هذه الغزارة‏.‏
اللهم إليك المشتكى يا من بيده الخلف ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
شعره من مطولاته في النزعة الغربية التي انفرد بها منقولًا من ديوانه‏.‏
قال‏:‏ ومما نظمته بسبتة في ذي الحجة من عام خمسة وعشين وسبعمائة في وصف حالي وأخذها عني الأستاذ بسبتة أبو عبد الله بن هانئ والأديب البارع أبو القاسم الحسيني وأبو القاسم بن حزب الله وسواهم‏.‏
ولما انفصلت من سبتة إلى بلاد الريف زدت عليها إبياتًا في أولها وكثر ذلك بوادي لو من بلاد الريف وهي‏:‏ تأسفت لا كن حين عز التأسف وكفكت دمعًا حين لا عين تذرف ورام سكونًا وهو في رجل طاير ونادى بأنس والمنازل تعنف أراقب قلبي مرة بعد مرة فالفيه ذياك الذي أنا أعرف سقيم ولا كن لا يحس بدايه سوى من له في مأزق الموت موقف وجاذب قلبًا ليس يأوى لمألف وعالج نفسًا داؤها يتضاعف وأعجب ما فيه استواء صفاته إذ الهم يشقيه أو السر ينزف إذا حلت الضراء لم ينفعل لها وإن حلت السراء لم يتكيف مذاهبه لم تبد غاية أمره فؤاد لعمري لا يرى منه أطرف فما أنا من قوم قصارى همومهم بنوهم وأهلهم وثوب وأرغف ولا لي بالإسراف فكر محدث سيغدو جبيبي أو سيشعر مطرف ولا أنا ممن لهوه جل شأنه بروض أنيق أو غزال مهفهف ولا أنا ممن تزدهيه مصانع ويسبيه بستان وليهيه مخرف ولا أنا ممن همه جمعها فإن تراءت يثب بسعي لها وهو مرجف على أن دهري لم تدع لي صروفه من المال إلا مسحة أو مجلف ولا أنا ممن هذه الدار همه وقد غره منها جمال وزخرف ولا أنا ممن للسؤال قد انبرى ولا أنا ممن صان عنه التعطف ولا أنا ممن نجح اله سعيهم فهمتهم فيها مصلى ومصحف فلا في هوى أضحى إلى اللهو قايدًا ولا في تقي أمس إلى الله يزلف أحارب دهري في نقيض طباعه وحربك من يقضى عليك تعجرف وأنظره شزرًا بأصلف ناظر فيعرض عني وهو أزهى وأصلف وأضبطه ضبط المحدث صحفه فيخرج في التوقيع أنت المصحف ويأخذ مني كل ما عز نيله ويبدو بجهلي منه في الأخذ محتف أدور له في كل وجه لعلني سأتبته وهو الذي ظل يحذف وصرفت نفسي في شئون كثيرة لحظة فلم يظفر بذاك التصرف وخضت فلأنواع المعارف أبحرًا ففي الحين ما استجرتها وهي تترف ولم أحل من تلك المعاني بطايل وإن كان أهلوها أطالوا وأسرفوا وقد مر من عمري الألذ وها أنا على ما مضى من عهده أتلهف وإني على ما قد بقي منه إن بقي لحرمة ما قد ضاع لي أتخوف أعد ليالي العمر والفرض صومها وحسبك من فرض المحال تعف على أنها إن سلمت جدليه تعارض آمالًا عليها ينيف تحدثني الآمال وهي كدينها تبدل في تحديثها وتحرف بأني في الدنيا سأقضي مآربي وبعد يحق الزهد لي والتقشف ورب أخلاء شكوت إليهم ولكن لفهم الحال إذ ذاك لم يف فبعضهم يزوي علي وبعضهم يغض وبعض يرثي ثم يصدف وبعضهم يومي إلي تعجبًا وبتعض بما قد رأيته يتوقف وما أمرنا إلا سواء وإنما عرفنا وكل منهم ليس يعرف فلو قد فرغنا من على نفوسنا وحطوا الدنية من عليل وأنصف أما لهم من علة أرمت بهم ولم يعرفوا أغوارها وهي تتلف وخضنا لهم في الكتب عن كنه أمرهم ومثلي عن تلك الحقائق يكشف وصنفت في الآفات كل غريبة فجاء كما يهوى الغريب المصنف وليس عجيبًا من تركب جهلهم فإن يحجبوا عن مثل ذاك وصرف إذا جاءنا بالسخف من نزو عقله إذا ما مثلناه أزهى وأسخف فما جاءنا إلا بأمر مناسب أينهض عن كف الجبان المثقف ولا كن عجيب الأمر علمي وغفلتي فديتكم أي المحاسن أكشف إلا أنها الأقدار يظهر سرها إذا ما وفي المقدور فالرأي يخلف أيا رب إن اللب طاش بما جرى به قلم الأقدار والقلب يرجف وإنا لندعوهم ونخشى وإنما على رسمك الشرعي من لك يعكف إذا جاء يوم قلت هو الذي يلي ووقتك في الدنيا جليس مخفف أقدم رجلًا عند تأخير أختها إذا لاح شمس فالنفس تكف كأني لداني المراقد منهم ولم أودعهم والخض ريان ينسف وهبني أعيش هل إذا شاب مفرقي وولي شبابي هل يباح التشوف وكيف ويستدعى الطريق رياضة وتلك على عصر الشباب توظف متى يقبل التقويم غير عطوفة وبي بعد حسًا فالنار تنسف ولو لم يكن إلا ظهورة سره إذا ما دنا التدليس هان التنطف أمولي الأسارى أنت ألى بعذرهم وأنت على المملوك أحق وأعطف قذفنا بلج البحر والقيد آخذ بأرجلنا والريح بالموج تعصف وفي الكون من سر الوجود عجايب أطل عليها العارفون وأشرف وكعت عليهم نكثة فتأخروا وددت بأن القوم بالكل أسعف فليس لنا إلا أن نحط رقابنا بأبواب الاستسلام والله يلطف خمس وخمسين وسبعمائة برابكة العقاب متعبد الشيخ ولي الله أبي إسحاق الإلبيري رحمه الله فمنها‏:‏ يأبى شجون حديثي الإفصاح إذ لا تقوم بشرحه الألواح قالت صفية إذ مررت بها أفلا تنزل ساعة ترتاح فأجبتها لولا الرقيب لكان لي ما تبتغى بعد الغدو رواح قالت وهل في الحي حي غيرنا فاسمح فديتك فالسماح رياح فأجبتها إن الرقيب هو الذي بيديه منا هذه الأرواح وهو الشهيد على موارد عبده سيان ما الإخفاء والإفصاح قالت وأين يكون وجود الله إذ تخشى ومنه هذه الأفراح فافرح بإذن الله جل جلاله واشطح فنشوان الهوى شطاح وانهج على ذمم الرجال ولا تخف فالحكم رحب والنوال مباح وانزل على حكم السرور ولا تبل فالوقت صاف ما عليك جناح واخلع عذارك في الخلاعة يا أخي باسم الذي دارت به الأقداح وانظر إلى الجنيا بنظرة رحمة فجفاؤها بوفائها ينزاح فأجبتها لو كنت تعلم ما الذي يبدو لتاركها وما يلتاح ما كان معنى غامض من أجله قد ساح قوم في الجبال وتاح حتى لقد سكروا من الأمر الذي هاموا به عند العيان وساح فاترك صفيك قارعًا باب الرضى والله جل جلاله الفتاح يا حي حي على الفلاح وخلني فجماعتي حثوا المطي وراح وقيدت من خطه في جملة ما كتب إلي ما نصه‏:‏ ومما نظمته بغرناطة وبعضه ببرجة وهو مما يعجبني وأظنه كتبه لك وهو غريب المنزع وإنه لكما قال‏:‏ خذها على رعم الفقيه سلافة تجلى بها الأقمار في شمس الضحى أبدي أطباء القلوب لأهلها منها شرابًا للنفوس مبرحا وإذا امرؤ قال في نشوانها قل أنت بالإخلاص فيمن قد صحا يا قوتة دارت على أربابها فاهتزت الأقدام منها واللحا وكذاك لا تعتب على مستهتر لم يدر ما الإيضاح لما أوضحا سكران يعثر في ذيول لسانه كفرًا ويحسب أنه قد سبحا كم الهوى حرب بعض وبعض ضاق ذرعًا بالغرام فبرحا لا تخشين على العدالة هاتفًا ثغر ارتياح العاشقين فجرحا الحب خمر العارفين وقد ضفت حتمًا على من ذاقها أن يشطحا فاشطح على هذا الوجود وأهله عجبًا فليس براجح من رجحا كبر عليهم أنهم موتى على غير الشهادة ما أغر وأقبحا واهزأ بهم فمتى يقل نصحاؤهم أهج فقل حتى ألاقي مفلحا وإذا أريبهم استخف فقل له بالله يا يحيى بن يحيى دع جحا أبني سليم قد نجا مجنونكم مجنون ليلى العارفين به قد محا هل يستوي من لم يبح بحبيبه مع من بذكر حبيبه قد أفصحا فافرح وطب وأبهج وقل ما شئت ما أملح الفقراء يا ما أملحا لا غرو أني لم أشاهدكم فالعين لا تبصر إنسانها ومنها قوله في غرض التورية وهو بديع في معناه‏:‏ يلومونني بعد العذار على الهوى ومثلي في وجدي له لا يفند يقولون لي أمسك عنه قد ذهب الصبا وكيف يرى الإمساك والخيط أسود ومنها قوله في المجبنات وهو من الغريب البديع‏:‏ ومصفرة الخدين مطوية الحشا على الجبن والمصفر يؤذن بالخوف لها هيئة كالشمس عند طلوعها ولكنها في الحين تغرب في الجوف ومنها قوله في النصح ولها حكاية تقتضي ذلك‏:‏ لا تبذلن نصيحة إلا لمن تلقى لبذل النصح منه قبولا فالنصح إن وجد القبول فضيلة ويكون إن عدم القبول فضولا ومنها في الحكم‏:‏ ما رأيت الهموم تدخل إلا من دروب العيون والآذان غض طرفًا وسد سمعًا ومهما تلق همًا فلا تثق بضمان ولذاك قد صبغت بلون أزرق أو ما ترى ثوب المآتم أزرقا ومنها قوله في المعاني الغربية قال‏:‏ ومما نظمته في عام أربعة وأربعين في التفكر في المعاني مغلق العينين‏:‏ أبحث فيما أنا حصلته عند انغماض العين في جفنها أحسبنى كالشاة مجترة تمضغ ما يخرج من بطنها وقال‏:‏ ومما نظمته بين أندرش وبرجة عام أربعة وأربعين وأنا راكب مسافر وهو مما يعجبني إذ ليس كل ما يصدر عني يعجبني‏.‏
قلت وبحق أن يعجبه‏:‏ تطالبني نفسي بما ليس لي به يدان فأعطيها الأمان فتقبل عجبت لخصم لج في طلباته يصالح عنها بالمحال فيفصل قال ومما نظمته في السنة المذكورة من ذم النساء‏:‏ ما رأيت النساء يصلحن إلا للذي يصلح الكنيف من أجله فعلى هذه الشريطة صالحهن لا تعد بأمرئ عن محله قال‏:‏ ومما نظمته في السنة المذكورة‏:‏ قد هجرت النساء دهرًا فلم أبلغ آذاني صفاتهن الذميمة أو يبقى لنا قصر العقل والدين إذا عدت المثالب قيمة وقال‏:‏ وما نظمته في تاريخ لا أذكره الآن هذان البيتان ولم أر معناهما لمن مضى‏.‏
ولو رحل رجل إلى خراسان ولم يأت إلا بهما كان ممن لم يخفق مسعاه ولا أجدب مرعاه ينفتح بهما للقلب باب من الراحة فسيح إذا أجهده ما يكابد من المضاضة ونقض العهود واختلاف الوعود‏.‏
وهذه المحنة من شر ما ابتلى به بنو آدم شنشنة نعرفها من أمرهم‏.‏
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي‏:‏ رعى الله إخوان الخيانة إنهم كفونا مؤونات البقا على العهد فلو قد وفوا كنا أسارى عقوقهم نراوح بين النسئة والنقد وقال يداعبني وعلى سبيل الكناية يخاطبني ولقد لقيت رجلًا ببلاد الهند يعرف بأبي البركات ابن الحاج وكان برد في بستان كان له فقلت أهجوه عام أربعة وأربعين وسبعمائة‏:‏ قالوا أبو البركات جم ماؤه فغدا أبو البركات لا أبا البركات قلنا لأن يكنى بموجوداته أولى من أن يكنى بمعدومات ومما نظمته عام خمس وأربعين وسبعمائة‏:‏ قد كنت معذورًا بعلمي وما أبث من وعظي بين البشر فلم أجد أوعظ للناس من أصوات وعاظ جلود البقر ومما نظمته بمرسى تلهى من بلد هنين عام ثلاثة وخمسين وقد أصابني هوس في البحر وخاطبت به بعض الأصحاب‏:‏ رأسي به هوس جديد لا الذي تدريه من هوس قديم فيه قد حل ما أبديه من هذا كما قد حل من ذاك الذي أخفيه ومن الملح قوله قال‏:‏ وبت بحمام الخندق من داخل ألمرية ليلة الجمعة الثامن من شهر محرم عام اثنين وثلاثين منفردًا فطفى المصباح وبقيت مفكرًا فخطر ببالي ما يقول الناس من تخيل الجن في الأرحاء والحمامات وعدم إقدام كافة الناس إلا ما شذ عند دخولها منفردين بالليل لا سيما في الظلام واستشعرت قوة في نفسي عند ذلك أعراض وأوهام فقلت مرتجلًا رافعًا بذلك صوتي‏:‏ زعم الذين عقولهم قدرها إن عرضت للبيع غير ثمين أن الرحا معمورة بالجن والحمام عندهم كذا بيقين إن كان ما قالوه حقًا فاحضروا للحرب هذا اليوم من صفين فلئن حضرتم فاعلموا بحقيقة بأني مصارع قيس المجنون قال‏:‏ ودخلت رياضًا يومًا فوجدت كساء منشورًا للشمس لم أعرفه من حوايجي ولا من حوايج حارسة البستان فسألتها فقالت هو لجارتي فقلت‏:‏ من منصفي من جارتي جارت على مالي كأني كنت من أعدائها عمدت إلى الشمس التي انتشرت على أرضي وأمت فيه بيس كسائها لولا غيوم يوم تيبس الكسا سرت لحجب السحب جل ضياءا لقضيت منهم الخسار لأنني أصبحت مزورًا على بخلائها قلت وصرت إلى مغنى بحمة بدانة وسار معي كلب كان يحرس رياضي اسمه قطمير وهو فيما يذكر كلب أهل الكهف في بعض الأقوال فتبعني من ألمرية إلى الحمة ثم من الحمة إلى ألمرية فقلت‏:‏ رحلت وقطمير كلبي رفيقي يونس قلبي بطول الطريق فلما أنخت أناخ حذائي يلاحظني لحظ خل شفيق ويرعى أذمة رفقي كما يتغنى الصيديق الصدوق على حين قومي بني آدم بلؤمهم لم يوفوا حقوق ولا فرق بين الأباعد منهم وبين أخ مستحب شفيق فما منهم من ولي حميم ولا ذي إخاء صحيح حقيق وناهيك ممن يفضل كلبًا عليهم فيا وليهم من رفيق ألا من يرق لشيخ غريب أبى البركات الفتى البلفيق وقال‏:‏ ومما نظمته بتاريخ لا أذكره هذان البيتان‏:‏ وأين الخير من زماني وأهله على أنني للشر أول سابق لحا الله دهرًا قد تقدمت أهله فتلك لعمر الله إحدى البوايق ومن النزعات الشاذة الأغراض‏:‏ لا بارك الله في الزهاد إنهم لم يتركوا عرض الدنيا لفضلهم بل أثقلتهم تكاليف الحياة فلم يصايروها فملوا ثقل حملهم وعظم الناس منهم تركها فغدوا من غبطة الترك في حرص لأجلهم نعم أسلم أن القوم إذ زهدوا زادًا وأعلى الناس طرًا فضل تركهم من حيث قد أحرز والترجيح دونهم لا شيء أبين من ترجيح فضلهم فالمال والجود والراحات غاية ما يحكى لنا الزهد في ذاعن أجلهم قال‏:‏ ومما نظمته عام أربعين في ذم الخمر من جهة الدنيا لا من جهة الدين إذ ليس بغريب‏:‏ لقد ذم بعض الخمر قوم لأنها تكر على دين الفتى بفساد وقد سلموا قول الذي قال إنها تحل من الدنيا بأعظم ناد وتذهب بالمال العظيم فلن ترى لمدمنها من طارف وتلاد فيمسي كريمًا سيدًا ثم يغتدي سفيهًا حليف الغي بعد رشاد وقالوا تسلى وهو عارية لها وإلا فلم يأتوا لذاك بشاد وصلة ونور وحسناء طفلة ومرأى به للطريف سير جواد وهل يدانوي من مرارتها التي أواخرها مقرونة بمهاد ولو أشرب الإنسان مهلًا بهذه لأصبح مسرورًا بأطيب زاد ومن حسن حال الشاربين يقينها بالرغم من برق وساد ومن حسن ذا المحروم أن مدامه إذا غلبت تكسوه ثوب رقاد فيختلف الندمان طرًا لروحه ويحدوهم نحو المروءة حادي ومن نظمه في الإنحاء على نفسه واستبعاد وجوه المطالب في جنسه مما نظمته يوم عرفة عام خمسين وأنا منزو في غار ببعض جبال ألمرية‏:‏ زعموا أن في الجبال قومًا صالحين قالوا من الأبدال وادعوا أن كل من ساح فيها فسيلقاهم على كل حال فاخترقنا تلك الجبال مرارًا بنعال طورًا ودون نعال ما رأينا فيها سوى الأفاعي وشبا عقرب كمثل النبال وسباعًا يخترون بالليل عدوًا لا تسلني عنهم بتلك الفيال ولو كنا لدى العدوة الأخرى رأينا نواجذ الريبال وإذا أظلم الدجى جاء إبليس إلينا يزور طيف الخيال هو كان الأنيس فيها ولولا ه أصيبت عقولنا بالخبال خل عنك المحال يا من تعني ليس تلقى الرجال غير الرجال قال‏:‏ ومن المنازع الغريبة ذم الأصحاب ومدح الأعداء فمن ذلك قولي‏:‏ جزى الله بالخير أعداءنا فموردهم أنسى المصدر وهم صيرونا أئمة علم ودين وحسبك من مفخر عدوي بأول فدى مأثم وإن جيت بالإثم لم يعذر وأنت ترى تمحيص من يعدل بين المسيء وبين البر ولا زود الله أصحابنا بزاد تقى ولا خير هم جرؤونا على كل إثم وما كنت لو لاهم بالمخبر وعدوا من إكبار آثامنا فكانوا أضر من الفاتر أعارني القوم ثوب التقى وإني مما أعاروني بري إذا خدعوني ولم ينصحوا وإني بالنصح منهم حر فمن كان يكذب حال الرضى يصدق في غضب يفتر بلى سوف تلقى لدى الحالتين يحكم النفس هوى الفر فيا رب أبق علينا عقولنا نبيع بها وبها نشتر قال‏:‏ وما رأيت هذا المعنى قط لأحد ثم رأيت بعد ذلك لبعضهم ما معناه‏:‏ خلنا ليلة من كف دهر ضنين بالليالي الطيبات سلكنا للهوى والعقل فيها مسالك قد جلين عن الشتات قضينا بعض حق النفس فيها وحق الله مرعى الثبات فلم نر قبله في الدهر وقتًا بدت حسناته في السيئات ثم رأيت بعد ذلك على هذا‏.‏
لا وليال على المصلى تسرق في نسكها الذنوب فوقعت ساقي على حافر هذا المحروم إلا أني جردت ذلك في المعنى وأوضحته وجلوته على كرسي التقعيد والتنجيد فلولا التاريخ لعاد سارق البرق‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:12 AM



نثره وأما نثره فنمط مرتفع عن معتاد عصره استنفارًا وبلاغة واسترسالًا وحلاوة قلما يعرج على السجع أو يأمر على التكليف وهو كثير بحيث لا يتعين عيونه ولكن نلمع منه نبذة ونجلب منه يسيرًا‏.‏
كتب إلي عند إيابي من الرسالة إلى ملك المغرب متمثلًا ببيتين لمن قبله صدر بهما‏:‏ يا أيتها النفس إليه اذهبي فحبه المشهور من مذهبي بل محلك أمثل من التمثيل بالشمس فلو كان طلوعك على هذه الأقطار شمسًا لأصبح جلها لك عباد‏.‏
ولو كان نزولك مطرًا لتكيفت الصخور ترابًا دمثًا‏.‏
ولولا معرفتنا معشر إخوان الصفا بأقرار أنفسنا لحكمنا بأن قلوبنا تمايم لأصدقائنا ولكن سبقت عيو السعادة بالكلات فلو تصادف بالرضى محلًا لأن تحصيل الحاصل محال لا زلت محروسًا بعين الذي لا تأخذه سنة ولا نوم مكنوفة ببركة الذي يرومه رايم والسلام‏.‏
وكتب إلي عندما تقلدت من رياسة الإنشاء ما تقلدت‏:‏ تخصكم يا محل الإبن الأرضى ولادة والأخ الصادق إخلاصًا وودًا خصكم الله من السعادة بأعلاها مرقى وأفضلها عقبى وأحمدها غنى وأكرمها مسعى تحية اللهفان إلى أيام لقائك المسلى عنها بتأميل العود إليها المزجى أوقاته بترداد الفكر فيها محمد بن الحاج أبقاه الله عن شوق والذي لا إله إلا هو لم أجد قط مثله إلى ولي حميم‏.‏
والله على ما نقول وكيل معرفًا أنني بعلاقمه وتصليني عن كسره مجامعه لما اعتني به من توقلكم بالرتبة التي ما زال أحباؤكم بها ممطولي بره‏.‏
على أنك لم تزد بذلك رتبة على ما كنت باعتبار الأهلية والمكانة العلية إلا عند الأطفال والأغفال والمحلقين من النساء والرجال لا كن أفزعتنا هذه المخاطبة المحظية في قالب الجمهور ولم نسر فيها على الأصح لا كن على الجمهور‏.‏
ولو كانت مصارف الوجود بيدي والفتك من الوجود منازل أسمايه منازل وأوطأتك أفلاكه مراكب وأوردتك كوثره مشربًا وأحللتك أرفعه معقلًا وأقبستك بدره مصباحًا وأهدتك أسراره تحفًا‏.‏
وقد تبلغ المقاصد مبالغ لا تنتهي أقاصيها الأعمال فنحن وما نضمره لتلك الجملة الجليلة الفاضلة مما الله رقيب عليه ومحيط بدقايقه‏.‏
ولو كانت لهذا العبد الغافل المأسور في قيد نفسه المحزون على انتهاب الأيام رأس عمره في غير شيء دعوة يساعدها الوجد حتى يغلب على ظنه أن العليم بذات الصدور ولاها من قبوله بارقة لخصك بها والله شهيد على ما تكنه الأفئدة وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏
والفضل جم والمحاسن عديدة فلنقصر اضطرارًا ولنكف امتثالًا للرسم وانقيادًا أمتع الله به‏.‏
محمد بن عبد الله بن منظور القيسي من أهل مالقة يكنى أبا بكر أوليته أصله من إشبيلية من البيت المشهور بالتعيين والتقدم والأصالة تشهد بذلك جملة أوضاع منها الروض المحظور ي أوصاف بني منظور‏.‏
وغيره‏.‏
حاله من كتاب عائد الصلة‏.‏
كان جم التواضع والتخلق كثير البر مفرط الهشة مبذول البشر عظيم المشاركة سريع اللسان إلى الثناء مسترسلًا في باب الإطراء دربًا على الحكم كثير الحنكة قديم العالة بصيرًا بالشروط ولي القضاء بجهات كثيرة وتقدم بمالقة بلده فشكرت سيرته وحمدت مدارته وكان سريع العبرة كثير الخشية حسن الاعتقاد معروف الإيثار والصدفة شايع الإقراء لمن ألم بصقعه واجتاز على محل ولايته جاريًا على سنن سلفه ينظم وينثر فلا يقصر‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي ولازمه وانتفع به وسمع على غيره من الأعلام كالخطيب الولي أبي عبد الله الطنجالي والعدل الرواية المسن أبي عبد الله بن الأديب والمسن أبي الحكم مالك بن المرحل وعلى الشيخ الصوفي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأقشري الفاس ولبس عنه خرقة التصوف وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد وعن الشيخ القاضي أبي المجد بن خميس بالجزيرة الخضراء وعلى الخطيب الزاهد أبي عبد الله السلال‏.‏
وكتب إليه بالإجازة أبو عبد الله بن الزبير والفقيه أبو الحسن ابن عقيل الرندي والوزير المعمر أبو عمر الطنجي وأبو الحكم بن منظور ابن عم أبيه والأستاذ أبو عبد الله بن الكماد‏.‏
نقلت ذلك من خطه‏.‏
تواليفه أخبرني أنه ألف نفحات المسوك وعيون التبر المسبوك في أشعار الخلفاء والوزراء والملوك‏.‏
وكتاب السحب الواكفة والظلال الوارفة في الرد على ما تضمنه المضنون به على غير أهله من اعتقاد الفلاسفة‏.‏
وكتاب الصيب الهتان الواكف بغايات الإحسان المشتمل على أدعية مستخرجة من الأحاديث الصحيحة النبوية وسور القرآن‏.‏
وكتاب البرهان والدليل في خواص سور التنزيل وما في قراءتها في النوم من بديع التأويل‏.‏
وكتاب يشتمل على أربعين حديثًا في الرقايق‏.‏
موصولة الأسانيد وكتاب تحفة الأبرار في مسألة النبوة والرساة وما اشتملت عليه من الأسرار‏.‏
وكتاب الفعل المبرور‏.‏
والسعي المشكور فيما وصل إليه أو تحصل لديه من نوازل القاضي أبي عمر بن منظور‏.‏
شعره ومن شعره قوله‏:‏ ما للعطاس ولا للفال من أثر فثق فدينك بالرحمن واصطبر وسلم الأمر فالأحكام ماضية تجري على السن المربوط بالقدر محمد بن هارون الغساني محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني من أهل مالقة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن عسكر حاله من كتاب الذيل والتكملة‏.‏
كان مغربًا مجودًا نحويًا متوقد الذهن متفننًا في جملة معارف‏.‏
ذا حظ صالح من رواية الحديث تاريخًا حافظًا فهيمًا مشاورًا دؤوبًا في الفتوى متينًا في الدين تام المروءة سنيًا فاضلًا معظمًا عند الخاصة والعامة حسن الخلق جميل العشرة رحيب الصدر مسارعًا إلى قضاء الحوايج شديد الإجمال محسنا إلى من أساء إليه نفاعًا بجاهه سمحًا بذات يده متقدمًا في عقد الوثائق بصيرًا بمعانيها سريع البديهة في النظم والنثر مع البلاغة والإحسان في الفنين‏.‏
ولي قضاء مالقة نايبًا عن القاضي أبي عبد الله بن الحسن مدة ثم ولي مستبدًا بتقديم الأمير أب يعبد الله بن نصر يوم السبت لليلتين بقيتا من رمضان عام خمس وثلاثين‏.‏
وأشفق من ذلك وامتنع منه وخاطبه مستقفيًا وذكر أنه لا يصلح للقيام بما قلده من تلك الخطة تورعًا منه فلم يسعفه‏.‏
فتقلدها وسار فيها أحسن سيرة وأظهر الحقوق التي كان الباطل قد غمرها ونفذ الأحكام‏.‏
وكان ماضي العزيمة مقدامًا مهيبًا جزلًا في قضائه لا تأخذه في الله لومة لأئم واستمر على ذلك بقية عمره‏.‏
مشيخته روى عن أبي إسحاق الزوالي وأبي بكر بن عتيق بن منزول وأبي جعفر الجيان وأبي حسن الشقوري وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي الخطاب بن واجب وأبي زكريا الإصبهاني مقيم غرناطة‏.‏
من روى عنه روى عنه أبو بكر بن خميس ابن أخته وأبو العون وأبو عبد الله ابن بكر الإلبيري‏.‏
وحدث عنه بالإجازة أبو عبد الله الأبار وأبو القاسم ابن عمران وكتب بالإجازة للعراقيين من أهل بغداد الذين استدعوها من أهل الأندلس حسبما تقدم في رسم أبي بكر بن هشام وضمنها نظمًا ونثرًا اعترف له بالإجادة فيهما‏.‏
صنف كتبًا كثيرة أجاد فيها وأفاد‏.‏
منها المشرع الروي في الزيادة على المروى‏.‏
ومنها أربعون حديثًا التزم فيها موافقة اسم شيخه اسم الصابي وما أراه سبق إلى ذلك وهو شاهد بكثرة شيوخه وسعة روايته ومنها نزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر‏.‏
ومنها الخبر المختصر في السلوى عن ذهاب البصر ألفه لأبي محمد بن أبي الأحوص الضرير الواعظ‏.‏
ومنها رسالة في ادخار الصبر وافتخار القصر والفقر ومنها الإكمال والإتمام في صلة الإعلام بمجالس الأعلام من أهل مالقة الكرام وله اسم آخر وهو مطلع الأنوار ونزهة الأبصار فيما احتوت عليه مالقة من الرؤساء والأعلام والأخيار وتقيد من المناقب والآثار‏.‏
واختر منه المنية عن إتمامه فتولى إتمامه ابن أخته أبو بكر محمد بن خميس المذكور وقد نقلت منه في هذا الكتاب‏.‏
شعره ومن شعره وقد نعيت إليه نفسه قبل أن تغرب من سماء معارفه شمسه‏:‏ ولما انقضى إحدى وخمسون حجة كأني منها بعد كرب أحلم ترقيت أعلاها لأنظر فوقها مدى الحتف مني على منه أسلم إذا هو قد أدنت إليه كأنما ترقيت في نحوة وهو سلم وأحدب تحسب في ظهره جابه في نهر عايمة مثلث الخلقة لاكنه في ظهره زواية قايمة ومن أمثال نظمه قوله وقد استدعيت منه إجازة‏:‏ أجبتك لأني لما رمته أهل ولا كن ما أجبت محتمل سهل وما العلم إلا بحر طال مدانه ومالي محم في الورود ولا نهل فكيف أراني أهل ذاك وقد أتى على المحيتان البطالة والجهل وأسأل ربي العفو عني فإنهلما يرتجيه العبد من فضل أهل مولده‏:‏ تخمينًا في نحو أربع وثمانين وخمسماية‏.‏
وفاته‏:‏ ظهر يوم الأربعاء لأبرع خلون من جمادى الآخرة عام ستة وثلاثين وستماية‏.‏
محمد بن يحيى الأشعري المالقي محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن بكر من ذرية بلج بن يحيى بن خالد بن عبد الرحمن بن يزيد بن أبي بردة‏.‏
واسمه عامر بن أبي عامر بن أبي موسى‏.‏
واسمه عبد الله بن قيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
ذكره ابن حزم في جملة من دخل الأندلس من العرب‏.‏
حاله من عائد الصلة‏.‏
كان من صدور العلماء وأعلام الفضلاء سذاجة ونزاهة ومعرفة وتفننًا‏.‏
الأشعري المالقي فسيح الدرس أصيل انظر واضح المذهب مؤثرًا للإنصاف عارفًا بالأحكام والقراءات مبرزًا في الحديث تاريخًا وإسنادًا وتعديلًا وتجريحًا حافظًا للأنساب والأسماء والكنى قايمًا على العربية مشاركًا في الأصول والفروع واللغة والعروض والفرايض والحساب مخفوض الجناح حسن التخلق عطوفًا على الطلبة محبًا في العلم والعلماء مجلًا لأهله مطرح التصنع عديم المبالاة بالملبس بادي الظاهر عزيز النفس نافذ الحكم صوالة‏.‏
معروف بنصرة من أزر إليه‏.‏
تقدم للشياخة ببلده مالقة ناظرًا في أمور العقد والحل ومصالح الكافة‏.‏
ثم ولي القضاء بها فأعز الخطة وترك الهوادة وإنفاد الحق ملازمًا للقراءة والإقراء محافظًا للأوقات حريصًا على الإفادة‏.‏
ثم ولي القضاء والخطابة بغرناطة في العشر الأول لمحرم سبعة وثلاثين وسبعماية فقام بالوظايف وصدع بالحق وجرح الشهود فزيف منهم ما ينيف على السبعين عددًا واستهدف بذلك إلى معادة ومناضلة خاض تبجهًا وصادم تيارها غير مبال بالمغبة ولا حافل بالتبعة فناله لذلك من المشقة والكيد العظيم ما نال مثله‏.‏
حتى كان يمشي إلى الصلاة ليلًا في مسلة‏.‏
لا يطمئن على حاله‏.‏
جرت في هذا الباب حكايات إلى أن استمرت الحال على ما أراده الله‏.‏
وعزم عليه الأمير في بعض من الخطة ليرده إلى العدالة فلم يجد في قناته مغمزًا ولا في عوده معجمًا وتصدر لبث العلم بالحضرة يقري فنونًا منه جمة فنفع وخرج ودرس العربية والفقه والأصول وأقرأ القرآن وعلم الفرايض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحًا وسماعًا على سبيل من انشراح الصدر وحسن التجمل‏.‏
وخفض الجناح‏.‏
وذكره القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن فقال وأما شيخنا وقريبنا مصاهرة أبو عبد الله بن أبي بكر فصاحب عزم ومضاء وحكم صادع وقضاء‏.‏
كان له رحمه الله مع كل قولة وصولة وعلى كل رابع لا يعرف ذرة فأحرق قلوب الحسدة والصب وأعز الخطة بما أزال عنها من الشوائب وذهب وفضض كواكب الحق بمعارفه ونفذ في المشكلات وثبت في المذهلات واحتج وبكت وتفقه ونكت‏.‏
قال‏:‏ وحدثنا صاحبنا أبو جعفر الشقوري قال كنت قاعدًا في مجلس حكمه فرفعت إليه امرأة رقعة مضمونها أنها محبة في مطلقها وتبتغي من يستشفع لها في رجها فتناول الرقعة ووقع في ظهرها للحين من غير مهلة‏:‏ الحمد لله من وقف على ما بالمقلوب فليصغ لسماعه إصاغة مغيث وليشفع للمرأة عند زوجها تأسيًا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبربرة في مغيث‏.‏
والله يسلم لنا العقل والدين ويسلك بنا مسالك المهتدين‏.‏
والسلام يعتمد على من وقف على هذه الأحرف من كاتبها ورحمة الله‏.‏
قال صاحبنا فقال لي بعض الأصحاب هلا كان هو الشفيع لها‏.‏
فقلت الصحيح أن الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على النصوص‏.‏
شعره ولم يسمع له شعر إلا بيتين في وصف قوس عربي النسب في شعر من لا شعر له وهما‏:‏ هام الفؤاد في بنت النبع والنشم زورًا تزري بعطف البان والصنم قوام قامتها تمام معطفها من يلق مقتلها تصميه أو تصم مشيخته قرأ على الأستاذ المتفنن الخطيب أبي محمد بن أبي السداد الباهلي القرآن العظيم جمعًا وإفرادًا وأخذ عنه العربية والفقه والحديث ولازمه وتأدب به‏.‏
وعلى الشيخ الراوية الصالح أبي عبد الله محمد بن عياش الخزرجي القرطبي قرأ عليه كثيرًا من كتب الحديث منها كتاب صحيح مسلم وسمع عليه جميعه إلا دولة واحدة‏.‏
ومن أشياخه القاضي أبو القاسم قاسم بن أحمد بن حسن بن السكوت‏.‏
والفقيه المشاور الصدر الكبير أبو عبد الله بن ربيع والخطيب القدوة الولي أبو عبد الله بن أحمد الطنجالي والشيخ القاضي أبو الحسن ابن الأستاذ العلامة أبي الحجاج بن مصامد والأستاذ خاتمة المقريين أبو جعفر بن الزبير والخطيب المحدث أبو عبد الله بن رشيد‏.‏
والخطيب الولي الصالح أبو الحسن بن فضيلة والأستاذ أبو الحسن بن اللباد المشرفي‏.‏
والشيخ الأستاذ أبو عبد الله بن الكماد السطي اللبليسي‏.‏
وأجازه من أهل سبتة شيخ الشرفا أبو علي بن أبي تلنقة تخر بم ربيع والعدل الراوية أبو فارس عبد العزيز بن الهواري وأبو إسحاق التلمساني والحاج العدل الراوية أبو عبد الله بن الحصار والأستاذ المقري ابن أبي القاسم بن عبد الرحيم القيسي والأستاذ أبو بكر ابن عبيدة والشيخ المعمر أبو عبد الله بن أبي القاسم بن عبيد الله الأنصاري‏.‏
ومن أهل إفريقية الأديب المعمر أبو عبد الله محمد بن هارون وأبو العباس أحمد ابن محمد الأشعري المالقي نزيل تونس ومحمد بن سيد الناس اليعمري وعثمان بن عبد القوي البلوى‏.‏
ومن أهل مصر النسابة شرف الدين عبد المؤمن ابن خلف الدمياطي‏.‏
والمحدث الراوية أبو المعالي أحمد بن إسحاق وجماعة غيرهم من المصريين والشاميين والحجازيين‏.‏
مولده في أواخر ذي حجة من عام أربعة وسبعين وستماية‏.‏
وفاته فقد في مصاب المسلمين يوم الناجزة بطريف شهيدًا محرضًا زعموا أن بغلة كان عليها كبت به وأفاق رابط الجأش مجتمع القوى‏.‏
وأشار عليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يكن عند قوة عليه‏.‏
وقال انصرف هذا يوم الفرج إشارة إلى قوله تعالى في الشهداء ‏"‏ فرحين بما آتاهم الله من فضله ‏"‏ وذلك ضحى يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة‏.‏
محمد بن حيون بن القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد ابن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن ناصر بن حيون بن القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه‏.‏
حسبما نقل من خطه‏:‏ أوليته معروفة كان وليته مثله‏.‏
حاله هذا الفضل جملة من جمل الكمال غريب في الوقار والحصافة وبلوغ المدى واستولى على الأمم حلمًا وأناة وبعدًا عن الريب وتمسكًا بعرى النزاهة واستمساكًا مع الاسترسال وانقباضًا مع المداخلة معتدل الطريقة حسن المداراة مالكًا أزمة الهوى شديد الشفقة كثير المواساة مغار حبل الصبر جميل العشرة كثيف ستر الحيا قوي النفس رابط الجأش رقيق الحاشية ممتع المجالسة متوقد الذهن أصيل الإدراك بارعًا بأعمال المشيخة إلى جلال المنتمى وكرم المنصب ونزاهة النفس وملاحة الشيبة وحمل راية البلاغة والإعلام في ميادين البيان رحلة الوقت في التبريز بعلوم اللسان حلية الخصل والفضل في ميدانها غريبة غريزة الحفظ‏.‏
مقنعة الشاهد‏.‏
مستبحرة النظر أصيلة التوجيه برية عن النوك والغفلة مرهفة باللغة والغريب والخبر والتاريخ والبيان‏.‏
وصناعة البديع‏.‏
وميزان العروض وعلم القافية وتقدمًا في الفقه ودرسًا له وبراعة في الأحكام وإتقان التدريس والصبر والدؤوب عليه بارع التصنيف حاضر الذهن فصيح اللسان مفخرة من مفاخر أهل بيته‏.‏
ولايته قدم على الحضرة في دولة الخامس من ملوك بني نصر كما استجمع شبابه يفهق علمًا باللسان ومعرفة بمواقع البيان وينطق بالعذب الزلال من الشعر فسهل له كنف البر ونظم في قلادة كتاب الإنشاء وهو إذ ذاك ثمينة الخزرات محكمة الرصف فشاع فضله وذاع رجله‏.‏
ثم تقدم فثقل من طور الحكم إلى أن قلد الكتابة والقضاء والخطابة بالحاضرة بعد ولاية غيرها التي أعقبها ولاية مالقة في الرابع من شهر ربيع الآخر عام سبع وثلاثين وسبعماية‏.‏
فاضطلع بالأحكام‏.‏
وطبق مفصل الفضل ماضي الصريمة حي الإجهار نافذ الأمر‏.‏
عظيم الهيبة قليل الناقد مطعم التوفيق يصدع في مواقف الخطب بكل بليغ من القول‏.‏
مما يريق ديباجته ويشف صقاله وتبرأ من خلال الخطباء جوانبه وأطرافه‏.‏
واستعمل في السفارة للعدو ناجح المسعى ميمون النقيبة‏.‏
جزيل الحياء والكرامة‏.‏
إلى أن عزل عن القضاء في شعبان من عام سبعة وأربعين وسبعة ماية‏.‏
من غير زلة تخفض ولا هنة تؤثر فتحيز إلى التحليق لتدريس العلم وتفرغ لإقراء العربية والفقه ولم ينشب أميره المنطوي على الهاجس المغري بمثله أن قدمه قاضيًا بوادي آش بنت حضرته معززة بسندها الكبير الخطة‏.‏
فانتقل إليه بجملته وكانت بينه وبين شيخنا أبي الحسن بن الجياب صداقة صادقة ومودة مستحكمة فجرت بينهما أثناء هذه النقلة‏.‏
بدايع‏.‏
منها قوله‏.‏
يوش عنه خطة القضاء التي اخترعها ويوليها خطة الملامة‏:‏ لا مرحبًا بالناشز الفارك إن جهلت رفعة مقدارك لو أنها قد أوتيت رشدها ما برحت تعشو إلى نارك أقسمت بالنور المبين الذي منه بدت مشكاة أنوارك ومظهر الحكم الحكيم الذي يتلو عليه طيب أخبارك ما لقيت منك كفوًا لها ولا أوت أكرم من دارك ثم أعيد إلى القضاء بالحضرة فوليها واستمرت حاله وولايته على متقدم سمته من الفضل والنزاهة والمراجعة فيما يأنف فيه من الخروج عن الجادة إلى أن هلك السلطان مستقضية مأمومًا به مقتديًا بسجدته يوم عيد الفطر خمسة وخمسين وسبعماية وولي الأمر ولده الأسعد فجد ولايته وأكد تجلته ورفع رتبته‏.‏
واستدعى مجالسته‏.‏
مشيخته قرأ ببلده سبتة على أبيه الشريف المطاهر نسيج وحده في القيام‏.‏
وعلى أبي عبد الله بن هاني وبه جل انتفاعه وعليه جل استفادته‏.‏
وأخذ عن الإمام شيخ المشيخة أبي إسحاق الغافقي‏.‏
وروى عن الخطيب أبي عبد الله الغماري والخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد والقاضي أبي عبد الله القرطبي والققيه الصالح أبي عبد الله بن حريث وأخذ عن الأستاذ النظار أبي القاسم بن الشاط وغيره‏.‏
محنته دارت عليه يوم مهلك السلطان المذكور رحى الوقيعة فعركته بالثقال وتخلص من شرارها هولًا لتطارح الأمير المتوثب أمام ألمرية عليه‏.‏
خاتمًا في السجدة ودرس الحماة إياه عند الدجلة من غير التفات لمحل الوطأة‏.‏
ولا افتقاد لمحل صلاة تلك الأمة فغشيه من الأرجل ورجل الربى والتف عليه مرسل طيلسانه‏.‏
سادًا مجرى النفس إلى قلبه‏.‏
فعالج الحمام وقتًا‏.‏
إلى أن نفس الله عنه فاستقل من الرداى وانتبذ من مطرح ذلك الوغى وبودر بالفصاد وقد أشفى فكانت عثرة لقيت لمًا ومتاعًا فسمح له المدى آخر من يوثق به من محل البث‏.‏
ومودعات السر من حظيات الملك أن السلطان عرض عليه قبل وفاته في عالم الحلم كونه في محراب مسجده مع قاضيه المترجم به وقد أقدم عليه كلب أصابه بثوبه ولطخ ثوبه بدمه فأهمته رؤياه وطرقت به الظنون مطارقها وهم بعزل القاضي انقيادًا لبواعث الفكر وسدًا لأبواب التوقيعات‏.‏
وقد تأذن الله بإرجاء العزم وتصديق الحلم وإمضاء الحكم جل وجهه وعزت قدرته‏.‏
فكان من الأمر ما تقرر في محله‏.‏
تصانيفه وتصانيفه بارعة منها رفع الحجب المستورة في محاسن المقصورة شرح فيها مقصورة الأديب أبي الحسن حازم بما تنقطع الأطماع فيه‏.‏
ومنها رياضة الأبي في قصيدة الخزرجي أبدع في ذلك بما يدل على الإطلاع وسداد الفهم وقيد على كتاب التسهيل لأبي عبد الله بن مالك تقييدًا جليلًا وشرحًا بديعًان قارب التمام‏.‏
وشرع في تقييد على الخبر المسمى بدرر السمط في خبر شعره وإما الشعر فله فيه القدح والمعلى والحظ الأوفى والدرجة العليا طبقة وقته ودرجة عصره‏.‏
وحجة زمانه كلامه متكافي في اللفظ والمعنى صريح الدلالة كريم الخيم متحصد الحبل خالص السبك وأنا أثبت منه جزمًا خصني به سماه جهد المقل اشتمل من حر الكلام على ما لا كفاء له‏.‏
الحمد لله تردده أخرى الليالي فهو المسئول أن يعصمنا من الزلل زلل القول‏.‏
وزلل الأعمال‏.‏
والصلاة على سيدنا محمد خاتم الإرسال‏.‏
هذه أوراق ضمنتها جملة من بنات فكري وقطعًا مما يجيش به في بعض الأحيان صدري ولو حزمت لأضربت عن كتبها كل الإضراب ولزمت في دفنها وإخفايها دين الأعراب لاكني آثرت على المحو الإثبات وتمثلت بقولهم إن خير ما أوتيته العرب الأبيات‏.‏
وإذا هي عضت علي ذلك المجد وسألها كيف نجت من الوأد فقد أوتيتها من حرمكم إلى ظل ظليل وأحللتها من بنايكم معرسًا ومقيل وأهديتها علمًا بأن كرمكم بالإغضاء عن عيوبها جد كفيل فاغتنم قلة التهدية مني إن جهد المقل غير قليل فحسبها شرفًا أن تبوأت في جنابك كنفًا وكفاها مجدًا وفخرًا‏.‏
أن عقدت بينها وبين فكرك عقدًا مولده بسبتة في السادس لشهر ربيع الأول من عام سبعة وتسعين وستماية‏.‏
وفاته توفي قاضيًا بغرناطة في أوايل شعبان من عام ستين وسبعماية محمد بن عبد الملك الفشتالي محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي قاضي الجماعة ببيضة الإسلام فاس يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله هذا الرجل له أبوة صالحة وأصالة زاكية قديم الطلب ظاهر التخصص مفرط في الوقار نابه البزة والركبة كثير التهمة يوهم به الفار وصدر الصبور في الوثيقة والأدب فاضل النفس ممحوض النصح جميل العشرة لإخونه مجرى الصداقة نصحًا ومشاركة وتنفيقًا على سجية الأشراف وسنن الحسباء مديد الباع في فن الأدب شاعر مجيد كاتب بليغ عارف بالتحسين والتقبيح من أدركه أدرك علمًا من أعلام المشيخة‏.‏
قدمه السلطان الكبير العالم أبو عنان فارس قاضيًا بحضرته واختصه واشتمل عليه فاتصل بعده سعده وعرف حقه‏.‏
وتردد إلى الأندلس في سبيل الرسالة عنه فذاع فضله وعلم قدره ولما كان الإزعاج من الأندلس نحو النبوة التي أصابت الدولة بلوت من فضله ونصحه وتأنيسه ما أكد الغبطة وأوجب الثناء


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:14 AM

وخاطبته بما نصه‏:‏ علم إذا التمسوا الفنون بعلمه مرعى المشيح ونجعة المكتال نال الذي لا فوقها من رفعة ما أملتها حيلة المحتال وقضى قياس تراثه عن جده إن المقدم فيه عين التالي قاضي الجماعة بماذا أثنى على خلالك المرتضاة أبقديمك الموجب لتقديمك أم بحديثك الداعي لتكحل حديثك وكلاهما غاية بعد مرماها وتحامى المنصور حماها والضالع لا يسام سبقًا والمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقة‏.‏
وما الظن بأصالة تعترف بها الآثار وتشهد وأبوة صالحة كانت في غير ذات الحق تزهد وفي نيل الاتصال به تجهد ومعارف تقرر قواعد الحق وتمهد وتهزم الشبه إذا تشهد‏.‏
وقد علم الله أن جوارك لم يبق للدهر على جوار ولاحت من غصني ورقًا ولا نوارا‏.‏
هذا وقد زأر على أسد وحمل ثورًا‏.‏
فقد أصبحت في ظل الدولة التي وقف على سيدي اختيارها وأظهر خلوص إبريزه معياها تحت كنف وعز مؤتنف وجوار أبي جلف وعلى ثقة من الله بحسن خلف‏.‏
وما منع من انتساب ما لديه من الفضائل إلا رحلة لم يبرك بعد حملها ولا قر عملها وأوحال حال بيني وبين مسور البلد القديم مهلها‏.‏
ولولا ذلك لاغتبطت الزايد واقتنيت الفوايد والله يطيل بقاه حتى تتأكد القربة التي تنسى بها الغربة وتعظم الوسيلة التي لا تذر معها الفضيلة وأما ما أشار به من تقييد القصيدة التي نفق سوقها استحسانه وأنس باستظرافها إحسانه فقد أعمل وما أمهل والقصور باد إذا تأمل والإغضاء أولى ما أمل فإنما هي فكرة قد أخمدت نارها الأيام وغيرت آثارها الليام‏.‏
وقد كان الحق إجلال مطالعة سيدي من خللها وتنزيه رجله عن تقبيل مرتجلها‏.‏
لا كن أمره ممتثل وأتى من المجد أمرًا لا مرد له مثل‏.‏
والسلام على سيدي من معظم قدره وملتزم بره ابن الخطيب ورحمة الله‏.‏
فكتب إلي مراجعًا وهو الملئ بالإحسان‏:‏ وافت يجر الزهو فضلة بردها حسناء قد أضحت نسيجة وحدها له أي قصيدة أهديت لو يهتدي المعارض نحو غاية قصدها لابن الخطيب بها محاسن جمة قارعت عنه الخطوب ففلت من حدها سر البلاغة عنه أودع حافظًا قد صانه حتى فشى من عندها في غير عقد نفثته بسحرها فلذا أتى سلسًا منظم عقدها لم أدر ما فيها وقمت معاونًا من طرسها أو معلمًا من بردها حتى دفعت بها لأبعد غاية باعًا تقصر في البلوغ بحدها حدان من نظم ونثر إن من يلقاهما منها بذلة عبدها ورفضت تكذيب المنى متشيعًا لعلي مرآها يصادق وعدها فبذلت شعري رافعًا من برها وهززت عطفي رافلًا من بردها خذها أعز الله جنابك وأدال للأنس على الوحشة اغترابك كغبة الطائر المتجعد ونهبة الثاير المستوفز ومقة اللحظ قليلة اللفظ قد جمعت من سوامها وانفحامها بين نظم قيد وصلود زند وتوعت فعلى إقدامها وانحجامها إلى قاصر ومعتد وليتني إذا جادت سحابة ذلك الخاطر الماطر الودق وإنجاب العاني عن مزنة فكرتي بتقاضي الجواب انجياب الطوق وأيقنت أني قد سد علي باب القول وأرتحج وقلت هذه السالفة الكلية فصدت لها الداعة من تكلم الإمرة ولم أفه إذ أعوزت المرة بالحلوة لاكني قلت وجد المكثر كجهد المقل والواجب قد يقل الامتثال فيه بالأقل‏.‏
فبعثت بها على علاتها وأبلغتها عذرها‏.‏
في أن كتبت عن شوقها بلغاتها وهي لا تعدم من سيدي في إغضاء كريم وإرضاء سليم‏.‏
والله عز وجل يصل بالتأنيس الحبل ويجمع الشمل‏.‏
والسلام الكريم يخص تلك السيادة ورحمة الله وبركاته‏.‏
من محمد بن أحمد الفشتالي‏.‏
وهو الآن قاض بفاس المذكورة محمود السيرة أبقاه وأمتع به‏.‏
محمد بن محمد بن داود القرشي محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن ابن أبي بكر بن علي بن داود القرشي المقرى يكنى أبا عبد الله قاضي الجماعة يقاس وتلمسان‏.‏
أوليته نقلت من خطه‏.‏
قال وكان الذي اتخذها من سلفنا قرارًا بعد أ كانت لمن قبله مرارًا عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي المقرى صاحب أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم من قبول وتبين‏.‏
وهو أبي الخامس فأنا محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحية بن عبد الرحمن وكان هذا الشيخ عروي الصلاة حتى أنه ربما امتحن بغير شيء فلم يؤنس منه التفات ولا استشعر منه شعور‏.‏
ويقال إن هذا الحضور مما أدركه من مقامات شيخه أبي مدين‏.‏
ثم اشتهرت ذريته على ما ذكر من طبقاتهم بالتجارة فمهدوا طريق الصحراء بحفر الآبار وتأمين التجار‏.‏
واتخذوا طبل الرحيل وراية التقدم عند المسير‏.‏
وكان ولد يحيى الذي كان أحدهم أبو بكر خمسة رجال‏.‏
فعقدوا الشركة بينهم فيما ملكوه وفيما يملكونه على السواء بينهم والاعتدال وكان أبو بكر ومحمد وهما أرومتا نسبي من جميع جهات الأم والأب بتلمسان وعبد الرحمن وهو شقيقهما الأكبر بسجلماسة وعبد الواحد وعلي‏.‏
وهما شقيقاهم الصغيران بأي والاتن فاتخذوا هذه الأقطار والحوايط والديار فتزوجوا النساء‏.‏
واستولدوا الإماء‏.‏
وكان التملساني يبعث إلى الصحراوي بما يرسم له من السلع‏.‏
ويبعث إليه الصحراوي بالجلد والعاج والجوز والتبر والسجلماسي كلسان الميزان يعرفهما بقدر الرجحان والخسران ويكاتبهما بأحوال التجار وأخبار البلدان حتى اتسعت أموالهم وارتفعت في الفخامة أحوالهم ولما افتتح التكرور كورة أي والاتن وأعمالها أصيبت أموالهم فيما أصيب من أموالها بعد أن جمع من كان بها منهم إلى نفسه الرجال ونصب دون ماله القتال ثم اتصل بملكهم فأكرم مثواه ومكنه من التجارة بجميع بلاده وخاطبه بالصديق الأحب والخلاصة الأقرب ثم صار يكاتب من بتلمسان يستقضي منهم مآربه فيخاطبه بمثل تلك المخاطبة وعندي من كتبه وكتب الملوك بالمغرب ما ينبئ عن ذلك‏.‏
فلما استوثقوا من الملوك تذللت لهم الأرض للسلوك فخرجت أموالهم عن الحد وكادت تفوق الحصر والعد لأن بلاد الصحراء قبل أن يدخلها أهل مصر كانت تجلب لها من المغرب ما لا بال له من السلع فيعاوض عنه بما له بال من الثمن‏.‏
ثم قال أبو مدين‏:‏ الدينا ضم جنب أبي حمو وشمل ثوبهاه‏.‏
كان يقول لو لا الشناعة لم أزل في بلادي تاجرًا من غير تجار الصحراء الذين يذهبون بخبيث السلع ويأتون بالتبر الذي كل أمر الدنيا له تبع ومن سواهم يحمل منها الذهب ويأتي إليها بما يضمحل عن قريب ويذهب إلى ما يغير من العوايد ويجر السفهاء إلى الفساد‏.‏
ولما هلك هؤلاء الأشياخ جعل أبناؤهم ينفقون مما تركوا لهم ولم يقوموا بأمر التثمير قيامهم وصادفوا توالي الفتن ولم يسلموا من جور السلطان فلم تزل حالهم في نقصان إلى هذا الزمان فها أنا ذا لم أدرك في ذلك إلا أثر نعمة اتخذنا فصوله عيشًا وأصوله حرمة‏.‏
ومن جملة ذلك خزانة كبيرة من الكتب وأسباب كثيرة تعين على الطلب فتفرغت بحول الله عز وجل للقراءة فاستوعبت أهل البلد لقاء وأخذت عن بعضهم عرضًا وإلقاء سواء المقيم القاطن والوارد والظاعن‏.‏
حاله هذا الرجل مشار إليه بالعدوة المغربية اجتهادًا ودؤوبًا وحفظًا وعناية واطلاعًا ونقلًا ونزاهة سليم الصدر قريب الغور صادق القول مسلوب التصنع كثير الهشة مفرط الخفة ظاهر السذاجة ذاهب أقصى مذاهب التخلق محافظ على العمل مثابر على الانقطاع حريص على العبادة مضايق في العقد والتوجه يكابد من تحصيل النية بالوجه واليدين مشقة ثم يغافض الوقت فيها ويوقعها دفعة متبعًا إياها زعقة التكبير برجفة ينبو عنها سمع من لم يكن تأنس بها عادة بما هو دليلي على حسن المعاملة وإرسال السجية قديم النعمة متصل الخيرية مكب على النظر والدرس والقراءة معلوم الصيانة والعدالة منصف في المذاكرة حاسر الذراع عند المباحثة راحب عن الصدر في وطيس المناقشة غير مختار للقرن ولا ضان بالفايدة كثر الالتفاف متقلب الحدقة جبير بالحجة بعيد عن المراء والمباهتة قايل بفضل من الطلبة يقوم أتم القيام على العربية والفقه والتفسير ويحفظ الحديث ويتهجر بحفظ الأخبار والتاريخ والآداب ويشارك مشاركة فاضة في الأصلين والجدل والمنطق ويكتب ويشعر مصيبًا في ذلك غرض الإجادة ويتكلم في طريقة الصوفية كلام أرباب المقال ويعتني بالتدوين فيها‏.‏
شرق وحج ولقي جلة واضطبن رحلة مفيدة ثم آب إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خجمة العلم‏.‏
فلما ولي ملك الغرب السلطان محالف الصنع ونشيدة الملك وأثير الله من بين القرابة والإخوة أمير المسلمين أبو عنان فارس اجتذبه وخلطه بنفسه واشتمل عليه وولاه قضاء الجماعة بمدينة فاس فاستقل بذلك أعظم الاستقلال وأنفذ الحكم وألان الكلمة وآثر التسديد وحمل الكل وخفض الجناح فحسنت عنه القالة وأحبته الخاصة والعامة‏.‏
حضرت بعض مجالسه للحكم فرأيت من دخوله غرناطة ثم لما أخر عن القضاء استعمل بعد لأي في الرسالة فوصل الأندلس أوايل جمادى الثانية من عام ست وخمسين وسبعمائة‏.‏
فلما قضى عرض الرسالة وأبرم عقد وجهته واحتل مالقة في متصرفه بدا له في نبذ الكلفة واضطراح وظيفة الخدمة وحل التقيد إلى ملازمة الإمرة فتقاعد وشهر غرضه وبت في الانتقال وطمع من كان صحبته وأقبل على شأنه فخلى بينه وبين همه‏.‏
وترك وما انتحله من الانقطاع إلى ربه‏.‏
وطار الخبر إلى مرسله فأنف من تخصيص إيالته بالهجرة والعدول عنها بقصد التخلي والعبادة وأنكر ما نحله غاية الإنكار من إبطال عمل الرسالة والانقباض قبل الخروج عن العهدة فوغر صدره على صاحب الأمر ولم يبعد حمله على الظنة والمواطأة على النفرة وتجهزت جملة من الخدام المجلين في مآزق الشبهة المضطلعين بإقامة الحجة مولين خطة الملام مخيرين بين سحايب عاد من الإسلام مظنة إغلاق النعمة وإيقاع المثلة والإساءة بسبب القطيعة والمنابذة‏.‏
وقد كان المترجم به لحق بغرناطة فتذمم بمسجدها وجار بالإنقطاع إلى الله وتوعد من يجيره بنكير من يجير ولا يجار عليه سبحانه فأهم أمره وشغلت القلوب آيدته وأمسك الرسل بخلال ما صدرت شفاعة اقتضت له رفع ولما تحصل ما تيسر من ذلك انصرف محفوفًا بعالمي القطر قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني المترجم به قبله والشيخ الخطيب أبي البركات بن الحاج مستهلين لوروده مشافهين للشفاعة في غرضه فأقشعت الغمة وتنفست الكربة‏.‏
وجرى أثناء هذا من المراسلة والمراجعة ما تضمنه الكتاب المسمى بكناسة الدكان بعد انتقال السكان المجموع بسلا ما صورته‏:‏ المقام الذي يحب الشفاعة ويرعى الوسيلة وينجز العدة ويتمم الفضيلة ويضفي مجده المنن الجزيلة ويعيى حمده الممادح العريضة الطويلة‏.‏
مقام محل والدنا الذي كرم مجده ووضح سعده وصح في الله تعالى عقده وخلص في الأعمال الصالحة قصده وأعجز الألسنة حمده السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله سبحانه لوسيلة يرعاها وشفاعة يكرم مسعاها وأخلاق جميلة تجيب دعوة الطبع الكريم إذا دعاها معظم سلطانه الكبير وممجد مقامه الشهير المتشيع لأبوته الرفيعة قولًا باللسان واعتقادًا بالضمير المعتمد منه بعد الله على الملجأ الأحمى والولي النصير فلان‏.‏
سلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الأعلى وأبوتكم الفضلى ورحمة الله وبركاته‏.‏
أما بعد حمد الله الذي جعل الخلق الحميدة دليلًا على عنايته بمن حلاه حلاها وميز بها النفوس النفيسة التي اختصها بكرامته وتولاها حمدًا يكون كفوًا للنعم التي أولاها وأعادها ووالاها والصلاة والسلامة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله المترقي من درجات الاختصاص أرفعها وأعلاها الممتاز من أنوار الهداية بأوضحها وأجلاها مطلع آيات السعادة يروق مجتلاها‏.‏
والرضا عن آله وصحبه الذين خبر صدق ضمائرهم لما ابتلاها وعسل ذكرهم في الأفواه فيما أعذب أوصافهم على الألسن وأحلاها‏.‏
والدعاء لمقام أبوتكم حرس الله تعالى علاها بالسعادة التي يقول الفتح أنا طلاع الثنايا وابن جلاها والصنائع التي تخترق المفاوز بركائبها المبشرات فتفلى فلاها‏.‏
فإنا كتبنا إليكم كتب الله تعالى لكم عزة مشيدة البناء وحشد على أعلام صنائعكم الكرام جيوش الثناء وقلدكم قلائد مكارم الأخلاق ما يشهد لذاتكم منه بسابقة الاعتناء‏.‏
من حمراء غرناطة حرسها الله والود باهر السناء مجد على الأناء والتشيع رحب الدسيعة والفناء‏.‏
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم وحرس مجدكم فإننا خاطبنا مقامكم الكريم في شأن الشيخ الفقيه الحافظ الصالح أبي عبد الله المقرى خار الله تعالى لنا وله وبلغ الجميع من فضله العميم أمله جوابًا عما صدر من مثابتكم فيه من الإشارة المتمثلة والمآرب المعملة والقضايا غير المهملة نصادركمن بالشفاعة التي مثلها بأبوابكم لا يرد وظمآها عن منهل قبولكم لا تجلى ولا تصد حسبما سنة الأب الكريم والجد والقبيل الذي وضح منه في المكارم الرسم والحد‏.‏
ولم نصدر الخطاب حتى ظهر لنا من أحواله صدق المخيلة وتبلج صيح الزهاد والفضيلة وجود النفس الشحيحة بالعرض الأدنى البخيلة وظهر تخليه عن هذه الدار واختلاطه باللفيف والغمار وإقباله على ما يعني مثله من صلة الأوراد ومداومة الاستغفار وكنا لما تعرفنا إقامته بمالقة لهذا الغرض الذي شهره والفضل الذي أبرزه للعيان وأظهره أمرنا أن يعتنى بأحواله ويعان على فراغ باله ويجري عليه سيب من ديوان الأعشار الشرعية وصريح ماله وقلنا أما أتاك من غير مسألة مستند صحيح لاستدلاله ففر من مالقة على ما تعرفنا لهذا السبب وقعد بحضرتنا مستور المنتمى والمنتسب وسكن بالمدرسة بعض الأماكن المعدة لكني المتسمين بالخبر والمحترفين ببضاعة الطلب بحيث لم يتعرف وروده ووصوله إلا ممن لا يؤبه بتعريفه ولم تتحقق زوائده وأصوله لقلة تصريفه‏.‏
ثم تلاحق إرسالكم الجلة فوجبت حينئذ الشفاعة وعرضت على سوق الحلم والفضل من الاستلطاف والاستعطاف البضاعة وقررنا ما تحققناه من أمره وانقباضه عن زيد الخلق وعمره واستقباله الوجهة التي من ولي وجهه شطرها فقد آثر أثيرًا ومن ابتاعها بمتاع الدنيا فقد نال فضلًا كبيرًا وخيرًا كثيرًا وسألنا منكم أن تبيحوه ذلك الغرض الذي رماه بعزمه وقصر عليه أقصى همه‏.‏
فما أخلق مقامكم أن يفوز منه طالب الدنيا فقد نال فضلًا كبيرًا وخيرًا كثيرًا وسألنا منكم أن تبيحوه ذلك الغرض الذي رماه بعزمه وقصر عليه أقصى همه‏.‏
فما أخلق مقامكم أن يفوز منه طالب الدنيا بسهمه ويحصل منه طالب الآخرة على حظه الباقي وقسمه ويتوسل الزاهد بزهده والعالم بعلمه ويعول البريء على فضله ويثق المذنب بحلمه فوصل الجواب الكريم بمجرد الأمان وهو أرب من آراب وفائدة من جراب ووجه من وجوه إعراب فرأينا أن المطل بعد جفاء والإعادة ليس يثقلها خفاء ولمجدكم يما ضمنا عنه وفاء وبادرنا الآن إلى العزم عليه في ارتحاله وأن يكون الانتقال عن رضًا منه من صفة حاله وأن يقتضي له ثمرة المقصد ويبلغ طية الإسعاف في الطريق إن قصد إذ كان الأمان لمثله ممن تعلق بجناب الله‏.‏
من مثلكم حاصلًا والدين المتين بين نفسه وبين المخافة فاصلًا وطالبنا كيمياء السعادة بإعانتكم واصلًا‏.‏
ولما مدت اليد في تسويغ حالة هذيكم عليها أبدًا يحرض وعلمكم يصرح بمزيتها ولا يعرض فكملوا أبقاكم الله ما لم تسعنا فيه مشاحة الكتاب وألحقوا بالأصل حديث هذه الإباحة فهو أصح حديث في الباب ووفوا غرضنا من مجدكم وخلوا بينه وبين مراده من ترك الأسباب وقصد غافر الذنب وقابل التوب بإخلاص المتاب والتشمير ليوم العرض وموقف الحساب وأظهروا عليه عناية الجناب والذي تعلق به أعلق الله به يدكم من جناب ومعاذ الله أن تعود شفاعتنا من لدنكم غير مكملة الآراب‏.‏
وقد بعثنا من ينوب عنا في مشافهتكم بها أحمد المناب ويقتضى خلاصها بالرغبة لا بالغلاب وهما فلان وفلان ولولا الأعذار لكان في هذا الغرض إعمال الراب بسبق إعلام الكتاب وأنتم تولون هذا القصد من مكارمكم ما يوفر الثناء الجميل ويربي على التأميل ويكتب على الود الصريح العقد وثيقة التسجيل‏.‏
وهو سبحانه يبقيكم لتأييد المجد الأثيل وإنالة الرفد الجزيل والسلام الكريم يخص مقامكم الأعلى ومثابتكم الفضلى ورحمة الله تعالى وبركاته‏.‏
في الحادي والعشرين لجمادة الآخرة من عام سبعة وخمسين وسبعمائة والله ينفع بقصده وييسر علينا الرجعة إلى وجهه وفضله‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:16 AM

مشيخته قال‏:‏ فممن أخذت عنه واستفدت منه علماها يعنى تلمسان الشامخان وعالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى إبنا محمد بن عبد الله بن الإمام وحافظها ومدرسها ومفتيها أبو موسى عمران بن موسى بن يوسف المشذالي صهر شيخ المتأخرين أبي علي ناصر الدين على إبنته ومشكاة الأنوار التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن حكيم الكناني السلوى رحمه الله‏.‏
ومهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد النور والشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن البروني وأبو عمران موسى بومن المصمودي الشهير بالبخاري‏.‏
قال سمعت البروني يقول‏:‏ كان الشيخ أبو عمران يدرس البخاري ورفيق له يدرس صحيح مسلم وكانا يعرفان بالبخاري ومسلم فشهدا عند قاضي فطلب المشهود عليه بالإذار فيهما فقال له أبو عمران أتمكنه من الإعذار في الصحيحين البخارس ومسلم فضحك القاضي وأصلح بين الخصمين‏.‏
ثم قال ومن شيوخي الصلحاء الذين لقيت بها خطيبها الشيخ أبو عثمان سعيد بن إبراهيم بن علي الخباط أدرك أبا إسحاق الطيار‏.‏
ومنهم أبو عبد الله بن محمد الكرموني وكان بصيرًا بتفسير الرؤيا فمن عجايب شأنه أنه كان في سجن أبي يعقوب يوسف ابن عيد الحق مع من كان فيه من أهل تلمسان أيام محاصرته لها فرأى أبا جمعة على التلالسي الجرايحي منهم كأنه قايم على ساقيه دايرة وجميع أقداحها وأقواسها نصب في نقير في وسطها فجاء ليشرب فاغترف الماء فإذا فيه فرث ودم فأرسله واغترف فإذا هو كذلك ثلاثًا أو أكثر ثم عدل إلى خاصة ماء فجاءها وشرب منها‏.‏
ثم استيقظ وهو النهار فأخبره فقال إن صدقت الرؤيا فنحن عن قليل خارجون من هذا السجن‏.‏
قال كيف قال الساقية الزمان والنقير السلطان وأنت جرايحي تدخل يدك في جوفه فينالها الغرث والدم وهذا ما لا يحتاج معه إلى دليل فأخرج فوجد السلطان مطعونًا بخنجر فأدخل يده في جوفه فناله الفرث والدم فخاط جراحته وخرج فرأى خاصة ماء فغسل يده وشرب‏.‏
ولم يلبث السلطان أن توفي وسرحوا من كان في سجنه ومن أشياخه الإمام نسيج وحده أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن أحمد الآبلى التلمساني وهو رحلة الوقت في القيام على الفنون العقلية وإدراكه وصحة نظره‏.‏
حدث قال‏:‏ قدم على مدينة فاس شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي عرف بن المسفر‏.‏
رسولا من صاحب بجاية‏.‏
وزاره الطلبة فكان مما حدثهم أنهم كانوا على زمان ناصر الدين يستشكلون كلامًا وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتب فخر الدين واستشكله الشيخ معهم‏.‏
وهذا نصه‏:‏ ثبت في بعض العلوم العقلية أن المركب مثل البسيط في الجنس والبسيط مثل المركب في الفصل وأن الجنس أقوى من الفصل‏.‏
فأخبروا بذلك الشيخ الآبلي لما رجعوا إليه فتأمله ثم قال هذا كلام مصحف وأصله أن المركب قبل البسيط في الحس و البسيط قبل المركب في العقل وإن الحس أقوى من العقل فأخبروا ابن المسفر فلج‏:‏ فقال لهم الشيخ التمسوا النسخ فوجدوا في لفظ بعضها كما قال الشيخ‏.‏
رحلته رحل إلى بجاية مشرقًا فلقي بها جلة منهم الفقيه أبن عبد الله محمد بن يحيى الباهلي ابن المسفر‏.‏
ومنهم قاضيها أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي يوسف يعقوب الزواوي فقيه ابن فقيه‏.‏
ومنهم أبو علي حسن بن حسن إمام المعقولات بعد ناصر الدين‏.‏
وبتونس قاضي الجماعة وفقيهها أبو عبد الله بن عبد السلام وحضر دروسه وقاضى المناكح أبو محمد بن محمد بن عبد الرحمن التوزري المعروف بخليل وإمام المقام أبا العباس رضي الدين الشافعي وغير واحد من الزايرين والمجاورين وأهل البلد‏.‏
ثم دخل الشام فلقي بدمشق شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب ابن تيمية وصدر الدين الغماري المالكي وأبا القاسم بن محمد اليماني الشافعي وغيرهم‏.‏
وببيت القدس أبا عبدالله بن مثبت والقاضي شمس الدين ابن سالم والفقيه أبا عبد الله بن عثمان وغيرهم‏.‏
تصانيفه ألف كتابًا يشتمل على أزيد من مائة مسألة فقهية ضمنها كل أصيل من الرأي والمباحثة‏.‏
ودون في التصوف إقامة المريد ورحلة المتبتل وكتاب الحقايق والرقايق وغير ذلك‏.‏
شعره نقلت من ذلك قوله‏.‏
هذه لمحة العارض لتكملة ألفية ابن الفارض سلب الدهر من فرايدها فلا رجم من نقيب المعاول آمن ولا هدم إلاك شيد بقوة فمم تقول الاسفطسات منك أو علام مزاج ركبت أو طبيعة فإن قام لم يثبت له منك قاعد وإلا فأنت الدهر صاحب قعدة فما أنت يا هذا الهوى ماء أو هوا أم النار أم دساس عرق الأمومة وإني على صبري كما أنت واصف وحالي أٌوى القائمين بحجة أقل الضنى إن عج من جسمي الضنى وما شاكله معشار بعض شكيتي وأيسر شقي أنني ما ذكرتها ولم أنسها إلا احترقت بلوعة وأخفى الجوى قرع الصواعق منك في جواي وأخفى الوجد صبر المودة وأسهل ما ألقى من العذل أنني أحب أفلى ذكرها وفضيحتي وأوج حظوظي اليوم منها حضيضها بالأمس وسل حر الجفون الغزيرة وأوجز أمري إن دهري كله كما شاءت الحسناء يوم الهزيمة أروح وما يلقى التأسف راحتي وأغدو وما يعدو التفج خطتي ولا عتب فالأيام ليس لها رضًا وإن ترض منها الصبر فهو بغيتي ألا أيها اللوام عني قوضوا ركاب ملامي فهو أول محنتي ولا تعذلوني في البكاء ولا البكى وخلو سبيلي ما استطعتم ولوعتي فما سلسلت بالدمع عيني إن جنت ولكن رأت ذاك الجمال فجنت تجلى وأرجاء الرجاء حولك ورشدي غاو والعمايات عمت فلم يستبن حتى كأني كاشف وراجعت أبصاري له وبصيرتي ومن فصل الاتصال وكم موقف لي في الهوى خضت دونه عباب الردى بين الظبا والأسنة فجاوزت في حدي مجاهدتي له مشاهدتي لما سمت بي همتي وحل جمالي في الجلال فلا أرى سوى صورة التنزيه في كل صورة وغبت عن الأغيار في تيه حالتي فل أنتبه حتى امتحي اسمي وكنيتي وكاتبت ناسوتي بأمارة الهوى وعدت إلى اللاهوت بالطمئنة وكم جلت في سم الخياط وضاق بي لبسطى وقبضي بسطوجه البسيطة وما اخترت إلا دن بقراط زاهدا وفي ملكوت النفس أكبر عبرة وفقري مع الصبر اصطفيت على الغنى مع الشكر إذ لم يحظ فيه مثوبتي وأكتم جبي ما كنى عنه أهله وأكنى إذا هم صرحوا بالخيبة وإني في جنسي ومنه لواحد كنوع ففصل النوع علة حصتي تسببت في دعوى التوكل ذاهبًاإلى أن أجدى حيلتي ترك حيلتي وآخر حرف صار مني أولا مريدًا وحرف في مقام العبودة تعرفت يوم الوقف منزل قومها فبت بجمع سدد خرق التشتت فأصبحت أقضي النفس منها منى الهوى وأقضي على قلبي برعي الرعية فبايعتها بالنفس دارًا سكنتها وبالقلب منه منزلًا فيه حلت فخلص الاستحقاق نفسي من الهوى وأوجب الاسترقاق تسليم شفعة فيا نفس لا ترجع تقطع بيننا ويا قلب لا تجزع ظفرت بوحدة ملامي أبن عذري استبن وجدي استعن سماعي أعن حالي أبن قائلي أصمت فمن شاهدي سخط ومن قاتلي رضا وتلوين أحوالي وتمكين رتبتي مرامي إشارات مراعي تعكر مراقي نهايات مراسي تثبت وفي موقفي والدار أوقوت رسومها تقرب أشواقي تبعد حسرتي معاني إمارات مغاني تذكر مباني بدايات مثاني تلفت وبث غرام والحبيب بحضرة ورد سلام والرقيب بغفلة ومطلع بدر في قضيب على نقا فويق محل عاطل دون دجية ومكمن من سحر بابلي له بما حوت أضلعي فعل القنا السمهرية ومنبت مسك من شقيق ابن منذر على سوسن غض بجنة وجنة ووصف اللآلى في اليواقيت كلما تعل بصرف الراح في كل سحرة سل السلسبيل العذب عن طعم ريقه ونكهته يخبرك عن علم خبرة ورمان كافور عليه طوابع من الند لم تحمل به بنت مزنة وكل فصيح منك يسري لمسمعي وكل مليح منك يبدو لمقلتي تهون على النفس فيك وإنها لتكرم أن تغش سواك بنظرة فإن تنظريني بالرضا تشف علتي وإن تظفريني باللقا تطف غلتي وإن تذكريني والحياة بقيدها عدلت لأمتي منيتي بمنيتي وإن تذكريني بعد ما أسكن الثرى تجلت دجاه عند ذاك وولت صليني وإلا جددى الوعد تدركي صبابة نفس أيقنت بتفلت فما أم بوها لك بتنوفة أقيم لها خلف الحلاب قدرت فلما رأته لا ينازع خلفها إذا هي لم ترسل عليه وضنت بكت كلما راحت عليه وأنها إذا ذكرته آخر الليل حنت بأكثر مني لوعة غير أنني رأيت وقار الصبر أحسن حلية فرحت كما أغدو إذا ما ذكرتها أطامن أحشائي على ما أجنت أهون ما ألقاه إلا من القلى هوى ونوى نيل الرضا منك بغيتي فغنت غناء أعجميًا فهيجت غرامي من ذكري عهود تولت فأرسلت الأجفان سحبًا وأوقدت جواي الذي كانت ضلوعي أكنت نظرت بصحراء البريقين نظرة وصلت بها قلبي قصل وصلت فيا لهما قلبًا شجيًا ونظرة حجاكية لوجن طرف لجنت ووا عجبًا للقلب كيف اعترافه وكيف بدت أسراره خلف سترة وللعين لما سوئلت كيف أخبرت وللنفس لما وطنت كيف دلت وكنا سلكنا في صعود من الهوى يسامى بأعلام العلا كل رتبة إلى مستوى ما فوقه مستوى فلما توافينا ثبث وزلت وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا على نحر قربان لدي قبر شيبة مؤكدة بالنذر أيام عهده فلما تواثقنا اشتددت وحلت ومن فصل الاحتفال أزور اعتمارًا أرضها بتنسك وأقصد حجا بها بتحلة بعثت إلى قلبي بشيرًا بما رأت على قدم عيناي من فكفت فلم يعد أن شام البشارة شام ما جفا الشام من نور الصفات الكريمة فيا لك من نور لو أن التفاتة تعارض منه بالنفوس النفيسة تحدث أنفاس الصبا أن طيبها بما حملته من حراقة حرقة وتنبئ آثال الربيع عن الربا وأشجاره إن قد تجلت فجلت وتخبر أصوات البلابل أنها تغنت بترجيعي على كل أيكة فهذا جمالي منك في بعد حسرتي فكيف به إن قربتني بخلة تبدي وما زال الحجاب ولادنا وغاب ولم يفقده شاهد حضرتي له كل غير في تجلية مظهر ولا غير إلا ما محت كف غيرة تجلى دليل واحتجاب تنزه وإثبات عرفان ومحو تثبت فما شئت من شيء وآليت أنه هو شيء لم تحمد فجار أليتي وفي كل خلق منه كل عجيبة وفي كل خلق منه كل لطيفة وفي نفثات السحر في العقد التي تطوزع لها كل الطباع الأبية صور شكلًا مثل شكل ويعتلى عليه بأوهام النفوس الخبيثة وفي كل تصحيف وعضو بذاته اختلاج وفي التقويم مجلى لرؤية وفي خضرة الكمون تزجة شرابه مواعيد عرقوب على أثر صفرة وفي شجر قد خوفت قطع أصلها فيان بها حمل لأقرب مدة وفي النخل في تلقيحة واعتبر بما أتى فيه عن خير البرية واسكت وفي الطابع السبتي في الأحرف التي يبين منها النظم كل خفية وفي صنعة الطلسم والكيمياء والكنوز وتغوير المياه المعينة وفي حرز أقسام المؤدب محرز وحزب أصيل الشاذلي وبكرة وفي سيمياء الحاتمي ومذهب ابن سبعين إذ يعزى إلى شر بدعة وفي المثل الأولى وفي النحل الألى بها أوهموا لم اتساموا بسنة وفي كل ما في الكون من عجب وما حوى الكون إلا ناطقًا بعجيبة فلا بد من رمز الكنوز لذي الحجا ولا ظلم إلا ظلم صاحب حكمة ولولا سلام ساق للأمن خيفتي لعاجل مس البرد خوفي لميتيي ولو لم تؤانسني عنا قبل لم ولم قضى العتب مني بغية بعد وحشتي ونعم أقامت أمر ملكي بشكرها كما هونت بالصبر كل بلية ومن فصل الاعتقال سرت بفؤادي إذ سرت فيه نظرتي وسارت ولم تثن العنان بعطفة وذلك لما أطلع الشمس في الدجى محيًا إبنة الحيين في خير ليلة يمانية لو أنجدت حين أنجدت لا أبصرت عيناك حيًا كميت لأصحمة في نصحها قدم نبي لكل نجاشي بها حصن ذمة ألمت فحطت رحلها ثم لم يكن سوى وقفة التوديع حتى استقلت فلو سمحت لي بالتفات وحل من مهاوي الهوى والهون جد تفلتي ولكنها همت بنا فتذكرت قضاء قضاة الحسن قدما فصدت وجسمي ونفسي والحشا وغرامه وعقلي وروحانيتي القدسية وفي كل لفظ عنه ميل لمسمعي وفي كل معني منه معنى للوعتي ودهري به عيد ليوم عروبة وأمري أمرى والورى تحت قبضتي ووقتي شهود في فناء شهدته ولات وقت لي إلا مشاهد غيبة أراه معي حسًا ووهمًا وأنه مناط الثريا من مدارك رؤيتي وأسمعه من غير نطق كأنه مناط الثريا من مدارك رؤيتي وأسمعه من غير نطق كأنه يلقن سمعي ما توسوس مهجتي ملأت بأنوار المحبة باطني كأنك نور في سرار سريرتي وجليت بالإجلال أرجاء ظاهري كأنك في أفقي كواكب زينة فأنت الذي أخفيه عنج تستري وأنت الذي أبديه في حين شهرتي فته أحتمل واقطع أصل وأعل استفل ومر أمتثل وأملل أمل وارم أثبت فقلبي إن عاتبته فيك لم أجد لعتبي فيه الدهر موقع نكنة فلو فاتني منك الرضى ولحقتني بعفو بكيت الدهر فوت فضيلة ولو كنت في أهل اليمين منعمًا بكيت على ما كان من سبقية وكم من مقام قمت عنك مسائلًا أرى كل حي كل حي وميت أتيت بفاراب أبا نصرها فلم أجد عنده علمًا يبرد غلتي فهل في ابن رشد بعد هذين مرتجى وفي ابن طفيل الحتناث مطيتي لقد ضاع لولا أن تداركني حمى من الله سعى بينهم طول مدتي فقيض لي نهجًا إلى الحق سالكًا وأيقظني من نوم جهلي وغفلتي فحصنت أنظار الجند جنيدها بترك فلى من رغبة ريح رهبة وكسرت عن رجل ابن أدهم أدهمًا وأنقذته من أس رحب الأسرة وعدت على حلاج سكرى بصلبه وألقيت بلعام التفاني بهوة فقولي مشكور ورأيي ناجح وفعلي محمود بكل محلة رضيت بعرفاني فأعليت للعلا وأجلسني بعد الرضا فيه جلتي إليك بسطت الكف أستنزل الفضلا ومنك قبضت الطرف أستشعر الذلا وها أنا ذا قد قدمت يقمني الرجا ويحجمني الخوف الذي خامر العقلا أقدم رجلا إن يضيء برق مطمع وتظلم أرجائي فلا أنقل الرجلا ولي عثرات لست آمل أن هوت بنفسي ألا أستقل وأن أصلى فإن تدركني رحمة أنتعش بها وإن تكن الشأخرى فأولى بي الأولى قال‏:‏ ومما نظمته من الشعر‏:‏ وجد تسعره الضلو ع وما تبرده المدامع هم تحركه الصبا بة والمهابة لا تطاوع أملي إذا وصل الرجا أسبابه فالموت قاطع بالله يا هذا الهوى ما أنت بالعشاق صانع قال ومما كتبت به لمن بلغني عنه بعض الشيء‏:‏ نحن إن نسأل بناس معشر أهل ماء فجرته الهمم عرب من بيضهم أرزاقهم ومن السمر الطوال الخيم ما لنا في الناس من ذنب سوى أننا نلوى إذا ما اقتحموا قال‏:‏ وما قلته مذيلًا به قول القاضي أبي بكر بن العربي‏:‏ أما والمسجد الأقصى وما يتلى به نصا لقد رقصت بنات الشو ق بين جوانحي رقصا قولي‏:‏ فأقلع بي إليه هوى جناحا عزمه قصا أقل القلب واستعدى على الجثمان فاستعصى فقمت أجول بينهما فلا أدنى ولا أقصى قال‏:‏ ومما قلته في التورية بشأن راوي المدونة‏:‏ لا تعجبن لظبي قد دها أسدًا فقد دها أسدًا من قبل سحنون قال‏:‏ ومما قلته من الشعر‏:‏ أنبت عودًا بنعماء بدأت بها فضلًا وألبستها بعد اللحى الورقا فظل مستشعرًا مستدثرا أرجا ريان ذا بهجة يستوقف الحدقا واحفظه من حادثات الدهر أجمعها ما جاء منها على ضوء وما طرقًا ومما قيدت عنه أيام مجالسته ومقامه بغرناطة وقد أجرى ذكر أبي زيد ابن الإمام أنه شهد مجلسًا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن ابن أبي حمو ذكر فيه أبو زيد المذكور أن ابن القاسم مقيد بالنظر بأصول مالك ونازعه أبو موسى عمران بن موسى المشذالي وادعى أنه مطلق الاجتهاد واحتج له بمخالفته لبعض ما يرويه أو يبلغه عنه لما ليس من قوله وأتى من ذلك بنظائر كثيرة‏.‏
قال فلو تقيد بمذهبه لم يخالفه لغيره‏.‏
فاستظهر أبو زيج بنص لشرف الدين بن التلمساني ومثل فيه الاجتهاد المخصوص باجتهاد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب مالك والمزني إلى الشافعي‏.‏
فقال أبو موسى عمران هذا مثال والمثال لا يلزم صحته فصاح به أبو زيد ابن الإمام وقال لأبي عبد الله بن أبي عمر تكلم فقال لا أعرف ما قال هذا الفقيه والذي أذكره من كلام أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثل به فقال أبو موسى للسلطان هذا كلام أصولي محقق فقلت لهما يومئذ وأنا حديث السن ما أنصفهما الرجل فإن المثل كما يؤخذ على عجهة التحقيق كذلك يؤخذ على جهة التقريب ومن ثم جاء منا قال هذا الشيخ أعني ابن أبي عمران وكيف لا وهذا سيبويه يقول وهذا مثال ولا يتكلم به فإذا صح أن المثال قد يكون تقريبًا فلا يلزم صحة المثال ولا فساد الممثل لفساده فهذان القولان من أثل واحد‏.‏
وقال‏:‏ شهدت مجلسًا آخر عند هذا السلطان قرئ فيه على أبي زيد ابن الإمام حديث‏:‏ لقنوا موتاكم لا إله إلا الله من صحيح مسلم‏.‏
فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السلوى هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازًا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه‏.‏
وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازًا في الاستقبال‏.‏
مختلفًا فيه في الماضي‏.‏
إذا كان محكومًا به‏.‏
وأما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقًا إجماعًا وعلى هذا التقرير لا مجاز ولا سؤال‏.‏
ولا يقال إنه احتج على ذلك بما فيه نظر لأنا نقول إنه نقل الإجماع‏.‏
وهو أحد الأربعة التي لا يطالب عنها بالدليل كما ذكر أيضًا بل نقول إنه أساء حيث احتج في موضع الوفاق كما أساء اللخمي وغيره في الاحتجاج على وجوب الطهارة ونحوها‏.‏
بل هذا أشنع لكونه مما علم كونه من الدين ضرورة‏.‏
ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش فهو تنبيه على وقت التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت‏.‏
أو يقال إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام‏.‏
ألا ترى اختلافهم فيه هل هو أخذ من حضور الملايكة أو حضور الأجل أو حضور الجلاس‏.‏
ولا شك أن هذه حالة خفية يحتاج في نصها إلى دليل الحكمة أو إلى وصف ظاهر يضبطها‏.‏
وهو ما ذكرناه أو من حضور الموت وهو أيضًا مما لا يعرف بنفسه‏.‏
بل بالعلامات‏.‏
فلما وجب اعتبارا‏.‏
وجب كون تلك التسمية إشارة إليها‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقال‏:‏ وكان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث ما معنى قول ابن أبي زيد‏.‏
وإذا سلم الإمام فلا يلبث بعد سلامه ولينصرف وذلك بعد أن ينتظر من يسلم من خلفه لئلا يمر بين يدي أحد وقد ارتفع عنه حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعًا بين الأدلة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:17 AM


وقلت وهذا من ملح الفقية‏.‏
وقال كان أبو زيد يعنى الإمام يصحف قول الخونجي في الجمل والمقارنات التي يمكن اجتماعه معها فيقول والمفارقات ولعله في هذا كما قال أبو عمرو بن العلاء للأصمعي لما قرأ عليه‏:‏ وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تأمر فقال‏:‏ وغررتني وزعمت أنك لا تني بالضيف تأمر فقال أنت في تصحيفك أشهر من الحطيئة أو كما يحكى عن الشافعي أنه لما صلى في رمضان بالخليفة لم يكن يومئذ يحفظ القرآن فكان ينظر في المصحف وقرأ الآية ‏"‏ صنعة الله أصيب بها من أساء‏.‏
إنما المشركون نجس‏.‏
وعدها إياه تقية لكم خير لكم‏.‏
هذا أن دعوا للرحمن ولدا‏.‏
وقال ذكر أبو زيد بن الإمام في مجلسه يومًا أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشريطتين‏:‏ ‏"‏ ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ‏"‏ فإنهما يستلزمان بحكم الإنتاج ‏"‏ ولو علم الله فيهم خيرًا لتولوا وهم معرضون ‏"‏ وهو محال‏.‏
ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين فقال ابن حكم قال الخونجي والإهمال بإطلاق لفظه لو وأن في المتصلة فهاتان القضيتان على هذا مهملتان والمهملة في قوة الجزيئة ولا قياس على جزئيتين‏.‏
فلما اجتمعت ببجاية بأبي علي حسين بن حسين أخبرته بهذا وبما أجاب به الزمخشري وغيره مما يرجع إلى انتفاء أمر تكرار الوسط‏.‏
فقال لي الجوابان في المعنى سواء لأن القياس على الجزئيتين إنما امتنع لانتفاء أمر تكرار الوسط‏.‏
وأخبرت بذلك شيخنا أبا عبد الله الآبلي فقال إنما يقوم القياس على الوسط ثم يشترط فيه بعد ذلك أن لا يكون من جزئيتين ولا سالبتين إلى ساير ما يشترط‏.‏
فقلت ما المانع من كون هذه الشروط تفصيلًا لمجمل ما ينبئى عله الوسط وغيره وإلا فلا مانع لما قاله ابن الشروط تفصيلًا لمجمل ما ينبئى عليه الوسط وغيره وإلا فلا مانع لما قاله ابن حسين‏.‏
قال الآبلي وأجبت بجواب السلوى ثم رجعت إلى ما قاله الناس لوجوب كون مهملات القرآن كلية لأن الشرطية لا تنتج جزئية‏.‏
فقلت هذا فيما يساق منها للحجة مثل ‏"‏ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ‏"‏‏.‏
أما في مثل هذا فلا قلت‏.‏
وكان يلزم السؤال الأول لو لم يكن للمتولى سبب تأخر حسبما تبين في مسألة لو وقال لما ورد تلمسان الشيخ الأديب أبو الحسن بن فرحون نزيل طيبة على تربتها السلام سأل ابن حكم عن معنى هذين البيتين‏:‏ رأت قمر السماء فأذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين كلانا ناظر قمرًا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني ففكر ثم قال لعل هذا الرجل كان ينظر إليها وهي تنظر إلى قمر السماء فهي تنظر إلى القمر حقيقة وهو لفرط الاستحسان يرى أنها الحقيقة‏.‏
فقد رأى بعينها لأنها ناظرة الحقيقة‏.‏
وأيضًا وهو ينظر إلى قمر مجازًا وهو لإفراطه استحسانها يرى أن قمر السماء هو المجاز فقد رأت بعينه لأنها ناظرة المجاز‏.‏
قلت ومن هذا يعلم وجه الفاء في قوله تعالى ‏"‏ فاذكروني أذكركم ‏"‏ والفاء فأذكرتني بمثابة قولك أذكرتني فتأمله فإن بعض من لا يفهم كلام الأستاذ كل الفهم ينشده وأذكرتني‏.‏
فالفاء في البيت الأول منبهة على الثاني وهذا النحو يسمى الإيذان في علم البيان وقال سألني ابن حكم عن نسب هذا المجيب في هذا البيت‏:‏ ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب فأجاب ما قتل المحب حرام‏.‏
ففكرت ثم قفلت له أراه تميميًا لإلغائه ‏"‏ ما ‏"‏ النافية‏.‏
فاستحسنه مني لصغر سني يومئذ‏.‏
وسأل ابن فرحون ابن حكم يومًا هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت‏:‏ ففكر ابن حكم ثم قال نعم قوله عز وجل ‏"‏ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فاصبحت كالصريم فتنادوا إلى آخرها ‏"‏ فمنع لهم بناء الآخرة لقراءة الواو‏.‏
فقلت له امنع ولا تسند فيقال إن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف وإن كان السند لا يسمع الكلام عليه‏.‏
وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد سواء بهذا الشرط وبدونه كقول نوح عليه السلام فعلى الله توكلت فاجمعوا أمركم وشركاءكم‏.‏
وكقول امرئ القيس غشيت ديار الحي بالبكرات البيتين لا يقال قوله فالحب سابع لأنا نقول إنه عطف على عاقل المجرد منها ولعل حكمة الستة أنها أول الأعداد التامة كما قيل في حكمة خلق السموات والأرض فيها‏.‏
وشأن اللسان عجيب‏.‏
وقال سمعت ابن حكم يقول كتب بعض أدباء فاس إلى صاحب له‏:‏ إبعث إلي بشيئ مدار فاس عليه وليس عندك شيء مما أشير إليه فبعث إليه ببطة من مرى شرب يشير بذلك إلى الرياء وحدث أن قاضيها أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الملجوم دعى إلى وليمة وكان كثير البلغم فوضع بين يديه صهره أبو العباس بن الأشقر غضارا من اللوز المطبوخ بالمرى لمناسبته لمزاجه فخاف أن يكون قد عرض له بالرياء‏.‏
وكان ابن الأشقر يذكر بالوقوع في الناس فقدم له القاضي غضار المقروض فاستحسن الحاضرون فطنته‏.‏
وقال عند ذكر شيخه أبي محمد عبد الله بن عبد الواحد المجاصي دخلت عليه بالفقيه أبي عبد الله السطى في أيام عيد فقدم لنا طعامًا فقلت لو أكلت معنا فرجونا بذلك ما يرفع من حديث‏.‏
‏"‏ من أكل مع مغفور له غفر له ‏"‏ فتبسم وقال لي دخلت على سيدي أبي عبد الله الفاسي بالأسكندرية فقدم لنا طعامًا فسألته عن هذا الحديث فقال وقع في نفسي شيء فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عنه فقال لم أقله وأرجو أن يكون كذلك وصافحته بمصافحته الشيخ أبا عبد الله زيان بمصافحته أبا سعيد عثمان بن عطية الصعيدي بمصافحة أبا العباس أحمد الملثم بمصافحته المعمر بمصافحته رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وحدث عن شيخه أبي محمد الدلاصي أنهن كان للملك العادل مملوك اسمه محمد فكان يخصه لدينه وعقله بالنداء باسمه وإنما كان ينعق بمماليكه يا ساقي يا طباخ يا مزين‏.‏
فناداه ذات يوم يا فراش فظن أن ذلك لموجدة عليه‏.‏
فلم ير اثر ذلك وتصورت له به خلوة فسأله عن مخالفته لعادته فقال له لا عليك كنت يومئذ جنبًا فكرهت أن أذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة‏.‏
وقال أنشدني المجاصي قال أنشدني الإمام نجم الدين الواسطي قال أنشدني شرف الدين الدمياطي قال أنشدني تاج الدين الآمدي مؤلف الحاصل قال أنشدني الإمام فخر الدين لنفسه‏:‏ نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ودبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا مسرعين وزالوا وكم من رجال قد رأينا ودولة فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فماتوا والجبال جبال وقال وقد مر من ذكر الشريف القاضي أبي علي حسين بن يوسف بن يحيى الحسني في عداد شيوخه وقال حدثني أبو العباس الرندي عن القاضي أبي العباس ابن الغماز‏.‏
قال لما قدم القاضي أبو العباس بن الغماز من بلنسية نزل بجاية فجلس بها في الشهود مع عبد الحق بن ربيع فجاء عبد الحق يومًا وعليه برنس أبيض وقد حسنت شارته كملت هيئته فلما نظر إليه ابن الغماز أنشده‏:‏ ليس البرنس الفقيه فباهى ورأى أنه المليح فتاها لو زليخا رأته حين تبدي لتمنته أن يكون فتاه وقال أيضًا إن ابن الغماز جلس لارتقاب الهلال بجامع الزيتونة فنزل الشهود من المئذنة وأخبروا أنهم لم يهلوه‏.‏
وجاء حفيد له صغير فأخبره أنه أهله فردهم معه فأراهم إياه فقال ما أشبه الليلة بالبارحة وقد وقع لنا مثل هذا مع ابي الربيع بن سالم فأنشدنا فيه‏:‏ توارى هلال الأفق عن أعين الورى وأرخى حجاب الغيم دون محياه فلما تصدى لارتقاب شقيقه تبدى له دون الأنام فحياه وجرى في ذكر أبي عبد الله بن النجار الشيخ التعالمي من أهل تلمسان فقال ذكرت يومًا قول ابن الحاجب فيما يحرم من النساء بالقرابة وهي أصول وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فقال إن تركب لفظ التسمية العرفية من الطرفين حلت وإلا حرمت فتأملته‏.‏
فوجدته كما قال لأن أقسام هذا الضابط أربعة التركيب من الطرفين كابن العم وابنة العم مقابله كالأب والبنت‏.‏
والتركيب من قبل الرجل كإبنة الأخ والعم مقابله كابن الأخت والخالة‏.‏
وذكر الشيخ الرئيس أبا محمد عبد المهيمن بن محمد الحضرمي‏.‏
وقال‏.‏
كان ينكر إضافة الحول إلى الله عز وجل فلا يجيز أن يقال بحول الله وقوته قال لأنه لم يرد إطلاقه والمعنى يقتضي امتناعه لأن الحول كالحيلة أو قريب منها‏.‏
وحكى عن شيخه أبي زيد عبد الرحمن الصنهاجي عن القاضي أبي زيد عبد الرحمن بن علي الدكالي أنه اختصم عنده رجلان في شاة‏.‏
ادعى أحدهما أنه أودعها الآخر وادعى الآخر أنها ضاعت منه فأوجب اليمين على المودع أنها ضاعت من غير تضييع فقال كيف أضيع‏.‏
وقد شغلتني حراستها عن الصلاة حتى خرج وقتها فحكم عليه بالغرم فقيل له في ذلك فقال تأولت قول عمر ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع‏.‏
وحكى عن الشيخ الفقيه رحلة الوقت أبي عبد الله الآبلي‏.‏
حكاية في باب الضرب وقوة الإدراك قال كنت يومًا مع القاسم بن محمد الصنهاجي فوردت عله طومارة من قبل القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها‏:‏ خيرات ما تحويه مبذولة ومطلبي تصحيف مقلوبها فقال لي ما مطليه فقلت نارنج ودخل عليه وأنا عنده بتلمسان الشيخ الطبيب أبو عبد الله الدباغ المالقي فأخبرنا أن أديبًا استجدى وزيرًا بهذا الشطر‏:‏ ‏"‏ ثم حبيب قلما ينصف ‏"‏ فأخذته وكتبته ثم قلبته وصحفته فإذا به قصبتا ملف شحمى‏.‏
وقال قال شيخنا الآبلي لما نزلت تازة مع أبي الحسن بن بري وأبي عبد الله الترجالي فاحتجت إلى النوم وكرهت قطعهما إلى الكلام فاستكشفت منها عن معنى هذا البيت للمعري‏:‏ فجعلا يفكران في فنمت حتى أصبحا ولم يجاه وسألوني عنه فقلت معناه أقول لعبد الله لما وهي سقاؤنا ونحن بوادي عبد شمس شم لنا برقا‏.‏
قلت وفيه نظر وإن استقصينا مثل هذا خرجنا عن الغرض‏.‏
مولده نقلت من خطه كان مولدي بتلمسان أيام أبي حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان‏.‏
وقد وفقت على تاريخ ذلك ورأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن موسى سأل أبا الطاهر السلفي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن زيان بن مسعدة عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت محمد بن علي بن محمد اللبان عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت حمزة بن يوسف السهمي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت الشافعي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال أقبل على شأنك ليس من المروءة إخبار الرجل عن سنه‏.‏
توفي بمدينة فاس في أخريات محرم من عام تسعة وخمسين وسبعمائة وأراه توفي في ذي حجة من العام قبله‏.‏
ونقل إلى تربة سلفه بمدينة تلمسان حرسها الله‏.‏
محمد بن عياض بن موسى اليحصبي محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي من أهل سبتة حفيد القاضي الإمام أبي الفضل عياض يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير‏.‏
كان من عدول القضاة‏.‏
وجلة سراتهم‏.‏
وأهل النزاهة فيهم‏.‏
شديد التحري في الأحكام والاحتياط صابرًا على الضعيف فيهم والملهوف شديد الوطأة على أهل الجاه وذوي السطوة فاضلًا وقورًا حسن السمت يعرفه كلامه أبدًا ويزينه ذلك لكثرة وقاره محبًا في العلم وأهله مقربًا لأصاغر الطلبة ومكرمًا لهم ومعتنيًا بهم معملا جهده في الدفع عنهم لما عسى أن يسوءهم‏.‏
ليحبب إليهم العلم وأهله ما رأينا بعده في هذا مثله‏.‏
سكن مالقة مع أبيه عند انتقال أبيه إليها إلى أن مات أبوه سنة خمس وخمسين وستماية‏.‏
حدثني شيخنا أبو الحسن بن الجياب وجرى ذكر إعرابه لفظ من حديثه عن شيوخه قال دخلت على القاضي المذكور فسأل أحدنا عن أبيه فقال ابن فلان وذكر معرفة مشتركة بين تجار فاس‏.‏
فقال أيهما الذي ينحت في الخشب والذي يعمل في السلاح فما فطن لقصده لسذاجته وحدثني عن ذكر جزالته‏.‏
أنها كانت تقع له مع السلطان مستقضية مع كونه مرهوبًا شديد السطوة وقايع تنبي عن تصميمه وبعده عن الهوادة‏.‏
منها أن السلطان أمر بإطلاق محبوس كان قد سجنه فأنفذ بين يدي السلطان الأمر للسجان بحبسه وتوعده إن أطلقه‏.‏
ومنها إذاعة ثبوت العيد في أخريات يوم كان قد أمل السلطان البروز إلى العيد في صباحه فنزل عن القلعة ينادي عبد الله يا ميمون إخبر الناس عن عيدهم اليوم وأمثال ذلك‏.‏
مشيخته قرأ بسبتة وأسنديها فأخذ عن أبي الصبر أيوب بن عبد الله الفهري وغيره ورحل إلى الجزيرة الخضراء‏.‏
فأخذ بها كتاب سيبويه وغيره تفقيهًا على النحوي الجليل أبي القاسم عبد الرحمن ابن القاسم القاضي المتقنن‏.‏
وأخذ بها أيضًا كتاب إيضاح الفارسي عن الأستاذ أبي الحجاج بن مغرور وأخذ بإشبيلية وغيرها عن آخرين‏.‏
وقرأ على القاضي أبي القاسم بن بقي بن نافحة‏.‏
وأجاز له‏.‏
وكتب له من أهل المشرق جماعة كثيرة منهم أبو جعفر محمد ابن أحمد بن نصر بن أبي الفتح الصيدلاني وأجاز له بإصبهان وهو سبط حسن ابن مندة أجاز له في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة‏.‏
وتحمل عن أبي علي الحداد شيخ السلفى الحافظ عن محمود الصيرفي ونظايرهما وجماعة من إصبهان كثيرة كتبوا له بالغجازة‏.‏
وكتب له من غيرها من البلاد نيف وثمانون رجلا منهم أحد وستون رجلًا كتبوا له مع الشيخ المحدث أبي العباس المغربي والقاضي أبي عبد الله الأزدي وقد نصح على جميعهم في برنامجيهما واستوفى أبو العباس الغربي نصوصو الإسترعات وفيها اسم القاضي أبو عبد الله بن عياض‏.‏
ومن روى عنه قال الأستاذ أبو جعفر رحمه الله أجاز لي مرتين اثنين‏.‏
وقال حدثني أبو عبد الله مشافهة بالإذن أنبأنا أبو الطاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي كتابة من دمشق أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي المعروف بابن الحطاب بالحاء المهملة أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الوهاب البغدادي بالقسطاط أخبرنا موسى ابن محمد بن عرفة السمسار ببغداد قال أبو عمرو بن أحمد بن الفضل النفزي أخبرنا إسماعيل بن موسى أخبرنا عمر بن شاكر عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر ‏"‏‏.‏
هذا الإسناد قريب يعز مثله في القرب لأمثالنا ممن مولده بعد الستمائة وإسماعيل بن موسى من شيوخ الترمذي قد خرج عنه الحديث المذكور لم يقع له في مصنفه ثلاثي غيره‏.‏
بسبتة سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏.‏
وفاته توفي بغرناطة يوم الخميس الثامن والعشرين لجمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستماية‏.‏
محمد بن موسى بن عياض اليحصبي محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر ابن موسى بن عياض اليحصبي من أهل سبتة ولد الإمام أبي الفضل يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله كان فقيهًا جليلًا أديبًا كاملًا‏.‏
دخل الأندلس وقرأ على ابن بشكوال كتاب الصلة وولي قضاء غرناطة قال ابن الزبير وقفت على جزء ألفه في شيء من أخبار أبيه وحاله في أخذه وعلمه وما يرجع إلى هذا أوقفني عليه حفدته بمالقة‏.‏
وفاته توفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة‏.‏
محمد بن أحمد بن جبير الكناني محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد ابن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان بن عبد السلام بن جبير الكناني الواصل إلى الأندلس‏.‏
أوليته دخل جده عبد السلام بن جبير في طالعة بلج بن بشر بن عياض القشيري في محرم ثلاث وعشرين ومائة‏.‏
وكان نزوره بكوؤة شدونة‏.‏
وهو من ولد ضمرة ابن كنانة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏.‏
بلنسي الأصل ثم غرناطي الاستيطان‏.‏
شرقن وغرب وعاد إلى غرناطة‏.‏
حاله كان أديبًا بارعًا شاعرًا مجيدًا سنيًا فاضلًا نزيه المهمة سري النفس كريم الأخلاق أنيق الطريقة في الخط‏.‏
كتب بسبتة عن أبي سعيد عثمان ابن عبد المؤمن وبغرناطة عن غيره من ذوي قرابته وله فيهم أمداح كثيرة‏.‏
ثم نزع عن ذلك وتوجه إلى المشرق وجرت بينه وبين طايفة من أدباء عصره مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته‏.‏
ونظمه فايق ونثره بديع‏.‏
وكلامه المرسل سهل حسن وأغراضه جليلة ومحاسنه ضخمة وذكره شهير ورحلته نسيجة وحدها طارت كل مطار رحمه الله‏.‏
رحلته قال من عنى بخبره رحل ثلاثًا من الأندلس إلى المشرق وحج في كل واحدة منها‏.‏
فصل عن غرناطة أول ساعة من يوم الخميس لثمان خلون من شوال ثمان وسبعين وخمسماية صحبة أبي جعفر بن حسان ثم عاد إلى وطنه غرناطة لثمان بقين من محرم واحد وثمانين ولقى بها أعلامًا يأتي التعريف بهم في مشيخته وصنف الرحلة المشهورة وذكر مناقله فيها وما شاهده من عجايب البلدان وغرايب المشاهد وبدايع الصنايع وهو كتاب مؤنس ممتع مثير سواكن النفوس إلى الرفادة على تلك المعالم المكرمة والمشاهد العظيمة ولما شاع الخبر المبهج بفتح بيت المقدس على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي قوي عزمه على عمل الرحلة الثانية فتحرك إليها من غرناطة يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الأول من سنة خمس وثمانين وخمسماية ثم آب إلى غرناطة يوم الخميس لثلاث عشر خلت من شعبان سبع وثمانين‏.‏
وسكن غرناطة ثم مالقة ثم سبتة ثم فاس منقطعًا إلى إسماع الحديث والتصوف وتروية ما عنده‏.‏
وفضله بديع وورعه يتحقق وأعماله الصالحة تزكو‏.‏
ثم رحل الثالثة من سبتة بعد موت زوجته عهاتكة أم المجد بنت الوزير أبي جعفر الوقشي وكان كلفًا بها فعظم وجده عليها فوصل مكة وجاور بها طويلًا ثم بيت المقدس ثم تجول بمصر والإسكندرية فأقام يحدث ويؤخذ عنه إلى أن لحقي بربه‏.‏
مشيخته روى بالأندلس عن أبيه وأبي الحسن بن محمد بن أبي العيش وأبي عبد الله بن أحمد بن عروس وابن الأصيلي‏.‏
وأخذ العربية عن أبي الحجاج بن يسعون‏.‏
وبسبتة عن أبي عبد الله بن عيسى التميمي السبتي‏.‏
وأجاز له أبو الوليد ابن سبكة وإبراهيم بن إسحاق بن عبد الله الغساني التونسي وأبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانجي نزيلًا مكة وأبو جعفر أحمد بن علي القرطبي الفنكي وأبو الحجاج يوسف بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد البغدادي وصدر الدين أبو محمد عبد اللطيف الحجري رييس الشافعية بإصبهان‏.‏
وببغداد العالم الحافظ المتبحر نادرة الفلك أبو الفرج وكناه أبو الفضل ابن الجوزي‏.‏
وحضر بعض مجالسه الوعظية وقال فيه فشاهدنا رجلًا ليس بعمرو ولا زيد وفي جوف الفراكل الصيد‏.‏
وبدمشق أبو الحسن أحمد بن حمزة بن علي بن عبد الله بن عباس السلمي الجواري وأبو سعيد عبد الله بن محمد ابن أبي عصرون وأبو الطاهر بركات الخشوعي وسمع عليه وعماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني من أئمة الكتاب وأخذ عنه بعض كلامه وغيره وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الأخضر بن علي بن عساكر وسمع عليه وأبو الوليد إسماعيل بن علي بن إبراهيم والحسين بن هبة الله بن محفوظ بن نصر الرقبعي وعبد الرحمن بن إسماعيل بن أبي سعيد الصوفي وأجازوا له وبحران الصوفي العارف أبو البركات حيان بن عبد العزيز وابنه الحاذي حذوه‏.‏
من أخذ عنه قال ابن عبد الملك أخذ عنه أبو إسحاق بن مهيب وابن الواعظ وأبو تمام ابن إسماعيل وأبو الحسن بن نصر بن فاتح بن عبد الله البجائي وأبو الحسن بن علي الشادي وأبو سليمان بن حوط الله وأبو زكريا وأبو بكر يحيى بن محمد بن أبي الغصن وأبو عبد الله بن حسن بن مجير‏.‏
وأبو العباس بن عبد المؤمن البناني وأبو محمد بن حسن اللواتي وابن تامتيت وابن محمد وممن أخذ عنه بالإسكندرية رشيد الدين أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله وبمصر رشيد الدين بن العطار‏.‏
وفخر القضاة بن الجياب وابنه جمال القضاة‏.‏
تصانيفه منها نظمه قال ابن عبد الملك‏:‏ وقفت منه على مجلد متوسط يكون على قدر ديوان أبي تمام حبيب بن أوس ومنه جزء سماه نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح في مراثي زوجه أم المجد‏.‏
ومنه جزء سماه نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان‏.‏
وله ترسيل بديع وحكم مستجادة وكتاب رحلته‏.‏
وكان أبو الحسن الشادي يقول إنها ليست من تصانيفه وإنما قيد معاني ما تضمنته فتولى ترتيبها وتنضيد معانيها بعض الآخذين عنه على ما تلقاه منه‏.‏
والله أعلم‏.‏
شعره من ذلك القصيدة الشهيرة التي نظمها وقد شارف المدينة المكرمة طيبة على ساكنها من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليم‏:‏ أقول وآنست بالليل نارا لعل سراج الهدى قد أنارا ونحن من الليل في حندس فما باله قد تجلى نهارا وهذا النسيم شذا المسك قد أعير أم المسك منه استعارا وكانت رواحلنا تشتكي وجاها فقد سابقتنا ابتدارا وكنا شكونا عناء السرى فعدنا نباري سراع المهارا أظن النفوس قد استشعرت بلوغ هوى تخذته شعارا بشاير صبح السرى آدنت بأن الحبيب تدانى مزارا جرى ذكر طيبة ما بيننا فلا قلب في الركب إلا وطارا حنينًا إلى أحمد المصطفى وشوقًا يهيج الضلوع استعارا ولاح لنا أحد مشرقًا بنور من الشهداء استعارا فمن أجل ذلك ظل الدجى يحل عقود النجوم انتثارا ومن طرب الركب حث الخطا إليها ونادى البدار البدارا ولما حللنا فناء الرسول نزلنا بأكرم مجد جوارا سوى أننا لم نطق أعينًا بأدمعها غلبتنا انفجارا وقفنا بروضة دار السلام نعيد السلام عليها مرارا ولولا مهابته في النفوس لثمنا الثرى والتزمنا الجدارا قضينا بزورته حجنا وبالعمرتين ختمنا اعتمارًا إليك إليك نبي الهدى ركبت البحار وجبت القفارا وفارقت أهلي ولا منة ورب كلام يجر اعتذارا وكيف نمن على من به نؤمل للسيئات اغتفارًا دعائي إليك هوى كامن أثار من الشوق ما قد أثارا فناديتك لبيك داعي الهوى وما كنت عنك أطيق اصطبارًا ووطنت نفسي بحكم الهوى علي وقلت رضيت اختيارا أخوض الدجى وأروض السرى ولا أطعم النوم إلا غرارا ولو كنت لا أستطيع السبيل لطرت ولو لم أصادف مطارا وفي غبطة من ممن الله عليه لحج بيته وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ هنيئًا لمن حدج بيت الهدى وحط عن النفس أوزارها وإن السعادة مضمونة لمن حج طيبة أو زارها وفي مثل ذلك يقول‏:‏ إذا بلغ المرء أرض الحجاز فقد نال أفضل ما أمله وإن زار قبر نبي الهدى فقد أكمل الله ما أمله


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:19 AM

وفي تفضيل المشرق‏:‏ لا يستوي شرق البلاد وغربها الشرق حاز الفضل باستحقاق أنظر إلى جمال الشمس عند طلوعها زهراء تعجب بهجة الإشراق وانظر إليها عند الغروب كثيبة صفراء تعقب ظلمة الآفاق وكفى بيوم طلوعها من غربها أن تؤذن الدنيا بعزم فراق وقال في الوصايا‏:‏ عليك بكتمان المصايب واصطبر عليها فما أبقى الزمان شفيقا وصانع المعروف فلتة عاقل إن لم تضعها في محل عاقل كالنفس في شهواتها إن لم تكن وقفًا لها عادت بضر عاجل نثره من حكمه قوله‏:‏ إن شرف الإنسان فشرف وإحسان‏.‏
وإن فاق فتفضل وإفاق‏.‏
ينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه‏.‏
كما يحفظ الجفن إنسانه‏.‏
فرب كلمة تقال يحدث عثرة لا تقال‏.‏
كم كست فلتات الألسنة الحداد من ورائها ملابس حداد‏.‏
نحن في زمن لا يحظى فيه بنفاق إلا من عامل بنفاق‏.‏
شغل الناس عن طريق الآخرة بزخارف الأغراض‏.‏
فلجوا في الصدود عنها والإعراض‏.‏
وآثروا دنيا هي أضغاث أحلام وكم هفت في حبها من أحلام أطالوا فيها آمالهم وقصروا أعمالهم‏.‏
ما بالهم لم يتفرغ لغيرها بالهم ما لهم في غير ميدانها استباق ولا بسوى هواها اشتياق‏.‏
تلله لو كسشفت الأسرار لما كان هذا الإصرار ولسهرت العيون وتفجرت من شئونها الجفون فلو أن عين البصيرة من سنتها هابة لرأت جميع ما في الدنيا ريحًا هابة ولكن استولى العمى على البصاير ولا يعلم الإنسان ما إليه صاير أسأل الله هداية سبيله ورحمة تورد نسيم الفردوس وسلسبيله إنه الحنان المنان لا رب سواه‏.‏
ومنها‏:‏ فلتات الهبات أشبه شيء بفلتات الشهوات‏.‏
منها نافع لا يعقب ندمًا ومنها ضار يبقى في النفس ألمًا‏.‏
فضرر الهبة وقوعها عند من لا يعتقد لحقها أداء وربما أثرت عنده اعتداء‏.‏
وضرر الشهوة أن لا توافق ابتداء فتصير لمتبعها داء مثلها كمثل السكر يلتذ صاحبه بحلاوة جناه فإذا صحا يعرف قدر ما جناه‏.‏
عكس هذه القضية هي الحالة المرضية‏.‏
مولده ببلنسية سنة تسع وثلاثين وخمسماية وقيل بشاطبة سنة أربعين وخمسماية‏.‏
وفاته توفي بالإسكندرية ليلة الأربعاء التاسع والعشرين لشعبان أربع عشرة وستماية ابن شبرين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شبرين يكنى أبا بكر شيخنا الفقيه القاضي المؤرخ الكاتب البارع رحمة الله عليه أوليته أصله من إشبيلية من حصن شلب من كورة باجة من غربي صقعها يعرفون فيها ببني شبرين معرفة قديمة‏.‏
ولي جده القضاء بإشبيلية وكان من كبار أهل العلم تشهد بذلك الصلاة‏.‏
وانتقل أبوه منها عند تغلب العدو عليها عام ستة وأربعين وستماية فاحتل رندة ثم غرناطة ثم انتقل إلى سكنى سبتة وبها ولد شيخنا أبو بكر وانتقل عند الحادثة إلى غرناطة فارتسم بالكتابة السلطانية وولي القضاء بعدة جهات وتأثل مالًا وشهرة حتى جرى مجرى الأعيان من أهلها‏.‏
حاله كان فريد دهره ونسيج وحده في حسن المست والرواء وكما الظرف وجمال الشارة وبراعة الخط وطيب المجالسة خاصيًا وقورًا تام الخلق عظيم الأبهة عذب التلاوة لكتاب الله من أهل الدين والفضل والعدالة تاريخًا مقيدًا طلعة اختيار أصحابه محققًا لما ينقله فكها مع وقاره غزلًا لوذعيًا على شأن الكتابة جميل العشرة أشد الناس على الشعر ثم على المحافظة ما يحفظه من الأبيات من غير اعتيام ولا تنقيح يناغي الملكين في إثباتها مقررة التواريخ حتى عظم حجم ديوانه تغردت أشعاره بما أبر على المكثرين مليح الكتابة سهلها صانعًا سابقًا في ميدانها راجحًا كفة المنثور‏.‏
وكانت له رحلة إلى تونس اتسع بها نطاق روايته‏.‏
وتقلب بين الكتابة والقضاء منحوس الحظ في الاستعمال مضيقًا فيه وإن كان وافر الجد موسعًا عليه‏.‏
وجرى ذكره في كتاب التاج المحلى بما نصه‏:‏ خاتمة الحسنين وبقية الفصحاء اللسنين ملأ العيون هديًا وسمتًا وسلك من الوقار طريقة لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا ما شئت من فضل ذات وبراعة أدوات‏.‏
إن خط نزل ابن مقلة عن درجته وإن خط‏.‏
وإن نظم أو نثر تبعت البلغاء ذلك الأثر‏.‏
وإن تكلم أنصت الحفل لاستماعه وشرع لدرره النفيسة صدق أسماعة‏.‏
وفد على الأندلس عند كاينة سبتة وقد طرحت النوى برحاله وظعن عن ربعه بتوالي إمحاله ومصرف بلاده والمستولي على طارفها وتالدها أبو عبد الله بن الحيكم قدس الله صداه وسقى منتداه فاهتز لقدومه اهتزاز الصارم وتلقاه تلقي الأكارم وانهض إلى لقايه آماله وألقى له قبل الوسادة ماله ونظمه في سمط الكتاب وأسلاه عن أعمال الاقتاد ونزل ذمامه تأكدًا في هذه الدولة وقوفي له الآتية منها على الأول فتصرف في القضاء بجهاتها ونادته السيادة هاك وهاتها فجدد عهد حكامه العدول من سلفه وقضاتها‏.‏
وله الأدب الذي تحلت بقلايده اللبات والنحور وقصرت عن جواهره البحور‏.‏
وسيمر من ذلك في تضاعيف هذا المجموع ما يشهد بسعة ذرعه ويخبر بكرم عنصره وطيب نبعه‏.‏
مشيخته قرأ على جده لأمه الأستاذ الإمام أبي بكر بن عبيدة الإشبيلي وسمع على الرييس أبي حاتم وعلى أخيه أبي عبد الله الحسين وعلى الأستاذ أبي إسحاق الغافقي وعلى الشريف أبي علي بن أبي الشرف وعلى الإمام أبي عبد الله بن حريث‏.‏
وسمع على العدل أبي فارس عبد العزيز الجزيري‏.‏
وسمع بحضرة غرناطة على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وعلى العدل أبي الحسن بن مستقور وعلى الوزير أبي محمد بن المؤذن وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد‏.‏
وبمالقة على الخطيب ولي الله تعالى أبي عبد الله الطنجالي وعلى الوزير الصدر أبي عبد الله ابن ربيع وعلى القاضي العدل أبي عبد الله بن برطال‏.‏
وبيجاية على الإمام أبي علي ناصر الدين المشذالي وعلي أبي العباس الإبريني‏.‏
وبتونس على أبي علي بن علوان وعلى قاضي الجماعة أبي إسحاق بن عبد الرفيع وسمع على الخطيب الصوفي ولي الله تعالى أبي جعفر الزيات والصوفي أبي عبد الله بن برطال وعلى الصدر أبي القاسم محمد بن قايد الكلاعي‏.‏
وأجازه علام كثير من أهل المشرق والمغرب‏.‏
m0عه وشعره متعدد الأسفار كثير الأغراض‏.‏
وفي الإكثار مجلل الإختيار‏.‏
فمنه قوله‏:‏ أخذت بكظم الروح يا ساعة النوى وأضرمت في طي الحشى لا عج الجوى فمن مخبري يا ليت شعري متى اللقا وهل تحسن الدنيا وهل يرجع الهوى سلا كل مشتاق وأكثر وجده وعند النوى وجدي وفي ساكن الهوى ولي نية ما عشت في عهدهم إلى يوم ألقاهم وللمرء ما نوى وقال‏:‏ باتوا فمن كان باكيًا يبك هذي ركاب الشرى بلا شك فمن ظهور الركاب معملة إلى بطون الربى إلى الفلك كن بالذي حدثوا على ثقة ما في حديث الفراق من إفك من النوى قبل لم أزل حذرًا هذا النوى جل من مالك الملك وقال‏:‏ يا أيها المعرض اللاهي يسوءني هجرك والله فيا ليت شعري كم أرى فيك لا أقفك عن ويه وعزاه ويحيى مغيري إلى باخل واه من ذا الذي رآه من يرد الله في فتنة يشغله في الدنيا بتياه يا غصن البان ألا عطفة على معني جسمه واه أو سعني بعدك ذلًا وقدرًا يثنى عندك ذا جاه ذكرك لا ينفك عن خاطري وأنت عني غافل ساه يكفيك يا عثمان من جفوني لو كان ذنبي ذنب جهجاه هيهات لا معترض لي على حكمك أنت الآمر الناه يا من أعاد صباحي فقده حلكا قتلت عبدك لكن لم تخف دركا مصيبتي ليست كالمصائب لا ولا بكائي عليها منث لكل بكا فمن أطالب في شرع الهوى بدمي لحظى ولحظك في قتلي قد اشتركا وقال وقد سبقه إليه الرصافي وهو ظريف‏:‏ أشكو إلى الله فرط بلبالي ولوعة لا تزال تذكى لي بمهجتي حايك شغلت به حلو المعاني طرازه عالي سألته لثم خاله فأبي ومن ذا نخوة وإلال وقال حالي يصون خالي يدني فويحي بالحال والحال يقربني الآل من مواعده وأتقي منه سطوة الآل لكن على ظلمه وقسوته فلست عنه المان بالسالي وقال أيضًا مضمنًا‏:‏ لي همة كلما حاولت أمسكها على المدلة في أرجاء أرضيها قالت ألم تكن أرض الله واسعة حتى يهاجر عبد مؤمن فيها لا عذر اليوم ولا حجة فضحتني والله يا شيبي وقال‏:‏ أثقلتني الذنوب ويحي وويسي ليتني كنت زاهدًا كأويس وجرت بينه وبين السلطان ثالث الأمراء من بين نصر بعد خلعه من ملكه وانتثار سلكه واستقراره بقصبة المنكب غيبًا من قومه معوضًا بالسهاد من نومه قد فل الدهر سباته وتركه يندب ما فاته والقاضي المترجم به يومئذ مدبر أحكامها وعلم أعلامها ومتولي نقضها وإيرامها فارتاح يومًا إلى إيناسه واجتلاب أدبه والتماسه وطلب منه أن يعبر عن حاله ببيانه وينوب في بثه عن لسانه فكتنب إليه‏:‏ قفا نفسًا فالخطب فيها يهون ولا تعجلا إن الحديث شجون علمنا الذي قد كان من صرف دهرنا وسنا على علم بما سيكون ذكرنا نعيمًا قد تقضى نعيمه فأقلقنا شوق له وحنين وبالأمس كنا كيف شئنا وللدنا حراك على أحكامنا وسكون وإذا بابنا مثوى الفؤاد ونحونا تمد رقاب أو تشير عيون فنغص من ذاك السرور مهنأ وكدر من ذاك النعمي معين أيا معهد الإسعاد حييت معهدًا وجادك من سكب الغمام هتون تريد الليالي أن تهين مكاننا رويدك إن الخير ليس يهون فإن تكن الأيام قد لعبت بنا ودارت علينا للخطوب فنون فمن عادة الأيام ذل كرامها ولكن سبيل الصابرين مبين لئن خاننا الدهر الذي كان عبدنا فلا عجب إن العبيد تخون وما غض منا مخبرى غير أنه تضاعف إيمان وزاد يقين وكتب إلى الحكم بن مسعود وهو شاهد المواريث بهذه الدعابة التي تستخف الوقور وتلج السمع الموقور‏:‏ أطال الله بقاء أخي وسيدي لأهل الفرايض يحسن الاحتيال في مداراتهم وللمنتقلين إلى الدار الآخرة يأمر بالاحتياط في أمواتهم ودامت أقلامه مشرعة لصرم الأجل المنسأ معدة لتحليل هذا الصنف المنشأ من الصلصال والحمأ‏.‏
فمن ميت يغسل وآخر يقبر ومن أجل يطوى وكفن ينشر ومن رمس يفتح وباب يغلق‏.‏
ومن عاصب يحبس ونعش يطلق‏.‏
فكلما خربت ساحة نشأت في الحانوت راحة‏.‏
وكلما قامت في شعب مناحة اتسعت للرزق مساحة‏.‏
فيباكر سيدي الحانوت وقد احتسى مرقته وسهل عنقفته فيرى الصعبة بالمناصب شطرًا‏.‏
فيلحظ هذا برفق وينظر إلى هذا شزرًا‏.‏
ويأمر بشق الجيوب تارة والبحث عن الأوساط أخرى‏.‏
ثم يأخذ القلم أخذًا رفيقًا‏.‏
ويقول وقد خامره السرور رحم الله فلانًا لقد كان لنا صديقًا وربما أدبره بالانزعاج الحثيث وقال مستريح منه كما جاء في الحديث‏.‏
وتختلف عند ذلك المراتب وتتبين الأصدقاء والأجانب فينصرف هذا وحظه التهذيب والنظر الحديد وينفصل هذا وبين يديه المنذر الصيت والنعش الجديد‏.‏
ثم يغشى دار الميت ويسل عن الكيت والكيت ويقول علي بما في البيت‏.‏
أين دعاء الثاغبة والراغية‏.‏
أين عقود الأملاد بالبادية‏.‏
وقد كانت لهذا الرجل حالًا في حال‏.‏
وقد ذكر في الأسماء الخمسة فقيل ذو مال‏.‏
وعيون الأعوان ترنوا من عل وأعناقهم تشريب إلى خلف الكلل وأرجلهم تدب إلى الأسفاط دبيب الصقور إلى الحجل‏.‏
والموتى قد وجبت منهم الجنوب وحضر الموروث والمكسوب‏.‏
وقيد المطعوم والمشروب‏.‏
وعدت الصحاح‏.‏
ووزنت الأرطال وكيلت الأقداح‏.‏
والشهود يغلظون على الورثة في الشالية ويصونهم بالبتات في النشأة الأولية‏.‏
والروائح حين تفعم الأرض طيبًا وتهدي الأرواح شذًا يفعل في إزعاجها على الأبدان فعلًا عجيبًا‏.‏
والدلال يقول هذا مفتاح الباب‏.‏
والسمسار يصيح قام الندا فما نتنظرون بالثبات‏.‏
والشاهد يصيح فتعلوا صيحته والمشرف يشرب فتسقط سبحته‏.‏
والمحتضر يهس ألا حي فلا تسمعون ويباهي لون العباء عليه الجواب رب أرجعون‏.‏
ما هذا النشيج والضجيج‏.‏
مت كلا لم أمت‏.‏
ومن حج له الحجيج‏.‏
فترتفع له الأصوات كي لا يفسح فيه الممات‏.‏
ويبقر بطنه برغمه ويحفر له بجانب أبيه وبحذا أمه‏.‏
ثم يشرع في نفسه الفرض ولو أكفئت السوات على الأرض‏.‏
ويقال لأهل السهام أحسنوا فالإحسان ثالث مراتب الإسلام‏.‏
وقد نص ابن القاسم على أجرة القاسم‏.‏
وسوغه أصبغ وسحنون ولم يختلف فيه مطرف وابن الماجشون‏.‏
إن قيل إيصال الحقائق إلى أرجايها حسن فجزاه الإحسان إحسان‏.‏
وقيل إخرج النسب والكسور كفاية فللكاهنين حلوان‏.‏
اللهم غفرًا ونستقيل الله من انبساط يجر غدرًا ونسل الله حمدًا يوجب المزيد من نعمايه وشكرًا‏.‏
ولولا أن أغفل عن الخصم وأثقل رحل الفقيه أبي النجم لأستغلن المجلس شرحًا ولكان لنا في بحر المباسطة سبح ولأفضنا في ذكر الوارث والوراث‏.‏
وبينا العلة في أقسام الشهود مع المشتغل بنسبة الذكور مع الأناث‏.‏
والله يصل عز أخي ومجده ويهب له قوة تخصه بالفايدة وجدهن ويزيده بصيرة يتبع بها الحقوق إلى أقصاها وبصرًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ودام يحصى الخراريب والفلوس والأطمار ويملأ الطوامر بأقلامه البديعة الصنعة ويصل الطومار بالطومار والسلام‏.‏
والشيء بالشيء يذكر قلت ومن أظرف ما وقعت عليه في هذا المعنى‏.‏
قال بعض كتاب الدولة الحكمية بمنورقة وقد ولاه خطة المواريث وكتب إليه راغبًا في الإعفاء‏:‏ وأكتب للأموات صكًا كأنهم يخاف عليهم في الجباب التفلت كأني لعزرائيل صرت ماقضًا بما هو يمحو كل يوم وأثبت وقال فاستظرفها الرييس أبو عثمان بن حكم وأعفاه‏.‏
مولده‏:‏ في أواخر أربعة وسبعين وستماية‏.‏
وفاته قال في العايد ومضى لسبيله شهابًا من شهب هذا الأفق وبقية من بقايا حلبة السبق رحمه الله في ليلة السبت الثاني من شهر شعبان المكرم عام سبعة وأربعين وسبعماية وتخلف وقرًا لم يشتمل على شيء من الكتب لإيثاره اقتناء النقدين وعين جراية لمن يتلو كتاب الله على قبره على حد من التعزرة والمحافظة على الإتقان‏.‏
ودفن بباب إلبيرة في دار اتخذها لذلك‏.‏
محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي من أهل غرناطة يكنى أبا القاسم‏.‏
حاله مجموع خلال بارعة وأوصاف كاملة حسن الخط ذاكر للتاريخ والأخبار مستول على خصال حميدة من حسن رواء وسلامة صدر إلى نزاهة الهمة وإرسال السجية والبعد عن المصانعة والتحلي بالوقار والحشمة شاعر كاتب‏.‏
ومناقبه يقصر عنها الكثير من أبناء جنسه كالفروسية والتجند والبسالة والرماية والسباحة والشطرنج متحمد بحمل القنا مع البراعة مديم على المروءة مواس للمحاويج من معارفه‏.‏
ارتسم في الديوان فظهر غناؤه وانتقل إلى الكتابة معززة بالخطط النبيهة العلمية وحاله الموصوفة متصلة إلى هذا العهد وهو معدود من حسنات قطره‏.‏
وثبت في التاج المحلى بما نصه‏:‏ سابق ركض المحلى أتى من أدواته بالعجايب وأصبح صدرًا في الكتاب وشهمًا في الكتايب‏.‏
وكان أبوه رحمه الله بهذه البلدة قطب أفلاكها وواسطة أسلاكها ومؤتمن روسايها وأملاكها وصدر رجالها وولي أرباب مجالها قد نثل ابنه سهامها فخبر عدالة وبراعة وفهمًا وألقاه بينهم قاضيًا شهمًا فظهر منه نجيبًا ودعاه إلى الجهاد سميعًا مجيبًا فصحب السرايا الغريبة المغيرة وحضر على هذا العهد من الوقايع الصغرة والكبيرة وعلى مصاحبة البعوث وجوب السهول والوعوث فما رفض اليراعة الباتر ولا ترك الدفاتر للزمان الفاتر‏.‏
شعره وله أدب بارع المقاصد قاعد للإجادة بالمراصد وقال من الروضيات وما في معناها‏:‏ ِدعيني ومطلول الرياض فإنني أنادم في بطحايها الآس والوردا أعلل هذا بخضرة شارب وأحكي بهذا في تورده الخدا وأزهر غض البان رايد نسبة ذكرت به لين المعاطف والقدا وقال‏:‏ يومنا يوم سرور فلتقمتصدع الهم بكاسات المدام إنما الدنيا منام فلتكن مغرمًا فيها بأحلى المنام وقال‏:‏ أحبك ما هبت من الروض نسمة وما اهتز غصن في الحديقة مايل فإن شئت أن تهجر وإن شئت فلتقبل فإني لما حملتني اليوم حامل وقال‏:‏ كم قلت للبدر المنير إذ بدا هيهات وجه فلانة تحكي لنا فأجابني بلسان حال واعتنى لا الشمس تحكيها فأحكيها أنا وصرفت وجهي نحو غصن أملد قد رام يشبه قدها لما انثنا فضحكت هزءًا عند هز قوامها إذا رام أن يحكى قوامًا كالقنا وكتب إليه في غرض يظهر من الأبيات‏:‏ جوانحنا نحو اللقاء جوانح ومقدار ما بين الديار قريب وتمضي الليالي والتزاور معوز على الرغم منا وإن ذا لغريب فديتك عجلها لعيني زيارة ولو مثل ما رد اللحاظ مريب وإن لقائي جل عن ضرب موعد لأكرم ما يهدي الأريب أريب فراجعني بقوله والتجني شيمة‏:‏ فلا ذنب للأيام في البعد بيننا فإني لداعي القرب منك مجيب وإن لقاء جاء من غير موعد ليحسن لاكن مرة ويطيب وإجسانة كثير وفيما ثبت كفاية ليلا نخرج عن غرض الاختصار‏.‏
محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي يكنى محمد أبا بكر أخو الذي قبله‏.‏
حاله تلوه في الفضل والسراوة وحسن الصورة ونصاعة الطرف مرب عليه بمزيد من البشاشة والتنزل وبذل التودد والتبريز في ميدان الانقطاع متأخر عنه في بعض خلال غير هذا‏.‏
ذكي الذهن مليح الكتابة سهلها جيد العبارة متأتي اليراع مطلق اليد حسن الخط سريع بديهة المنثور معم مخول في التخصص والعدالة‏.‏
كتب الشروط بين يدي أبيه ونسخ كثيرًا من أمهات الفقه واستظهر كتبًا من ذلك المقامات الحريرية‏.‏
وكتب بالدار السلطانية واختص بالمراجعة عمن بها والمفاتحة أيام حركات السلطان عنها إلى غيرها‏.‏
حميد السيرة حسن الوساطة نجدي الجاه مشكور التصرف خفيف الوطأة‏.‏
وولي الخطابة العلية‏.‏
مع الاستمساك بالكتابة‏.‏
ولم يؤثر عنه الشعر ولا عول عليه‏.‏
محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدوسي يكنى أبا بكر وقد ذكرنا أباه وعمه ويأتي ذكر جده‏.‏
حاله نبيل المقاصد في الفن الأدبي مشغول به مفتوح من الله عليه فيه شاعر مطبوع مكثر انقاد له مركب النظم في سن المراهقة واشتهر بالإجادة وأنشد السلطان وأخذ الصلة وارتسم لهذا العهد في الكتابة‏.‏
وشرع في تأليف يشتمل على أدباء عصره‏.‏
شعره ومما خاطب به أحد أصحابه‏:‏ إذا شمت من نحو الحمى في الدجا برقا أبي الدمع إلا أن يسيل ولا يرقى ومهما تذكرت الزمان الذي مضى تقطعت الأحشاء من حر ما ألقى خليلي لا تجزع لمحل فأدمعي تبادر سقيًا في الهوى لمن استسقى وما ضر من أصبحت ملك يمينه إذا رق لي يوما وقد حازني رقا فنيت به عشقا وإن قال حاسد أضل الورى من مات في هاجر شقا ومنها‏:‏ وكم من صديق كنت أحسب أنه إذا كذبت أوهامنا رفع الصدقا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي ابن عم المذكورين قبله يكنى أبا القاسم‏.‏
حاله حسن الصورة لازم القراءة على شيوخ بلده ونظم الشعر على الحداثة وترشح للكتب بالدار السلطانية مع الجماعة ممن هو في نظمه‏.‏
ومن شعره كتب إلي بما نصه‏:‏ أحسب وحده يوم رأسك ربما تعطى السلامة في الصراع سلمًا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي أخو الفقيه أبي بكر بن القاسم بن محمد المذكور حاله شاب حسن فاضل دمث متخلق جميل الصورة حسن الشكل أحمر الوجنتين‏.‏
حفظ كتبا من المبادي النحوية وكتب خطا حسنا وارتسم في ديوان الجند مثل والده وهو الآن بحاله الموصوفة‏.‏
شعره قيد أخوه لي من الشعر الذي زعم أنه من نظمه قوله‏:‏ حلفت بمن ذاد عني الكرى وأسهر جفني ليلًا طويلا وألبس جسمي ثياب النحول وعذب بالهجر قلبي العليلا ما حلت عن وده ساعة ولا اعتضت منه سواه بديلا ابن جزى الكلبي محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزى الكلبي من أهل غرناطة وأعيانها يكنى أبا عبد الله‏.‏
أوليته تنظر في اسم أبيه في ترجمة المقريين والعلماء‏.‏
حاله من أعلام الشهرة على الفتاوة‏.‏
وانتشار الذكر على الحداثة‏.‏
تبريزًا في الأدب واضطلاعا بمعاناة الشعر وإتقان الخط وإيضاحًا للأحاجي والملغزات‏.‏
نشأ بغرناطة في كنف والده رحمه الله مقصور التدريب عليه مشارًا إليه في ثقوب الذهن وسعة الحفظ ينطوي على نبل لا يظهر أثره على التفاتة وإدراك تغطجي شعلته مخيلة غير صادقة من تغافله‏.‏
ثم جاش طبعه وفهق حوضه وتفجرت ينابيعه وتوقد إحسانه‏.‏
ولما فقد والده رحمه الله ارتسم في الكتابة فبذ جلة الشعراء إكثارا واقتدارا ووفور مادة مجيدا في الأمداح عجيبًا في الأوضاع صديقًا في النسيب مطبوعا في المقطوعات معتدلا في الكتابة نشيط البنان جلدًا على العمل سيال المجاز جموح عنان الدعابة غزلا مؤثرا للفكاهة انتقل إلى المغرب لشفوف خصله على ما قد قصم الحظوظ‏.‏
سبحانه من رزقه بهذه البلاد‏.‏
فاستقر بباب ملكه‏.‏
مرعى الجناح أثير الرتبة‏.‏
مطلق الجراية مقرر السهام معتبا وطنه راضيا عن جيرته‏.‏
ديدن من يستند إلى قديم ويتحيز إلى أصالة‏.‏
تواليفه أخبرني عند لقايه أياي بمدينة فاس في غرض الرسالة عام خمس وخمسين وسبعماية أنه شرع في تأليف تاريخ غرناطة ذاهبًا هذا المذهب الذي انتدبت إليه ووقفت على أجزاء منه تشهد باضطلاعه وقيد بخطه من الأجزاء الحديثة والفوايد والأشعار ما يفوت الوصف ويفوق الحد‏.‏
وجرى ذكره في التاج بما نصه‏:‏ شمس في البلاغة بازغة وحجة على بقاء الفطرة الغريزية في هذه البلاد الغربية بالغة وفريدة وقت أصاب من فيها نادرة أو نابغة من جذع ابن علي القادح وجرى من المعرفة كل بارح لو تعلقت الغوامض بالثريا لنالها وقال أنا لها‏.‏
وربما غلبت الغفلة على ظاهره وتنطفق أكمامها على أزاهره حتى إذا قدح في الأدب زنده تقدم المواكب بنده إلى خط بارع يعنو طوال شعره فمن غرامياته وما في معناها قوله‏:‏ متى يتلاقى شايق ومشوق ويصبح عير الحب وهو طليق أما أنها أمنية عز نيلها ومرمى لعمري في الرجا سحيق ولكني خدعت قلبي تعلة أخاف انصداع القلب فهو رقيق وقد يرزق الإنسان من بعد يأسه وروض الربى بعد الذبول يروق تباعدت لما زادني القرب لوعة لعل فؤادي من جواه يفيق ورمت شفاء الداء بالداء مثله وإني بألا أشتفي لحقيق وتالله ما للصب في الحب راحة على كل حال إنه لمشوق ويا رب قد ضاقت علي مسالكي فها أنا في بحر الغرام غريق ولا سلوة ترجى ولا صبر ممكن وليس إلى وصل الحبيب طريق ولا الحب عن تعذيب قلبي ينثني ولا القلب للتعذيب منه يطيق شجمن يضق الصدر عن زفراتها وشوق نطاق الصبر عنه يضيق ولو أن عند الناس بعض محبتي لما كان يلقى في الأنام مفيق أيا عين كفى الدمع ما بقى الكرى إذا منعوك النوم سوف تذوق ويا نايمًا عن ناظري أما ترى لشمسك من بعد الغروب شروق رويدك رفقًا بالفؤاد فإنه عليك وإن عاديته لشفيق نقضت عهودي ظالما بعد عقدها إلا إن عهدي كيف كنت وثيق كتمتك حبي يعلم الله مدة وبين ضلوعي من هواك حريق فما زلت بي حتى فضحت فإن أكن صبرت بعد اليوم لست أطيق وقال‏:‏ ومورد الوجنات معسول اللمى فتاك بلحظ العين في عشاقه الخمر بين لثاته والزهر في وجناته والسحر في أحداقه ينادي غصن البان في أثوابه ويلوح بدر التم في أطواقه في روضة ضحكت ثغور أقاحها وأمال فيها المزن من آماقه أسقيه كأس سلافة كالمسك في نفحاته والشهد عند مذاقه صفراء لم يدر الفتى أكواسها إلا تداعى همه لفراقه ولقد تلين الصخر من سطواته فيعود للمعهود من أشفاقه وأظل أرشف من سلافة ثغره خمرًا تداوي القلب من إحراقه ولربما عطقته عندي نشوة فشقى الخيال بضمه وعناقه أرجو نداه إذا تبسم ضاحكا وأخاف منه العتب في إطراقه أشكو القساوة من هواى وقلبه والضعف من جلدي ومن ميثاقه يا هل لعهد قد مضى من عودة أم لا سبيل بحالة للحاقه يا ليت شعري لو كانت لذلك حيلة أو كان يعطى المرء باستحقاقه فلقد يروق الغصن بعد ذبوله ويتم بدر التم بعد محاقه


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:21 AM

ومما اشتهر عنه في هذا الغرض‏:‏ من كان يبكي الظاعنين بأدمع فأنا الذي أبكيهم بنجيع إيه وبين الصدر منى والحشا شجن طويت على شجاه ضلوع هات الحديث عن الذين تحملوا واقدح بزند الذكر نار ولوع عندي شجون في التي جنت النوى أشكو الغداة وهن في توديع ليت الذي بيني وبين صبابتي بعد الذي بيني وبين هجوع يا قلب لا تجزع لما فعل النوى فالحر ليس لحادث بجزوع أبعد ما غودرت في أشراكه تبغي النزوع ولات حين نزوع ومهفهف مهما هبت ريح الصبا أبدت له عطفاه عطف مطيع جمع المحاسن وهو منفرد بها فاعدب لحسن مفرد مجموع والشمس لولا إذنه ما آذنت خجلا وإجلالًا له مطلوع ما زلت أسقى خده من أدمعي حتى تفتح عن رياض ربيع إن كان يرنو عن نواظر شادن فلرب ضرغام بهن صريع لم أنتفع لبسا من الملبوس في حبي ولا بعذارى المخلوع بجماله استشفعت في إجماله ليحوز أجر منعم وشفيع يا خادعي عن سلوتي وتصبري لولا الهوى ما كنت بالمخدوع أوسعتني بعد الوصال تفرقا وأثبتني سوءًا لحين صنيع أسرعت فيما ترتضي فجزيتني بطويل هجران إلى سريع أشرعت رمحا من قوامك دايلًا فمنعت من ماء الرضاب شروعي خذ من حيث تولعي وتولهي خبرًا صحيحًا ليس بالمصنوع يرويه خدي مسندا عن أدمعي عن مقلتي عن قلبي المصدوع كم من ليال في هواك قطعتها وأنا لذكراهن في تقطيع لا والذي طبع الكرام على الهوى وبر سوا أن الهوى المطبوع ما عيرتني الحادثات ولم أكن بمذيع سر للعهود مضيع لا خير في الدنيا وساكنها معا إن كان قلبي منك غير جميع نعم لست أرضى عن زماني أو أرى تهادي السفن المواخر والبخت لقد سيمت نفسي المقام ببلدة بها العيشة النكراء والمكسب السحت يذل بها الحر الشريف لعبده ويجفوه بين السمت من سنة ست إذا اصطافها المرء اشتكى من سمومها أذى ويرى فيه أدًا يبت ولست كقوم في تعصبهم عتوا يقولون بغداد لغرناطة أخت رغبت بنفسي أن اساكن معشرًا مقالهم زور وودهم مقت يدسون في لين الكلام دواهيًا هي السم بالآل المشود لهالت فلا در در القوم إلا عصيبة إلي بإخلاص المودة قد متوا وآثرت أقوامًا حمدت جوارهم مقالهم صدق وودهم بحت لهم عين عيان الفاحشات إذا بدت تعام وعن ما ليس يعينهم صمت فما ألفوا لهوا ولا عرفوا خنى ولا علموا أن الكروم لها بنت به كل مرتاح إلى الضيف والوغى إذا ما أتاه منهما النبأ البغت وأجرد جرار الأعنة فارح كميت وخير الخيل قداحها الكمت نسامت به الأعراق في آل أعوج ولا عوج في الخلق منه ولا أمت وحسبي لعضات النوائب منجدا عليها الكميت الهند والصارم الصلت قطعت زماني خبرة وبلوته فبالغدر والتخفيف عندي له نعت ومارست أبناء الزمان مباحثا فأصبح حبلي منهم وهو منبث وذي صلف يمشي الهوينا ترفقا على نفسه كيلا يزايلها السمت إذا غبت فهو المروة القوم عندهم له الصدر من ناديهم وله الدست وإن ضمني يوما وإياه مشهد هو المعجم السكيت والعمة الشخت فحسبي عداتي أن طويت مآربي على عزمهم حتى صفا لهم الوقت وقلت لدنياهم إذا شئت فاغربي وكنت متى أعزم فقلبي هو البت وأغضيت عن زلاتهم غير عاجز فماذا الذي يبغونه لهم الكبت وقال‏:‏ وشادن تيمنى حبه حظى منه الدهر هجرانه ورد الخدين حلو اللمى أحمر مضني الطرف وسنانه لم تنطو الأغصان في الروض بل ضلت له نسجد أغصانه يا أيها الظبي الذي قلبه تضرم في القلب نيرانه هل عطفة ترجى لصب شبح ليس يرجى عنك سلوانه يود أن لو زرته في الكرى لو متعت بالنوم أجفانه قد رام أن يكتب ما نابه والحب لا يمكن كتمانه فأفضيت أسراره واستوى إسراره الآن وإعلانه وقال‏:‏ نهار وجه وليل شعر بينهما الشوق يستثار قد طلبا بالهوى فؤادي فأين لي عنهما الفرار وكيف يبغى النجاة شيء يطلبه الليل والنهار وقال في غرض التورية‏:‏ أبح لي في رياض المحاسن نظرة إلى ورد ذاك الخد أروى به الصدى وبالله لا تبخل علي بعطفة فإني رأيت الروض يوصف بالندا وقال‏:‏ وعاشق صلى ومحرابه وجه عزال ظل يهواه قالوا تعبد فقلت نعم تعبدًا يفهم معناه وقال هو مليح جدًا‏:‏ وصديق شكى بما حملوه من قضاء يقضى بطول العناء قلت فاردد ما حملوك عليهم قال من يستطع رد القضاء لسانان هجيا من خاصماه لسان الفتى ولسان القضاء إذا لم تحز واحدًا منهما فلست أرى لك أن تنطقا وقال‏:‏ تلك الذؤابة ذبت من شوقي لها واللحظ يحميها بأي سلاح وفاته اتصل بنا خبر وفاته بفاس مبطونًا في أوايل ثمانية وخمسين وسبعماية‏.‏
ثم تحققت أن ذلك في آخر شوال من العام قبله‏.‏
ابن الحكيم اللخمي محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي يكنى أبا القاسم‏.‏
حاله من كتاب عائد الصلة‏:‏ فرع دوحة الأصالة والخصوصية والعلم والدين والمكانة والجلالة مجلي بيته‏.‏
ومجدد مآثره برًا ومجاملة وخيرية‏.‏
نشأ بأطراف جملته من الفنون من حساب وفريضة وأدب وقراءة ووثيقة إلى خط حسن وأدب تكفله حتى انقاد له أو كاد‏.‏
أعبط في وقيعة الطاعون قاضيًا ببعض الجهات‏.‏
وكاتبًا للدار السلطانية فكانت فيه الفجيعة عظيمة‏.‏
وجرى ذكره في التاج المحلى بما نصه‏:‏ من فروع مجد وجلالة ورث الفضل لا عن كلالة‏.‏
أشرف مجيد معظم مخول في العشيؤة وصل لباب المجد بفرايد الخلال الأثيرة وأصبح طرفًا في الخير والعفاف واتصف من العدالة بأحسن اتصاف وسلك من سنن سلفه أثر هذا لا يزال يرشده ويدله ويسدده فيما يعقده أو يحله واتسم بميسم الحيا والحيا خير كله إلى نزاهة لا ترضي بالدون ونجابة تتهالك في صون الفنون‏.‏
وطمح في هذا العهد إلى نمط في البلاغعة رفيع وجنح إلى مساجلة ما يستحسنه من مخترع وبديع وصدرت منه طرف تستملح وتستحلي إذا استحلى‏.‏
ونحن نورد ما أمكن من آياته ونجلي بعض غرره وشياته‏.‏
شعره ومن مقطوعات آياته‏:‏ وهبت فهزت عند ما رأت به الطلا مثل الطفل يرضع في المهد والروض حياه المزن خلعة برقة وباتت رباه من حباه على وعد يحدثنا عن كرمها ما من مزنها فتبدي ابتسام الزهر في لثمة الخد عجبنا لما رأينا من برها بدور حباب الكأس تلعب بالنرد وقال‏:‏ شربنا وزبحى الدياجي موقد مصابيح من زهر النجوم الطوالع عقارًا رأته حين أقبل حالكًا فجاءت بمصفر من اللون فاقع عجبت لها ترتاع منه وإنها لفي الفرقد قرت لدم المدامع وقال‏:‏ من بنات الكروم والروم بكرا أقبلت ترتدي حيا بهيا خلتها والحباب يطفوا عليها شفقا فوقه نجوم الثريا قهوة كالعروس في الكأس تجلى صاغ من لؤلؤها الزج حليا وقال‏:‏ ويوم أنس صقيل الجو ذي نظر كأنه من وميض البرق قد خلقا ما زلت فيه لشمس الطست مصطحبًا وبالنجوم وبالأكواس مغتبقا صفراء كالعسجد المسبسوك إن شربت تبدي احمرارًا على الخدين مؤتلقا كذلك الشمس في أخرى عشيتها إذا توارت أثارت بعدهها شفقا وقال‏:‏ بنفسي حبيب صال عامل قده علي ولما ينعطف وهو كالغصن ويا عدبًا منه متى صار ذابلا ونضرته تنار عن حوطة اللدن وأعجب من ذا أن سيف لحاظه يمزق أفلاذ الحشى وهو في الجفن وقال‏:‏ يأبى وغير أبي غزال نافر بين الجوانح يغتدي ويروح لم يرض غير القلب منزلة فهل يا ليت شعري بالذراع يلوح ومما نسب لنفسه وأنشدنيه‏:‏ ومما نسب لنفسه وأنشدنيه‏:‏ ليل الشاب انجاب أول وهلة عن صبح شيب لست عنه براض إن سرني يومًا سواد خضابه فنصوله عن ساق ببياض هلا اختفى فهو الذي سرق الصبا والقطع في السرقات أمر ماض فعليه ما استطاع الظهور بلمتي وعلي أن ألقاه بالمقراض وفاته توفي رحمه الله بغرناطة في السابع عشر شهر ربيع الآخر عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطاعون ودفن بباب إلبيرة رحمة الله عليه‏.‏
ابن محمد اللوشي اليحصبي محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي ابن محمد اللوشي اليحصبي يكنى أبا عبد الله ويعرف باللوشي أوليته الخطط وفيًا لمن لحقته من السلطان موجدة تختلف معاملته لمن يعرفه في اليوم مرات من إعراض عنه وقبول عليه ولصوق به كل ذلك عن سلامة وتهيب نفس‏.‏
مليح الدعابة ذاكرا لفنون من الأناشيد حسن الجد متجافيًا عن الأعراض‏.‏
ودرى ذكره في التاج بما نصه‏:‏ شاعر مفلق وشهاب في أفق البلاغة متألق طبق مفاصل الكلام بحسام لسانه وقلد نحور الكلام ما يزري بجواهر الملوك من إحسانه‏.‏
ونشأ في حجور الدولة النصرية مدللًا بمتاته متقلبًا من العز في أفانينه وأشتاته إذ لسلفه الذمام الذي صفت منه الحياض والحمام والوداد الذي قصرت عنه الأنداد والسابقة التي أزرى بخبرها العيان وشهدت بها أرجونة وجيان محيز ثمرة الطيب‏.‏
وله همة عالية بعيدة المرمى كريمة المنتمى حملته بآخرة على الانقباض والازدراء والزهد في الازدياد والاستكثار والاقتصاد والاقتصار فعطف على انتجاع غلته والتزام محلته ومباشرة فلاحة صان بها وجهه ووفاه الدهر حقه ونجمه واحتجبت عقايل بيانه لهذا العهد وتقنعت وراودتها النفس فتمنعت وله فكاهة وأنس الزمان مناجاة القينات عند البيات وأعذب من معاطاة الراح في الأقداح‏.‏
شعره قال وله أدب بلغ في الإجادة الغاية ورفع للجبين من السنن الراية‏.‏
ومن مقطوعاته يودع شيخنا الفقيه القاضي أبا البركات بن الحجاج‏:‏ رأوني وقد أغرقت في عبراتي وأحرقت في ناري لدى زفراتي فقالوا سلوه تعلموا كنه حاله فقلت سلوا عني أبا البركات فمن قال إني بالرحيل محدث روت عنه أجفاني غريب ثبات ونادى فؤادي ركبه فأجابه ترحل وكن في القوم بعض عدات ومن مقطوعاته البديعة من قصيدة مجازية‏:‏ سيخطب قس العزم في منبر السرى وهل في الدنا يوم المسير أطيق وأقطع زند الهجر والقطع حقه فما زال طيب العمر عني يسترق مولده‏:‏ في حدود ثمانية وسبعين وستماية وفاته في الموفي عشرين من شهر ربيع الثاني من عام اثنين وخمسين وسبعماية ابن الحكيم اللخمي محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي يكنى أبا بكر أوليته مرت في اسم ذي الوزارتين حاله من كتاب عائد الصلة‏:‏ كان صدر أبناء أصحاب النعم وبقية أعلام البيوت ترف نشأة وعز تربية وكرم نفس وطيب مجالسة وإمتاع محاضرة وصحة وفاء وشياع مشاركة في جملة فاضلة محدثًا تاريخيًا كاتبًا بليغًا حسن الخط مليح الدعابة ظريف التوقيع متقدم الحيلة في باب التحسين والتنقيح‏.‏
يقرض الشعر ويفك المعمى ويقوم على جمل الكتاب العزيز‏.‏
حفظًا وتجويدًا‏.‏
وإتقانًا ويسرد نتف التاريخ‏.‏
وعيون الأخبار إلى حسن الخلق وكمال الأبهة وحلاوة البساطة واحتمال المنابشة‏.‏
والمثابرة على حفظ المودة والاستقالة من الهفوة والتمسك بالاستعتاب والمذرة‏.‏
كتب بالدار السلطانية أكثر عمره وتصدر بعد في قيادة المواضع النبيهة محاربًا ذا قدرة في ذلك‏.‏
ومع ذلك فشايع المعروف ذايع المشاركة قيد الكثير‏.‏
ودون وصنف وحمل عن الجلة ممن يشق إحصاؤهم وكان غرة من غرر هذا القطر وموكبا من مواكب هذا الأفق لم يتخلف بعده مثله‏.‏
وجرى ذكره في التاج المحلى بما نصه‏:‏ ماجد أقام رسم المجد بعد عفايه فوفى الفضل حق وفايه‏.‏
بيته في رندة أشهر في الأصالة من بيت امرئ القيس وأرسى في بحبوحة الفخر من قواعد الرضوى وأبي قيس استولى على الجود البديع البعيد المدا وحجت إليه من كل فج طلاب الندا وعشت إلى ضوء ناره فوجدت على النار التقى والهدى‏.‏
ولي الوزارة النصرية التي اعتصر منها طريقًا بتالد فأحيت مآثرها الخالدة مآثر يحيى بن خالد‏.‏
ولما أدار عليها الدهر كأس النوايب وخلص إليها سهمه الصايب بين صحايف الكتب وصفايح الكتايب تطلعت من خلالها الرايقة لباب الوجود وبكتها بسيل أجفانها عين الباس والجود وطلع على أعقاب هذه الفضايل محلى من صفحاتها وأعاد لو ساعده الدهر من لمحاتها وارتقى من الكتابة إلى المحل النبية واستحقها من بعض ميراث أبيه وبني وشيد ودن فيها وقيد وشهر في كتب الحديث وروايته وجني ثمرة رحلة أبيه وهو في حجر ذؤابته‏.‏
وأنشأ الفهارس وأحيي الأثر الدارس وألف كتابه المسمى بالموارد المستعذبة والمقاصد المنتخبة فسرح الطرف وروضه طيب الجني والعرف وله شعر أنيق الحلية حاز في نمط العلية‏.‏
وبيني وبين هذا الفاضل وداد صافي الحياض وفكاهة كقطع الرياض ودعابة سحبت الدالة أذيالها وأدارت الثقة والمقة جريالها‏.‏
وسيمر في هذا الديوان كل رايق الحيا عاطر الريا‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي جعفر الحريري والأستاذ أبي الحسن القيجاطي والأستاذ إسحق بن أبي العاصي‏.‏
وأخذ عن العلم والرم من مشايخ المشرق والمغرب‏.‏
فمنهم الولي الصالح فضل بن فضيلة المعافري إلى العدد الكثير من أهل الأندلس كالخطباء الصلحاء أبي عبد الله الطنجالي وأبي جعفر الزياتي وأبي عبد الله بن الكماد وغيرهم من الرنديين والمالقيين والغرناطيين حسبما تضمنه برنامجه‏.‏
m0وليفه ألف الكتاب المسمى الفوائد المتخبة والموارد المستعذبة‏.‏
وكمل التاريخ المسمى بميزار العمل لابن رشيق‏.‏
ودون كتابًا في عبارة الرؤيا سماه بشارة القلوب بما تخبره الرؤيا من الغيوب والأخبار المذهبة والإشارة الصوفية والنكت الأدبية‏.‏
والهودج في الكتب‏.‏
والإشارة في ألف إنشاده‏.‏
قال في التاريخ ما نصه‏:‏ وتهادته إلى هذا العهد رتب السيادة واستعمل في نبيهات القيادة فوجه إلى معقل قرطمة من كورة ريه وهو واليه وبطاحه في مجرى جياده وصحر عواليه‏.‏
وقد حللت مالقة صحبة الركب السلطاني في بعض التوجهات إلى تلك الجهات في بعض ما أتحف من مقعده المتصل المستمر بهدية مشتملة على ضروب من البر‏.‏
فخاطبته مقيما لسوق الانبساط وغير حايد عن الوداد والاغتباط على ما عول عليه من حمل الإفراط والانتظام في هذا المعنى والانخراط‏:‏ ألام على أخذ القليل وإنما أعامل أقوامًا أقل من الذر فإن أنا لم آخذه منهم فقدته ولا بد من شيء بعين على الدهر سيدي أطلق الله يدك بما تملك وفتر عن منحك البخل ليلًا تهلك‏.‏
كنت قد هومت وحذرني القلق فتلومت‏.‏
ولومي كما علمت سيئ الخصال عزيز الوصال‏.‏
يمطل ديني ويعاف طيره ورد عيني‏.‏
فإذا الباب يدق بحجر فأنبأني عن ضجر وجار الجنب يزخذ بالذنب‏.‏
فقمت مبادرًا وجزعت‏.‏
وإن كان الجزع مني نادرًا‏.‏
واستفهمت من وراء الفلق عن سبب هذا القلق‏.‏
فقالت امرأة من سكان البوادي‏.‏
رابطة الفؤاد يا قوم رسول خير وناعق طير وقرع إذلال لا فرع إدلال‏.‏
حطوا شعار الحرب والحرب فقد ظفرتم ببلوغ الأرب فتأخرت عن الإقدام وأنهدت إليه فحن عمر بن أبي ربيعة عمن كان بالدار من الخدام‏.‏
فأسفرت الوقيعة عن سلام وسلم ولم يزن أحد منا بكلم‏.‏
ونظرت إلى رجل قرطبي الطلعة والأخلاق خاو على الإطلاق‏.‏
تنهد قبل أن يسلم وارتمض لام ذهب من الشبيهة وتألم‏.‏
شنشنة معروفة‏.‏
وعين تلك الجهات معاذ الله مصروفة‏.‏
وقد حملته سيادتكم من المبرة ضروبًا شتى‏.‏
وتجاوزت في المسرات غاية حتى‏.‏
ولم تضع عضوًا من جسده فضلًا عن منكبه ويده إلا علقته وعاء ثقيلا وناطت به زنبيلا‏.‏
واستلقى كالمني إذا ترك المعترك‏.‏
وعلت حوله تلك الأثقال‏.‏
وتعاورها الانتقال وكثر بالزقاق القيل والقال‏.‏
فلما تخلصت إلى الدار وسترت معرفتها بالجدار وتناولها الاختبار الفاضح وبان قصورها الواضح فتلاشت بعد ما جاشت ونظرت إلى قعب من اللبن الممزوق الذي لا يستعمل في البيوت ولا يباع في السوق فأذكرتني قول الشاعر‏:‏ في تلك المكارم لا قعبان من البن شيبت بماء فعاد بعد أبوالا أما زبده فرفع وأما جبنه فاقتيت به وانتفع‏.‏
وأما من بعثه من فضلاء الخدام فدفع وكأبى به قد ألح وصفع والتفت إلى قفة فد خيطت وبعنق ذاك البايس قد نيطت رمس فيها أفراخ الحمائم وقلدت بجيده كما يتقلد بالتمائم وشد حبلها بمخنقه وألزم منها في العاجل طائره في عنقه هذا بعد ما ذبحت وأما حشوها فربحت‏.‏
ولو سلكتم الطريقة المثلى لحفظتم جثتها من العفن كما تحفظ جثة القتلى وأظنكم لم تغفلو هذا الغرض الأدنى ولا أهملتم هذه الهمم الذي غريزة في المبنى‏.‏
فإني رميت منها اللهو رمي المختبر فكلح من مرارة الصبر ولما أخرجتها من كفن القفة واستدعيت لمواراتها أهل الصفة تمثلت تمثل اللبيب بقول أبي تمام حبيب‏:‏ هن الحمام فإن كسرت عيافة من حائهن فإنهن حمام ولو أن إحدى الدجاجتين لاحت عليها مخيلة سر‏.‏
لكانت من بقايا مواطني ديوك بني مر وبعث بها حلالك حلاله‏.‏
وأهدى منها اجتهاد من أحسن‏.‏
ولم يكن بالهدية ما يذكر ولا كانت مما ينكر أستغفر الله فلو لم تكن التحفة إلا تلك الفكاهة العاطرة والغمامة الماطرة‏.‏
التي أحسبها الأمل الأقصى وتجاوزت إلا من التي لا تعد ولا تحصى للزم الشكر ووجب وبرز من حر المحج ما تيسر واحتجب‏.‏
فالمكارم وإن تغيرت أنسابها وجهل انتسابها‏.‏
وادعى إرثها واكتسابها إليكم تنشر يدها وتسعى لأقدامها ولبيتكم تميل بهواديها وبساحتكم يسيب واديها وعلى أرضكم تسح غواديها‏.‏
ومثلي أعزكم الله لا يغضى من قدر تحفكم الحافلة ولا يقجر من شكرها على فريضة ولا نافلة ولكنها دعابة معتادة وفكاهة أصدرتها ودادة‏.‏
ولا شك أنكم بما جبلتم عليه قديمًا وحديثًا تغتفرون جفائي الذي سيرتموه سمرًا وحديثًا في جنب وفائي وتغضون وتتحملون وبقول الشاعر تتمثلون وأسمع من الألفاظ اللغوية التي يسر بها سمعي وإن بعثت بشيء كالجفاء وإنما بعثت بعذري كالمدل إلى غدر وقلت لنفسي لا تردعي فإنه كما قيل شيء قد يعين على الدهر وما كان قدر الود والمجد مثله فخذه على قدر الحوادث أو قدري وإن كنت لم أحسن صنعي فإنني سأحسن في حسن القبول له شكري وقدرك قدر النيل عندي وإنني لدي قدرك العلي أدق من الذر قنعت وحظي من زماني وودكم هباء ومثلي ليس يقنع بالنزر أتاني كتاب منك باه مبارك لقيت به الآمال باهتة الثغر جلا من بنات الفكر بكرًا وزفها إلى ناظري تختال في حبر الحبر فألفاظها كالزهر والزهر يانع وقدر المعاني في الأصالة كالزهر نجوم معان في سماء صحيفة ولكنها تسرى النجوم ولا تسري تضمن من نوع الدعابة ما به رجوت الذي قد قيل في نشوة الخمر رعى الله مسراها الكريم فجل ما جلته من البشرى وأبدت من البشر نشرت بها ما قد طويت بساطه زمانًا وبي طي الأمور مع النشر ونعم خيل الخير أنت محافظًا على سنن الإخلاص في السر والجهر ودونكها تلهو بها وتديرها سحيرية الأنفاس طيبة النشر فراجعني بقوله‏:‏ وقد من سيدي الجواب محتويًا على العجب العجاب فيالك من فكاهة كوثرية المناهل عنبرية المسايل ولو لم يكن إلا وصف القرطبي المستوي الطلعة الشرطي الصنعة‏.‏
وأما وصف اللبن وفراخ الحمام فقد بسطتم في المزاح القول‏.‏
وامتنعتم في الكلام الفصل‏.‏
وذلك شيء يعجز عن مساجلتكم فيه فيه أرباب البلاغة والبيان فكيف بمثلي ممن له القول المهلهل النسيج الواهي البيان‏.‏
ولا بد من عرض ذلك على سيدي القطب الكبير الإمام وأستاذنا علم الأعلام وكبير أيمة الإسلام‏.‏
فيحكم بيننا بحكم الفصل‏.‏
وينصف بما لديه من الحق والعدل‏.‏
وقد كنت أحيد عن مراجعتكم حيدة الجبان‏.‏
وأميل عن ذلك ميلة الكودن عن مجارا السمر الهجان‏.‏
وأعدل عن مساجلة أدبكم الهتان‏.‏
عدول الأعزل عن مبارزة جيد السنان‏.‏
إلى أن وثقت بالصفح‏.‏
وعولت على ما لديكم من الإغضاء والسمح ووجهت حاملة السر والظروف كي تتصل الهدايا ولا ينقطع المعروف‏.‏
وأستقيل من انبساط يجر عذرًا‏.‏
وأسأله سبحانه وتعالى حمدًا يوجب المزيد ومن شعره في النسك واللجأ إلى الله تعالى‏:‏ أيا من له الحكم في خلقه ومن بكر بي له أشتكي تول أموري ولا تسلمني وإن أنت أسلمتني أهلك تعاليت من مفضل منعم ونزهت من طالب مدرك ومن ذلك ونقلته من خطه‏:‏ تصبر إذا ما أدركتك ملمة فصنع إله العالمين عجيب وما يدرك الإنسان عار بنكبة ينكب فيها صاحب وحبيب ففي من مضى للمرء ذي العقل أسوة وعيش كرام الناس ليس يطيب ويوشك أن تهمى سحايب نعمة فيخصب من ربع السرور جديب إلهك يا هذا مجيب لمن دعا وكل الذي عند القريب قريب مولده‏:‏ عام خمسة وستين وستماية‏.‏
وفاته من عائد الصلة‏.‏
قال وختم الله عمره بخير العمل من الإنابة والتهدج والتزام الورد وإن كان ابن العابد الأنصاري محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري ولد المذكور بعد الكاتب بالدار السلطانية‏.‏
حاله من كتاب طرفة العصر وغيره قال كان كاتبًا مشهورًا بليغًا ذا معرفة بارع الخط وأحد زمانه في ذلك وقورًا معذب اللفظ منحصًا في وفي نفسه محارفًا بحرفة الأدب على جلالة قدره‏.‏
وكتابته نقية جانحة إلى الاختصار‏.‏
شعره وثيق تقل فيه أرواح المعاني كشعر أبيه وتوشيحه فائق‏.‏
تولي كتابة الإنشاء لثاني الملوك النصريين واستمر قيامه بها على حجر شديد من السلطان ومحمل لملازمته المعاقرة وانهماكه في البطالة واستعمال الخمر حتى زعموا أنه قاء يومًا بين يديه فأخره عنها وقدم الوزير أبا عبد الله بن الحكيم‏.‏
وفي ذلك يقول‏:‏ أمن عادة الإنصاف والعدل أن أجفا لأن زعموا أني تحسيتها صرفا وفاته توفي في حدود التسعين وستماية‏.‏
وكان شيخنا ابن الجياب قد آثره بكتبه‏.‏
وكانت نفيسة أعلاها بخط أبيه رحمه الله‏.‏
المري الطغنري محمد بن مالك المري الطغنري من أهل غرناطة من ذوي البيتية والحسب فيها‏.‏
ذكره الأستاذ في الكتاب المسمى بالصلة والغافقي وغيرهما‏.‏
حاله أديب نبيل شاعر على عهد الأمير عبد الله بن بلقين بن باديس صاحب غرناطة‏.‏
قال وكان أولا يميل إلى البطالة والراحة‏.‏
ثم إنه استيقظ من غفلته وأقلع عن راحته وأجب في توبته‏.‏
وكان من أهل الفضل والخير والعلم‏.‏
من تواليفه كتابه الشهير في الفلاحة وهو بديع سماه زهرة البستان ونزهة الأذهان عبرة في الظرف‏.‏
قال وجرى له مع سماجة خليفة عبد الله بن بلقين قصة‏.‏
إذ فاجأه سماجة مع إخوان له ولم يشعروا به فأنشده ابن مالك ارتجالًا وقد أخذ بلجام دابته‏:‏ بينما نحن في المصلى نساق وجناح العشي فيه جنوح إذا أتانا سماجة يتلألأ ردى الشمس من تجليه يوح قال فتكلم الوزير سماجة باللسان البربري مع عبيده فرجعوا مسرعين ووقف سماجة مع الوزير ابن مالك إلى أن أتاه عبيده بوعاء فيه جملة كبيرة من الدراهم تنيف على الثلاثمائة دينار‏.‏
فقال ادفعوها إليه وانصرف‏.‏
وأتاهم العبيد مع الدراهم بطعام وشراب‏.‏
قال ابن مالك وذلك أول مال تأثلته‏.‏
شعره ومنه‏:‏ صب على قلبي هوى لاعج ودب في جسمي ضنًا دارج في شادن أحمر مستأنس لسان تذكاري به لاهج قدر نعمان إذا ما مشى وما عسى يفعله عالج فقده من رقة مايس وردفه من ثقله مايج عنوان ما في ثوبه وجهه تشابه الداخل والخارج فلا تقيسوه ببدر الدجى ذا معلم الوجه وذا ساذج


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:22 AM



وقد نسبها بعض الناس لغيره قال الأستاذ كان حيًا سنة ثمانين وأربعمائة وأمر أن يكتب على قبره‏:‏ يا خليلي عرج على قبري تجد من أكلة الترب بين جنبي ضريح خافت الصوت إن نطقت ولكن أي نطق إن اعتبرت فصيح أبصرت عيني العجايب لكن لما فرق الموت بين جسمي وروح ابن عبد الملك الأوسي امحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي المدعو بالعقرب من إقليم الآش حاله كان حسن النظم والنثر ذكيًا من أهل المعرفة بالعربية والأدب موصوفًا بجودة القريحة والنبل والفطنة‏.‏
أدبه وشعره ذكره الملاحي وقال حدثني قاضي الأحكام بغرناطة أبو القاسم الحسن بن قاسم الهلالي صاحبنا‏.‏
قال كان الأستاذ أبو عبد الله العقرب جارنا قد وقع بينه وبين زوجه زهرة بنت صاحب الأحكام أبي الحسن علي بن محمد تنازع فرفعته إلى القاضي بغرناطة أبي عبد الله بن السماك العاملي وكنت يومئذ كاتبًا له فرأى القاضي قوته وقدرته على الكلام وضعفها وإخفاق نظمها وشفق لحالها‏.‏
وكان يرى أن النساء ضعاف وأن الأغلب من الرجال يكون ظالمهن‏.‏
وكان كثيرا ما يقول في مجلسه‏:‏ رويدك رفقًا بالقوارير‏.‏
وحين رأى ما صدر عن القاضي من الجمل فقلت له وأين حلاوة شعرك والقاضي أديب يهتز إليه ويرتاح فطلب مني قرطاسًا وجلس غير بعيد ثم كتب على البديهة بما نصه‏:‏ لله حي يا أميم حواك وحمايم فوق الغصون حواك غنين حتى خلتهن عنيني بغنايهن فنحت في مغناك ذكرتني ما كنت قد أنسيته بخطوب هذا الدهر من ذكراك أشكو الزمان إلى الزمان ومن شكى صرف الزمان إلى الزمان فشاكي يا ابن السماك المستظل برمحه والعزل ترهب ذا السلاح الشاكي راع الجوار فبيننا في جونا حق السرى والسير في الأفلاك وابسط إلى الخلق المنوب ببسطة ظرف الكرام بعفة النساك وأنا ذاكر إن لم يفت من لم يمت فدارك ثم دارك ثم ذاك ثم دفعها إلى القاضي فكتب القاضي بخطه في ظهر الرقعة‏:‏ لبيك لبيك‏.‏
ثم أرسلني أصلح بين العقرب وزوجه فإن وصل صلحهما إلى خمسين دينارا فأنا أؤديها عنه من مالي فجمعت بينهما وأصلحت بينهما عن تراض منهما رحمهما الله تعالى‏.‏
القيسي العرادي محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي من أهل غرناطة حاله كان فتى حسن السمت ظاهر السكون بادي التصون والعفة دمث الأخلاق قليل الكلام كثير الحياء مليح الخط ظريفه بادي النجابة‏.‏
أبوه وجده من تجار سوق العطر نبهاء السوق‏.‏
نظم الشعر فجاء منه بعجب استرسالا وسهولة واقتدارًا ونفوذا في المطولات فأنفت له من الإغفال وجذبتنه إلى الدار السلطانية واشتدت براعته فكاد يستولي على الأمر‏.‏
لو لا أن المنية اخترمته شابًا فثكل منه الشعر قريع إجادة وبارع ثنية شهرة لو انفسح له الأمد‏.‏
مولده‏:‏ في ذي الحجة عام أحد وثلاثين وسبعمائة‏.‏
وفاته توفي مبطونًا على أيام قريبة من إسراعه بغرناطة عن سن قريبة من العشرين في عام خمسة وخمسين وسبعمائة وأبوه أمين العطارين‏.‏
محمد بن علي بن العابد الأنصاري يكنى أبا عبد الله أثله من مدينة فاس‏.‏
حاله من خط القاضي أبي جعفر بن مسعدة علم كتاب دار الإمارة النصرية الغالبية الذي بنوره يستصبحون وسراجهم الذي بإشراقه وبهجته ونهج محدته يهتدون‏.‏
رفع لواء الحمد وارتدى بالفهم والعلم والحلم‏.‏
كان رحمه الله إمامًا في الكتابة والأدب واللغة والإعراب والتاريخ والفرايض والحساب والبرهان عليه عارفًا بالسجلات والتوثيق أربى على الموثقين من الفحول المبرزين في حفظ الشعر ونظمه ونسبته إلى قائله حافظًا مبرزًا‏.‏
درس الحديث وحفظ الأحكام لعبد الحق الإشبيلي ونسخ الدواوين الكبار وضبط كتب اللغة‏.‏
وقيد على كتب الحديث واختصر التفسير للزمخشري وأزال عنه الاعتزال لم يفتر قط من قراءة أو درس أو نسخ أو مطالعة ليه ونهاره‏.‏
لم يكن في وقته مثله‏.‏
مشيخته أخذ بفاس عن أبي العباس أحمد بن قاسم بن البقال الأصولي وأبي عبد الله بن البيوت المقري شعره ومنه قوله‏:‏ طرقت تتيه على الصباح الأبلج حسناء تختل اختيال تبرج في ليلة قد ألبست بظلامها فضفاض برد بالنجوم مدبج وشعره مدون كثير‏.‏
وفاته توفي بحضرة غرناطة عام اثنين وستين وسبعمائة في ذي القعدة منه‏.‏
الأزدي الإلبيري الغرناطي محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي من أهل قرية سكون يكنى أبا القاسم ويعرف الأندلسي وكأنها تفرقة بينه وبين الحكمى أبي نواس‏.‏
أوليته قال غير واحد من المؤرخين هو من ذرية يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة وقيل من ولد أخيه روح بن حاتم‏.‏
حاله كان من فحول الشعراء وأمثال النظم وبرهان البلاغة لا يدرك شأوه ولا يشق غباره مع المشاركة في العلوم والنفوذ في فك المعمى‏.‏
خرج من الأندلس ابن سبع وعشرين سنة فلقي جوهرًا المعروف بالكاتب مولى المعز بن المنصور العبيدي صاحب المغرب وامتدحه وكان لئيمًا فأعطاه مائتي درهم فوجد لذلك وقال أها هنا كريم يقصد فقيل بلى جعفر بن يحيى بن علي بن فلاح بن أبي مروان وأبو علي بن حمدون فامتدحهما ثم اختص بجعفر بن يحيى وأبي علي فبالغا في إكرامه وأفاضا عليه من النعم والإحسان ما لم يمر بباله وسارت أشعاره فيهما حتى أنشدت للمعز العبيدي فوجهه جعفر بن علي إليه في جملة طرف وتحف بعث بها إليه كان أبو القاسم أفضلها عنده فامتدح المعز لدين الله وبلغ المعز من إكرامه الغاية‏.‏
ثم عاد إلى إفريقية ثم توجه إلى مصر فتوفي ببرقة‏.‏
وجرى ذكره في تخليص الذهب من تأليفنا بما نصه‏:‏ العقاب الكاسرة والصمصامة الباترة والشوارد التي تهادتها الآفاق والغايات التي أعجز عنها السباق‏.‏
وصمته‏:‏ وذكره ابن شرف في مقاماته قال‏:‏ وأما ابن هاني محمد فهو نجدي الكلام سردى النظام إلا أنه إذا ظهرت معانيه في جزالة مبانيه رمى عن منجنيق لا يؤثر في النفيق‏.‏
وله غزل معرى لا عذرى لا يقنع بالطيف ولا يصفع بغير السيف وقد قده به الذات وعظم شأنه فاحتمل الثواب وكان يقف دولته في أعلى منزلته ناهيك من رجل يستعين على صلاح دنياه بفساد أخراه لرداءة دينه وضعف يقينه‏.‏
ولو عقل ما ضاقت عليه معاني الشعر حتى يستعين عليه بالكفر‏.‏
شعره أحبب بتياك القباب قبابا لا بالحداة ولا الركاب ركابا فيها قلوب العشقين تخالها عنمًا بأيدي البيض العنابا وقال يمدح جعفر بن علي منم القصيدة الشهيرة‏:‏ أليتنا إذ أرسلت واردًا وجفًا وبانت لنا الجوزاء في أذنها شنقًا وبات لنا ساق يقوم على الدجى بشمعة صبح لا تقط ولا تعطفا أغن غضيض جفف اللين قده وأثقلت الصهباء أجفانه الوطفا ولم يبق إرعاش المدام له يدًا ولم يبق إعنات التثني له عطفًا نزيف قضاه السكر إلا ارتجاجه إذا كل عنها الخصر حملها الردفا يقولون حقف فوقي خيزرانة أما يعرفون الخيزرانة والحقفا جعلنا حشايانا ثياب مدامنا وقدت لنا الظلماء من جلدها لحفا فمن كبد تدنى إلى كبد هوى ومن شفة توحي إلى شفة رشفا بعيشك نبه كأسه وجفونه فقد نبه الإبريق من بعد ما أغفا وأقبلت الشعرى العبور ملمة بمرزمها اليعسوب تجنبه طرفا وقد قبلتها أختها من ورائها لتخرق من ثنيا مجرتها سجفا تخاف زئير الليث قدم نثرة وبربر في الظلماء ينسفا نسفا كأن معلا قطبها فارس له لواءان مر كوزان قد كره الزحفا كأن السماكين اللذين تظاهرا على لبتيه ضامنان له الحتفا فذا رامح يهوى إليه سنانه وذا أعزل قد عض أنمله لهفا كأن قدامي النسر والنسر واقع قصصن فلم تسم الخوافي له ضعفا كأن أخاه حين دوم طايرا أتي دون نصف البدر فاختطف النصفا كأن رقيب الليل أجدل مرقب يقلب تحتن الليل في ريشه طرفا كأن بني نعش ونعش مطافل بوجرة قد أضللن في مهمه قشفا كأن سهاها عاشق بين عود فآونة يبدو وآونة يخفا كأن سهيلا في مطالع أفقه مفارق إلق لم يجد بعده إلفا كأن لواء الشمس غرة جعفر رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا وقد جاشت الظلماء بيضًا صورامًا ومركوزة سمرا وفضفاضة زعفا وجاءت عتاق الخيل تردي كأنها تخط لنا أقلام آذانها صحفا هنالك تلقى جعفرًا خير جعفر وقد بدلت يمناه من لينها عنفا فكاين تراه في الكريهة عاجلا عزيمته برقًا وصولته خطفًا وشعره كثير مدون ومقامه شهير وفيما أوردناه كفاية وهو من إلبيرة الأصلية‏.‏
وفاته قالوا لما توجه إلى مصر شرب ببرقة وسكر ونام عريانا وكان البرد شديدًا فأفلج وتوفي في سنة إحدى وستين وثلاثمائة وهو ابن اثنين وأربعين سنة‏.‏
ولما بلغت المعز وفاته تأسف عليه وقال هذا رجل كنا نطمع أن نفاخر به أهل المشرق‏.‏
الغساني البرجي الغرناطي محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم بن علي الغساني البرجي الغرناطي يكنى أبا القاسم من أهل غرناطة‏.‏
حاله فاضل مجمع على فضله صالح الأبوة طاهر النشأة بادي الصيانة والعفة طرف في الخير والحشمة صدر في الأدب‏.‏
جم المشاركة ثاقب الذهن جميل العشرة ممتع المجالسة حسن الخط والشعر والكتابة فذ في الانطباع صنيع اليدين يحكم على الكثير من الآلات العلمية ويجيد تفسير الكتاب رحل إلى العدة وتوسل إلى ملكها مجدد الرسم ومقام الجلة وعلم دست الشعر والكتابة أمير المسلمين أبي عنان فارس فاشتمل عليه ونوه به وملأ بالخير يده فاقتنى جدة وحظوة وشهرة وذكرًا وانقبض مع استرسال الملك وآثر الراحة وجهد في التماس الرحلة الحجازية ونبذ الكل وسلا الخطة فأسعفه سلطانه بغرضه وجعل حبله على غاربه وأصحبه رسالة إلى النبي الكريم من إنشايه متصلة بقصيدة من نظمه وكلاهما تعلن في الخلفاء بعد شأوه ورسوخ قدم علمه وعراقة البلاغة في نسب خصله حسبما تضمنه الكتاب المسمى بمساجلة البيان‏.‏
ولما هلك وولي ابنه قدمه قاضيًا بمدينة ملكه وضاعف التنويه به فأجرى الخطة على سبيل من السداد والنزاهة‏.‏
ثم لما ولي السلطان أبو سالم عمه أجراه على الرسم المذكور‏.‏
وهو الآن بحاله الموصوفة مفخر من مفاخر ذلك الباب السلطاني على تعدد مفاخره يحظى بكل اعتبار‏.‏
شعره ثبت في كتاب نفاضة الجراب من تأليفنا عند ذكر المدعي الكبير بباب ملك المغرب ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر من أنشد ليلتئذ من الشعراء ما نصه‏:‏ وتلاه الفقيه الكاتب الحاج القاضي جملة السذاجة وكرم الخلق وطيب النفس وخدن العافية وابن الصلاح والعبادة ونشأة القرآن المتحيز إلى حزب السلامة المنقبض عن الغمار العزوف عن فضول القول والعمل جامع المحاسن من عقل رصين وطلب ممتع وأدب نقادة ويد صناع أبو القاسم ابن أبي زكريا البرجي فأنشدت له على الرسم المذكور هذه القصيدة الفريدة‏:‏ أصغى إلي الوجد لما جد عاتبه صب له شغل عمن بعاتبه لو لا النوى لم يبت حيران مكتئبا يغالب الوجد كتمًا وهو غالبه يستودع الليل أسرار الغرام وما نمليه أشجانه فالدمع كاتبه لله عصر بشرقي الحمى سمحت بالوصل أوقاته لو عاد ذاهبه يا جيرة أو دعوا إذ ودعوا حرقا يصلى بها من صميم القلب ذائبه يا هل ترى تجمع الأيام فرقتنا كعهدنا أو يرد القلب ساكبه ويا أهيل ودادي والنوى قذف والقرب قد أبهمت دوني مذاهبه هل ناقض العهد بعد البعد حافظه وصادع الشمل يوم الشعب شاعبه ويا ربوع الجمى لا زلت ناعمة يبكي عهودك مضني الجسم شاحبه يا من لقب مع الأهواء منعطف في كل أوب له شوق يجاذبه يسمو إلى طلب الباقي بهمته والنفس بالميل للفاني تطالبه وفتنة المرء بالمألوف معضلة والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبة أبكي لعهد الصبا والشيب يضحك بي يا للرجال سبت جدي ملاعبه ولا سرى الفك السامي لما ظهرت آثاره ولما لاحت كواكبه في ذمة الله ركب للعلا ركبوا ظهر السرى فأجابتهم نجائبه يرمون عرض الفلا بالسير عن غرض طي السجل إذا ما جد كاتبه كأنهم في فؤاد الليل سر هوى لولا الضرام لما خفت جوانبه شدوا على لهب الرمضاء وطأتهم فغاص في لجة الظلماء راسبه وكلفوا الليل من طول السرى شططًا فخلفوه وقد شابت ذوائبه حتى إذا أبصروا الأعلام مائله يجانب الحرم المحمى جانبه بحيث يأمن من مولاه خائفه من ذنبه وينال القصد راغبه فيها وفي طيبة الغراء لي أمل يصاحب القلب منه ما يصاحبه لم أنس لا أنس أيامًا بظلمها سقى ثراه عميم الغيث ساكبه شوقي إليها وإن شط المزار بها شوق المقيم وقد سارت حبائبه إن ردها الدهر يومًا بعد ما عبثت في الشمل منا يداه لا نعاتبه هو المكمل في خلق وفي خلق زكت حلاه كما طابت مناسبه عناية قبل بدء الخلق سابقة من أجلها كان آتيه وذاهبه جاءت تبشرنا الرسل الكرام به كالصبح تبدو تباشيرًا كواكبه أخباره سر علم الأولين وسل بدير تيماء ما أبداه راهبه تطابق الكون في الشرى بمولده وطبق الأرض أعلامًا تجاوبه فالجن تهتف إعلانًا هواتفه والجن تقذف إحراقًا ثواقبه ولم تزل عصمة التأييد تكنفه حتى انجلى الحق وانزاحت شوائبه سرى وجنح ظلام الليل منسدل والنجم لا يهتدي في الأفق ساربه يسمو لكل سماء منه منفرد عن الأنام وجبرائيل صاحبه لمنتهى وقف الروح الأمين به وامتاز قربًا فلا خلق يقاربه لقاب قوسين أو أدنى فما علمت نفس بمقدار ما أولاه واهبه أراه أسرار ما قد كان أودعه في الخلق والأمر باديه وغائبه وجاء بالذكر آيات مفصلة يهدي بها من صراط الله لاحبه نور من الحكم لا تخبو سواطعه بحر من العلم لا تفنى عجائبه له مقام الرضا المحمود شاهده في موقف الحشر إذ نابت نوائبه والرسل تحت لواء الحمد يقدمها محمد أحمد السامي مراتبه له الشفاعات مقبولًا وسائلها إذا دهى الأمر واشتدت مصاعبه والحوض يروى الصدى من عذي مورده لا يشتكي غلة الظمآن شاربه محامد المصطفى لا ينتهي أبدا تعدادها هل يعد القطر حاسبه فضل تكفل بالدارين يوسعها نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه حسبي التوسل منها بالذي سمحت به القوافي وجلتها غرائبه حياه من صلوات الله صوب حسًا تحدى إلى قبره الزاكي نجائبه وخلد الله ملك المستعين به تحدى إلى قبره الزاكي نجائبه إمام عدل بتقوى الله مشتمل في الأمر والنهي يرضيه يراقبه وفاز بالأمن محبورًا مسالمه وباء بالخزي مقهورًا محاربه كم وافد آمل معهود نائله أثنى وأثنت بما أولى حقائبه ومستجير بعز من مثابته عزت مراميه وانقادت مآربه وجاءه الدهر يسترضيه معتذرًا مستغفرًا من وقوع الذنب تائبه لولا الخليفة إبراهيم لانبهمت طرق المعالي ونال الملك غاصبه سمت لنيل تراث المجد همته والملك ميراث مجد وهو عاصبه ينميه للعز والعليا أبو حسن سمح الخلائق محمود ضرائبه من آل يعقوب حسب الملك مفتخرًا بباب عزهم السامي تعاقبه أطواد حلم رسا بالأرض محتده وزاحت منكب الجوزا مناكبه تحفها من مرين أبحر زخرت أمواجها وغمام ثار صائبه بكل نجم لدي الهيجاء ملتهب ينقض وسط سماء النقع ثاقبه أكفهم في دياجيها مطالعه وفي نحور أعاديهم مغاربه صبرت نفسًا لعقبي الصبر حامدة والصبر مذ كان محمود عواقبه فليهن دين الهدى إذ كنت ناصره أمن يواليه أو خوف يجانبه لا زال ملكك والتأييد يخدمه تقضي بخفض مناويه قواضبه ودمت في نعم تضفوا ملابسها في ظل عز علًا تصفو مشاربه ثم الصلاة على خير البرية ما سارت إليه بمشتاق ركائبه ومن شعره ما قيده لي بخطه صاحب قلم الإنشاء بالحضرة المرينية الفقيه الرئيس الصدر المتفنن أبو زيد بن خلدون‏.‏
صحا القلب عما تعلمين فأقلما وعطل من تلك المعاهد أربعا وأصبح لا يلوى على حد منزل ولا يتبع الطرف الخلي المودعا وأضحى من السلوان في حرز معقل بعيد على الأيام أن يتضعضا يرد الجفان النجل عن شرفاته وإن لحظت عن كل أجيد أتلعا عزيز على داعي الغرام انقياده وكان إذا ناداه للوجد أهطعا أهاب به للشيب أنصح واعظ أصاخ له قلبًا منيبًا ومسمعا وخضت عباب البحر أخضر مزبدا ودست أديم الأرض أغبر أسفعا ومن شعره حسبما قيده المذكور‏:‏ نهاه النهي بعد طول التجارب ولاح له منهج الرشد لاحب وخاطبه دهره ناصحًا بألسنة الوعظ من كل جانب فأضحى إلى نصحه واعيًا وألغى حديث الأماني الكواذب وأصبح لا تستبيه الغواني ولا تزدريه حظوظ المناصب وإحسانه كثير في النظم والنثر والقصار والمطولات‏.‏
واستعمل في السفارة إلى ملك مصر وملك قشتالة وهو الآن قاضي مدينة فاس نسيج وحده في السلامة والتخصيص واجتناب فضول القول والعمل كان الله له‏.‏
ابن زمرك محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن يوسف بن محمد الصريحي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن زمرك‏.‏
أصله من شرق الأندلس وسكن سلفه ربض البيازين من غرناطة وبه ولد ونشأ وهو من مفاخره‏.‏
حاله هذا الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس وأفراد نجبائها محتص مقبول هش خلوب عذب الفكاهة حلو المجالسة حسن التوقيع خفيف الروح عظيم الانطباع شره المذاكرة فطن بالمعاريض حاضر الجواب شعلة من شعل الذكاء تكاد تحتدم جوانبه كثير الرقة فكه غزل مع حياء وحشمة جواد بما في يده مشارك لإخوانه‏.‏
نشأ عفًا طاهرًا كلفا بالقراءة عظيم الدؤوب ثاقب الذهن أصيل الحفظ ظاهر النبل بعيد مدى الإدراك جيد الفهم فاشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره واضطلع بكثر من الأغراض وشارك في حملة من الفنون وأصبح متلقف حكرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة ومظنة الكمال‏.‏
ثم ترقى في درج المعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ وركض قلم التقييد والتسويد والتعليق ونصب نفسه للناس متكلمًا فوق الكرسي المنصوب وبين الحفل المجموع مستظهرا بالفنون التي بعد فيها شأوه من العربية والبيان واللغة وما يقذف به في لج النقل من الأخبار والتفسير‏.‏
متشوفًا مع ذلك إلى السلوك مصاحبًا للصوفية آخذًا نفسه بارتياض ومجاهدة ثم عانى الأدب فكان أملك به وأعمل الرحلة في طلب العلم والازدياد وترقى إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن علي بن عثمان ابن يعقوب ثم عن السلطان وعرف في باب الإجادة‏.‏
ولما جرت الجادثة على السلطان صاحب الأمر بالأندلس واستقر بالمغرب أنس به وانقطع إليه وكر صحبة ركابه إلى استرجاع حقه فلطف منه محله وخصه بكتابة سره‏.‏
وثابت الحال ودالت الدولة وكانت له الطايلة فأقره على رسمه معروف الانقطاع والصاغية كثير الدالة مضطلعًا بالخطة خطًا وإنشاء ولسنًا ونقدًا فحسن منابه واشتهر فضله وظهرت مشاركته وحسنت وساطته ووسع الناس تخلقه وأرضى السلطان حمله وامتد في ميدان النثر والنظم باعه فصدر عنه من المنظوم في أمدحه قصائد بعيدة الشأو في مدى الإجادة حسبما يشهد بذلك ما تضمنه اسم السلطان أيده الله في أول حرف الميم في الأغراض المتعددة من القصائد والميلاديات وغيرها‏.‏
وهو بحاله الموصوفة إلى الآن‏.‏
أعانه الله وسدده‏.‏
قرأ العربية على الأستاذ رحلة الوقت في فنها أبي عبد الله بن الفخار ثم على إمامها القاضي الشريف‏.‏
إمام الفنون اللسانية أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب واختص بالفقيه الخطيب الصدر المحدث أبي عبد الله بن مرزوق فأخذ عنه كثيرًا من الرواية ولقي القاضي الحافظ أبا عبد الله المقري عندما قدم رسولا إلى الأندلس وذاكره وقرأ الأصول الفقهية على أبي علي منصور الزواوي وروى عن جملة منهم القاضي أبو البركات بن الحاج والمحدث أبو الحسن بن التلمساني والخطيب أبو عبد الله بن اللوشي والمقرئ أبو عبد الله بن بيبش‏.‏
وقرأ بعض الفنون العقلية بمدينة فاس على الشريف الرحلة الشهير أبي عبد الله العلوي التلمساني واختص به اختصاصًا لم يخل فيه من إفادة مران وحنكة في الصناعة‏.‏
شعره وشعره مترام إلى نمط الإجادة خفاجي النزعة كلف بالمعاني البديعة والألفاظ الصقيلة غزير المادة‏.‏
فمنه في غرض النسيب‏:‏ رضيت بما تقضي علي وتحكم أهان فأقصى أم أصافي فأكرم على أن روحي في يديك بقاوه بوصلك يحيى أو بهجرك يعدم وأنت إلى المشتاق نار وجنة ببعدك يشقى أو بقربك ينعم وأنت إلى المشتاق نار وجنة ببعدك يشقى أو بقربك ينعم ولي كبد تندى إذا ما ذكرتم وقلب بنيران الشوق يتضرم ولو كان ما بي منك بالبرق ما سرى ولا استصحب الأنواء تبكي وتبسم أراعي نجوم الأفق في الليل ما دجى وأقرب من عيني للنوم أنجم وما زلت أخفي الحب عن كل عادل وتشفى دموع الصب ما هو يكتم كساني الهوى ثوب السقام وإنه متى صح حب المرء لا شيء يسقم فيا من له العقل الجميل سجية ومن جود يمناه الحيا يتعلم وعنه يروي الناس كل غريبة تخط على صفح الزمان وترسم إذا أنت لم ترحم خضوعي في الهوى فمن ذا الذي حنى علي ويرحم وحلمك حلم لا يليق بمذنب فما بال ذنبي عند حلمك يعظم ووالله ما في الحي حي ولم ينل رضاك وعمته أياد وأنعم وأترك أهلي في رضاك إلى الأسى وأسلم نفسي في يديك وأسلم أما والذي أشقى فؤادي في الهوى وإن كان في تلك الشقاوة ينعم لأنت من قلبي ونزهة خاطري ومورد آمالي وإن كنت أحرم ومن ذلك ما خاطبني به وهي من أول نظمه قصيدة مطلعها‏:‏ ‏"‏ أما وانصداع النور في مطلع الفجر ‏"‏ وهي طويلة‏.‏
ومن بدائعه التي عقم عن مثلها قياس قيس واشتهرت بالإحسان اشتهار الزهد بأويس ولم يحل مجاريه ومباريه إلا بويح وويس وقله في إذار الأمير ولد سلطانه المنوه بمكانه وهي من الكلام الذي عنيت الإجادة بتذهيبه وتهذيبه وناسب الحسن بني مديحه ونسيبه‏:‏ معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا وأن يشغل اللوام بالعذل باليا دعاني أعط الحب فضل مقادتي ويقضي علي والوجد ما كان قاضيا ودون الذي رام العواذل صبوة رمت بي في شعب الغرام المراميا وقلب إذا ما انبرق أو مض موهنًا قدحت به زندًا من الشوق واريًا خليلي إني يوم طارقة النوى شقيت بمن لو شاء أنعم باليا وبالخيف يوم النفر يا أم مالك تخلفت قلبي في حبالك عانيا أحوم عليه ما دجى الليل ساهرا وأصبح دون لورد ظمآن ضاريا يضيء ظلام الليل ما بين أضلعي إذا البارق النجدي وهنا بداليا أجيرتنا بالرمل والرمل منزل مضى العيش فيه بالشبية حاليا ولم أر ربعا منه أقضى لبانه وأشجى حمامات وأحلى مجانيا سقت طله الغر الغوادي ونظمت من القطر في جيد الغصون لآليا أبثكم أني على النأي حافظ ذمام الهوى لو تحفظون ذماميا أناشدكم والحر أوفى بعهده ولن يعدم الخير والأحسان جازيا وورد على السلطان أبي سالم ملك المغرب رحمة الله تعالى عليه وفد الأحابيش بهدية من ملك السودان ومن جملتها الحيوان الغريب المسمى بالزرافة فأمر من يعاني الشعر من الكتاب بالنظم في ذلك الغرض فقال وهي من بدائعه‏:‏ لو لا تألق بارق التذكار ما صاب واكف دمعي المدرار لكنه مهما تعرض خافقًا قدحت يد الأشواق زند أواري وعلى المشوق إذا تذكر معهدا أن يغري الأجفان باستعبار وغريبة قطعت إليك على الونى بيدًا تبيد بها هموم الساري تنسيه طيته التي قد أمها والركب فيها مت الأخبار يقتادها من كل مشتمل الدجى وكأنما عيناه جذوة نار خاضوا بها لجج الفلا فتخلصت منها خلوص البدر بعد سرار سلمت بسعدك من غوائل مثلها وكفى بسعدك حاميًا لذمار وأتتك يا ملك الزمان غريبة قيد النواظر نزهة الأبصار موشية الأعطاف رائقة الحلى رقمت بدائعها يد الأقدار راق العيون أديمها فكأنهروض تفتح عن شقيق بهار ما بين مبيض وأصر فاقع سال اللجين به خلال نضار يحكى حدائق نرجس في شاهق تنساب فيه أراقم الأنهار وأنشد السلطان في ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب ما فرغ من البنية الشهيرة ببابه رحمه الله تعالى‏.‏
تأمل أطلال الهوى فتألما وسيما الجوى والسقم منها تعلما وأنشد السلطان في وجهة للصيد أعملها وأطلق أعنة الجياد في ميادين ذلك الطراد وأرسلها قوله‏:‏ حياك يا دار الهوى من دار نوء السماك بديمة مدرار وأعاد وجه رباك طلقًا مشرقًا متضاحكًا بمباسم النوار أمذكري دار الصبابة والهوى حيث الشباب يرف غصن نصار عاطيتني عنها الحديث كأنما عاطيتني عنها كؤوس عقار إيه وإن أذكيت نار صبابتي وقدحت زند الشوق بالتذكار يا زاجر الأظعان وهي مشوقة أشبهتها في زفرة وأوار حنت إلى نجد ولست دارها وصبت إلى هندية والقار شاقت به برق الحمى واعتادها طيف الكرى بمزارها المزوار ومن شعره في غير المطولات‏:‏ لقد زادني وجدًا وأغرى بي الجوى ذيال بأذيال الظلام قد التفا تشير وراء الليل منه بنانة مخضبة والليل قد حجب الكفا إذا قلت لا يبدو أشال لسانه وإن قلت لا يخبو الصبابة إذ لفا إلى أن أفاق الصبح من غمرة الدجى وأهدى نسيم الروض من طجيبة عرفا لك الله يا مصباح أشبهت مهجتي وقد شفها من لوعة الحب ما شفا ومما ثبت له في صدر رسالة‏:‏ أرور بقلبي معهد الأنس والهوى وأنهب من أيدي النسيم رسائلا ومهما سألت البرقق يهفو من الحمى يبادره دمعي مجيبًا وسائلا يا ليت شعري والأمان ستعلل أيرعى لي الحي الكرام الوسائلا وهل جيرتي الأولى كما قد عهدتهم يوالون بالإحسان من جاء سائلا ومن أبياته الغراميات‏:‏ قيادي قد تملكه الغرام ووجدي لا يطاق ولا يرام ودمعي دونه صوب الغوادي وشجون فوق ما يشدو الحمام إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي على الدنيا وساكنها السلام وفي غرض يظهر من الأبيات‏:‏ فقلت لجلاسي خذوو الحذر إنما به وصب من أسهم الغنج والحور ويا وجنة قد جاورت سيف لحظة ومن شأنها تدمى من اللمح بالبصر تخيل للعينين جرحًا وإنما بدا كلف منه على صفحة القمر ومما يرجع إلى باب الفخر ولعمري لقد صدق في ذلك‏:‏ يا لايمي في الجود والجود شيمتي جبلت على آثارها يوم مولدي ذريني فلو أني أخلد بالغنى لكنت ضنينًا بالذي ملكت يدي ومن مقطوعاته‏:‏ لقد علم الله أني امرؤ أجرر ثوب العفاف القشيب فكم غمض الدهر أجفانه وفازت قداحي بوصل الحبيب وقيل رقيبك في غفلة فقلت أخاف الإله الرقيب


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:24 AM



وفي مدح كتاب الشفا طجلبه الفقيه أبو عبد الله بن مرزوق عندما شرع في شرحه‏:‏ ومسرى ركاب للصبا قد ونت به نجائب سحب لللتراب نزوعها تسل سيوف البرق أيدي حداتها فتنهل خوفًا من سطاها دموعها بمرآة حسن قد جلتها يد النهى فأوصافه يلتاح فيه بديعها نجوم اهتداء والمداج يجنها وأسرار غيب واليراع تذيعها لقد حزت فضلا يا أبا الفضل شاملا فيجزيك عن نصح البرايا شفيعها ولله ممن قد تصدى لشرحه فلباه من غر المعاني مطيعها فكم مجمل فصلت منه وحكمة إذا كتم الإدماج منه تشيعها محاسن والإحسان يبدو خلالها كما افتر عن زهر البطاح ربيعها إذا ما أصول المرء طابت أرومة فلا عجب أن أشبهتها فروعها بقيت لأعلام الزمان تنيلها هدى ولأحداث الخطوب تروعها ومما امتزج فيه نثره ونظمه وظهر فيه أدبه وعلمه قوله يخاطبني جوابًا عن رسالة خاطبت بها الأولاد وهم مع مولانا أيده الله بالمنكب‏:‏ مالي بحمل الهوى يدان من بعد ما أعوز التداني أصبحت أشكو من زمان ما بت منه على أمان ما بال عينيك تسجمان والدمع يرفض كالجمان لم يثن عن هواك ثان يا بغية القلوب قد كفان يا جانحة الأصيل أين يذهب قرصك المذهب وقد ضاق بالشوق المذهب‏.‏
أمست شموس الأنس محجوبة عن عيني وقد ضرب البعد الحجاب بينها وبيني وعلى كل حال‏.‏
من إقامة وارتحال‏.‏
فما محلك من قلبي محلا بينها‏.‏
وما كنت لأقنع من وجهك تخيلا وشبيهًا‏.‏
ومن أين انتظمت لك عقول التشبيه واتسقت ومن بعض المواقع والشمس لو قطعت‏.‏
صادك منذور وأنت تتجمل بثوبي زور وجيب الظلام على دينارك حتى الصباح مزرور ووراءك من الغروب غريم لا يرحم ومطالب تتقلب منه في كفه المطالب‏.‏
ويا برق الغمام من أي حجاب تبتسم وبأي صبح ترتسم وأي غفل من السحاب تسم أليست مباسم الثغور لا تنجد بأفقي ولا تغور‏.‏
هذا وإن كانت مباسمك مساعدة والجو ملبس لها من الوجوم شعارًا فلطالما ضحكت فأبكت الغوادي وعقت الرايح والغادي‏.‏
أعوذ بواشم البروق بنواسم الطفل والشروق ذوات الزايرات المتعددة الطروق فهي التي قطعت وهادًا ونجادا واهتدت بسيف الصباح من السحاب قرابا‏.‏
ومن البروق نجادا واهتدت خبر الذين أحبهم مستظرفًا مستجادًا فعالها ولعلها‏.‏
والله يصل في أرض الوجود نهلها وعلها وأن يبل ظعين الشوق بنسيمها البليل وأن نعوضه من نار الغليل بنار الخليل وخير طبيب يداوي الناس وهو عليل‏.‏
فشكواي إلى الله لا أشكو إلى أحد‏.‏
هل هو إلا فرد تسطو رياح الأشواق على ذبالته وعمر الشوق قد شب على الطوق ووهب الجمع للفرق ولم يقنع بالمشاهدة بالوصف دون الذوق‏.‏
وقلب تقسم أحشاؤه الوجد وقسم باله الغور والنجد‏.‏
وهموم متى وردت قليب القلب لم تبرح ولم تعد فلله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏
أستغفر الله يا سيدي الذي يوقد أفكاري حلو لقائه وأتنسم أرواح القبول من تلقايه‏.‏
وأسأل الله أن يديم لي آمالي بدوام بقايه‏.‏
إن بعد مداه قربت منا يداه وإن أخطأنا رفده أصبنا نداه‏.‏
فقمرات آدابه الزهر تجيء إلينا وسحايب بنانه الغر تصوب دوالينا أو علينا على شحط هواه وبعد منتواه‏.‏
ولا كرسالة سيدي الذي عمت فضايله وخصت وتلت على أولياء نعمته أنباء الكمال وقصت وآي قضى كل منها عجبا ونال من التماح غرتها واجتلاء صفحتها أربًا‏.‏
فلقد كرمت عنه بالاشتراك في بنوته الكريمة نسبًا ووصلت لي بالعناية منه سببًا‏.‏
تولى سيدي خيرك من يتولى خير المحسنين ويجزل شكر المنعمين‏.‏
أما ما تحدث به من الأغراض البعيدة العذيبة وأخبر عنه من المعاني الغريدة العجيبة والأساليب المطيلة فيعجز عن وصفه وإحكام رصفه القلم واللسان ويعترف لها بالإبداع المستولي على أمد الإحسان البديع وحسان‏.‏
ولقد أجهدت جياد الأرتجال في مجال الاستعجال فما سمحت القريحة إلا بتوقع الآجال وعادت من الإقدام إلى الكلال‏.‏
فعلمت أن تلك الرسالة الكريمة من الحق الواجب على من قرأها وتأملها أن لا يجري في لجة من ميادينها ويديم يراع سيدي الإحسان كرينها لا كن على أن يفسح الرياض للقصى مدى ويقتدي بأخلاق سيدي التي هي نور وهدى‏.‏
فإنه والله يبقيه ويقيه مما يتقيه بعد ما أعاد ي شكوى البين وأبدى وتظلم من بالبعد واتسعدى ورفع حكم العتاب عن ذرات النسيم والاقتعاب ورعى وسيلة ذكرها ف محكم الكتاب‏.‏
وولي فضله ما تولى وصرف هواه إلى هوى مولى أن صور السعادة على رأيه أيده الله تجلى وثمرة فكره المقدس أيده الله تتحلى‏.‏
شكر الله له عن جميع نعمه التي أولى وحفظ عليه مراتب الكمال التي هو الأحق بها والأولى‏.‏
وقد طال الكلام وجمحت الأقلام‏.‏
ولسيدي وبركتي الفضل أبقى الله بركته وأعلى في الدارين درجته والسلام الكريم يخصكم من مملوككم ابن زمرك ورحمة الله وبركاته في الخمس عشر لجمادى الأولى عام تسعة وستين‏.‏
وخاطبني كذلك وهو من الكلام المرسل‏:‏ أبو معارفي وولي نعمتي ومعيد جاهي ومقوم كمالي ومورد آمالي ممن توالى نعمه علي ويتوفر قسمه لدي وأبوء له بالعجز عن شكر أياديه‏.‏
التي أحيت الأمل وملأت أكف الرغبة وأنطقت الحدايق فضلا عن اللسان وأياديه البيض وإن تعددت ومننه العميمة وإن تجددت تقصر عن إقطاع أسمى شرف المجلس في الروض الممطور بيانه‏.‏
فماذا أقول فيمن صار مؤثرًا إلي بالتقديم جاليًا ثورة تشريفي بالانتساب إليه في أحسن التقويم‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
وإني ثالث اثنين أتشرف بخدمتها وأسحب في أذيال نعمتها‏.‏
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما بأكرم من تمشى إليه عبيد اللهم أوزعني شكر هذا المنعم الذي أثقلت نعمه ظهر الشكر وأنهضت كمال الحمد اللهم أدم بجميع حياته وأمتع بدوام بقايه الإسلام والعباد وأمسك بيمن آرائه رمق ثغر الجهاد‏.‏
يا أكرم مسئول وأعز ناصر‏.‏
تفضل سيدي والفضل عادته بالتعريف بما يقر عين التطلع ويقنع غلة التشوف‏.‏
ولقد كان المماليك لما مثلنا بين يدي مولانا أيده الله لم يقدم عملًا عن السؤال ولا عن الحال إقامة لرسم الزيارة وعملًا بالواجب فإنني أرى الديار بطرفي فعلى أن أرى الديار بعيني وعلى ذلك يكون العمل إن شاء الله‏.‏
وإن سأل سيدي شكر الله احتفاءه وأبقى اهتمامه عن حال المماليك من تعب السفر وكذ الطريق فهي بحمد الله دون ما يظن‏.‏
فقد وصلنا المنكب تحت الحفظ والكلاءة محرزين شرف المساوقة لمواكب المولى يمن الله وجهته وكتب عصمته واستقر جميعنا بمحل القصبة وتاج أهبتها ومهب رياح أجرايها تحت النعم الثرة والأنس الكامل الشامل‏.‏
قرب الله أمد لقايكم وطلع على ما يسر من تلقايكم‏.‏
ولما بلغنا هذه الطية وأنخنا المطية قمنا بواجب تعريفكم على الفور بالأدوار ورفعنا مخاطبة المالك مولده‏:‏ في الرابع عشر من شوال ثلاث وثلاثين وسبعمائة ومن الطارئين منهم في هذا الباب ابن أبي خيثمة الجبائي محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبائي سكن غرناطة يكنى أبا الحسن حاله كان مبرزًا في علوم اللسان نحوًا ولغة وأدبًا متقدما في الكتابة والفصاحة جامعًا فنون الفضائل على غفلة كانت فيه‏.‏
مشيخته روى عن أبي الحسن بن سهل وأبي بكر بن سابق وأبي الحسن بن الباذش وأبي علي الغساني وغيرهم‏.‏
وصحب أبا الحسن بن سراج صحبة مواخاة‏.‏
تواليفه صنف في شرح غريب البخاري مصنفًا مفيدًا‏.‏
توفي ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وخمس ماية‏.‏
الإستنجي الحميري محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستنجي الحميري من أهل مالقة وأصله من إستجة انتقل سلفه إلى مالقة يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله كان من جملة لحملة العلم والغالب عليه الأدب وكان من أهل الجلالة ومن بيت علم ودين‏.‏
أقرأ ببلده وقعد بالجامع الكبير منه يتكلم على صحيح البخاري وانتقل في آخر عمره إلى غرناطة‏.‏
وقال الأستاذ كان من أبرع أهل زمانه في الأدب نظمًا ونثرًا‏.‏
شعره منقولا من خط الوزير الراوية أبي محمد عبد المنعم بن سماك وقد ذكر أشياخه فقال‏:‏ الشيخ المتفنن الأديب البارع الشاعر المفلق قرأ على أشياخها وأقرأ وهو دون العشرين سنة‏.‏
وكانت بينه وبين الأستاذ المقري الشهير أبي العباس الملقب بالوزعي قرابة وله قصيدة أولها‏:‏ ما للنسيم لدى الأصيل عليلا حتى النسيم إذا ألم بأرضهم خلعوا عليه رقة ونحولا وكان يقول‏:‏ كان الأستاذ أبو العباس يستعيدني هذا البيت ويقول نعم أنت قريبي وقدم على غرناطة أظن سنة تسع وثلاثين وستمائة‏.‏
محنته قال الأستاذ جرى له قصة نقل بعض كلامه فيها على بعض أحاديث الكتاب من جهة استشهاد أدبي عليه فيها غالب أدبه‏.‏
فأطلق عنان الكلام وما أكثر مما يطلق فيما يأنفه إداركات تلك الأفهام‏.‏
ولكل مقام مقال‏.‏
ومن الذي يسلم من قيل وقال‏.‏
وكان ذلك سبب الانقطاع ولم يؤت من قصر باع وانتقل إلى غرناطة فتوفي في أثر انقطاعه وانتقاله‏.‏
شعره من ذلك قوله في غرض يظهر من الأبيات‏:‏ قضوا في ربي نجد ففي القلب مرساه وغنوا إن أبصرتم ثم مغناه أما هذه نجد أما ذلك الحمى فهل عميت عيناه أم صمت أذناه دعوه يوفي ذكره باتشامه ديون هواه قبل أن بتوفاه أيحسب من أصلي فؤادي بحبه أني أسلو عنه حاشاه حاشاه متى غدر الصب الكريم وفي له وإن أتلف القلب الحزين تلافاه وإن حجروا معناه وصرحوا به فإن معناه أحق بمعناه ويا سابقًا عيسى الغرام سيوفه وكل إذا يخشاه في الحب يخشاه أرحها ذابت من الوجد والسرى ولم يبق إلا عظمها أو بقاياه ويا صاحبي عج بي على الخيف من منى وما التعني لي من بأني ألقاه وعرج على وادي العقيق لعلني أسايل عمن كان بالأمس مأواه وقل لليالي قد سلقن بعيشه وعمر على رغم العذول قطعناه هل العود أرجوه أم العمر ينقضي فأقضي ولا يقضى الذي أتمناه ومن شرعه أيضًا قوله رحمه الله‏:‏ سرت من ربي نجد معطرة الريا يموت لها قلبي وآونة يحيا تمسح أعطاف الأراك بليلة وتنثر كافورًا على التربة اللميا ويا سابقًا عيسى الغرام سيوفه وكل إذا يخشاه في الحب يخشاه أرحها ذابت من الوجد والسرى ولم يبق إلا عظمها أو بقاياه ويا صاحبي عج بي على الخيف من منى وما التعني لي من بأني ألقاه وعرج على وادي العقيق لعلني أسايل عمن كان بالأمس مأواه وقل لليالي قد سلقن بعيشه وعمر على رغم العذول قطعناه هل العود أرجوه أم العمر ينقضي فأقضي ولا يقضى الذي أتمناه ومن شرعه أيضًا قوله رحمه الله‏:‏ سرت من ربي نجد معطرة الريا يموت لها قلبي وآونة يحيا تمسح أعطاف الأراك بليلة وتنثر كافورًا على التربة اللميا ومرتد في حجر الرياض مريضة فتحيي بطيب العرف من لم يكن يحيا وبشرت بأنفاس الأحبة سحرة فيسرع دمع العين في إثرها جريا ملني محياه الأنيق وحسنه ومن خلقي قد كنت لا أحمل النأيا وبي رشأ من أهل غرناطة غدا يجود بتعذيبي ويبخل باللقيا ملني محياه الأنيق وحسنه ومن خلقي قد كنت لا أحمل النأيا وبي رشأ من أهل غرناطة غدا يجود بتعذيبي ويبخل باللقيا رماني فأصابني بأول نظرة فيا عجبًا من علم الرشأ الرميا وبدد جسمي نوره وكأنه أشعة شمس قابلت جسدي مليًا تصور لي من عالم الحسن خالصًا فمن عجب أن كان من عالم الدنيا وهم بأن يرقى إلى الحور جسمه فثقلته كتبًا وحملته حليا إذا ما انثنى أو لاح أوجاح أو رنا سبا القصب والأقمار والمسك والضيا رعى الله دهرًا كان ينشر وصله برود طواها البين في صدره طيا مشيخته ومما يشتمل على أسماء شيوخه ويدل على تبحره في الأدب ورسوخه إجازته أبا الوليد إسماعيل بن تبر الأيادي وعندها يقال أتى الوادي‏.‏
إن لي عند كل نفحة بستان من الورد أو من الياسمينا نظرة والتفاتة أتمنى أن تكوني حللت فيما تلينا ما هذه الأنوار اللايحة والنوار الفاتحة إني لأجد ريح الحكمة ولا مفند وأرد مورد النعمة ولا منكد أمسك دارين ينهب أم المندل الرطب في الغرام الملهب أم نفحت أبواب الجنة ففاح نسيمها وتوضحت أسباب المنة فلاح وسيمها‏.‏
محياك أم نور الصباح تبسما ورياك أم نور الأقاح تنسما فمن شم من ذا نفحة رق شيمة ومن شام من ذا لمحة راق مبسما أجل خلق الإنسان من عجل‏.‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لتفهموا أسرار الحكم وتعوا وإذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا ‏"‏ يعني مجالس الذكر ومأنس النظر والفكر ومطالع المناظرة وخواضع المحاضرة فهذه بتلك وقد انتظمت الجواهر النبيوية في سلك ولهان حمى للعطارة وطيس بين مسك المداد وكافور القراطيس‏.‏
فيا أيها المعلم الأوحد والعالم الذي لا تنكر أمامته ولا تجحد حومت على علم الملوك ولزمت بحلم طريق الحكم المسلوك فلم تعد أمل الحكماء ولم تعد إلا بعمل العلماء وقد قال حكيمهم الفاضل وعظيمهم الذي لا مناظر له ولا مفاضل إذا خدمت الأمراء فكن بين استلطاف واستعطاف تجن المعارف والعوارف دانية القطاف‏.‏
فتعلمهم وكأنك تتعلم منهم وترويهم وكأنك تروي عنهم فأجريت الباب وامتريت من العلم اللباب ثم لم تبعد فقد فعل النحويون ذلك في يكرم ويعد ويعز ولا غرو أن تقرأ على من هو دونك‏.‏
وستتجيز الإجازة عن القوم العظام يقصدونك‏.‏
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره الله بأن يقرأ على أبي بن كعب ‏"‏ فهل في حي الخواطر الذكية من حي ‏"‏ فقال له رضي الله عنه الله أمرك أن تقرأ علي والعناية الربانية تنادى إلي إلي وإذا قال لي من أحب مولاي واستعار لزينته حلاي‏:‏ فما على الحبيب من اعتراض وللطبيب تصرف في المراض قد يرحل المرء لمطلوبه والسبب المطلوب في الراحل عجت متواضعًا فما أبرمت في معاجك ولا ظلمت في السؤال نعجته إلى نعاجك فإنه سر الله لا يحل فيه الإفشاء وحكمة الله البالغة والله يؤتى الكمة من يشاء وإن لبست من التواضع شعارًا ولبست عن الترفع تنبيهًا على السر المكتوم وإشعارًا‏.‏
فهذه الثريا من العجايب إذا ارتفعت في أعلى صعودها وأسمى راياتها الخافقة وبنودها‏.‏
نهاية وجودها الحسي عدم وغاية وصفها الشبهي أن تشبه بقدم فإذا همت بالركوع وشمت في المغرب ريح الوقوع كان لها من السمو القدح المعلى وعادت قرطًا تنزين به الآذان وتتحلى‏.‏
وفي الشرق كأس وفي مغاربها قرط وفي وسط السماء قدم هذه آثار التواضع متلوة السور مجلوة الصور وكان بعضهم إذا أعطى الصدقة يعطيها ويده تحت يد لسايل وهكذا تفهم المايل‏.‏
فإنه لما سمع النبوة تقول اليد العليا خير من اليد السفلى أراد أن يؤثر المقام الأعلى‏.‏
ولما أعطى أبو بكر رضي الله عنه‏.‏
ماله كله أعطى عمر رضي الله عنه النصف من المال لا احتياطًا على ماله ولكن ليقف لأبي بكر في مقام القصور عن كماله تفويضًا وتسليمًا وتنبيهًا لمن كان له قلب وتعليما‏.‏
ورؤى الدار قطني رحمة الله عليه يحبس أباه بركابه فلا ينكر عليه فقيل له في ذلك فقال رأيته يبادر إلى فضيلة فكرهت مخالفته‏.‏
فوق السماء وفوق الزهر ما طلبوا وإذا ما أرادوا غاية نزلوا وإلى هذا وصل الله حفظك وأجزل من الخيرات حظك فإنه وصلتني الكراسة المباركة الدالة على التفنن في العلوم والمشاركة فبينما أنا أتلو الإجازة وأريق سدور البيان وإعجازه ألقي إلي كتاب كريم إنه من أبي الوليد وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فحرت ووقفت كأنني سحرت وقلت ساحران تظاهرا معًا وأحدهما قاتلي فكيف إذا اجتمعا‏.‏
فلو كان رمحًا واحدًا التقيته ولا كنه رمح وثان وثالث ومن لعبت بشيمته المثاني فأحرى أن تطير به المثالث وطار بي الشوق كل مطار وقرأت سماء فكرتي سورة الانفطار وكدت أصعد إلى السماء كانت جواهرنا أوايل قبل ذان فالآن صارت بالتحول ثوان وجدت وراء الحسن وهي كثيفة فوجودهن الآن في الأذهان ولم يكف أن بهرت بالحسن الخلوب حتى أمرت أن أنظم على ذاك الأسلوب وبالحرى لذلك النثر البديع الحريري أو البديع ولذلك النظم العجيب المتنبي أو حبيب ولذلك التصوف الرقيق الحارث بن أسد ذي التحقيق‏.‏
وأما الحديث فما لك تقطع تلك المسالك إلا أن العربية ليس لأحد معه فيها دليل أستغفر الله إلا للخليل لا كن أصول الدين مجرية تركت تلك الميادين‏.‏
هناك الله جمع كل منقبة جليلة فترى الفضيلة لا ترد فضيلة فمر الرديف وقد ركب غضنفرا أو المدعي صفة فضل وكل الصيد في جوف الفرا من يزحم البحر بغرق ومن يطعم الشجر يشرق‏.‏
وهل يباري التوحيد بعمل أو يجاري البراق بجمل‏.‏
ذلك انتهى إلى سدرة المنتهى‏.‏
وهل انبرى ليطم خده في الثرى‏.‏
لا تقاس الملايكة بالحدادين ولا حكماء يونان بالقدادين‏.‏
أفي طريق الكواكب يسلك وعلى الفلك الأثير يستملك‏.‏
أين الغد من الأمس وظلمة الغسق من وضح الشمس‏.‏
ولولا ثقتي بغمام فضلك الصيب لتمثلت لنفسي بقول أبي الطيب‏:‏ إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق أراه غبارى ثم قال له الحق فإن رضيت أيها العلم فما لجرح إذا أرضاكم ألم‏.‏
تر كيف أجاري أعوج بمغرب أهوج وأجاري ذا العقال بجحش في عقال‏.‏
ظهر بهذه الظلمة ذلك الضياء وبضدها تتبين الأشياء‏.‏
وما يزكو بياض العاج حتى يضاف إلى سواد الأبنوس‏.‏
ألفاظ تذوب رقة وأغراض تملك حب الكريم ودرة الزهر والزهر بين بنان وبيان والدر طوع لسان وإحسان‏.‏
وقالوا ذاك سحر بأهلي فقلت وفي مكان الهاء باء وأما محاسن أبي الوليد فيقصر عنها أبو تمام وابن الوليد‏.‏
معان لبسن ثياب الجمال وهزت لها الغانيات القدودا كسون عبيدًا ثياب عبيد وأضحى لبيد لديها بليدًا وكيف أعجب من إجرايك لهذه الجياد وأياديك من إياد‏.‏
أو رثت هذه البراعة المساعدة عن قس بن ساعدة‏.‏
أجدك أنت الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أورق وهو يقول أيها الناس‏:‏ مطر ونبات وآباء وأمهات إلى قوله‏:‏ في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصاير لما رأيت موارد للموت ليس لها مصادر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صاير إيه بغير تمويه‏.‏
رجع الحديث الأول إلى ما عليه المعول‏.‏
سألتني إيها السيد الذي يجب إسعافه أن أرغم أنف القلم حتى يجري رعافه وأن أكحل جفون الأوراق بمداد الأقلام وأن أجمع الطروس والأمدة بين إصباح وإظلام وأطرز بياض السوسن بخضرة الآس وأبرز العلم الأبيض تحت راية بين العباس فقلت مبادرًا ممتثلًا وجلت في ميدان الموافقة متمثلًا‏:‏ لبيك لبيك أضعافًا مضاعفة إني أجبت ولكن داعي الكرم أتى من المجد أمر لا مرد له أمشي على الرأس فيه لا على القدم دعاء والله نجاب ونداء ليس دونه حجاب كتبت ولو أني أستطيع لإجلال قدرك بين البشر قددت البراعة من أنملىوكأن المداد سواد البصر نعم أجزت سيدي الفقيه الأجل الخطيب الأكرم العالم العلم الأحد الأكمل الحسيب الأحفل الأطول أبا الوليد بن الفقيه الأجل المعظم الموقر المكرم المبارك الأظهر المرحوم أبي زكريا يحيى بن سعيد بن قترى الأيادي القنرموني وبنيه السادات النجباء المباركين أبا القاسم أحمد‏.‏
وأبا إسحق إبراهيم وأبا الحسين بتزيل‏.‏
ونعمت الأغصان والشجرة والأفنان والثمرة أقر الله بهم أعين المجد ولا زالوا بدورا في مطالع السعد ولا برحوا في مكارم يجنون نوارها ويجتلون أنوارها وتفيض عليهم يد العناية الآلهية نهرها الكوثري ونهارها جميع ما رويته قراءة وسماعًا وإجازة ومناولة من العلوم على اختلافها وتباين أصنافها بأي وجه رويته وعلى أي وصف تقلدته ودريته وكذلك أجزتهم جميع ما قلته وأقوله‏.‏
من مسطور ومرسوم ومنثور ومنظوم وتصرفت فيه من منقول ومفهوم وقصايدي المسماة بالروحانيات ومعشراتي الحبيبات وما نظمته من الوتريات وشرحي لشعر أبي الطيب المسمى بظهور الإعجاز بين الصدور والأعجاز وكتابي المسمى شمس البيان في لمس البنان والزهرة الفايحة في الزهرة اللايحة ونفح الكمامات في شرح المقامات واقتراح المتعلمين في اصطلاح المتكلمين وكتاب التصور والتصديق في التوطية لعلم التحقيق ورقم الحلل في نظم الجمل ومفتاح الإحسان في إصلاح اللسان‏.‏
وما أنشأته من السلطانيات نظمًا ونثرًا وخطابة وشعرًا‏.‏
والله تعالى يجعل أعمالنا خالصة لوجهه بمنه وكرمه فليقل الفقيه الأجل وبنوه الأكرمون رضي الله عنهم أنبأنا وأخبرنا وحدثنا أو ما شاءوا من ألفاظ الرواية بعد تحري الشروط المرعية في الإجازات الشرعية وإن ذهبوا حفظ الله كمالهم وأراهم في الدارين آمالهم إلى تسمية من لي من المشايخ قدس الله أرواحهم وزحزح عن النار أشباحهم‏:‏ فمنهم الأستاذ الخطيب الكبير العالم الفاضل الجليل البقية الصالحة آخر الأدباء وخاتمة الفضلاء أبو جعفر أحمد بن يحيى بن إبراهيم الحميري القرطبي الدار رضي الله عنه‏.‏
قرأت عليه بقرطبة شعر أبي الطيب قراءة فهم لمعانيه وأعراب لألفاظه وتحقيق للغته وتنقير عن بديعه‏.‏
وكذلك قرأت عليه أكثر شعر أبي تمام‏.‏
وسمعت عليه كتاب الكامل لأبي العباس المبرد ومقامات التميمي كان يرويها عن منشيها وكانت عنده بخط أبي الطاهر‏.‏
وتفقهت عليه تبصرة الضمري‏.‏
وكان على شياخته رحمه الله ثابت الذهن مقبل الخاطر حافظًا المعيا‏.‏
يروع ركانة ويذوب ظرفا فما تدري أشيخ أم غلام نأتيه بمقاطع الشعر فيصلحها لنا ويقف على ما نستحسنه منها فنجده أثبت منا ولقد أنشدته يومًا في فتى مفقود العين اليسرى‏:‏ لم تزو إحدى زهرتيه ولا انثنت عن نورها وبديع ما تحويه لكنه قد رام يغلق جفنه ليصب بالسهم الذي يرميه فاستفادهما وحفظهما‏.‏
ولم يزل رحمه الله يعيدهما مستحسنًا لهما متى وقع ذكري‏.‏
وكان يروى عن الأمام المازري بالإجازة وعن القاضي أبي مروان بن مسرة وعن الأستاذ عباس وعن أبي عبد الله بن أبي الخصال‏.‏
ومنهم الفقيه الأجل العالم العدل المحدث الأكمل المتفنن الخطيب القاضي أبو محمد بن حوط الله سمعت عليه كتبًا كثيرة بمالقة بقراءة الفقيه الأستاذ أبي العباس بن غالب ولقيته بقرطبة أيضًا وهو قاضيها‏.‏
وحدثني عن جدي وعن جملة شيوخ‏.‏
وله برنامج كبير‏.‏
وأخوه القاضي الفاضل أبو سليمان أيضًا منهم‏.‏
ومنهم الفقيه الأجل العالم العلم الأوحد‏.‏
النحوي الأديب المتقن أبو علي عمر بن عبد المجيد الأزدي قرأت عليه القرآن العزيز مفردات وكتاب الجمل والإيضاح وسيبويه تفقهًا وكذلك الأشعار الستة تفقهًا وما زلت مواظبًا له إلى أن توفي رحمه الله‏.‏
وكان فريد عصره في الذكاء ولم يكن في حلبة الأستاذ أبي زيد السهيلي أنجب منه على كثرتهم‏.‏
وقد قال الأستاذ أبو القاسم السهيلي للإمام المنصور رضي الله هو أقعد لكتاب سيبويه منا‏.‏
وقال لي يوما وقد نظر إلى طالب يصغي بكليته إلى ثان فقلت ماذا فقال إن حب الشيء يعمي ويصم فقلت له ويعيد الصبح ليلًا مدلهم فاستحسته‏.‏
ومنهم الفقيه الأجل الأديب الأريب الكامل اللغوي الشهير أبو علي ابن كسرى الموري قريبي ومعلمي‏.‏
وكان من طلبة أبي القاسم السهلي وممن نبغ صغيرًا‏.‏
وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا أسحق الكبير بإشبيلية‏:‏ قسما بحمص وإنه لعظيم فهي المقام وأنت إبراهيم وكان بالحضرة الأستاذ أبو القاسم السهيلي فقام عند إتمامه القصيدة فقال لمثل هذا كنت أحسيك الحسا ولمث هذا كنت أواصل في تعليمك الإصباح والإمساء وقد أنشد هذا لأمير المؤمنين أب يعقوب رضي الله عنه‏:‏ أمعشر أهل الأرض بالطول والعرض بهذا أنادي في القيامة والعرض فقد قال الله فيك ما أنت أهله فيقضي بحكم الله فيك بلا نقض فإياك يعني ذو الجلال بقوله كذلك مكنا ليوسف في الأرض ومهم الفقيه الأجل العالم المحدث الحافظ الفاضل المؤثر السيد أبو محمد القرطبي‏.‏
قرأت عليه القرآن بالروايات مفردات وتفقهت في الجمل والأشعار وأجازني جميع ما رواه‏.‏
وكذلك فعل كل واجد ممن تقدم ذكره‏.‏
وكان رحمه الله آخر الناس علمًا ونزاهة وحسن خلق وجمال سمت وأبهة ووقار وإتقان وضبط وجودة وحفظ‏.‏
ومنهم الفقيه الأجل الحاج الفاضل الشهيد في كاينة العقاب المحدث الورع الزاهد الطاهر أبو عبد الله بن حسين بن صاحب الصلاة الأنصاري وعليه كان ابتداي للقراءة وكان مبارك


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:25 AM

التعليم‏.‏
حسن التفهيم شديد التواضع‏.‏
ومنهم الفقيه الأجل الفاضل الورع المحدث الحاج الملهم المجاب الدعوة الميمون النقيبة الأواب‏.‏
أبو الحجاج بن الشيخ‏.‏
رضي الله عنه‏.‏
وهذا الكتاب على الإطالة مني‏.‏
ولكن القرطاس فني والسلام الأتم عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
قال ذلك وكتبه العبد المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه‏.‏
محمد بن عبد الله الحميري ثم الإستجي في أواسط شعبان المكرم من عام أحد وأربعين وستمائة‏.‏
وفاته من خط الوزير أبي محمد عبد المنعم بن سماك‏.‏
قال قدم غرناطه أظن سنة تسع وثلاثين وستمائة وشكى علة البطن مدة ثمانية أشهر بدار أبي رحمه الله مرضناه الثلاثة الأخوة إلى أن توفي رحمه الله ودفن بمدفنه مغنى الأدب بروضة الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك‏.‏
محمد بن أحمد بن علي الهواري يكنى أبا عبد الله ويرعف بابن جاب رمن أهل ألمرية‏.‏
حاله رجل كفيف البصر مدل على الشعر عظيم الكفاية والمنة على زمانته‏.‏
رحل إلى المشرق وتظافر برجل من أصحابنا يعرف بأبي جعفر الإلبيري صارا روحين في جسد ووقع الشعر منهما بين لحسي أسد وشمر للكدية فكان وظيف الكفيف النظم ووظيف البصير الكتب وانقطع الآن خبرهما‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ محسوب من طلبتها الجلة ومعدود فيمن طلع بأفقها من الأهلة رحل إلى المشرق وقد أصيب ببصره واستهان في جنب الاستفادة بمشقة سفره على بيان عذره ووضوح ضره‏.‏
شعره وشعره كثير فمنه قوله‏:‏ سلوا مسر ذاك الخال في صفحة الخد متى رقموا بالمسك في ناعم الورد ومن هو غصن القد منها لفتنتي وأودعه رمانتي ذلك النهد فتاة تفت القلب مني بمقلة له رقة الغزلان في سطوة الأسد تمنيت أن تهدي إلى نهودها فقالت رايت البدر يهداه أو يهد فقلت وللرمان بد من الجنا فتاهت وقالت باللواحظ لا الأيد فقلت ليس للقلب عندك حاصل وقالت قلوب الناس كلهم عندي وقلت اجعليني من عبيدك في الهوى فقالت كفاني كم لحسني من عبد إذا شئت أن أرضاك عبدًا فمت هوى ولا تشكي واصبر على ألم الصد ألم تر أن النحل يحمل ضرها لأجل الذي تجنيه من خالص الشهد كذلك بذل النفيس سهل لذي النهى لما يكسب الإنسان من شرف الحمد ألست ترى أزجاته طالما أضاع كريم المال في طلب المجد ومن شعره أيضًا قوله‏:‏ عرج على بان العذيب ونادوأنشد فديتك إن حل فؤادي وإذا مررت على المنازل بالحما فاشرح هنالك لوعتي وسهادي إيه فديتك يا نسيمة خبري أرب الأحبة والحمى والوادى قد صح عيدي يوم أبصر حسنها وكذا الهلال علامة الأعياد ومما نقلناه من خبر قيده لصاحبنا الفقيه الأستاذ أبي علي منصور الزواري ومما أدعاه لنفسه‏:‏ علي لكل ذي كرم ذمام ولي بمدارك المجد اهتمام وأحسن ما لدي لقاء حر وصحبته معشر بالمجد هام وإني حين أنسب من أناس على قمم النجوم لها مقام يميل بهم إلى المجد ارتياح كما مالت بشارتها المرام هم لبسوا أديم القيل بردًا ليسفر من مرادهم الظلام هم جعلوا متون العيش أرضا فمذ عزموا الرحيل فقد أقام فمن كل البلاد لنا ارتحال وفي كل البلاد لنا مقام وحول موارد العلياء منها لنا مع كل ذي شرف زحام تصيب سهامنا غرض المعالي إذا ضلت عن الغوص السهام وليس لنا من المجد اقتناع ولو أن النجوم لنا قيام وإن حضر الكرام ففي يدينا ملاك أمورهم ولنا الكلام وفينا المستشار بكل علم ومنا الليث والبطل الهمام فميدان الكلام لنا مداه وميدان الحروب بنا يقام كلا الأمرين ليس له بقوم سوانا يوم نازلة تمام يريق دم المداد بكل طرس وليس سوى اليراع لنا سهام ونكتب بالمثقفة العوالي بحيص الطرس لبات وهام إذا عبست وجوه الدهر منا إليها فانثنت ولها انتقام لقد علمت قلوب الروم أنا أناس ليس يعوزنا مرام وليس يضيرنا أنا قليل لعمر أبيك ما كثر الكرام إذا ما الراية الحمراء هزت نعم فهناك للحرب ازدحام وما أحمرت سدى بل من دمًا ليس على جوانبها انسجام تظلل من بني نصر ملوكا حلال النوم عندهم حرام وأني جئت من شرق لغرب ورمت بي الزمان كما ترام وجربت الملوك وكل شخص تحدث عن مكارمه الأنام فلم أر مثلكم يا آل نصر جمال الخلق والخلق العظام ومنها‏:‏ لأندلس بكم شرف وذكر تود بلوغ أدناه الشآم سعى صوب الغمام بلاد قوم هم في كل مجدبة غمام إليك بها مهذبة المعاني يرينها ابتسام وانتظام لها لجناب مجدكم انتظام طواف وفي أركان إسلام تجزت وما كادت وقد وطى الإيطاء صروحكم وأعيا الإكثار حارثها وسروجها الله ولي التجاوز بفضله‏.‏
ابن الحداد الوادي آش محمد بن أحمد بن الحداد الوادي آش يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله شاعر مفلق وأديب شهير مشار إليه في التعاليم منقطع القرين منها في الموسيقى مضطلع بفك المعمى‏.‏
سكن ألمرية واشتهر بمدح رؤسائها من بني صمادح‏.‏
وقال ابن بسام كان أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة وبحر خبر وسيرة وديوان تعاليم مشهورة وضح في طريق المعارف وضوح الصبح المتهلل وضرب فيها بقدح ابن مقبل إلى جلالة مقطع وأصاله منزع ترى العلم ينم على أشعاره ويتبين في منازعه وآثاره‏.‏
تواليفه ديوان شعر كبير معروف‏.‏
وله في العروض تصنيف مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية والآراء الجليلة‏.‏
بعض أخباره حدث بعض المؤرخين مما يدل على ظرفه أنه فقد سكنًا عزيزًا عليه وأحوجت الحال إلى تكلف سلوة فلما حضر الندماء وكان قد رصد الخسوف بالقمر فلما حقق أنه قد ابتدأ أخذ العود وغنى‏:‏ شقيقك غيب في لحده وتشرق يا بدر من بعده فهلا خسفت وكان الخسوف حدادًا لبست على فقده وجعل يرددها ويخاطب البدر فلم يتم ذلك إلا واعترضه الخسوف وعظم من الحاضرين التعجب‏.‏
قال وكان مني في صباه بصبية من الروم نصرانية ذهبت بلبه وهواه تسمى نويرة افتضح بها وكثر نسيبه‏.‏
شعره قال في الغرض المذكور‏:‏ حديثك ما أحلى فزيدي وحدثي عن الرشإ الفرد الجمال المثلث ولا تسأمي ذكراه فالذكر مؤنس وإن بعث الأشواق من كل مبعث وبالله فارقي خبل نفسي بقوله وفي عقد وجدي بالإعادة فابعث وأقسم بالغنجيل أني شابق وناهيك دمعي من محق محنث ولا بد من قصي على القس قصتي عساه مغيث المدنف المتغوث ولم يأتهم عيسى بدين قساوة فيقسو على بني ويلهو بمكرث وقلبي من حلى التجلد عاطل هوى في عزال الواديين المرعث سيصبح سرى كالصبح مشهرًا ويمسي حدثيي عرضه المتحدث ويغري بذكرى بين كأس وروضة ويشد وبشعري فوق مثنى ومثلث ومن شعره في الأمداح الصمادحية‏:‏ لعلك بالوادي المقدس شاطئ وكالعنبر الهندي ما أنت واطئ وإني في رياك واجد عرف ريحهم فروح الجوى بين الجوانح ناشئ ولي في السرى من نارهم ومنارهم هداة حداة والنجوم طوافئ لذلك ما حنت ركايبي وحمحمت عرابي وأوحي سيرها المتباطئ فهل هاجها ما هاجني أو لعلها إلى الوخد من نيران وجدي لواجئ ومنها‏:‏ محاملة السلوان مبعث حسنه فكل إلى دين الصبابة صابئ فكيف أرقى كلم طرفك في الحشا وليس لتمزيق المهند رافئ ومالي لا أسمو مرادًا وهمة وقد كرمت نفسي وطابت ضآضئ وما أخرتني عن تناه مبادئ ولا قصرت بي عن تباه مناشئ ولكنه الدهر المناقض فعله فذو الفضل منحط وذو النقص نامئ كأن زماني إذ رآني جذيله يلابسني منه عدو ممالئ فداريت إعتابا ودارأت عاتبًا ولم يغنني أني مدار مدارئ فألقيت أعباء الزمان وأهله فما أنا إلا بالحقائق عابئ ولازمت سمت الصمت لا عن مذامة فلي منطق للسمع والقلب صابئ ولولا علا الملك ابن معن محمد لما برحت أصدافهن اللآلئ لآلئ إلا أن فكرى غائص وعلمي ذوماء ونطقي شاطئ أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ويرين حلل الوارشين القطا سرب الجوى لا الجو عود حسنه أن يرتعى حب القلوب ويلقطا مالت معاطفهن من سكر الصبا ميلا يخيف قدودها أن تسقطا ما أخجل البدر المنير إذا مشى يختال والخوط النضير إذا خطا ومنها في المدح‏.‏
يا وافدي شرق البلاد وغربها أكرمتما خيل الوفادة فاربطا ورأيتما ملك البرية فاهنآ ووردتما أرض المرية فاحططا يدمي نحور الدارعين إذا ارتأى ويذل عز العالمين إذا سطا وإحسانه كثير‏.‏
دخل غرناطة ومن بنات عملها وطنه رحمه الله‏.‏
محمد بن إبراهيم بن خيرة يكنى أبا القاسم‏.‏
ويعرف بابن المواعين حرفة أبيه من أهل قرطبة‏.‏
واستدعاه السيد أبو سعيد الوالي بغرناطة إليه فأقام عنده مدة من عامين في جملة من الفضلاء مثله‏.‏
حاله قال ابن عبد الملك كان كاتبًا بليغًا شاعرًا مجيدًا إستكتبه أبو حفص ابن عبد المؤمن وحظي عنده حظوة عظيمة لصهر كان بينهما بوجه ما ونال فيه جاهًا عظيما وثروة واسعة‏.‏
وكان حسن الخط رايقه سلك فيه في ابتدايه مسلك المتقن أبي بكر بن خيرة‏.‏
مشيخته روى عن أبي بكر بن عبد العزيز وابن العربي وأبي الحسن شريح ويونس بن مغيث وأبي عبد الله حفيد مكي وابن أبي الخصال وابن بقي‏.‏
تواليفه له تصانيف تاريخية وأدبية منها ريحان الآداب وريعان الشباب لا نظير له‏.‏
والوشاح المفضل‏.‏
وكتاب في الأمثال السايرة‏.‏
وكتاب في الأدب نحا فيه منحى أبي عمر بن عبد البر في بهجة توفي بمراكش سنة أربع وستين وخمسمائة‏.‏
ابن باق الأموي محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي مرسي الأصل غرناطي النشأة مالقي الإسكان يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله من عايد الصلة‏:‏ كان رحمه الله كاتبًا أديبًا ذكيا لوذعيا يجيد الخط ويرسل النادرة ويقوم على العمل ويشارك في الفريضة‏.‏
وبذ السباق في الأدب الهزلي المستعمل بالأندلس‏.‏
عمر زمانا من عمره محارفًا للفاقة يعالج بالأدب الكدية ثم استقام له الميسم وأمكنه البخت من امتطاء غاربه فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد ومحاسب ومدير تجر فأثرى ونما ماله وعظمت حاله وعهد عند ما شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين لتصرف في وجوه من البر فتوهم أنها كانت زكاة امتسك بها‏.‏
وجرى ذكره في التاد بما نصه‏:‏ مدير أكواس البيان المعتق ولعوب بأطراف الكلام المشقق انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه فأبرز در معانيه من أصدافه وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه‏.‏
ثم تجاوزه إلى المعرب وتخطاه فأدار كأسه المترع وعاطاه فأصبح لفنه جامعًا وفي فلكيه شهابًا لامعًا وله ذكاء يطير شرره وإدراك تتبلج غرره وذهن يكشف الغوامض ويسبق البارق الوامض وعلى ذلاقة لسانه وانفساح أمد إحسانه فشديد الضنانة يشعره‏.‏
مغل لسعره‏.‏
شعره أخبرني الكاتب أبو عبد الله بن سلمة أنه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله في رويه‏:‏ أحرز الخصل من بني سلمة كاتب تخدم الظبا قلمه يحمل الطرس عن أنامله إثر الطرس كلما رقه ويمد البيان بفكرته مرسلًا حيث يممت ديمه خصني متحفأ بخمس إذا بسم الروض فقن مبتسمة قلت أهدى زهر الربا خضلا فإذا كل زهرة كلمة أقسم الحسن لا يفارقها فأبر انتقاؤها قسمه خط أسطارها ونمقها فأتت كالعقود منتظمة كاسيًا من حلاه لي حللًا رسمها من بديع ما رسمه طالبًا عند عاطش نهلا ولديه الغيوث منسجمة أيها الفاضل الذي حمدت ألسن المدح والثنا شيمه لا تكلف أخاك مقثرحا نشر عار لديه قد كتمه وابق في عزة وفي دعة صافي العيش واردًا شبمه ما ثنى الغصن عطفه طربًا وشدا الطير فوق نغمه مشيخته قرأ على الأستاذ أبي جعفر الزبير والخطيب أبي عثمن بن عيسى‏.‏
توفي بمالقة في اليوم الثامن والعشرين لمحرم عام اثنين وخمسين وستمائة وأوصى بعد أن حفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبي عبد الله الطنجالي وأبي عثمن بن عيسى أن يدفن وأن يكتب على قبره هذه الأبيات‏:‏ ترحم على قبر ابن باق وحيه فمن حق ميت الحي تسليم حيه وقل آمن الرحمن روعة خائف لتفريطه في الوجبات وغيه قد اختار هذا القبر في الأرض راجيًا من الله تخفيفًا بقرب وليه فقد يشفع الجار الكريم لجاره ويشمل بالمعروف أهل نديه ابن فضيلة المعافري محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري من أهل ألمرية يدعى بالبيو ويكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله من الإكليل الزاهر شيخ أخلاقه لينة ونفسه كما قيل هينة ينظم الشعر سهلا مساقه محكما اتساقه على فاقة ما لها من إفاقة‏.‏
أنشد السلطان بظاهر بلده قوله‏:‏ سرت ريح نجد من ربي أرض بابل فهادت إلى مسرى سراها بلابل وذكرني عرف النسيم الذي سرى معاهد أحباب سراة أفاضل فأصبحت مشغوفًا بذكري منازل ألفت فوا شوقي لتلك المنازل فيا ريح هبي بالبطاح وبالربا ومري على أغصان زهر الخمائل وسيري بجسمي للتي الروح عندها فروحي لديها من أجل الوسائل وقولي لها عني معناك بالهوى له شوق معمود وعبرة ثاكل فيا بأبي هيفاء كالغصن تثنى بقد يقد كاد ينقد مايل لها منظر كالشمس في رونق الضحا ولحظ كحيل ساحر الطرف بابل بطيب شذاها عطرت كل عاطر كما بحلاها زينت كل عاطل رمتني بسهم من سهام جفونها فصادف ذاك السهم مني مقاتل فظلت غريقًا في بحار من الهوى وما الحب إلا لجة دون ساحل فيا من سبت عقلي وأفنت تجلدي صلبني فإن البعد لا شك قاتل فلي كبد شوقي إليك تفطرت وقلب بنيران الجوى في مشاعل ولي أدمع تحكي ندا كف يوسف أمير العلى الأرضيي الجميل الفضايل إذا مد بالجود الأنامل لم تزل بحور الندى تهمى بتلك الأنامل ومن شعره قوله من قصيدة‏:‏ بهرت كشمس في غلالة عسجد وكبدر تم في قضيب زبرجد ثم انثنت كالغصن هزته الصبا طربًا فتزرى بالغصون الميد حوراء بارعة الجمال غريدة تزهى فتزري بالقضيب الأملد قال شيخنا أبو البركات ابتلى باختصار كتب الناس فمن ذلك مختصره المسمى بالدرر المنظومة الموسومة في اشتقاق حروف الهجا المرسومة وكتاب في حكايات تسمى روضة الجنان وغير ذلك‏.‏
توفي في أواخر رمضان من عام تسعة وأربعين وسبع ماية ودخل غرناطة غير مرة‏.‏
ابن مرج الكحل محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم من أهل جزيرة شقر يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن مرج الكحل حاله كان شاعرًا مفلقا غزلا بارع التوليد رقيق الغزل‏.‏
وقال الأستاذ أبو جعفر‏:‏ كان شاعرًا مطبوعًا حسن الكفاية ذاكرًا للأدب متصرفًا فيه‏.‏
قال ابن عبد الملك‏:‏ وكانت بينه وبين طائفة من أدباء عصره مخاطبات ظهرت فيها إداته‏.‏
وكان مبتذل اللباس على هيئة أهل البادية ويقال إنه كان أميًا‏.‏
من أخذ عنه روى عنه أبو جعفر بن عثمان الوراد وأبو الربيع بن سالم وأبو عبد الله بن الأبار وابن عسكر وابن أبي البقاء وأبو محمد بن عبد الرحمن بن برطلة وأبو الحسن الرعيني‏.‏
شعره ودخوله غرناطة قال في عشية بنهر الغنداق خارج بلدنا لوشة بنت الحضرة والمحسوب من دخلها فقد دخل عرج بمنعرج الكثيب الأعفر بين الفرات وبين شط الكوثر ولنغتبقها قهوة ذهبية من راحتي أحوى المرشف أحور وعشية قد كنت أرقب وقتها سمتحت بها الأيام بعد تعذر نلنا بها آمالنا في روضة تهدي لنا بشقها شميم العنبر والدهر من ندم يسفه رأيه فيما مضى منه بغير تكدر والورق تشدو والأراكة تنشني والشمس ترفل في قميص أصفر والروض بين مفضض ومذهب والزهر بين مدرهم ومدنر والنهر مرقوم الأباطح والربى بمضدل من زهره ومعصفر وكأنما ذاك الحباب فرنده مهما طفا في صفحة كالجوهر وكأنه وجهاته محفوفة بالآس والنعمان خد معذر نهر يهيم بحسنه من لم يهم ويجيد فيه الشعر من لم يشعر ما اصفر وجه الشمس عند غروبها إلا لفرقة حسن ذاك المنظر وقرارة كالعشر بين خميلة سالت مذانبها بها كالأسطر فكأنها مشكولة بمضدل من يانع الأزهار أو بمعصفر أمل بلغناه بهضب حديقة قد طرزته يد الغمام الممطر فكأنه والزهر تاج فوقه ملك تجلى في بساط أخضر راق النواظر منه رايق منظر يصف النضارة عن جنان الكوثر كم قاد خاطر خاطر مستوفز وكم استفز جماله من مبصر لو لاح لي فيما تقدم لم أقل عرج بمنعرج الكثيب الأعفر قال أبو الحسن الرعيني وأنشدني لنفسه‏:‏ وعشية كانت قنيصة فتية ألفوا من الأدب الصريح شيوخا فكأنما العنقاء قد نصبوا لها من الانحناء إلى الوقوع فخوخًا شملتهم آدابهم فتجاذبوا سر السرور محدتًا ومصيخا والورق تقرأ سيرة الطرب التي ينسيك منها ناسخًا منسوخا ومن أبياته في البديهة‏:‏ وعندي من مراشفها حديث يخبر أن ريقتها مدام وفي أجفانها السكرى دليل وما ذقنا ولا زعم الهمام تعالى الله ما أجرى دموعي إذا عنت لقلتي الخيام وأشجاني إذا لاحت بروق وأطربني إذا غنت حمام ومن قصيدة‏.‏
عذيري من الآمال خابت قصودها ونالت جزيل الحظ منها الأخابث وقالوا ذكرنا بالغنى فأجبتهم خمولًا وماذكر مع البخل ماكث يهون علينا أن يبيد أثاثنا وتبقى علينا المكرمات الأثابث وما ضر أصلا طيبا عدم الغنى إذا لم يغيره من الدهر حادث وله يتشوق إلى أبي عمرو بن أبي غياث‏:‏ أبا عمرو متى تقضي الليالي بلقياكم وهن قصصن ريش أبت نفسي هوى إلا شريشًا وما بعد الجزيرة من شريش والزهر يضحك من بكاء غمامة ريعت لشيم سيوف برق تلمع والنهر من طرب يصفق موجه والغصن يرقص والحمامة تسجع فانعم أبا عمران واله بروضة حسن المصيف بها وطاب المربع يا شادن البان الذي دون النقا حيث التقى وادي الحمى والأجرع الشمس يغرب نورها ولربما كسفت ونورك كل حين يسطع إن غاب نور الشمس بتنا نتقي بسناك ليل تفرق يتطلع أفلت فناب سناك عن إشراقها وجلًا من الظلماء ما يتوقع فأمنت يا موسى الغروب ولم أقل فوددت يا موسى لو أنك يوشع وقال‏:‏ ألا يشروا بالصبح مني باكيًا أضر به الليل الطويل مع البكا ففي الصبح للصب المتيم راحة إذا الليل أجرى دمعه وإذا شكا ولا عجب أن يمسك الصبح عبرتي فلم يزل الكافور للدم ممسكا وقال‏:‏ دخلتم فأفسدتم قلوبًا بملككم فأنتم على ما جاء في سورة النمل وبالعدل والإحسان لم تتخلقوا فأتم على ما جاء في سورة النحل وقال أبو بكر محمد بن محمد بن جهور‏:‏ رأيت لابن مرج الكحل مرجًا أحمر قد أجهد نفسه في خدمته فلم ينجب فقلت‏:‏ يا مرج كحل ومن هذي المروج له ما كان أحوج هذا المرج للكحل يا حمرة الأرض من طيب ومن كرم فلا تكن طمعًا في رزقها العجل فإن من شأنها إخلاف آملها فيما تفارقها كيفية الخجل فقال مجيبًا بما نصه‏:‏ يا قائلا إذ رأى مرجى وحمرته ما كان أحوج هذا المرج للكحل هو احمرار دماء الروم سيلها بالبيض من مر من آبائي الأول أحببته إن من فتنت به في حمرة الخد أو إخلافه أملي وفاته توفي ببلده يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستماية ودفن في اليوم بعده‏.‏
محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري من أهل مرسية يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الجنان حاله كان محدثًا راوية ضابطا كاتبًا بليغا شاعرًا بارعا رايق الخط دينا فاضلا خيرًا زكيًا‏.‏
استكتبه بعض أمراء الأندلس فكان يتبرم من ذلك ويقلق منه ثم خلصه الله منه‏.‏
وكان من أعاجيب الزمان في إفراط القماءة حتى يظن راثيه إذا استدبره أنه طفل إبن ثمانية أعوام أو نحوها متناسب الخلقة لطيف الشمايل وقورا خرج من بلده حين تمكن العدو من بيضته عام أربعين وستماية فاستقر بأوريولة إلى أن استدعاه إلى سبتة الرييس بها أبو علي بن خلاص فوفد عليه فأجل وفادته وأجزل إفادته وحزظي عنده حظوة تامة‏.‏
ثم توجه إلى إفريقية فاستقر ببجاية‏.‏
وكانت بينه وبين كتاب عصره مكاتبات ظهرت فيها براعته‏.‏
مشيخته روى ببلده وغيرها عن أبي بكر عزيز بن خطاب وأبي الحسن بن سهل ابن مالك وابن قطرال وأبي الربيع بن سالم وأبي عيسى بن أبي السداد وأبي علي الشلوبين وغيرهم‏.‏
روى عنه صهره أبو القاسم بن نبيل وأبو الحسن محمد بن رزيق‏.‏
شعره قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك وكان له في الزهد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بدايع ونظم في المواعظ للمذكرين كثيرا‏.‏
فمن ذلك قوله في توديع رمضان وليلة القدر‏:‏ فضى رمضان وكأن بك قد مضى وغاب سناه بعد ما كان أومضا فيا عهده ما كان أكرم معهدا ويا عصره أعزز علي أن انقضا ألم بنا كالطيف في الصيف زائرا فخيم فينا ساعة ثم قوضا فيا ليت شعري إذ نوى غربة النوى أبالسخط عنا قد تولى أم الرضا قضى الحق فينا بالفضيلة جاهدًا فأي فتى فينا له الحق قد قضا وكم من يد بيضاء أسدى لذي تقى بتوبته فيه الصحايف بيضا وكم حسن قد زاده حسنًا وسنى محاه وبالإحسان والحسن عوضا فلله من شهر كريم تعرضت مكارمه إلا لمن كان أعرضا نفي بينه وبين شجونك معلما وفي إثره أرسل جفونك فيضا وإن قضيت قبل التفرق وقفة فمقضيها من ليلة القدر ما قضا فيا حسنها من ليلة جل قدرها وحض عليها الهاشمي وحرضا لعل بقايا الشهر وهي كريمة تبين سرًا للأواخر أغمضا وقد كان أضفى ورده كي يفيضه ولا كن تلاحى من تلاحي فقيضا وقال اطلبوها تسعدوا بطلابها فحرك أرباب القلوب وأنهضا جزى الله عنا أحمد الجزا علىكرم أضفاه بردا ًوفضفضا وصلى عليه من نبي مبارك رؤوف رحيم للرسالة مرتضا له عزة أعلى من الشمس منزلا وعزمته أمضى من السيف منتضا له الذكر يهمى فض مسك ختامه تأرج من ريا فضايله الفضا عليه سلام الله ما انهل ساكب وذهب موشي الرياض وفضضا ومن ذلك قصيدة في الحج‏:‏ تذاكر الذكر وتهيج اللواعجا فعالجن أشجانًا يكاثرن عالجا ركابًا سرت بين العذيت وبارق نواييج في تلك الشعاب نواعجا تيممن من وادي الأراك منازلا يطرنها إلا في الأراك سجاسجا ألا بأبي تلك الركاب إذا سرت هوادي يملأن الفلاة هوادجا براهم سوامح أو سراهم فأصبحوا رسومًا على تلك الرسوم عوالجا لهم في مني أسنى المنا ولدي الصفا يرجون من أهل الصفا المناهجا سما بهم طوف ببيت طامح أراهم قبابًا للعلى ومعارجا فأبدوا من اللوعات ما كان كامنا وأذروا دموعًا بل قلوبًا مناضجا ولما دنوا نودوا هنيا وأقبلوا إلى الركن من كل الفجاج أدارجا وقضوا بتقبيل الجدار ولثمه حقوقًا تقضى للنفوس حوايجا إذا اعتنقوا تلك المعالم خلتهم أساور في إيمانها وجهالجا فلله ركب يمموا نحو مكة لقد كرموا قصدًا وحلوا مناسجا أناخوا بأرجاء الرجاء وعوسوا فأصبح كل ما بز القدح فالجا فبشروا لهم كم خولوا من كرامة فكانت لما قدموه نتايجا بفتح باب للقبول وللرضا ووفدهم أضحى على الباب والجا تميز أهل السبق لاكن غيرهم غعدا همجًا بين الخليقة هامجا أيلحق جلس للبيوت مداهم ولم يلعب في تلك المدارج دارجا له الله من ذي كربة ليس يرتجى لمرتجيها يوما سوى الله فارجا قد أسهمت شتى المسالك دونه فلا نهج يلقى فيه لله ناهجًا يخوض بحار الذنب ليس يهابها ويصعق ذعرًا إن يرى البحر هائجا جبان إذا عن الهدى وإذا الهوى يعن له كان الجريء المهارجا يتيه ضلالا في غيابة همه فلا حجر تهديه لرشد ولا حجا فوا حربا لاح الصباح لمبصر وقلبي لم يبصر سوى الليل إذ سجا لعل شفيعي أن يكون معاجلا لداء ذنوب بالشفا معالجا فينشقني بيت الإله نوافحًا ويعبق لي قبر النبي نوافجا فمالي لإمالتي سوى حب أحمد وصلت له من قرب قلبي وشايجا عليه سلام الله من ذي صبابة حليف شجًا يكنى من البعد ناشجا ولو أنصفت أجفانه حق وجده سفكت دما للدموع موازجا كتابته وكتابته شهيرة تضرب بذكره فيها الأمثال وتطوى عليه الخناصر‏.‏
قالوا لما عقد أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود البيعة لابنه الواثق بالإمارة من بعده تولى إنشاءها وجعل أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود البيعة لابنه الواثق بالإمارة من بعده تولى إنشاءها وجعل الحاء المهلة سجعها مردفا إياها بالألف نحو صباحا وصلاحا وما أشبه ذلك طال مجموعها فناهزت الأربعين‏.‏
وطاب مسمعها فأحرزت بغية المستمعين‏:‏ فكتب إليه بو المطرف بن عميرة رسالته الشهيرة يداعبه في ذلك وهي التي أولها‏:‏ ‏"‏ تحييك الأقلام تحية كسرى وتقف دون مداك حسرى ‏"‏‏.‏
ومنها في الغرض‏:‏ ‏"‏ ومالك أمنت تغير الحالات فشننت غارتك على الحاءات ونفضت عنها المهارك وبعث في طلبها السوابق ولفظتها من الأفواه وطلبتها بين الشفاه حتى شهد أهل اللسان بتزحزحها عن ذلك المكان وتوارت بالحلوق‏.‏
ولو تغلغلت إلى العروق لآثرتها جيادك واقتنصها قلمك ومدادك ‏"‏ وهي طويلة فراجعه بقوله‏:‏ ما هذه التحية الكسروية وما هذا الرأي وما هذه الروية أتنكيت من الأقلام أم تبكيت من الأعلام أم كلا الأمرين توجه القصد إليه وهو الحق مصدقا لما بين يديه‏.‏
وإلا فعهدي بالقلم يتسامى عن عكسه ويترامى إلى الغاية البعيدة بنفسه فمتى لانت أنابيبه للعاجم ودانت أعاربه بدين الأعاجم‏.‏
واعجبا لقد استنوق الجمل واختلف القول والعمل‏.‏
لأمر ما جدع أنفه قصير وارتد على عقبه الأعمى أبو بصير‏.‏
أمي استسقى من سحابه فلا يسقيني واستشفى بأسمايه فلا يشفيني واليوم يحلني محل أنوشروان ويشكو مني شكوى اليزيدية من بني عترتها واستنقال الاجتماع من عشرتها وأرى من الغبن والسفاه أخذها وترك بنات الأفواه والشفاه إذ هي أيسر مؤنة وأكثر معونة‏.‏
فغلطي فيها أن كانت بمنزل تتوارى صونًا عن الشمس ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلا بالهمس ووجدتها أطوع من البنان للكف والعنان للوكف والمعنى للاسم والمغني للرسم والظل للشخص ولا مستبدل للنص فما عرفت منها إلا خبرا أرضاه حتى حسبتها من الحافظات للغيب بما حفظ الله فعجبت لها الآن كيف زلت نعلها ونشرت فنشرت ما استكتمها بعلها واضطربت في رأيها اضطراب المختار أبي عبيد وضربت في الأرض تسعى علي بكل مكر وكيد وزعمت أن حرف الجيم خدعها والآن أخدعها وأخبرها أن سيبلغ بخبرها الخابور وأحضرها لصاحبها كما أحضر بين يدي قيصر سابور فقد جاءت إفكًا وزورا وكثرت من أمرها شزورا وكانت كالقوس أرنت وقد أصمت القنيص والمراودة قالت ما جزاء وهي التي قدت القميص وربما يظن بها الصدق وظن الغيب ترجيم ويقال لقد خفضت الحاء بالمجاورة لهذا الأمر الجسيم وتنتصر لها أختها التي خيمت بني النرجسة والريحانة وختمت السورة باسم جعلت ثانية أكرم نبي على الله سبحانه فإن امتعضت لهذه المتظلمة تلك التي سبقت بكلمتها بشارة المتكلمة فأنا ألوذ بعدلها وأعوذ بفضلها وأسألها أن تقضي قضاء مثلها وتعمل بمقتضى‏:‏ فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها‏.‏
على أن هذه التي قد أبدت مينها ونسيت الفضل بيني وبينها أن قال الحكمان منها كان النشوز عادت حرورية العجوز وقالت التحكم في دين الله لا يجوز فعند ذلك يحصحص الحق ويعلم من الأولى بالحكم والأحق ويصيبها ما أصاب أروى من دعوة سعيدة حين الدعوى ويا ويحها أن أرادت أن تجني علي فجنت لي وأناخت لي مركب السعادة وما ابتغت إلا ختلي فأتى شرها بالخير وجاء النفع من طريق ذلك الضير‏.‏
أتراها علمت بما يثيره اعوجاجها ويننجلي عنه عجاجها‏.‏
فقد أفادت عظيم الفوايد ونظيم الفرايد ونفس الفخر ونفيس الذخر وهي لا تنكر أن كانت من الأسباب ولا تذكر إلا يوم الملاحاة والسباب‏.‏
وإنما يستوجب الشكر جسيمًا والثناء الذي يتضوع نسيمًا الذي شرف إذ أهدى أشرف السحاءات وعرف بما كان من انتحاء تلك الحاء المذمومة في الحاءات فإنه وإن ألم بالفكاهة فما أملي من البداهة وسمي باسم السابق السكيت وكان من أمر مداعبته كيت وكيت وتلاعب بالصفات تلاعب السيل بالصفاة والصبا بالبانة والصبا بالعاشق ذي اللبانة فقد أغرب بفنونه وأغرى القلوب بقتونه ونفث بجفنه الأطراف وعبث من الكلام المشقق الأطراف وعلم كيف يلخص البيان ويخلص العقيان‏.‏
فمن الحق أن أشكره على أياديه البيض وأن آخذ لفظه من معناه في طرف النقيض‏.‏
تالله أيها الإمام الأكبر والغمام المستمطر والخبر الذي يشفي سايله والبحر الذي لا يرى ساحله ما أنا المراد بهذا المسلك ومن أين حصل النور لهذا الحلك وصح أن يقاس بين الحداد والملك إنه لتواضع الأعزة‏.‏
وما يكون للأكارم عند المكارم من العزة وتحريض الشيخ للتلميذ في إجازة الوضوء بالنبيذ‏.‏
ولو حضر الذي قضى له بجانب الغربي أمر البلاغة وارتضى ماله في هذه الصناعة من حسن السبك لحليتها والصياغة وأطاعته فيما أطلعته طاعة القوافي الحسان وأتبعته فيما جمعته لكن بغير إحسان لأذعن كما أذعنت وظعن عن محل دعوى الإجادة كما ظعنت‏.‏
وأنى يضاهي الفرات المعبن بالنغبة ويباهي بالفلوس من أوتى من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة وأي حظ للكلالة في النشب وقد اتصل للورثة عمود النسب هبهات والله بعد المطلب وشتان الدر والخشلب وقد سيم الغلب ورجع إلى قياجة السلب وإن كنا ممن تقدم لشدة الظمأ إلى المنهل وكمن أقدم إلى عين تبوك بعد النهي للعل والنهل‏.‏
فقد ظهرت بذلك المعجزة عيانًا وملئ ما هناك جنانًا وما تعرضنا بإساءة الأدب واللوم ولكن علمنا أن آخر الشراب ساقي القوم وإن أسهبنا فيما نلنا رتبة ذلك الإيجاز وإن أعرقنا فهو فهوانا في الحجاز فلكم أسهبنا فما نلنا رتبة ذلك الإيجاز وإن أعرقنا فهوانا في الحجاز فلكم قصيرات الحجال ولنا قصيرات الخطا في هذا المجال وإكثارنا في قلة وجارنا من الفقر في فقر وذلة‏.‏
ومن لنا بواحدة يشرق شياؤها ويخفى للنجوم خجلها منها وحياؤها إن لم تطل فلأنها للفروع كالأصل وفي الجموع كليلة الوصل‏.‏
فلو سطع نورها الزاهر ونورها الذي تطيب منه الأنوار الأزاهر لسجدت النيران ليوسف ذلك الجمال ووجدت نفحات رياها في أعاطاف الجنوب والشمال وأسرعت نحوها النفوس إسراع الحجيج يوم النفر وسار خبرها وسرى فصار حديث المقيمين والسفر‏.‏
وما أظن تلك الساخرة في تدليها إلا الساحة بتجنيها إذ كانت ربيبتها بل ربئتها هذه التي سبقتني لما سقتني بسينها ووجدت ريحها لما فصلت من مصرها غيرها‏.‏
وحين وصلت لم يدلني على سابقها إلا عبيرها وكم رامت أن تستتر عني بليل حبرها ي هذه المغاني‏.‏
فأغراني بهاؤها وكل مغرم مغرى ببياض صبح الألفاظ والمعاني‏.‏
وهل كان ينفعها تلفحها بمرطها وتلفعها إذ نادتها المودة فقد عرفناك يا سودة‏.‏
فأقبلت على شم نثرها وعرفها ولثم سطرها وحرفها وقريتها الثناء الحافل وقراتها فزينت بها المحاضر والمحافل‏.‏
ورمت أمر الجواب فغرتني في الخطاب لكن رسمت هذه الرقعة التي هي لديكم بعجزي واشية وإليكم مني على استحياء ماشية وإن رق وجهها فما رقت لها حاشية فمنوا بقبولها عل علاتها وانقعوا بماء سماحتكم حر غللها فإنها وافدة من استقر قلبه عندكم وثوى وأقر بأنه يلقط في هذه الصناعة ما يلقى للمساكين من النوى‏.‏
بقيتم سيدي الأعلى للفضل والإغضاء ودمتم غرة في جبين السمحة البيضاء واقتضيتم ومحاسنه عديدة وآماده بعيدة‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:26 AM



دخوله غرناطة دخلها مع المتوكل مخدومه أو وجده بها‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عن أبي الحسن سهل بن مالك‏.‏
وفاته قال الأستاذ في الصلة‏:‏ انتقل إلى بجاية فتوفي بها في عشر الخمسين وستمائة‏.‏
ابن شلبطور الهاشمي محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي من أهل ألمرية يكنى أبا عبد الله‏.‏
من وجوه بلده وأعيانه نشأ نبيه البيت ساحبًا بنفسه وبماله ذيل الحظوة متحليًا بخصل من خط وأدب‏.‏
وزيرًا متجندًا ظريفًا دربًا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل‏.‏
ثم انحط في هواه انحطاطًا أضاع مروءته واستهلك عقاره وهد بيته وألجأه أخيرًا إلى اللحاق بالعدوة فهلك بها‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ مجموع شعر وخط وذكاء عن درجة الظرفاء غير منحط إلى مجادة أثيلة البيت شهيرة الحي والميت‏.‏
نشأ في حجر الترف والنعمة محفوفًا بالمالية الجمة فلما غفل عن ذاته وترعرع بين لداته أجرى خيول لذاته فلم يدع منها ربعًا إلا أقفره ولا عقارًا إلا عقره حتى حط بساحلها واستولى بسعر الإنفاق على جميع مراحلها إلا أنه خلص بنفس طيبة وسراوة سماؤها صسبة وتمتع ما شاء من زير وبم وتأنس لا يعطى القياد لهم‏.‏
وفي عفو الله سعة وليس مع التوكل على الله ضعة‏.‏
شعره أثغرك أم سمط من الدر ينظم وريقك أم مسك به الراح تختم ووجهك أم باد من الصبح نير وفرعك أم دارج من الليل مظلم أعلل منك النفس والوجد متلفي وهل ينفع التعليل والخطب أعظم وأقنع من طيف الخليل يزورني لو أن جفوني بالمنام تنعم حملت الهوى حينًا فلما علمته سلوت لأني بالمكارم مغرم ولي في أمير المسلمين محبة فؤادي مشغوف بها ومتيم بلغت المنى لما لثمت يمينه فها أنذا في جنة الخلد أنعم يصوغ قومي الشعر في طيب ذكره ويحسن فيه النظم من ليس ينظم فاستمسك الدين الحنيف زمانه وقام منار الحق والشرك مغرم له نظر في المشكلات مؤيد والله مهد إلى الرشد ملهم ويستغرق طارحًا فيه وابل جوده فمن فعله في جوده يتعلم فلو أن أملاك البسيطة أنصفوا لألقوا إليه الأمر طوعًا وسلم وفي الدين والدنيا وفي البأس والندى لكم يا بني نصر مقام معظم ومنها‏:‏ تنم بعرف المسك أنفاسها إذا يفوه لراو في الندى بها فم فباسمك سيرت في المسامع ذكرها ويغزي في أقصى البلاد ويشمم ولو أنني في المدح سبحان وائل وأنجدني فيه حبيب ومسلم لما كنت إلى عن علاك مقصر ومن بعض ما نشدت وتولى وتنعم بقيت ملاذًا للأنام ورحمة وساعدك الإسعاد حيث يتمم ومن شعره مذيلًا على البيت الأخير حسبما نسب إليه‏:‏ نامت جفونك يا سؤلي ولم أنم ما ذاك إلا لفرط الوجد والألم أشكو إلى الله ما بي من محبتكم فهو العليم بما نلقى من السقم إن كان سفك دمي أقصلاى مرادكم فما غلت نظرة منكم بسفك دم ومما نسب إليه كذلك‏:‏ قف بي وناد بين تلك الطلول أين الألى كانوا عليها نزول أين ليالينا بهم والمنى تجنيه عضًا بالرضا والقبول لا حملوا بعض الذي حملوا يوم تولت بالقباب الحمول إن غبتم يا أهل نجد ففي قلبي أنتم وضلوعي حلول تالله ما أورى زناد القلق سوى ريح لاح لي بالأبرق أيقنت بالحين فلولا نفحة نجدية منكم تلافت رمق لكنت أقضي بتلظي زفرة وحسرة بين الدموع تلتق فآه من هول النوى وما جني على القلوب موقف التفرق يا حاكي الغصن انثني متوجا بالبدر تحت لمة من غسق الله في نفس معنى أقصدت من لاعج الشوق بما لم تطق أتى على أكثرها برح الأسى دع ما مضى منها وأدرك ما بق ولو بإلمام خيال في الكرى إن ساعد الجفن رقيب الأرق فرب زور من خيال زائر أقر عيني وإن لم يصدق شفيت من برح الأسى لو أن من أصبح رقى في يديه معتق ففي معاناة الليالي عائق عن التصابي وفنون القلق وفي ضمان ما يعاني المرء من نوايب الدهر مشيب المفرق هذا لعمري مع أني لم أبت منها بشكوى روعة أو فرق فقد أخذت من خطوب غدرها بابن الخطيب إلا من مما أتق ومذ أرانيه زماني لم أبل من صرفه من مرعد أو مبرق لا سيما مذ حططت في حما جواره الأمنع رحل أينق أيقنت أني في رجائي لم أخب وأن مسعى بغيتي لم يخفق ندب له في كل حسن آية تناسبت في الخلق أو الخلق في وجهه مسحة بشر إن بدت تبهرجت أنوار شمس الأفق تعتبر الأبصار في لألأتها عليه من نور السماح المشرق كالدهر في استينائه وبطشه كالسيف في حد الظبا والرونق إن بخل الغيث استهلت يده بوابل من غيث جود غدق وإن وشت صفحة طرس انجلا ليل دجاها عن سني مؤتلق بمثلها من حبرات أخجلت حواشي الروض خدودج المهرق ما راق في الآذان أشناف سوى ملتقطات لفظه المفترق تود أجياد الغواني أن يرى حليها من در ذاك المنطق فسل به هل آده الأمر الذي حمل في شرخ الشباب المونق إذا رأى الرأى فلا يخطئه يمن اختيار للطرق الأفق خذها إليك بكر فكر يزدري لديك بالأعشى لدى المحلق لا زلت مرهوب الجناب مرتجى موصول عز في سعود ترتق مبلغ الآمال فيما تبتغي مؤمن الأغراض فيما تتقي ناب في القيادة البحرية عن خاله القايد أبي علي الرنداحي وولي أسطول المنكب برهة‏.‏
توقي بمراكش في عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله‏.‏
ابن مشتمل الأسلمي محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي من أهل ألمرية يكنى أبا عبد الله ويعرف بالبلياني‏.‏
حاله قال شيخنا أبو البركات ناب عني في بعض الأعمال بألمرية وخطب بنحانس من غربيها ثم خطب بحمة مرشانة وهو الآن بها وعقد الشروط قبل بألمرية‏.‏
عفيف طاهر الذيل نبيل الأغراض مهذب الأخلاق قيم على القراءات والنحو والأدب جيد الشعر والكتابة‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
من الضبط وإجادة العبارة عن المعنى المراد‏.‏
تواليفه قال له رجز في علم الكلام جيد ورجز آخر في ألفاظ فصيح ثعلب عري عن الحشو على تقعير فيه يغتفر لما جمع من اقتصاره وله تأليف في الوبا سماه بإصلاح النيلة في المسلة الطاعونية‏.‏
مشيخته جفن تحير والهوى يهديه لفؤاد كل من الهوى لم يألف متناعس يهدي السهاد ويصرع البطل الكمى بلحظه المتضعف تبدو وتشدو للعيون وللمسامع فهي بين مكحل ومشنف ملكت بصنعتها عنان عنانها وعدت عليه كأن لم تعرف تغنى إذا غنت بطيب صوتها عن أن يزود لحنها بالمعزف أما تغنت أو تثنت تهتف قمري نغمتها وغض المعطف يأتي على تكرر ما عنت به صدقًا بكل غريب أو مستطرف تهدي للنفوس على اختلاف طباعها من نبلها ما تشتهي بتلطف كنا وجفن الدهر عنا ناعس خلف ستر للأمان مسجف حتى وشي باسر دهر حاسد كلف بتنغيص الكريم الأشرف وخجلنا إن لم أمت يوم النوى لهفًا وما إن كنت بعد بمنصف لكنني مما نحلت وذبت لم يرني الحمام فكنت عنه أختف كم ذا أبيت وليس لي من مسعد في حالتي غير الدموع الذرف يا هل ترى هذا الزمان وصرفه هل يسمحان بعودة وتألف قال وأنشدني أيضًا لنفسه والبيت الأخير لغيره‏:‏ قال وأنشدني أيضًا لنفسه والبيت الأخير لغيره‏:‏ ما للأحبة في أحكامهم جاروا نأوا جميعًا فلا خل ولا جار كيف البقا وقد بانت قبابهموقد خلت منهم وا أسفي الدار حداة تمسهم بالقلب قد رحلوا يا ليتهم حملوا الجثمان إذ سار جار الزمان علينا في فراقهم من قبل أن تنقضي للصب أوطار ساروا فحيمت الأشواق بعدهم مالي عليها سوى الآماق أنصار تراك ياربعهم ترجو رجوعهم يا ليت لو ساعدت في ذاك أقدار ودعت منهم شموسًا ما مطالعها إلا من الوشي أطواق وأزرار أستودع الله من فاز الفراق بهم وخلفوا ودمع العين مدرار قلت ولا خفاء بتخلف هذا النمط عن الإجادة والله يقبض ويبسط وشافعنا عرض الإكثار‏.‏
توفي في آخر أربعة وستين وسبع ماية‏.‏
محمد بن محمد بن حزب الله من أهل وادي آش يكنى أبا عبد الله ويعرف باسم جده‏.‏
وخاطبني من شرح حاله في ارتجاله بما نصه‏:‏ ولما دخلت رندة الأنيقة البطاح المحتوية على الأدب والسماح والعلم والصلاح أبرز القدر أن لقيت بها شيخنا المعمر رئيس الأدباء وقدوة الفقهاء أبا الحجاج المنتشافري وكنت لم أشاهده قبل هذا العيان ولا سمح لي بلقاية صرف الزمان ولم أزل أكلف بمقطوعاته العجيبة وأولع بضرايبه الغريبة وتأتى منه مخاطبات تزري بالعقود بهجة وتطير لها العقود لهجة‏.‏
نظم كما تنفيس الصبح عن تسنيمه ونثر كما تأسس الدر بتنظيمه فأحلني منه محل الروح من الجسد وشهد لي أني أعز من عليه ورد ورآني قد ظهرت على مضاضة الاكتياب لكوني قريب عهد بالإياب مهزومًا انهزام الأحزاب خالي الوطاب نزر الثياب فقال فيم الجزع ذهب بحول الله الخوف وأمن الفزع فأجبته عجلًا وقلت أخاطبه مرتجلا‏.‏
لا تجزعى نفسي لفقد معاشري وذهاب مالي في سبيل القادر ورندة ها أنت خير بلاده وبها أبو حجاج المنتشافري سيريك حسن فرايد من نظمه فتزيل كل كآبة في الخاطر فأجابني مرتجلا‏:‏ سراى يا قلبي المشوق وناظري بمزار ذي الشرف السني الطاهر ولواد آش فخار لم يزل من كاين حزب الله نور الناظر وافي يشرف رندة بقدومه فغدت به أفقا لبدر زاهر من روضة الأدباء أبدي زهرة قد أينعت عن فكر حبر ماهر جمع المآثر بالسناة وبالسنا أعظم به من صانع لمآثر ما زلت أسمع من ثناء مآثرًا كانت لسامعها معًا والذاكر حتى رأى بصرى حقائق وصفه فتنعمت كالأقمار نواظري لا زال محبوًا بكل مسرة تجري له بالحظ حكم مغادر ثم خاطبه القاضي المنتشافري بعد انصرافه إلى وطنه بقوله‏:‏ أبى الدمع بعدك إلا انفجارا لدهر ببعدك في الحكم جارا أذاق اللقاء الحلو لو لم يصل به للنوى جرعات مرارا رعى الله لمح ذاك اللقاء وإن يك أشواقنا قد أثارًا قصاراى شكواي طول النوى وفقدي أناة وصل قصارًا وهم إلى حزب الإله الألى تساموا فخارًا وطابوا نجارًا فأجابه بأبيات منها‏:‏ تألق برق العلا واستنارا فأجج إذ لاح في القلب نارا وذكرني وقت أنس مضا برندة حيث الجلال استشارا وكانت لنفسي سنا في حماها طوالا فأصبحت لديها قصارا فأجريت دمع العيون اشتياقًا ففاضت لأجل فراقي بحارا وقالت لي النفس من لم يجد نصيرًا سوى الدمع قل انتصارا قطعت المنا عندها لمحة وودعتها وامتطيت القفارا وضيعت تلك المنا غفلة ووافيت أبغي نابس ديارا ومنها‏:‏ أرقت لذاك السنا ليلة وما نومها ذقت إلا غرارا وجسمي أجل الجسوم التهابا وقلبي أشد القلوب انكسارا إلى أن تجرعت كأس النوى وقلت زماني على الشمل جارا حللت لبرق لاح من سرحتي نجد حنين تهامى تحن إلى نجد وقلت لعل القلب تبرا كلومه ومن ذا يصد النار عن شيمة الوقد إن شاركتني في المحبة فرقة فها أنا في وجدي وفي كلفي وجد وهو إلى هذا العهد بالحال الموصوفة‏.‏
ابن عيسى بن داود الحميري محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري من أهل مالقة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن عيسى حاله كان أديبًا حسن الخط جيد النظم متظرفًا لوذعيًا مطبوعًا منحطًا في هواه جامحًا في ميدان بطالته معاقرًا للنبيذ على حفظ للرسم واضطلاع بالخدمة وإيثار للمروءة ومعرفة بمقادير الأمور وتشبث بأذيال الحظوة‏.‏
كتب للرياسة السعيدية بمالقة ونظر على ألقاب جبايتها وانتفع الناس بجاهه وماله ووقع الثناء على حسن وساطته‏.‏
ثم سافر عنها وقد سمت مجادة السلطان في غرض انتقالها إلى العدوة معوضة بمدينة سلا من مالقة‏.‏
وكان ما كان من معاجلة الأمر والقبض على الريس وقيام ولده بالأمر فأنتب المذكور بالعدوة وكانت بها وفاته‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصه‏:‏ علم من أعلام هذا الفن ومشعشعي راح هذا الدن بمجموع أدوات وفارس يراعة ظريف المنزع أنيق المرآى والمسمع اختص بالرياسة وأدار فلك إمارتها واتسم باسم كتابتها ووزارتها ناهضًا بالأعباء راقيًا في درح التقريب والاجتباء مصانعًا دهره في راح وراحة آويًا إلى فضل وسماحة وخصب ساحة كلما فرغ من شأن خدمته وانصرف عن رب نعمته عقد شربًا وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربًا وعكف على صوت يستعيده وظرف يبديه ويعيده‏.‏
فلما تقليت بالرياسة الحال وقوضت منها الرحال استقر بالمغرب غريبًا يقلب طرفًا مستريبا ويلحظ الدنيا تبعة عليه وتثريبًا وإن كان لم يعدم من أمرايها حظوة وتقريبًا وما برح يبوح بشجنة ويرتاح إلى عهود وطنه‏.‏
شعره وكتابته مما كتبه وبين فيه أدبه قوله‏:‏ يا نازحين ولم أفارق منهم شوقًا تأجج في الضلوع ضرامه غيبتم عن ناظري وشخصكم حيث استقر من الضلوع مقامه رمت النوى شملي فشنت نظمه والبين رام لا تطيش سهامه وقد اعتدى فينا وجد مبالغا وجرت بمحكم جوره أحكامه أترى الزمان مؤخرًا في مدتي حتى أراه قد انقضت أيامه تحملها يا نسيم تجديه النفحات وجدية اللفحات يؤدي عني نغمها إلى الأحبة سلامًا ويورد عليهم لفحها بردًا وسلامًا ولا تقل كيف تحملني نارًا وترسل على الأحبة مني إعصارا‏.‏
كلا إذا أهديتهم تحية إيناسي وأنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسي وارتاحوا إلى هبوبك واهتزوا في كف مسرى جنوبك وتعللوا بها تعليلا وأوسعوا آثار مهبك تقبيلا أرسلها عليهم بليلا وخاطبهم بلطافة تلطفك تعليلا‏.‏
ألم تروني كيف جئتكم بما حملني عليلا‏.‏
كذاك تركته ملقى بأرض له فيها التعلل بالرياح إذا هبت إليه صبا إليها وإن جاءته من كل النواح تساعده الحمايم حين يبكي فما ينفك موصول النياح يخاطبن مهما طرن شوقًا أما فيكن واهية الجناح ولولا تعلله بالأماني وتحدث نفسه بزمان التداني لكان قد قضى نحبه ولم أبلغكم إلا نعيه أو ندبه لا كنه يتعلل من الآمال بالوعد الممطول ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول ويحدث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلب ووثقت بمواعيد الدهر القلب فيناجيها بوحي ضميره وإيماء تصويره كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب والتخلص من ربقة الاغتراب أبائنة الحضور أم بادية الاضطراب‏.‏
كأني بك وقد استفزك وله السرور فصرفك عن مشاهدة الحضور وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار عن اجتلاء محيا ذلك النهار‏.‏
جعلت لله نذرًا صومه أبدًا أفي به وأوفي شرط إيماني إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت أشطان دهر قد التفت بأشطاني أعدده خير أعياد الزمان إذا أوطأني السعد فيه ترب أوطاني أرأيت كيف ارتياحي إلى التذكار وانقيادي إلى معللات توهمات الأفكار كأن البعد باستغراقها قد طويت شقته وذهبت عني مشقته وكأني بالتخيل بين تلك الخمايل أتنسم صباها وأتسنم رباها وأجتني أزهارها وأجتلي أوارها وأجول في خمايلها‏.‏
وأتنعم ببكرها وأصايلها وأطوف بمعالمها وأتنشق أزهار كمايمها وأصيخ بإذن الشون إلى سجع حمايمها وقد داخلتني الأفراح ونالت مني نشوة الارتياح‏.‏
ودنا السرور لتوسم ذهاب الأتراح‏.‏
فلما أفقت من غمرات سكري ووثبت من هفوات فكري وجددت مرارة ما شابه لبي في استغراق دهري وكأني من حينئذ عالجت وقفة الفراق وابتدأت منازعة الأشواق وكأنما أغمضتني للنوم وسمح لي بتلك الفكرة الحلم‏:‏ ذكر الديار فهاجه تذكاره وسرت به من حينه أفكاره فاحتل منها حيث كان حلوله بالوهم فيها واستقر قراره يا لقرب الآمال من هفواته لو أنه قضت بها أوطاره فإذا جيتها أيها القادم والأصيل قد خلع عليها بردًا مورسًا والربيع قد مد على القيعان منها سندسًا اتخذها فديتك معرسًا واجرر ذيولك فيها تبخترًا وبث فيها من طيب نفحاتك عنبرا وافتق عليها من نوافح أنفاسك مسكًا أذفرًا واعطف بعاطف بانها وارقص قضب ريحانها وصافح صفحات نهرها ونافح نفحات زهرها‏.‏
هذه كلها أمارات وعن أسرار مقاصدي عبارات هنالك تنتعش بها صبابات تعالج صبابات تتعلل بإقبالك وتعكف على لثم أذيالك وتبدو لك في صفة الفاني المتهالك لاطفها بلطافة اعتلالك وترفق بها ترفق أمثالك فإذا أمالت بهم إلى هواك الأشواق ولووا إليك الأرؤس والأعناق وسألوك عن اضطرابي في الآفاق وتقلبي بين الأشآم والأعراق فقل لهم عرض له في أسفاره ما يعرض للبدر في سراره من سر السرار وطاق المحاق وقد تركته وهو يسامر الفرقدين ويساير النيرين وينشد إذا راعه البين‏:‏ قد نكون وما يخشى تفرقنا واليوم نحن وما يرجى تلاقينا لم يفارق وعثاء الأسفار ولا ألقى من يده عصا التسيار يتهاداه للغور والنجد‏.‏
ويتداوله الأرقال والوخد وقد لفحته الرمضاء وسيمه الإنضاء‏.‏
فالجهات تلفظه والآكام تبهظه تحمل هومه الرواسم وتحفى به النواسم‏.‏
ثم إذا استوفرا سؤالك عن حالي وتقلبي بين حالي حلي وترحالي وبلغت القلوب منهم الحناجر وملأت الدموع المحاجر وابتلت ذيولك بمائها لا بل تضرجت بدمائها فحيهم عني تحية منفصل وودعهم وداع مرتحل‏.‏
ثم اعطف عليهم ركابك ومهد لهم جنابك وقل لهم إذا سألني عن المنازل بعد سكانها والربوع بعد ظعن أظعانها بماذا أجيبه وبماذا يسكن وجيبه فسيقولون لك هي البلاقع المقفرات التي أصبحت نكرات‏.‏
سم صداها وعفى رسمها واستعجمت عن منطق السايل قل لهم كيف الروض وآسه وعماذا تتأرج أنفاسه عهدي به والحمام يردد أسجاعه والذباب يغني به هزجًا فيحك بذراعه ذراعه وغصونه تعتنق وأحشاء جداوله تصطفق وأسحاره تتنسم وآصاله تغتبق كما كانت بقية نضرته وكما عهدتها أنيقة خضرته وكيف التفاتة عن أزرق نهره وتأنقه في تكليل أكليله بيانع زهره‏.‏
وهل رق نسيم آصاله وصفت موارد جداوله وكيف انفساح ساحاته والتفاف دوحاته وهل تمتد كما كانت مع العشي فينانة سرحاته‏.‏
عهدي بها المديدة الظلال المزعفرة السربال فلم تحدق الآن به عيون نرجسه ولا سد بساط سندسه‏.‏
وأين منه مجالس لذاتي ومعاهد غدواتي وروحاتي إذ أباري في المجون لمن أباري وأسابق إلى اللذات كل من يجاري‏.‏
فسيقولون لك ذوت أفنانه وانقصفت أغصانه وتكدرت غدرانه وتغير ريحه وريحانه وأقفرت معالمه وأخرست حمايمه واستحالت به حلل خمايله وتغيرت وجوه بكره وأصايله‏.‏
فإن صلصل حنين رعد فعن لبي لفراقه خفق وإن تلألأ برق فعن حر حشاي ائتلق وإن سحت السحب فمساعدة لجفني وإن طال بكاؤها فعني حياها الله منازل لم تثن الريح من أغصانها معطفًا أعاد الله الشمل فيها إلى محكم نظامه وجعل الدهر الذي فرقه يتأنق في أحكامه‏.‏
وهو سبحانه يجبر الصدع ويعجل الجمع إنه بالإجابة جدير وعلى ما يشاء قدير‏.‏
إيه بني كيف حال من استودعتهم أمانتك وألزمتهم صونك وصيانتك وألبستهم نسبك ومهدت لهم حسبك الله في حفظهم فهو اللائق بفعالك والمناسب لشرف خلالك إرع لهم الاغتراب لديك والانقطاع إليك فهم أمانة الله تعالى في يديك وهو سبحانه بحفظهم ويوالي بلحظك أسباب لحظهم وإن ذهبتم إلى معرفة الأحوال فنعم الله ممتدة الظلال وخيراته ضافية السربال لولا الشوق الملازم والوجد الذي سكن الحيازم‏.‏
ووقفت من شعره على قصيدة من جملة رسالة أثبتها وهي‏:‏ أللبرق يبدو تسطير الجوانح وللورق تشدو وتستهل السوابح وقلبي للبرق الخفوق مساعد ووجدي للورق الثكالى مطارح إذا البرق أورى في الظلام زنادي فللوجد في زند الصبابة قادح تنازعني منها للشجون فأشتكي ويكثر بثي عندها فأسامح أبت شجوني والحمام يصيخ لي ويسعدني فيما تبيح التبارح وتطرب أغصان الأراك فتنثني إلى صفحة النهر الثقيل تصافح فتبتسم الأزهار منها تعجبًا فتهدي إليها عرفها وتنافح كذلك حتى ماد عطف شغفي وطرفي أبدى هزة وهو مارح فلما التظى وجدي ترنم صاهلًا فقلت أمثلي يشتكي الوجد نابح صرفت عدو البيد أرخو عناننه وقلت له شمر فإنني سابح تهيأ لقطع البيد واعتسف السرى سيلقاك غيظان بها وممايح فحمحم لو يستطيع نطقًا لقال له بمثلي تلقى هذه وتكافح وحملتة عزمًا تعود مثله فقام به مستقبلا من يناطح ويممت بيدًا لم أصاحب لجوها سوى جلد لا يتقي منه فاضح وماضي الغرارين استجدت مضاه إذا جردت يوم الجلاد الصفايح وقد زأرت أسد تقحمت غيلها فقلت تعاوت إنها لنوايح وكم طاف بي للخبر من طايف بها فلم أصغ سمعًا نحوها وهو صايح ويعرض لي وجهًا دميمًا منظرًا شنيعًا له تبدو عليه القبايح فما راعني منه تلون حاله بل أيقظ عزمي فانثنى وهو كالح فلما اكتست شمس العشي شحوبها ومالت إلى أفق الغروب تنازح تسربلت للإدلاج جنح دجنة فها أنذا غرسي إلى القصد جانح فخضت ظلام الليل والنجم شاخص إلي بلخط طرفه لي لامح يرده شزرًا إلي كأنما علي له حقد به لا يسامح وراقب من شكلى السماك نظزيره خلا لزمكلى أعزل وهو رامح يخط وميض البرق لي منه أسطرًا على صفحة الظلماء فهي لوايح إذا خطها ما بين عيني لم أزل أكلف دمعي نحوها فهو طامح وما زلت سرًا في حشى النبل كامنًا إلى أن بدا من ناسم الصبح فاتح ومال الكرى بي ميلة سكنت لها على نصب الوعثاء مني الجوارح كمن أخذت منه الشمول بثارها فبات يشقى وهو ريان طافح وقربت الأحلام لي كل معمل فأدنته مني وهو في الحق نازح أرتني وجوهًا لو بذلت لقربها حياتي لمن بالقب منه يسامح لقل لها عمري وما ملكت يدي وحدثت نفسي أن تجرى رابح وما زلت أشكو بيننا غصص النوى وما طوحت بن في الزمان الطوايح فمنها ثغور للسرور بواسم لقربه ومنها للفراق نوايح تقربها الأحلام مني ودونها مهامه فيها للهجير لوافح وبحر طمت أمواجه وشآبيب وقفر به للسالكين جوامح قضيت حقوق الشوق في زورة للكرى فإن زيارات الشجون فوادح وعدت إلى شكوى البلاء ولم أزل أرددها والعذر مني واضح وما بلغت عني مشافهة الكرى تبلغها عني الرياح اللوافح قال شيخنا أبو بكر بن شبرين توفي بسجلماسة في صفر عام ستة عشر وسبعماية‏.‏
ابن مقاتل محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل من أهل مالقة يكنى أبا بكر‏.‏
حاله من كتاب الإكليل‏:‏ نابغة مالقية وخلق وبقية ومغربي الوطن أخلاقه مشرقية‏.‏
أزمع الرحيل إلى المشرق مع اخضرار العود وسواد المفرق فلما توسطت السفينة اللجج وقارعت الثبج مال عليها البحر فسقاها كأس الحمام وأولدها قبل التمام وكان فيمن اشتملت عليه أعوادها وانضم على نوره سوادها جملة من الطلبة والأدباء وأبناء السراة الحسباء أصبح كل منهم مطيعًا لداعي الردى وسميعًا وأحيوا فرادى وماتوا جميعًا فأجروا الدموع حزنًا وأرسلوا العبرات عليهم مزنا‏.‏
وكان البحر لما طمس سبل خلاصهم وسدها وأحال هضبة سفينتهم وهدها غار على نفوسهم النفيسة واستردها‏.‏
والفقيه أبو بكر مع إكثاره وانقياد نظامه ونثاره لم أظفر من أدبه إلا بالقاليل التافه بعد وداعه وانصرافه‏.‏
فمن ذلك قوله وقد أبصر فتى عاثرًا‏:‏ زلت له قدم فأصبح عاثرًا بين الأنام لعا لذاك عثارا لو كنت أعلم ما يكون فرشت في ذاك المكان الخد والأشفارا وقال متغزلا‏:‏ أيا لبنى الرفاء تنضى ظباؤهم جفون ظباهم والفؤاد كليم لقد قطع الأحشاء منهم مهفهف له التبر خد واللجين أديم يسدد إذ يرمى قسى جواجب وأسهمها من مقلتيه تسوم وتسقمني عيناه وهي سقيمة ومن عجب سقم جناه سقيم ويذبل جسمي في هواه صبابة وفي وصله للعاشقين نعيم توفي في حدود أخريات عام تسعة وثلاثين وسبعماية غريقًا بأحواز الغبطة من ساحل ألمرية‏.‏
ابن صفوان القيسي محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي ولد الشيخ أبي الطاهر من أهل مالقة‏.‏
من كتاب الإكليل‏:‏ نبل فطن متحرك ذهن كان أبوه رحمه الله يتبرم بجداله ويخشى مواقع رشق نباله ويشيم بارق الاعتراض في سؤاله فيشفق من اختلال خلاله إذ طريقه إنما هي أذواق لا تشرح وأسرار لا تفضح‏.‏
وكان ممن اخترم وجد حبل أمله وصرم فأفل عقب أبيه وكان له أدب يخوض فيه‏.‏
فمن ذلك وقد أبصر فتى وسيما على ريحانه‏:‏ بدر تجلى على غصن من الآسى يبري ويسقم فهو الممرض الآسى عادى المنازل إلا القلب منزلة فماله وجميع الناس من ناس وقال‏:‏ يا عالما بالسر والجهر وملجأى في العسر واليسر جد لي بما أملته منك يا مولاي واجبر بالرضا كسري


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 06:28 AM

ابن محمد البلوي محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي من أهل ألمرية يكنى أبا عبد الله ويعرف بنسبه وقد مر ذكر أبيه ي العمال‏.‏
حاله هذا الرجل من أبناء النعم وذوي البيوتات كثير السكون والحياء آل به ذلك أخيرًا للولوثة لم يستفق منها لطف الله به‏.‏
حسن الخط مطبوع الأدب سيال الطبع معينه‏.‏
وناب عن بعض القضاة وهو الآن رهين ما ذكر يتمنى أهله وفاته والله ولي المعافاة بفضله‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ من أولى الخلال البارعة والخصال خطا رايقا ونظما بمثله لايقًا ودعابة يسترها بحبهم وسكوتًا فيطيه إدراك وتفهم‏.‏
عني بالرواية والنقيد ومال في النظم إلى بعض التوليد وله أصالة ثبتت في السرو عروقها وتألقت في سما المجادة بروقها وتصرف بين النيابة في الأحكام الشرعية وبين الشهادات العملية المرعية‏.‏
شعره ومن شعره فيما خاطبني به مهنئًا في إعذار أولادي أسعدهم الله افتتح ذلك بأن قال‏.‏
قال يعتذر عن خدمة الأعذار ويصل المدح والثنا على بعد الدار وذلك بتارخ الوسط من شعبان في عام تسعة وأربعين وسبعمائة‏:‏ لا عذر لي عن خدمة الإعذار وإن نأى وطني وشط مزاري أو عاقني عنه الزمان وصرفه نقض الأمان عادة الأعصار قد كنت أرغب أن أفوت بخدمتي وأخطر حلى عند باب الدار باب المسرة بالضبع وأهله متشمرًا فيه بفضل إزار من شاء أن يلقى الزمان وأهله ويرى جلا الإشعاع في الأفكار فليأت حي ابن الخطيب ملبيا فيفوز بالإعظام والإكبار كم ضم من جيد كرام فضلهم يسمو ويعلو في ذوي الأقدار إذ حيث ناديه فقف عني وقل نلت المنى بتلطف ووقار يا من له الشرف القديم ومن له الحب الصميم العد يوم فحار يهنيك ما قد نلت من أمل به في الفرقدين النيرين يسار نجلاك قطبا كل تجر باذخ أملان مرجوان في الاعتبار عبد الإله وصنوه قمر العلا فرعان من أصل زكا وبحار زاكي الأرومة مغرق في مجده جم الفضايل طيب الأخبار رقت طبايعه وراق جماله فكأنما خلقا من الأزهار وجلت شمايل حسنه فكأنما خلعت عليه رقة الأسحار فإذا تكلم قلت ظل ساقط أو وقع در من نحور جوار أو فت مسك الحبر في قرطاسه بالروض غب الواكف المدرار تتسم الأقلام بين بنانه فيريك نظم الدر في الأسطار فتخال من تلك البنان كأنما نهلت تفتح ناضر النور تلقاه فياض الندى متهللا يلقاك بالبشر والاستبشار بحر البلاغة قسها وأيادها سحبانها خبر من الأخبار إن ناظر العلماء فهو أمامهم شرف المعارف واحد النظار أربى على العلماء بالصيت الذي قد كان في الآفاق كل مطار ما ضره إن لم يجئ متقدمًا السبق يعرف آخر المضمار جاءتك من خجل على قدم الحيا قد طيبت بثنايك المعطار وأنت تؤدي بعض حق واجب عن نازح الإمكان والأفكار مدت يد التطفيل نحو علاكم فتوحشت من جودكم بنضار فابذل لها في النقد صفحك إنها شكوى التقصير في الأشعار لا زلت في دعة وعز دايم ومسرة تترى مع الأعصار ومن السلطانيات قوله من قصيدة نسيبها‏:‏ تبسم ثغر الدهر في القضب الملد فأذكى الحيا خجلة وجنة الورد ونبه وقع الطل ألحاظ نرجس فمال الوسنان وعاد إلى الشهد ونم سبر الروض في مسكة الدجا نسيم شذا الخير كالمسك والند وغطى ظلام الليل حمرة أفقه كما دار مسود العذار على الخد وياتت قلوب الشهب تخفق رقة لما حل بالمشتاق من لوعة الوجد وأهمى عليه الغيم أجفان مشفق بذكره فاستمطر الدمع للخد فقال اتيد يا صاح مالك ملجأ سوى الملك المنصور في الرفق والرفد ومما خاطبني به قوله‏:‏ عللوني ولو بوعد محال وحلوني ولو بطيف خيال واعلموا أنني أسير هواكم لست أنفك إلا عن عقال فدموعي من بينكم في انسكاب وفؤادي من سحركم في اشتغال يا أهيل الحمى كفاني غرامي حسبي بما قد جر‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
ال من مجيري من لحظ ريم ظلوم حلل الهجر بعد طيب الوصال ناعس الطرف أسمر الجفن مني طال منه الجوى بطول الليال بابلي اللحاظ أصمى فؤاده ورماه من غنجه بنبال وكما الجسم من هواه نحولا قصده في النوى بذاك النحال ما ابتدا في الوصال يومًا بعطف مذ روى في الغرام باب اشتغال ليس لي منه في الهوى من محبر غير تاج العلا وقطب الكمال أو دجا الخطب فيهو فيه شهاب راية الصبح في ظلل الضلال أوينا العضب فهو في الأمن ماض صادق العزم ضيق المجال لست تلقى مثاله في زمان جل في الدهر يا أخى عن مثال قد نأى حبي له عن دياري لا لجدوى ولا لنيل نوال لكن اشتقت أن أرى منه وجهًا نوره فاضح لنور الهلال وكما همت فيه ألثم كفا قد أتت بالنوال قبل السؤال سألها ابن الخطيب هذرًا أجابت تلثم النعل قبل شسع النعال وتوفي حق الوزارة عمن هو ملك لها على كل حال محمد بن محمد بن الشديد من أهل مالقة يكنى أبا عبد الله‏.‏
حاله ذكر في الإكليل بما نصه‏:‏ شاعر مجيد حوك الكلام ولا يقصر فيه عن درجة الأعلام‏.‏
رحل إلى الحجاز لأول أمره فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه‏.‏
وعميت أنباؤه وعلى هذا العهد وقفت له على قصيدة بخطه غرضها نبيل ومرعاها غير وبيل تدل على نفس ونفس وإضاءة قبس‏.‏
وهي‏:‏ لنا في كل مكرمة مقام ومن فوق النجوم لنا مقام روينا من مياه المجد لما وردناها وقد كثر الزحام ومنها‏:‏ فنحن هم وقل لي من سوانا لنا التقديم قدمًا والكلام لنا الأيدي الطوال بكل ضرب يهز به لدى الروع الحسام ونحن اللابسون لكل درع يصيب الشمس منهن انثلام ثوى منها قلوب الروم خوفًا يخوف منه في المهد الغلام حمينا جانب الدين احتسابا فها هو لا يهان ولا يضام وتحت الراية الحمراء منا كتايب لا تطلق ولا ترام بنو نصر وما أدراك ماهم أسود الحرب والقوم الكرام لهم في حربهم فتكات عمرو فللأعمار عندهم انصرام يقول عداتهم مهما ألموا أتونا ما من الموت اعتصام إذا شرعوا الأسنة يوم حرب فحقق أن ذاك هو الحمام كأن رماحهم فيها نجوم إذا ما أشبه الليل الغمام أناس تخلف الأيام ميتًا بحي منهم فلهم دوام رأينا من أبي الحجاج شخصًا على تلك الصفات له قيام موقى العرض محمود السجايا كريم الكف مقدام همام يجول بذهنه في كل شيء فيدركه وإن عز المرام تطوف ببيت سؤدده القوافي كما قد طاف بالبيت الأنام وتسجد في مقام علاه شكرا ونعم الركن ذلك والمقام أفارسها إذا ما الحرب أخنت على أبطالها ودنا الحمام وممطرها إذا ما السحب كفت وكف أخي الندى أبدًا غمام لك الذكر الجميل بكل قطر لك الشرف الأصيل المستدام لقد جينا البلاد فحيث سرنا رأينا أن ملكك لا يرام فضلت ملوكها شرقًا وغربًا وبت لملكها يقظًا ونام فأنت لكل معلوة مدار وأنت لكل مكرمة إمام جعلت بلاد أندلس إذا ما ذكرت تغار مصر والشآم مكان أنت فيه مكان عز وأوطان حللت بها كرام وهبتك من بنات الفكر بكرا لها من حسن لقياك ابتسام فنزه طرف مجدك في حلاها فللمجد الأصيل بها اهتمام ابن أبي الخصال الغافقي محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد ابن أبي الخصال الغافقي الإمام البليغ المحدث الحجة يكنى أبا عبد الله‏.‏
أصله من فر غليط من شقورة من كورة جيان وسكن قرطبة وغرناطة‏.‏
حاله قال ابن الزبير عند ذكره‏:‏ ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال كان من أهل المعارف الجمة والإتقان لصناعة الحديث والمعرفة برجاله والتقييد لغريبه وإتقان ضبطه والمعرفة بالعربية واللغة والأدب والنسب والتاريخ متقدمًا في ذلك كله‏.‏
وأما الكتابة والنظم فهو إمامهما المتفق عليه والمتحاكم فيهما إليه‏.‏
لوما ذكره أبو القاسم الملاحي بنحو ذلك قال‏:‏ لم يكن في عصره مثله مع دين وفضل وورع‏.‏
قال أبو عمرو بن الإمام الإستنجي في سمط الجمان لما ذكره‏:‏ البحر الذي لا يماتح ولا يشاطر والغيث الذي لا يساجل ولا يقاطر والروض الذي لا يفاوح ولا يعاطر والطود الذي لا يزاحم ولا يخاطر الذي جمع أشتات المحاسن على ماء غير ملح ولا آسن وكثرت فواضله فأمنت المماثل والمحاسن الذي قصرت البلاغة على محتده وألقيت أزمة الفصاحة في يده وتشرفت الخطابة والكتابة باعتزائهما إليه فنثفل كنانتها وأرسل كماينها وأوضح أسرارها ودفاينها فحسب الماهر التحرير والجهبذ العلامة البصير إذا أبدع في كلامه وأينع في روض الإجادة نثاره ونظامه وطالت قنى الخطية الذبل أقلامه أن يستنير بأنواره ويقتضي بعض مناهجه وآثاره وينثر على أثوابه مسك غباره وليعلم كيف يتفاضل الخبر والإنشاء ويتلو إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشأ‏.‏
وعضة العقور أبو نصر في قلائده‏.‏
حيث قال هو وإن كان خامل المنشأ نازله لم ينزله المجد مناله ولا فرع للعلاء هضابا ولا ارتشف للسنا رضابا فقد تميز بنفسه وتحيز من أبناء جنسه وظهر بذاته وفخر بأدواته‏.‏
مشيخته قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير في الصلة روى عن الغساني والصدفي وأبي الحسن بن الباذش وأبي عمران بن تليد وأبي بحر الأسدي وأبي عبد الله النفزي وجماعة غيرهم‏.‏
تواليفه قال الأستاذ وأما كتبه وشعره وتواليفه الأدبية فكل ذلك مشهور متداول بأيدي الناس وقل من يعلم بعده أن يجتمع له مثله رحمه الله‏.‏
من روى عنه روى عنه ابن بشكوال وابن حبيش وابن مضاء وغيرهم وكل ذلك ذكره في رحاله وهو أعرف بتقدمه في احتفاله‏.‏
شعره وله شعر كثير‏.‏
فمن إخوانياته ما خاطب به أبا إسحق بن خفاجة‏:‏ هب النسيم هبوب ذي إشفاق يذهبن الهوى بجناحه الخفاق وكأنما صبح الغصون بنشوة باحت لها سراير العشاق وإذا تلاعبت الرياح ببانه لعب الغرام بمهجة المشتاق مه يا نسيم فقد كبرت عن الصبا لم يبق من تلك الصبابة باق إن كنت ذاك فلست ذاك ولا أنا قد أذنتك مفارقي بفراق ولقد عهدت سراك من عدد الهوى والموت في نظري وفي استنشاق في حيث قسمت المدامة قسمة ضيزى لأن السكر من أخلاق لا ذنب للصهباء أني غاضب ولذاك قام السكر باستحقاق ولقد صددت الكأس فانقبضت بها من بعدما انبسطت يمين الساق وتركت في وسط الندامى خلة هامت بها الوسطى من الأعلاق فاستسرفوني مذكرين وعندهم أني أدين اللهو دين نفاق وحبابها نفث الحباب وربما سدكت يد الملسوع منه براق وكأنه لما توقر من فوقها نور تجسم من ندى الأحداق لو بارح نفح النوى في روضة فأثارها وسرى عن الأحداق ولقد جلوا والله يدرأ كيدهم فتأنة الأوصاف والأعراق أغوى بها إبليس قدمًا أدمًا وهي السر يرتمي في هواها الباق تالله أصرف نحوها وجد الرضا لو شعشعت برضا أبي إسحاق وافت بها عاطلا وقد لبست غلالة فصلت من الحدق فأجابها الدهر من بنيه دجا لقيته كالإصباح في نسق قامت لنا في المقام أوجههم وراحهم بالنجوم والشفق وأطلع البدر من ذرى غصن تهفو عليه القلوب كالورق من عبد شمس بدا سناه وهل ذاك النور إلا لذاك الأفق مد بحمراء من مدامته بيضاء كف مسكية العبق فخلتها وردة منعمة تحمل من سوسن على طبق نشرت في الراح حين نشرتها ما غادرت مقلتاه من رمتي وقال‏:‏ يا حبذا ليله لنا سلفت أغرت بنفسي الهوى وما عرفت دارت بظلمائها المدام فكم نرجسة من بنفسج قطفت وقال في مغن زار بعده أغب وشط المزار‏.‏
وافي وقد عظمت علي ذنوبه في غيبة قبحت بها آثاره ألم تعلموا والقلب رهن لديكم يخبركم عني بمضجره بعدي فلو قلبتني الحادثات مكانكم لأنهبتها وفرى واو دلاتها خدي ألم تعلموا أني وأهلي وواحد فدا ولا أرضى بتفدية وحدي ومن قوله في غرض المدح يخاطب تاشفين بن علي ويذكر الوقعة بكركي يقول فيها‏:‏ الله أعطاك فتحًا غير مشترك ورد عزمك عن فوت إلى درك أرسل عنان جواد أنت راكبه واضمم يديك ودعه في يد الملك حتى يصير إلى الحسني على ثقة يهدي سبيلك هاد غير مؤتعك قد كان بعدك للأعداء مملكة حتى استدرت عليهم كورة الفلك سارت بك الجردا وطار القضا بها والحين قد قيد الأعداء في شرك فما تركت كميا غير منعفر ولا تركت نجيعًا غير منسفك ناموا وما نام موتور عل حنق أسدى إذا فرصة من السلك فصبحتهم جنود الله باطشة والصبح من عبرات الفجر في مسك فالطير عاكفة والوحش واقفة فد أثقلتها لحوم القوم عن حرك عدت على كل عاد منهم أسر بعثه في حنجر رحب وفي حنك كلي هينئًا مريئًا واشكري ملكًا قرنك أسيافه في كل معترك فلو تنضدت الهامات إذ نشرت بالقاع للغيظان بالنبك أبرح وطالب بباقي الدهر ماضيه فيوم بدر أقامه الفيئ في فدك وكم مضى لك من يوم بنت له في ماقط برماح الحظ مشتبك بالنقع مرتكم بالموت ملتيم بالبيض مشتمل بالشمر محتبك فحص القباب إلى فحص الصعاب إلى أريولة مداسات إلى السكك وكم على حبر محمود وجارته للروم من مرتكل غير مترك وفيت للصغر حتى قيل قد غدروا سموت تطلب نصر الله بالدرك فأسلمتهم إلى الإسلام غدوتهم وأذهب السيف ما بالدن من حنك يا أيها الملك السامي بهمته إلى رضي الله لا تعدم رضى الملك فأخلدك ولمن والاك طاعته خلود بر بتقوى الله ممتسك وافيت والغيث زاخر قد بكا طربًا لما ظفرت وكم بلله من الضحك وتمم الله ما أنشأت من حسن بكل منسبك منه ومنتمك وعن قريب تباهى الأرض من زهير سماها بها غضة الحبك فعد وقد واعتمد وأحمد وسد وأبد وقل وصل واستطل واستول وانتهك وحسبك الله فردًا لا نظير له تغنيك نصرته عن كل مشترك ومن قوله في غرض الرثاء يرثي الفقيد أبا الحسن بن مغيث‏:‏ الدهر ليس على حر بمؤتمن وأي علق تخطته يد الزمن يأتي العفا على الدنيا وساكنها كأن أدبر لم يسكن إلى سكن يا باكيا فرقة الأحباب عن شحط هلا بكيت فراق الروح للبدن نور تقيد في طين إلى أجل وانحاز عنوًا وخلى الطين في الكفن كالطير في شرك يسمو إلى درك حتى تخلص من سقم ومن درن أتى إلى الله لا سمع ولا بصر يدعو إلى الرشد أو يهدي إلى السنن في كل يوم فراق لا بقاء له من صاحب كرم أو سيد قمن أعيا أبا حسن فقد الذين مضوا فمن لنا بالذي أعيا أبا حسن كأن البقية في قوم قد انقرضوا فهاج ما شاء ذاك القرن من شجن يعد فدًا وفي أثوابه رمز من كل ذي خلق عمرو وذي فطن وإن من أوجدتنا كل مفتقد حياته لعزيز الفقد والظعن من للملوك إذا خفت حلومها بما يقاوم ذاك الطيش من سكن ومنها‏:‏ يا يونس لا تسر أصبحنا لوحشتنا نشكو اغترابًا وما بنا عن الوطن ويا مطاعا مطيعًا لا عناد له في كل أمر على الإسلام مؤتمن كم خطت كارتجاج البحر مبهمة فرجتها بحسام سل من لسن طود المهابة في الجلا وإن جذبت عنانة خلوة هزت ذرى وتر تجملت بك في أحسابها مضر وأصل مجدك في جرثومة اليمن من دولة حولها الأنصار حاشدة في طامح شامخ الأركان والقنن من الذين هم رووا وهم نصروا من عيسة الدين لا من جذوة الفتن إن يبد مطلع منهم ومستمع فارغب بنفسك عن لحظ وعن أذن ما بعد منطقه وشي ولا زهر ولا لأعلاق ذاك الدر من ثمن أقول وفينا فضل سودده استغفر الله ملء السر والعلن محمد ومغيث نعم ذا عوضًا هما سلالة ذاك العارض الهتن تقيلا هديه في كل صالحة نصر السوابق عن طبع وعن مرن ما حل حبوته إلا وقد عقدا حبًا بما اختار من أيد ومن منن غر الأحبة عند حسن عهدهما وإن يونس في الأثواب والجنن علمًا وحلمًا وترحيبًا وتكرمة للزايرين وإغضاء على زكن يا وافد الغيث أوسع قبره نزلا ورومًا حول ذاك الديم من ثكن ومن شعره قوله مخمسًا كتب بها وقد أقام بمراكش يتشوق إلى قرطبة‏:‏ بدت لهم بالغور والشمل جامع بروق بأعلام العذيب لوامع فباحت بأسرار الضمير المدامع ورب غرام لم تنله المسامع أذاع بها من فيضها التصويب‏.‏
ألا في سبيل الشوق قلب مؤثل بركب إذا شاء والبروق تحمل هو الموت إلا إنني أتحمل إذا قلت هذا منهل عز منهل وراية برق نحوها القلب يجنب‏.‏
أبى الله إما كل بعد فثابت وإما دنو الدار منهم ففايت ولا يلفت البين المصمم لافت ويا رب حي البارق المتهافت غراب بتفريق الأحبة ينعب‏.‏
خذوا بدمي ذاك الوسيق المضرجا وروضًا بغيض العاشقين تأرج عفى الله عنه قاتلًا ما تحرجا تمشي الردى في نشره وتدرجا ويلمه بالذكر طورًا ويشعب رماني على قرب بشرخ ذكائه فأعشت جفوني نظرة من ذكايه وغصت بأدنى شعبة من سمايه شعابي وجا البحر في غلوئه فكل قرب ردع خديه يركب ألم يأته أني ركنت قعودًا وأجمعت عن وفز الكلام قعودا ولم أعتصر للذكر بعدك عودا وأزهقني هذا الزمان صعودا فربع الذي بين الجوانح سبسب‏.‏
على تلك من حال دعوت سميعا وذكرت روضًا بالعقاب مريعا وتملأ الشعب المذحجي جميعًا وسربًا بأكناف الرصافة ريعا وأحدق عين بالحمام تقلب ولم أنس ممشانا إلى القصر ذي النخل بحيث تجافي الطود عن دمث سهل وأشرف لا عن عظم قدر ولا فضل ولكنه للملك قام على رجل يبكي وتبكي للزايرين وتندب‏.‏
وكم لك بالزهراء من متردد ووقفة متسق المجامع مقصد يسكن من خفق الجوانح باليد ويهتك حجب الناصر بن محمد ولا هيبة تخشبي هنالك وترهب‏.‏
لنعم مقام الخاشع المتنسك وكانت في محل العبشمين المملك متى يورد النفس العزيزة يسفك وإن يسم نحو الأبلق الفرد يملك وأي مرام رامه يتصعب قصور كان الماء يعشق مبناها فطورًا يرى تاجًا بمفرق أعلاها وطورًا يرى خلخال أسوق سفلاها إذا زل وهنًا عن ذوايب يهواها يقول هوى بدرًا أو انقض كوكب أتاها على رغم الجبال الشواهق وكل منيف للنجوم مراهق وكم دفعت في الصدر منه بعانق فأودع في أحشائها والمفارق وأسباب هذا الحسن قد تتشعب فأين الشموس الكالفات بها ليلًا وأين الغصون المائسات بها ميلا وأين الظبا السابحات بها ذيلا وأين الثرى رجلا وأين الحصا خيلا فوا عجبا لو أن من يتعجب كم احتضنت فيها القيان المزاهرا وكم فاوحت فيها الرياض المجامرا وكم ساهرت فيها الكواكب سامرا وكم قد أجاب الطير فيها المزامرا عظيم من الدنيا شعاع مطنب كأن لم يكن يقضي بها النهي والأمر ويجبي إلى خزائنها البر والبحر ويسفر مخفورًا بذمتها الفخر ويصبح مختومًا بطينتها الدهر وأيامه تعزي إليها وتنسب ومالك عن ذات القسي النواضج وناصحة تعزى قديمًا لناصح وذي أثر على الدهر واضح يخبر عهد هنالك صالح وإلا فإن الفضل منه مجرب كأنهما في الطيب كانا تنافرا فسارا إلى وصل القضاء وسافرا ولما تلاقى السابقان تناظرا فقال ولي الحق مهلًا تظافرا فكلكما عذب المجاجة طيب ألم يعلما أن اللجاج هو المقت وأر الذي لا يقبل النصف منبت وما منكما إلا له عندنا وقت فلما استبان الحق واتجه السمت تقشع من نور المودة غيهب‏.‏
وإن لها بالعامرية لمظهرا ومستشرفًا يلهي العيون ومنظرًا وروضنا على شطي خضارة أخضرا وجو سق ملك قد علا وتجبرا له ترة عند الكواكب تطلب غيره في عنفوان الموارد وأثبته في ملتقى كل وارد وأبرزه للأريحي المجاهد وكل فتى عن حرمة الدين زايد فردعته في القلب تسرى وترهب أوليك قوم قد مضوا وتصدعوا قضوا ما قضوا من أمرهم ثم ودعوا فهل لهم ركز يحس ويسمع تأمل فهذا ظاهر الأرض بلقع إلفا أنهم في بطنها حيث غيب‏.‏


الساعة الآن 11:24 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى