منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   آثار البلاد وأخبار العباد - زكريا بن محمد بن محمود القزويني (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1711)

أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:04 AM

آثار البلاد وأخبار العباد - زكريا بن محمد بن محمود القزويني
 

آثار البلاد وأخبار العباد - زكريا بن محمد بن محمود القزويني




موضوع: السيرة والتاريخ نبذة: يقع الكتابُ في خُطْبَةٍ وثلاث مقدمات، كانت المقدمة الأولى في الحاجة إلى المدن والقرى، وكانت المقدمة الثانية في خواص البلاد، والمقدمة الأخيرة جعلها المؤلف في أقاليم الأرض. والكتاب مَرْجِعٌ مُهِمٌّ في التاريخ والعمران البشري. خطبة الكتاب
العز لك والجلال لكبريائك والعظمة لثنائك والدوام لبقائك يا قديم الذات ومفيض الخيرات‏.‏
أنت الأول لا شيء قبلك وأنت الآخر لا شيء بعدك وأنت الفرد لا شريك لك‏.‏
يا واهب العقول وجاعل النور والظلمات منك الابتداء وإليك الانتهاء وبقدرتك تكونت الأشياء وبإرادتك قامت الأرض والسموات أفض علينا أنوار معرفتك وطهر نفوسنا عن كدورات معصيتك وألهمنا موجبات رحمتك ومغفرتك ووفقنا لما تحب وترضى من الخيرات والسعادات وصل على ذوي الأنفس الطاهرات والمعجزات الباهرات خصوصاً على سيد المرسلين وإمام المتقين وقايد الغر المحجلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أفضل الصلوات وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات وعلى الذين اتبعوهم بإحسان من أهل السنة والجماعات‏.‏
يقول العبد زكرياء بن محمد بن محمود القزويني تولاه الله بفضله بعد حمد الله حمداً يرضيه ويوجب مزيد فضله وأياديه‏:‏ إني قد جمعت في هذا الكتاب ما وقع لي وعرفته وسمعت به وشاهدته من لطايف صنع الله تعالى وعجايب حكمته المودعة في بلاده وعباده ويأمر بالإحسان والبرّ والتّقى وينهى عن الطّغيان والشرّ والأذى ومن انتفع بكتابي هذا وذكرني بالخير جعله الله من الأبرار ورفع درجاته في عقبى الدار‏.‏
وأسأل الله تعالى العفو عما طغى به القلم أو هم أو سها بذلك أو لم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير‏.‏
ولنقدم على المقصود مقدمات لا بد منها لحصول تمام الغرض والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالمقدمة الاولى
في الحاجة الداعية إلى إحداث المدن والقرى
اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان على وجه لا يمكنه أن يعيش وحده كساير الحيوانات بل يضطر إلى الاجتماع بغيره حتى يحصل الهيئة الاجتماعية التي يتوقف عليها المطعم والملبس فإنهما موقوفان على مقدمات كثيرة لا يمكن لكل واحد القيام بجميعها وحده‏.‏
فإن الشخص الواحد كيف يتولى الحراثة فإنها موقوفة على آلاتها وآلاتها تحتاج إلى النجار والنجار يحتاج إلى الحداد وكيف يقوم بأمر الملبوس وهو موقوف على الحراثة والحلج والندف والغزل والنسج وتهيئة آلاتها فاقتضت الحكمة الإلهية الهيئة الاجتماعية وألهم كل واحد منهم القيام بأمر من تلك المقدمات حتى ينتفع بعضهم ببعض فترى الخباز يخبز الخبز والعجان يعجنه والطحان يطحنه والحراث يحرثه والنجار يصلح آلات الحراث والحداد يصلح آلات النجار وهكذا الصناعات بعضها موقوفة على البعض‏.‏
وعند حصول كلها يتم الهيئة الاجتماعية ومتى فقد شيء من ذلك فقد اختلت الهيئة الاجتماعية كالبدن إذا فقد بعض أعضائه فيتوقف نظام معيشة الإنسان‏.‏
ثم عند حصول الهيئة الاجتماعية لو اجتمعوا في صحراء لتأذوا بالحر والبرد والمطر والريح ولو تستروا بالخيام والخرقاهات لم يأمنوا مكر اللصوص والعدو ولو اقتصروا على الحيطان والأبواب كما ترى في القرى التي لا سور لها لم يأمنوا صولة ذي البأس فألهمهم الله تعالى اتخاذ السور والخندق والفصيل فحدثت المدن والأمصار والقرى والديار‏.‏
ثم إن الملوك الماضية لما أرادوا بناء المدن أخذوا آراء الحكماء في ذلك فالحكماء اختاروا أفضل ناحية في البلاد وأفضل مكان في الناحية وأعلى منزل في المكان من السواحل والجبال ومهب الشمال لأنها تفيد صحة أبدان أهلها وحسن أمزجتها واحترزوا من الآجام والجزائر وأعماق الأرض فإنها تورث كرباً وهرماً‏.‏
واتخذوا للمدن سوراً حصيناً مانعاً وللسور أبواباً عدة حتى لا يتزاحم الناس بالدخول والخروج بل يدخل ويخرج من أقرب باب إليه‏.‏
واتخذوا لها قهندزاً لمكان ملك المدينة والنادي لاجتماع الناس فيه وفي البلاد الإسلامية المساجد والجوامع والأسواق والخانات والحمامات ومراكض الخيل ومعاطن الإبل ومرابض الغنم وتركوا بقية مساكنها لدور السكان فأكثر ما بناها الملوك العظماء على هذه الهيئة فترى أهلها موصوفين بالأمزجة الصحيحة والصور الحسنة والأخلاق الطيبة وأصحاب الآراء الصالحة والعقول الوافرة واعتبر ذلك بمن مسكنه لا يكون كذلك مثل الديالم والجيل والأكراد والتركمان وسكان البحر في تشويش طباعهم وركاكة عقولهم واختلاف صورهم‏.‏
ثم اختصت كل مدينة لاختلاف تربتها وهوائها بخاصية عجيبة وأوجد الحكماء فيها طلسمات غريبة ونشأ بها صنف من المعادن والنبات والحيوان لم يوجد في غيرها وأحدث بها أهلها عمارات عجيبة ونشأ بها أناس فاقوا أمثالهم في العلوم والأخلاق والصناعات فلنذكر ما وصل إلينا من خاصية بقعة بقعة إن شاء الله تعالى‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالمقدمة الثانية
في خواص البلاد
http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالفصل الأول
في تأثير البلاد في سكانها
قالت الحكماء‏:‏ إن الأرض شرق وغرب وجنوب وشمال فما تناهى في التشريق وتحج منه نور المطلع فهو مكروه لفرط حرارته وشدة إحراقه فإن الحيوان يحترق بها والنبات لا ينبت وما تناهى في التغريب أيضاً مكروه لموازاته التشريق في المعنى الذي ذكرناه وما تناهى في الشمال أيضاً مكروه لما فيه من البرد الشديد الذي لا يعيش الحيوان معه وما تناهى في الجنوب أيضاً كذلك لفرط الحرارة فإنها أرض محترقة لدوام مسامتة الشمس إياها‏.‏
فالذي يصلح للسكنى من الأرض قدر يسير هو أوساط الإقليم الثالث والرابع والخامس وما سوى ذلك فأهلها معذبون والعذاب عادة لهم وقالوا أيضاً‏:‏ المساكن الحارة موسعة للمسام مرخية للقوى مضعفة للحرارة العريزية محللة للروح فتكون أبدان سكانها متخلخلة ضعيفة وقلوبهم خائفة وقواهم ضعيفة لضعف هضمهم‏.‏
وأما المساكن الباردة فإنها مصلبة للبدن مسددة للمسام مقوية للحرارة العزيزية فتكون أبدان سكانها صلبة وفيهم الشجاعة وجودة القوى والهضم الجيد‏.‏
فإن استيلاء البرد على ظاهر وأما المساكن الرطبة فلا يسخن هواؤهم شديداً ولا يبرد شتاؤهم قوياً وسكانها موصوفون بالسحنة الجيدة ولين الجلود وسرعة قبول الكيفيات والاسترخاء في الرياضات وكلال القوى‏.‏
وأما المساكن اليابسة فتسدد المسام وتورث القشف والنحول ويكون صيفها حاراً وشتاؤها بارداً وأدمغة أهلها يابسة لكن قواهم حادة‏.‏
وأما المساكن الحجرية فهواؤها في الصيف حار وفي الشتاء بارد وأبدان أهلها صلبة وعندهم سوء الخلق والتكبر والاستبداد في الأمور والشجاعة في الحروب‏.‏
وأما المساكن الآجامية والبحرية فهي في حكم المساكن الرطبة وأنزل حالاً وقد جرى ذكر المساكن الرطبة‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالفصل الثاني
في تأثير البلاد في المعادن والنبات والحيوان
أما المعادن فالذهب لا يتكون إلا في البراري الرملة والجبال الرخوة والفضة والنحاس والرصاص والحديد لا يتكون إلا في الأحجار المختلطة بالتراب اللين والكبريت لا يتكون إلا في الأراضي النارية والزيبق لا يتكون إلا في الأراضي المائية والأملاح لا تنعقد إلا في الأراضي السبخة والشبوب والزاجات لا تتكون إلا في التراب العفص والقار والنفط لا يتكون إلا في الأراضي الدهنة أما تولد الأحجار التي لها خواص فلا يعلم معادنها وسببها إلا الله تعالى‏.‏
وأما النبات فإن النخل والموز لا ينبتان إلا بالبلاد الحارة وكذلك الأترج والنارنج والرمان والليمون وأما الجوز واللوز والفستق فلا ينبت إلا بالبلاد الباردة والقصب على شطوط الأنهار وكذا الدلب والمغيلان بالأراضي الصلبة والبراري القفار والقرنفل لا ينبت إلا بجزيرة بأرض الهند والنارجيل والفلفل والزنجبيل لا ينبت إلا بالهند وكذلك الساج والآبنوس والورس لا ينبت إلا باليمن والزعفران بأرض الجبال بروذراورد وقصب الذريرة بأرض نهاوند والترنجبين يقع على شوك بخراسان‏.‏
وأما الحيوان فإن الفيل لا يتولد إلا في جزائر البحار الجنوبية وعمرها بأرض الهند أطول من عمرها بغير أرض الهند وأنيابها لا تعظم مثل ما تعظم بأرضها والزرافة لا تتولد إلا بأرض الحبشة والجاموس لا يتولد إلا بالبلاد الحارة قرب المياه ولا يعيش بالبلاد الباردة وعير العانة ليس له سفاد في غير بلاده كما يكون ذلك في بلاده ويحتاج أن يؤخذ من حافره ولا كذلك في بلاده والسنجاب والسمور وغزال المسك لا يتولد إلا في البلاد الشرقية الشمالية والصقر والبازي والعقاب لا يتفرخ إلا على رؤوس الجبال الشامخة والنعامة والقطا لا يفرخان إلا في الفلوات والبطوط وطيور الماء لا تفرخ إلا في شطوط الأنهار والبطائح والآجام والفواخت والعصافير لا تفرخ إلا في العمارات والبلابل والقنابر لا تفرخ إلا في البساتين والحجل لا يفرخ إلا في الجبال هذا هو الغالب فإن وقع شيء على خلاف ذلك فهو نادر‏.‏
والله الموفق للصواب‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالمقدمة الثالثة في أقاليم الأرض
قال أبو الريحان الخوارزمي‏:‏ إذا فرضنا أن دائرة معدل النهار تقطع كرة الأرض بنصفين‏:‏ يسمى أحد النصفين جنوباً والآخر شمالاً‏.‏
وإذا فرضنا دائرة تعبر عن قطبي معدل النهار وتقطع الأرض صارت كرة الأرض أربعة أرباع‏:‏ ربعان جنوبيان وربعان شماليان فالربع الشمالي المكشوف يسمى ربعاً مسكوناً والربع المسكون مشتمل على البحار والجزائر والأنهار والجبال والمفاوز والبلدان والقرى على أن ما بقي منها تحت قطب الشمال قطعة غير مسكونة من افراط البرد وتراكم الثلوج وهذا الربع المسكون قسموه سبعة أقسام كل قسم يسمى إقليماً كأنه بساط مفروش من الشرق إلى الغرب طولاً ومن الجنوب إلى الشمال عرضاً وإنها مختلفة الطول والعرض فأطولها وأعرضها الإقليم الأول فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخاً وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسمائة فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من خمسين فرسخاً‏.‏
وأما سائر الأقاليم فمختلف طولها وعرضها وعلى الصفحة المقابلة صورة كرة الأرض بأقاليمها‏.‏
وهذه القسمة ليست قسمة طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الأولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلموا بها حدود الممالك والمسالك مثل افريدون النبطي واسكندر الرومي واردشير الفارسي وإذا جاوزوا الأقاليم السبعة فمنعهم من سلوكها البحار الزاخرة والجبال الشامخة والأهوية المفرطة التغير في الحرب والبرد والظلمة في ناحية الشمال تحت مدار بنات النعش فإن البرد هناك مفرط جداً لأن ستة أشهر هناك شتاء وليل فيظلم الهواء ظلمة شديدة ويجمد الماء لشدة البرد فلا حيوان هناك ولا نبات‏.‏
وفي مقابلتها من ناحية الجنوب تحت مدار سهيل يكون ستة أشهر صيفاً نهاراً كله فيحمى الهواء ويصير ناراً سموماً يحرق كل شي فلا نبات ولا حيوان هناك‏.‏
وأما جانب المغرب فيمنع البحر المحيط السلوك فيه لتلاطم الأمواج‏.‏
وأما جانب المشرق فيمنع البحر والجبال الشامخة فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الأقاليم السبعة وليس لهم علم بحال بقية الأرض‏.‏
فلنذكر ما وصل إلينا بقعة بقعة في إقليم إقليم مرتبة على حروف المعجم والله الموفق للسداد والهادي إلى سواء الصراط‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gifالاقليم الاول
فجنوبيه ما يلي بلاد الزنج والنوبة والحبشة وشماليه الإقليم الثاني وأوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدماً واحدة ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار قدمين وثلاثة أخماس قدم‏.‏
وقد يبتديء من أقصى المشرق من بلاد الصين ويمر على ما يلي الجنوب من الصين جزيرة سرنديب وعلى سواحل البحر في جنوب الهند ويقطع البحر إلى جزيرة العرب ويقطع بحر قلزم إلى بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وأرض اليمن إلى بحر المغرب فوقع في وسطه من أرض صنعاء وحضرموت ووقع طرفه الذي يلي الجنوب أرض عدن ووقع في طرفه الذي يلي الشمال بتهامة قريباً من مكة‏.‏
ويكون أطول نهار هؤلاء اثنتي عشرة ساعة ونصف الساعة في ابتدائه وفي وسطه ثلاث عشرة ساعة وفي آخره ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة‏.‏
وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف ميل وسبعمائة واثنان وسبعون ميلاً وإحدى وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل واثنان وأربعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة وأربعون ثانية ومساحته مكسراً أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وعشرون ألف ميل وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلاً وإحدى وعشرون دقيقة إرم ذات العماد بين صنعاء وحضرموت من بناء شداد بن عاد روي أن شداد بن عاد كان جباراً من الجبابرة لما سمع بالجنة وما وعد الله فيها أولياءه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار والغرف التي فوقها غرف قال‏:‏ إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه تحت يد كل وكيل ألف من الأعوان وأمرهم أن يطلبوا أفضل فلاة من أرض اليمن ويختاروا أطيبها تربة‏.‏
ومكنهم من الأموال ومثل لهم كيفية بنائها وكتب إلى عماله في سائر البلدان أن يجمعوا جميع ما في بلادهم من الذهب والفضة والجواهر فجمعوا منها صبراً مثل الجبال فأمر باتخاذ اللبن من الذهب والفضة وبنى المدينة بها وأمر أن يفضض حيطانها بجواهر الدر والياقوت والزبرجد وجعل فيها غرفاً فوقها غرف أساطينها من الزبرجد والجزع والياقوت‏.‏
ثم أجرى إليها نهراً ساقه إليها من أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر سواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب الأحمر وجعل حصاه أنواع الجواهر الأحمر والأصفر والأخضر ونصب على حافتي النهر والسواقي أشجاراً من الذهب وجعل ثمارها من الجواهر واليواقيت‏.‏وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخاً وعرضها مثل ذلك وصير سورها عالياً مشرفاً وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر مفضضاً بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر‏.‏
ثم بنى لنفسه على شاطيء ذلك النهر قصراً منيفاً عالياً يشرف على تلك القصور كلها وجعل بابه يشرع إلى واد رحيب ونصب عليه مصراعين من ذهب مفضض بأنواع اليواقيت‏.‏
وجعل ارتفاع البيوت والسور ثلاثمائة ذراع‏.‏
وجعل تراب المدينة من المسك والزعفران‏.‏
وجعل خارج المدينة مائة ألف منظرة أيضاً من الذهب والفضة لينزلها جنوده‏.‏
ومكث في بنائها خمسمائة عام فبعث الله تعالى إليه هوداً النبي عليه السلام فدعاه إلى الله تعالى فتمادى في الكفر والطغيان‏.‏
وكان إذ ذاك تم ملكه سبعمائة سنة فأنذره هود بعذاب الله تعالى وخوفه بزوال ملكه فلم يرتدع عما كان عليه‏.‏
وعند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدينة وأخبروه بالفراغ منها فعزم على الخروج إليها في جنوده وخرج في ثلاثمائة ألف رجل من أهل بيته وخلف على ملكه مرثد بن شداد ابنه وكان مرثد فيما يقال مؤمناً بهود عليه السلام‏.‏
فلما انتهى شداد إلى قرب المدينة بمرحلة جاءت صيحة من السماء فمات هو وأصحابه وجميع من كان في أمر المدينة من القهارمة والصناع والفعلة وبقيت لا أنيس بها فأخفاها الله لم يدخلها بعد ذلك إلا رجل واحد في أيام معاوية يقال له عبد الله بن قلابة فإنه ذكر في قصة طويلة ملخصها أنه خرج من صنعاء في طلب إبل ضلت فأفضى به السير إلى مدينة صفتها ما ذكرنا فأخذ منها شيئاً من المسك والكافور وشيئاً من الياقوت وقصد الشام وأخبر معاوية بالمدينة وعرض عليه ما أخذه من الجواهر وكانت قد تغير بطول الزمان‏.‏
فأحضر معاوية كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال‏:‏ هذا إرم ذات العماد التي ذكرها الله تعالى في كتابه بناها شداد بن عاد لا سبيل إلى دخولها ولا يدخلها إلا رجل واحد صفته كذا وكذا‏.‏
وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة فقال له معاوية‏:‏ أما أنت يا عبد الله فأحسنت النصح ولكن لا سبيل لها‏.‏
وأمر له بجائزة‏.‏
وحكي أنهم عرفوا قبر شداد بن عاد بحضرموت وذلك أنهم وقعوا في حفيرة وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعاً وفي صدره سرير عظيم من ذهب عليه رجل عظيم الجسم وعند رأسه لوح فيه مكتوب‏:‏ اعتبر يا أيّها المغرور بالعمر المديد أنا شدّاد بن عادٍ صاحب القصر المشيد وأخو القوّة والبأساء والملك الحسيد فدعانا لو قبلناه إلى الأمر الرّشيد فعصيناه ونادينا‏:‏ ألا هل من محيد فأتتنا صيحةٌ تهوي من الأفق البعيد فشوينا مثل زرعٍ وسط بيداءٍ حصيد والله الموفق للصواب‏.‏
البجة بلاد متصلة بأعلى عيذاب في غرب منه أهلها صنف من الحبش بها معادن الزمرذ يحمل منها إلى سائر الدنيا ومعادنه في جبال هناك وزمرذها أحسن أصناف الزمرذ الأخضر السلقي الكثير المائية يسقى المسموم منه فيبرأ وإذا نظرت الأفعى إلي سالت حدقتها‏.‏
بكيل مخلاف باليمن قال عمارة في تاريخه‏:‏ بهذا المخلاف نوع من الشجر لأقوام معينين في أرض لهم وهم يشحون به ويحفظونه من غيرهم مثل شجر البلسان بأرض مصر وليس ذلك الشجر إلا لهم يأخذون منه سماً يقتل به الملوك وذكر أن ملوك بني نجاح ووزراءهم أكثرهم قتلوا بهذا بلاد التبر هي بلاد السودان في جنوب المغرب قال ابن الفقيه‏:‏ هذه البلاد حرها شديد جداً‏.‏
أهلها بالنهار يكونون في السراديب تحت الأرض والذهب ينبت في رمل هذه البلاد كما ينبت الجزر بأرضنا وأهلها يخرجون عند بزوغ الشمس ويقطفون الذهب وطعامهم الذرة واللوبيا ولباسهم جلود الحيوانات وأكثر ملبوسهم جلد النمر والنمر عندهم كثير‏.‏
ومن سجلماسة إلى هذه البلاد ثلاثة أشهر والتجار من سجلماسة يمشون إليها بتعب شديد وبضايعهم الملح وخشب الصنوبر وخشب الأرز وخرز الزجاج والاسورة والخواتيم منه والحلق النحاسية‏.‏
وعبورهم على براري معطشة فيها سمايم بماء فاسد لا يشبه الماء إلا في الميعان والسمايم تنشف المياه في الأسقية فلا يبقى الماء معهم إلا أياماً قلائل‏.‏
فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالاً فارغة من الأحمال ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري ثم أوردوها على الماء نهلاً وعللاً حتى تمتلي أجوافها ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء نحروا جملاً جملاً وترمقوا بما في وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر فعند ذلك ضربوا طبولاً ليعلم القوم وصول القفل‏.‏
يقال‏:‏ انهم في مكان وأسراب من الحر وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر‏.‏
وقيل‏:‏ يلبسون شيئاً من جلود الحيوان فإذا علم التجار أنهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة فوضع كل تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر ووضعوا بجنب كل متاع شيئاً من التبر وانصرفوا‏.‏
ثم يأتي التجار بعدهم فيأخذ كل واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة وضربوا بالطبول وانصرفوا ولا يذكر أحد من هؤلاء التجار أنه رأى أحداً منهم‏.‏
بلاد الحبشة هي أرض واسعة شمالها الخليج البربري وجنوبها البر وشرقها الزنج وغربها البجة‏.‏
الحر بها شديد جداً وسواد لونهم لشدة الاحتراق وأكثر أهلها نصارى يعاقبة والمسلمون بها قليل‏.‏
وهم من أكثر الناس عدداً وأطولهم أرضاً لكن بلادهم قليلة وأكثر أرضهم صحارى لعدم الماء وقلة الأمطار وطعامهم الحنطة والدخن وعندهم الموز والعنب والرمان ولباسهم الجلود والقطن‏.‏ومن الحيوانات العجيبة عندهم‏:‏ الفيل والزرافة‏.‏
ومركوبهم البقر يركبونها بالسرج واللجام مقام الخيل وعندهم من الفيلة الوحشية كثير وهم يصطادونها‏.‏
فأما الزرافة فإنها تتولد عندهم من الناقة الحبشية والضبعان وبقر الوحش يقال لها بالفارسية اشتركاوبلنك رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وأسنانها كأسنانه وجلدها كجلد النمر وقوائمها كقوائم البعير وأظلافها كأظلاف البقر وذنبها كذنب الظباء ورقبتها طويلة جداً ويداها طويلتان ورجلاها قصيرتان‏.‏
وحكى طيماث الحكيم أنه بجانب الجنوب قرب خط الاستواء في الصيف تجتمع حيوانات مختلفة الأنواع على مصانع الماء من شدة العطش والحر فيسفد نوع غير نوعه فتولد حيوانات غريبة مثل الزرافة فإنها من الناقة الحبشية والبقرة الوحشية والضبعان وذلك أن الضبعان يسفد الناقة الحبشية فتأتي بولد عجيب من الضبعان والناقة فإن كان ذلك الولد ذكراً ويسفد البقرة الوحشية أتت بالزرافة‏.‏
ولهم ملك مطاع يقال له أبرهة بن الصباح‏.‏
ولما مات ذو يزن وهو آخر الأدواء من ملوك اليمن استولى الحبشة على اليمن وكان عليها أبرهة من قبل النجاشي فلما دنا موسم الحج رأى الناس يجهزون للحج فسأل عن ذلك فقالوا‏:‏ هؤلاء يحجون بيت الله بمكة‏.‏
قال‏:‏ فما هو قالوا‏:‏ بيت من حجارة‏.‏
قال‏:‏ لأبنين لكم بيتاً خيراً منه‏!‏ فبنى بيتاً من الرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وحلاه بالذهب والفضة ورصعه بالجواهر وجعل أبوابه من صفائح من ذهب وجعل للبيت سدنة ودنه بالمندلي وأمر الناس بحجه وسماه القليس وكتب إلى النجاشي‏:‏ إني بنيت لك كنيسة ما لأحد من الملوك مثلها‏!‏ أريد أصرف إليه حج العرب‏.‏
فسمع بذلك رجل من بني مالك بن كنانة انتهز الفرصة حتى وجدها خالية فقعد فيها ولطخها بالنجاسة‏.‏
فلما عرف ابرهة ذلك اغتاظ وآلى أن يمشي إلى مكة ويخرب الكعبة غيظاً على العرب‏.‏
فجمع عساكره من الحبشة ومعه اثنا عشر فيلاً فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالتأهب والغارة فأصابوا مائتي إبل لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وبعث أبرهة رسولاً إلى مكة يقول‏:‏ إني ما جئت لقتالكم إلا أن تقاتلوني‏!‏ وإنما جئت لخراب هذا البيت والانصراف عنكم‏!‏ فقال عبد المطلب وهو رئيس مكة إذ ذاك‏:‏ ما لنا قوة قتالك وللبيت رب يحفظه هو بيت الله ومبنى خليله‏!‏ فذهب عبد المطلب إليه فقيل له‏:‏ إنه صاحب عير مكة وسيد قريش فأدخله وكان عبد المطلب رجلاً وسيماً جسيماً فلما رآه أكرمه فقال له الترجمان‏:‏ الملك يقول ما حاجتك فقال‏:‏ حاجتي مائتا بعير أصابها‏.‏
فقال ابرهة للترجمان‏:‏ قد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت فيك لأني جئت لهدم بيت هو دينك ودين آبائك‏!‏ جئت ما تكلمت فيه وتكلمت في الإبل‏!‏ فقال عبد المطلب‏:‏ أنا رب هذه العير وللبيت رب سيمنعه‏!‏ فرد إليه إبله فعاد عبد المطلب وأخبر القوم بالحال فهربوا وتفرقوا في شعاب الجبال خوفاً فأتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وقال‏:‏ جرّوا جميع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك‏!‏ عمدوا حماك بجهلهم كيداً وما رقبوا حلالك لاهمّ إنّ المرء يم نع حلّه فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم أبداً محالك إن كنت تاركهم وكع بتنا فأمرٌ ما بدا لك‏!‏ وترك عبد المطلب الحلقة وتوجه مع قومه في بعض الوجوه فالحبش قاموا بفيلهم قاصدين مكة فبعث الله من جانب البحر طيراً أبابيل مثل الخطاف مع كل طائر ثلاثة أحجار‏:‏ حجران في رجليه وحجر في منقاره على شكل الحمص‏.‏
فلما غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب أحداً إلا هلك فذلك قوله تعالى‏:‏ وارسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول‏.‏ومنها النجاشي الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أصحمة كان ولياً من أولياء الله يبعث إلى رسول الله الهدايا والنبي صلى الله عليه وسلم يقبلها‏.‏
وفي يوم مات أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله بذلك مع بعد المسافة وكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم موته صلى عليه الصلاة مع أصحابه وهو ببلاد الحبشة‏.‏
بلاد الزنج مسيرة شهرين شمالها اليمن وجنوبها الفيافي وشرقها النوبة وغربها الحبشة وجميع السودان من ولد كوش بن كنعان بن حام وبلاد الزنج شديدة الحر جداً وحلكة سوادهم لاحتراقهم بالشمس‏.‏
وقيل‏:‏ إن نوحاً عليه السلام دعا على ابنه حام فاسود لونه وبلادهم قليلة المياه قليلة الأشجار سقوف بيوتهم من عظام الحوت‏.‏
زعم الكماء أنهم شرار الناس ولهذا يقال لهم سباع الإنس‏.‏
قال جالينوس‏:‏ الزنج خصصوا بأمور عشرة‏:‏ سواد اللون وفلفلة الشعر وفطس الأنف وغلظ الشفة وتشقق اليد والكعب ونتن الرائحة وكثرة الطرب وقلة العقل وأكل بعضهم بعضاً فإنهم في حروبهم يأكلون لحم العدو ومن ظفر بعدو له أكله‏.‏
وأكثرهم عراة لا لباس لهم ولا يرى زنجي مغموماً الغم لا يدور حولهم والطرب يشملهم كلهم قال بعض الحكماء‏:‏ سبب ذلك اعتدال دم القلب وقال آخرون‏:‏ بل سببه طلوع كوكب سهيل عليهم كل ليلة فإنه يوجب الفرح‏.‏
وعجائب بلادهم كثيرة منها كثرة الذهب ومن دخل بلادهم يحب القتال وهواؤهم في غاية اليبوسة لا يسلم أحد من الجرب حتى يفارق تلك البلاد‏.‏
والزنوج إذا دخلوا بلادنا وآنقهم هذه البلاد استقامت أمزجتهم وسمنوا‏.‏
ولهم ملك اسمه اوقليم يملك سائر بلاد الزنج في ثلاثمائة ألف رجل‏.‏
ودوابهم البقر يحاربون عليها بالسرج واللجم تمشي مشي الدواب ولا خيل لهم ولا بغال ولا إبل وليس لهم شريعة يراجعونها بل رسوم رسمها ملوكهم وسياسات‏.‏
وفي بلادهم الزرافة والفيل كثيرة وحشية في الصحارى يصطادها الزنوج‏.‏
ولهم عادات عجيبة منها أن ملوكهم إذا جاروا قتلوهم وحرموا عقبة الملك ويقولون‏:‏ الملك إذا جار لا يصلح أن يكون نائب ملك السموات والأرض‏.‏
ومنها أكل العدو إذا ظفر به‏.‏
وقيل‏:‏ إن عادة بعضهم ليس عادة الكل‏.‏
ومنها اتخاذ نبيذ من شربها طمس عقله قيل‏:‏ إنها مأخوذة من النارجيل يسقون منها من أرادوا الكيد به‏.‏
ومنها التحلي بالحديد مع كثرة الذهب عندهم يتخذون الحلي من الحديد كما يتخذ غيرهم من الذهب والفضة يزعمون أن الحديد ينفر الشيطان ويشجع لابسه‏.‏
ومنها قتالهم على البقر وانها تمشي كالخيل قال المسعودي‏:‏ رأيت من هذا البقر وانها حمر العيون يبرك كالإبل بالحمل ويثور بحمله‏.‏
ومنها اصطيادها الفيل وتجاراتهم على عظامها وذلك لأن الفيل الوحشية ببلاد الزنج كثيرة والمستأنسة أيضاً كذلك والزنج لا يستعملونها في الحرب ولا في العمل بل ينتفعون بعظامها وجلودها ولحومها وذاك أن عندهم ورقاً يطرحونها في الماء فإذا شرب الفيل من ذلك الماء اسكره فلا يقدر على المشي فيخرجون إليه ويقتلونه وعظام الفيل وأنيابها تجلب من أرض الزنج وأكثر أنيابه خمسون مناً إلى مائة من وربما يصل إلى ثلاثمائة من‏.‏
بلاد السودان هي بلاد كثيرة وأرض واسعة ينتهي شمالها إلى أرض البربر وجنوبها إلى البراري وشرقها إلى الحبشة وغربها إلى البحر المحيط‏.‏
أرضها محترقة لتأثير الشمس فيها والحرارة بها شديدة جداً لأن الشمس لا تزال مسامتة لرؤوسهم وأهلها عراة لا يلبسون من شدة الحر منهم مسلمون ومنهم كفار‏.‏
أرضهم منبت الذهب وبها حيوانات عجيبة‏:‏ كالفيل والكركدن والزرافة‏.‏
وبها أشجار وحدثني الفقيه علي الجنحاني المغربي أنه شاهد تلك البلاد ذكر أن أهلها اتخذوا بيوتهم على الأشجار العظيمة من الأرضة وان الأرضة بها كثيرة جداً ولا يتركون شيئاً من الأثاث والطعام على وجه الأرض إلا وأفسده الارضة فجميع قماشهم وطعامهم في البيوت التي اتخذوها على أعالي الأشجار‏.‏
وذكر رحمه الله انه أول ما نزل بها نام في طرف منها فما استيقظ إلا والارضة قرضت من ثيابه ما كان يلاقي وجه الأرض‏.‏
بلاد النوبة أرض واسعة في جنوبي مصر وشرقي النيل وغربيه‏.‏
هي بلاد واسعة وأهلها أمة عظيمة نصارى بعامتهم ولهم ملك اسمه كابيل يزعمون أنه من نسل حمير قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير سبيكم النوبة‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ من لم يكن له أخ فليتخذ أخاً نوبياً‏.‏
ومن عاداتهم تعظيم الملك الذي اسمه كابيل وهو يوهم أنه لا يأكل ويدخلون الطعام عليه سراً فإن عرف ذلك أحد من الرعية قتلوه لوقته ويشرب شراباً من الذرة مقوى بالعسل ولبسه الثياب الرفيعة من الصوف والخز والديباج وحكمه نافذ في رعيته ويده مطلقة يسترق من شاء ويتصرف في أموالهم وهم يعتقدون أنه يحيي ويميت ويصح ويمرض‏.‏وجرى ذكر ملك النوبة في مجلس المهدي أمير المؤمنين فقال بعض الحاضرين إن له مع محمد بن مروان قصة عجيبة فأمر المهدي بإحضار محمد بن مروان وسأله عما جرى بينه وبين ملك النوبة فقال‏:‏ لما التقينا أبا مسلم بمصر وانهزمنا وتشتت جمعنا وقعت أنا بأرض النوبة فأحببت أن يمكنني ملكهم من المقام عنده زماناً فجاءني زائراً وهو رجل طويل أسود اللون فخرجت إليه من قبتي وسألته أن يدخلها فأبى أن يجلس إلا خارج القبة على التراب‏.‏
فسألته عن ذلك فقال‏:‏ إن الله تعالى أعطاني الملك فحق علي أن أقابله بالتواضع‏.‏
ثم قال لي‏:‏ ما بالكم تشربون النبيذ وانها محرمة في ملتكم قلت‏:‏ نحن ما نفعل ذلك وإنما يفعله بعض فساق أهل ملتنا‏!‏ فقال‏:‏ كيف لبست الديباج ولبسه حرام في ملتكم قلت‏:‏ إن الملوك الذين كانوا قبلنا وهم الأكاسرة كانوا يلبسون الديباج فتشبهنا بهم لئلا تنقص هيبتنا في غير الرعايا‏.‏
فقال‏:‏ كيف تستحلون أخذ أموال الرعايا من غير استحقاق قلت‏:‏ هذا شيء لا نفعله نحن ولا نرضى به وإنما يفعله بعض عمالنا السوء‏!‏ فأطرق وجعل يردد مع نفسه‏:‏ يفعله بعض عمالنا السوء‏!‏ ثم رفع رأسه وقال‏:‏ إن لله تعالى فيكم نعمة ما بلغت غايتها اخرج من أرضي حتى لا يدركني شؤمك‏!‏ ثم قام ووكل بي حتى ارتحلت من أرضه والله الموفق‏.‏بلدة في جنوبي المغرب بقرب البحر المحيط حدثني الفقيه علي الجنحاني أنه دخلها فوجد سور المدينة من الملح وكذلك جميع حيطانها وكذلك السواري والسقوف وكذلك الأبواب فإنها من صفائح ملحية مغطاة بشيء من جلد الحيوان كي لا يتشعب أطرافها‏.‏
وذكر أن جميع ما حول هذه المدينة من الأراضي سبخة وفيها معدن الملح والشب وإذا مات بها شيء من الحيوان يلقى في الصحراء فيصير ملحاً والملح بأرض السودان عزيز جداً والتجار يجلبونه من تغارة إلى سائر بلادهم يبتاع كل وقر بمائة دينار‏.‏
ومن العجب أن هذه المدينة أرضها سبخة جداً ومياه آبارهم عذبة وأهلها عبيد مسوفة ومسوفة قبيلة عظيمة من البربر‏.‏
وأهل تغارة في طاعة امرأة من إماء مسوفة شغلهم جمع الملح طول السنة‏.‏
يأتيهم القفل في كل سنة مرةً يبيعون الملح ويأخذون من ثمنه قدر نفقاتهم والباقي يؤدونه إلى ساداتهم من مسوفة وليس بهذه المدينة زرع ولا ضرع ومعاشهم على الملح كما ذكرنا‏.‏
تكرور مدينة في بلاد السودان عظيمة مشهورة قال الفقيه علي الجنحاني المغربي‏:‏ شاهدتها وهي مدينة عظيمة لا سور لها وأهلها مسلمون وكفار والملك فيها للمسلمين وأهلها عراة رجالهم ونساؤهم إلا أشراف المسلمين فإنهم يلبسون قميصاً طولها عشرون ذراعاً ويحمل ذيلهم معهم خدمهم للحشمة ونساء الكفار يسترن قبلهن بخرزات العقيق ينظمنها في الخيوط ويعلقنها عليهن ومن كانت نازلة الحال فخرزات من العظم‏.‏
وذكر أيضاً أن الزرافة بها كثيرة يجلبونها ويذبحونها مثل البقر والعسل والسمن والأرز بها رخيص جداً‏.‏
وبها حيوان يسمى لبطى يؤخذ من جلده المجن يبتاع كل مجن بثلاثين ديناراً وخاصيته أن الحديد لا يعمل فيه البتة‏.‏
وحكى أنه لما كان بها إذ ورد قاصد من بعض عمال الملك يقول‏:‏ قد دهمنا سواد عظيم لا نعرف ما هو‏.‏
فاستعد الملك للقتال وخرج بعساكره فإذا فيلة كثيرة جاوزت العد والحصر فجاءت حتى ترد الماء بقرب تكرور فقال الملك‏:‏ احشوها بالنبل‏.‏
فلم يكن يعمل فيها شيء من النبال وكانت تخفي خراطيمها تحت بطنها لئلا يصيبها النبل وإذا أصاب شيئاً من بدنها أمرت عليها الخرطوم ورمتها فشربت الماء ورجعت‏.‏
والله الموفق‏.‏
جابرسا مدينة بأقصى بلاد المشرق عن ابن عباس رضي الله عنه قال‏:‏ إن بأقصى المشرق مدينة اسمها جابرس أهلها من ولد ثمود وبأقصى المغرب مدينة اسمها جابلق أهلها من ولد عاد ففي كل واحد بقايا من الأمتين‏.‏
يقول اليهود‏:‏ إن أولاد موسى عليه السلام هربوا في حرب بخت نصر فسيرهم الله تعالى وأنزلهم بجابرس وهم سكان ذلك الموضع لا يصل إليهم أحد ولا يحصى عددهم‏.‏
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أسري به قال لجبريل عليه السلام‏:‏ إني أحب أن أرى القوم الذين قال الله تعالى فيهم‏:‏ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فقال جبريل عليه السلام‏:‏ بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذاهباً وست سنين راجعاً وبينك وبينهم نهر من رمل يجري كجري السهم لا يقف إلا يوم السبت لكن سل ربك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأمن جبريل عليه السلام فأوحى الله إلى جبريل أن أجب إلى ما سأل فركب البراق وخطا خطوات فإذا هو بين أظهر القوم فسلم عليهم فسألوه‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أنا النبي الامي‏!‏ فقالوا‏:‏ نعم أنت الذي بشر بك موسى عليه السلام وإن أمتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت قبورهم على باب دورهم فقلت لهم‏:‏ لم ذاك قالوا‏:‏ لنذكر الموت صباحاً ومساء وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلا وقتاً بعد وقت‏!‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما لي أرى بنيانكم مستوياً قالوا‏:‏ لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد بعضنا الهواء عن بعض‏.‏
فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما لي لا أرى فيكم سلطاناً ولا قاضياً فقالوا‏:‏ أنصف بعضنا بعضاً وأعطينا الحق من أنفسنا‏.‏
فلم نحتج إلى أحد ينصف بيننا فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما لأسواقكم خالية فقالوا‏:‏ نزرع جميعاً ونحصد جميعاً فيأخذ كل رجل منا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه‏.‏
فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون قالوا‏:‏ مات لهم ميت‏!‏ قال‏:‏ ولم يضحكون قالوا‏:‏ سروراً بأنه قبض على التوحيد‏!‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ وما لهؤلاء يبكون قالوا‏:‏ ورد لهم مولود وهم لا يدرون على أي دين يقبض‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون قالوا‏:‏ نصوم لله شهراً شكراً‏.‏
قال‏:‏ وإن ولدت لكم انثى قالوا‏:‏ نصوم لله شهرين شكراً لأن موسى عليه السلام أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجراً من الصبر على الذكر‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفتزنون قالوا‏:‏ وهل يفعل ذلك أحد إلا حصبته السماء من فوقه وخسفت به الأرض من تحته قال‏:‏ افتربون قالوا‏:‏ إنما يربي من لا يؤمن رزق الله‏!‏ قال‏:‏ أفتمرضون قالوا‏:‏ لا نذنب ولا نمرض وإنما تمرض أمتك ليكون كفارة لذنوبهم‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفلكم سباع وهوام قالوا‏:‏ نعم تمر بنا ونمر بها فلا فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شريعته فقالوا‏:‏ كيف لنا بالحج وبيننا وبينه مسافة بعيدة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس‏:‏ تطوى لهم الأرض حتى يحج من يحج منهم مع الناس‏.‏
قال‏:‏ فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أخبر من حضر من قومه وكان فيهم أبو بكر رضي الله عنه قال‏:‏ إن قوم موسى بخير فعلم الله تعالى ما في قلوبهم فأنزل‏:‏ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏.‏
فصام أبو بكر شهراً واعتق عبداً إذ لم يفضل الله أمة موسى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏






أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:06 AM

جاوة

هي بلاد على ساحل بحر الصين مما يلي بلاد الهند وفي زماننا هذا لا يصل التجار من أرض الصين إلا إلى هذه البلاد والوصول إلى ما سواها من بلاد الصين متعذر لبعد المسافة واختلاف الأديان والتجار يجلبون من هذه البلاد العود الجاوي والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والغضائر الصيني منها يجلب إلى سائر البلاد‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزاير الخالدات
ويقال لها أيضاً جزاير السعادات وانها في البحر المحيط في أقصى المغرب كان بها مقام جمع من الحكماء بنوا عليها ابتداء طول العمارات قال أبو الريحان الخوارزمي‏:‏ هي ست جزاير واغلة في البحر المحيط قريبات من مائتي فرسخ وإنما سميت بجزاير السعادات لأن غياطها أصناف الفواكه والطيب من غير غرس وعمارة وأرضها تحمل الزرع مكان العشب وأصناف الرياحين العطرة بدل الشوك‏.‏
قالوا‏:‏ في كل جزيرة صنم طوله مائة ذراع كالمنار ليهتدى بها وقيل‏:‏ إنما عملوا ذلك ليعلم أن ليس بعد ذلك مذهب فلا يتوسط البحر المحيط والله أعلم بذلك‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزيرة الرامني
في بحر الصين قال محمد بن زكرياء الرازي‏:‏ بها ناس عراة لا يفهم كلامهم لأنه مثل الصفير طول أحدهم أربعة أشبار شعورهم زغب أحمر يتسلقون على الأشجار وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها وبها من الجواهر والافاويه ما لا يحصى وبها شجر الكافور والخيزران والبقم وعروق هذا البقم دواء من سم الأفاعي وحمله شبه الخرنوب وطعمه طعم العلقم‏.‏
وقال ابن الفقيه‏:‏ بها ناس عراة رجال ونساء على أبدانهم شعور تغطي سوآتهم وهم أمة لا يحصى عددها مأكولهم ثمار الأشجار وإذا اجتاز بهم شيء من المراكب يأتونه بالسباحة مثل هبوب الريح وفي أفواههم عنبر يبيعونه بالحديد‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزيرة زانج
إنها جزيرة عظيمة في حدود الصين مما يلي بلاد الهند بها أشياء عجيبة ومملكة بسيطة وملك مطاع يقال له المهراج قال محمد بن زكرياء‏:‏ للمهراج جباية تبلغ كل يوم مائتي من ذهباً يتخذها لبنات ويرميها في الماء والماء بيت ماله وقال أيضاً‏:‏ من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور وانه عظيم جداً يظل مائة إنسان وأكثر يثقب أعلى الشجر فيسيل منه ماء الكافور عدة جرار ثم يثقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة غير أنه في داخلها فإذا أخذت ذلك منه يبست الشجرة‏.‏
وحكى ماهان بن بحر السيرافي قال‏:‏ كنت في بعض جزاير زانج فرأيت بها ورداً كثيراً أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك فأخذت ملاءة حمراء وجعلت فيها شيئاً من الورد الأزرق فلما أردت حملها رأيت ناراً في الملاءة واحترق ما فيها من الورد ولم تحترق الملاءة فسألت عنها فقالوا‏:‏ إن في هذا الورد منافع كثيرة لكن لا يمكن إخراجها من هذه الغيطة‏.‏وقال ابن الفقيه‏:‏ بهذه الجزيرة قوم على صورة البشر إلا أن أخلاقهم بالسباع أشبه يتكلم بكلام لا يفهم ويطفر من شجرة إلى شجرة‏.‏
وبها صنف من السنانير لها أجنحة كأجنحة الخفافيش من الأذن إلى الذنب وبها وعول كالبقر الجبلية ألوانها حمر منقطة ببياض وأذنابها كأذناب الظباء ولحومها حامضة وبها دابة الزباد وهي شبيهة بالهر يجلب منها الزباد وبها فارة المسك‏.‏
وبها جبل النصبان وهو جبل فيه حيات عظام تبلع البقر والجاموس ومنها ما يبلغ الفيل وبها قردة بيض كأمثال الجواميس والكباش وبها صنف آخر بيض الصدر سود الظهر‏.‏
وقال زكرياء بن محمد بن خاقان‏:‏ بجزيرة زانج ببغاء بيض وصفر وحمر يتكلم بأي لغة يكون وبها طواويس رقط وخضر وبها طير يقال له الحوارى دون الفاختة أبيض البطن أسود الجناحين أحمر الرجلين أصفر المنقار وهو أفصح من الببغاء والله الموفق للصواب‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزيرة سكسار
جزيرة بعيدة عن العمران في بحر الجنوب حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال‏:‏ رأيت رجلاً في وجهه خموش فسألته عن ذلك فقال‏:‏ خرجنا في مركب فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نقدر أن نبرح عنها فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب وسائر بدنهم كبدن الناس فسبق إلينا واحد ووقف الآخرون فساقنا إلى منازلهم فإذا فيها جماجم الناس وأسوقهم وأذرعهم فأدخلنا بيتاً فإذا فيه إنسان أصابه مثل ما أصابنا فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول فقال لنا الرجل‏:‏ إنما يطعمونكم لتسمنوا فمن سمن أكلوه قال‏:‏ فكنت أقصر في الأكل حتى لا أسمن فأكلوا الكل وتركوني وذاك الرجل لأني كنت نحيفاً والرجل كان عليلاً فقال لي الرجل‏:‏ قد حضر لهم عيد يخرجون إليه بأجمعهم ويمكثون ثلاثاً فإن أردت النجاة فانج بنفسك‏!‏ وأما أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الذهاب‏.‏
واعلم أنهم أسرع شيء طلباً وأشد اشتياقاً وأعرف بالاثر إلا من دخل تحت شجرة كذا فإنهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه‏.‏
قال‏:‏ فخرجت أسير ليلاً وأكمن النهار تحت الشجرة فلما كان اليوم الثالث رجعوا وكانوا يقصون أثري فدخلت تحت الشجرة فانقطعوا عني ورجعوا فأمنت‏.‏
حكى الرجل المخموش وقال‏:‏ بينا أنا أسير في تلك الجزيرة إذ رفعت لي أشجار كثيرة فانتهيت إليها فإذا بها من كل الفواكه وتحتها رجال كأحسن ما يكون صورة فقعدت عندهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي فبينا أنا جالس معهم إذ وضع أحدهم يده على عاتقي فإذا هو على رقبتي ولوى رجليه علي وأنهضني فجعلت أعالجه لأطرحه فخمشني في وجهي فجعلت أدور به على الأشجار وهو يقطف ثمرها يأكل ويرمي إلى أصحابه وهم يضحكون فبينا أنا أسير به في وسط الأشجار إذ أصاب عينيه عيدان الأشجار فعمي فعمدت إلى شيء من العنب وأتيت نقرة في صخرة عصرته فيها ثم أشرت إليه أن اكرع فكرع منها فتحللت رجلاه فرميت به فأثر الخموش من ذلك في وجهي‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزيرة القصار
حدث يعقوب بن إسحاق السراج قال‏:‏ رأيت رجلاً من أهل رومية قال‏:‏ خرجت في مركب فانكسر وبقيت على لوح فألقتني الريح إلى بعض الجزائر فوصلت بها إلى مدينة فيها أناس قاماتهم قدر ذراع وأكثرهم عور فاجتمع علي جماعة وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي فانتهوا بي إلى شيء مثل قفص الطير أدخلوني فيه فقمت فكسرته وصرت بينهم فآمنوني فكنت أعيش فيهم‏.‏
فإذا في بعض الأيام رأيتهم يستعدون للقتال فسألتهم عن ذلك فأومأوا إلى عدو لهم يأتيهم في هذا الوقت فلم تلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق وكان عورهم من نقر الغرانيق أعينهم فأخذت عصاً وشددت على الغرانيق فطارت ومشت فأكرموني بعد ذلك إلى أن وجدت جذعين وشددتهما بلحاء الشجر وركبتهما فرمتني الريح إلى رومية‏.‏
وقد حكى أرسطاطاليس في كتاب الحيوان تصحيح ما ذكر وقال‏:‏ إن الغرانيق تنتقل من جزيرة النساء في بحر الصين فيها نساء لا رجل معهن أصلاً وإنهن يلقحن من الريح ويلدن النساء مثلهن وقيل‏:‏ إنهن يلقحن من ثمرة شجرة عندهن يأكلن منها فيلقحن ويلدن نساء‏.‏
حكى بعض التجار أن الريح ألقته إلى هذه الجزيرة قال‏:‏ فرأيت نساء لا رجال معهن ورأيت الذهب في هذه الجزيرة مثل التراب ورأيت من الذهب قضباناً كالخيزران فهممن بقتلي فحمتني امرأة منهن وحملتني على لوح وسيبتني في البحر فألقتني الريح إلى بلاد الصين فأخبرت صاحب الصين بحال الجزيرة وما فيها من الذهب فبعث من يأتيه بخبرها فذهبوا ثلاث سنين ما وقعوا بها فرجعوا‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif جزيرة واق واق
إنها في بحر الصين وتتصل بجزائر زانج والمسير إليها بالنجوم قالوا‏:‏ إنها ألف وستمائة جزيرة وإنما سميت بهذا الاسم لأن بها شجرة لها ثمرة على صور النساء معلقات من الشجرة بشعورها وإذا أدركت يسمعمنها صوت واق واق وأهل تلك البلاد يفهمون من هذا الصوت شيئاً يتطيرون به‏.‏قال محمد بن زكرياء الرازي‏:‏ هي بلاد كثيرة الذهب حتى ان أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمصان المنسوجة من الذهب‏.‏
وحكى موسى بن المبارك السيرافي أنه دخل هذه البلاد وقد ملكتها امرأة وأنه رآها على سرير عريانةً وعلى رأسها تاج وعندها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكاراً‏.‏
جوف واد بأرض عاد كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة منها حمار بن مويلع كان له بنون خرجوا يتصيدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم فكفر حمار كفراً عظيماً وقال‏:‏ لا أعبد رباً فعل بي هذا‏!‏ ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله وكان يقتل من مر به من الناس فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل وقالوا‏:‏ أكفر من حمار‏!‏ وقالوا أيضاً‏:‏ أخلى من جوف حمار‏.‏
وقال شاعرهم‏:‏ ولشؤم البغي والغشم قديماً ما خلا جوفٌ ولم يبق حمار حرث أرض واسعة باليمن كثيرة الرياض والمياه طيبة الهواء عذبة الماء منها ذو حرث الحميري واسمه مثوب قال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ كان ذو حرث من أهل بيت الملك يعجبه سياحة البلاد فأوغل في بعض أوقاته في بلاد اليمن فهجم على أرض فيحاء كثيرة الرياض فأمر أصحابه بالنزول وقال‏:‏ يا قوم إن لهذه الأرض شأناً لما رأى من مياهها ورياضها ولم ير بها أنيساً فأوغل فيها حتى هجم على عين عظيمة نظيفة بها غاب ويكتنفها ثلاث آكام عظام فإذا على شريعتها بيت صنم من الصخر حوله من مسوك الوحش وعظامها تلال‏.‏
فبينا هو كذلك إذ أبصر شخصاً كالفحل المقرم قد تجلل بشعره وذلاذله تنوش على عطفه وبيده سيف كاللجة الخضراء فنكصت منه الخيل وأصرت بآذانها ونفضت بأبوالها فقلنا‏:‏ من أنت فأقبل يلاحظنا كالقرم الصؤوم ووثب وثبة الفهد على ادنانا فضربه ضربة فقط عجز فرسه وثنى بالفارس جزله جزلتين‏.‏
فقال القيل‏:‏ ليلحق فارسان برجالنا ليأتينا عشرون رامياً‏.‏
فلم يلبث أن أقبلت الرماة ففرقهم على الآكام الثلاث وقال‏:‏ احشوه بالنبل وان طلع عليكم فدهدهوا عليه الصخر وليحمل عليه الخيل من ورائه ففرقنا الخيل للحلمة وإنها تشمئز عنه فأقبل يدنو ويختل وكلما خالطه سهم أمر عليه ساعده وكسره في لحمه فضرب فارساً آخر فقطع فخذه بسرجه وما تحت السرج من فرسه فصاح به القيل‏:‏ ويلك‏!‏ من أنت فقال بصوت الرعد‏:‏ أنا حرث لا أراع ولا ألاع‏!‏ فمن أنت قال‏:‏ أنا مثوب قال‏:‏ إنك لهو قال‏:‏ ثم جلس وألقى سيفه وجعل ينزع النبل من بدنه فقلنا للقيل‏:‏ قد استسلم قال‏:‏ كلا لكنه اعترف دعوة فإنه ميت فقال‏:‏ عهد عليكم لتحفرنني‏!‏ فقال القيل‏:‏ آكد عهد ثم كبا لوجهه فأقبلنا إليه فإذا هو ميت فأخذنا سيفه فلم يقدر أحد منا يحمله على عنقه فأمر مثوب فحفر له اخدود ألقي فيه واتخذ مثوب تلك الأرض منزلاً وسماها حرث وسمي مثوب ذا حرث‏.‏
ووجد على أكمة صخرة مكتوب عليها‏:‏ باسمك اللهم إله من سلف ومن غبر إنك الملك الكبار الخالق الجبار ملكنا هذه المدة وحمى لنا أقطارها وأصبارها وأسرابها وحيطانها وعيونها وصيرانها إلى انتهاء عدة وانقضاء مدة ثم يظهر علينا غلام ذو الباع الرحب والمضاء العضب فيتخذها معمراً أعصراً ثم يجوز كما بدا وكل محتوم آت وكل مترقب قريب ولا بد من فقدان الموجود وخراب المعمور‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif حضرموت
ناحية باليمن مشتملة على مدينتين يقال لاحداهما شبام وللأخرى تريم وهي بقرب البحر في شرقي عدن وانها بلاد قديمة‏.‏
حكى رجل من حضرموت قال‏:‏ وجدنا بها فخاراً فيه سنبلة حنطة وامتلأ الظرف منها وكان في ذلك الوقت شيخ له خمسمائة سنة وله ولد له أربعمائة سنة وولد ولد له ثلاثمائة سنة فذهبنا إلى ابن الابن قلنا‏:‏ إنه أقرب إلى الفهم والعقل فوجدناه مقيداً لا يعرف الخير والشر‏.‏
فقلنا‏:‏ إذا كان هذا حال ولد الولد فكيف حال الأب والجد فذهبنا إلى صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلى الفهم من ولده فذهبنا إلى صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سليم العقل والفهم فسألناه عن حال ولد ولده فقال‏:‏ انه كانت له زوجة سيئة الخلق لا توافقه في شيء أصلاً فأثر فيه ضيق خلقها ودوام الغم بمقاساتها وأما ولدي فكانت له زوجة توافقه مرة وتخالفه أخرى فلهذا هو أقرب فهماً منه‏.‏
وأما أنا فلي زوجة موافقة في جميع الأمور مساعدة فلذلك سلم فهمي وعقلي‏!‏ فسألناه عن السنبلة فقال‏:‏ هذا زرع قوم من الأمم الماضية كانت ملوكهم عادلة وعلماؤهم أمناء وأغنياؤهم أسخياء وعوامتهم منصفة‏.‏
منها القاضي الحضرمي رحمه الله لما ولي القضاء أتى عليه سنتان لم يتقدم إليه خصمان فاستعفى الملك وقال‏:‏ إني آخذ معيشة القضاء ولا خصومة لأحد فالأجرة لا تحل لي‏!‏ فاستبقاه الملك وقال‏:‏ لعل الحاجة تحدث إلى أن تقدمه خصيمان فقال أحدهما‏:‏ اشتريت منه أرضاً فظهر فيها كنز قل له حتى يقبضها‏!‏ وقال الآخر‏:‏ إني بعت الأرض بما فيها والكنز له‏!‏ فقال القاضي‏:‏ هل لكما من الأولاد قالا‏:‏ نعم‏.‏
فزوج بنت البائع من ابن المشتري وجعل وبها القصر المشيد الذي ذكره الله في القرآن بناه رجل يقال له صد ابن عاد وذلك أنه لما رأى ما نزل بقوم عاد من الريح العقيم بنى قصراً لا يكون للريح عليه سلطان من شدة إحكامه وانتقل إليه هو وأهله وكان له من القوة ما كان يأخذ الشجرة بيده فيقلعها بعروقها من الأرض ويأكل من الطعام مأكول عشرين رجلاً من قومه وكان مولعاً من النساء تزوج بأكثر من سبعمائة عذراء وولد له من كل واحدة ذكر وأنثى فلما كثر أولاده طغى وبغى وكان يقعد في أعالي قصره مع نسائه لا يمر به أحد إلا قتله كائناً من كان حتى كثر قتلاه فأهلكه الله تعالى مع قومه بصيحة من السماء وبقي القصر خراباً لا يجسر أحد على دخوله لأنه ظهر فيه شجاع عظيم وكان يسمع من داخله أنين كأنين المرضى وقد أخبر الله تعالى عنهم وأمثالهم بقوله‏:‏ فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد والبئر المعطلة كانت بعدن سنذكرها إن شاء الله تعالى‏.‏
وبها قبر هود النبي عليه السلام قال كعب الأحبار‏:‏ كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان رضي الله عنه فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله فقال‏:‏ أيكم ابن عم محمد قالوا‏:‏ أي ابن عمه قال‏:‏ ذاك الذي آمن به صغيراً فأومأوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال علي‏:‏ ممن الرجل فقال‏:‏ من اليمن من بلاد حضرموت‏.‏
فقال علي‏:‏ أتعرف موضع الأراك والسدرة الحمراء التي يقطر من أوراقها ماء في حمرة الدم فقال الرجل‏:‏ كأنك سألتني عن قبر هود عليه السلام فقال علي‏:‏ عنه سألتك فحدثني فقال‏:‏ مضيت في أيام شبابي في عدة من شبان الحي نريد قبره فسرنا إلى جبل شامخ فيه كهوف ومعنا رجل عارف بقبره حتى دخلنا كهفاً فإذا نحن بحجرين عظيمين قد أطبق أحدهما على الآخر وبينهما فرجة يدخلها رجل نحيف وكنت أنا أنحفهم فدخلت بين الحجرين فسرت حتى وصلت إلى فضاء فإذا أنا بسرير عليه ميت وعليه أكفان كأنها الهواء فمسست بدنه فكان علباً وإذا هو كبير العينين مقرون الحاجبين واسع الجبهة أسيل الخد طويل اللحية وإذا عند رأسه حجر على شكر لوح عليه مكتوب‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً أنا هود بن الحلود بن عاد رسول الله إلى بني عاد بن عوض ابن سام بن نوح جئتهم بالرسالة وبقيت فيهم مدة عمري فكذبوني فأخذهم الله بالريح العقيم فلم يبق منهم أحد وسيجيء بعدي صالح بن كالوة فيكذبه قومه فتأخذهم الصيحة قال له علي رضي الله عنه‏:‏ صدقت هكذا قبر هود عليه السلام‏.‏
وبها بئر برهوت وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ان فيها أرواح الكفار والمنافقين وهي بئر عادية قديمة عميقة في فلاة عميقة في فلاة وواد مظلم‏.‏وعن علي رضي الله عنه قال‏:‏ ابغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن يأوي إليه أرواح الكفار‏.‏
وذكر الأصمعي عن رجل حضرمي انه قال‏:‏ إنا نجد من ناحية برهوت رائحة منتنة فظيعة جداً فيأتينا الخبر أن عظيماً من عظماء الكفار مات‏.‏
وحكى رجل أنه بات ليلة بوادي برهوت قال‏:‏ فكنت أسمع طول الليل يا دومه يا دومه فذكرت ذلك لبعض أهل العلم فقال‏:‏ إن الملك الموكل بأرواح الكفار اسمه دومه‏.‏
وبها ماء الخنوثة قال ابن الفقيه‏:‏ بحضرموت ماء بينها وبين النوب من شربه يصير مخنثاً‏.‏
دلان ودموران قريتان بقرب ذمار من أرض اليمن‏.‏
قالوا‏:‏ ليس بأرض اليمن أحسن وجهاً من نساء هاتين القريتين‏.‏
وقالوا‏:‏ الفواجر بهما كثيرة يقصدهما الناس من الأماكن البعيدة للفجور‏!‏ قالوا‏:‏ إن دلان ودموران كانا ملكين أخوين وكل واحد بنى قرية وسماها باسمه وكانا مشغوفين بالنساء وينافسان في الحسن والجمال والناس يجلبون من الأطراف البعيدة ذوات الجمال لهما فمن هناك أتى أهل القريتين الجمال وإلا فالجمال بأرض اليمن كالسمك على اليبس والله الموفق‏.‏
مدينة عظيمة ببلاد النوبة ممتدة على ساحل النيل طولها مسيرة ثمانين ليلة وعرضها قليل وهي منزل ملكهم كابيل وأهلها نصارى يعاقبة أرضهم محترقة لغاية الحرارة عندهم ومع شدة احتراقها ينبت الشعير والحنطة والذرة‏.‏
ولهم نخل وكرم ومقل وأراك‏.‏
وبلادهم أشبه شيء باليمن وبيوتهم أخصاص كلها وكذلك قصور ملكهم‏.‏
وأهلها عراة مؤتزرون بالجلود والنمر عندهم كثيرة يلبسون جلودها والزرافة أيضاً وهي دابة عجيبة منحنية إلى خلفها لطول يديها وقصر رجليها وعندهم صنف من الإبل صغيرة الخلق قصيرة القوائم‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif ذات الشعبين
مخلاف باليمن وقال محمد بن السائب‏:‏ حكى لنا رجل من ذي الكلاع أن سيلاً أقبل باليمن فخرق موضعاً فأبدى عن أزج فإذا فيه سرير عليه ميت عليه جباب وشي مذهبة وبين يديه محجن من ذهب في راسه ياقوتة حمراء وإذا لوح فيه مكتوب‏:‏ بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل حين لا قيل إلا الله مت زمان خرهيد وماهيد هلك فيه اثنا عشر ألف قيل وكنت آخرهم قيلاً فأتيت ذات الشعبين ليجيرني فأجفرني قالوا‏:‏ لعل كان ذلك وقت الطاعون فمات من مات لفساد الهواء فأتى حسان ذات الشعبين ليكون الهواء فيه أصح بسبب هبوبها من الشعبين فيسلم من الطاعون وما سلم‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif ذمار
مدينة ببلاد اليمن حكى أبو الربيع سليمان الزنجاني‏:‏ انه شاهد ذمار ورأى على مرحلة منها آثار عمارة قديمة قد بقي منها ستة أعمدة من رخام وفوق أربعة منها أربعة أعمدة ودونها مياه كثيرة جارية قال‏:‏ ذكر لي أهل تلك البلاد أن أحداً لا يقدر على خوض تلك المياه إلى تلك الأعمدة وما خاض أحد إلا عدم وأهل تلك البلاد متفقون على أنها عرش بلقيس‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif سبأ
مدينة كانت بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام بناها سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان كانت مدينة حصينة كثيرة الأهل طيبة الهواء عذبة الماء كثيرة الأشجار لذيذة الثمار كثيرة أنواع الحيوان وهي التي ذكرها الله تعالى‏:‏ لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ما كان يوجد بها ذباب ولا بعوض ولا شيء من الهوام كالحية والعقرب ونحوهما‏.‏وقد اجتمعت في ذلك الموضع مياه كثيرة من السيول فيمشي بين جبلين ويضيع في الصحارى وبين الجبلين مقدار فرسخين فلما كان زمان بلقيس الملكة بنت بين الجبلين سداً بالصخر والقار وترك الماء العظيم خارج السد وجعلت في السد مثاعب أعلى وأوسط وأسفل ليأخذوا من الماء كل ما احتاجوا إليه فجفت داخل السد ودام سقيها فعمرها الناس وبنوا وغرسوا وزرعوا فصارت أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها خيراً كما قال الله تعالى‏:‏ جنتان عن يمين وشمال‏.‏
وكان أهلها اخوة وبنو عم بنو حمير وبنو كهلان فبعث الله تعالى إليهم ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم فسلط الله تعالى الجرذ على سدهم‏.‏
منها عمران بن عامر وكانت سيادة اليمن لولد حمير ولولد كهلان وكان كبيرهم عمران بن عامر وكان جواداً عاقلاً وله ولأقربائه من الحدائق ما لم يكن لأحد من ولد قحطان‏.‏
وكانت عندهم كاهنة اسمها طريفة قالت لعمران‏:‏ والظلمة والضياء والأرض والسماء ليقبلن إليكم الماء كالبحر إذا طما فيدع أرضكم خلاءً يسفي عليها الصبا‏!‏ فقالوا لها‏:‏ فجعتنا بأموالنا فبيني مقالتك‏!‏ فقالت‏:‏ انطلقوا إلى رأس الوادي لتروا الجرذ العادي يجر كل صخرة صيخاد بأنياب حداد وأظفار شداد‏!‏ فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السد فإذا هم بجرذ أحمر فيقلع الحجر الذي لا يستقله رجال ويدفعه بمخاليب رجليه إلى ما يلي فلما رأى عمران ذلك علم صدق قول الكاهنة فقال لأهله‏:‏ اكتموا هذا القول من بني عمكم بني حمير لعلنا نبيع حدائقنا منهم ونرحل عن هذه الأرض ثم قال لابن أخيه حارثة‏:‏ إذا كان الغد واجتمع الناس أقول لك قولاً خالفني وإذا شتمتك ردها علي وإذا ضربتك فاضربني مثله ‏!‏ فقال‏:‏ يا عم كيف ذلك فقال عمران‏:‏ لا تخالف فإن مصلحتنا في هذا‏.‏
فلما كان الغد واجتمع عند عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيته أمر حارثة أمراً فعصاه فضربه بمخصرة كانت بيده فوثب حارثة عليه واطمه فأظهر عمران الغضب وأمر بقتل ابن أخيه فوقع في حقه الشفاعات‏.‏
فلما أمسك عن قتله حلف أن لا يقيم في أرض امتهن بها وقال وجوه قومه‏:‏ ولا نقيم بعدك يوماً‏!‏ فعرضوا ضياعهم على البيع واشتراها بنو حمير بأعلى الأثمان فارتحل عن أرض اليمن فاء السيل بعد رحيلهم بمدة يسيرة وخربت البلاد كما قال تعالى‏:‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏.‏
فتفرقوا في البلاد ويضرب بهم المثل فيقال‏:‏ تفرقوا أيادي سبا‏.‏
وكانوا عشرة أبطن‏:‏ ستة تيامنوا وهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وانمار وحمير وأربعة تشاءموا وهم عامرة وجذام ولخم وغسان وكانت هذه الواقعة بين مبعث عيسى ونبينا صلى الله عليهما وسلم‏.‏مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان في مقطع جبل درن في وسط رمل بها نهر كبير غرسوا عليه بساتين ونخيلاً مد البصر‏.‏
حدثني بعض الفقهاء من المغاربة وقد شاهدها‏:‏ ان مزارعها اثنا عشر فرسخاً من كل جانب لكن لا يزرع في كل سنة إلا خمسها ومن أراد الزيادة على ذلك منعوه وذلك لأن الريع إذا كثر لا يبقى له قيمة فلا يشتري من الظناء بشيء‏.‏
وبها أصناف العنب والتمر وأما تمرها فستة عشر صنفاً ما بين عجوة ودقل‏.‏
ولنسائها يد صناع في غزل الصوف ويعمل منه كل عجيب حسن بديع من الأزر التي تفوق القصب ويبلغ ثمن الازار ثلاثين ديناراً وأربعين كأرفع ما يكون من القصب ويتخذن من عقارات يبلغ ثمنها مثل ذلك مصبوغة بأنواع الألوان وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالاً لأنها على طريق غانة التي هي معدن الذهب ولأهلها جرأة على دخول تلك البرية مع ما ذكر من صعوبة الدخول فيها وهي في بلاد التبر يعرف منها والله الموفق‏.‏
سرنديب جزيرة في بحر هركند بأقصى بلاد الصين قال محمد بن زكرياء‏:‏ هي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً لها ثلاثة ملوك كل واحد عاص على الآخر‏.‏
ومن عاداتهم أن يأخذوا من الجاني سبعة دراهم على جنايته والمديون إذا تقاعد عن اداء الدين بعث الملك إليه من يخط حوله خطاً أي مكان وجده فلا يجسر أن يخرج من الخط حتى يقضي الدين أو يحصل رضاء الغريم‏.‏
فإن خرج من الخط بغير إذن أخذ الملك منه ثلاثة أضعاف الدين ويسلم ثلثه إلى المستحق ويأخذ الملك ثلثيه‏.‏
وإذا مات الملك يجعل في صندوق من العود والصندل ويحرق بالنار وترافقه زوجته حتى يخترقا معاً‏.‏
وبها أنواع العطر والافاويه والعود والنارجيل ودابة المسك وأنواع اليواقيت ومعدن الذهب والفضة ومغاص اللؤلؤ‏.‏
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير بقعة ضربت إليها آباط الإبل مكة ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وجزيرة سرنديب فيها نزل أبونا آدم عليه السلام بها جبل أهبط عليه آدم عليه السلام وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم عليه السلام وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر‏.‏
ويرى على هذا الجبل كل ليلة مثل البرق من غير سحاب وغيم ولا بد له كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام‏.‏
ويقال إن الياقوت الأحمر يوجد على هذه الجبال يحدره السيل منها إلى الحضيض وقطاع الماس أيضاً والبلور‏.‏
وقالوا‏:‏ أكثر أهل سرنديب مجوس وبها مسلمون أيضاً ودوابها في غاية الحسن لا تشبه دوابنا إلا بالنوع وبها كبش له عشرة قرون‏.‏
منها الشيخ الظريف سديد الدين السرنديبي ورد قزوين وأهل قزوين تبركوا به‏.‏
وكان قاضي قزوين يدخل مع الولاة في الأمور الديوانية والعوام يكرهون ذلك فربما عملوا غوغاة ونهبوا دار القاضي وخربوها فلما كن السرنديبي قزوين وتبرك القوم به كلما كرهوا من القاضي شيئاً ذهبوا إلى السرنديبي وقالوا‏:‏ قم ساعدنا على القاضي‏!‏ فإذا خرج السرنديبي تبعه ألوف فالقاضي لقي من السرنديبي التباريح‏.‏
فطلبه ذات يوم فلما دخل عليه تحرك له وانبسط معه وسأله عن حاله ثم قال‏:‏ إني أرى في هذه المدينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متروكاً ولست أرى من لا يأخذه في الله لومة لائم غيرك‏.‏
وأخرج من داره قميصاً غسل مراراً وعمامة عتيقة وأركبه على دابة وغلمان الاحتساب في خدمته وكل من سمع بهذا استحسن وصار السرنديبي محتسباً‏.‏
فإذا في بعض الأيام جاء شخص إلى السرنديبي وقال‏:‏ في موضع كذا جماعة يشربون‏.‏
فقام بأصحابه وذهب إليهم فأراق خمورهم وكسر ملاهيهم‏.‏
وكان القوم صبياناً جهالاً قاموا إليه وضربوه وضربوا أصحابه ضرباً وجيعاً فجاء السرنديبي إلى القاضي وعرفه ذلك فالقاضي ثم بعد أيام قالوا للسرنديبي‏:‏ في بستان كذا جماعة يشربون فذهب إليهم بأصحابه وأراق خمورهم وكسر ملاهيهم فقاموا وقتلوا أصحاب السرنديبي وجرحوه فعاد السرنديبي إلى بيته وأخذ القميص والعمامة وذهب إلى القاضي وقال‏:‏ اخلع هذا على غيري فإني لست أهلاً لذلك فقال القاضي‏:‏ لا تفعل يا سديد الدين ولا تمنع الثواب‏!‏ فقال له‏:‏ دع هذا الكلام أنت غرضك اني أقتل وأجرح على يد غيرك وإني قد عرفت المقصود ولا أنخدع بعد ذلك‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif سفالة
آخر مدينة تعرف بأرض الزنج بها معدن الذهب والحكاية عنها كما مر في بلاد التبر من أن التجار يحملون إليها الأمتعة ويضعونها في أرض قريبة منهم ويرجعون‏.‏
ثم ان أهل سفالة وهم سودان يأتون ويتركون ثمن كل متاع بجنبه والذهب السفالي معروف عند تجار الزنج‏.‏
وبها الحواي وهو صنف من الطير يعيد ما سمع بصوت رفيع ولفظ صحيح أصح من الببغاء ولا يبقى أكثر من سنة وبها ببغاء بيض وحمر وخضر وقال محمد بن الجهم‏:‏ رأيت قوماً يأكلون الذباب ويزعمون أنه دافع للرمد ولا يرمدون شيئاً البتة‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif سلوق
مدينة بأرض اليمن قال ابن الحايك‏:‏ كانت مدينة عظيمة ولها آثار عظيمة باقية يوجد بها قطاع الذهب والفضة والحلي وكان بها صناع الدروع المحكمة النسج قال الشاعر‏:‏ نقل السّلوقيّ المضاعف نسجه ويوقد بالصّفّاح نار الحباحب وبها الكلاب الضواري وذاك لأن الكلاب بها يسفدها الذئاب فتأتي بالكلاب السلوقية وهي أخبث الكلاب قال الشاعر‏:‏ منهم ضوارٍ من سلوق كأنّها حصنٌ تجول تجرّر الأرسانا سمهر قرية بالحبشة بها صناع الرماح السمهرية وهي أحسن الرماح قاله الصولي وقال غيره‏:‏ إن هذه القرية في جوف النيل يأتيها من أرض الهند على رأس الماء كثير من القنا يجمعها أهل هذه القرية يستوقدون رذاله ويثقفون جيده ويبيعونه وهو بأرض الحبشة معروف يحمل منها إلى سائر البلاد والله الموفق‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif سندابل
قصبة بلاد الصين ودار المملكة يشقها نهر أحد شقيه للملك والشق الآخر للعامة قال مسعر بن مهلهل‏:‏ دخلتها وهي مدينة عظيمة قطرها مسيرة يوم ولها ستون شارعاً كل شارع ينفذ إلى دار الملك ولها سور ارتفاعه تسعون ذراعاً وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرق ستين جزءاً كل جزء ينزل على باب من أبوابها تلقاه رحىً يصب إليها ثم إلى غيرها حتى يصب في الأرض‏.‏
ثم يخرج نصفه تحت السور يسقي البساتين ويدخل نصفه المدينة ويدور في الشوارع كلها وكل شارع فيه نهران‏:‏ داخل يسقيهم وخارج يخرج بفضلاتهم‏.‏
وفيها من الزروع والبقول والفواكه والخيرات وأنواع الطيب كالقرنفل والدارصيني‏.‏
وبها أنواع الجواهر كاليواقيت ونحوها والذهب الكثير‏.‏
وأهلها حسان الوجوه قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن وأبوابهم آبنوس وفيهم عبدة الأوثان والمانوية والمجوس ويقولون بالتناسخ‏.‏
ومنها خاقان ملك الصين الموصوف بالعدل والسياسة له سلسلة من ذهب أحد طرفيها خارج القصر والطرف الآخر عند مجلس الملك ليحركها المظلوم فيعلم الملك‏.‏
ومن عادته ركوب الفيل كل جمعة والظهور للناس ومن كان مظلوماً يلبس ثوباً أحمر فإذا وقعت عليه عين الملك يحضره ويسأله عن ظلامته‏.‏
ومن ولد في رعيته أو مات يكتب في ديوان الملك لئلا يخفى عليه أحد‏.‏وبها بيت عبادة عظيم فيه أصنام وتماثيل ولأهلها يد باسطة في الصناعات الدقيقة يعبدون الأوثان ولا يذبحون الحيوان ومن فعل أنكروا عليه‏.‏
ولهم آداب حسنة للرعية مع الملك وللولد مع الوالد‏:‏ فإن الوالد لا يقعد في حضور أبيه ولا يمشي إلا خلفه ولا يأكل معه‏.‏
قال ابن الفقيه‏:‏ أهل الصين يقولون بالتناسخ ويعملون بالنجوم ولهم كتب يشتغلون بها والزنا عندهم مباح ولهم غلمان وقفوهم للواطة كما أن الهند وقفوا الجواري على البد للزنا وذلك عند سفلتهم لا عند أهل التمييز‏.‏
والملك وكل بالصناع ليرفع إلى الملك جميع المعمول فما أراد من ذلك اشتراه لخزانته وإلا يباع في السوق وما فيه عيب يمزقه‏.‏
وحكي أنه ارتفع ثوب إلى الملك فاستحسنه المشايخ كلهم إلا واحداً فسئل عن عيبه فقال إن هذا الثوب عليه صورة الطاووس وقد حمل قنو موز والطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز فلو بعث الملك هذا الثوب هدية إلى بعض الملوك يقولون‏:‏ أهل الصين ما يعرفون أن الطاووس لا يقدر على حمل قنو الموز‏.‏ناحية بين عدن وعمان على ساحل البحر‏.‏
ينسب إليها العنبر الشحري لأنه يوجد في سواحلها‏.‏
وبها غياض كثيرة يوجد بها النسناس‏.‏
حكى بعض العرب قال‏:‏ قدمت الشحر فنزلت عند بعض رؤسائها وسألت عن النسناس فقال‏:‏ إنا لنصيده ونأكله وهو دابة كنصف بدن الإنسان له يد واحدة ورجل وادة وكذلك جميع الأعضاء فقلت‏:‏ أنا أحب أن أراه فقال لغلمانه‏:‏ صيدوا لنا شيئاً منه‏.‏
فلما كان من الغد جاءوا بشيء له وجه كوجه الإنسان إلا أنه نصف الوجه وله يد واحدة في صدره وكذلك رجل واحدة فلما نظر إلي قال‏:‏ أنا بالله وبك‏.‏
فقلت لهم‏:‏ خلوا عنه‏.‏
فقالوا‏:‏ لا تغتر بكلامه فإنه مأكولنا فلم أزل بهم حتى أطلقوه فمر مسرعاً كالريح‏.‏
فلما جاء الرجل الذي كنت عنده قال لغلمانه‏:‏ أما قلت لكم صيدوا لنا شيئاً فقالوا‏:‏ فعلنا لكن ضيفك خلى عنه‏.‏
فضحك وقال‏:‏ خدعك والله‏!‏ ثم أمرهم بالغدو إلى الصيد فغدوا بالكلاب وكنت معهم فصرنا إلى غيضة في آخر الليل فإذا واحد يقول‏:‏ يا أبا مجمر إن الصبح قد أسفر والليل قد أدبر والقيض قد حضر فعليك بالوزر‏.‏
فقال الآخر‏:‏ كلي ولا تراعي فأرسلوا الكلاب عليهم فرأيت أبا مجمر وقد اعتوره كلبان وهو يقول‏:‏ الويل لي ممّا به دهاني دهري من الهموم والأحزان إنّكما حين تحارباني ألفيتماني خضلاً عناني لوبي شبابي ما ملكتماني حتى تموتا أو تركتماني فالتقياه وأخذاه فلما حضر الرجل على عادته أتوا بأبي مجمر مشوياً وذكر خبر النسناس في وبار أبسط من هذا‏.‏
شعب جبل باليمن فيه بلاد وقرى يقال لأهلها الشعبيون قتل بها الشنفرى فقال تأبط شراً وهو خال الشنفرى‏:‏ إنّ بالشّعب من دون سلع لقتيلاً دمه ما يطلّ منها أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي كان عالماً ورعاً فريد دهره ولي القضاء من قبل عبد الملك بن مروان بعثه إلى الروم رسولاً فأدخلوه على الملك من باب لص حتى ينحني للدخول فيقولون‏:‏ خدم للملك فعرف الشعبي ذلك فدخله من خلفه فلما رأى صاحب الروم كمال عقله وحسن جوابه وخطابه قال له‏:‏ أمن بيت الخلافة أنت قال‏:‏ لا أنا رجل من العرب‏.‏
فكتب إلى عبد الملك‏:‏ عجبت من قوم عندهم مثل هذا الرجل وولوا غيره أمرهم‏!‏ فقال عبد الملك للشعبي‏:‏ حسدني عليك أراد أن أقتلك‏!‏ فقال الشعبي‏:‏ إنما كهر أمير المؤمنين لأنه لم يرك‏!‏ فقال‏:‏ لله درك ما عدا ما في نفسي‏.‏
وحكي أن الشعبي جلس يوماً للقضاء فاحتكم إليه زوجان وكانت المرأة من أجمل النساء فأظهرت المرأة حجتها‏.‏
فقال للزوج‏:‏ هل لك ما تدفع هذه فأنشأ يقول‏:‏ فتن الشّعبيّ لمّا رفع الطّرف إليها فتنته بدلالٍ وتخطّى حاجبيها قال للجوّار قرّب ها وقرّب شاهديها فقضى جوراً على الخص م ولم يقض عليها قال الشعبي‏:‏ دخلت على عبد الملك بن مروان فلما نظر إلي تبسم وقال‏:‏ فتن الشّعبيّ لمّا رفع الطرّف إليها ثم قال‏:‏ ما فعلت بقائل هذا قلت‏:‏ أوجعت ظهره ضرباً يا أمير المؤمنين لما هتك حرمتي‏!‏ فقال‏:‏ أحسنت والله وأجملت‏!‏ وحكي أن الشعبي دخل على قوم وهم يذكرونه بالسوء فقال‏:‏ هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ لعزّة من أعراضنا ما استحلّت توفي سنة أربع ومائة عن اثنتين وثمانين سنة‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif شمخ
قرية بأرض اليمن من عجائبها أن بها شقاً ينفذ إلى الجانب الآخر فمن لم يكن ولد رشدة لا يقدر على النفوذ فيه‏.‏
حكى رجل من مراد قال‏:‏ وليت صدقات فبينا أنا أقسمها إذ قال لي رجل‏:‏ ألا أريك عجباً قلت‏:‏ نعم‏.‏
فأدخلني شعب جبل فإذا أنا بسهم من سهام عاد كأكبر ما يكون من رماحنا مفوقاً تشبث بذروة الجبل وعليه مكتوب‏:‏ ألا هل إلى أبيات شمخٍ بذي اللوى لوى الرّمل من قبل الممات معاد بلادٌ بها كنّا وكنّا نحبّها إذ النّاس ناسٌ والبلاد بلاد ثم أخذ بيدي إلى الساحل فإذا بحجر يعلوه الماء طوراً ويظهر أخرى وعليه مكتوب‏:‏ يا ابن آدم يا عبد ربه اتق الله ولا تعجل في رزقك فإنك لن تسبق رزقك ولن ترزق ما ليس لك ومن لم يصدق فلينطح هذا الحجر حتى ينفجر‏!‏ شيلا بلدة من أواخر بلاد الصين في غاية الطيب لا يرى بها ذو عاهة من صحة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها‏.‏
أهلها أحسن الناس صورة وأقلها أمراضاً وذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام‏.‏
إذا اعتل إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله‏.‏
قال محمد بن زكرياء الرازي‏:‏ من دخلها استوطنا ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها‏.‏والله الموفق‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif صنعاء
قصبة بلاد اليمن أحسن مدنا بناء وأصحها هواء وأعذبها ماء وأطيبها تربة وأقلها أمراضاً ذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام‏.‏
إذا اعتل إنسان في غيرها ونقل إليها يبرأ وإذا اعتلت الإبل وأرعيت في مروجها تصح واللحم يبقى بها أسبوعاً لا يفسد‏.‏
بناها صنعاء بن ازال بن عنير بن عابر بن شالح شبهت بدمشق في كثرة بساتينها وتخرق مياهها وصنوف فواكهها‏.‏قال محمد بن أحمد الهمذاني‏:‏ أهل صنعاء في كل سنة يشتون مرتين ويصيفون مرتين فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحر عندهم مفرطاً فإذا نزلت أول السرطان زالت عن سمت رؤوسهم فيكون شتاء فإذا نزلت أول الميزان يعود الحر إليهم مرة ثانية فيكون صيفاً وإذا صارت إلى الجدي شتوا مرة ثانية غير أن شتاءهم قريب من الصيف في كيفية الهواء‏.‏
قال عمران بن أبي الحسن‏:‏ ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء وهو بلد بخط الاستواء بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها‏.‏
وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة قالوا‏:‏ بانيه ليشرخ ابن يحصب قال ابن الكلبي‏:‏ اتخذه على أربعة أوجه‏:‏ وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر وبنى في داخله قصراً على سبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعاً فكان ظله إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال وجعل في أعلاه مجلساً بناه بالرخام الملون وجعل سقفه رخامة واحدة وصير على كل ركن من أركانه تمثال أسد إذا هبت الريح يسمع منها زئير الأسد وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلاً كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق وفيه قال ذو جدن الهمداني‏:‏ وغمدان الذي حدّثت عنه بناه مشيّداً في رأس نيق مصابيح السّليط يلحن فيه إذا أمسى كتوماض البروق فأضحى بعد جدّته رماداً وغيّر حسنه لهب الحريق وقال أمية بن أبي الصلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها‏:‏ فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً في رأس غمدان داراً منك محلالا تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماء فصارا بعد أبوالا وذكر أن التبابعة إذا قعدوا على هذا القصر وأشعلوا شموعهم يرى ذلك على مسيرة أيام‏.‏
حكي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما أمر بهدم غمدان قالوا له‏:‏ إن الكهنة يقولون هادم غمدان مقتول‏!‏ فأمر بإعادته فقالوا له‏:‏ لو أنفقت عليه خراج الارض ما أعدته كما كان فتركه ولما خربه وجد على خشبة من أخشابها مكتوباً‏:‏ اسلم غمدان هادمك مقتول‏.‏
فهدمه عثمان بن عفان فقتل‏.‏
ووجد على حائط ايوان من مجالس تبع مكتوباً‏:‏ صبراً الدّهر نال منك فهكذا مضت الدهور فرحٌ وحزنٌ بعده لا الحزن دام ولا السّرور وبصنعاء جبل الشب وهو جبل على رأسه ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن ومن عجائب صنعاء ما ذكر أنه كان بها قبة عظيمة من جمجمة رجل‏.‏
وبها نوع البر حبتان منه في كمام ليس في شيء من البلاد غيرها وبها الورس وهو نبت له خريطة كالسمسم زرع سنة يبقى عشرين سنة‏.‏
وحكي أن أمير اليمن لما آل إلى الحبشة بنى أبرهة بن الصبا بها كنيسة لم ير الناس أحسن منها وسماها القليس وزينها بالذهب والفضة والجواهر وكتب إلى النجاشي‏:‏ إني بنيت لك كنيسة ليس لأحد مثلها من الملوك وأريد أصرف إليها حج العرب‏.‏
فسمع ذلك بعض بني مالك بن كنانة فأتاها وأحدث فيها فسأل أبرهة عنه فقالوا‏:‏ إنه من أهل البيت الذي يحج إليه العرب‏.‏
فغضب وآلى ليسيرن إلى الكعبة ويهدمنها ثم جاء بعسكره وفيلته فأرسله الله تعالى عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول‏.‏
وبها الجنة التي أقسم أصحابها لنصرمنها مصبحين وهي على أربعة فراسخ من صنعاء وكانت تلك الجنة لرجل صالح ينفق ثمراتها على عياله ويتصدق على المساكين فلما مات الرجل عزم أصحابه على أن لا يعطو للمساكين شيئاً فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فلما رأوها قالوا إنا لضالون يعني ما هذا طريق بستاننا فلما رأوا الجنة محترقة قالوا‏:‏ بل نحن محرومون‏.‏
ويسمى ذاك الوادي الضروان وهو واد ملعون حجارته تشبه أنياب الكلاب لا يقدر أحد أن يطأها ولا ينبت شيئاً ولا يستطيع طائر أن يطير فوقه فإذا قاربه مال عنه قالوا‏:‏ كانت النار تتقد فيها ثلاثمائة سنة‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif الصين
بلاد واسعة في المشرق ممتدة من الإقليم الأول إلى الثالث عرضها أكثر من طولها قالوا‏:‏ نحو ثلاثمائة مدينة في مسافة شهرين‏.‏
وانها كثيرة المياة كثيرة الأشجار كثيرة الخيرات وافرة الثمرات من أحسن بلاد الله وأنزهها وأهلها أحسن الناس صورة وأحذقهم بالصناعات الدقيقة لكنهم قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن ودينهم عبادة الأوثان‏.‏
وفيهم مانوية ومجوس ويقولون بالتناسخ ولهم بيوت العبادات‏.‏
من عجائب الصين الهيكل المدور قال المسعودي‏:‏ هذا الهيكل بأقصى بلاد الصين وله سبعة أبواب في داخله قبة عظيمة البنيان عالية السمك وفي أعلى القبة شبه جوهرة كرأس عجل يضيء منها جميع أقطار الهيكل وان جمعاً من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فما تمكنوا من ذلك فمن دنا منها قدر عشرة أذرع خر ميتاً وإن حاول أخذها بشيء من الآلات الطوال فإذا انتهت إليها هذا المقدار انعكست‏.‏
وكذلك إن رمى إليها شيئاً وإن تعرض أحد لهدم الهيكل مات وفي هذا الهيكل بئر واسعة الرأس من أكب عليها وقع في قعرها وعلى رأس البئر شبه طوق مكتوب عليه‏:‏ هذه البئر مخزن الكتب التي هي تاريخ الدنيا وعلوم السماء والأرض وما كان فيها وما يكون وفيها خزائن الأرض لكن لا يصل إليها إلا من وازن علمه علمنا فمن قدر عليه علمه كعلمنا ومن عجز فليعلم أنه دوننا في العلم‏.‏
والأرض التي عليها هذا الهيكل أرض حجرية عالية كجبل شامخ لا يرام قلعه ولا يتأتى نقبه وإذا رأى الناظر إلى تلك الهيكل والقبة والبئر وحسن بنيتها مال قلبه إليها وتأسف على فساد شيء منها‏.‏
ومن عجائب الصين ما ذكر صاحب تحفة الغرائب ان بها طاحونة يدور حجرها التحتاني والفوقاني ساكن ويخرج من تحت الحجر دقيق لا نخالة فيه ونخالة لا دقيق فيها كل واحد منهما منفرد عن الآخر‏.‏
وبها قرية عندها غدير فيه ماء في كل سنة يجتمع أهل القرية ويلقون فرساً في ذلك الغدير والناس يقفون على أطرافه كلما أراد الفرس الخروج من الماء منعوه وما دام الفرس في الماء يأتيهم المطر فإذا أمطروا قدر كفايتهم وامتلأ الغدير أخرجوا الفرس وذبحوه على قلة جبل وتركوه حتى يأكله الطير فإن لم يفعلوا ذلك في شيء من السنين لم يمطروا‏.‏وبأرض الصين الذهب الكثير والجواهر واليواقيت في جبل من جبالها وبها من الخيرات الكثيرة من الحبوب والبقول والفواكه والسكر وفي جزائرها أشجار الطيب كالقرنفل والدارصيني ونحوها قالوا‏:‏ القرنفل تأتي بها السيول من جبال شامخة لا وصول إليها وبها من الهوام والحشرات والحيات والعقارب شيء كثير ولا تظهر بالصيف لأنها ملتفة بأشجارها تأكل من ثمارها وأوراقها وتظهر في الشتاء‏.‏
ولأهل الصين يد باسطة في الصناعات الدقيقة ولا يستحسنون شيئاً من صناعات غيرهم وأي شيء رأوا أخذوا عليه عيباً ويقولون‏:‏ أهل الدنيا ما عدانا عمي إلا أهل كابل فإنهم عور‏!‏ وبالغوا في تدقيق صنعة النقوش حتى انهم يصورون الإنسان الضاحك والباكي ويفصلون بين ضحك السرور والخجالة والشماتة وإذا أراد ملكهم شيئاً من المتاع يعرضه على أرباب الخبرة ولا يتركه في خزائنه إلا إذا وافقوا على جودته‏.‏
وحكي أن صانعاً اتخذ ثوباً ديباجاً عليه صورة النابل وقعت عليها العصافير فعرضها الملك على أرباب الخبرة واستحسنوها إلا صانع واحد قال‏:‏ العصافير إذا وقعت على السنابل أمالتها وهذا المصور عملها قائمة لا ميل فيها‏.‏
فصدقه الحاضرون وتعجبوا من دقة نظره في الصنعة‏.‏ومن خواص بلاد الصين انه قلما يرى بها ذو عاهة كالأعمى والزمن ونحوهما وان الهرة لا تلد بها‏.‏
وقال محمد بن أبي عبد الله‏:‏ رأيت في غياض الصين إنساناً يصيح صياح القردة وله وبر كوبر الرد ويداه تنالان ساقيه إذا بسطهما قائماً‏.‏
ويكون على الأشجار يثب من شجرة إلى شجرة وبينهما عشرة أذرع‏.‏
وقال ابن الفقيه‏:‏ بالصين دابة المسك وهي دابة تخرج من الماء في كل سنة في وقت معلوم فيصطاد منها شي كثير وهي شديدة الشبه بالظباء فتذبح ويؤخذ الدم من سرتها وهو المسك ولا رائحة له هناك حتى يحمل إلى غيرها من الأماكن‏.‏
وبها الغضائر الصيني التي لها خواص وهي بيضاء اللون شفافة وغير شفافة لا يصل إلى بلادنا منها شيء والذي يباع في بلادنا على أنه صيني معمول بلاد الهند بمدينة يقال لها كولم والصيني أصلب منه وأصبر على النار وخزف الصين أبيض قالوا‏:‏ يترشح السم منه وخزف كولم أدكن‏.‏
وطرائف الصين كثيرة‏:‏ الفرند الفائق والحديد المصنوع الذي يقال له طاليقون يشترى بأضعافه فضة ومناديل الغمر من جلد السمندل والطواويس العجيبة والبرادين الغرة التي لا نظير لها في ظفار مدينة قرب صنعاء كان بها مسكن ملوك حمير وفيها قيل‏:‏ من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية وسببه أنه دخل رجل من العرب على ملك من ملوك حمير وهو على موضع عال فقال له الملك‏:‏ ثب فوثب الرجل من العلو فانكسرت رجله ومعنى ثب بالحميرية اقعد فقال الملك‏:‏ ليس عندنا عربية من دخل ظفار حمر‏.‏
ينسب إليها الجزع الظفاري الجيد وحكي انه مكتوب على سور ظفار على حجر منها بقلم الأوائل‏:‏ يوم شيدت ظفار قيل لمن أنت قالت‏:‏ لحمير الأخيار‏!‏ ثم سئلت بعد ذلك فقالت‏:‏ للأحبش الأشرار‏!‏ ثم سئلت بعد ذلك فقالت‏:‏ للفرس الأخيار‏!‏ ثم سئلت بعد ذلك فقالت‏:‏ لقريش التجار‏!‏ ثم سئلت بعد ذلك فقالت‏:‏ لحمير سنجار وقليلاً ما يلبث القوم فيها ثم يأتيهم البوار من أسود يلقيهم في البحر ويشعل النار في أعلى الديار‏.‏
وبها اللبان الذي لا يوجد في الدنيا إلا في جبالها وانه غلة لسلطانها وانه من شجر ينبت في تلك المواضع مسيرة ثلاثة أيام في مثلها فيأتيها أهل ظفار ويجرحون أشجارها بالسكين فيسيل منها اللبان فيجمعونه ويحملونه إلى ظفار فيأخذ السلطان قسطه ويعطيهم الباقي‏.‏كورة على ساحل بحر اليمن في شرقي هجر تشتمل على مدن كثيرة سميت بعمان بن بغان بن إبراهيم الخليل عليه السلام والبحر الذي يليه منسوب إليه يقال بحر عمان‏.‏
روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ إني لأعلم أرضاً من أرض العرب يقال لها عمان على شاطيء البحر الحجة منها أفضل أو خير من حجتين من غيرها‏.‏
وعن الحسن البصري هو المراد من قوله تعالى‏:‏ يأتين من كل فج عميق يعني من عمان وعن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان‏.‏
وأما حرها فمما يضرب به المثل‏.‏
بها اجتماع الخوارج الإباضية في زماننا هذا وليس بها من غير هذا المذهب إلا غريب وهم أتباع عبد الله بن اباض الذي ظهر في زمن مروان ابن محمد آخر بني أمية وقد قتل وكفي شره‏.‏
وحكى ابن الأثير في تاريخه‏:‏ إنه في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة خرج بعمان طائر من البحر أكبر من فيل ووقف على تل هناك وصاح بصوت عال ولسان فصيح‏:‏ قد قرب‏!‏ قد قرب‏!‏ قد قرب‏!‏ ثم غاص في البحر فعل ذلك ثلاثة أيام ثم غاب ولم ير بعد ذلك‏.‏مدينة كبيرة في جنوب بلاد المغرب متصلة ببلاد التبر يجتمع إليها التجار ومنها يدخلون بلاد التبر ولولاه لتعذر عليهم ذلك وهي أكثر بلاد الله ذهباً لأنها بقرب معدنها ومنها يحمل إلى سائر البلاد وبها من النمور شيء كثير وأكثر لباس أهلها جلد النمر‏.‏
وحكى الفقيه أبو الربيع الملتاني أن في طريق غانة من سجلماسة إليها أشجاراً عظيمة مجوفة يجتمع في تجاويفها مياه الأمطار فتبقى كالحياض والمطر في الشتاء بها كثير جداً فتبقى المياه في تجاويف تلك الأشجار إلى زمان الصيف فالسابلة يشربونها في مرورهم إلى غانة ولولا تلك المياه لتعذر عليهم المرور إليها ويتخذون أقتاب البعران من خشب الصنوبر فإن مات البعير فقتب رحله يفيء بثمنه‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif غدامس
مدينة بالمغرب في جنوبيه ضاربة في بلاد السودان يجلب منها الجلود الغدامسية وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة كأنها ثياب الخز في النعومة‏.‏
بها عين قديمة يفيض الماء منها ويقسمها أهل البلد قسمة معلومة فإن أخذ أحد زائداً غاض ماؤها وأهل المدينة لا يمكنون أحداً يأخذ زائداً خوفاً من النقصان‏.‏
وأهلها بربر مسلمون قاع برية بين عمان وحضرموت من العجائب أن التاجر يمر بها إلى عمان بسلعته ليبيعها فيسمع في تلك البرية‏:‏ فلان بن فلان معه سلعة تساوي كذا ديناراً أو درهماً‏!‏ فيدخل عمان لم يزد على ذلك شيء أصلاً والله الموفق‏.‏
قلعة الشرف قلعة حصينة باليمن قرب زبيد لا يمكن استخلاصها قهراً لأنها بين جبال لا يوصل إليها إلا في مضيق لا يسمع إلا رجلاً واحداً مسيرة يوم وبعض يوم ودونه غياض أوى إليه علي بن المهدي الحميري المستولي على زبيد سنة خمسين وخمسمائة‏.‏
والله الموفق‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif كاكدم
مدينة بأقصى المغرب جنوبي البحر متاخمة لبلاد السودان منها صناع أسلحة‏.‏
منها الرماح والدرق اللمطية من جلد حيوان يقال له اللمط لا يوجد إلا هناك وهو شبه الظباء أبيض اللون إلا أنه أعظم خلقاً يدبغ جلده في بلادهم باللبن وقشر بيض النعام سنة كاملة لا يعمل فيه الحديد أصلاً إن ضرب بالسيوف نسبت عنه وإن أصابه خدش أو بتر يبل بالماء ويمسح باليد فيزول عنه يتخذ منه الدرق والجواشن قيمة كل واحد منها ثلاثون ديناراً وحكى الفقيه علي الجنحاني‏:‏ انه مر بقرب كاكدم بل عال والناس يقولون من صعد هذا التل اختطفه الجن وعنده مدينة النحاس التي اشتهر ذكرها وسيأتي ذكرها في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
كله بلدة بأرض الهند في منتصف الطريق بين عمان والصين موقعها في المعمورة في وسط خط الاستواء إذا كان منتصف النهار لا يبقى لشيء من الأشخاص ظل البتة‏.‏
بها منابت الخيزران منها يحمل إلى سائر البلاد‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif كنام
قال عبد الله بن عمرو بن العاص‏:‏ هي أرض بين الصين والهند من عجائب الدنيا بها بطة من نحاس على عمود من نحاس أيضاً فإذا كان يوم عاشوراء نشرت البطة جناحيها ومدت رقبتها فيفيض من الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى القابل‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif كوار
ناحية من بلاد السودان جنوبي فزان بها عين الفرس قيل‏:‏ إن عقبة ابن عامر ذهب إلى كوار غازياً فنزل ببعض منازلها فأصابهم عطش حتى أشرفوا على الهلاك فقام عقبة وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فجعل فرس عقبة يبحث في الأرض حتى كشف عن صفاة فانفجر منها الماء وجعل الفرس يمصه فرأى عقبة ذلك فنادى في الناس أن احتفروا فحفروا وشربوا فسمي ذلك الماء ماء الفرس وافتتح كوار وقبض على ملكها ومن عليه وفرض عليه مالاً‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif لنجوية
جزيرة عظيمة بأرض الزنج بها سرير ملك الزنج وإليها تقصد المراكب من جميع النواحي من عجائبها كروم بها تطعم في كل سنة ثلاث مرات كلما انتهى أحدها أخرج الآخر‏.‏

http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif مأرب
كورة بين حضرموت وصنعاء لم يبق بها عامراً إلا ثلاث قرى يسمونها الدروب كل قرية منسوبة إلى قبيلة من اليمن وهم يزرعونها على الماء الذي جاء من ناحية السد يسقون أرضهم سقية واحدة ويزرعون عليه ثلاث مرات في كل عام فيكون بين زرع الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين‏.‏
وكان بها سيل العرم الذي جرى ذكره في سبأ‏.‏
ذكروا أن مياه جبالها تجتمع هناك وسيول كثيرة ولها مخرج واحد فالأوائل قد سدوا ذلك المخرج بسد محكم وجعلوا لها مثاعب يأخذون منها قدر الحاجة فاجتمعت المياه بطول الزمان وصار بحراً عظيماً خارج السد وداخله عمارات وبساتين ومزارع فسلط الله تعالى الجرذ على السد يحفره بأنيابه ويلعه بمخاليبه حتى سد الوادي الذي نحو البحر وفتح مما يلي السد فغرقت البلاد حتى لم يبق إلا ما كان على رؤوس الجبال وذهبت الحدائق والجنان والضياع والدور والقصور وجاء السيل بالرمل فطمها وهي على ذلك إلى اليوم كما أخبر الله تعالى فجعلهم الله أحاديث ومزقهم كل ممزق‏.‏
والعرم المسناة بنتها ملوك اليمن بالصخر والقار حاجزاً بين السيول والضياع ففجرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة قال الأعشى‏:‏ ففي ذلك للمؤتسي أسوةٌ ومأرب عفّى عليها العرم رخامٌ بنته لهم حميرٌ إذا ما نأى ماؤهم لم يرم فأروى الحروث وأعنابها على سعةٍ ماؤهم إن قسم فكانوا بذلكم حقبةً فمال بهم جارفٌ منهدم مذيخرة قلعة حصينة قرب عدن على قلة جبل لا سبيل للفكر إلى استخلاصها إذ لا مصير إليها إلا من طريق واحد وهو صعب جداً وفيها عين عظيمة على رأس الجبل تسقي عدة قرى‏.‏
قال الاصطخري‏:‏ أعلى هذا الجبل نحو من عشرين فرسخاً فيها مزارع ومياه كثيرة ونباتها الورس تغلب عليها محمد بن الفضل القرمطي الذي خرج من اليمن وقصته مشهورة والله الموفق‏.‏






أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:10 AM

مرباط
مدينة بين حضرموت وعمان وهي فرضة ظفار لأن ظفار مرساها غير جيد بها اللبان يحمل منها إلى سائر البلدان وهو غلة للملك‏.‏
أهلها عرب موصوفون بقلة الغيرة وذلك ان كل ليلة نساؤهم يخرجن إلى خارج المدينة ويسامرن الرجال الأجانب ويجالسنهم ويلاعبنهم إلى نصف الليل فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمه وهي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمشي إلى زوجة غيره يحادثها‏.‏
وقال صاحب معجم البلدان‏:‏ رأيت بجزيرة قيس رجلاً عاقلاً أديباً من مرباط فقلت له‏:‏ بلغني منكم حديث أنكرته‏.‏
فقال‏:‏ لعلك تقول عن السمر فقلت‏:‏ نعم أخبرني أصحيح أم لا فقال‏:‏ إنه صحيح‏!‏ وبالله أقسم إنه لقبيح ولكن على ذلك نشأنا ولو استطعنا لأزلناه ولكن لا سبيل إلى إزالته‏!‏ مسور مخلاف باليمن بها قرى كثيرة ومزارع وأودية كثيرة من خواصها العجيبة أن البر والشعير والذرة يبقى بها مدة طويلة لا يتغير وذكر أنهم ادخروا حنطة فرأوها بعد ثلاثين سنة ولم يتغير منها شيء‏.‏
مقدشو مدينة في أول بلاد الزنج في جنوبي اليمن على ساحل البحر‏.‏
وأهلها عرباء لا سلطان لهم ويدبر أمرهم المتقدمون على الاصطلاح وحكى التجار أنهم يرون بها القطب الجنوبي مقارباً لوسط السماء وسهيلاً ولا يرون القطب الشمالي البتة وانهم يرون هناك شيئاً مقدار جرم القمر شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب أبداً ولا يبرح مكانه يحمل منها الصندل والآبنوس والعنبر والعاج إلى غيرها من البلاد‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif مقرى
قرية على مرحلة من صنعاء بها معدن العقيق ونيله من أجود أنواع العقيق حكى معالجوه أنهم يجدون قطعة نحو عشرين مناً فيكسر ويلقى في الشمس عند شدة الحر ثم يسجر له التنور بأبعار الإبل ويجعلونه في شيء يكنه عن ملامسة النار فسير منه ماء يجري في مجرى وضعوه له ثم يستخرجونه لم يبق منه إلا الجوهر وما عداه صار رماداً‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif مهرة
أرض باليمن قال ابن الفقيه‏:‏ بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيمتليء منه الحياض والمصانع وإذا مرت الأشهر الحرم انقطع الماء‏.‏
منها النجائب المهرية وانها كريمة جداً ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية فطلبوا فلم يجدوا شيئاً فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة فساوموه فقال‏:‏ لا أبيعه فقالوا‏:‏ لا نغصبك ولا ندعك لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره‏!‏ فقال‏:‏ هلا خيراً من هذا قالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ معكم نجائب كرام وخيل سبق دعوني حتى أركب جملي واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن ثم قال‏:‏ تأهبوا‏.‏
فصاح في أذنه ثم أثاره‏.‏
فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه‏.‏قال الليث‏:‏ هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محال عاد فلما أهلكوا أورث الله أرضهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس‏.‏
قال أهل لاسير‏:‏ هي مسماة بوبار بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهي ما بين الشحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها‏.‏
قال أحمد بن محمد الهمذاني‏:‏ وبار كانت أكثر الأرضين خيراً وأخصبها ضياعاً وأكثرها شجراً ومياهاً وثمراً فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حق نعم الله تعالى عليهم فبدل الله تعالى خلقهم وصيرهم نسناساً لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطيء البحر كما ترى البهائم وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم‏.‏
حكى ابن الكيس النمري قال‏:‏ كنا في رفقة أضللنا الطريق فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة له نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول‏:‏ فررت من جور الشّراة شدّا إذ لم أجد من الفرار بدّا زعم العرب أن سكان أرض وبار جن ولا يدخلها إنسي أصلاً فإن دخلها غالظاً أو عامداً حثوا في وجهه التراب فإن أبى إلا الدخول خبلوه أو قتلوه أو ضل فيها ولا يعرف له خبر ولهذا قال الفرزدق‏:‏ ولقد ضللت أباك تطلب دارماً كضلال ملتمسٍ طريق وبار لا تهتدي به أبداً ولو بعثت به بسبيل واردةٍ ولا آثار منها الإبل الحوشية تزعم العرب أنها التي ضربها إبل الجن وهي إبل لم ير أحسن منها قال الشاعر‏:‏ كأني على حوشيّةٍ أو نعامةٍ لها نسبٌ في الطّير أو هي طائر حكي أن رجلاً من أهل اليمن يوماً رأى في إبله فحلاً كأنه كوكب بياضاً وحسناً فأقره فيها تى ضرب إبله فلما لقحها لم يره حتى كان العام المقبل وقد نتجت النوق أولاداً لم ير أحسن منها وهكذا في السنة الثانية والثالثة‏.‏
فلما ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار فرأى هناك أرضاً عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرةً ورأى نخلاً كثيراً حاملاً وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديماً وحديثاً بعضه على بعض ولم ير أحداً من الناس فبينا هو كذلك إذ أناه آت من الجن وقال له‏:‏ ما وقوفك ها هنا فقص عليه قصته وما كان من الإبل فقال له‏:‏ لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك‏!‏ وإياك والمعاودة فإن ذاك لفحل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها‏.‏
وأعطاه جملاً وقال‏:‏ انج بنفسك وهذا الجمل لك‏.‏
قالوا‏:‏ إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل‏.‏
ورور حصن منيع في جبال صنعاء من استولى عليه يختل دماغه يدعي نبوة أو خلافة أو سلطنة ولما استولى عليه عبد الله بن حمزة الزيدي ادعى الإمامة وأجابه خلق من اليمن زعم أنه من ولد أحمد بن الحسين بن القاسم بن إسمعيل ابن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ورواة الأنساب يقولون‏:‏ ان أحمد لم يعقب وكان ذا لسان وبلاغة وله تصانيف في مذهب الزيدية وله أشعار منها‏:‏ لا تحسبوا أنّ صنعا جلّ مأربتي ولا ذمار إذا أشمتّ حسّادي واذكر إذا شئت تشجيني وتطريبي كرّ الجياد على أبواب بغداد اليمن بلاد واسعة من عمان إلى نجران تسمى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها تزرع في السنة أربع مرات ويحصد كل زرع في ستين يوماً وتحمل أشجارهم في السنة مرتين‏.‏
وأهلها أرق الناس نفوساً وأعرفهم للحق سماهم الله تعالى الناس حيث قال‏:‏ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن‏.‏
أراد به نصرة الأوس والخزرج‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ الإيمان يمان والحكمة يمانية‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن‏:‏ الورس والكندر والخطر والعقيق‏.‏
وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضرموت وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعاً وشجراً فلما سلط الله تعالى عليهم الريح طمها بالرمل وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين كما قال تعالى‏:‏ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها‏.‏
وبها قصران من قصور عاد ولما بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن والياً بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزاً فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخاً بها آثار الآبار ورأى قصراً مبنياً بالصخر والكلس وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها‏:‏ غنينا زماناً في عراضة ذا القصر بعيشٍ رخيٍّ غير ضنكٍ ولا نزر يفيض علينا البحر بالمدّ زاخراً وأنهارنا بالماء مترعةٌ تجري خلال نخيلٍ باسقاتٍ نواضرٍ تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا وطوراً نصيد النّون من لجج البحر ونرفل في الخزّ المرقّم تارةً وفي القزّ أحياناً وفي الحلل الخضر يلينا ملوكٌ يبعدون عن الخنا شديدٌ على أهل الخيانة والغدر يقيم لنا من دين هودٍ شرائعاً ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر إذا ما عدوّ حلّ أرضاً يريدنا برزنا جميعاً بالمثقّفة السّمر نحامي على أولادنا ونسائنا على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر نقارح من يبغي علينا ويعتدي بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر ثم مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ فرأى حوله آثار الجنان والبساتين‏.‏
قال‏:‏ غنينا بهذا القصر دهراً فلم يكن لنا همّةٌ إلاّ التّلذّذ والقصف يروح علينا كلّ يومٍ هنيدةٌ من الإبل يعشو في معاطنها الطّرف وأضعاف تلك الإبل شاءٌ كأنّها من الحسن آرامٌ أو البقر القطف فعشنا بهذا القصر سبعة أحقبٍ بأطيب عيشٍ جلّ عن ذكره الوصف فجاءت سنونٌ مجدباتٌ قواحلٌ إذا ما مضى عامٌ أتى آخرٌ يقفو فظلنا كأن لم تغن في الخير لمحةٌ فماتوا ولم يبق خفٌّ ولا ظلف كذلك من لم يشكر الله لم تزل معالمه من بعد ساحته تعفو قال‏:‏ فعجبنا من ذلك ثم مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزاً فأمرنا الغواصين فغاصوا وأخرجوا جراراً من صفر مطبقة بصفر فلم نشك انه مال حتى جمعت جرار كثيرة ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال‏:‏ يا ابن آدم إلى متى تحبسنا فبينا نحن نتعجب من ذلك إذ رأينا سواداً عظيماً أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ففزعنا فزعاً فاقتحم الماء وأقبل نحونا فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلا الله‏.‏
وكانت تلك الجزيرة مأواها وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلق بسلسلة فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانية وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي‏:‏ بسم الله العظيم الأعظم‏.‏
هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين المحبسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر وجعلت لهن أماناً من جميع الجن والإنس فمن أرادهن أو عرض لهن فهو بريء مني وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة‏.‏
فأردنا أن نمضي باللوح إلى معاوية لينظر إليه فلما ولينا وقفت القردة كلها أمامنا وحاصرتنا وضجت ضجة فرددنا اللوح إليها فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة‏.‏
ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالاً على هيئة فارس‏.‏
ومياه تلك الأرض كلها ملحة فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم وقد تطفحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة قال الشاعر‏:‏ وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة قدرها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين السّافح وبها جبل الشب وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن وبها جبل شبام قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني‏:‏ إنه جبل عظيم بقرب صنعاء بينها وبينه يوم واحد وهو صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة مزارع وكروم ونخيل والطريق إليها في دار الملك وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلا الله‏.‏
ومياه هذا الجبل تنسكب إلى سد هناك فإذا امتلأ السد ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها‏.‏
وبها جبل كوكبان إنه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما‏.‏
قيل‏:‏ إنهما من بناء الجن‏.‏
وبها نهر اليمن قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها من المغرب إلى المشرق‏.‏
وبها العلس وهو نوع من الحنطة حبتان منه في كمام لا يوجد إلا باليمن وهو طعام أهل صنعاء‏.‏
وبها الورس وهو نبت له خريطة كما للسمسم ذكروا انه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة‏.‏
وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلا أنه حلو دسم لا تحمل شجرتها إلا مرة واحدة‏.‏وبها نوع من الكمثرى من أكل منها واحدة يطلق عشر مرات وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرة وإن أكل ثلاثاً يطلق ثلاثين‏.‏
ويتخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال‏.‏
ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها ويجلب منها البرود اليمانية وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولاً للتعليم‏.‏
وبها الغدار وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن يلحق الإنسان ويقع عليه فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي‏:‏ أمنكوح هو أم مذعور فإن قالوا منكوح أيسوا منه وإن كان مذعوراً سكن روعه وشجع ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه‏.‏
وحكي عن الشافعي أنه قال‏:‏ دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما يتلاطمان مرة ويصطلحان أخرى ويأكلان ويشربان‏.‏
ثم غبت عنهما سنين ورجعت فسألت عنها فقيل لي‏:‏ أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين‏!‏ توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثم قطع والجسد الآخر تراه في السوق ذاهباً وجائياً‏.‏
ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن كان من أعلم الناس بالحلال والحرام له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن وهو جدي من قبل الأم ذكر يوسف بن اسباط أن طاووساً مر بنهر سلطاني فهمت بغلته أن تشرب منه فمنعها‏.‏
وذكر بشر بن عبد الله أن طاووساً مر بالسوق فرأى رؤوساً مشوية بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة وقال إن الله تعالى يقول‏:‏ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون‏.‏
وقال منعم بن ادريس‏:‏ صلى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة‏.‏
توفي سنة ست ومائة بمكة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة‏.‏
وكان الناس يقولون‏:‏ رحم الله أبا عبد الرحمن حج أربعين حجة وصلى عليه هشام بن عبد الملك وهو خليفة حج تلك السنة‏.‏
ومنها أويس بن عامر القرني‏.‏
روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا وإن خطبوا المنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا‏.‏
قالوا‏:‏ يا رسول الله كيف لنا برجل منهم قال‏:‏ ذاك أويس القرني‏!‏ قالوا‏:‏ وما أويس القرني قال‏:‏ أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره إلى موضع سجوده واضع بيمينه على شماله يتلو القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء لو أقسم على الله لأبر قسمه‏!‏ الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء الا وانه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد‏:‏ ادخلوا الجنة وقيل لأويس‏:‏ قف واشفع‏!‏ يشفعه الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر‏.‏
يا عمرو ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما‏.‏
فكانا يطلبانه عشرين سنة فلما كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته‏:‏ يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس فقام شيخ كبير وقال‏:‏ إنا لا ندري ما أويس لكن لي ابن أخ يقال له أويس هو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك‏!‏ وإنه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا‏!‏ فقال له عمر‏:‏ إن ابن أخيك هذا عزمنا‏!‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأين يصاب قال‏:‏ بأراك عرفات‏.‏
فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فأقبلا إليه وقالا‏:‏ السلام عليك ورحمة الله وبركاته‏!‏ فرد عليهما جواب السلام‏.‏
قالا له‏:‏ من الرجل قال‏:‏ راعي إبل وأجير قوم‏!‏ قالا‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ عبد الله‏.‏
قالا‏:‏ اسمك الذي سمتك أمك به قال‏:‏ يا هذان ما تريدان إلي قالا‏:‏ وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أويساً القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا‏.‏
فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدرا يقبلانه وقالا‏:‏ نشهد أنك أويس القرني‏!‏ فاستغفر لنا يغفر الله لك‏!‏ فقال‏:‏ ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه من في البحر والبر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‏.‏
يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما قال علي‏:‏ أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب‏!‏ فاستوى أويس وقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وعليك يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً‏!‏ قالا‏:‏ وأنت جزاك الله عن نفسك خيراً‏!‏ فقال له عمر‏:‏ مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك‏.‏
فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة أما ترى علي إزاراً ورداء من صوف متى تراني أبليهما أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها يا أمير المؤمنين إن بيتي يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول‏!‏ فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم قال بأعلى صوته‏:‏ يا ليت عمر لم تلده أمه‏!‏ يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها‏!‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا فولى عمر نحو ناحية مكة وساق أويس إبله فأتى القوم بإبلهم وخلى الرعاية وأقبل على العبادة‏.‏
وحكي أن أويساً إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة وهو يقول‏:‏ إن كان لا بد فبالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني من الصلاة‏.‏
وحدث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه نادى يوم صفين رجل من أهل الشام‏:‏ أفيكم أويس القرني قلنا‏:‏ نعم‏!‏ ما تريد منه قال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أويس القرني خير التابعين بإحسان‏.‏
وعطف دابته ودخل مع أصحاب علي فنادى مناد في القوم‏:‏ أويس‏!‏ فوجد في قتلى علي كرم الله وجهه‏.‏
ومنها أبو عبد الله وهب بن منبه وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ قال‏:‏ قرأت في بعض الكتب أن منادياً ينادي من السماء الرابعة كل صباح‏:‏ أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده‏!‏ أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم‏!‏ ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا‏.‏
قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم قال منعم بن ادريس‏:‏ إن وهب بن منبه صلى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء‏.‏
مات سنة أربع عشرة ومائة‏.‏
هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأول‏.‏

الاقليم الثاني
هو حيث يكون ظل الاستواء في أوله نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدمين وثلاثة أخماس قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر سدس قدم يبتديء من المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند والسند ويمر بملتقى البحر الأخضر ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب‏.‏
ويكون أطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة وآخره ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلاً واثنتان وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل وميلان واحدى وخمسون دقيقة ومساحتها مكسراً ثلاثة آلاف الف وستمائة ألف ميل وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلاً وأربع وخمسون دقيقة وأما المدن الواقعة فيها فسنذكرها مرتبة على حروف المعجم ما انتهى خبرها إلينا والله المستعان‏.‏

الأبلق
حصن السموأل بن عاديا اليهودي الذي يضرب به مثل الوفاء والحصن يسمى الابلق الفرد لأنه كان في بنائه بياض وحمرة وهو بين الحجاز والشام على تل من تراب والآن بقي على التل آثار الأبنية القديمة بناه أبو السموأل عاديا اليهودي‏.‏
يقال‏:‏ أوفى من السموأل‏.‏
وكان من قصته أن امرأ القيس بن حجر الكندي لما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه وكان اجتيازه على الأبلق الفرد فرآها قلعة حصينة ذاهبة نحو السماء وكان معه أدراع تركها عند السموأل وديعة وذهب‏.‏
فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغساني فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع فامتنع السموأل من تسليمها إليه فظفر بابن السموأل وكان خارج الحصن يتصيد فجاء به إلى أسفل الحصن وقال‏:‏ إن دفعت الدروع إلي وإلا قتلت ابنك‏!‏ فقال السموأل‏:‏ لست أخفر ذمتي فاصنع ما شئت‏!‏ فذبحه والسموأل ينظر إليه وانصرف الملك على يأس‏!‏ فضرب العرب المثل في الوفاء‏.‏
وقال السموأل‏:‏
بنى لي عاديا حصناً حصيناً ** وماءً كلّما شئت استقيت
رفيعاً تزلق العقبان عنه ** إذا ما نابني ضيمٌ أبيت
وأوصى عاديا قدماً بأن لا ** تهدّم يا سموأل ما بنيت

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أجأ وسلمى
جبلان بأرض الحجاز وبها مسكن طيء وقراهم‏.‏
موضع نزه كثير المياه والشجر‏.‏
قيل‏:‏ أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة كانا يألفان عند امرأة اسمها معروجا فعرف زوج سلمى بحالهما فهربا منه فذهب خلفهما وقتل سلمى على جبل سلمى وأجأ على جبل أجأ ومعروجا على معروجا فسميت المواضع بهم وقال الكلبي‏:‏ كان على أجأ أنف أحمر كأنه تمثال إنسان يسمونه فلساً كان طيء يعبدونه إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء الإسلام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في مائة وخمسين من الأنصار فكسروا فلساً وهدموا بيته وأسروا بنت حاتم‏.‏
ينسب إليها أبو سليمان داود بن نصير الطائي الزاهد العابد قيل إنه سمع امرأة عند قبر تقول‏:‏ مقيمٌ إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلىً في كلّ يومٍ وليلةٍ وتبقى كما تبلى وأنت حبيب كان ذلك سبب توبته‏.‏
وقيل‏:‏ إنه ورث من أبيه أربعمائة درهم أنفها ثلاثين سنة وصام أربعين سنة ما علم أهله أنه صائم‏.‏
وكان حرازاً يأخذ أول النهار غداءه معه إلى الدكان ويتصدق به في الطريق ويرجع آخر النهار يتعشى في بيته ولا يعلم أهله أنه كان صائماً‏.‏
وكان له داية قالت‏:‏ يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز قال‏:‏ يا داية بين أكل الخبز وشرب القنيت أقرأ خمسين آية‏!‏ وقال حفص بن عمر الجعفي‏:‏ إن داود الطائي مر بآية يذكر فيها النار فكررها في ليلة مراراً فأصبح مريضاً فوجدوه مات ورأسه على لبنة سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي‏.‏
وينسب إليها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المفلق فاق على كل من كان بعده بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى قيل إنه أنشد قصيدته في مدح المعتصم‏:‏ ما في وقوفك ساعةً من باس تقضي ذمام الأربع الدّرّاس فلما انتهى إلى المديح قال‏:‏ إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ في حلم أحنف في ذكاء إياس قال بعض الحاضرين‏:‏ مه‏!‏ من هؤلاء حتى تشبه الخليفة بهم فأطرق أبو تمام هنيةً ثم رفع رأسه وقال‏:‏ لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في النّدى والباس فالله قد ضرب الأقلّ لنوره مثلاً من المشكاة والنّبراس وحكى البحتري أنه دخل على بعض الولاة ومدحه بقصيدة قرأها عليه قال‏:‏ فلما تممتها قال رجل من الحاضرين‏:‏ يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري قلت‏:‏ تعني أن هذه القصيدة لك قال‏:‏ خذها‏!‏ وجعل يعيدها إلى آخرها‏.‏
قال‏:‏ فبقيت لا أرى بعيني شيئاً واسود وجهي فقمت حتى أخرج فلما شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال‏:‏ الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي‏!‏ فسألت عنه قالوا‏:‏ هو أبو تمام الطائي‏.‏
وينسب إليها حاتم الطائي وكان جواداً شاعراً شجاعاً إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه وكان يقول لعبده يسار إذا اشتد كلب الشتاء‏:‏ أوقد فإنّ اللّيل ليلٌ قرٌّ والرّيح يا واقد ريحٌ صرّ عسى يرى نارك من يمرّ إن جاءنا ضيفٌ فأنت حرّ وقالوا‏:‏ لم يكن يمسك إلا فرسه وسلاحه‏.‏
وحكي أنه اجتاز في سفره على عترة فرأى فيهم أسيراً فاستغاث بحاتم فاشتراه من العتريين وقام مقامه في القد حتى أدى فكاكه‏.‏
ومن العجب ما ذكر أن قوماً نزلوا عند قبر حاتم وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري يقول طول ليله‏:‏ يا حفر اقر أضيافك‏!‏ فقيل له‏:‏ مهلاً ما تكلم من رمة بالية‏!‏ فقال‏:‏ إن طيئاً يزعم أنه لم ينزل به أحد إلا قراه‏!‏ فلما نام رأى في نومه كأن حاتماً جاء ونحر راحلته فلما أصبح جعل يصيح‏:‏ وا راحلتاه‏!‏ فقال أصحابه‏:‏ ما شأنها قال‏:‏ عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها‏!‏ فقالوا‏:‏ لقد قراك‏!‏ فظلوا يأكلونها واردفوه فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملاً فإذا هو عدي بن حاتم فقال‏:‏ أيكم أبو الخيبري قالوا‏:‏ هذا‏.‏
فقال‏:‏ إن أبي جاني في النوم وذكر شتمك إياه وأنه قد قرى براحلتك أصحابك وقال في ذلك أبياتاً وهي هذه‏:‏ أبا الخيبريّ وأنت امرؤ حسود العشيرة شامها لماذا عمدت إلى رمّةٍ بدوّيّةٍ صخبٍ هامها تبغي أذاها وإعسارها وحولك غوثٌ وأنعامها وإنّا لنطعم أضيافنا من الكوم بالسّيف نعتامها وأمرني ببعير لك فدونكه‏!‏ فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه‏.‏
وقال ابن دارة لما مدح عدياً‏:‏ أبوك أبو سفّانة الخير لم يزل لدن شبّ حتّى مات في الخير راغبا قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ولم يقر قبرٌ قبله قطّ راكبا ارام مدينة بأرض هند فيها هيكل فيه صنم مضطجم يسمع منه في بعض الأوقات صفير فيرى قائماً فإذا فعل ذلك كان دليلاً على الرخص والخصب في تلك السنة وإن لم يفعل يدل على الجدب والناس يمتارون من المواضع البعيدة ذكره صاحب تحفة الغرائب‏.‏

البحرين
ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر بها مغاص الدر ودره أحسن الأنواع وينتقل إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين يحمل الصدف بالدر بمجمع البحرين ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه ها هنا وإذا وصل قفل الصدف يهنيء الناس بعضهم بعضاً وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه ولهذا قال الشاعر‏:‏ ومن سكن البحرين يعظم طحاله ويعظم فيها بطنه وهو جائع وبها نوع من البسر من شرب من نبيذه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كأنه ثوب أحمر‏.‏ينسب إليها القرامطة أبو سعيد وأبو طاهر خالفوا ملة الإسلام وقتلوا الحجاج ونهبوا سلب الكعبة وخروجهم سنة خمس وسبعين ومائتين في عهد المعتمد بن المتوكل وقلعوا الحجر الأسود وأخذوه وبعث إليهم الخليفة العباس بن عمرو الغنوي في عسكر كثيف قتلوا الجميع وأسروا العباس ثم أطلقوه وحده حتى يخبر الناس بما جرى عليهم والحجر الأسود بقي عندهم سنين حتى اشتراه المطيع بالله بأربعة وعشرين ألف دينار ورده إلى مكانه‏.‏
حكي أن بعض القرامطة قال لبعض علما الإسلام‏:‏ عجبت من عقولكم‏!‏ بذلتم مالاً كثيراً في هذا الحجر فما يؤمنكم انا ما أمسكناه ورددنا إليكم غيره فقال العالم‏:‏ لنا في ذلك علامة وهي أنه يطفو على الماء ولا يرسب‏!‏ فألقمه الحجر‏.‏

بدر
موضع بين مكة والمدينة بها الواقعة المباركة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين وحضر فيها الملائكة والجن والانس والمسلمون كلهم‏.‏
وبها بئر ألقي فيها قتلى المشركين فدنا منها رسول الله عليه السلام وقال‏:‏ يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فقيل‏:‏ يا رسول الله هل يسمعون كلامنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

تبت
بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى مقدار مسافتها مسيرة شهر بها مدن وعمارات كثيرة ولها خواص عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها‏.‏
وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور فلا يزال الإنسان بها ضاحكاً فرحاً لا يعرض له الهم والحزن ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبان عام حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضاً وفي أهلها رقة طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن‏.‏
وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده‏.‏
وبها جبل السم وهو جبل من مر به يضيق نفسه فإما يموت أو يثقل لسانه‏.‏
وبها ظباء المسك وانها في صورة ظباء بلادنا إلا أن لها نابين كنابات الخنازير وسرتها مسك ولكن مسك ظباء تبت أحسن أنواع المسك لأن ظباءها ترعى النسبل وأهل تبت لا يتعرضون للمسك حتى ترميه الغزال وذلك أنه يجتمع الدم في سرتها مثل الخراج فإذا تم ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكة فإذا رأت حجراً حاداً تحك به سرتها والدم ينفجر منها والغزال تجد بذلك لذة فتحك حتى تنصب المادة كلها من السرة وتقع على ذلك الحجر وأهل تبت يتبعون مراعيها فإذا وجدوا تلك المادة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج فإنها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قل ما يقع منه بيد التجار‏.‏
وبها فارة المسك وهي دويبة تصاد وتشد سربها شداً وثيقاً فيجتمع فيها الدم ثم يذبحونها ويقورون سرتها ويدفنونها في وسط الشعير أياماً فيجمد الدم فيها فيصير مسكاً ذكياً بعدما كان نتن الرائحة وهي أحسن أنواع المسك وأعزها وأيضاً في بيوتهم جرذان سود لها رائحة المسك ولا يحصل من سرتها شيء ينتفع به‏.‏
وأهل تبت ترك من نسل يافث بن نوح عليه السلام وبها قوم من حمير من نسل من حملهم إليها في زمن التبابعة‏.‏
تكناباذ
ناحية من أعمال قندهار في جبالها حجر إذا ألقي على النار ونظر إليه شيء من الحيوان ينتفخ بدنه حتى يصير ضعف ما كان‏.‏حكى لي الأمير حسام الدين أبو المؤيد نعمان أن تلك الخاصية في المرة الأولى كراكب البحر فإنه في المرة الأولى يغشاه الدوار والغشيان وبعد ذلك لا يكون شيء من ذلك‏.‏
وقال الأمير أبو المؤيد‏:‏ حضرت عند بعض الأمراء بتلك الديار فأحضر عندنا مجمرة عليها عود فرأيت وجه من كان قاعداً عندي انتفخ وشخصت عيناه وتغير عليه الحال وتهوع فأمر أم المثوى بإزالة المجمرة متبسماً فرجع صاحبي إلى حاله‏!‏ قلت له‏:‏ ما الذي دهمك فإني رأيت منك على صفة كذا فقال لي‏:‏ وأنا أيضاً رأيت منك مثل ما رأيت مني‏!‏ فأخبرتنا أم المثوى أن هذا من خاصية هذا الحجر وأنا أردت أن أريكم شيئاً عجيباً‏.‏

جاجلى
مدينة بأرض الهند حصينة جداً على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البر‏.‏
قالوا‏:‏ ما امتنع على الإسكندر شيء من بلاد الهند إلا هذه المدينة‏.‏
قال مسعر بن المهلهل‏:‏ أهل هذه المدينة كلها من الكواكب يعظمون قلب الأسد ولهم بيت رصد وحساب ومعرفة بعلم النجوم‏.‏
وعمل الوهم في طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همتهم إليه وما زالوا به حتى حدث‏.‏حكي أن بعض ملوكهم بعث إلى بعض الأكاسرة هدايا فيها صندوقان مقفلان فلما فتحوهما كان في كل صندوق رجل قيل‏:‏ من أنتما قالا‏:‏ نحن إذا أردنا شيئاً صرفنا همتنا إليه فيكون‏.‏
فاستنكروا ذلك فقالا‏:‏ إذا كان للملك عدو لا يندفع بالسيف فنحن نصرف همتنا إليه فيموت‏!‏ فقالوا لهما‏:‏ اصرفا همتكما إلى موتكما‏.‏
قالا‏:‏ اغلقوا علينا الباب فأغلقوا ثم عادوا إليهما فوجدوهما ميتين فندموا على ذلك وعلموا أن قولهما صحيح‏.‏
وبهذه المدينة شجرة الدارصيني وهي شجر حر لا مالك له‏.‏
وأهل هذه المدينة لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون السمك ومأكولهم البر والبيض‏.‏
جزيرة برطاييل جزيرة قريبة من جزائر الزانج قال ابن الفقيه‏:‏ سكانها قوم وجوههم كالمجان المطرقة وشعورهم كأذناب البراذين وبها الكركدن وبها جبال يسمع منها بالليل صوت الطبل والدف والصياح المزعجة والبحريون يقولون‏:‏ إن الدجال فيها ومنها يخرج‏.‏
وبها القرنفل ومنها يجلب وذلك أن التجار ينزلون عليها ويضعون بضائعهم وأمتعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم ويلبثون فيها فإذا أصبحوا ذهبوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كل شيء من البضاعة شيئاً من القرنفل فإن رضيه أخذه وترك البضاعة وإن أخذوا البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يردوا أحدهما إلى مكانه وإن طلب أحدهم الزيادة فترك البضاعة فترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه‏.‏
وحكى بعض التجار أنه صعد هذه الجزيرة فرأى فيها قوماً مرداً وجوههم كوجوه الأتراك وآذانهم مخرمة ولهم شعورهم على زي النسا فغابوا عن بصره ثم إن التجار بعد ذلك أقاموا يترددون إليها ويتركون البضائع على الساحل فلم يخرج إليهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه‏.‏
ولباس هذا القوم ورق شجر يقال له اللوف يأكلون ثمرتها ويلبسون ورقها‏.‏
ويأكلون حيواناً يشبه السرطان وهذا الحيوان إذا أخرج إلى البر صار حجراً صلداً وهو مشهور يدخل في الاكحال ويأكلون السمك والموز والنارجيل والقرنفل وهذا القرنفل من أكله رطباً لا يهرم ولا يشيب شعره‏.‏

جزيرة
جابة جزيرة في بحر الهند فيها قوم شقر وجوههم على صدورهم‏.‏
وبها جبل عليه نار عظيمة بالليل ودخان عظيم بالنهار ولا يقدر أحد على الدنو منه وبها العود والنارجيل والموز وقصب السكر‏.‏

جزيرة سقطرى
جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى توازي عدن يجلب منها الصبر ودم الأخوين أما الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلا في هذه الجزيرة وكان أرسطاطاليس كاتب الإسكندر يوصيه في أمر هذه الجزيرة لأجل هذا الصبر الذي فيه منافع كثيرة سيما في الايارجات فأرسل الإسكندر جمعاً من اليونانيتين إلى هذه الجزيرة فغلبوا من كان فيها من الهند وسكنوها‏.‏
فلما مات الإسكندر وظهر المسيح عليه السلام تنصروا وبقوا على التنصر إلى هذا الوقت وهم نسل الحكماء اليونانيين وليس في الدنيا والله أعلم قوم من نسل اليونانيتين يحفظون أنسابهم غير أولئك ولا يداخلون فيها غيرهم‏.‏
وطول هذه الجزيرة نحو ثمانين فرسخاً وفيها عشرة آلاف مقاتل نصارى‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif جزيرة السلامط
جزيرة في بحر الهند يجلب منها الصندل والسنبل والكافور‏.‏
وبها مدن وقرى وزروع وثمار وفي بحرها سمكة إذا أدركت ثمار أشجار هذه الجزيرة تصعد السمكة أشجارها وتمص ثمارها مصاً ثم تسقط كالسكران فيأتي الناس يأخذونها‏.‏
وحكى صاحب تحفة الغرائب‏:‏ أن بهذه الجزيرة عيناً فوارة يفور الماء منها وينزل في ثقبة بقربها فما يبقى من الرشاشات على أطرافها ينعقد حجراً صلداً فما كان من الرشاشات في اليوم يصير حجراً أبيض وما كان في الليل يصير حجراً أسود‏.‏

جزيرة سيلان
جزيرة عظيمة بين الصين والهند‏.‏
دورتها ثمانمائة فرسخ وسرنديب داخل فيها وبها قرى ومدن كثيرة وعدة ملوك لا يدين بعضهم لبعض والبحر عندها يسمى شلاهط ويجلب منها الأشياء العجيبة‏.‏
وبها الصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم وسائر العقاقير وقد يوجد من العقاقير ما لا يوجد في غيرها وقيل‏:‏ بها معادن الجواهر وانها جزيرة كثيرة الخير‏.‏
جزيرة الشجاع
جزيرة عامرة واسعة بها قرى ومدن وجبال وأشجار ولبلدانها أسوار عالية ظهر فيها شجاع عظيم يتلف مواشيهم وكان الناس منه في شدة شديدة فجعلوا له كل يوم ثورين وظيفة ينصبونهما قريباً من موضعه وهو يقبل كالسحاب الأسود وعيناه تقدان كالبرق الخاطف والنار تخرج من فيه فيبلع الثورين ويرجع إلى مكانه وإن لم يفعلوا ذلك قصد بلادهم وأتلف من الناس والمواشي والمال ما شاء الله فشكا أهل هذه الجزيرة إلى الإسكندر فأمر بإحضار ثورين وسلخهما وحشا جلدهما زفتاً وكبريتاً وكلساً وزرنيخاً وكلاليب حديد وجعلهما مكان الثورين على العادة فجاء الشجاع وابتلعهما واضطرم الكلس في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه فرأوه ميتاً فاتحاً فاه ففرح الناس بموته‏.‏

جزيرة القصر
في بحر الهند ذكروا أن فيها قصراً أبيض يتراءى للمراكب فإذا رأوا ذلك تباشروا بالسلامة والربح‏.‏
قيل‏:‏ إنه قصر شاهق لا يدرى ما في داخله وقيل‏:‏ فيها أموات وعظام كثيرة وقيل‏:‏ إن بعض ملوك العجم سار إليها فدخل القصر بأتباعه فوقع عليهم النوم وخدرت أجسامهم فبادر بعضهم إلى المراكب وهلك الباقون‏.‏
وحكي أن ذا القرنين رأى في بعض الجزائر أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب وأنيابهم خارجة من فيهم‏.‏
خرجوا إلى مراكب ذي القرنين وحاربوها فرأى نوراً ساطعاً فإذا هو قصر مبني من البلور الصافي وهؤلاء يخرجون منه فأراد النزول عليه فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي وعرفه ان من دخل هذا القصر يقع عليه النوم والغشي ولا يستطيع الخروج فيظفر به هؤلاء والبحر لا تحصى عجائبه‏.‏

الحجاز
حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر قاعدتها مكة حرسها الله تعالى لا يستوطنها مشرك ولا ذمي كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية كل سنة فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيام ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا‏.‏
وكانت العرب إذا أرادت الحج أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحج والعرب اجتمعوا في هذه المواسم فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا‏.‏
عن ابن عباس رضي الله عنه ان وفد اياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏ أيكم يعرف قس بن ساعدة قالوا‏:‏ كلنا نعرفه‏.‏
قال‏:‏ ما فعل قالوا‏:‏ هلك‏!‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول‏:‏ أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبراً‏:‏ سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور‏.‏
ويقسم قس قسماً ان لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا‏!‏ ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ثم قال‏:‏ أيكم يروي شعره فقال أبو بكر‏:‏ أنا أحفظه يا رسول الله فقال‏:‏ هات فأنشد‏:‏ في الذّاهبين الأوّلين من القرون لنا بصائر لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر قال ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ذكر قس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ رحم الله قساً إني لأرجو أن يأتي أمة واحدة‏.‏
حكى رجل من ثقيف انه رأى بسوق عكاظ رجلاً قصير القامة على بعير في حجم شاة وهو يقول‏:‏ أيها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعاً وتسعين ناقة ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤديها إلى حماله صبار قال‏:‏ فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره‏.‏
فلما رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا‏.‏
ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء سوى أهل مكة فإن الله كفاهم ذلك‏.‏
وبها أشجار عجيبة كالدوم وهو شجر المقل قيل‏:‏ إنها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام قالوا‏:‏ هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع‏.‏
وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ويسمى جبل الحديد إما لصلابة حجره أو لأنه معدن الحديد‏.‏
أسرت بجيلة تأبط شراً فاحتال عليهم حيلة عجيبة وذاك أن تأبط شراً وعمرو بن براق والشنفرى خرجوا يرون بجيلة فبدرت بهم بجيلة فابتدر ستة عشر غلاماً من سرعانهم وقعدوا على ما لهم وأنذر تأبط شراً بخروج القوم لطلبة فشاور صاحبيه فرجعوا إلى قلة هذا الجبل وإنه شاهق مشمخر وأقاموا حتى يضجر القوم وينصرفوا فلما كان اليوم الثالث قالا لتأبط شراً‏:‏ رد بنا وإلا هلكنا عطشاً‏!‏ فقال لهما‏:‏ البثا هذا اليوم فما للقوم بعد اليوم مقام‏.‏
فأبيا وقالا له‏:‏ هلكنا فرد بنا وفينا بقية‏.‏
قال‏:‏ هبطا‏.‏
فلما قربوا من الماء أصغى تأبط شراً وقال لصاحبيه‏:‏ إني لأونس وحبيب قلوب الرصد على الماء‏!‏ قالا‏:‏ وجيب قلبك يا تأبط‏!‏ قال‏:‏ كلا ما وجب وما كان وجاباً ولكن رد يا عمرو واستنقض الموضع وعد إلينا‏.‏
فورد وصدر ولم ير أحداً فقال‏:‏ ما على الماء أحد‏.‏
فقال تأبط شراً‏.‏
بلى ولكنك غير مطلوب‏.‏
ثم قال‏:‏ رد يا شنفرى واستنقض الموضع وعد‏.‏
فورد الشنفرى وشرب وصدر وقال‏:‏ ما رأيت على الماء أحداً‏.‏
قال تأبط شراً‏:‏ بلى ما يريد القوم غيري‏!‏ فسر يا شنفرى حتى تكون من خلفهم بحيث لا يرونك وأنت تراهم فإني سأرد فأؤخذ وأكون في أيديهم فابدلهم يا عمرو حتى يطمعوا فيك فإذا اشتدوا عليك ليأخذوك وبعدوا عني فابدر يا شنفرى حل عني وموعدنا قلة جبل الحديد حيث كنا وورد تأبط شراً وشرب الماء فوثب عليه القوم وأخذوه وشدوا وثاقه فقال تأبط شراً‏:‏ يا بجيلة إنكم لكرام فهل لكم أن تمنوا علي بالفداء وعمرو بن براق فتى فهم وجميلها على أن تأسرونا أسر الفداء وتؤمنونا من القتل ونحن نحالفكم ونكون معكم على أعدائكم وينشر هذا من كرمكم بين أحياء العرب قالوا‏:‏ أين عمرو قال‏:‏ ها هو معي قد أخره الظمأ فلم يلبث حتى أشرف عمرو في الليل فصاح به تأبط شراً‏:‏ يا عمرو إنك لمجهود فهل لك أن تمكن من نفسك قوماً كراماً يمنون عليك بالفداء قال عمرو‏:‏ أما دون أن أجرب نفسي فلا‏.‏
ثم عدا فلا ينبعث فقال تأبط شراً‏:‏ يا بجيلة دونكم الرجل فإنه لا بصر له على السعي وله ثلاث لم يطعم شيئاً‏!‏ فعدوا في أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتى أبعدهم وخرج الشنفرى وحل تأبط شراً وخرجا يعدوان ويصيحان‏:‏ يعاط يعاط‏!‏ وهي شعار تأبط شراً فسمع عمرو أنه نجا واستمر عدواً وفات أبصارهم واجتمعوا على قلة الجبل ونجوا ثم عادوا إلى قومهم فقال تأبط شراً في تلك العدوة‏:‏ يا طول ليلك من همٍّ وإبراق ومرّ طيف على الأهوال طرّاق تسري على الأين والحبّاب مختفياً أحبب بذلك من سارٍ على ساق لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندمٍ إذا تذكّرن مني بعض أخلاق نجوت فيها نجاتي من بجيلة إذ رفعت للقوم يوم الرّوع أرفاقي لمّا تنادوا فأغروا بي سراعهم بالعيلتين لدى عمرو بن برّاق لا شيء أسرع مني ليس ذا عذرٍ ولا جناح دوين الجوّ خفّاق أو ذي حيودٍ من الأروى بشاهقةٍ وأمّ خشفٍ لدى شثٍّ وطبّاق وقلّةٍ كشباة الرّمح باسقةٍ ضحيانةٍ في شهور الصّيف مخراق بادرت قلتّها صحبي وقد لعبوا حتى نميت إليها قبل إشراق ولا أقول إذا ما خلّةٌ صرمت‏:‏ يا ويح نفسي من جهدي وإشفاقي‏!‏ لكنّما عولي إن كنت ذا عولٍ على ضروبٍ بحدّ السّيف سبّاق سبّاق عاديةٍ فكّاك عانيةٍ قطّاع أوديةٍ جوّاب آفاق‏!‏ وبها جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر وبه مياه وأشجار كثيرة زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم به وهو حي بين يدي أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهو المهدي المنتظر وإنما عوقب بهذا الحبس لخروجه على عبد الملك بن مروان وقلبه على يزيد بن معاوية وكان السيد الحميري على هذا المذهب ويقول في أبيات‏:‏ ألا قل للوصيّ‏:‏ فدتك نفسي‏!‏ أطلت بذلك الجبل المقاما ومن جبل رضوى يقطع حجر المسن ويحمل إلى البلاد‏.‏
وبها جبل السراة قال الحازمي‏:‏ إنها حاجزة بين تهامة واليمن وهي عظيمة الطول والعرض والامتداد ولهذا قال الشاعر‏:‏ قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أفصح الناس أهل السروات أولها هذيل ثم بجيلة ثم الأزد أزد شنوءة‏.‏
وإنها كثيرة الأهل والعيون والأنهار والأشجار وبأسفلها أودية تنصب إلى البحر وكل هذه الجبال تنبت القرظ وفيها الأعناب وقصب السكر والاسحل وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد‏.‏
وبها جبل قنا وهو جبل عظيم شامخ سكانه بنو مرة من فزارة وحظ صاحبة قنا مشهور قال الشاعر‏:‏
أصبت ببرّةٍ خيراً كثيراً ** كأخت قنا به من شعر شاعر
وهو ما ذكر أن نصيباً الشاعر اجتاز بقنا ووقف على باب يستسقي فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء وسقته وقالت له‏:‏ شبب بي‏!‏ فقال لها‏:‏ ما اسمك قالت‏:‏ هند‏.‏
فأنشأ يقول‏:‏
أحبّ قناً من حبّ هندٍ ولم أكن ** أبالي أقرباً زاده الله أم بعدا
أروني قناً أنظر إليه فإنّني ** أحبّ قناً إنّي رأيت به هندا‏!‏
فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيراً بسبب شعر نصيب‏.‏
وبها جبل يسوم في بلاد هذيل قرب مكة لا يكاد أحد يرتقيه ولا ينبت غير النبع والشوحط تأوي إليه قرود تفسد قصب السكر في جبال السراة وأهل جبال السراة من تلك القرود في بلاء وفي الأمثال‏:‏ الله أعلم بمن حطها عن رأس يسوم قيل‏:‏ إن رجلاً نذر ذبح شاة فمر بيسوم فرأى فيه راعياً فاشترى منه شاةً وأنزلها من الجبل وأمر الراعي بذبحها وتفريقها عنه وولى‏.‏
فقيل له‏:‏ إن الراعي يذبحها لنفسه‏!‏ فقال‏:‏ الله اعلم بمن حطها عن رأس يسوم‏.‏
وبها عين ضارج عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه‏.‏
حدث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوماً من اليمن أقبلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثاً لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له وكان بعضهم ينشد‏:‏ ولما رأت أن الشّريعة همّها وأنّ البياض من فرائصها دامي تيمّمت العين التي عند ضارجٍ يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي فقال الراكب‏:‏ من قائل هذا الشعر قالوا‏:‏ امرؤ القيس‏.‏
قال‏:‏ والله ما كذب‏!‏ هذا ضارج وأشار إليه فحثوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا ريهم وحملوا ما اكتفوا فلما أتوا رسول الله قالوا‏:‏ يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امريء القيس وأنشدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار‏.‏وبها عين المشقق‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif المشقق
اسم واد بالحجاز وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك‏:‏ من سبقنا الليلة إليه فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه‏.‏
فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه النبي عليه السلام لم ير فيه شيئاً فقال‏:‏ أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئاً ثم تزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة ودعا بما شاء أن يدعو ربه فانخرق من الماء ما سمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لئن بقيتم أو بقي أحد منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخضر ما بين يديه وما خلفه وكان كما قال صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحجر ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام قال الاصطخري‏:‏ هي قرية من وادي القرى على يوم بين جبال بها كانت منازل ثمود الذين قال الله تعالى فيهم‏:‏ وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين‏.‏
قال‏:‏ رأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في جبال تسمى الاثالث وهي جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنها متصلة فإذا توسطها رأى كل قطعة منها منفردة بنفسها يطوف بكل قطعة منها الطائف بها بئر ثمود التي كان شربها بين القوم وبين الناقة ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتى على منازل ثمود وأرى أصحابه الفج الذي كانت الناقة منه ترد الماء وأراهم ملتقى الفصيل في الجبل وقال عليه السلام لأصحابه‏:‏ لا يدخلن أحدكم القرية ولا يشربن من مائها ولا يتوضأ منه وما كان من عجين فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ولا يخرج الليلة أحد إلا مع صاحبه‏.‏
ففعل الناس ذلك إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لطلب بعير له والآخر لقضاء حاجته فالذي خرج لحاجته أصابه جنون والذي خرج لطلب البعير احتملته الريح فأخبر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألم أنهكم أن يخرج أحد إلا مع صاحبه فدعا لمن أصابه جنون فشفي وأما الذي احتملته الريح فأهدته طيء إلى رسول الله عليه السلام بعد عوده إلى المدينة‏.‏
فأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله تعالى فأرسل سحابة فأمطرت حتى روي الناس‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:12 AM

خط
قرية باليمن يقال لها خط هجر تنسب إليها الرماح الخطية وهي أحسن أنواع خفةً وصلابةً وتثقيفاً تحمل إليها من بلاد الهند والصناع بها يثقفونها أحسن التثقيف‏.‏
خيبر حصون على ثمانية برد من المدينة لمن أراد الشام ذات مزارع ونخيل كثيرة وهي موصوفة بكثرة الحمى ولا تفارق الحمى أهلها‏.‏
وكان أهلها يهوداً يزعمون ان من أراد دخول خيبر على بابها يقف على أربعه وينهق نهيق الحمار عشر مرات لا تضره حمى خيبر ويسمى ذلك تعشيراً والمعنى فيه أن الحمى ولوع بالناس واني حمار‏.‏
وحكى الهيثم بن عدي ان عروة الصعاليك وأصحابه قصدوا خيبر يمتارون بها فلما وصلوا إلى بابها عشروا خوفاً من وباء خيبر وأبى عروة الصعاليك أن يعشر وقال‏:‏ وقالوا‏:‏ أجب وانهق لا يضرّك خيبرٌ وذلك من دين اليهود ولوع لعمري إن عشّرت من خشية الرّدى نهاق الحمير إنّني لجزوع فكيف وقد ذكيّت واشتدّ جانبي سليمى وعندي سامعٌ ومطيع لسانٌ وسيفٌ صارمٌ وحفيظةٌ وراءٌ كآراء الرّجال صروع وحكي ان اعرابياً قدم خيبر بعيال كثير فقال‏:‏ قلت لحمّى خيبرٍ استعدّي هناك عيالي فاجهدي وجدّي وباكري بصالبٍ وورد أعانك الله على ذا الجند فحم ومات وبقي عياله‏.‏

رحا
بطان موضع بالحجاز زعم تأبط شراً انه لقي الغول هناك ليلاً وجرى بينه وبينها محاربة وفي الأخير قتلها وحمل رأسها إلى الحي وعرضها عليهم حتى عرفوا شدة جأشه وقوة جنانه وهو يقول‏:‏ ألا من مبلغٌ فتيان فهمٍ بما لاقيت عند رحا بطان فإني قد لقيت الغول تهوي بسهبٍ كالصّحيفة صحصحان فقلت لها‏:‏ كلانا نضو دهرٍ أخو سفرٍ فخلّي لي مكاني فشدّت شدّةً نحوي فأهوى لها كفّي بمصقولٍ يمان فأضربها بلا دهشٍ فخرّت صريعاً لليدين وللجران فلم أنفكّ متّكئاً لديها لأنظر مصبحاً ماذا أتاني إذا عينان في رأسٍ قبيحٍ كرأس الهرّ مشقوق اللّسان وساقا مخدجٍ وشواة كلبٍ وثوبٌ من عباءٍ أو شنان زغر قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاة أيام في طرف البحيرة المنتنة وزغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميت باسمها وهي في واد وخم ردي في أشأم بقعة يسكنها أهلها بحب الوطن ويهيج بهم الوباء في بعض الأعوام فيفني جلهم‏.‏
بها عين زغر وهي العين التي ذكر أنها تغور في آخر الزمان وغورها من اشراط الساعة جاء ذكرها في حديث الجساسة قال البشاري‏:‏ زغر قتالة للغرباء من أبطأ عليه ملك الموت فليرحل إليها فإنه يجده بها قاعداً بالرصد وأهلها سودان غلاظ ماؤها حميم وهواؤها جحيم إلا أنها البصرة الصغرى والمتجر المربح وهي من بقية مدائن قوم لوط وإنما نجت لأن أهلها لم يكونوا آتين بالفاحشة‏.‏

زويلة
مدينة بإفريقية غير مسورة في أول حدود السودان ولأهلها خاصية عجيبة في معرفة آثار القدم ليس لغيرهم تلك الخاصية حتى يعرفون أثر قدم الغريب والبلدي والرجل والمرأة واللص والعبد الآبق والأمة والذي يتولى احتراس المدينة يعمد إلى دابة يشد عليها حزمة من جرائد النخل بحيث ينال سعفه الأرض ثم يدور به حول المدينة فإذا أصبح ركب ودار حول المدينة فإن رأى أثراً خارجاً تبعه حتى أدركه أينما توجه‏.‏
وقد بنى عبد الله المهدي جد خلفاء مصر إلى جانب زويلة مدينة أخرى سماها المهدية بينهما غلوة سهم‏.‏
كان يسكن هو وأهله بالمهدية وأسكن العامة في زويلة وكانت دكاكينهم وأموالهم بالمهدية وبزويلة مساكنهم فكانوا يدخلون بالنهار زويلة للمعيشة ويخرجون بالليل إلى أهاليهم فقيل للمهدي‏:‏ إن رعيتك في هذا في عناء‏!‏ فقال‏:‏ لكن أنا في راحة لأني بالليل أفرق بينهم وبين أموالهم وبالنهار أفرق بينهم وبين أهاليهم فآمن غائلتهم بالليل والنهار‏!‏ السند ناحية بين الهند وكرمان وسجستان قالوا‏:‏ السند والهند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام‏.‏بها بيت الذهب قال مسعر بن مهلهل‏:‏ مشيت إلى بيت الذهب المشهور بها فإذا هو من ذهب في صحراء يكون أربعة فراسخ لا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها وفي هذا البيت ترصد الكواكب وهو بيت تعظمه الهند والمجوس وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت نبي المجوس ويقول أهل تلك الناحية‏:‏ متى يخرج منه إنسان يطلب دولة لم يغلب ولا يهزم له عسكر حيث أراد‏.‏
وحكي أن الإسكندر لما فتح تلك البلاد ودخل هذا البيت أعجبه فكتب إلى أرسطاطاليس وأطنب في وصف قبة هذا البيت فأجابه أرسطو‏:‏ إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك وما زينت به من الكواكب وأنوال الليل والنهار‏!‏ وسأل عثمان بن عفان عبد الله بن عامر عن السند فقال‏:‏ ماؤها وشل وتمرها دقل ولصها بطل‏!‏ إن قل الجيش بها ضاعوا وإن كثروا جاعوا‏!‏ فترك عثمان غزوها‏.‏
وبها نهر مهران وهو نهر عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذاً إلى الجنوب متوجهاً نحو المغرب ويقع في بحر فارس أسفل السند قال الاصطخري‏:‏ نهر مهران يخرج من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ثم يظهر بناحية ملتان على حد سمندور ثم على المنصورة ثم يقع في البحر شرقي الديبل وهو نهر كبير عذب جداً وان فيه تماسيح كما في نيل مصر وقيل‏:‏ إن تماسيح نهر السند أصغر حجماً وأقل فساداً‏.‏
وجري نهر السند كجري نهر النيل يرتفع على وجه الأرض ثم ينصب فيزرع عليه كما يزرع بأرض مصر على النيل‏.‏

سومناة
بلدة مشهورة من بلاد الهند على ساحل البحر بحيث تغلبه أمواجه‏.‏
كان من عجائبها هيكل فيه صنم اسمه سومناة وكان الصنم واقفاً في وسط هذا البيت لا بقائمة من أسفله تدعمه ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه وكان أمر هذا الصنم عظيماً عند الهند من رآه واقفاً في الهواء تعجب مسلماً كان أو كافراً وكانت الهند يحجون إليه كل ليلة خسوف يجتمع عنده ما يزيد على مائة ألف إنسان وتزعم الهند أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه وهو ينشئها في من شاء كما هو مذهب أهل التناسخ وان المد والجزر عبادة البحر له‏.‏
وكانوا يحملون إليه من الهدايا كل شيء نفيس وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية‏.‏
ولهم نهر يعظمونه بينه وبين سومناة مائتا فرسخ يحمل ماؤها إلى سومناة كل يوم ويغسل به البيت وكانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته وخدمة الوفود وخمسمائة أمة يغنين ويرقصن على باب الصنم وكل هؤلاء كانت أرزاقهم من أوقاف الصنم وأما البيت فكان مبنياً على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وكانت قبة الصنم مظلمة وضوءها كان من قناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب وزنها مائتا من كلما مضت طائفة من الليل حركت السلسلة فتصوت الأجراس فتقوم طائفة من البراهمة للعبادة‏.‏
حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين لما غزا بلاد الهند سعى سعياً بليغاً في فتح سومناة وتخريبها طمعاً بدخول الهند في الإسلام فوصل إليها منتصف ذي القعدة سنة ست عشرة وأربعمائة فقاتل الهنود عليها أشد القتال وكان الهند يدخلون على سومناة ويبكون ويتضرعون ثم يخرجون إلى القتال فقوتلوا حتى استوعبهم الفناء وزاد عدد القتلى على خمسين ألفاً فرأى السلطان ذلك الصنم وأعجبه أمره وأمر بنهب سلبه وأخذ خزانته فوجدوا أصناماً كثيرة من الذهب والفضة وستوراً مرصعة بالجواهر كل واحد منها بعث عظيم من عظماء الهند‏.‏
وكانت قيمة ما في بيوت الأصنام أكثر من عشرين ألف دينار‏.‏
ثم قال السلطان لأصحابه‏:‏ ماذا تقولون في أمر هذا الصنم ووقوفه في الهواء بلا عماد وعلاقة فقال بعضهم‏:‏ إنه علق بعلاقة وأخفيت العلاقة عن النظر فأمر السلطان شخصاً أن يذهب إليه برمح ويدور به حول الصنم وأعلاه وأسفله ففعل وما منع الرمح شيء‏.‏
وقال بعض الحاضرين‏:‏ إني أظن أن القبة من حجر المغناطيس والصنم من الحديد والصانع بالغ في تدقيق صنعته وراعى تكافؤ قوة المغناطيس من الجوانب بحيث لا تزيد قوة جانب على الجانب الآخر فوقف الصنم في الوسط فوافقه قوم وخالفه آخرون‏.‏
فقال للسلطان‏:‏ ائذن لي برفع حجرين من رأس القبة ليظهر ذلك فأذن له فلما رفع حجرين اعوج الصنم ومال إلى أحد الجوانب فلم يزل يرفع الأحجار والصنم ينزل حتى وقع على الأرض‏.‏

صنف
موضع بالهند أو الصين ينسب إليه العود الصنفي وهو أردأ أصناف العود ليس بينه وبين الحطب إلا فرق يسير‏.‏

صيمور
مدينة بأرض الهند قريبة بناحية السند لأهلها حظ وافر في الجمال والملاحة لكونهم متولدين من الترك والهند وهم مسلمون ونصارى ويهود ومجوس ويخرج إليها تجارات الترك وينسب إليها العود الصيموري‏.‏
بها بيت الصيمور وهو هيكل على رأس عقبة عظيمة عندهم ولها سدنة وفيها أصنام من وفي المدينة مساجد وبيع وكنائس وبيت النار وكفارها لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون اللحم ولا السمك ولا البيض وفيهم من يأكل المتردية والنطيحة دون ما مات حتف أنفه‏.‏
أخبر بذلك كله مسعر بن مهلهل صاحب عجائب البلدان وانه كان سياحاً دار البلاد وأخبر بعجائبها‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif الطائف
بليدة على طرف واد بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخاً طيبة الهواء شمالية ربما يجمد الماء بها في الشتاء‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ دخلت الطائف وكأني أبشر وقلبي ينضح بالسرور ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها‏.‏
بها جبل عروان يسكنه قبائل هذيل وليس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل ولهذا اعتدال هواء الطائف ويجمد الماء به وليس في جميع الحجاز موضع يجمد الماء به إلا جبل عروان‏.‏
ويشق مدينة الطائف واد يجري بينها يشقها وفيها مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم والطير تصرع إذا مرت بها من نتن رائحتها‏.‏
وأديمها يحمل إلى سائر البلدان ليس في شيء من البلاد مثله‏.‏
وفي أكنافها من الكروم والنخيل والموز وسائر الفواكه ومن العنب العدي ما لا يوجد في شيء بها وج الطائف وإنها واد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ صيدها واختلاء حشيشها‏.‏
بها حجر اللات تحت منارة مسجدها وهو صخرة كان في قديم الزمان يجلس عليه رجل يلت السويق للحجيج فلما مات قال عمرو بن لحي‏:‏ إنه لم يمت لكن دخل في هذه الصخرة‏!‏ وأمر قومه بعبادة تلك الصخرة وكان في اللات والعزى شيطانان يكلمان الناس فاتخذت ثقيف اللات طاغوتاً وبنت لها بيتاً وعظمته وطافت به وهي صخرة بيضاء مربعة فلما أسلمت ثقيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب ومغيرة بن شعبة فهدماه والحجر اليوم تحت منارة مسجد الطائف‏.‏
وبها كرم الرهط كرم كان لعمرو بن العاص معروشاً على ألف ألف خشبة شري كل خشبة درهم فلما حج سليمان بن عبد الملك أحب أن ينظر إليه فلما رآه قال‏:‏ ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه‏!‏ قالوا‏:‏ ليس بحرة بل مسطاح الزبيب‏.‏
وكان زبيبه جمع في وسطه ليجف فرآه من بعيد فظنه حرة‏.‏
وبها سجن عارم وهو الحبس الذي حبس فيه عبد الله بن الزبير محمد ابن الحنفية يزوره الناس ويتبركون به سيما الشيعة سيما الكيسانية قال كثير يخاطب ابن الزبير‏:‏ ومن يلق هذا الشّيخ بالخيف من منى من النّاس يعلم أنّه غير ظالم سميّ النبيّ المصطفى وابن عمّه وفكّاك أغلالٍ وقاضي مغارم أبى هو لا يشري هدىً بضلالةٍ ولا يتّقي في الله لومة لائم فما نعمة الدّنيا بباقٍ لأهله ولا شدّة البلوى بضربة لازم وينسب إليها الحجاج بن يوسف الثقفي من فحول الرجال كان أول أمره معلماً لوشاقية سليمان بن نعيم وزير عبد الملك بن مروان وكان فصيحاً شاطراً قال عبد الملك لوزيره‏:‏ إني إذا ترحلت يتخلف مني أقوام أريد شخصاً يمنع الناس عن التخلف‏.‏
فاختار الوزير الحجاج لذلك فرأى في بعض الأيام أن الخليفة قد رحل وتخلف عنه قوم من أصحاب الوزير فأمرهم بالرحيل فامتنعوا وشتموه في أمه وأخته فأخذ الحجاج النار وأضرمها في رحل الوزير فانتهى الخبر إلى عبد الملك فأحضر الحجاج وقال‏:‏ لم أحرقت رحل الوزير فقال‏:‏ لأنهم خالفوا أمرك ‏!‏ فقال للحجاج‏:‏ ما عليك لو فعلت ذلك بغير الحرق فقال الحجاج‏:‏ وما عليك لو عوضته من ذلك ولا يخالف أحد بعد هذا أمرك‏!‏ فأعجب الخليفة كلامه وما زال يعلو أمره حتى ولي اليمن واليمامة ثم استعمل على العراق سنة خمس وسبعين‏.‏
وكان أهل العراق كل من جاءهم والياً استخفوا به وضحكوا منه وإذا صعد المنبر رموه بالحصاة فبعث عبد الملك إليهم الحجاج فلما صعد المنبر متلثماً وكان قصير القامة ضحكوا منه فعرف الحجاج ذلك فأقبل عليهم وقال‏:‏ أنا ابن جلا وطلاّع الثّنايا متى أضع العمامة تعرفوني إن أمير المؤمنين نثل كنانته فوجدني أصلبها عوداً فرماكم بي واني أرى رؤوساً دنا أوان حصادها وأنا الذي أحصدها‏.‏
فدخل القوم منه رعب فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار‏.‏
ولما بنى واسط عد في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين ومات في حبسه واحد وعشرون ألفاً صبراً ومن قتله بالسيف فلا يعد ولا يحصى‏!‏ وقال يوماً على المنبر في خطبته‏:‏ أتطلبون مني عدل عمر ولستم كرعية عمر وإنما مثلي لمثلكم كثير لبئس المولى ولبئس العشير‏!‏ وكان في مرض موته يقول‏:‏ يا ربّ قد زعم الأعداء واجتهدوا أيمانهم أنّني من ساكني النّار أيحلفون على عمياء ويحهم ما علمهم بعظيم العفو غفّار وحكى عمر بن عبد العزيز أنه رأى الحجاج في المنام بعد مدة من موته قال‏:‏ فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض فقلت له‏:‏ أحجاج قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ قتلني وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب كان من أولياء الله وعباد الله الصالحين نادر الوقت عديم النظير وكان الغالب عليه الخوف من الله تعالى لا يزال دمعه جارياً فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له‏:‏ إنما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي‏!‏ وقال له صديق له‏:‏ كيف أصبحت قال‏:‏ أصبحت أنتظر الموت على غير عدة‏!‏ وقال سفيان الثوري‏:‏ جلسنا يوماً نحدث ومعنا سعيد بن السائب وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون فقلت له‏:‏ يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير فقال‏:‏ يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل طيفند قلعة في بلاد الهند منيعة على قلة جبل ليس لها إلا مصعد واحد وعلى رأس الجبل مياه ومزارع وما احتاجوا إليه غزاها يمين الدولة محمود بن سبكتكين سنة أربع عشرة وأربعمائة وحاصرها زماناً وضيق على أهلها وكان عليها خمسمائة قيل فطلبوا الأمان فآمنهم وأقر صاحبها فيها على خراج فأهدى صاحب القلعة إلى السلطان هدايا كثيرة منها طائر على هيئة القمري خاصيته إذا أحضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجر فإذا تحجر سحق وجعل على الجراحات الواسعة الحمها وهذا الطائر لا يوجد إلا في ذلك الموضع ولا يتفرج إلا فيه‏.‏

عدن
مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن سميت بعدن بن سنان بن إبراهيم عليه السلام لا ماء بها ولا مرعى شربهم من عين بينها وبين عدن مسيرة يوم وكان عدن فضاء في وسط جبل على ساحل البحر والفضاء يحيط به الجبل من جميع الجوانب فقطع لها باب بالحديد في الجبل فصار طريقاً إلى البر‏.‏
وإنها مرفأ مراكب الهند وبلدة التجار ومرابح الهند فلهذا يجتمع إليها الناس ويحمل إليها متاع الهند والسند والصين والحبشة وفارس والعراق وقال الاصطخري‏:‏ بها مغاص اللؤلؤ‏.‏
بها جبل النار وهو جبل أحمر اللون جداً في وسط البحر قالوا‏:‏ هو الجبل الذي تخرج منه النار التي هي من اشراط الساعة وسكان عدن يزعمون أنهم من نسل هارون عليه السلام وهم المربون‏.‏
وبها البئر المعطلة التي ذكرها الله تعالى في القرآن‏.‏
ومن حديثها أن قوم صالح عليه السلام بعد وفاته تفرقوا بفلسطين فلحقت فرقة منهم بعدن وكانوا إذا حبس عنهم المطر عطشوا وحملوا الماء من أرض بعيدة فأعطاهم الله بئراً فتعجبوا بها وبنوا عليها أركاناً على عدد القبائل كان لكل قبيلة فيها دلو‏.‏
وكان لهم ملك عادل يسوسهم فلما مات حزنوا عليه فمثل لهم الشيطان صنماً على صورة ذلك الملك وكلم القوم من جوف الصنم‏:‏ إني ألبسني ربي ثوب الالهية والآن لا آكل ولا أشرب وأخبركم بالغيوب فاعبدوني فإني أقربكم إلى ربكم زلفى‏!‏ ثم كان الصنم يأمرهم وينهاهم فمال إلى عبادة الصنم جميعهم فبعث الله إليهم نبياً فكذبوه فقال لهم نبيهم‏:‏ إن لم تتركوا عبادة الصنم يغور ماء بئركم‏!‏ فقتلوه فأصبحوا لم يجدوا في البئر قطرة ماء‏.‏
فمضوا إلى الصنم فلم يكلمهم الشيطان لما عاين نزول ملائكة العذاب فأتتهم صيحة فأهلكوا فأخبر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم‏:‏ وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد‏.‏
والقصر المشيد بحضرموت وقد مر ذكره ويقال‏:‏ إن سليمان بن داود عليه السلام حبس المردة مصفدين في هذه البئر وهي محبسهم‏.‏

فاس
مدينة كبيرة مشهورة في بلاد بربر على بر المغرب بين ثنيتين عظيمتين والعمارة قد تصاعدت حتى بلغت مستواها وقد تفجرت كلها عيوناً تسيل إلى قرارة إلى نهر منبسط إلى الأرض ينساب إلى مروج خضر وعليها داخل المدينة تمائة رحىً ولها قهندز في أرفع موضع منها ويسقيها نهر يسمى المفروش‏.‏
قال أبو عبيد البكرى‏:‏ فاس منقسمة قسمين وهي مدينتان مسورتان يقال لإحداهما عدوة القروبيين وللأخرى عدوة الأندلسيين وفي كل دار جدول ماء وعلى بابها رحىً وبستان وهي من أكثر بلاد المغرب ثماراً وخيراً وأكثر بلاد المغرب يهوداً منها يختلفون إلى سائر الآفاق بها تفاح حلو يعرف بالاطرابلسي حسن الطعم جداً يصلح بعدوة الأندلسيين ولا يصلح بعدوة القروبيين وسميذ عدوة الأندلسيين أطيب من سميذ عدوة القروبيين ورجال الأندلسيين أشجع من رجال القروبيين ونساؤهم أجمل ورجال القروبيين أحمد من رجال الأندلسيين قال إبراهيم الأصيلي‏:‏ دخلت فاساً وبي شوقٌ إلى فاس والجبن يأخذ بالعينين والرّاس فلست أدخل فاساً ما حييت ولو أعطيت فاساً وما فيها من النّاس بلاد بأرض الهند يجلب منها الكافور القيصوري وهو أحسن أنواعه‏.‏
وذكروا أن الكافور يكثر في سنة فيها رعود وبروق ورجف وزلازل وان قل ذلك كان نقصاً في وجوده‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif قبا
قرية على ميلين من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
بها مسجد التقوى وهو المسجد الذي ذكره الله تعالى‏:‏ لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين‏.‏
ولما قدم رسول الله عليه السلام قبا مهاجراً يريد المدينة أسس هذا المسجد ووضع بيده الكريمة أول حجر في محرابه ووضع أبو بكر رضي الله عنه حجراً ثم أخذ الناس في البناء وهو عامر إلى زماننا هذا وسئل أهله عن تطهرهم فقالوا‏:‏ إنا نجمع بين الحجر والماء‏.‏
وبها مسجد الضرار ويتطوع الناس بهدمه وبها بئر غرس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها وبصق فيها وقال‏:‏ إن فيها عيناً من عيون الجنة‏.‏
قزدار ناحية بأرض الهند‏.‏
قال أبو الحسن المتكلم‏:‏ كنت مجتازاً بناحية قزدار فدخلت قرية من قراه فرأيت شيخاً خياطاً في مسجد فأودعت ثيابي عنده ومضيت‏.‏
ثم رجعت من الغد فرأيت باب المسجد مفتوحاً والرزمة يشدها في المحراب فقلت‏:‏ ما أجهل هذا الخياط‏!‏ فجلست أفتحها وأرى شيئاً فشيئاً إذ دخل الخياط فقلت له‏:‏ كيف تركت ثيابي ههنا فقال‏:‏ افتقدت منها شيئاً قلت‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فما سؤالك فأقبلت أخاصمه وهو يضحك‏.‏
قال‏:‏ أنتم نشأتم في بلاد الظلم وتعودتم أخلاق الأراذل التي توجب السرقة والخيانة وانها لا تعرف ههنا ولو بقيت ثيابك في المحراب حتى بليت ما مستها أحد‏!‏ وإذا وجدنا شيئاً من ذلك في مدد متطاولة نعلم أنه كان من غريب اجتاز بنا فنركب خلفه ولا يفوتنا فندركه ونقتله‏.‏
فسألت عن غيره سيرة أهل البلد فقال كما ذكره الخياط‏.‏
وكانوا لا يغلقون الأبواب بالليل وما كان لأكثرهم أبواب بل شيء يرد الوحش والكلاب‏.‏
قشمير ناحية بأرض الهند متاخمة لقوم من الترك فاختلط نسل الهند بالترك فأهلها أكثر الناس ملاحةً وحسناً‏.‏
ويضرب بحسن نسائهم المثل لهن قامات تامة وصور مستوية وملاحة كثيرة وشعور طوال غلاظ وهذه الناحية تحتوي على نحو ستين ألفاً من المدن والضياع ولا سبيل وحواليها جبال شوامخ لا سبيل للوحش أن يتسلق إليها فضلاً عن الانس‏.‏
وفيها أودية وعرة وأشجار ورياض وأنهار‏.‏
قال مسعر بن مهلهل‏:‏ شاهدتها وهي في غاية المنعة‏.‏
ولأهلها أعياد في رؤوس الاهلة وفي نزول النيرين شرقهما ولهم رصد كبير في بيت معمول من الحديد الصيني لا يعمل فيه الزمان ويعظمون الثريا ولا يذبحون الحيوان ولا يأكلون البيض‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif قمار
مدينة مشهورة بأرض الهند‏.‏
قال ابن الفقيه‏:‏ أهلها على خلاف سائر الهنود ولا يبيحون الزنا ويحرمون الخمر وملكها يعاقبهم على شرب الخمر فيحمي الحديدة بالنار وتوضع على بدن الشارب ولا تترك إلى أن تبرد فربما يفضي إلى التلف‏!‏ وينسب إليها العود القماري وهو أحسن أنواع العود‏.‏
كلبا مدينة بأرض الهند قال في تحفة الغرائب‏:‏ بها عمود من النحاس وعلى رأس العمود تمثال بطة من النحاس وبين يدي العمود عين‏.‏
فإذا كان يوم عاشوراء في كل سنة ينشر البط جناحيه ويدخل منقاره العين ويعب ماءها فيخرج من العمود ماء كثير يكفي لأهل المدينة سنتهم والفاضل يجري إلى مزارعهم‏.‏
كله مدينة عظيمة منيعة عالية السور في بلاد الهند كثيرة البساتين بها اجتماع البراهمة حكماء الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ إنها أول بلاد الهند مما يلي الصين وانها منتهى مسير المراكب إليها ولا يتهيأ لها أن تجاوزها وإلا غرقت‏.‏
بها قلعة يضرب بها السيوف القلعية وهي الهندية العتيقة لا تكون في سائر الدنيا إلا في هذه القلعة وملكها من قبل ملك الصين وإليه قبلته وبيت عبادته ورسومه رسوم صاحب الصين ويعتقدون أن طاعة ملك الصين عليهم مباركة ومخالفته شؤم وبينه وبين الصين ثلاثمائة فرسخ‏.‏
كنزة وقران موضعان باليمامة بهما نخل كثير ومواش قال أبو زياد الكلابي‏:‏ نزل بهم رجل من بني عقيل كنيته أبو مسلم كان يصطاد الذئاب قالوا له‏:‏ إن ههنا ذئباً لقينا منه التباريح إن أنت اصطدته فلك في كل غنم شاة‏!‏ فنب له الشبكة وحبله وجاء به يقوده وقال‏:‏ هذا ذئبكم فأعطوني ما شرطتم‏.‏
فأبوا وقالوا‏:‏ كل ذئبك‏!‏ فشد في عنق الذئب قطعة حبل وخلى سبيله وقال‏:‏ ادركوا ذئبكم‏!‏ فوثبوا عليه وأرادوا قتله فقال‏:‏ لا عليكم ان وفيتم لي رددته‏!‏ فخلوه ليرده فذهب وهو يقول‏:‏ علّقت في الذّئب حبلاً ثمّ قلت له الحق بأهلك واسم أيّها الذّئب‏!‏ إن كنت من أهل قرّانٍ فعد لهم أو أهل كنزة فاذهب غير مطلوب المخلفين لما قالوا وما وعدوا وكلّ ما يلفظ الإنسان مكتوب سألته في خلاءٍ‏:‏ كيف عيشته فقال‏:‏ ماض على الأعداء مرهوب لي الفصيل من البعران آكله وإن أصادفه طفلاً فهو مصقوب والنّخل أفسده ما دام ذا رطبٍ وإن شتوت ففي شاء الأعاريب يا أبا مسلم أحسن في أسيركم فإنّني في يديك اليوم مجنوب كولم مدينة عظيمة بأرض الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ دخلت كولم وما رأيت بها بيت عبادة ولا صنماً وأهلها يختارون ملكاً من الصين إذا مات ملكهم‏.‏
وليس للهند طبيب إلا في هذه المدينة عماراتهم عجيبة أساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك ولا يأكلون السمك ولا يذبحون الحيوان ويأكلون الميتة وتعمل بها غضائر تباع في بلادنا على انه صيني وليس كذلك لأن طين الصين أصلب من طين كولم وأصبر على النار وغضائر كولم لونها أدكن وغضائر الصين أبيض وغيره من الألوان‏.‏
بها منابت الساج المفرط الطول ربما جاوز مائة ذراع وأكثر‏.‏
وبها البقم والخيزران والقنا بها كثير جداً وبها الراوند وهو قرع ينبت هناك ورقه الساذج الهندي العزيز الوجود لأجل أدوية العين ويحمل إليها أصناف العود والكافور واللبان والعود يجلب من جزائر خلف خط الاستواء لم يصل إلى منابته أحد ولا يدرى كيف شجره وإنما الماء يأتي به إلى جانب الشمال‏.‏
وبها معدن الكبريت الأصفر ومعدن النحاس ينعقد دخانه توتياء جيداً‏.‏

أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:15 AM

مدينة يثرب
هي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي في حرة سبخة مقدار نصف مكة‏.‏
من خصائصها أن من دخلها يشم رائحة الطيب وللعطر فيها فضل رائحة لم توجد في غيرا وأهلها أحسن الناس صوتاً‏.‏
قيل لبعض المدنيين‏:‏ ما بالكم أنتم أطيب الناس صوتاً فقال‏:‏ بها التمر الصيحاني لم يوجد في غيرها من البلاد‏.‏
وبها حب البان يحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏
وعن ابن عباس ان النبي عليه السلام حين عزم الهجرة قال‏:‏ اللهم إنك قد أخرجتني من أحب أرضك إلي فأنزلني أحب أرضك إليك‏!‏ فأنزله المدينة ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن حمامة وقد هاجر فاجتوى المدينة وهو يقول‏:‏ ألا ليت شعري‏!‏ هل ابيتنّ ليلةً بفخٍّ وحولي إذخرٌ وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنّةٍ وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ خفت يا ابن السوداء‏!‏ ثم قال‏:‏ اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة وأشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى خيبر والجحفة‏.‏
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن إبراهيم عبد الله وخليله وأنا عبد الله ورسوله وان إبراهيم حرم مكة واني حرمت المدينة ما بين لابتيها عضاهها وصيدها لا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تقطع منها شجرة إلا لعلف البعير‏.‏
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صبر على لأواء المدينة وشدتها كنت له يوم القيامة شفيعاً أو شهيداً‏.‏
والمدينة مسورة ومسجد النبي عليه السلام في وسطها وقبره في شرقي المسجد وبجنبه قبر وكتب الوليد بن عبد الملك إلى صاحب الروم يطلب منه صناعاً لعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أربعين رجلاً من صناع الروم وأربعين من صناع القبط ووجه معهم أربعين ألف مثقال ذهباً وأحمالاً من الفسيفساء‏.‏
فجاء الصناع وخمروا النورة سنة للفسيفساء وجعلوا أساسها بالحجارة وجعلوا أسطوانات المسجد من حجارة مدورة في وسطها أعمدة حديد وركبوها بالرصاص وجعلوا سقفها منقشة مزوقة بالذهب وجعلوا بلاط المحراب مذهباً وجعلوا وجه الحائط القبلي من داخله بازار رخام من أساسه إلى قدر قامة وفي وسط المحراب مرآة مربعة ذكروا أنها كانت لعائشة والمنبر كان للنبي قد غشي بمنبر آخر وقال عليه السلام‏:‏ ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة‏.‏
بها بئر بضاعة‏.‏
روي أن النبي عليه السلام توضأ بمائها في دلو ورد الدلو إلى البئر وشرب من مائها وبصق فيها وكان إذا مرض المريض في أيامه يقول‏:‏ اغسلوه بماء بضاعة فإذا غسل فكأنما أنشط من عقال‏.‏
وقالت أسماء بنت أبي بكر‏:‏ كنا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون‏.‏
بها بئر ذروان ويقال لها بئر كملى هي البئر المشهورة‏.‏
عن ابن عباس‏:‏ طب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرض مرضاً شديداً فبينا هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه‏:‏ ما وجعه فقال‏:‏ طب‏!‏ قال‏:‏ ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي‏.‏
قال‏:‏ وأين طبه قال‏:‏ في كربة تحت صخرة في بئر كملى وهي بئر ذروان‏.‏
فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ كلام الملكين فبعث علياً وعماراً مع جمع من الصحابة إلى البئر فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها ووجدوا الكربة تحتها وفيها وتر فيها إحدى عشرة عقدة فأحرقوا الكربة بما فيها فزال عنه عليه السلام ما كان به وكأنه أنشط من عقال‏.‏
فأنزل الله تعالى عليه المعوذتين إحدى عشرة آية على عدد عقده‏.‏
بها بئر عروة تنسب إلى عروة بن الزبير قال الزبير بن بكار‏:‏ ماء هذه البئر من مر بالعقيق يأخذه هدية لأهله ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثم يأخذه في قوارير يهديه إلى الرشيد وهو بالرقة وقال السري بن عبد الرحمن الأنصاري‏:‏ كفّنوني إن متّ في درع أروى واجعلوا لي من بئر عروة مائي سخنةٌ في الشّتاء باردة الصّي ف سراجٌ في اللّيلة الظّلماء وأهل المدينة الأنصار عليهم الرحمة والرضوان ان الله تعالى أكثر من الثناء عليهم في القرآن‏.‏
وقد خص بعضهم بخاصية لم توجد في غيرهم منهم حمي الدبر وهو عاصم بن الأفلح رضوان الله عليه استشهد وأراد المشركون أن يمثلوا به فبعث الله الزنابير أحاطت به ومنعت المشركين الوصول إليه‏.‏
ومنهم بليع الأرض وهو حبيب بن ثابت رضوان الله عليه صلبه المشركون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذه ويدفنه فأخذوه وقبل دفنه فقدوه وبلعته الأرض‏.‏
ومنهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن راهب رضوان الله عليه استشهد يوم أحد فبعث الله تعالى فوجاً من الملائكة رفعوه من بين القتلى وغسلوه فسمي غسيل الملائكة ومنهم ذو الشهادتين وهو خزيمة بن ثابت رضوان الله عليه اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً من أعرابي والاعرابي أنكر الشراء فقال رسول الله عليه السلام إني اشتريت منك‏!‏ فقال الاعرابي‏:‏ من يشهد بذلك فقال خزيمة بن ثابت‏:‏ إني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منك‏.‏
فقال له رسول الله عليه السلام‏:‏ كيف تشهد وما كنت حاضراً فقال‏:‏ يا رسول الله إني أصدقك في أخبار السموات والاخبار عن الله تعالى فما أصدقك في شراء فرس‏!‏ فأمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يجعل شهادته مكان شهادتين‏.‏
ومنهم من اهتز العرش لموته وهو سعد بن معاذ رضوان الله عليه سيد الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ‏.‏حصن بين نجران والبحرين على تل عال يقال انه من بناء طسم يقال له فج بني تميم لأن المكعبر عامل كسرى غدر بني تميم فيه وسببه أن وهرز عامل كسرى على اليمن بعت أموالاً وطرفاً إلى كسرى فلما كانت ببلاد بني تميم وثبوا عليها وأخذوها فأخبر كسرى بذلك فأراد أن يبعث إليهم جيشاً فأخبر أن بلادهم بلاد سوء قليلة الماء‏.‏
فأشير إليه بأن يرسل إلى عامله بالبحرين أن يقتلهم وكانت تميم تصير إلى هجر للميرة فأمر العامل أن ينادي‏:‏ لا تطلق الميرة إلا لبني تميم‏!‏ فأقبل إليه خلق كثير فأمرهم بدخول المشقر وأخذ الميرة والخروج من باب آخر فيدخل قوم بعد قوم فيقتلهم حتى قتلوا عن آخرهم وبعث بذراريهم في السفن إلى فارس‏.‏

مغمس
موضع بين مكة والطائف به قبر أبي رغال مر به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر برجمه فصار ذلك سنة من مر به يرجمه‏.‏
قيل‏:‏ إن أبا رغال اسمه زيد بن محلف كان ملكاً بالطائف يظلم رعيته فمر بامرأة ترضع يتيماً بلبن ماعز لها فأخذ الماعز منها فبقي اليتيم بلا لبن فمات وكانت سنة مجدبة فرماه الله تعالى بقارعة أهلكته‏.‏وقيل‏:‏ إن أبرهة بن الصباح لما عزم هدم الكعبة مر بالطائف بجنوده وفيوله فأخرج إليه أبو مسعود الثقفي في رجال ثقيف سامعين مطيعين فطلب أبرهة منهم دليلاً يدله على مكة فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال حتى نزل المغمس فمات أبو رغال هناك فرجم العرب قبره وفيه قال جرير ابن الخطفى‏:‏ إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif مراكش
مدينة من أعظم مدن بلاد المغرب واليوم سرير ملك بني عبد المؤمن وهي في البر الأعظم بينها وبين البحر عشرة أيام في وسط بلاد البربر‏.‏
وإنها كثيرة الجنان والبساتين ويخرق خارجا الخلجان والسواقي ويأتيها الارزاق من الأقطار والبوادي مع ما فيها من جني الأشجار والكروم التي يتحدث بطيبها في الآفاق‏.‏
والمدينة ذات قصور ومبان محكمة‏.‏
بها بستان عبد المؤمن بن علي أبي الخلفاء وهو بستان طوله ثلاثة فراسخ وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها‏.‏
وحكى أبو الربيع سليمان الملتاني ان دورة مراكش أربعون ميلاً‏.‏ينسب إليها الشيخ الصالح سني بن عبد الله المراكشي وكان شيخاً مستجاب الدعوة ذكر أن القطر حبس عنهم في ولاية يعقوب بن يوسف فقال‏:‏ ادع الله تعالى ان يسقينا‏.‏
فقال الشيخ‏:‏ ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله تعالى أن يسقيكم في أي وقت شئتم‏!‏ فبعث إليه ذلك ففرقها على المحاويج ودعا فجاءهم غيث مدرار أياماً فقالوا له‏:‏ كفينا ادع الله أن يقطعه‏!‏ فقال‏:‏ ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله أن يقطعه‏.‏
ففعل ذلك ففرق المال على المحاويج ودعا الله تعالى فقطعه‏.‏
والله الموفق‏.‏

مكة
هي البلد الأمين الذي شرفه الله تعالى وعظمه وخصه بالقسم وبدعاء الخليل عليه السلام‏:‏ رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات‏.‏
واجعله مثابة للناس وأمناً للخائف وقبلةً للعباد ومنشأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وعن رسول الله عليه السلام‏:‏ من صبر على حر مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام‏!‏ إنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد كان بعدي وما أحلت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ويحتش خلاها ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد‏.‏
وعن ابن عباس‏:‏ ما أعلم على الأرض مدينة يرفع فيها حسنة مائةً إلا مكة ويكتب لمن صلى ركعة مائة ركعة إلا مكة ويكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر إلا مكة ويكتب لمن يتصدق بدرهم ألف درهم إلا مكة‏!‏ وهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جوانبها وبناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضاً‏.‏
وهي طبقات مبيضة نظيفة حارة في الصيف جداً إلا أن ليلها طيب وعرضها سعة الوادي وماؤها من السماء ليس بها نهر ولا بئر يشرب ماؤها وليس بجميع مكة شجر مثمر فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار ومزارع ونخيل وميرتها تحمل إليها من غيرها بدعاء الخليل عليه السلام‏:‏ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله من الثمرات‏.‏
وأما الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قديمة بينها الخليل عليه السلام وحده عشرة أميال في مسيرة يوم وما زالت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام‏.‏
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر قريشاً على ما عرفوه فما كان دون المنار لا يحل صيده ولا يختلى خشيشه ولا يقطع شجره ولا ينفر طيره ولا يترك الكافر فيه‏.‏
ومن عجيب خواص الحرم ان الذئب يتبع الظبي فإذا دخل الحرم كف عنه‏!‏ وأما المسجد الحرام فأول من بناه عمر بن الخطاب في ولايته والناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر‏:‏ إن الكعبة بيت الله ولا بد لها من فناء‏.‏
فاشترى تلك الدور وزادها فيه واتخذ للمسجد جداراً نحو القامة ثم زاد عثمان فيه ثم زاد عبد الله بن الزبير في اتقانه وجعل فيها عمداً من الرخام وزاد في أبوابه وحسنه‏.‏
ثم زاد عبد الملك بن مروان في ارتفاع حيطانها وحمل السواري إليها من مصر في الماء إلى جدة ومن جدة إلى مكة على العجل وأمر الحجاج فكساها الديباج ثم الوليد بن عبد الملك زاد في حلى البيت لما فتح بلاد الأندلس فوجد بطليطلة مائدة سليمان عليه السلام كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد فضرب منها حلى الكعبة والميزاب فالأولى المنصور وابنه المهدي زادوا في اتقان المسجد وتحسين هيئته والآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعاً وعرضه ثلاثمائة ذراع وخمس عشرة ذراعاً وجميع أعمدة المسجد أربعمائة وأربعة وثلاثون عموداً وأما الكعبة زادها الله شرفاً فإنها بيت الله الحرام‏.‏
إن أول ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى قال وهب‏:‏ لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة حزن واشتد بكاؤه فعزاه الله بخيمة من خيامها وجعلها موضع الكعبة وكانت ياقوتة حمراء وقيل درة مجوفة من جواهر الجنة ثم رفعت بموت آدم عليه السلام فجعل بنوه مكانها بيتاً من حجارة فهدم بالطوفان وبقي على ذلك ألفي سنة حتى أمر الله تعالى خليله ببنائه فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم فبنى الخليل وإسمعيل عليهما السلام على ما ظللته‏.‏
وأما صفة الكعبة فإنها في وسط المسجد مربع الشكل بابه مرتفع على الأرض قدر قامة عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة طليت بالذهب وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعاً وشبر وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعاً وشبر وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعاً وارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعاً‏.‏
والحجر من جهة الشام يصب فيه الميزاب وقد ألبست حيطان الحجر مع أرضه الرخام وارتفاعه حقو وحول البيت شاذروان مجصص ارتفاعه ذراع في عرض مثله وقاية للبيت من السيل‏.‏
والباب في وجهها الشرقي على قدر قامة من الأرض طوله ستة أذرع وعشر أصابع وعرضه ثلاثة أذرع وثماني عشرة إصبعاً‏.‏
والحجر الأسود على رأس صخرتين وقد نحت من الصخر مقدار ما دخل فيه الحجر‏.‏
والحجر الأسود حالك على الركن الشرقي عند الباب في الزاوية وهو على مقدار رأس إنسان وذكر بعض المكيين حديثاً رفعوا على مشايخهم انهم نظروا إلى الحجر الأسود عند عمارة ابن الزبير البيت فقدروا طوله ثلاثة أذرع وهو ناصع البياض إلا وجهه الظاهر وارتفاع الحجر من الأرض ذراعان وثلث ذراع وما بين الحجر والباب الملتزم سمي بذلك لالتزامه الدعاء‏.‏
كانت العرب في الجاهلية تتحالف هناك فمن دعا على ظالم هناك أو حلف اثماً عجلت عقوبته وداخل البيت في الحائط الغربي الجزعة على ستة أذرع من قاع البيت وهي سوداء مخططة ببياض طولها اثنا عشر في مثل ذلك وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع ذكر أن النبي عليه السلام جعلها على حاجبه الأيمن‏.‏
والميزاب متوسط على جدار الكعبة بارز عنه قدر أربعة أذرع وسعته وارتفاع حيطانه كل واحد ثماني أصابع وباطنه صفائح الذهب والبيت مستر بالديباج ظاهره وباطنه ويجدد لباسه كل سنة عند الموسم‏.‏
فإذا كثرت الكسوة خفف عنه وأخذها سدنة البيت وهم بنو شيبة‏.‏
وهذه صفة الكعبة والمسجد الحرام حولها ومكة حول المسجد والحرم حول مكة والأرض حول الحرم هكذا‏.‏
روي عن النبي عليه السلام ان الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم بالملائكة وان الكعبة كالعروس المزفوفة وكل من حجها متعلق بأستارها يسعون معها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها‏.‏
وعن علي‏:‏ ان الله تعالى قال للملائكة‏:‏ إني جاعل في الأرض خليفة قالوا‏:‏ أتجعل فيها من يفسد فيها فغضب عليهم وأعرض عنهم‏.‏
فطافوا بعرش الله سبعاً كما يطوف الناس بالبيت اليوم يسترضونه يقولون‏:‏ لبيك اللهم لبيك‏!‏ ربنا معذرة إليك‏!‏ نستغفرك ونتوب إليك‏!‏ فرضي عنهم وقال‏:‏ ابنوا في الأرض بيتاً يطوف به عبادي من غضبت عليه أرضى عنه كما رضيت عنكم‏.‏
وأما خصائص البيت وعجائبه فإن أبرهة بن الصباح قصده وأراد هدمه فأهلكه الله تعالى بطير أبابيل‏.‏
وذكر أن اساف بن عمرو ونائلة بنت سهيل زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين نصب أحدهما على الصفا والآخر على المروة ليعتبر بهما الناس‏.‏
فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها إلى أن كسرهما رسول الله فيهما كسر من الأصنام‏.‏
ومن عجائب البيت أن لا يسقط عليه حمام إلا إذا كان عليلاً وإذا حاذى الكعبة عرقة من طير تفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منها‏.‏
وإذا أصاب المطر أحد جوانبها يكون الخصب في تلك السنة في ذلك الجانب فإذا عم المطر جميع الجوانب عم الخصب جميع الجوانب ومن سنة أهل مكة ان من علا الكعبة من عبيدهم يعتقونه وفي مكة من الصلحاء من لم يدخل الكعبة تعظيماً لها‏.‏
وعن يزيد بن معاوية‏:‏ ان الكعبة كانت على بناء الخليل عليه السلام إلى أن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة فجاءها سيل عظيم هدمها فاستأنفوا عمارتها وقريش ما وجدوا عندهم مالاً لعمارة الكعبة إلى أن رمى البحر بسفينة إلى جدة فتحطمت فأخذوا خشبها واستعانوا بها على عمارتها فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه وتفاقم الأمر بينهم حتى تناصفوا على أن يجعلوا ذلك لأول طالع فطلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فاحتكموا إليه فقال‏:‏ هلموا ثوباً‏!‏ فأتي به فوضع الركن فيه ثم قال‏:‏ لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ففعلوا ذلك حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبي عليه السلام الحجر بيده ووضع في الركن‏.‏
وعن عائشة قالت‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال‏:‏ نعم‏.‏
قلت‏:‏ فما بالهم لم يدخلوه في البيت فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن قومك قصرت بهم النفقة‏.‏
قلت‏:‏ فما شأن بابه مرتفعاً قال‏:‏ فعلوا ذلك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت اني أدخل الحجر في البيت‏.‏
فأدخل عبد الله بن الزبير عشرة من الصحابة حتى سمعوا منها ذلك ثم هدم البيت وبناها على ما حكت عائشة‏.‏
فلما قتل الحجاج ابن الزبير ردها على ما كان وأخذ بقية الأحجار وسد بها الغربي ورصف الباقي في البيت فهي الآن على بناء الحجاج‏.‏
وأما الحجر الأسود فجاء في الخبر انه ياقوتة من يواقيت الجنة وانه يبعث يوم القيامة وله عينان روي أن عمر بن الخطاب قبله وبكى حتى علا نشيجه فالتفت فرأى علياً فقال‏:‏ يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات واعلم انه حجر لا يضر ولا ينفع‏!‏ ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ما قبلته‏!‏ فقال علي‏:‏ بلى هو يضر وينفع يا عمر لأن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتاباً وألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود وذلك قول الناس عند الاستلام‏:‏ اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك‏.‏
قال عبد الله بن عباس‏:‏ ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ولولا مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله تعالى‏.‏
ولم يزل هذا الحجر محترماً في الجاهلية والإسلام يقبلونه إلى أن دخلت القرامطة مكة سنة سبع عشرة وثلاثمائة عنوة فنهبوها وقتلوا الحجاج وأخذوا سلب البيت وقلعوا الحجر الأسود وحملوه إلى الاحساء من أرض البحرين حتى توسط فيه الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع لله وبين القرامطة سنة خمس وثلاثين فأخذوا مالاً عظيماً وردوه‏.‏
فجاءوا به إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم حملوه على مكانه‏.‏
وحكي أن رجلاً من القرامطة قال لبعض علماء الكوفة وقد رآه يقبل الحجر ويتمسح به‏:‏ ما يؤمنكم انا غيبنا ذلك الحجر وجئنا بمثله فقال‏:‏ ان لنا فيه علامةً وهي انا إذا طرحناه في الماء وأما المقام فإنه الحجر الذي وقف عليه الخليل عليه السلام حين أذن في الناس بالحج‏.‏
وذرع المقام ذراع وهو مربع سعة أعلاه أربع عشرة إصبعاً في مثلها ومن أسفله مثل ذلك وفي طرفيه طوق من ذهب وما بين الطرفين بارز لا ذهب عليه طوله من نواحيه كلها تسع أصابع وعرضه عشر أصابع وعرضه من نواحيه إحدى وعشرون إصبعاً والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع وبين القدمين من الحجر إصبعان ووسطه قد استدق من التمسح‏.‏
وهو في حوض مربع حوله رصاص وعليه صندوق ساج في طرفه سلسلتان يقفل عليهما قفلان‏.‏
قال عبد الله بن شعيب بن شيبة‏:‏ ذهبنا نرفع المقام في عهد المهدي فانثلم وهو حجر رخو فخشينا أن يتفتت فكتبنا به إلى المهدي فبعث إلينا ألف دينار فصببناها في أسفله وأعلاه وهو الذي عليه اليوم‏.‏
وبها جبل أبي قبيس وهو جبل مطل على مكة تزعم العوام ان من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من وجع الرأس وكثير من الناس يفعلون ذلك والله أعلم بصحته‏.‏
وبها الصفا والمروة وهما جبلان ببطحاء مكة‏.‏
قيل‏:‏ ان الصفا اسم رجل والمروة اسم امرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً فوضعا كل واحد على الجبل المسمى باسمه لاعتبار الناس‏.‏
وجاء في الحديث‏:‏ ان الدابة التي هي من اشراط الساعة تخرج من الصفا والواقف على الصفا يكون بحذاء الحجر الأسود والمروة تقابل الصفا‏.‏
وبها جبل ثور أطحل وهو جبل مبارك بقرب مكة يقصده الناس لزيارة الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر حين خرج من مكة مهاجراً‏.‏
وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز‏:‏ إذ أخرجه الذين كفروا الآية يزوره الناس متبركين به‏.‏
وبها ثبير وهو جبل عظيم بقرب منى يقصده الناس زائرين متبركين به لأنه أهبط عليه الكبش الذي جعله الله فداء لإسمعيل عليه السلام وكان قرنه معلقاً على باب الكعبة إلى وقت الغرق قبل المبعث بخمس سنين‏.‏
رآه كثير من الصحابة ثم ضاع بخراب الكعبة بالغرق‏.‏
وتقول العرب‏:‏ أشرق ثبير كيما نغير إذا أرادوا استعجال الفجر‏.‏
وبها جبل حراء وهو جبل مبارك على ثلاثة أميال من مكة يقصده الناس زائرين‏.‏
وكان النبي عليه السلام قبل أن يأتيه الوحي حبب إليه الخلوة وكان يأتي غاراً فيه‏.‏
وأتاه جبرائيل عليه السلام في ذلك الغار وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم ارتقى ذروته ومعه نفر من أصحابه فتحرك فقال عليه السلام‏:‏ اسكن حرا فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد‏!‏ فسكن‏.‏
وبها قدقد وهو من الجبال التي لا يوصل إلى ذروتها وفيه معدن البرام يحمل إلى سائر بلاد وبها بئر زمزم وهي البئر المشهورة المباركة بقرب الكعبة قال مجاهد‏:‏ ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاءً شفاك الله وان شربته لظمإ أرواك الله وان شربته لجوع أشبعك الله‏.‏
قال محمد بن أحمد الهمذاني‏:‏ كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً وفي قعرها ثلاث عيون‏:‏ عين حذاء الركن الأسود وأخرى حذاء أبي قبيس وقل ماؤها في سنة ثلاث وعشرين ومائتين فحفروا فيها تسعة أذرع فزاد ماؤها ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه إحدى عشرة ذراعاً وهو مطوي والباقي وهو تسع وعشرون ذراعاً منقور في الحجر وذرع تدويرها إحدى عشرة ذراعاً وسعة فمها ثلاث أذرع وثلثا ذراع وعليها ميلان ساج مربعة فيها اثنتا عشرة بكرة يستقى عليها‏.‏
وأول من عمل الرخام عليها وفرش به أرضها المنصور‏.‏
وعلى زمزم قبة مبنية في وسط الحرم عند باب الطواف تجاه باب الكعبة‏.‏
في الخبر‏:‏ ان الخليل عليه السلام ترك إسمعيل وأمه عند الكعبة وكر راجعاً‏.‏
قالت له هاجر‏:‏ إلى من تكلنا قال‏:‏ إلى الله‏.‏
قالت‏:‏ حسبنا الله‏!‏ فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها فأدركتها الحنة على ولدها فتركت إسمعيل بموضعه وارتقت إلى الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً فلم تر شيئاً فدعت ربها واستسقته ثم نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها فأسرعت نحو إسمعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خده وقيل بل من تحت عقبه فلما رأت هاجر الماء يسري جعلت تحوطه بالتراب لئلا يسيل قيل‏:‏ لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية‏.‏
قالوا‏:‏ وتطاولت الأيام على ذلك حتى عفتها السيول والأمطار ولم يبق لها أثر‏.‏
وعن علي كرم الله وجهه‏:‏ ان عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ أمر بحفر زمزم‏.‏
قال‏:‏ وما زمزم قالوا‏:‏ لا تنزف ولا تهدم يسقي الحجيج الأعظم عند نقرة الغراب الأعصم‏.‏
فغدا عبد المطلب ومعه الحرث ابنه فوجد الغراب ينقر بين أساف ونائلة فحفر هناك فلما بدا الطي كبر فاستشركه قريش وقالوا‏:‏ انه بئر أبينا إسمعيل ولنا فيه حق‏!‏ فتحاكموا إلى كاهنة بني سعد باشراف الشام وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم وظمئوا وأيقنوا بالهلاك فانفجرت من تحت خف عبد المطلب عين ماء فشربوا منها وعاشوا‏.‏
وقالوا‏:‏ قد والله قضي لك علينا لا نخاصمك فيها أبداً إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم‏!‏ فانصرفوا فحفر عبد المطلب زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب وأسيافاً قلعية كانت جرهم دفنتها فيها وقت خروجهم من مكة فضرب الغزالين بباب الكعبة وأقام سقاية الحاج بمكة والله الموفق‏.‏
وينسب إلى مكة المهاجرون الذين أكثر الله تعالى عليهم من الثناء في كتابه المجيد وخص بعضهم بمزيد فضيلة وهم المبشرة العشرة ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنهم في الجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif ملتان
هي آخر مدن الهند مما يلي الصين مدينة عظيمة منيعة حصينة جليلة عند أهل الصين والهند وانها بيت حجهم ودار عبادتهم كمكة لنا‏.‏
وأهلها مسلمون وكفار‏.‏
والمدينة في دولة المسلمين وللكفار بها القبة العظمى والبد الأكبر والجامع مصاقب لهذه القبة والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل كل ذلك عن مسعر بن مهلهل‏.‏
وقال الاصطخري‏:‏ مدينة حصينة منيعة دار الملك ومجمع العسكر والملك مسلم لا يدخل المدينة إلا يوم الجمعة يركب الفيل ويدخل المدينة لصلاة الجمعة‏.‏
بها صنم يعظمه الهند ويحج إليه من أقصى بلاد الهند ويتقرب إليه كل سنة بأموال عظيمة لينفق على بيت الصنم والمعتكفين منهم‏.‏
وبيت الصنم قصر مبني في أعمر موضع بين سوق قال مسعر بن مهلهل‏:‏ سمك القبة في الهواء ثلاثمائة ذراع وطول الصنم عشرون ذراعاً وحول القبة بيوت يسكنها خدم الصنم والعاكفون عليه وليس في ملتان عباد الصنم إلا في هذا القصر‏.‏
وصورة الصنم إنسان جالس مربعاً على كرسي وعيناه جوهرتان وعلى رأسه إكليل ذهب ماد ذراعيه على ركبتيه منهم من يقول من خشب ومنهم من يقول من غير خشب ألبس بدنه مثل جلد السختيان الأحمر إلا أن يديه لا تنكشفان وجعل أصابعه من يديه كالقابض أربعة في الحساب وملك ملتان لا يبطل ذلك الصنم لأنه يحمل إليه أموالاً عظيمة يأخذها الملك وينفق على سدنة الصنم شيئاً معلوماً‏.‏
وإذا قصدهم الهند محاربين أخرج المسلمون الصنم ويظهرون كسره أو إحراقه فيرجعون عنهم‏.‏
حكى ابن الفقيه أن رجلاً من الهند أتى هذا الصنم وقد اتخذ لرأسه تاجاً من القطن ملطخاً بالقطران ولأصابعه كذلك وأشعل النار فيها ووقف بين يدي الصنم حتى احترق‏.‏
وينسب إليها هارون بن عبد الله مولى الأزد كان شجاعاً شاعراً ولما حارب الهند المسلمين بالفيل لم يقف قدام الفيل شيء وقد ربطوا في خرطومه سيفاً هذاماً طويلاً ثقيلاً يضرب به يميناً وشمالاً لا يرفعه فوق رأس الفيالين على ظهره ويضرب به فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب ولزق بصدر الفيل وتعلق بأنيابه فجال به الفيال جولة كاد يحطمه من شدة ما جال به‏.‏
وكان هارون شديد الخلق رابط الجأش فاعتمد في تلك الحالة على نابيه وأصلهما مجوف فانقلعا من أصلهما وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون وكان ذلك سبب هزيمة الهند وغنم المسلمون فقال هارون في ذلك‏:‏ مشيت إليه رادعاً متمهّلاً وقد وصلوا خرطومه بحسام فقلت لنفسي‏:‏ إنّه الفيل ضارباً بأبيض من ماء الحديد هذام فإن تنكإي منه فعذرك واضحٌ لدى كلّ منخوب الفؤاد عبام ولمّا رأيت السّيف في رأس هضبةٍ كما لاح برقٌ من خلال غمام فعافسته حتى لزقت بصدره فلمّا هوى لازمت أيّ لزام وعذت بنابيه وأدبر هارباً وذلك من عادات كلّ محامي مليبار ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدن كثيرة بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتد حرها تنضم على عناقيدها أوراقها وإلا أحرقتها الشمس قبل إدراكها وشجر الفلفل مباح إذا هبت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء فيجمعها الناس وكذلك تشنجها ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وأكثر الناس انتفاعاً به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif منىً
بلدة على فرسخ من مكة طولها ميلان وهي بين جبلين مطلين عليها بها مصانع وآبار وخانات وحوانيت تعمر أيام الموسم وتخلو بقية السنة إلا ممن يحفظها‏.‏
من عجائبها أن الجمار التي ترمى منذ حج الناس إلى زماننا هذا لا يظهر بها من غير أن تكسحها السيول أو يأخذها الناس ولولا الآية الأعجوبة التي فيها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة‏.‏
وبها مسجد الخيف ومسجد الكبش وقل أن يكون في الإسلام بلد إلا ولأهله مضرب‏.‏

مندورفين
مدينة بأرض الهند قال مسعر بن مهلهل‏:‏ بها غياض هي منابت القنا ومنها يحمل الطباشير والطباشير رماد هذا القنا وذلك انها إذا جفت وهبت بها الرياح احتك بعضها ببعض واشتدت فيها الحرارة فانقدحت فيها نار ربما أحرقت مسافة خمسين فرسخاً فرماد هذا مندل مدينة بأرض الهند يكثر بها العود حتى يقال للعود المندل وليس هي منبته فإن منابته لا يصل إليها أحد قالوا‏:‏ ان منابت العود جزائر وراء خط الاستواء ويأتي به الماء إلى جانب الشمال فما انقلع رطباً فإذا أصابته ريح الشمال يبقى رطباً وهو الذي يقال له القامروني وما جف ورمته يابساً فإنه المندلي الثقيل المصمت فإن رسب في الماء فهو غاية جداً ليس فوقه خير منه‏.‏
المنصورة مدينة مشهورة بأرض السند كثيرة الخير بناها المنصور أبو جعفر الثاني من خلفاء بني العباس وفيها ينزل الولاة لها خليج من نهر مهران يحيط بالمدينة وهي في وسطه كالجزيرة إلا أنها شديدة الحر كثيرة البق‏.‏
بها ثمرتان لا توجدان في مدينة غيرها‏:‏ إحداهما الليمو على قدر التفاح والأخرى الانبج على شبه الخوخ‏.‏
وأهل المدينة موافقون على أنهم لا يشترون شيئاً من المماليك السندية وسببه أن بعض رؤسائها من آل مهلب ربى غلاماً سندياً فلما بلغ رآه يوماً مع زوجته فجبه ثم عالجه حتى هدأ وكان لمولاه ابنان‏:‏ أحدهما بالغ والآخر طفل فأخذ الغلام الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار ثم قال لمولاه‏:‏ والله لئن لم تجب نفسك الآن لأرمين بهما‏!‏ فقال الرجل‏:‏ الله الله في وفي ولدي‏!‏ فقال‏:‏ دع عنك هذا والله ما هي إلا نفس وإني لأسمح بها من شربة ماء ‏!‏ وأهوى ليرمي بهما فأسرع الرجل وأخذ مديةً وجب نفسه فلما رأى الغلام ذلك رمى بالصبيين وقال‏:‏ فعلت بك ما فعلت بي وزيادة قتل الولدين‏.‏
فقتل الغلام بأفظ العذاب وأخرج من المدينة جميع المماليك السندية فكانوا يتداولون في البلاد ولا يرغب أحد بالثمن اليسير في شرائهم‏.‏
بها نهر مهران عرضه كعرض دجلة أو أكثر يقبل من المشرق آخذاً جهة الجنوب متوجهاً إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل السند قال الاصطخري‏:‏ مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ويظهر بملتان على حد سمندور ثم على المنصورة ثم يقع في البحر وهو نهر كبير عذب جداً يقال فيه تماسيح كما في النيل وجريه مثل جريه يرتفع على الأرض ثم ينصب ويزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر‏.‏
وقال الجاحظ‏:‏ ان تماسيح نهر مهران أصغر حجماً من تماسيح النيل وأقل ضرراً وذكر أنه مهيمة قرية بين مكة والمدينة على ميل من الأبواء‏.‏
بها ماء مهيمة وهو ماء ساكن لا يجري إذا شربته الإبل يأخذها الهيام وهو حمي الإبل لا تعيش الإبل بها‏.‏
والقرية موبأة لفساد مائها‏.‏
نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة بناها نجران بن زيدان بن سبا بن يشجب قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ القرى المحفوظة أربع‏:‏ مكة والمدينة وإيليا ونجران وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ثم لا يعودون إليها أبداً‏.‏
كان بها كعبة نجران بناها عبد المدان بن الريان الحرثي مضاهاة للكعبة وعظموها وسموها كعبة نجران وكان بها أساقفة مقيمون وهم الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمباهلة‏.‏
قال هشام بن الكلبي‏:‏ انها كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت حاجته أو مسترفد أرفد‏.‏
وكانت القبة على نهر يستغل عشرة آلاف دينار تستغرق القبة جميعها‏.‏ينسب إليها عبد الله بن النامر سيد شهداء نجران قال محمد بن القرطي‏:‏ كان أهل نجران أهل الشرك وكان عندهم ساحر يعلم صبيانهم السحر فنزل بهم رجل صالح وابتنى خيمة بجنب قرية الساحر فجعل أهل نجران يبعثون أولادهم إلى الساحر لتعلم السحر وفيهم غلام اسمه عبد الله وكان ممره على خيمة الرجل الصالح فأعجبه عبادة الرجل فجعل يجلس إليه ويسمع منه أمور الدين حتى أسلم وتعلم منه الشريعة والاسم الأعظم‏.‏
فقال له الرجل الصالح‏:‏ عرفت الاسم الأعظم فاحفظ على نفسك وما أظن أن تفعل‏.‏
فجعل عبد الله إذا رأى أحداً من أصحاب العاهات يقول له‏:‏ إن دخلت في ديني فإني أدعو الله ليعافيك‏!‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏
فيدخل فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد ذو ضربة فرفع أمره إلى الملك فأحضره وقال‏:‏ أفسدت على أهل نجران وخالفت ديني ودين آبائي لأمثلن بك‏!‏ فقال عبد الله‏:‏ أنت لا تقدر على ذلك‏!‏ فجعل يلقيه من شاهق فيقوم سليماً ويرميه في ماء مغرق فيخرج سليماً‏!‏ فقال له عبد الله‏:‏ لا تقدر على قتلي حتى تؤمن بمن آمنت به‏.‏
فوحد الله ودخل في دينه ثم ضربه بعصاً كانت في يده فشجه شجة يسيرة فمات عليها‏.‏
فلما رأى أهل نجران ذلك قالوا‏:‏ آمنا برب عبد الله‏.‏
فحفر الملك اخدوداً وملأها حطباً وأضرم فيه النار وأحضر القوم فمن رجع عن دينه تركه ومن لم يرجع ألقاه في النار فذلك قوله تعالى‏:‏ قتل أصحاب الأخدود‏.‏
وذكر أن عبد الله بن النامر أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على شجته كما وضعها عليها حين قتل‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif الندهة
أرض واسعة بالسند بها خلق كثير إلا أنهم كالزط‏.‏
وبها خير كثير وأكثر زروعهم الرز‏.‏
وبها الموز والعسل والنارجيل‏.‏
وبها الجمل الفالج ذو السنامين وهذا الصنف من الإبل لا يوجد إلا هناك يجلب منها إلى خراسان وفارس ويجعل فحلاً للنوق العربية فتولد منهما البخاتي‏.‏
الهند هي بلاد واسعة كثيرة العجائب‏.‏
تكون مسافتها ثلاثة أشهر في الطول وشهرين في العرض وهي أكثر أرض الله جبالاً وأنهاراً وقد اختصت بكريم النبات وعجيب الحيوان ويحمل منها كل طرفة إلى سائر البلاد مع أن التجار لا يصلون إلا إلى أوائلها‏.‏
وأما أقصاها فقلما يصل إليها أهل بلادنا لأنهم كفار يستبيحون النفس والمال‏.‏
والهند والسند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح عليه السلام وهم أهل ملل متلفة‏:‏ منهم من يقول بالخالق دون النبي وهم البراهمة ومنهم من لا يقول بهما ومنهم من يعبد بها من المعدنيات جواهر نفيسة ومن النبات أشياء غريبة ومن الحيوانات حيوانات عجيبة ومن العمارة رفيعة قال أبو الضلع السندي يذكر بلاد الهند وما يجلب منها‏:‏ لقد أنكر أصحابي وما ذلك بالأمثل إذا ما مدح الهند وسهم الهند في المقتل لعمري إنّها أرضٌ إذا القطر بها ينزل يصير الدّرّ والياقوت والدّرّ لمن يعطل فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل وأصنافٌ من الطّيب ليستعمل من يتفل وأنواع الأفاويه وجوز الطّيب والسّنبل ومنها العاج والسّاج ومنها العود والصّندل وإنّ التّوتيا فيها كمثل الجبل الأطول ومنها الببر والنّمر ومنها الفيل والدّغفل ومنها الكرك والببغاء والطّاووس والجوزل وأرماحٌ إذا ما هزّت اهتزّ بها الجحفل فهل ينكر هذا الفضل إلاّ الرّجل الأخطل ومن عجائب الهند حجر موسى فإنه يوجد بالليل ولا يوجد بالنهار يكسر كل حجر ولا يكسره حجر‏.‏
ومن عجائبها شجرة كسيوس فإنها شجرة حلوة الثمرة تقع الحمام عليها وتأكل من ثمرتها فيغشى على الحمام فتأتي الحية لقصد الحمام فإن كان على غصن الشجرة أو ظلها لا تقدر الحية أن تقربها‏.‏
ومن عجائبها البيش وهو نبت لا يوجد إلا بالهند سم قاتل أي حيوان يأكل منه يموت ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة البيش يأكل منه ولا يضره ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زماناً ثم تحت فراشهن زماناً ثم تحت ثيابهن زماناً ثم يطعمونهن منه في اللبن حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرها ثم بعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإنه إذا غشيها مات‏.‏
وبها غنم لها ست ألايا‏:‏ إحداها على المكان المعهود والثانية على الصدر والثالثة والرابعة وبها حيات إذا لسعت إنساناً يبقى كالميت فيشدونه على لوح ويلقونه في الماء والماء يذهب به إلى موضع فيه مارستان وعلى الماء من يترصد الملسوعين فيأخذهم ويعالجونهم فيرجع بعد مدة إلى أهله سالماً‏.‏
وبها طير عظيم الجثة جداً قالوا‏:‏ إنه في بعض جزائرها إذا مات نصف منقاره يتخذ مركباً يركب الناس فيه في البحر وعظم ريشه يتخذ آزون الطعام ويسع الواحد منه أحمالاً كثيرة‏.‏
ومن عجائبها مدينة إذا دخلها غريب لم يقدر على المجامعة أصلاً ولو أقام بها ما أقام فإذا خرج عنها زال عنه المانع ورجع إلى حاله‏.‏
قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض الهند بحيرة مقدار عشرة فراسخ في مثلها ماؤها ينبع من أسفلها لا يأتيها شيء من الأنهار‏.‏
وفي تلك البحيرة حيوانات على صورة الإنسان إذا كان الليل يخرج منها عدد كثير يلعبون على ساحل البحر ويرقصون ويصفقون باليدين وفيهم جوار حسناوات‏.‏
ويخرج منها أيضاً حيوانات على غير صورة الإنسان عجيبة الأشكال والناس في الليلة القمراء يقعدون من البعد وينظرون إليهم وكلما كان النظار أكثر كان الخارجون أكثر‏.‏
وربما جاءوا بالفواكه الكثيرة أكلوها وتركوا ما فضل منها على الساحل وإن مات منهم أحد أخرجوه من البحيرة وستروا سوأته بالطين والناس يدفنونه وما دام يبقى على الساحل لا يخرج قال صاحب عجائب الأخبار‏:‏ بأقصى بلاد الهند أرض رملها مخلوط بالذهب وبها نوع من النمل عظام وهي أسرع عدواً من الكلب‏!‏ وتلك الأرض شديدة الحرارة جداً فإذا ارتفعت الشمس واشتدت الحرارة تهرب النمل إلى أسراب تحت الأرض وتختفي فيها إلى أن تنكسر سورة الحر فتأتي الهند بالدواب عند اختفاء النمل ويحمل من ذلك الرمل ويسرع في المشي مخافة أن يلحقهم النمل فيأكلهم‏.‏
قال المسعودي‏:‏ بأرض الهند هيكل عظيم عندهم يقال له بلاذري ليس لهم هيكل أعظم منه له بلد قد وقف عليه وحوله ألف مقصورة فيها جوار موقوفة على الصنم لمن جاءه زائراً‏.‏
ومن جاء سجد له وأقام في ضيافته ثلاثاً وبات عند جارية من جواريه ثم رجع‏.‏
بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ على هذا الجبل صورة أسدين يخرج من فمهما ماء كثير يصير ساقيتين عليهما شرب قريتين علي كل ساقية قرية فوقعت بين القريتين خصومة فكسروا فم أحدهما فانقطع ماؤه فأصلح المكسور ليرجع إلى حاله فما أفاد شيئاً‏.‏
وبها نهر كبك وهو نهر عظيم وللهند فيه اعتقاد عظيم من مات من عظمائهم يلقون عظامه في هذا النهر ويقولون إنها تساق إلى الجنة وبين هذا النهر وسومناة مائتا فرسخ يحمل كل يوم من مائه إلى سومناة ليغسلوا به بيوت الأصنام وغيرها يتبركون به‏.‏وبها عين العقاب قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض الهند جبل فيه عين ماء إذا هرمت العقاب تأتب بها أفراخها هذه العين وتغسلها فيها ثم تضعها في الشمس فإن ريشها يتساقط عنها وينبت لها ريش جديد ويزول عنها الضعف وترجع إلى القوة والشباب‏.‏
حكي انه ذكر في مجلس كسرى أنوشروان أن بأرض الهند جبلاً فيه شجر ثمرتها تحيي الموتى فبعث رجلاً إلى بلاد الهند ليأتيه بصحة هذا الكلام فذهب إلى بلاد الهند يسأل عن الجبل حتى اجتمع ببعض البراهمة فقال له‏:‏ هذا الكلام مرموز من كلام الحكماء أرادوا بالجبل الرجل العالم وبالشجرة علمه وبثمرتها فائدة علمه وبالحياة حياة الآخرة‏.‏
فقال كسرى‏:‏ صدق عالم الهند الأمر كما ذكر‏.‏

يترب
قرية من قرى اليمامة كثيرة النخل قال ابن الكلبي‏:‏ كان بها رجل من العمالقة يقال له عرقوب فأتاه أخ له مستميحاً فقال له عرقوب‏:‏ إذا أطلعت نحلي فلك طلعها‏.‏
فلما أطلعت قال‏:‏ دعها حتى تصير بلحاً فلما أبلحت قال‏:‏ دعها حتى تصير زهواً ثم حتى تصير بسراً ثم حتى تصير رطباً ثم تمراً‏.‏
فلما أتمرت عمد إليها ليلاً فجدها فصار مثلاً في الخلف قال الأصمعي‏:‏ اليمامة ناحية بين الحجاز واليمن أحسن بلاد الله وأكثرها خيراً ونخلاً وشجراً‏.‏
كانت في قديم الزمان منازل طسم وجديس وهما من ولد لاوذ بن ارم بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام‏.‏
أقاموا باليمامة فكثروا بها وملك عليهم رجل من طسم يقال له عمليق بن حياش وكان جباراً ظلوماً يحكم بينهم بما شاء‏.‏
حكي انه احتكم إليه رجل وامرأة في مولود بينهما فقال الزوج واسمه قابس‏:‏ أيها الملك أعطيتها المهر كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا ولداً جاهلاً فافعل ما كنت فاعلاً‏!‏ فقالت الزوجة واسمها هزيلة‏:‏ أيها الملك هذا ولدي حملته تسعاً ووضعته دفعاً وأرضعته شبعاً ولم أنل منه نفعاً حتى إذا تمت فصاله واشتدت أوصاله أراد زوجي أخذه كرهاً وتركي ولهى‏!‏ فقال الزوج‏:‏ إني حملته قبل أن تحمله وكفلت أمه قبل أن تكفله‏!‏ فقالت الزوجة‏:‏ إنه أيها الملك حمله خفاً وأنا حملته ثقلاً ووضعه شهوةً وأنا وضعته كرهاً‏!‏ فلما رأى عمليق متانة حجتها تحير ورأى أن يجعل الغلام في جملة غلمانه حتى يتبين له الرأي فيه فقالت له هزيلة‏:‏ أتينا أخا طسمٍ ليحكم بيننا فأظهر حكماً في هزيلة ظالما فلما سمع عمليق ذلك غضب على نساء جديس وأمر أن لا تزوج بكر من نساء جديس حتى تدخل عليه فيكون هو مفترعها‏!‏ فلقوا من ذلك ذلاً حتى تزوجت غفيرة بنت غفار أخت الأسود بن غفار سيد جديس فلما كانت ليلة الزفاف أخرجت لتحمل إلى الملك والقينات حولها يضربن بمعازفهن ويقلن‏:‏ ابدي بعمليق وقومي واركبي وبادري الصّبح بأمرٍ معجب‏!‏ فسوف تلقين الذي لم تطلبي وما لبكرٍ دونه من مهرب‏!‏ فأدخلت على عمليق فامتنعت عليه وكانت أيدة فافترعها بحديدة وأدماها فخرجت ودمها يسيل على قدميها فمرت باكية إلى أخيها وهو في جمع عظيم وهي تقول‏:‏ لا أحدٌ أذلّ من جديس أهكذا يفعل بالعروس فقال أخوها‏:‏ ما شأنك فأنشأت تقول‏:‏ أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم وأنتم رجالٌ فيكم عدد الرّمل أيجمل تمشي في الدّماء فتاتكم صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل فلو أنّنا كنّا رجالاً وكنتم نساءً لكنّا لا نقرّ على الذّلّ‏!‏ فدبّوا إليهم بالصّوارم والقنا وكلّ حسامٍ محدث الأمر بالصّقل فلما سمعت جديس ذلك امتلأت غيظاً قال الأسود لجديس‏:‏ يا قوم اتبعوني فإني عبر الدهر ‏!‏ فقال القوم‏:‏ إنا لك مطيعون لكن عرفت أن القوم أكثر منا عدداً وعدداً‏!‏ فقال الأسود‏:‏ اني أرى أن أتخذ للملك طعاماً فإذا حضروا أنا أقوم إلى الملك وكل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم ونقتلهم‏!‏ فصنع الأسود طعاماً وأمر أن يدفن كل واحد سيفه تحت الرمل مكان جلوسه فلما جاءهم الملك وقومه وجلسوا للأكل قتل الأسود الملك وقتل كل واحد منهم شريفاً من أشراف طسم فلما فرغوا منهم شرعوا في بقايا طسم فهرب واحد منهم اسمه رياح بن مرة حتى لحق بحسان بن تبع الحميري وقال له‏:‏ عبيدك ورعيتك قد اعتدى علينا جديس فقال له‏:‏ ما شأنك فرفع عقيرته ينشد‏:‏ أجبني إلى قوم دعونا لغدرهم إلى قتلهم فيها لك الأجر فإنّك لن تسمع بيومٍ ولن ترى كيوم أباد الحيّ طسماً به المكر أتيناهم في أزرنا ونعالنا علينا الملاء الحمر والحلل الخضر بصرنا طعوماً بالعراء وطعمةً ينازع فينا الطّير والذّئب والنّمر فدونك قوماً ليس لله فيهم ولا لهم منه حجابٌ ولا ستر فأجابه حسان إلى سؤاله ووعده بنصره ثم سار في جيوشه إليهم فصبحهم واصطلمهم فهرب وينسب إليها زرقاء اليمامة وانها كانت ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة‏:‏ أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس واسمها الزرقاء وانها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا‏.‏
فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبهوا على اليمامة‏.‏
وساروا بالليل فقال الملك‏:‏ وفي الليل أيضاً فقال‏:‏ نعم‏!‏ ان بصرها بالليل أنفذ‏!‏ فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت‏:‏ يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حمير‏.‏
فكذبوها فأنشأت تقول‏:‏ خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر إني أرى شجراً من خلفها بشرٌ لأمرٍ اجتمع الأقوام والشّجر فلما دهمهم حسان قال لها‏:‏ ماذا رأيت قالت‏:‏ الشجر خلفها بشر‏!‏ فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جو وكانت المدينة قبل هذا تسمى جواً فسماها تبع اليمامة وقال‏:‏ وسمّيت جوّاً باليمامة بعدما تركت عيوناً باليمامة همّلا نزعت بها عيني فتاةٍ بصيرةٍ رعاماً ولم أحفل بذلك محفلا تركت جديساً كالحصيد مطرّحاً وسقت نساء القوم سوقاً معجّلا وقلت خذيها يا جديس بأختها‏!‏ وأنت لعمري كنت في الظّلم أوّلا‏!‏ فلا تدع جوّاً ما بقيت بإسمها ولكنّها تدعى اليمامة مقبلا وينسب إليها مسيلمة الكذاب الذي يقال له رحمن اليمامة ادعى النبوة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه المعجزة فأخرجه قارورة ضيقة الرأس فيها بيضة فآمن به بعضهم وهم بنو حنيفة أقل الناس عقلاً فاستخف قومه فأطاعوه‏!‏ وبنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنماً من العسل والسمن يعبدونه فأصابتهم في بعض السنين مجاعة فأكلوه فضحك على عقولهم الناس وقالوا فيهم‏:‏ أكلت حنيفة ربّها زمن التّقحّم والمجاعه لم يحذروا من ربّهم سوء العواقب والتّباعه والبيضة إذا تركت في الخل زماناً لانت فأدخلها في القارورة ثم صب عليها فعادت إلى حالها وكان ظهوره في السنة العاشرة من الهجرة وحكي انه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله‏.‏
سلام عليك‏!‏ أما بعد فإني أشركت في الأمر معك وان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها لكن قريشاً يعتدون وانفذه مع رسولين فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى‏!‏ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏
قتل مسيلمة خالد بن الوليد في زمن أبي بكر‏.‏
وحكي أنه رأى حمامة مقصوصة الجناح فقال‏:‏ لم تعذبون خلق الله لو أراد الله من الطير غير الطيران ما خلق لها جناحاً وإني حرمت عليكم قص جناح الطائر‏!‏ فقال بعضهم‏:‏ سل الله الذي أعطاك آية البيض أن ينبت له جناحاً‏!‏ فقال‏:‏ إن سألت فانبت له جناحاً فطار تؤمنون بي قالوا‏:‏ نعم‏.‏
فقال‏:‏ إني أريد أناجي ربي فأدخلوه معي هذا البيت حتى أخرجه وافي الجناح حتى يطير‏.‏
فلما خلا بالطائر أخرج ريشاً كان معه وأدخل في قصبة كل ريشة مقطوعة ريشة مما كان معه فأخرجه وأرسله فطار فآمن به جمع كثير‏.‏
وحكي أنه قال في ليلة منكرة الرياح مظلمة‏:‏ إن الملك ينزل إلي الليلة ولأجنحة الملائكة صلصلة وخشخشة فلا يخرجن أحدكم فإن من تأملهم اختطف بصره‏.‏
ثم اتخذ صورة من الكاغد لها جناحان وذنب وشد فيها الجلاجل والخيوط الطوال فأرسل تلك الصورة وحملتها الريح والناس بالليل يرون الصورة ويسمعون صوت الجلاجل ولا يرون الخيط‏.‏
فلما رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفاً من أن تختطف أبصارهم فصاح بهم صائح‏:‏ من دخل منزله فهو آمن‏!‏ فأصبحوا مطبقين على تصديقه قال الهذلي‏:‏ فلما سمع سورة والذاريات قال‏:‏ وقد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ والزارعات زرعاً‏.‏
فالحاصدات حصداً‏.‏
فالطاحنات طحناً‏.‏
فالخابزات خبزاً‏.‏
فالآكلات أكلاً‏!‏ فقال بعض أهل المجون‏:‏ قل والخاريات خرياً‏!‏ ولما سمع سورة الفيل قال‏:‏ قد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ الفيل‏.‏
وما أدراك ما الفيل‏!‏ له ذنب طويل ومشفر وثيل وان ذلك من خلق ربنا النبيل‏!‏ ولما سمع سورة الكوثر قال‏:‏ قد أنزل علي مثلها وهي‏:‏ إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وهاجر ان شانئك هو الكافر‏!‏ فسبحان من أظهر إعجاز القرآن فلو كان من عند غير الله لكان مثل هذا‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:18 AM

الاقليم الثالث
أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر وسدس عشر قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفاً وعشرين وثلاثة عشر قدماً‏.‏
وهو يبتديء من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين ثم الهند ثم السند ثم كابل وكرمان وسجستان وفارس والاهواز والعراقين والشام ومصر والاسكندرية وبرقة وإفريقية وينتهي إلى حد البحر المحيط‏.‏
وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ثلاث عشرة ساعة ونصف وربح وفي وسطه أربع عشرة ساعة وفي آخره أربع عشرة ساعة وربع وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانمائة ألف وسبعمائة وأربعة وسبعون ميلاً وخمس وأربعون دقيقة وتكسيره مساحة ثلاثمائة ألف ألف وستة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسون ميلاً وتسع وعشرون دقيقة ولنذكر بعض بلاده مرتباً على حروف المعجم‏.‏

أبرقوه
بلدة مشهورة بأرض فارس‏.‏
هم يسمونها دركوه يعني قرب الجبل لأن بها تلاً عظيماً‏.‏
حكي في أخبار الفرس أن سعدى بنت تبع كانت زوجة كيكاوس ملك الفرس عشقت ابن زوجها سياوش وراودته عن نفسه فامتنع عليها فأخبرت أباه أنه راودها كذباً عليه‏.‏
فغضب الملك على ابنه فأجج سياوش ناراً عظيمة بأبرقوه ليدخلها فإن كان بريئاً لا تعمل فيه النار وإن كان خائناً يحترق وكان هذا يمينهم فدخلها سياوش وخرج منها سالماً فانتفت منه التهمة فتأذى من أبيه وفارقه وذهب إلى افراسياب ملك الترك فأكرمه وزوجه ببنته ثم قيل لافراسياب‏:‏ انه يريد الغدر بك فأخذه وقتله فوقعت الخصومة بين الفرس والترك إلى هذا الوقت فذكر أن التل العظيم بأبرقوه رماد نار سياوش‏.‏
ومن عجائب ابرقوه أن المطر لا يقع في داخلها إلا قليلاً وإنما يقع في حواليها دون السور ويزعمون أن ذلك بدعاء الخليل عليه السلام وزعموا أن الخليل عليه السلام منعهم عن استعمال البقر في الزرع وهم لا يستعملونها مع كثرتها بها‏.‏

أبسوج
قرية بمصر في غربي النيل بها بيعة خاصيتها دفع الفأر وذاك على بابها صورة فأرة في جحر والناس يأخذون طين النيل ويطبعونه على صورة الفأرة التي في الجحر ويحملونه إلى بيوتهم وتهرب الفأر عن بيوتهم‏.‏
وذكر أهل القرية أن مركباً كان فيه شعير وقف تحت هذه القرية فقصد صبي من المركب وأخذ شيئاً من طين النيل وطبع به الفأرة ونزل المركب بالطين المطبوع فتبادرت فأر المركب ترمي نفسها في الماء‏.‏
فتعجب الناس من ذلك وجربوه في البيوت أيضاً وكان أي طابع حصل في دار لم تب فيها فأرة إلا خرجت فتقتل أو تفلت إلى موضع لا طابع فيه‏.‏
فأخذ أكثر الناس الطابع وتركوه في بيتهم‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أبيار
مدينة بقرب الإسكندرية‏.‏بها معدن النطرون‏.‏
من عجائبه أن كل شيء يقع فيه يصير نطروناً حتى لو وقع فيه ثور يصير نطروناً بجميع أجزائه والنطرون نوع من البورق يستعمل في الأدوية‏.‏

أجر
قرية في إفريقية بقرب القيروان لها حصن وقنطرة عجيبة في موضع زعر كثيرة الحجارة من عجائبها ان الريح العاصف دائمة الهبوب بها وأرضها مأسدة الأسود بها كثيرة فلا تخلو من الريح العاصف والأسد القاصف‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif إخميم
بلدة صغيرة عامرة بالنخيل والزروع على النيل الشرقي‏.‏
من عجائبها الجبل الذي في غربيها من أصغى إليه سمع صوتاً كخرير الماء ولغطاً شبيهاً بكلام ولم تعرف حقيقة ذلك‏.‏
وبها البرابي التي هي من عجائب مصر‏.‏
والبربا عبارة عن بيت عمل فيه شجر أو طلسم‏.‏
وبربا اخميم بيت فيه صور ثابتة في الحجارة بادية إلى الآن موجود‏.‏
ذكر في كتاب أخبار مصر انه لما أغرق الله تعالى فرعون وجنوده في البحر خلت مصر عن الرجال الأجناد‏.‏
وكانت امرأة من بيت الفراعنة يقال لها دلوكة أرادت أن يبقى عليها اخميم لا يطمع فيها الملوك لعدم الأجناد‏.‏
وكان في زمانها ساحرة يقدمها سحرة مصر في علم السحر يقال لها تدورة فقالت لها دلوكة‏:‏ احتجنا إليك في شيء تصنعينه يكون حرزاً لبلادنا ممن يرومه من الملوك إذ بقينا بغير رجال‏.‏
فأجابتها إلى ما أرادت وصنعت لها بربا وهو بيت له أربعة أبواب إلى أربع جهات وصورت فيها السفن والرجال والخيل والبغال والحمير وقالت‏:‏ قد عملت لك شيئاً يغنيك عن الرجال والسلاح والحصن فإن من أتاكم من البر يكون على الخيل والبغال والحمير وان من أتاكم من البحر يكون في السفن فعند ذلك تحركت الصور التي هي مثلهم وتشاكلهم فما فعلتم بالصور أصابهم مثل ذلك في أنفسهم‏.‏
فكان بعد ذلك إذا أتاهم عدو تحركت الصور فقطعوا سوق الدواب وفقأوا عيون الرجال وبقروا بطونهم فيصيبهم مثل ذلك‏.‏
وهذه الحكاية وإن كانت وينسب إليها أبو الفيض ذو النون المصري ابن إبراهيم الاخميمي‏.‏
انه كان أوحد وقته علماً وورعاً وأدباً‏.‏
وله حالات عجيبة أعجب من البرابي حكى سالم بن عبد الله المغربي قال‏:‏ سألت ذا النون عن سبب توبته فقال‏:‏ انه عجيب لا تطيقه‏!‏ فقلت‏:‏ وحق معبودك الا أخبرتني ‏!‏ فقال‏:‏ خرجت من مصر أريد بعض القرى فنمت في بعض الطريق ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض فانشقت الأرض فخرجت منها سكرجتان إحداهما ذهب والأخرى فضة وفي إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا فقلت‏:‏ حبي لزمت الباب حتى قبلني‏.‏
توفي سنة خمس وأربعين ومائتين‏.‏
وحكى يوسف بن الحسين قال‏:‏ بلغني أن ذا النون يعرف اسم الله الأعظم فقصدت مصر وخدمته سنة ثم قلت له‏:‏ أيها الأستاذ أثبت عليك حق الخدمة أريد أن تعرفني اسم الله الأعظم ولا تجد له موضعاً مثلي‏.‏
فسكت حتى أتى على هذا ستة أشهر ثم أخرج لي يوماً طبقاً ومكنةً مشدوداً في منديل وكان ذو النون بالجيزة قال لي‏:‏ أتعرف صديقنا فلاناً بالفسطاط قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ أريد أن تؤدي إليه هذا‏.‏
قال‏:‏ فأخذت الطبق وامشي طول الطريق وأتفكر في ذلك فلم أصبر حتى حللت المنديل ورفعت المكنة فإذا فأرة على الطبق أفلتت ومرت فاغتظت من ذلك وقلت له‏:‏ إنه يسخر بي‏!‏ فرجعت إليه مغتاظاً فلما رآني عرف ما في وجهي فقال‏:‏ يا أحمق ائتمنتك على فأرة فخنتني‏!‏ أفآتمنك على اسم الله الأعظم مر عني لا أراك‏.‏

أرجان
مدينة مشهورة بأرض فارس بناها قباذ بن فيروز والد أنوشروان العادل قال ابن الفقيه‏:‏ من عجائبها كهف في حبل ينبع منه ماء شبيه بعرق يترشح من حجارته يكون منه الموميا الجيد الأبيض وعلى هذا الكهف باب حديد وحفظة يغلق ويختم بختم السلطان إلى يوم من السنة يفتح فيه ويحضر القاضي ومشايخ البلد ويدخل الكهف رجل عريان فيجمع ما قد اجتمع فيه من الموميا ويجعله في قارورة فيكون مقدار مائة مثقال أو دونها ثم يغلق الباب ويختم إلى القابل‏.‏
وخاصيته أن الأنسان إذا سقي منه مقدار عدسة وقد انكسر من أعضائه شيء أو انهشم ينرل كما يشربه إلى الكسر والهشم ويصلحه‏.‏
وبها قنطرة عجيبة على نهر طاب وهي قوس واحدة سعة ما بين القائمتين ثمانون خطوة وارتفاعها مقدار ما يخرج منها راكب الجمل وبيده أطول الأعلام‏.‏
وبها بئر صاهك‏.‏
ذكر أهل ارجان‏:‏ أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات والارسان فلم يقفوا منها وإليها ينسب الفضل بن علان من أعيان أرجان كان به حمى الربع‏.‏
قيل له‏:‏ ان النعمان بن عبد الله يقدم غداً والوجه أن تتلقاه‏.‏
فقال‏:‏ كيف ذلك وغداً نوبة الحمى لكن يا غلام هات اللحاف حتى أحم اليوم وغداً أتلقى الرجل‏!‏ الأردن ناحية بأرض الشام في غربي الغوطة وشماليها وقصبتها طبرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام بها البحيرة المنتنة التي يقال لها بحيرة طبرية‏.‏
ودورة البحيرة ثلاثة أيام والجبال تكتنفها فلا ينتفع بهذه البحيرة ولا يتولد فيها حيوان وقد يهيج في بعض الأعوام فيهلك أهل القرى الذين هم حولها كلهم حتى تبقى خالية مدة ثم يأتي يسكنها من لا رغبة له في الحياة‏.‏
وان وقع في هذه البحيرة شيء لا يبقى منتفعاً به حتى الحطب إذا وقع فيها لا تعمل النار فيه البتة وذكر ابن الفقيه أن الغريق فيها لا يغوص بل يبقى طافياً إلى أن يموت ويخرج من هذه البحيرة حجر على شكل البطيخ يقال له الحجر اليهودي ذكره الفلاسفة واستعمله الأطباء لحصاة المثانة وهو نوعان‏:‏ ذكر وأنثى فالذكر للرجال والأنثى للنساء‏.‏
وبها منزل يعقوب النبي عليه السلام وبها جب يوسف الصديق وإلى الآن باق والناس وينسب إليها الحواريون القصارون قال لهم عيسى عليه السلام‏:‏ من انصاري إلى الله قال الحواريون‏:‏ نحن أنصار الله‏.‏

أريحا
مدينة بقرب بيت المقدس من أعمال الأردن بالغور‏.‏
ذات نخل وموز وسكر كثير وهي قرية الجبارين التي أمر الله موسى عليه السلام بدخولها فقال موسى لبني إسرائيل‏:‏ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم يعني أرض الشام فخرج موسى من مصر بستمائة ألف مقاتل عازماً للشام فلما وصلوا إلى البرية التي بين مصر والشام بعث موسى اثني عشر نقيباً من كل سبط واحداً رسولاً إلى الجبارين ليعرفوا حالهم فلما قربوا من أريحا تلقاهم رجل من العمالقة سألهم عن حالهم فقالوا‏:‏ إنا رسل موسى رسول الله إليكم‏.‏
فجعلهم في كمه كما يجعل أحدنا في كمه العصافير وذهب بهم إلى ملك العمالقة ونفضهم بين يديه وقال‏:‏ هؤلاء الذين يريدون قتالنا‏!‏ أتأذن لي أن أطأهم بقدمي أفسخهم فقال الملك‏:‏ لا اتركهم حتى يرجعوا إلى قومهم يعرفونهم حالنا وقوتنا وضعفهم‏.‏
فرجع النقباء وذكروا للقوم ما شاهدوا فامتنع القوم عن دخول الشام وقالوا‏:‏ إن فيها قوماً جبارين‏.‏
وكان من النقباء يوشع بن نون ابن عم موسى وكالب بن يوفنا زوج أخت موسى قالا‏:‏ يا قوم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون‏!‏ وجد موسى وهارون جداً عظيماً فقالوا‏:‏ إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فينا فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون‏.‏
فحبسهم الله تعالى في التيه أربعين سنة فماتوا كلهم سوى يوشع وكالب وأوحى الله تعالى إلى يوشع فدخل الشام بأولاد الممتنعين وفتحها فأمرهم الله تعالى أن يدخلوا مدينة أريحا سجداً لله تعالى شكراً قائلين‏:‏ حطة‏!‏ أي سؤالنا حط ذنوبنا‏.‏
وكانوا يدخلونها على استاههم قائلين حنطة فسخط الله عليهم ورماهم بالطاغين فهلك منهم آلاف مؤلفة وذلك قوله تعالى‏:‏ فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون‏.‏

الإسكندرية
وهي المدينة المشهورة بمصر على ساحل البحر‏.‏
اختلف أهل السير في بانيها‏:‏ فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول وهو ذو القرنين اشك بن سلوكوس الرومي الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطاليس وبين الأول والثاني دهر طويل‏.‏
قيل‏:‏ إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية ذبح ذبائح كثيرة للقرابين ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمر هذه المدينة هل يتم أم لا فرأى في منامه قائلاً يقول له‏:‏ إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر‏.‏
فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد فإذا هم مترقبون طار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء‏.‏
قيل ذلك للاسكندر فقال‏:‏ أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها‏.‏
فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها فأصبحوا وقد خربت‏.‏
فأمر الإسكندر باتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن فاندفع عنها أذيتهم‏.‏
قال المسعودي‏:‏ الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا كل عمود طوله ثمانون ذراعاً عليها صور وأشكال وكتابة فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح‏.‏
وكان عليها سبعة أسوار وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات قال المفسرون‏:‏ كانت هي المراد من قوله تعالى‏:‏ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً‏.‏
وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة‏.‏
وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة‏.‏
بها مجلس سليمان عليه السلام قال الغرناطي‏:‏ إنه خارج الإسكندرية بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها كل عمود على قاعدة من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً إني شبرتها بشبري‏.‏
ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة وكانوا بخلاف أهل زماننا‏.‏
ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء فإذا استوت لا يمكن أخذها وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه وكانت الإسكندرية مجمع الحكماء وبها كان معاريجهم مثل الدرج يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء فإن موضعه كان على الدرجة السفلى‏.‏
ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت وفوق ذلك منارة مثمنة وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة طول الأولى تسعون ذراعاً والمثمنة مثل ذلك وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكل ينظر إليها كل لحظة فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه‏.‏
وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب في الإسلام وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام‏.‏
فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية‏.‏
فسأله الوليد عن مكانه فقال‏:‏ تحت منارة الإسكندرية فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة‏.‏
فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة فضجت الناس من أهل الإسكندرية‏.‏
فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركب نحو الروم وتمت حيلته‏.‏
والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة بينها وبين البر نحو شوط فرس ولا طريق إليها إلا في البحر المالح وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه‏.‏
وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة فترتقي إلى طبقة عالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان‏.‏
وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال‏:‏ إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت‏.‏
فقالوا‏:‏ انظرنا حتى نتفكر‏.‏
فقال‏:‏ أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال‏.‏
فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها من النخر والقدم فقالوا‏:‏ جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيدها إلى ما كانت‏.‏فسكت‏.‏
بها عين مشهورة بعين الإسكندرية فيها نوع من الصدف يوجد في كل وقت لا يخلو منه في شيء من الأوقات يطبخ وتشرب مرقته تبريء من الجذام‏.‏
والله الموفق‏.‏

أسيوط
مدينة في غربي النيل من نواحي الصعيد في مستوى كثيرة الخيرات عجيبة المتنزهات وعجائب عماراتها وصورها مما يرى لا مما يذكر‏.‏
ولما صورت الدنيا للرشيد لم يستحسن غير كورة اسيوط لكثرة ما بها من الخيرات والمتنزهات‏.‏
فيها سبع وخمسون كنيسة للنصارى‏.‏ومن عجائبها ان بها ثلاثين ألف فدان ينشر ماؤها في جميعها وإن كان قليلاً لاستواء سطح أرضها ويصل الماء إلى جميع أقطارها‏.‏
وبها الأفيون المصري الذي يحمل إلى سائر البلاد وهو عصارة ورق الخشخاش الأسود والخس‏.‏
وبها سائر أنواع السكر ومنها يحمل إلى جميع الدنيا‏.‏
وبها مناسج الديبقي والثياب اللطيفة التي لا يوجد مثلها في شيء من البلاد‏.‏

إصطخر
مدينة بأرض فارس قديمة لا يدرى من بناها كان سليمان عليه السلام يتغدى بأرض الشام ببعلبك ويتعشى بإصطخر‏.‏
بها بيت نار عظيم للمجوس ويقولون إنه كان مسجد سليمان عليه السلام قال المسعودي‏:‏ إنه خارج المدينة دخلته فرأيت بنياناً عجيباً وأساطين صخر عجيبة على أعلاها صور من الصخر عظيمة الأشكال‏.‏
ذكر أهل الموضع أنها صور الأنبياء وهو في سفح جبل وهو هيكل عظيم من عجائبه أن الريح لا تفارق ذلك الهيكل ليلاً ولا نهاراً ولا تفتر عن الهبوب ساعة يقولون‏:‏ ان سليمان عليه السلام حبس الريح فيه‏.‏وذكر ابن الأثير الجزري في تاريخه‏:‏ أن السلطان الب أرسلان لما فتح قلعة اصطخر وجد بها قدح فيروزج اسم جمشيد الملك مكتوب عليه‏.‏
ومن عجائبه تفاح بعضه حلو وبعضه حامض قال الاصطخري‏:‏ حدث بذلك الأمير مرداس بن عمرو فأنكر الحاضرون فأحضر حتى رأوه وزال إنكارهم‏.‏
وينسب إليها الاصطخري صاحب كتاب الأقاليم فإنه ذكر في كتابه النواحي المعمورة وذكر بلادها وقراها والمسافات بينها وخواص موضع ان كان له خاصية وما قصر في جميع ذلك الكتاب‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif إفريقية
مدينة كبيرة كثيرة الخيرات طيبة التربة وافرة المزارع والأشجار والنخل والزيتون وكانت افريقية قديماً بلاداً كثيرة والآن صحارى مسافة أربعين يوماً بأرض المغرب‏.‏
بها برابر وهم مزاتة ولواتة وهوارة وغيرهم‏.‏
وماء أكثر بلادها من الصهاريج‏.‏
وبها معادن الفضة والحديد والنحاس والرصاص والكحل والرخام‏.‏
ومن عجائبها بحيرة بنزرت حدثني الفقيه أبو الربيع سليمان الملتاني‏:‏ انه يظهر في كل شهر من السنة فيها نوع من السمك يخالف النوع الذي كان قبله فإذا انتهت السنة يستأنف الدور فيرجع النوع الأول وهكذا كل سنة‏.‏
وكذلك نهر شلف فإنه في كل سنة في زمان الورد يظهر فيه صنف من السمك يسمى الشهبوق وهو سمك طوله ذراع ولحمه طيب إلا أنه كثير الشوك ويبقى شهرين‏.‏
ويكثر صيدها في هذا الوقت ويرخص ثمنها ثم ينقطع إلى القابل فلا يوجد في النهر شيء منها إلى السنة القابلة أوان الورد‏.‏
وذكر أبو الحسن علي الجزري في تاريخه‏:‏ انه نشأت بافريقية في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وأربعمائة سحابة شديدة الرعد والبرق فأمطرت حجارة كثيرة وأهلكت كل من أصابته‏.‏
أفيق قرية من قرى مصر‏.‏
ذكر بعض الصالحين انه رأى في نومه ملكاً نزل من السماء وقال له‏:‏ أتريد أن تغفر ذنوبك قال الرجل‏:‏ منيتي ذلك‏!‏ فقال‏:‏ قل مثل ما يقوله مؤذن افيق‏.‏
قال‏:‏ فذهبت إلى افيق فرأيت المؤذن لما فرغ من الأذان قال‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير‏.‏
بها أشهد مع الشاهدين وأحملها مع الجاحدين وأعدها ليوم الدين‏.‏
وأشهد أن الرسول كما أرسل والكتاب كما أنزل والقضاء كما قدر وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور على ذلك أحيا وأموت وأبعث إن شاء الله تعالى‏.‏
أنصنا مدينة قديمة على شرقي النيل بأرض مصر قال ابن الفقيه‏:‏ أهل هذه المدينة مسخوا حجراً‏!‏ فيها رجال ونساء مسخوا حجراً على أعمالهم‏:‏ فالرجل نائم مع زوجته والقصاب يقطع لحمه والمرأة تخمر عجينها والصبي في المهد والرغفان في التنور كلها انقلبت حجراً صلداً‏.‏
وبأنصنا شجر اللبخ وهو عود ينشر لألواح السفينة ربما أرعف ناشره فيكون له قيمة وإذا شد لوح بلوح وترك في الماء سنة صار لوحاً واحداً فإذا اتخذ منها سفينة وبقي في الماء مدة صار كأن السفينة قطعة واحدة فلعل عزتها من هذه الجهة ولشجرته ثمرة تشبه البلح في لونه وشكله وطعمه‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أنطاكية
مدينة عظيمة من أعيان المدن على طرف بحر الروم بالشام‏.‏
موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وفي داخلها مزارع وبساتين‏.‏
وانها بنتها انطاكية بنت الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام ذات سور وفصيل‏.‏
ولسورها ثلاثمائة وستون برجاً يطوف عليها أربعة آلاف حارس من عند صاحب القسطنطينة يضمنون حراستها سنةً ويستبدل بهم في السنة الثانية وسورها مبني على السهل والجبل من عجائب الدنيا‏.‏دورتها اثنا عشر ميلاً‏.‏
وكل برج من أبراجها منزل بطريق فسكنه بخدمه وخوله وجعل كل برج طبقات أسفله مرابط الخيل وأوسطه منزل الرجال وأعلاه موضع البطريق‏.‏
وكل برج كحصن عليه أبواب حديد وفيها ما لا سبيل إلى قطعه من الخارج‏.‏
والمدينة دائرة نصفها سهلي ونصفها جبلي وقطر الدائرة فاصلة بين السهلي والجبلي‏.‏
ولها قلعة عالية جداً تتبين من بعد بعيد تستر الشمس عن المدينة فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية‏.‏
وبها بيعة القسيان وهو الملك الذي أحيا ولده رئيس الحواريين فطرس كما جاء في القصة في قوله تعالى‏:‏ واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون‏.‏
وعلى باب بيعة القسيان صحنان لساعات الليل والنهار يعمل كل واحد اثنتي عشرة ساعة وفي بيعة القسيان من الخدم والمسترزقة ما لا يحصى ولها ديوان فيه بضعة عشر كاتباً‏.‏
والمدينة خمس طبقات على الطبقة الخامسة الحمامات والبساتين ومناظر حسنة وسبب ذلك أن الماء ينزل من الجبل المطل عليها وقد عملوا على الماء الحمامات والبساتين‏.‏
وفيها من الكنائس ما لا يعد كلها معمولة بالفص المذهب والزجاج الملون والبلاط المجزع‏.‏
وحماماتها أطيب الحمامات لأن ماءها العذب السيح ووقودها الآس‏.‏
قال المسعودي‏:‏ رأيت فيها من الماء ما يستحجر في مجاريها المعمولة من الخزف‏.‏
وحكي أنه كان بأنطاكية إذا أخرج الإنسان يده إلى خارج السور وقع عليه البق وإذا جذبها إلى داخل لا يبقى عليه شيء من البق إلى أن كسروا عموداً من رخام فوجدوا في أعلاه حقة من النحاس فيها بق من نحاس مقدار كف فبطلت تلك الخاصية من ذلك الوقت فالآن يعم البق جميع المدينة‏.‏
وبها نوع من الفأر يعجز السنور عنه‏.‏
وبها مسجد حبيب النجار صاحب يونس رحمة الله عليه الذي قال‏:‏ يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين‏.‏
فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى بصيحة وكان بأنطاكية مؤمنون وكفار فالصيحة ما أيقظت المؤمنين عن نومهم وأهلكت الكفار كما قال تعالى‏:‏ ان كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون‏.‏
ومسجد حبيب في وسط سوق انطاكية فيه قبره يزور الناس وبها قبر يحيى بن زكرياء عليه السلام‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:20 AM

أنطرطوس
حصن على بحر الروم لأهل حمص وهو ثغر به مصحف عثمان بن عفان يذهب الناس إليه تبركاً به‏.‏

أورم الجوز
قرية من نواحي حلب بها بنية كأنها كانت في القديم معبداً يرى المجاورون لها من أهل القرى بالليل منها ضوء نار ساطعاً فإذا جاؤوها لم يروا شيئاً البتة وفي هذه البنية ثلاثة ألواح من حجارة عليها مكتوب بلفظ القديم ما استخرج وفسر وكان ما على اللوح القبلي الاله واحد كملت هذه البنية في تاريخ ثلاثمائة وعشرين لظهور المسيح عليه السلام وعلى اللوح الذي على وجه الباب‏:‏ سلام على من كمل هذه البنية‏.‏
واللوح الشمالي‏:‏ هذا الضوء المشرق الموهوب من الله لنا في أيام البربرة في الدور الغالب المتجدد في أيام الملك اناوس الحرين المنقولين وقلاسس وحنا وقاسوس وبلانيا في شهر أيلول في الثاني عشر من التاريخ المتقدم والسلام على شعوب الأهواز ناحية بين البصرة وفارس ويقال لها خوزستان بها عمارات ومياه وأودية كثيرة وأنواع الثمار والسكر والرز الكثير لكنها في صيفها لا يفارق الجحيم‏.‏
ومن محنها شدة الحر وكثرة الهوام الطيارة والحشرات القتالة قالوا‏:‏ ذبابها كالزنبور وطنينها كصوت الطنبور لا ترى بها شيئاً من العلوم والآداب ولا من الصناعات الشريفة‏.‏
وأهلها ألأم الناس‏.‏
لا ترى بها وجنة حمراء‏.‏
وهواؤها قتال خصوصاً للغرباء لا تنقطع حماها ولا ينكشف وباؤها البتة وأهلها في عذاب اليم‏.‏
وحكى مشايخ الأهواز انهم سمعوا القوابل ان المولود ربما يولد فنجده محموماً تلك الساعة‏.‏
ومن تمام محنهم أن مأكول أهلها الرز وهم يخبزونه كل يوم لأنه لا يطيب إلا مسخناً فيسجر كل يوم في ذلك الحر الشديد خمسون ألف تنور فيجتمع حر الهواء وحر النيران ودخانها والبخار المتصاعد من سباخها ومناقعها ومسايل كنفها ومياه أمطارها فإذا طلعت الشمس ارتفعت بخاراتها واختلطت بهوائها الذي وصفناه فيفسد الهواء أي فساد ويفسد بفساده كل ما اشتمل عليه‏.‏وتكثر الأفاعي في أراضيها والجرارات من العقارب التي لا ترفع ذنبها كسائر العقارب بل تجره‏.‏
ولو كان في العالم شيء شراً من الأفاعي والجرارات لما قصرت قصبة الاهواز عن توليده وإذا حمل إلى الاهواز الطيب تذهب رائحته ولا يبقى منتفعاً به‏.‏
ينسب إليها أبو الحسن الاهوازي المنشيء صاحب الكلام المرصع له رسالة حسنة في ذلك الأسلوب وهو متفرد به‏.‏

أيلة
مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام كانت مدينة جليلة في زمن داود عليه السلام والآن يجتمع بها حجيج الشام ومصر من جاء بطريق البحر وهي القرية التي ذكرها الله تعالى حاضرة البحر‏.‏
كان أهلها يهوداً حرم الله تعالى عليهم يوم السبت صيد السمك وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سماناً كأنها الماخض حتى لا يرى وجه الماء لكثرتها ويوم لا يسبتون لا تأتيهم‏.‏
فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان وسوس إليهم وقال‏:‏ إنما نهيتم عن صيدها يوم السبت فاتخذوا حياضاً حول البحر وسوقوا إليها الحيتان يوم السبت فتبقى فيها محصورة واصطادوا يوم الأحد وفي غير يوم السبت لا يأتيهم حوت واحد ففعلوا ما أمرهم الشيطان خائفين‏.‏
فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم أخذوا وأكلوا وملحوا وباعوا‏.‏
وكان أهل القرية نحواً من سبعين ألفاً فصاروا أثلاثاً‏:‏ ثلث ينهون القوم عن الذنب وثلث قالوا‏:‏ لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم وثلث يباشرون الخطيئة‏.‏
فلما تنبهوا قال الناهون‏:‏ نحن لا نساكنكم‏.‏
فقسموا القرية للناهين باب وللمتعدين باب ولعنهم داود عليه السلام‏.‏
فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم لم يروا من المتعدين أحداً فقالوا‏:‏ إن للقوم شأناً لعل الخمر غلبتهم‏!‏ فعلوا الجدار ونظروا فإذا هم قردة فدخلوا عليهم والقردة تعرف أنسابها والأنساب لا يعرفونها‏.‏
فجعلت القردة تأتي نسيبها من الانس فتشم ثيابه وتذرف دمعة فيقول نسيبها‏:‏ ألم أنهك عن السوء فتشير القردة برأسها يعني نعم‏.‏
ثم ماتت بعد ثلاثة أيام‏.‏

باميان
ناحية بين خراسان وأرض الغور ذات مدن وقرى وجبال وأنهار كثيرة من بلاد غزنة‏.‏
بها بيت ذاهب في الهواء وأساطين نقش عليها صور الطير وفيه صنمان عظيمان من الحجر‏:‏ يسمى أحدهما سرج بت والآخر خنك بت وما عرف خاصية البيت ولا خاصية الصنم‏.‏قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض باميان ضيعة غير مسكونة من نام فيها يزبنه أخذ برجله فإذا انتبه لا يرى أحداً فإن نام يفعل به ذلك مرة أخرى حتى يخرج منها‏.‏
بها معادن الزئبق ذكره يعقوب البغدادي‏.‏
قال في تحفة الغرائب‏:‏ بأرض باميان عين ينبع منها ماء كثير ولها صوت وغلبة ويشم من ذلك الماء رائحة الكبريت من اغتسل به يزول جربه وإذا رفع من ذلك الماء شيء في ظرف وشد رأسه شداً وثيقاً وترك يوماً يبقى الماء في الظرف خاثراً مثل الخمير وإذا عرضت عليه شعلة النار يشتعل‏.‏
ينسب إليها الحكيم أفضل البامياني‏.‏
كان حكيماً فاضلاً عارفاً أنواع الحكمة‏.‏
طلبه صاحب فارس أتابك سعد بن زنكي وأكرمه وأحسن إليه وقال له‏:‏ أريد أن تحكم على مولودي‏.‏
فقال أفضل‏:‏ الأحكام النجومية لا يوثق بها قد تصيب وتخطيء لكني أفعل ذلك لسنة أو سنتين من الماضي فإن وافق عملت للمستقبل‏.‏
فلما فعل ذلك قال الملك‏:‏ ما أخطأت شيئاً منها‏!‏ وكان عنده حتى مات‏.‏
بداً قرية بتهامة على ساحل البحر مما يلي الشام وهي قرية يعقوب النبي عليه السلام كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام ويقال لهذه القرية بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزيناً مدة طويلة ومنها سار إلى مصر إلى يوسف عليه السلام‏.‏
فجاءت الفرنج في زمن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد عمروها وجعلوا لها حصناً حصيناً قال بعض الشعراء‏:‏ هلاك فرنجٍ أتى عاجلاً وقد آن تكسير صلبانها ولو لم يكن حينها قد أنى لما عمرت بيت أحزانها وكان الأمر كما قال الشاعر‏.‏
قصدها الملك صلاح الدين وفتحها وخربها وكسر صلبانها‏.‏
براق قرية من قرى حلب‏.‏
حدث غير واحد من أهل حلب أن بها معبداً يقصده المرضى والزمنى يبيتون فيه فيرى المريض من يقول له‏:‏ شفاؤك كذا وكذا‏!‏ وربما يرى شخصاً يمسحه بيده فتزول منه الآفة‏.‏
وهذا شيء مستفاض في أهل حلب‏.‏
البشمور كورة بمصر بها قرى وريف وغياض بها كباش ليس في جميع البلاد مثلها عظماً وحسناً وكبر ألايا حتى لا يستطيع حملها فيتخذ لآليته عجلة تحمل عليها أليته وتشد العجلة بحبل إلى عنقه فيظل يرعى ويجر العجلة التي عليها أليته فإذا نزعت العجلة سقطت الالية على الأرض وربض الكبشة ولم يمكنه القيام ولا يوجد مثل هذا الصنف في شيء من البلاد‏.‏
بعلبك مدينة مشهورة بقرب دمشق وهي قديمة كثيرة الأشجار والمياه والخيرات والثمرات ينقل منها الميرة إلى جميع بلاد الشام‏.‏
وبها أبنية وآثار عجيبة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها‏.‏
قيل‏:‏ انها كانت مهر بلقيس‏!‏ وبها قصر سليمان بن داود عليه السلام وقلعتها مقام الخليل عليه السلام وبها دير الياس النبي عليه السلام‏.‏
قالوا‏:‏ إن ذلك الموضع يسمى بك في قديم الزمان حتى عبد بنو إسرائيل بها صنماً اسمه بعل فاضافوا الصنم إلى ذلك الموضع ثم صار المجموع اسماً للمدينة وأهلها على عبادة هذا الصنم فبعث الله إليهم الياس النبي عليه السلام فكذبوه فحبس عنهم القطر ثلاث سنين‏.‏
فقال لهم نبي الله‏:‏ استسقوا أصنامكم فإن سقيتم فأنتم على الحق وإلا فإني أدعو الله تعالى ليسقيكم فإن سقيتم فآمنوا بالله وحده‏!‏ فأخرجوا أصنامهم واستسقوا وتضرعوا فما أفادهم شيئاً فرجعوا إلى نبي الله فخرج ودعا فظهر من جانب البحر سحابة شبه ترس وأقبلت إليهم‏.‏
فلما دنا منهم طبق الآفاق وأغاثهم غيثاً مريعاً أخصب البلاد وأحيا العباد فما ازدادوا إلا شركاً فسأل الله تعالى أن يريحه منهم فأوحى الله تعالى إليه‏:‏ ان اخرج إلى مكان كذا‏.‏
فخرج ومعه اليسع فرأى فرساً من نار فوثب عليه وسار الفرس به ولم يعرف بعد ذلك خبره‏.‏
بلقاء كورة بين الشام ووادي القرى بها قرية الجبارين ومدينة الشراة‏.‏
وبها الكهف والرقيم فيما زعم بعضهم‏.‏
وحديث الرقيم ما روى عبد الله بن عمر أنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل وسدت عليهم الغار فقالوا‏:‏ لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم‏!‏ قال رجل منهم‏:‏ اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا ولداً فباتا في ظل شجر يوماً فلم أبرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً ولا ولداً فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون فاستيقظا وشربا غبوقهما‏!‏ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة‏!‏ فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه‏.‏
وقال الآخر‏:‏ اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت من أحب الناس إلي فراودتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بنا سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت‏:‏ لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه‏!‏ فتخرجت من الوقوع عليها وانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها‏.‏
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه‏!‏ فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها‏.‏
وقال الثالث‏:‏ اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجراً فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فنمت أجرته حتى كثرت منه الأموال‏.‏
فجاءني بعد حين وقال‏:‏ يا عبد الله هات أجرتي‏!‏ فقلت له‏:‏ كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرتك‏!‏ فقال‏:‏ يا عبد الله لا تستهزيء بي‏!‏ فقلت‏:‏ لا أستهزيء‏!‏ فاستاق كله ولم يترك منه شيئاً‏.‏
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه‏!‏ فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون‏.‏مدينة بصعيد مصر على شاطيء النيل‏.‏
قالوا‏:‏ إن بها طلسماً لا يمر بها تمساح إلا ينقلب على ظهره‏.‏
والتمساح إذا انقلب على ظهره لا يقدر على الانقلاب إلى بطنه فيبقى كذلك حتى يموت أو يصطاد‏.‏

بلرم
مدينة بجزيرة صقلية في بحر المغرب قال ابن حوقل الموصلي‏:‏ بها هيكل عظيم سمعت أن أرسطاطاليس فيه في شيء من الخشب معلق والنصارى تعظم قبره وتستسقي به لاعتقاد اليونانيين به قال‏:‏ ورأيت فيها من المساجد أكثر ما رأيت في شيء من البلاد حتى رأيت على مقدار غلوة هم أكثر من عشرة مساجد ورأيت بعضها تجاه بعض‏.‏
فسألت عن ذلك فقالوا‏:‏ القوم لانتفاخ أدمغتهم لا يرضى أحدهم أن يصلي في مسجد غيره ويكون له مسجد لا يصلي فيه غيره‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif بنارق
قرية بين بغداد والنعمانية مقابل دير قنى على دجلة والآن خراب ذكر أبو بكر النحوي البنارقي أن عساكر السلجوقية كثرت بطرقهم على قريتنا والقرية لا سور لها كلما جاؤوا دخلوا وثقلوا علينا فأجمعنا على مفارقتها والعسكر قريب منا وتهيأنا لذلك إلى الليل لنعبر دجلة ونلتحق بدير قنى فإنها كانت ذات سور فاستصحبنا من أمتعتنا ما خف على الأكتاف ولدواب فإذا نيران عظيمة ملأت البرية فظنناها نار العسكر وندمنا على الخروج وقلنا الآن يأخذون جميع ما معنا‏!‏ ونحن في هذا الحديث والنيران قد دهمتنا فإذا هي سائرة بنفسها ولا حامل لها وسمعنا من خلالها أصواتاً حزينة كالنياحة يقول بعضهم‏:‏ فلا ثقبهم ينسدّ ولا ماؤهم يجري وخلّوا منازلهم وساروا مع الفجر فعلمنا أنهم الجن وكان الأمر كما قالوا فإن الأنهار فسدت وما يفرغ الملوك لإصلاحها وبقيت القرى إلى الآن خراباً وذلك في سنة خمس وأربعين وخمسمائة‏.‏

بنزرت
مدينة بافريقية على ساحل البحر يشقها نهر كبير كثير السمك لها قلاع حصينة يأوي إليها أهل النواحي إذا خرج الروم غزاة وبها رباطات للصالحين وانفردت بنزرت ببحيرة تخرج من البحر الكبير إلى مستقر تجاهها يخرج منها في كل شهر صنف من السمك لا يشبه الصنف الذي كان في الشهر الماضي إلى تمام السنة ثم يعود الدور إلى الأول والسلطان مضنه باثني بيت لحم قرية على فرسخين من بيت المقدس كان بها مولد عيسى عليه السلام‏.‏
وبها كنيسة فيها قطعة من النخل زعموا أنها النخلة التي أكلت منها مريم لما قيل لها‏:‏ وهزي إليك بجذع النخلة‏.‏
بها الماء الذي يقال له المعبودية وهو ماء ينبدي من حجر وإنه عظيم القدر عند النصارى‏.‏
بيت المقدس هي المدينة المشهورة التي كانت محل الأنبياء وقبلة الشرايط ومهبط الوحي‏.‏
بناها داود وفرغ منها سليمان عليه السلام وعن أبي بن كعب‏:‏ ان الله تعالى أوحى إلى داود‏:‏ ابن لي بيتاً‏.‏
فقال‏:‏ يا رب أين قال‏:‏ حيث ترى الملك شاهراً سيفه‏!‏ فرأى داود ملكاً على الصخرة بيده سيف فبنى هناك ولما فرغ سليمان من بنائها أوحى الله تعالى إليه‏:‏ سلني أعطك‏!‏ فقال‏:‏ يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي‏!‏ فقال‏:‏ لك ذلك‏!‏ قال‏:‏ وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد‏!‏ فقال‏:‏ لك ذلك‏!‏ قال‏:‏ وأسألك لمن جاءه فقيراً أن تغنيه‏!‏ قال‏:‏ ولك ذلك‏!‏ قال‏:‏ وأسألك إن جاءه سقيماً أن تشفيه‏!‏ قال‏:‏ ولك ذلك‏.‏وعن ابن عباس‏:‏ البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء وما فيه موضع شبر إلا وصلى فيه نبي أو قام فيه ملك‏.‏
واتخذ سليمان فيها أشياء عجيبة‏:‏ منها قبة وهي قبة كانت فيها سلسلة معلقة ينالها المحق ولا ينالها المبطل حتى اضمحلت بالحيلة المعروفة ومنها أنه بنى فيها بيتاً وأحكمه وصقله فإذا دخله الورع والفاجر كان خيال الورع في الحائط أبيض وخيال الفاجر أسود‏.‏
ومنها أنه نصب في زاوية عصا آبنوس من زعم صادقاً أنه من أولاد الأنبياء ومسها لم يضره وإن لم يكن من أولاد الأنبياء إذا مسها احترقت يده‏.‏
ثم ضرب الدهر ضربانه واستولت عليها الجبابرة وخربوها فاجتاز بها عزير عليه السلام فرآها خاوية على عروشها فقال‏:‏ أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه وقد عمرها ملك من ملوك الفرس اسمه كوشك فصارت أعمر مما كانت وأكثر أهلاً والتي عليها الآن أرضها وضياعها جبال شاهقة وليس بقربها أرض وطئة وزروعها على أطراف الجبال بالفؤوس لأن الدواب لا عمل لها هناك‏.‏
وأما نفس المدينة ففي فضاء في وسط ذلك وأرضها كلها حجر وفيها عمارات كثيرة حسنة وشرب أهلها من ماء المطر‏.‏
ليس فيها دار إلا وفيها صهريج‏.‏
مياهها تجتمع من الدروب ودروبها حجرية ليست كثيرة الدنس لكن مياهها رديئة‏.‏
وفيها ثلاث برك‏:‏ بركة بني إسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض‏.‏
قال محمد بن أحمد البشاري المقدسي وله كتاب في أخبار بلدان الإسلام‏:‏ إنها متوسطة الحر والبرد وقلما يقع بها ثلج ولا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف ولا أنزه من مساجدها‏!‏ قد جمع الله فيها فواكه الغور والسهل والجبل والأشياء المتضادة‏:‏ كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز إلا أن بها عيوباً منها ما ذكر في التوراة‏:‏ انها طست ذهب مملوء عقارب ثم لا يرى أقذر من حماماتها ولا أثقل مونة منها‏!‏ وهي مع ذلك قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء على الرحبة والفنادق والضرائب ثقال على ما يباع فيها وليس لمظلوم ناصر وليس بها أمكن من الماء والأذان‏.‏
بها المسجد الأقصى الذي شرفه الله تعالى وعظمه وقال‏:‏ إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا‏.‏
وهو في طرف الشرق من المدينة أساسه من عمل داود عليه السلام‏.‏
طول كل حجر عشرة أذرع وفي قبلته حجر أبيض عليه مكتوب‏:‏ محمد رسول الله خلقة لم يكتبه أحد‏.‏
وصحن المسجد طويل عريض طوله أكثر من عرضه وهو في غاية الحسن والإحكام مبني على أعمدة الرخام الملونة والفسيفساء الذي ليس في شيء من البلاد أحسن منه‏.‏
وفي صحن المسجد مصطبة كبيرة في ارتفاع خمسة أذرع يصعد إليه من عدة مواضع بالدرج وفي وسط هذه المصطبة قبة عظيمة مثمنة على أعمدة رخام مسقفة برصاص منمقة من داخل وخارج بالفسيفساء مطبقة بالرخام الملون‏.‏
وفي وسطها الصخرة التي تزار وعلى طرفها أثر قدم النبي عليه السلام وتحتها مغارة ينزل إليها بعدة درج يصلى فيها‏.‏
ولهذه القبة أربعة أبواب وفي شرقيها خارج القبة قبة أخرى على أعمدة حسنة يقولون‏:‏ انها قبة السلسلة‏.‏
وقبة المعراج أيضاً على المصطبة وكذلك قبة النبي عليه السلام‏.‏
كل ذلك على أعمدة مطبقة أعلاها بالرصاص وذكر أن طول قبة الصخرة كان اثني عشر ميلاً في السماء وكان على رأسها ياقوتة حمراء كان في ضوئها تغزل نساء أهل بلقاء‏.‏
وبها مربط البراق الذي ركبه النبي عليه السلام تحت ركن المسجد‏.‏
وبها محراب مريم عليها السلام الذي كانت الملائكة تأتيها فيه بفاكهة الشتاء في الصيف وبفاكهة الصيف في الشتاء‏.‏
وبها محراب زكرياء عليه السلام الذي بشرته الملائكة بيحيى‏.‏
عليه السلام وهو قائم يصلي وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فصكه فرجع إلى ربه وقال‏:‏ أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت‏!‏ فقال‏:‏ ارجع إليه وقل له حتى يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعر سنة‏.‏
قال‏:‏ أي رب‏!‏ ثم ماذا قال‏:‏ ثم الموت‏!‏ فسأل الله تعالى أن يقبره من الأرض المقدسة رمية حجر فلو كنت ثمة لأريتكم قبره إلى جنب الطريق تحت الكثيب الأحمر‏.‏
أما المسجد فطوله سبعمائة ذراع وأربعة وثمانون ذراعاً وعرضه أربعمائة وخمسة وخمسون ذراعاً وعدة ما فيه من العمد ستمائة وأربعة وثمانون وداخل الصخرة ثلاثون عموداً وقبة الصخرة ملبسة بصفائح الرصاص عليها ثلاثة آلاف صفيحة واثنتان وتسعون ومن فوق ذلك الصفائح النحاس مطلية بالذهب وفي سقوف المسجد أربعة آلاف خشبة وعلى السقوف خمسة وأربعون ألف صفيحة رصاص‏.‏
حجر الصخرة ثلاثة وثلاثون ذراعاً في سبعة وعشرين والمغارة التي تحت الصخرة تسع تسعاً وستين نفساً‏.‏
ويسرج في المسجد ألف وخمسمائة قنديل ويسرج في الصخرة أربعمائة وأربعة وستون قنديلاً‏.‏
وكانت وظيفته كل شهر مائة قسط زيتاً وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع حصيراً وكان له من الخدم مائتان وثلاثون مملوكاً أقامهم عبد الملك بن مروان من خمس وبها قمامة وهي كنيسة عظيمة للنصارى في وسط البلد لا ينضبط صفتها حسناً وعمارة وتنميقاً وكثرة مال‏.‏
في موضع منها قنديل يزعمون أن نوراً من السماء ينزل في يوم معلوم ويشعله وهذا أمر مشهور عندهم‏.‏
حكي أن بعض أصحاب السلطان ذهب إليها ذلك اليوم وقال‏:‏ إني أريد أن أشاهد نزول هذا النور فقال له القس‏:‏ إن مثل هذه الأمور لا تخفى على أمثالك‏!‏ لا تبطل ناموسنا فإنا نشبه على أصحابنا لتمشية أمرنا فتجاوز عنه‏!‏ وبها عين سلوان يتبرك بها الناس قال ابن البشار‏:‏ سلوان محلة في ربض بيت المقدس تحتها عين غزيرة تسقي جناناً كثيرة وقفها عثمان بن عفان على ضعفاء بيت المقدس‏.‏
قالوا‏:‏ إن ماءها يفيد السلو إذا شربه الحزين ولهذا قال رؤبة‏:‏ لو أشرب السلوان ما سلوت‏.‏
بلاد بربر بلاد واسعة من برقة إلى آخر بلاد المغرب والبحر المحيط‏.‏
سكانها أمة عظيمة يقال إنهم من بقية قوم جالوت لما قتل هرب قومه إلى المغرب فحصلوا في جبالها وهم أحفى خلق الله وأكثرهم بطشاً وأسرعهم إلى الفتنة وأطوعهم لداعية الضلالة‏!‏ ولهم أحوال عجيبة واصطلاحات غريبة سول لهم الشيطان الغوايات وزين لهم أنواع الضلالات‏.‏عن أنس بن مالك قال‏:‏ جئت إلى رسول الله عليه السلام ومعي وصيف فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أنس ما جنس هذا الغلام قلت‏:‏ بربري يا رسول الله‏!‏ فقال‏:‏ بعه ولو بدينار ‏!‏ قلت‏:‏ ولم يا رسول الله قال‏:‏ إنهم أمة بعث الله إليهم رسولاً فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وبعثوا مرقه إلى نسائهم‏!‏ قال الله تعالى‏:‏ لا اتخذت منكم نبياً ولا بعثت إليكم رسولاً‏.‏
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ولأن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق رقبة بربرية‏!‏ ولكثرة ما تخالف حالاتهم وعاداتهم سائر الناس قال بعض المغاربة‏:‏ رأيت آدم في نومي فقلت له‏:‏ أبا البريّة إنّ النّاس قد حكموا أنّ البرابر نسلٌ منك قال‏:‏ أنا‏!‏ حوّاءٌ طالقةٌ إن صحّ ما زعموا ومن عاداتهم العجيبة ما حكى ابن حوقل الموصلي التاجر وقد طاف بلادهم‏:‏ إن أكثر البربر يضيفون المارة ويكرمون الضيف ويطعمون الطعام ولا يمنعون أولادهم الذكور من طالب التبديل لو طلب هذا المعنى ممن هو أكبرهم قدراً وأكثرهم حمية وشجاعة لم يمتنع عليه‏.‏
وقد شاهدهم أبو عبد الله الشعبي على ذلك حتى بلغ بهم أشد مبلغ فما تركوه‏.‏
ومن العجب أنهم يرون ذلك كرماً والامتناع عنه لؤماً ونقصاً ونسأل الله السلامة‏!‏ وحكي أيضاً أن أحدهم إذا أحب امرأة وأراد التزوج بها ولم يكن كفؤاً لها عمد إلى بقرة حامل من بقر أبيها ويقطع من ذنبها شيئاً من الشعر ويهرب فإذا أخبر الراعي أهل المرأة بذلك خرجوا في طلبه فإن وجدوه قتلوه وان لم يظفروا به يمضي هو على وجهه فإن وجد أحداً قطع ذكره وأتى القوم به قبل أن تلد البقرة ظفر بالجارية وزوجوها منه ولا يمكنهم الامتناع البتة وإن ولدت البقرة ولم يأت بالذكر المقطوع بطل عمله ولم يمكنه الرجوع إليهم وإن رجع قتلوه وترى في تلك البلاد كثيراً من المجبوبين يكون جبهم بهذا السبب فإذا حصلوا في بلاد المغرب التمسوا القرآن والزهد‏.‏

البيضاء
مدينة كبيرة بأرض فارس بناها العفاريت من الحجر الأبيض لسليمان عليه السلام فيما يقال‏.‏
وبها قهندز يرى من بعد بعيد لشدة بياضه‏.‏
وهي مدينة طيبة كثيرة الخيرات وافرة الغلات صحيحة الهواء عذبة الماء طيبة التربة لا تدخلها الحيات والعقارب ولا شيء من الحيوانات المؤذية‏.‏
من عجائبها ما ذكر أنه في رستاقها عنب كل حبة منها عشرة مثاقيل وتفاح دورته شبران‏.‏ينسب إليها الحسين بن منصور الحلاج صاحب الآيات والعجائب‏.‏
فمن المشهور أنه كان يركب الأسد ويتخذ الحية سوطاً وكان يأتي بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ويمد يده إلى الهواء ويعيدها مملوءة دراهم احدية‏:‏ قل هو الله أحد مكتوب عليها‏.‏
ويخبر الناس بما في ضمائرهم وبما فعلوا‏.‏
وحكي أنه خرج يوماً من الحمام فلقيه بعض من ينكره صفعه في قفاه صفعة قوية فقال له‏:‏ يا هذا لم صفعتني قال‏:‏ الحق أمرني بذلك‏!‏ فقال‏:‏ بحق الحق أردفها بأخرى‏!‏ فلما رفع يده للصفع يبست‏!‏ فلما ظهر قوله أنا الحق أنكره الناس وتكلموا فيه وقالوا‏:‏ قل أنا على الحق‏!‏ فقال‏:‏ ما أقول إلا أنا الحق‏!‏ وسمع منه أشعار مثل قوله‏:‏ أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا ومثل قوله‏:‏ عجبت منك ومنّي أفنيتني بك عنّي أدنيتني منك حتّى ظننت أنّك أنّي فلما سمع أمثال هذه بعض الناس أساؤوا الظن فيه‏.‏
حكى أبو القاسم بن كج أن جمعاً من الصوفية ذهبوا إلى الحسين بن منصور وهو بتستر وطلبوا منه شيئاً فذهب بهم إلى بيت نار المجوس فقال الديراني‏:‏ ان الباب مغلق ومفتاحه عند الهربد‏!‏ فجهد الحسين فلم يجبه فنفض الحسين كمه نحو القفل فانفتح فدخلوا البيت فرأوا قنديلاً مشتعلاً لا ينطفيء ليلاً ولا نهاراً فقال‏:‏ انها من النار التي ألقي فيها الخليل عليه السلام‏.‏
نحن نتبرك بها وتحمل المجوس منها إلى جميع بلادهم‏.‏
فقال له‏:‏ من يقدر على إطفائها قال‏:‏ قرأنا في كتابنا أنه لا يقدر على إطفائها إلا عيسى بن مريم عليه السلام‏.‏
فأشار الحسين إليها بكمه فانطفت فقامت على الديراني القيامة وقال‏:‏ الله الله‏!‏ قد انطفت في هذه الساعة جميع نيران المجوس شرقاً وغرباً‏!‏ فقال له‏:‏ من يقدر على ردها فقال‏:‏ قرأنا في كتابنا أنه يقدر على ردها من يقدر على إطفائها‏!‏ فلم يزل يتضرع إلى الحسين ويبكي فقال له‏:‏ هل عندك شيء تدفعه إلى هذه المشايخ وأردها وكان عنده صندوق من دخل البيت من المجوس طرح فيه ديناراً ففتحه وسلم ما فيه إلى المشايخ وقال‏:‏ ما ها هنا غير هذا‏.‏
فأشار الحسين بكمه إليها فاشتعلت وقال‏:‏ دنيا تخادعني كأني لست أعرف حالها حظر المليك حرامها فأنا اجتنيت حلالها مدّت إلي يمينها فرددتها وشمالها ورأيتها محتاجةً فوهبت جملتها لها‏!‏ ومن ظريف ما نقل عنه أنه قال له بعض منكريه‏:‏ إن كنت صادقاً فيما تدعيه فامسخني قرداً ‏!‏ فقال‏:‏ لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغاً عنه‏.‏
فلما تكلم الناس في حقه بقوله أنا الحق قال‏:‏ سقوني وقالوا‏:‏ لا تغنّ‏!‏ ولو سقوا جبال سراةٍ ما سقيت لّغنّت‏!‏ تمنّت سليمى أن أموت بحبّها وأسهل شيءٍ عندنا ما تمنّت‏!‏ وحكى أبو عبد الله محمد بن خفيف قال‏:‏ دخلت على الحسين بن منصور وهو في الحبس مقيداً‏.‏
فلما حضر وقت الصلاة رأيته نهض فتطايرت منه القيود وتوضأ وهو على طرف المحبس وفي صدر ذلك المحبس منديل‏.‏
وكان بينه وبين المنديل مسافة فوالله ما أدري أن المندير قدم إليه أو هو إلى المنديل‏!‏ فتعجبت من ذلك وهو يبكي بكاء فقلت له‏:‏ لم لا تخلص نفسك فقال‏:‏ ما أنا محبوس‏!‏ أين تريد يا ابن خفيف قلت‏:‏ نيسابور‏!‏ فقال‏:‏ غمض عينيك‏!‏ فغمضتهما‏.‏
ثم قال‏:‏ افتحهما‏.‏
ففتحت فإذا أنا بنيسابور في محلة أردتها‏.‏
فقلت‏:‏ ردني‏.‏
فردني وقال‏:‏ والله لو حلف العشّاق أنّهم موتى من الحبّ أو قتلى لما حنثوا ترى المحبّين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا ثم قال‏:‏ يا ابن خفيف لا يكون الحزن إلا لفقد محبوب أو فوت مطلوب‏!‏ والحق واضح والهوى فاضح‏.‏
والخلق كلهم طلاب وطلبهم على قدر هممهم وهممهم على قدر أحوالهم وأحوالهم مطبوعة على علم الغيب وعلم الغيب غائب عنهم والخلق كلهم حيارى‏.‏
وأنشأ يقول‏:‏ أنين المريد لشوقٍ يزيد أنين المريض لفقد الطّبيب قد اشتدّ حال المريدين فيه لفقد الوصال وبعد الحبيب ثم قال‏:‏ يا ابن خفيف حججت إلى زيارة القديم فلم أجد لقوم موضعاً من كثرة الزائرين فوقفت وقوف البهيت فنظر إلي نظرة فإذا أنا متصل به ثم قال‏:‏ من عرفني ثم أعرض عني فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين‏.‏
وجعل يقول‏:‏ عذابه فيك عذبٌ وبعده منك قرب وأنت عندي كروحي بل أنت منها أحبّ وأنت للعين عينٌ وأنت للقلب قلب حتى من الحبّ إني لما تحبّ أحبّ وحكي أن حبسه كان في عهد المقتدر بالله وكان الوزير حامد بن العباس سيء الظن فيه فأحضر عند الوزير وقاضي القضاة أبي عمرو وقالوا له‏:‏ بلغنا أنك قلت‏:‏ من كان له مال يتصدق به على الفقراء خير من أن يحج به‏!‏ فقال الحسين‏:‏ نعم‏!‏ أنا قلت ذلك‏!‏ فقالوا له‏:‏ من أين قلت هذا فقال‏:‏ من الكتاب الفلاني‏!‏ فقال القاضي‏:‏ كذبت يا زنديق‏!‏ ذلك الكتاب سمعناه فما وجدنا فيه هذا‏!‏ فقال الوزير للقاضي‏:‏ اكتب انه زنديق‏!‏ فأخذ خط القاضي وبعث إلى الخليفة فأمر الخليفة بصلبه ولما أخرج استدعى بعض الحجاب وقال‏:‏ إني إذا أحرقت يأخذ ماء دجلة في الزيادة حتى تكاد تغرب بغداد فإذا رأيتم ذلك خذوا شيئاً من رمادي واطرحوه في الماء ليسكن‏!‏ وكان ينشد هذين البيتين‏:‏ اقتلوني يا ثقاتي إنّ في موتي حياتي ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي والذي حيّ قديمٌ غير مفقود الصّفات وأنا منه رضيعٌ في حجور المرضعات وحكي أن بعض من كان ينكره لما صلب وقف بإزائه يقول‏:‏ الحمد لله الذي جعلك نكالاً للعالمين وعبرة للناظرين‏!‏ فإذا هو بالحسين ورآه واضعاً يديه على منكبيه يقول‏:‏ ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‏!‏ فلما صلب وأحرق أخذ الماء في الزيادة حتى كادت تغرق بغداد‏!‏ فقال الخليفة‏:‏ هل سمعتم من الحلاج فيه شيئاً قال الحاجب‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين إنه قال كذا وكذا‏.‏
فقال‏:‏ بادروا إلى ما قال‏!‏ فطرحوا رماده في الماء فصار رماده على وجه الماء على شكل الله مكتوباً وسكن الماء‏.‏
وكان ذلك في سنة تسع وثلاثمائة والله الموفق‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:21 AM

تاهرت
اسم مدينتين مقابلتين بأقصى المغرب يقال لإحداهما تاهرت القديم وللأخرى الحديث وهما كثيرتا الأشجار وافرتا الثمار‏.‏
سفرجلهما يفوق سفرجل الآفاق طعماً وحسناً وبهما كثرة الأمطار والانداء والضباب وشدة البرد قلما ترى الشمس بها‏.‏
وذكر أن اعرابياً دخلها وتأذى من شدة بردها فخرج منها إلى أرض السودان فأتى عليه يوم شديد الحر فنظر إلى الشمس راكدة على قمم رؤوسهم فقال مشيراً إلى الشمس‏:‏ والله لئن عززت في هذا المكان لطالما رأيتك ذليلة بتاهرت‏!‏ وأهلها موصوفون بالحمق حكي انه رفع إلى قاضيهم جناية فما وجدها في كتاب الله فجمع الفقهاء والمشايخ فقالوا بأجمعهم‏:‏ الرأي للقاضي‏!‏ فقال القاضي‏:‏ اني أرى أن أضرب المصحف بعضه ببعض ثم أفتحه فما خرج عملنا به‏.‏
فقالوا‏:‏ وفقت افعل‏!‏ ففعل ذلك فخرج‏:‏ سنسمه على الخرطوم فجدع أنفه‏.‏مدينة بأرض الشام قديمة أبنيتها من أعجب الأبنية موضوعة على العمد الرخام‏.‏
زعموا أنها مما بنته الجن لسليمان عليه السلام قال النابغة الذبياني‏:‏ إلاّ سليمان قد قال الإله له‏:‏ قم بالبريّة فاحددها عن الفند وخيّس الجنّ إني قد أمرتهم يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد حكى إسماعيل بن محمد بن خالد التستري قال‏:‏ كنت مع مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية حين هدم حائط تدمر فأفضى الهدم إلى خرق عظيم فكشفوا عنه صخرة فإذا بيت مجصص كأن اليد قد رفعت عنه وإذا سرير عليه امرأة مستلقية على ظهرها عليها سبعون حلة ولها غدائر مشدودة بخلخالها قال‏:‏ فكانت قدمها ذراعاً من غير أصابع وفي بعض غدائرها صفيحة ذهب فيها مكتوب‏:‏ باسمك اللهم‏!‏ أنا تدمر بنت حسان أدخل الله الذل على من يدخل علي‏!‏ فأمر مروان بالخرق فأعيد كما كان ولم يأخذ شيئاً من حليها‏!‏ قال‏:‏ فوالله ما مكثنا بعد ذلك إلا أياماً حتى أقبل عبد الله بن علي وحارب مروان وفرق جيوشه وأزال الملك عن بني أمية‏.‏
وبها تصاوير كثيرة منها صورة جاريتين من حجارة نمق الصانع في تصويرهما مر بهما أوس بن ثعلبة فقال‏:‏ قيامكما على غير الحشايا على حبلٍ أصمّ من الرّخام فكم قد مرّ من عدد اللّيالي لعصركما وعام بعد عام وإنّكما على مرّ اللّيالي لأبقى من فروع ابني شمام فسمع هذه الأبيات يزيد بن معاوية فقال‏:‏ لله در أهل العراق‏!‏ هاتان الصورتان فيكم أهل الشام لم يذكرهما أحد منكم فمر بهما هذا العراقي وقال ما قال‏!‏ تستر مدينة مشهورة قصبة الاهواز الماء يدور حولها‏.‏
بها الشاذروان الذي بناه شابور‏.‏
وهو من أعجب البناء وأحكمها امتداده يقرب من ميل حتى يرد الماء إلى تستر وهي صنعة عجيبة مبنية بالحجارة المحكمة وأعمدة الحديد ملاط الرصاص‏.‏
وإنما رجع الماء إلى تستر بسبب هذا الشاذروان وإلا لامتنع لأنه على نشز من الأرض‏.‏
وإنها مدينة آهلة كثيرة الخيرات وافرة الغلات وغزا بعض الأكاسرة الروم وحمل الأسارى إلى تستر وأسكنهم فيها فظهرت فيها صنائع الروم وبقيت في أهلها إلى زماننا هذا‏.‏
يجلب منها أنواع الديباج والحرير والخز والستور والبسط والفرش‏.‏وحكي أن أبا موسى الأشعري لما فتح تستر وجد بها ميتاً في آبزون من نحاس معه دراهم من احتاج إلى تلك الدراهم أخذها فإذا قضى حاجته ردها فإن حبسها مرض‏.‏
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب في جوابه‏:‏ ان ذلك دانيال النبي‏!‏ أخرجه وغسله وكفنه وصل عليه وادفنه‏.‏
وينسب إليها سهل بن عبد الله التستري صاحب الكرامات الظاهرة من جملتها إذا مس مريضاً عافاه الله وقد سمع من كثير من أهل تستر أن في منزل سهل بيتاً يسمى بيت السباع كانت السباع تأتيه وهو يضيفها فيه حكى سهل ابتداء أمره قال‏:‏ قال لي خالي محمد بن سوار‏:‏ ألا تذكر الله الذي خلقك قلت‏:‏ كيف أذكره فقال‏:‏ قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك‏:‏ الله معي‏!‏ الله ناظر إلي‏!‏ الله شاهدي‏!‏ قلت ذلك ثلاث ليال ثم أعلمته‏.‏
قال‏:‏ قل ذلك كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته‏.‏
فقال‏:‏ قل كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت ذلك ثم أعلمته فوقع في قلبي حلاوة‏.‏
فلما كان بعد سنة قال لي خالي‏:‏ احفظ ما علمتك ودم عليه حتى تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة‏!‏ فبقيت على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سري ثم قال لي يوماً‏:‏ يا سهل من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده لا يعصي‏!‏ إياك والمعصية‏!‏ قال‏:‏ كنت أشتري بدرهم شعيراً فيخبز لي منها أفطر كل سحر على قدر أوقية منها بغير ملح ولا ادام فيكفيني الدرهم سنة ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال وأفطر ليلة ثم خمساً ثم سبعاً ثم خمساً وعشرين‏.‏
بقيت على ذلك عشرين سنة‏.‏
توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين‏.‏
وحكى الأستاذ أبو علي الدقاق‏:‏ أن يعقوب بن ليث الصفار مرض مرضاً شديداً عجز الأطباء عن معالجته فقيل له‏:‏ إن في ولايتك رجلاً يدعو الله تعالى للمرضى فيشفون فلو دعا الله لك ترجو العافية‏.‏
فطلب سهلاً وسأله أن يدعو له فقال له سهل‏:‏ أنى يستجاب دعائي لك وعلى بابك مظلومون‏!‏ فأمر برفع الظلامات وإخراج المحبسين فقال سهل‏:‏ يا رب كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة‏!‏ ومسح بطنه بيده فعافاه الله فعرض على سهل مالاً كثيراً فأبى أن يأخذ منه شيئاً فقالوا له لما خرج‏:‏ لو قبلت وفرقت على الفقراء‏!‏ فقال له‏:‏ انظر إلى الأرض‏.‏
فنظر فرأى كل مكان وضع قدمه عليه صار ترابه دنانير‏.‏
فقال‏:‏ من أعطاه الله هذا أي حاجة له إلى مال يعقوب وقال‏:‏ دخلت يوم الجمعة على سهل بن عبد الله فرأيت في بيته حية فتوقفت فقال لي‏:‏ ادخل لا يتم إيمان أحد ويتهم شيئاً على وجه الأرض‏.‏
فدخلت فقال لي‏:‏ هل لك في صلاة الجمعة قلت‏:‏ بيننا وبين الجامع مسيرة يوم‏.‏
فأخذ بيدي فما كان إلا قليلاً حتى كنا في الجامع فصلينا تلمسان قرية قديمة بالمغرب‏.‏
ذكروا أن القرية التي ذكرها الله تعالى في قصة الخضر وموسى‏:‏ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه‏.‏
قيل‏:‏ إنه كان جداراً عالياً عريضاً مائلاً فمسحه الخضر عليه السلام بيده فاستقام‏.‏
وحدثني بعض المغاربة أنه رأى بتلمسان مسجداً يقال له مسجد الجدار يقصده الناس للزيارة‏.‏

تنس
مدينة بافريقية حصينة ولها قهندز صعب المرتقى ينفرد بها العمال لحصانتها خوفاً من الرعية هواؤها وبي وماؤها ردي وماؤهم من واد يدور حول المدينة وإليه مذهب مياه حشوشهم وشربهم منه والحمى لا تفارق أهلها في أكثر الأوقات‏.‏
وبها ذئب كثير يأكل أهلها وبرغوث كثير وهم في عذاب من الذئب والبراغيث قال بعض من دخلها وفارقها‏:‏
لا سقى الله بلدةً كنت فيها‏!‏** البراغيث كلّهم أكلوني‏!‏
إن صعدت السّطوح لم يتركوني **وأراهم على الدّرج يسبقوني

تونس
مدينة بأرض المغرب كبيرة على ساحل البحر قصبة بلاد افريقية‏.‏
اصلح بلادها هواء وأطيبها ماء وأكثرها خيراً‏!‏ وبها من الثمار والفواكه ما لا يوجد في غيرها من بلاد المغرب حسناً وطعماً‏:‏ فمن ذلك لوز عجيب يفرك باليد وأكثرها في كل لوزة حبتان‏.‏
وبها الرمان الذي لا عجم له مع صدق الحلاوة والأترج الذكي الرائحة البديع المنظر والتين الحازمي الأسود الكبير الرقيق القشر الكثير العسل لا يكاد يوجد فيه بزر والسفرجل الكبير جداً العطر الرائحة والعناب الكبير كل حبة منه على حجم جوزة والبصل العلوري على حجم الأترج مستطيل صادق الحلاوة‏.‏
وبها أنواع من السمك عجيبة لا ترى في غيرها يرى في كل شهر نوع من السمك خالفاً لما كان قبله فيملح ويبقى سنين صحيح الجرم طيب الطعم‏.‏
ومنها نوع يقال له البقونس يقولون‏:‏ لولا البقونس لم تخالف أهل تونس‏.‏
وأهلها موصوفون باللؤم ودناة النفس والبخل الشديد والشغب والخروج على الولاة قال بعض‏:‏ لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ** ولكنّني ألفيتها وهي توحش
وبين تونس والقيروان ثلاثة أيام بينهما موضع يقال له محقة بها أمر عجيب وهو أنه إذا كان أوان الزيتون قصدته الزرازير وقد حمل كل طائر معه زيتونتين في مخلبيه يلقيهما هناك ويحصل من ذلك غلة قالوا‏:‏ تبلغ سبعين ألف درهم‏!‏ التيه هو الموضع الذي ضل فيه موسى عليه السلام مع بني إسرائيل بين ايلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً لما امتنعوا من دخول الأرض المقدسة حبسهم الله تعالى في هذا التيه أربعين سنة كانوا يسيرون في طول نهارهم فإذا انتهى النهار نزلوا بالموضع الذي رحلوا عنه وكان مأكولهم المن والسلوى ومشروبهم من ماء الحجر الذي كان مع موسى عليه السلام ينفجر منه اثنتا عشرة عيناً على عدد الأسباط كل سبط يأخذ منه ساقية ويبعث الله تعالى سحابة تظلهم بالنهار وعموداً من النور يستضيئون به بالليل‏.‏
هذا نعمة الله تعالى عليهم وهم عصاة مسخوطون فسبحان من عمت رحمته البر والفاجر‏!‏ قيل‏:‏ لما خرج بنو إسرائيل من مصر عازمين الأرض المقدسة كانوا ستمائة ألف وما كان فيهم من عمره فوق الستين ولا دون العشرين فمات كلهم في أربعين سنة‏.‏
ولم يخرج ممن دخل مع موسى إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما الرجلان اللذان كانا يقولان‏:‏ ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون فدخل يوشع عليه السلام بعقبهم وفتح أرض الشام‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:24 AM

الجابية
قرية من قرى دمشق بها تل يسمى تل الجابية بها حيات صغار نحو الشبر كثيرة النكاية يسمونها أم الصويت لأنها إذا نهشت صوت اللديغ صوتاً خفياً ومات لوقته وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أرواح المؤمنين بالجابية بأرض الشام وأرواح الكفار ببرهوت بأرض حضرموت وقد مر ذكرها في حضرموت‏.‏

جاشك
جزيرة آهلة بقرب جزيرة قيس لأهلها جلادة وخبرة في حرب البحر وعلاج السفن جلادة ليس لغيرهم مثلها حتى إن الواحد منهم يسبح في الماء أياماً ويجالد بالسيف مجالدة من هو على الأرض‏.‏
ويقول أهل قيس‏:‏ ان بعض ملوك الهند أهدى إلى بعض الملوك جواري فلما وصل المركب إلى جاشك خرج الجواري يتفسحن فاختطفهن الجن وافترشوهن فولدن الذين بها فلهذا يأتون بما عجز عنه غيرهم‏.‏
جالطة
جزيرة على مرسى طبرقة من أرض افريقية طولها ثمانية أميال وعرضها خمسة أميال‏.‏
بها ثلاث أعين عذبة الماء وبها مزارع وآثار قديمة‏.‏
وبها من الايل ما لا يحصى‏.‏
حدثني الفقيه سليمان الملتاني أن بها عنزاً كثيرة إنسية توحشت إذا قصدها قاصد أهوت نفسها من جبال شاهقة ووقفت على قوائمها بخلاف الايل فإنها تقف على قرونها‏.‏

جزيرة تنيس
جزيرة قريبة من البر بين فرماء ودمياط في وسط بحيرة منفردة عن البحر الأعظم بينها وبين البحر الأعظم بر مستطيل وهو جزيرة بين البحرين وأول هذا البر قرب الفرماء‏.‏
وهناك فوهة يدخل منها ماء البحر الأعظم إلى بحر تنيس في موضع يقال له القرباج وهو يحول بين البحر الأعظم وبحيرة تنيس‏.‏
يسار في ذلك البر ثلاثة أيام إلى قرب دمياط وهناك فوهة أخرى تأخذ الماء من البحر الأعظم إلى بحيرة تنيس وبقرب تلك الفوهة النيل ينصب إلى بحيرة تنيس والبحيرة مقدار إبلاغ يوم في عرض نصف يوم ويكون ماؤها أكثر السنة ملحاً لدخول ماء البحر إليه عند هبوب الشمال فإذا انصرف نيل مصر عند دخول الشتاء وهبوب الرياح الغربية خلت البحيرة وخلا سيف البحر الملح مقدار بريدين وعند ذلك تكامل النيل وغلبت حلاوته ماء البحيرة فصارت البحيرة حلواً‏.‏
فحينئذ تذخر أهل تنيس المياه في صهاريجهم ومصانعهم لشرب سنتهم وهذه صورتها‏:‏ ذكروا انه ليس بجزيرة تنيس شيء من الهوام المؤذية لأن أرضها سبخة شديدة الملوحة وقد صنف في أخبار تنيس كتاب ذكر فيه انها بنيت في سنة ثلاثين ومائتين بطالع الحوت اثنتا عشرة درجة حد الزهرة وشرفها والمشتري فيها وهو صاحب البيت فلذلك كان مجمعاً للصلحاء وخيار الناس قال يوسف بن صبيح‏:‏ رأيت بها خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ولم يملكها أعجمي ولا كافر قط لأن الزهرة تدل على الإسلام تجلب منها الثياب النفيسة الملونة والفرش الحسن والثياب الابوقلمون‏.‏
ولها موسم يكون عنده من أنواع الطير ما لا يوجد في موضع آخر وهي مائة ونيف وثلاثون نوعاً‏.‏
أنواع الطيور التي توجد بجزيرة تنيس السلوى البقح المملوح النصطفير الزرزور الباز الرومي الصفري الدبسي البلبل السقاء القمري الفاخت النواج الزريق الهوني الزاغ الهدهد الحسيني الجرادي الابلق الراهب الحساف البرين السلسلة دردراي الشماس البصبص الأخضر الأبهق الأزرق الحضير أبو الحناء أبو كلب أبو دينار وارية الليل برقع أم علي برقع أم حبيب الدوري الزنجي وارية النهار الشامي شقرق صدر النحاس البلطين الخضراء السئة السوداء السئة الأطروش الخرطوم ديك الكرم الضريس الحمراء الرقشة الزرقاء الرقشة جوز الكسر ابن السمان ابن المرعة النوسية السن الوروار الصردة الحمراء الحصية القبرة المطوق السقسق السلار المرغ السكسكة الأرجوحة الخوخة فرد قفص الاورث السلونية السكة البيضاء اللبس العروس الوطواط عصفور الزوب اللقاب الجوين القليلة العسر الأحمر الأزرق الشرير البون البرك البرسي الحصاري الرجاحي البح الحمر الرومي الملاعقي البط الصيني العراق الاقرح البلبو الشطرف البشروش وز الفرط أبو قلمون أبو قير أبو منجل البجع الكركي الغطاس اللجوبة البطميس البحبوبة الرقادة الكروان البحري أبو مسكة الكروان الحرحي القرلي الخروطة الحلف الارميل الفلفوس الازد العقعق البوم الورشان القطا الدراج الحجل البازي الصردي الصقر الهام الغراب الأبهق الباشق ويعرف بها من السمك تسعة وسبعون نوعاً‏:‏ البوري البلمو البرو اللبت البلس السكسا الأران الشموس النسا الطوبار اليقشمار الاحناش الانكليس المعية البني الابليل الفويص الدونيس المرتنو الاسقلموس النفط الجبال البلطي الحجف القلارية الرحض العبر النون اللت القجاج القروص الكليس الأكلس الفراخ القرقاح الزليخ اللاج الاكلت الماضي الجلاء السلاء البرقش الصد البلك المشط القفا السور حوت الحجر البشين الشربوت النساس الرعاد الشعور المحبرة اللبس السطور الراس الريف اللبيس الأبرميس الأبونس اللباء العميان المناقير القلميدس الحلبوة الرقاص القرندس الجتر هوكبارة القبج المجزع الدليس الاشبالة البسال الأبيض الرقروق أم عبيد البلو أم الإنسان الانسارية اللجاه‏.‏
جزيرة الجساسة في بحر القلزم قالوا‏:‏ ان الدجال محبوس في هذه الجزيرة‏.‏
والجساسة دابة تجس الأخبار وتأتي بها الدجال‏.‏
روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت‏:‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة وخطبنا وقال‏:‏ إني لا أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ولكن بحديث حدثنيه تميم الداري فمنعني سروره القائلة‏.‏
حدثني أن نفراً من قومه أقبلوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف ألجأتهم إلى جزيرة فإذا هم بدابة قالوا لها‏:‏ ما أنت قالت‏:‏ أنا الجساسة‏!‏ قالوا‏:‏ أخبرينا الخبر‏.‏
قالت‏:‏ إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير فإن فيه رجلاً بالأسواق إليكم‏.‏
قال‏:‏ أتيناه فقال‏:‏ أنى تبعتم فأخبرناه فقال‏:‏ ما فعلت بحيرة طبرية قلنا‏:‏ تدفق بين أجوافها‏.‏
قال‏:‏ ما فعلت نخل عمان قلنا‏:‏ يجتنيها أهلها‏!‏ قال‏:‏ ما فعلت عين زغر قلنا‏:‏ يشرب منها أهلها‏.‏
فقال‏:‏ لو يبست أنفذت من وثاقي فوطئت بقدمي كل منهل إلا مكة والمدينة‏.‏
جزيرة الكنيسة في بحر المغرب قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ على البحر الأسود من ناحية أندلس جبل عليه كنيسة منقورة من الصخر في الجبل وعليها قبة كبيرة وعلى القبة غراب مفرد لا يبرح من أعلى القبة‏.‏
وفي مقابلة الكنيسة مسجد يزوره الناس ويقولون‏:‏ إن الدعاء فيه مستجاب‏.‏
وقد شرط على القسيسين الذين يسكنون تلك الكنيسة ضيافة كل مسلم يقصد ذلك المسجد‏.‏
فكلما وصل أحد إلى ذلك المسجد أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة ويصيح بعدد كل رجل صيحة فيخرج الرهبان بالطعام إلى أهل المسجد ما يكفيهم‏.‏
وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غراباً على تلك الكنيسة ولا يدرون من أين مأكله‏!‏ جفار أرض بين فلسطين ومصر مسير سبعة أيام كلها رمال سائلة نبض فيها قرى ومزارع ونخل كثير‏.‏
وأهلها يعرفون آثار الأقدام في الرمل حتى يعرفون وطء الشباب من الشيخ والرجل من المرأة والبكر من الثيب ومع كثرة بساتينهم لا حاجة لهم إلى النواطير لأن أحدهم لا يقدر أن يعدو على غيره لأن الرجل إذا أنكر شيئاً من بستانه يمشي على آثار القدم ويلحق سارقه ولو سار يوماً أو يومين‏.‏
بها نوع من الطير يأتيهم من بلاد الروم يسمى المرغ يشبه السلوى يأتي في وقت معين يصيدون منها ما شاء الله ويملحونها ويأتيهم أيضاً من بلاد الروم على البحر في وقت من السنة جوارح كثيرة الشواهين والصقور والبواشق‏.‏
وقلما يقدرون على البازي وما سواه يصيدونها وينتفعون بها‏.‏
جنابة
بليدة على ساحل بحر فارس سيئة الهواء رديئة الماء لا زرع بها ولا ضرع لأن أرضها سبخة وماءها ملح رأيتها ذكروا أنهم إذا أرادوا ماء عذباً بها حفروا حفيرة كبيرة وطموها بالطين الحر يأتون به من غير أرضهم فإذا طموا الحفرة بالطين الحر حفروها بئراً فيها يكون ماؤها طيباً‏.‏
وأهلها لفيف متفرق من الجور والبد والفسق والفجور فيها أظهر من الصلاة والأذان في غيرها‏.‏
ينسب إليها أبو الحسن القرمطي الجنابي خرج إلى البحرين ودعا العرب إلى نحلته فاجتمع عليه خلق كثير وكسر عسكر الخليفة وقتل على فراشه فقام ابنه سليمان وقتل حجاج بيت الله الحرام ونهب على الكعبة وقلع الحجر الأسود ونقله إلى الاحساء وبقي عندهم إحدى وعشرين سنة ثم ردوه بمال عظيم‏.‏
وظهر في أول رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة غلام فاجر يقال له ابن أبي زكرياء الطمامي دعا الناس إلى ربوبيته وذاك الغلام الفاجر يأمر بعبادة النار وقطع يد من أطفأ ناراً أو لسان من أطفأها بالنفخ‏.‏
وأمر الغلمان بطاعة طلابهم ومن امتنع أمر بذبحه ثم سلط الله عليه من تولى إظهاره فذبحه ورجع عن القرمطة‏.‏

مدينة نزهة
بأرض فارس كثيرة المياه والبساتين قال الاصطخري‏:‏ ان الرجل يسير من كل جانب منها نحو فرسخ في بساتين وقصور‏.‏
بناها أردشير بابك‏.‏
وفي وسط المدينة بناء عال يسمى الطربال‏.‏
والإنسان إذا علا ذلك البناء أشرف على المدينة وعلى رساتيقها وبنى في أعلاها بيت نار‏.‏
وبحذاء المدينة جبل استنبط منه الماء وعلاه إلى رأس الطربال‏.‏
وبها البئر العجيبة التي ليس في شيء من البلاد مثلها وهي على باب المدينة مما يلي شيراز وقد أكبوا على قعرها قدراً من نحاس يخرج من ثقبة ضيقة في ذلك القدر ماء حاد جداً ويصل إلى صفة البئر بنفسه ولا يحتاج إلى استقاء الماء منها‏.‏
وبها الورد الجوري وهو ورد أحمر صافي اللون من أجود أنواع الورد يتمثل بطيب رائحته قال الشاعر‏:‏ أطيب ريحاً من نسيم الصّبا جاءت بريّا الورد من جور وحكى أحمد بن يحيى بن جابر أن جور نزل عليها المسلمون سنين فعجزوا عن فتحها حتى نزل عليها عبد الله بن عامر‏.‏
وكان بعض أجناد المسلمين قام بالليل يصلي وإلى جانبه جراب فيه خبز ولحم فجاء كلب جره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل خفي لها فدخل المسلمون من ذلك المدخل فأصبح أهل جور والمدينة ممتلئة من المسلمين ملكوها قهراً‏.‏مدينة كبيرة بكرمان آهلة كثيرة الخيرات وافرة الثمرات قال الاصطخري‏:‏ بها نخل كثير ولأهلها سنة وهي أنهم لا يرفعون شيئاً من الثمرات التي أسقطتها الريح بل يتركونها للضعفاء فربما كثرت الريح في بعض السنين فيحصل للضعفاء أكثر مما يحصل للملاك‏.‏

جيزة
ناحية بمصر قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ بها طلسم للرمل وهو صنم والرمل خلفه إلى ناحية المغرب مثل البحر تأتي به الرياح من أرض المغرب فإذا وصل إلى ذلك الصنم لا يتعداه والقرى والرساتيق والمزارع والبساتين بين يدي ذلك الصنم والرمل العظيم خلفه‏.‏
وكان مكان ذلك الرمل مدن وقرى علاها الرمل وغطاها وتظهر رؤوس الأعمدة الرخام والجدر العظام في وسط ذلك الرمل ولا يمكن الوصول إليها قال‏:‏ وكنت أصعد بعض تلال الرمل بالغداة إذا تلبد الرمل بالطل في الليل فرأيت الرمل مثل البحر لا يتبين آخره البتة ورأيت مدينة فرعون يوسف عليه السلام مدينة عظيمة بنيانها وقصورها أعظم وأحكم من مدينة فرعون موسى عليه السلام والرمل قد غطى أكثرها فظهرت رؤوس الأعمدة التي كانت في القصور‏.‏
وهناك سجن يوسف عليه السلام في جوف حائط باب قصر الملك والحائط منحوت من الصخر فصعدت في درج في نفس الحائط كدرجات المنبر من الصخر إلى غرفة في نفس الجدار مشرفة على النيل وسطح تلك الغرفة وسقفها من ألواح الصخر المنحوتة مثل الخشب‏.‏
وفي الغرفة باب يفضي إلى بيت عظيم تحت الغرفة هو سجن يوسف عليه السلام وعلى جدار الغرفة مكتوب‏:‏ ههنا عبر يوسف الرؤيا حيث قال‏:‏ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان‏.‏

حلب
مدينة عظيمة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة التربة‏.‏
لها سور حصين وقلعة حصينة‏.‏
قال الزجاجي‏:‏ كان الخليل عليه السلام يحلب غنمه بها ويتصدق بلبنها يوم الجمعة فيقول الفقراء‏:‏ حلب فسميت بذلك ولقد خص الله تعالى هذه المدينة ببركة عظيمة من حيث يزرع في أرضها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكرم والمشمش والتفاح والتين عذياً يسقى بماء المطر فياتي غضاً روياً يفوق ما يسقى بالسيح في غيرها من البلاد قال كشاجم‏:‏ أرتك يد الغيث آثارها وأخرجت الأرض أزهارها وما منعت جارها بلدةٌ كما منعت حلبٌ جارها هي الخلد يجمع ما تشتهي فزرها فطوبى لمن زارها والمدينة مسورة بحجر أسود وفي جانب السور قلعة حصينة لأن المدينة في وطاء من الأرض‏.‏
وفي وسطها جبل مدور مهندم والقلعة عليه‏.‏
ولها خندق عظيم وصل حفره إلى الماء وفي وسطه مصانع للماء المعين وجامع وبساتين وميدان ودور كثيرة وفيها مقامان للخليل عليه السلام يزاران إلى الآن‏.‏
وفيها مغارة كان يجمع الخليل فيها غنمه‏.‏
وفي المدينة مدارس ومشاهد وبيع وأهلها سنية وشيعية‏.‏
وبها حجر بظاهر باب اليهود على الطريق ينذر له ويصب عليه الماورد المسلمون واليهود والنصارى يقولون‏:‏ تحته قبر نبي من الأنبياء وفي مدرسة الحلاوى حجر على طرف بركتها كأنه سرير ووسطه منقور قليلاً يعتقد الفرنج فيه اعتقاداً عظيماً وبذلوا فيه أموالاً فلم يجابوا إليه‏.‏
ومن عجائبها سوق الزجاج فإن الإنسان إذا اجتاز بها لا يريد أن يفارقها لكثرة ما يرى فيها من الطرائف العجيبة والآلات اللطيفة تحمل إلى سائر البلاد للتحف والهدايا‏.‏
وكذلك سوق المزوقين ففيها آلات عجيبة مزوقة‏.‏
ولهم لعب كل سنة أول الربيع يسمونه الشلاق وهو انهم يخرجون إلى ظاهر المدينة وهم فرقتان تتقاتلان أشد القتال حتى تنهزم إحدى الفرقتين فيقع فيهم القتل والكسر والجرح والوهي ثم ومن عجائبها بئر في بعض ضياعها إذا شرب منها من عضه الكلب الكلب بريء وهذا مشهور قال بعض أهل هذه القرية‏:‏ شرطه أن العض لم يجاوز أربعين يوماً فإن جاوز أربعين يوماً لم يبرأ‏!‏ وذكر أنه أتاهم ثلاثة أنفس من المكلوبين وشربوا منه فسلم اثنان لم يجاوزا الأربعين ومات الثالث وقد جاوز الأربعين‏.‏
وهذه بئر منها شرب أهل الضيعة‏.‏
وحكى بعضهم أنه ظهر بأرض حلب سنة أربع وعشرين وستمائة تنين عظيم بغلظ منارة وطول مفرط ينساب على الأرض يبلع كل حيوان يجده ويخرج من فمه نار تحرق ما تلقاه من شجر أو نبات واجتاز على بيوت أحرقها والناس يهربون منه يميناً ويساراً حتى انساب قدر اثني عشر فرسخاً فأغاث الله تعالى الخلق منه بسحابة نشأت ونزلت إليه فاحتملته وكان قد لف ذنبه في كلب فيرفع الكلب رفعة والكلب يعوي في الهواء والسحاب يمشي به والناس ينظرون إليه إلى أن غاب عن الأعين قال الحاكي‏:‏ رأيت الموضع الذي انساب فيه كأنه نهر‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif حمص
مدينة بأرض الشام حصينة أصح بلاد الشام هواء وتربة‏.‏
وهي كثيرة المياه والأشجار ولا يكاد يلدغ بها عقرب أو تنهش حية‏.‏
ولو غسل ثوب بماء حمص لا يقرب عقرب لابسه إلى أن ومن عجائبها الصورة التي على باب المسجد الذي إلى جانب البيعة وهي صورة إنسان نصفها العلى ونصفها الأسفل صورة عقرب‏.‏
يؤخذ الطين الحر ويطبع به على تلك الصورة وتلقى في الماء حتى يشرب الملدوغ فيبرأ في الحال‏.‏
وأهلها موصوفون بالجمال المفرط والبلاهة قال الجاحظ‏:‏ مرت بمص عنز تبعها جمل فقال رجل لآخر‏:‏ هذا الجمل من هذا العنز‏!‏ فقال الآخر‏:‏ كلا إنه يتيم في حجره‏.‏
ومن العجب أنهم كانوا أشد الناس على علي رضي الله عنه فلما انقضت تلك الأيام صاروا من غلاة الشيعة حتى ان في أهلها كثيراً ممن يرى مذهب النصيرية وأصلحهم الامامية السبابة‏.‏
وأما حكومة قاضي حمص فمشهورة‏:‏ ذكر أنه تحاكم إليه رجل وامرأة فقالت المرأة‏:‏ هذا رجل أجنبي مني وقد قبلني فقال القاضي‏:‏ قومي إليه وقبليه كما قبلك‏!‏ فقالت‏:‏ عفوت عنه ‏!‏ فقال لها‏:‏ مري راشدةً‏.‏
وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه مات بها وهو يقول في مرض موته‏:‏ تباً للجبناء‏!‏ ما على بدني قدر شبر إلا وعليه طعنة أو ضربة وها أنا أموت على الفراش موت العير‏!‏ حوران قرية من نواحي دمشق قالوا‏:‏ انها قرية أصحاب الاخدود وبها بيعة عظيمة عامرة حسنة البناء مبنية على عمد الرخام منمقة بالفسيفساء يقال لها النجران ينذر لها المسلمون والنصارى ذكروا أن النذر لها مجرب ولنذره قوم يدورون في البلاد ركاب الخيل ينادون‏:‏ من نذر للنجران المبارك وللسلطان عليها عطية يؤدونها كل عام‏.‏

الحيرة
بلدة قديمة كانت على ساحل البحر بقرب أرض الكوفة وكان هناك في قديم الزمان بحر‏.‏
والآن ليس بها أثر البحر ولا المدينة بل هي دجلة وآثار طامسة‏.‏
وكانت الحيرة منزل ملوك بني لخم وهم كانوا ملوك العرب في قديم الزمان وإياهم أراد الأسود بن يعفر في قوله‏:‏ ماذا أؤمّل بعد آل محرّقٍ تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسّدير وبارقٍ والقصر ذي الشّرفات من سنداد نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد أرضٌ يخيلها لطيب مقيلها كعب بن مامة وابن أمّ ذواد جرت الرّياح على محلّ ديارهم فكأنّهم كانوا على ميعاد فإذا النّعيم وكلّ ما يلهى به يوماً يصير إلى بلىً ونفاد وبنى النعمان بن امريء القيس بن عمرو بن عدي قصراً بظاهر الحيرة في ستين سنة اسمه الخورنق بناه رجل من الروم يقال له سنمار وكان يبني السنتين والثلاث ويغيب الخمس فيطلب فلا يوجد‏.‏
وكان يبني على وضع عجيب لم يعرف أحد أن يبني مثله‏.‏
ثم إذا وجد يحتج بحجة فلم يزل يفعل هذا ستين سنة‏.‏
فلما فرغ من بنائه كان قصراً عجيباً لم يكن للملوك مثله‏.‏
فرح به النعمان فقال له سنمار‏:‏ اني لأعلم موضع آجرة لو زالت لسقط القصر كله فقال له النعمان‏:‏ هل يعرفها أحد غيرك قال‏:‏ لا‏!‏ فأمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطعت أوصاله فاشتهر ذلك حتى ضرب العرب به المثل فقال الشاعر‏:‏ جزاني جزاه الله شرّ جزائه جزاء سنمّارٍ وما كان ذا ذنب سوى رمّة البنيان ستّين حجّةً يعلى عليه بالقراميد والسّكب فلمّا رأى البنيان تمّ شهوقه وآض كمثل الطّود الشّامخ الصّعب وظنّ سنمّارٌ به كلّ حبوةٍ وفاز لديه بالمودّة والقرب فقال‏:‏ اقذفوا بالعلج من فوق رأسه فهذا لعمر الله من أعجب الخطب فصعد النعمان قلته ونظر إلى البحر تجاهه وإلى البر خلفه والبساتين حوله ورأى الظبي والحوت والنخل فقال لوزيره‏:‏ ما رأيت أحسن من هذا البناء قط‏!‏ فقال له وزيره‏:‏ له عيب عظيم‏!‏ قال‏:‏ وما ذلك قال‏:‏ انه غير باق‏!‏ قال النعمان‏:‏ وما الشيء هو باق قال‏:‏ ملك الآخرة‏!‏ قال‏:‏ فكيف تحصيل ذلك قال‏:‏ بترك الدنيا‏!‏ قال‏:‏ فهل لك أن تساعدني في طلب ذلك فقال‏:‏ نعم‏.‏
فترك الملك وتزهد هو ووزيره والله الموفق‏.‏
خبيص
مدينة كبيرة بكرمان‏.‏
ذكر ابن الفقيه أن باطنها لم يمطر أبداً وإنما تكون الأمطار حواليها‏.‏
وقال‏:‏ ربما أخرج الرجل يده من السور فيقع المطر عليها ولا يقع على بقية بدنه الداخل في المدينة وهذا عجيب‏!‏ خربة الملك مدينة بمصر على شرق النيل قال أحمد بن واضح‏:‏ ان معدن الزمرذ في هذا الموضع في جميع الأرض وان هناك جبلين يقال لأحدهما العروس وللآخر الخصوم بهما معدن الزمرذ ربما وقعت بهما قطعة تساوي ألف دينار‏.‏
الخليل اسم بلدة بها حصن وعمارة بقرب بيت المقدس‏.‏
فيه قبر الخليل عليه السلام في مغارة تحت الأرض وهناك مشاهد وقوام وفي الموضع ضيافة للزوار وهو موضع طيب نزه آثار البركة ظاهرة عليه حكى السلفي أن رجلاً أتى زيارة الخليل وأهدى لقيم الموضع هدية وسأله أن يمكنه من النزول إلى مغارة الخليل فقال القيم‏:‏ إن أقمت إلى انقطاع الزوار فعلت‏!‏ فأقام فقطع بلاطة وأخذ معه مصباحاً فنزل سبعين درجة إلى مغارة واسعة وبها دكة عليها الخليل وعليه ثوب أخضر والهواء يحرك شيبته وإلى جانبه إسحاق ويعقوب عليهما السلام ثم أتى حائط المغارة يقال‏:‏ إن سارة عليها السلام خلف ذلك الحائط فهم أن ينظر إلى ما وراء الحائط فإذا هو بصوت يقول‏:‏ إياك والحرم‏!‏ فعاد من حيث نزل‏.‏
دارا قرية من قرى دمشق ينسب إليها أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداري‏.‏
كان فريد وقته في الزهد والورع قال‏:‏ نمت ليلة بعد وردي فإذا أنا بحوراء تقول لي‏:‏ تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام وقال‏:‏ كنت ليلة باردة في المحراب فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيناي فإذا قائل يقول‏:‏ يا أبا ليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى مثلها لوضعنا فيها‏!‏ فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان برداً كان أو حراً‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دارابجرد
كورة بفارس نفيسة عمرها داراب بن فارس قال الاصطخري‏:‏ بها كهف الموميا وقال ابن الفقيه‏:‏ انه بأرجان وقد مضى ذكرها في أرجان‏.‏
وزاد الاصطخري‏:‏ ان الخالص منه يحمل إلى شيراز ثم يغسل الموضع ويعجن بمائه شيء ويخرج على أنه الموميا فجميع ما ترى في أيدي الناس من المعجون وأما الخالص فلا يوجد إلا في خزانة الملك‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ بناحية دارابجرد جبال من الملح الأبيض والأصفر والأخضر والأحمر والأسود ينحت منها الموائد والصحون والغضائر وغيرها من الظروف وتهدى إلى سائر البلاد‏.‏
وبها معدن الزئبق‏.‏

دمشق
قصبة بلاد الشام وجنة الأرض لما فيها من النضارة وحسن العمارة ونزاهة الرقعة وسعة البقعة وكثرة المياه والأشجار ورخص الفواكه والثمار‏.‏
قال أبو بكر الخوارزمي‏:‏ جنان الدنيا أربع‏:‏ غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان وجزيرة الأبلة وقد رأيت كلها فأفضلها غوطة دمشق وأهل السير يقولون‏:‏ إن آدم عليه السلام كان ينزل في موضع بها يقال له الآن بيت الأبيات وحواء في بيت لهيا وهابيل في مقرى وقابيل في قنينة‏.‏
وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة كانت القرابين توضع عليها فما قبل نزلت نار أحرقته وما لم يقبل بقي على حاله وقتل قابيل هابيل على جبل قاسيون وهو جبل على باب دمشق‏.‏
وهناك حجر عليه مثل أثر الدم يزعم أهل دمشق انه الحجر الذي رض به قابيل رأس هابيل وعند الحجر مغارة يقال لها مغارة الدم لذلك‏.‏
والمدينة الآن عظيمة حصينة ذات سور وخندق وقهندز والعمارات مشبكة من جميع جوانبها والبساتين محيطة بالعمارات فراسخ وقلما ترى بها داراً أو مسجداً أو رباطاً أو مدرسة أو خاناً إلا وفيها ماء جار‏.‏
ومن عجائبها الجامع وصفه بعض أهل دمشق قال‏:‏ هو أحد العجائب كامل المحاسن جامع الغرائب بسط فرشه بالرخام وألف على أحسن تركيب وانتظام‏.‏
فصوص أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة وهو منزه عن صور الحيوان إلى صور النبات وفنون الأغصان تجنى ثمرتها بالأبصار ولا يعتريها حوائج الأشحار‏.‏
والثمار باقية على طول الزمان مدركة في كل حين وأوان لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يصيبها ذبول مع تصاريف الدهر‏.‏عمره الوليد بن عبد الملك وكان ذا همة في أمر العمارات وبناء المساجد‏.‏
أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحمل عليه الدساتير بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيراً فلم ينظر إليها وأمر بإبعادها وقال‏:‏ هو شيء أخرجناه لله فلا نتبعه‏!‏ قالوا‏:‏ من عجائب الجامع لو أن أحداً عاش مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى في كل يوم ما لم يره من حسن الصنعة ومبالغة التنميق‏.‏
وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصناع ستين ألف دينار فضج الناس استعظاماً لما أنفق فيه وقالوا‏:‏ أنفقت أموال المسلمين فيما لا فائدة لهم فيه‏!‏ فقال‏:‏ ان في بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إن لم يدخل فيه حبة قمح‏!‏ فسكت الناس فلما فرغ أمر بتسقيفها من الرصاص وإلى الآن سقفها من الرصاص ورأيت الصانع يرقمها بالرصاص المذاب‏.‏
قالوا‏:‏ ان طيراً يذرق على الرصاص يحرقه فيحتاج إلى الإصلاح لدفع ماء المطر‏.‏
قال موسى بن حماد‏:‏ رأيت في جامع دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفوراً سورة ألهاكم التكاثر ورأيت جوهرة حمراء نفيسة ملصقة في قاف المقابر فسألت عن ذلك فقالوا‏:‏ ماتت للوليد بنت كانت هذه الجوهرة لها فأمرت أمها أن تدفن هذه الجوهرة معها فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر وحلف لأمها أنه أودعها المقابر‏.‏والمسجد مبني على أعمدة رخام طبقتين‏:‏ التحتانية أعمدة كبار والفوقانية أعمدة صغار في خلال ذلك صور المدن والأشجار بالفسيفساء والذهب والألوان‏.‏
ومن العجب العمودان الحجريان اللذان على باب الجامع وهما في غاية الإفراط طولاً وعرضاً قيل‏:‏ وهما من عمل عاد إذ ليس في وسع أبناء زماننا قطعهما ولا نقلهما ولا إقامتهما وفي الجانب الغربي بالجامع عمودان على الطبقة العليا من الأعمدة الصغار يقولون‏:‏ انهما من الحجر الدهنج وفي جدار الصحن القبلي حجر مدور شبه درقة منقطة بأبيض وأحمر قالوا‏:‏ بذل الفرنج فيه أموالاً فلم يجابوا إليه‏.‏
وللجامع أوقاف كثيرة وديوان عظيم وعليها أرزاق كثير من الناس منهم صناع يعملون القسي والنبال للجامع ويذخرونها ليوم الحاجة ذكروا أن دخل الجامع كل يوم ألف ومائتا دينار يصرف المائتان إلى مصالح الجامع والباقي ينقل إلى خزانة السلطان‏.‏
وأهل دمشق أحسن الناس خلقاً وخلقاً وزياً وأميلهم إلى اللهو واللعب ولهم في كل يوم سبت الاشتغال باللهو واللعب‏.‏
وفي هذا اليوم لا يبقى للسيد على المملوك حجر ولا للوالد على الولد ولا للزوج على الزوجة ولا للأستاذ على التلميذ فإذا كان أول النهار يطلب كل واحد من هؤلاء نفقة يومه فيجتمع المملوك بإخوانه من المماليك والصبي بأترابه من الصبيان والزوجة باخواتها من النساء والرجل أيضاً بأصدقائه فأما أهل التمييز فيمشون إلى البساتين ولهم فيها قصور ومواضع طيبة وأما سائر الناس فإلى الميدان الأخضر وهو محوط فرشه أخضر صيفاً وشتاء من نبت فيه وفيه الماء الجاري‏.‏
والمتعيشون يوم السبت ينقلون إليه دكاكينهم‏.‏
وفيها حلق المشعبذين والمساخرة والمغنين والمصارعين والفصالين‏.‏
والناس مشغولون باللعب واللهو إلى آخر النهار ثم يفيضون منها إلى الجامع ويصلون بها المغرب ويعودون إلى أماكنهم‏.‏
بها جبل ربوة جبل على فرسخ من دمشق قال المفسرون‏:‏ إنها هي المذكورة في قوله تعالى‏:‏ وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين‏.‏
وهو جبل عال عليه مسجد حسن في وسط البساتين ولما أرادوا إجراء ماء بردى وقع هذا الجبل في الوسط فنقبوا تحته وأجروا الماء فيه ويجري على رأسه نهر يزيد وينزل من أعلاه إلى أسفله‏.‏
وفي المسجد الذي على أعلى الماء الجاري‏.‏
وله مناظر إلى البساتين وفي جميع جوانبه الخضرة والأشجار والرياحين‏.‏
ورأيت في المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة حجمه كحجم صندوق مدور وقد انشق بنصفين وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد الشقين عن الآخر بل متصل به كرمان مشقوق ولأهل دمشق في ذلك الحجر أقاويل كثيرة‏.‏
وينسب إليها إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل في الذكاء‏.‏
طلب من رجل حقاً عند القاضي وهو إذ ذاك يتيم فقال له القاضي‏:‏ اسكت إنك صبي‏!‏ فقال‏:‏ إذا سكت من يتكلم عني فقال القاضي‏:‏ والله لا تقول حقاً‏!‏ فقال إياس‏:‏ لا إله إلا الله‏!‏ وحكي أن امرأتين تحاكمتا إليه في كبة غزل فأفرد كل واحدة منهما وسألها‏:‏ على أي شيء كببت غزلك فقالت إحداهما‏:‏ على كسرة خبز‏!‏ وقالت الأخرى‏:‏ على طرقة‏.‏
فنقض الكبة فإذا هي على كسرة خبز‏.‏
فسمع بذلك ابن سيرين فقال‏:‏ ويحه ما أفهمه‏!‏ وحكي انه تحاكم إليه رجلان فقال أحدهما‏:‏ إني دفعت إليه مالاً‏.‏
فجحد الآخر فقال للمدعي‏:‏ أين سلمت هذا المال إليه فقال‏:‏ عند شجرة في الموضع الفلاني‏!‏ فقال المدعى عليه‏:‏ انا ذلك الموضع ما رأيت قط‏.‏
فقال‏:‏ انطلقوا بالمدعي إلى ذلك المكان وابصروا هل فيه شجرة أم لا فلما ذهبوا إليه قال بعد زمان للمدعى عليه‏:‏ ترى وصلوا إلى ذلك المكان قال‏:‏ لا بعد‏!‏ فقال له‏:‏ قم يا عدو الله إنك خائن‏!‏ فقال‏:‏ أقلني أقالك الله‏!‏ واعترف به‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دمندان
مدينة كبيرة بكرمان قال ابن الفقيه‏:‏ بها معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والتوتيا والنوشاذر في جبل شاهق يقال له دنباوند‏.‏
وفي هذا الجبل كهف عظيم يسمع من داخله دوي شبه خرير الماء ويرتفع منه شبه دخان ويلتصق بحواليه فإذا كثف وكثر خرج إليه أهل المدينة يقلعونه وهو النوشاذر الجيد الذي يحمل إلى الآفاق وقد وكل السلطان به قوماً حتى إذا جمع كله أخذ السلطان خمسه‏.‏
دمياط مدينة قديمة بين تنيس ومصر مخصوصة بالهواء الطيب وهي من ثغور الإسلام عندها يصب ماء النيل في البحر وعرض النيل هناك نحو مائة ذراع وعليه من جانبيه برجان بينهما سلسلة حديد عليها جرس لا يدخل مركب في البحر ولا يخرج إلا بإذن وعلى سورها مدارس ورباطات كثيرة‏.‏
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لعمر بن الخطاب‏:‏ يا عمر سيفتح على يديك ثغران‏:‏ الإسكندرية ودمياط أما الإسكندرية فخرابها من البربر وأما دمياط فهم صفوة شهداء من رابطها ليلة كان معي في حظيرة القدس‏.‏
وحكى الحسن بن محمد المهلبي قال‏:‏ من طريف أمر دمياط ان الحاكة بها يعملون الثياب الرفيعة وهم قبط من سفلة الناس أكثر أكلهم السمك المملوح والطري فإذا أكلوا عادوا إلى الصنعة من غير غسل الأيدي وينشطون بها ويعملون في غزلها فإذا قطع الثوب لا يشك من يقلبه انه بخر بالند‏!‏ وقال أيضاً‏:‏ من طريف أمر دمياط ان في قبليها على الخريج غرفاً تعرف بالمعامل يستأجرها الحاكة لعمل ثياب الشرب فيها فلا تكاد تنجب إلا بها فإن عمل بها ثوب وبقي منها شبر ونقل إلى غير هذه الغرف علم بذلك السمسار المبتاع للثوب وينقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب وتبلغ قيمة الثوب الأبيض بدمياط وليس فيه ذهب ثلاثمائة دينار ولا تشارك تنيس في شيء من عملها وبينهما مسيرة نصف نهار‏.‏
ولا يعمل بدمياط مصبوغ ولا بتنيس أبيض وهما حاضرتا البحر‏.‏
وبها أنواع الطير والسمك ذكرناها في تنيس لا نعيدها‏.‏
وبها الفرش القلموني من كل لون‏.‏
وبها سمكة يقال لها الدلفين وهي في خلقة زق زعموا أنها تنجي الغريق وبها سمكة أخرى من أكلها يرى منامات هائلة‏.‏
وحكي أن الفرنج في زمان الملك الكامل اتخذوا مركباً بعلو سور دمياط وشحنوه من الرجال والسلاح وأجروه في البحر إلى أن يصل بسور دمياط فوثبوا من المركب إلى السور وفتحوا دمياط بهذه الحيلة فلما علم الملك الكامل ذلك شق عليه وجاء محاصراً لها فصعب عليه استخلاصها فبنى بجنبها مدينة بالأسواق والحمامات وما زال يحاصرها حتى فتحها وأسر دندرة مدينة على غربي النيل من نواحي الصعيد طيبة ذات مياه وأشجار ونخل وكرم فيها من البرابي كثير والبربا بيت فيه صور لطلسم أو سحر من جملتها بربا فيه مائة وثمانون كوة تدخل الشمس كل يوم من كوة واحدة بعد واحدة حتى تنتهي إلى آخرها ثم تكر إلى الموضع الذي بدأت منه‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دورق
بليدة بخوزستان قال مسعر بن مهلهل‏:‏ في أعمالها معادن كثيرة‏.‏
وبها آثار قديمة لقباذ بن دارا‏.‏
وبها صيد كثير ويجتنب بعض مواضعها لا يرعى قالوا انه لطلسم‏.‏
وبها الكبريت الأصفر البحري ولا يوجد هذا الكبريت إلا بها وإن حمل منها إلى غيرها لا يسرج وإذا أتي بالنار من غير دورق أحرقته ونار دورق لا تحرقه وهذا من ظريف الأشياء‏.‏
وبها هوام قتالة لا يبل سليمها‏.‏
منها حية شبرية تسمى ذات الرأسين وهذه الحية توجد بين دورق والباسيان تكون في الرمل فإذا أحست بشيء من الحيوان وثبت أذرعاً ونهشت بإحدى رأسيها وتثقل عليه فيموت الحيوان في ساعته‏.‏جزيرة بين بحر فارس ونهر عسكر مكرم خمسة فراسخ في خمسة فراسخ ترفأ إليها مراكب البحر التي تقدم من ناحية الهند لا طريق لها إلا إليها وبها الجزر والمد في كل يوم مرتين‏.‏
وماؤها عذب فإذا ورد المد عليها يبقى ملحاً كثيراً‏.‏
وفي وسطها قلعة كان في أيام الخلفاء يحمل إليها المنفيون من بغداد فمن كانت جريمته عظيمة يحبس في القلعة ومن كان دون ذلك يرسل في الجزيرة‏.‏
وبها عمارات وبيوت يسكنها قوم من النوتية الذين يعملون في البحر‏.‏
وبها مد وجزر آخر بحسب زيادة نور القمر ونقصانه فيزداد كل يوم إلى منتصف الشهر ثم ينقص كل يوم إلى آخر الشهر‏.‏
ورأيت بها شاباً أسمر نحيفاً كانوا يقولون انه يصطاد الظبي وحكى بعضهم ان ذئباً قد أكل شاة لهذا الرجل بدورقستان فقام يعدو خلفه والذئب لا يقدر على الخروج من الجزيرة فلم يزل يسعى خلفه حتى أدركه‏.‏
دير أبي هور ذكر الشابستي انه بسرياقوس من أعمال مصر وهي بيعة عامرة كثيرة الرهبان‏.‏
وفيها أعجوبة وهي ان من يكون به خنازير يقصد هذا الموضع للتعالج فيضجعه رئيس الموضع ويجيء بخنزير يرسله إلى موضع العلة فيأكل الخنزير الغدة ولا يتعدى إلى الموضع الصحيح‏.‏
فإذا تنظف الموضع ذر عليه شيئاً من رماد خنزير فعل هذا الفعل من قبل ودهنه بزيت قنديل البيعة فيبرأ‏.‏
ثم يذبح ذلك الخنزير ويحرق ويعد رماده لمثل هذا العلاج‏.‏
دير أتريب
بأرض مصر يعرف بمارت مريم عليها السلام‏.‏
له عيد وانه في الخامس عشر من آب والحادي والعشرين من بؤونه من أشهر القبط‏.‏
يذكرون أن حمامة بيضاء تأتيهم ولا يرونها إلا يوم مثله تدخل المذبح ولا يدرون من أين جاءت‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دير أيوب
قرية من نواحي دمشق‏.‏
بها كان منزل أيوب عليه السلام وبها ابتلاه الله‏.‏
وبها العين التي ظهرت من ركضه حين أمره الله تعالى به عند انتهاء ابتلائه فقال عز وعلا‏:‏ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب والصخرة التي كانت عليها وبها قبره عليه السلام‏.‏
دير سمعان دير بناحية دمشق في موضع نزه محدقة بالبساتين والدور والقصور وكان بها حبيس مشهور منقطع عن الخلق جداً وكان يخرج رأسه من كوة في كل سنة يوماً معلوماً فكل من وقع عليه بصره من المرضى والزمنى عوفي‏.‏
فسمع به إبراهيم بن أدهم فذهب إليه حتى يشاهد ذلك قال‏:‏ رأيت عند الدير خلقاً كثيراً من الواقفين حذاء تلك الكوة يترقبون خروج رأس الحبيس فلما كان ذلك اليوم أخرج رأسه ونظر إليهم يميناً وشمالاً فكل من وقع نظره عليه قام سليماً معافى ثم رجع إلى مكانه‏!‏ قال‏:‏ فتعجبت من ذلك وبقيت متفكراً فيه ثم مضيت ودعوته فأجابني وسألته عن حاله فأعطاني سبع حمصات وقال‏:‏ هذه تطلب منك لا تبعها إلا بثمن بالغ ‏!‏ قال‏:‏ فانصرفت عنه فاشتهر بين النصارى أن الحبيس أعطى لهذا الحنيفي شيئاً فاجتمعوا علي وقالوا‏:‏ ماذا تصنع بهذه الحمصات بعها منا‏!‏ فما زالوا يزيدون في ثمنها حتى بلغ سبعمائة دينار فبعتها ثم انصرفت وعبوري على دير سمعان فأخرج الحبيس رأسه وقال‏:‏ أيها الحنيفي قد بعت الحمصات بسبعمائة دينار ولو طلبت سبعة آلاف لأعطوك وكل حمصة لي قوت يوم فانظر من يكون قيمة قوته كل يوم ألف دينار كم تكون قيمته ثم أدخل رأسه‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دير طور سينا
على قلة طور سينا وهو الجبل الذي تجلى فيه النور لموسى عليه السلام وخر موسى صعقاً هناك‏.‏
والدير مبني بالحجر الأسود وفي غربيه باب لطيف قدامه حجر إذا أرادوا رفعه رفعوه وإذا قصدهم قاصد أرسلوه فانطبق على الموضع ولم يعرف مكان الباب وفي داخلها عين ماء‏.‏
وزعم النصارى أن بها ناراً من النار التي كانت ببيت المقدس وهي نار بيضاء ضعيفة الحر لا تحرق وتقوى إذا أوقد منها السرج وهو عامر بالرهبان والناس يقصدونه قال فيه ابن عاصم‏:‏ يا راهب الدّير ماذا الضّوء والنّور وقد أضاء بما في ديرك الطّور هل حلّت الشّمس فيه دون أبرجها أم غيّب البدر عنه فهو مستور دير الطير بأرض مصر على شاطيء النيل بقرب الجبل المعروف بجبل الكهف‏.‏
وفي هذا الجبل شق فإذا كان يوم عيد هذا الدير يأتي صنف من الطير يقال له بوقير لم يبق منها واحد إلا جاء ذلك الشق ويشتد عنده صياحها‏.‏
ولا يزال الواحد بعد الواحد يجعل رأسه في ذلك الشق ويصيح إلى أن يتشبث رأس أحدها بالشق فيضطرب حتى يموت وعند ذلك تنصرف البقية إلى السنة القابلة ولا يبقى هناك منها طائر هكذا ذكر الشابشتي وهذا دليل الخصب في تلك السنة وربما تشبث على طيرين فيكون الخصب بالغاً جداً‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif دير نهيا
بالجيزة من أرض مصر‏.‏
من أحسن الديارات وأنزهها وأطيبها موضعاً وأجلها موقعاً عامر بالرهبان وله في النيل منظر عجيب لأن الماء محيط به من جميع جهاته‏.‏
فإذا انصرف الماء وزرعت أظهرت أنواع الأزهار وأصناف الأنوار فتشبه الديباج المنقش لا يريد الإنسان ان يفارقها وله خليج تجتمع فيه الطيور فهو متصيد أيضاً ولابن البصري فيه‏:‏ أيا دير نهيا إن ذكرت فإنّني أسعى إليك على الخيول السّبّق أوما ترى وجه الرّبيع وقد زهت أنواره بنهاره المتألّق وتجاوبت أطياره وتبسّمت أشجاره من ثغر زهرٍ مؤنق والبدر في وسط السّماء كأنّه وجهٌ مضيءٌ في قناعٍ أزرق وإذا سئلت عن الطّيور وصيدها وجنوسها فاصدق وإن لم تصدق فالغرّ فالكروان فالفارور إذ يشجيك في طيرانه المتحلّق الرصافة مدينة في البرية بقرب الرقة‏.‏
رأيتها لها سور محكم من الحجر المنحوت‏.‏
أحدثها هشام بن عبد الملك لما وقع الطاعون بأرض الشام‏.‏
ليس بها نهر ولا عين وآبارهم بعيدة العمق رشاؤها مائة وعشرون ذراعاً وهي ملح‏.‏
وشربهم من الصهاريج داخل المدينة وقد تفرغ الصهاريج في أثناء الصيف فيأخذون الماء من الفرات وبينهما أربعة فراسخ‏.‏
ولبني خفاجة عليهم مال يؤدونه صاغرين‏.‏
وصنعة أهلها عمل الأكسية والجوالق والمخالي منها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏
وكان هشام بن عبد الملك يفزع إليها من البق في شاطيء الفرات‏.‏
ومن عجيب هذه البلدة أن ليس بها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا أمن ولا تجارة ولا صنعة مرغوبة‏!‏ وأهلها يسكنونها ولولا حب الوطن لخربت‏.‏

أرب جمـال 23 - 11 - 2009 01:26 AM

الرقادة
بلدة طيبة بافريقية بقرب القيروان كثيرة البساتين ليس بافريقية أعدل هواء ولا أطيب نسيماً منها ولا أصح تربة‏!‏ حتى إن من دخلها لم يزل مستبشراً من غير أن يعلم لذلك سبباً‏.‏
وحكي أن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب مرض وشرد عنه النوم فعالجه إسحق المتطبب الذي نسب إليه الاطريفل الاسحقي فأمره بالتردد‏.‏
فلما وصل إلى هذا الموضع نام فسماه رقادة واتخذ به دوراً وقصوراً فصارت من أحسن بلاد الله‏.‏
وكان يمنع بيع النبيذ بالقيروان ولا يمنع بالرقادة فقال طرفاء القيروان‏:‏ يا سيّد النّاس وابن سيّدهم ومن إليه الرّقاب منقاده ما حرّم الشّرب في مدينتنا وهو حلالٌ بأرض رقّاده زكندر مدينة بالمغرب من بلاد بربر بينها وبين مراكش ست مراحل حدثني الفقيه علي بن عبد الله المغربي الجنحاني أنها مدينة كبيرة مسورة كثيرة الخيرات والثمرات أهلها برابر مسلمون بها معادن الفضة عامة كل من أراد يعالجها‏.‏
وهي غيران تحت الأرض فيها خلق كثير يعملون أبداً‏.‏
ومن عادة أهل المدينة أن من جنى جناية أو وجب عليه حق فدخل شيئاً من تلك الغيران سقط عنه الطلب حتى يخرج منها‏.‏
وفيها أسواق ومساكن فلعل الخائف يعمل فيها مدة وينفق ولا يخرج حتى يسهل الله أمره‏.‏
وذكر أنهم إذا نزلوا عشرين ذراعاً نزل الماء فالسلطان ينصب عليها الدواليب ويسقي ماؤها ليظهر الطين فيخرجه الفلعة إلى ظاهر الأرض ويغسلونها‏.‏
وإنما يفعل ذلك ليأخذ خمس النيل وماؤها يسقي ثلاث دفعات لأن من وجه الأرض إلى الماء عشرين ذراعاً فينصب دولاباً في الغار على وجه الماء فيستقي ويصب في حوض كبير وينصب على ذلك الحوض دولاباً آخر فيستقي ويصب في حوض آخر ثم ينصب إلى ذلك الحوض دولاباً ثالثاً فيستقي ويجري على وجه الأرض إلى المزارع والبساتين‏.‏
وذكروا أن هذه المعاملة لا تصح إلا من صاحب مال كثير له آلاف يقعد على باب الغار ويكري الصناع والعملة فيخرجون الطين ويغسلونه بين يديه حتى إذا تم العمل أخرج خمس السلطان وسلم الباقي له فربما يكون أصغر مما أنفق وربما يكون دونه على قدر جد الرجل‏.‏
سابور مدينة بأرض فارس بناها سابور بن أردشير من دخلها لم يزل يشم روائح طيبة حتى يخرج منها لكثرة رياحينها وأزهارها وكثرة أشجارها‏.‏
قال البشاري‏:‏ مدينة سابور نزهة جداً بها ثمار الجروم والصرود من النخل والزيتون والاترج والجوز واللوز والعنب وقصب السكر‏.‏
وأنهارها جارية وثمارها دانية‏.‏
وقراها مشتبكة يمشي السائر أياماً تحت ظل الأشجار كصغد ينسب إليها أبو عبد الله السابوري‏.‏
كان من أولياء الله تعالى قال الأستاذ أبو علي الدقاق‏:‏ إن أبا عبد الله كان صياداً فإذا نزلنا به أطعمنا من لم الصيد ثم ترك ذلك‏.‏
فسألناه عن سببه فقال‏:‏ كنت أنصب شبكتي على عين ماء فالظباء كانت تأتي لتشرب فتتعلق بالشبكة‏.‏
فنصبتها في بعض الأيام فإذا أنا بظبية معها غزلان ثلاثة في انتصاف النهار عند شدة الحر فقصدت الماء لتشرب فلما رأت الشبكة نفرت عنها وذهبت وقد غلبها وغزلانها العطش ثم عادت ودنت من الماء فلما رأت الشبكة جعلت تنظر إليها وترفع رأسها نحو السماء حتى فعلت ذلك مراراً‏.‏
فما كان إلا قليل حتى ظهرت سحابة سترت الآفاق وأمطرت مطراً سالت منه المياه في الصحراء‏.‏
فلما شاهدت تلك الحالة تركت الاصطياد‏.‏

سبتة
بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب على ساحل البحر في بر البربر‏.‏
وهي ضاربة في البحر داخلة فيه‏.‏
قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ عندها الصخرة التي وصل إليها موسى وفتاه يوشع عليه السلام فنسيا الحوت المشوي وكانا قد أكلا نصفه فأحيا الله تعالى النصف الآخر فاتخذ سبيله في البحر عجباً‏.‏
وله نسل إلى الآن في ذلك الموضع وهي سمكة طولها أكثر من ذراع وعرضها شبر وأحد جانبيها صحيح والجانب الآخر شوك وعظام وغشاء رقيق على أحشائها‏.‏
وعينها واحدة ورأسها نصف رأس فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنها مأكولة ميتة والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين واليهود يقددونها ويحملونها إلى البلاد البعيدة للهدايا‏.‏

سجستان
ناحية كبيرة واسعة تنسب إلى سجستان بن فارس‏.‏
أرضها كلها سبخة رملة والرياح فيها لا تسكن أبداً حتى بنوا عليها رحيهم وكل طحنهم من تلك الرحي‏.‏
وهي بلاد حارة بها رحي على الريح ونخل كثير وشدة الريح تنقل الرمل من مكان إلى مكان ولولا أنهم يحتالون في ذلك لطمست على المدن والقرى‏.‏
وإذا أرادوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما وفتحوا من أسفله باباً فتدخله الريح وتطير الرمل إلى أعلاه مثل الزوبعة فيرتفع ويقع على مد البصر في بعد من ذلك الموضع‏.‏
ولا يصاد في أرضهم قنفذ ولا سلحفاة لأن أرضهم كثيرة الأفاعي وانها تقتل الأفعى‏.‏
قال ابن الفقيه‏:‏ وأهلها من خيار الناس قال محمد بن بحر الذهبي‏:‏ لم تزل سجستان مفردة بمحاسن لم تعرف لغيرها من البلدان وما في الدنيا سوقة أصح معاملة ولا أكثر مجاملة منهم ثم مسارعتهم إلى إغاثة اللهيف ومؤاساة الضعيف وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو كان فيه جدع الأنوف وأجل من هذا كله أنهم امتنعوا على بني أمية أن يلعنوا علي بن أبي طالب على منبرهم‏.‏
ومن عادتهم أن لا تخرج المرأة من منزلها أبداً فإن أرادت زيارة أهلها فبالليل‏.‏
ينسب إليها رستم الشديد كان بالغاً في الشجاعة والفروسية إلى حد قال الفردوسي في شاه نامه‏:‏ جهان آفرين تا جهان آفريد سواري جو رستم نيامد بديد ذكر عنه أنه كان يجعل الرمح في قرنه ويرفعه من ظهر فرسه وإذا كان في ألف فارس يغلب ألفين‏:‏ ألف في مقابلة ألف وألف في مقابلة رستم‏.‏

سخا
مدينة بأسفل مصر وهي قصبة الكورة الغربية‏.‏
في جامعها حجر أسود عليه علامة‏:‏ إذا أخرج سدوم قصبة قرى قوم لوط‏.‏
وهي بين الحجاز والشام‏.‏
كانت أحسن بلاد الله وأكثرها مياهاً وأشجاراً وحبوباً وثماراً والآن عبرة للناظرين‏.‏
وتسمى الأرض المقلوبة لا زرع بها ولا ضرع ولا حشيش وبقيت بقعة سوداء فرشت فيها حجارة ذكر أنها الحجارة التي أمطرت عليهم وعلى عامتها كالطابع قال أمية بن أبي الصلت‏:‏ ثمّ لوطٌ أخو سدومٍ أتاها إذ أتاها برشدها وهداها راودوه عن ضيفه ثمّ قالوا‏:‏ قد نهيناك أن تقيم قراها عرض الشّيخ عند ذاك بناتٍ كظباءٍ بأجرعٍ ترعاها غضب القوم عند ذاك وقالوا‏:‏ أيّها الشّيخ خطبةٌ نأباها‏!‏ عزم القوم أمرهم وعجوزٌ خيّب الله سعيها ورجاها أرسل الله عند ذاك عذاباً جعل الأرض سفلها أعلاها ورماها بحاصبٍ ثمّ طينٍ ذي حروفٍ مسوّمٍ إذ رماها بلدة قديمة بنواحي مصر على ضفة النيل‏.‏
كان بها بربا من إحدى العجائب قال عمر الكندي‏:‏ رأيت ذلك البربا وقد اتخذه بعض العمال مخزن القت فرأيت الجمل إذا دنا من بابه وأراد دخوله سقط عنه كل دبيب عليه ولم يدخل منه شيء إلى البربا‏.‏
وكان على ذلك إلى أن خرب في شهور سنة خمسين وثلاثمائة‏.‏

سنجل
قرية من نواحي فلسطين بين نابلس وطبرية‏.‏
على أربعة فراسخ من طبرية مما يلي دمشق‏.‏
قال الاصطخري‏:‏ كان منزل يعقوب عليه السلام بنابلس من أرض فلسطين والجب الذي ألقي فيه يوسف الصديق عليه السلام بين نابلس وبين قرية يقال لها سنجل ولم تزل تلك البئر مزاراً للناس يتبركون بزيارتها ويشربون من مائها‏.‏

سنون
قرية بأرض كرمان قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بها حصار في وسطها لا ترى الفأر فيه أبداً ولو حملت إليها ماتت إذا أصابت أرضها‏!‏ سوبلا بلجة بأرض البربر قرب مراكش‏.‏
أهلها من شرار البربر وبربر من شرار الناس‏.‏
ذكر أن أبا يعقوب بن يوسف ملك المغرب اجتاز بها فخرج مشايخها إليه للتلقي والخدمة فلما رآهم قال‏:‏ من أنتم قالوا‏:‏ مشايخ سوبلا‏!‏ فقال‏:‏ لا حاجة إلى اليمين إنا نعرفكم‏!‏ فتعجب الناس من سرعة جوابه كأنهم قالوا‏:‏ نحن مشايخ سوء بالله واللفظان واحد في كلام المغاربة‏.‏
سيراف مدينة شريفة طيبة البقعة كثيرة البساتين والعيون تأتيها من الجبال واسعة البقعة والدور‏.‏
ينسب إليها أبو الحسن السيرافي شارح كتاب سيبويه عشرين مجلداً كان فريد عصره‏.‏
سيرجان قصبة بلاد كرمان بلدة طيبة كثيرة العلم حسنة الرسم ذات بساتين ومياه كثيرة أبهى من شيراز وأوسع وبينهما ثلاث مراحل يقال لهما القصران‏.‏
ماؤها عذب وهواؤها صحيح وأديمها فسيح‏.‏
بها دور عضد الدولة لم يوجد مثلها في شيء من البلاد‏.‏
وقد ش بها عمرو وطاهر ابنا الليث بن طاهر الصفار السجستاني قناتين‏.‏
ماؤها يدور في البلد ويدخل دورهم‏.‏
بها الفانيد وقصب السكر وبها نخل كثير ولهم سنة حسنة وهي أنهم لا يرفعون من تمورهم شيئاً أسقطته الريح ويتركونها للضعفاء فربما كثرت الرياح في بعض الأوقات فيحصل للفقراء أكثر مما يحصل للملاك‏.‏
والكمون يحمل منها إلى الآفاق‏.‏

سيلون
من قرى نابلس‏.‏بها مسجد السكينة وحجر المائدة‏.‏
ويقال‏:‏ ان سيلون كانت منزل يعقوب عليه السلام وان إخوة يوسف عليه السلام أخرجوه منها لما أرادوا إلقاءه في الجب والجب بقرية سنجل اتخذه الناس مزاراً‏.‏
الشام هي من الفرات إلى العريش طولاً ومن جبلي طيء إلى بحر الروم عرضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده‏.‏
عن عبد الله بن عمرو بن العاص انه قال‏:‏ قسم الخير عشرة أقسام جعلت تسعة في الشام وقسم في سائر الأرض وقسم الشر عشرة أعشار جزء منها بالشام والباقي في جميع الأرض‏.‏
والشام هي الأرض المقدسة التي جعلها الله منزل الأنبياء ومهبط الوحي ومحل الأنبياء والأولياء‏.‏
هواؤها طيب وماؤها عذب وأهلها أحسن الناس خلقاً وخلقاً وزياً ورياً قال عنيت بشرق الأرض قدماً وغربها أجوّب في آفاقها وأسيرها فلم أر مثل الشّام دار إقامةٍ لراحٍ أغاديها وكأسٍ أديرها مصحّة أبدانٍ ونزهة أعينٍ ولهو نفوسٍ دائمٌ وسرورها مقدّسةٌ جاد الرّبيع بلادها ففي كلّ أرضٍ روضةٌ وغديرها ومن خواص الشام أن لا تخلو عن الأولياء الأبدال الذين يرحم الله ويعفو بدعائهم لا يزيدون على السبعين ولا ينقصون عنها كلما مات واحد منهم قام من الناس بدله ولا يسكنون إلا جبل اللكام‏!‏ ومن خواصها الطاءات الثلاث‏:‏ الطعن والطاعون والطاعة‏.‏
أما طاعونها فنعوذ بالله منه وأما طعنها فمشهور أن أجنادها شجعان وأما طاعتها للسلطان فمما يضرب به المثل حتى قيل‏:‏ إنما تمشى الأمر لمعاوية لأنه كان في أطوع جند وعلي كان في أعصى جند وهم أهل العراق‏!‏ وبالشام من أنواع الفواكه في غاية الحسن والطيب وتفاحها كان يحمل إلى العراق لأجل الخلفاء‏.‏
وكذلك الزيت الركابي فإنه في عاية الصفاء وأهل الشام ينسبون إلى الجلافة وقلة الفطنة‏!‏ حكى ابن أبي ليلى أنه كان يساير رجلاً من وجوه أهل الشام فمر بحمال معه سلة رمان فأخذ منها رمانة جعلها في كمه فتعجبت من ذلك ثم رجعت إلى نفسي وكذبت بصري حتى مر بسائل فقير فأخرجها من كمه وأعطاه فعلمت أني رأيتها وسألته عن ذلك فقال‏:‏ أما علمت أن الأخذ سيئة واحدة والإعطاء عشر حسنات فكسبت تسعة قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ في بادية الشام شجرة إذا نظر الناظر إليها رأى أوراقها كالسرج المشعولة وكلما كان الليل أظلم كان الضوء أشد‏.‏
وإذا هش الورق لا يرى شيء من الضوء‏.‏
وحكى عبد الرحمن القشيري أن امرأة شريك بن خباسة قالت‏:‏ خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى الشام فنزلنا موضعاً يقال له القليب فذهب شريك ليستقي فوقعت دلوه في البئر فلم يقدر على أخذها لزحمة الناس فأخر إلى الليل وأبطأ فأخبر عمر فأقام ثلاثاً فإذا شريك أقبل ومعه ورقة خضراء فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني وجدت في القليب سرباً فأتاني آت فأخرجني إلى أرض لا تشبه أرضكم وبساتين لا تشبه بساتينكم فتناولت منه شيئاً فقال لي‏:‏ ليس هذا أوان ذلك‏!‏ فأخذت هذه الورقة فإذا هي يواريها الكف ويشتمل بها الرجل من شجرة التين‏.‏
فدعا عمر كعب الأحبار وقال‏:‏ هل وجدت في شيء من الكتب أن رجلاً من أمتنا يدخل الجنة ثم يخرج قال‏:‏ نعم وإن كان أنبأتك به‏!‏ فقال‏:‏ هو في القوم‏!‏ فتأملهم ثم أشار إليه فجعل شعار بني نمير أخضر من ذلك اليوم‏.‏بها جبل السماق وهو جبل عظيم من أعمال حلب يشتمل على مدن وقرى أكثرها للاسماعيلية‏.‏
وانه منبت السماق وهو مكان طيب نزه‏.‏
من عجائبه أنه ذو بساتين ومزارع كلها عذي فينبت جميع الفواكه والحبوب في الحسن والطراوة كالمسقوي حتى المشمش والقطن والسمسم‏.‏
وحكي أن نور الدين صاحب الشام أنكر ملك الإسماعيلية في وسط بلاده فجاءه قاصداً أخذه فلما نزل عليه في ليلته الأولى أصبح فرأى عند رأسه رقعة وسكيناً وكان في الرقعة‏:‏ إن لم ترحل الليلة الآتية تكون هذه السكين في بطنك‏!‏ فارتحل عنه‏.‏
وبها طور سينا بين الشام ووادي القريتين بقرب مدين وقال بعضهم‏:‏ بقرب أيلة‏.‏
كان عليه الخطاب الثاني لموسى عليه السلام عند خروجه من مصر ببني إسرائيل‏.‏
وكان موسى إذا جاءه ينزل عليه غمام فيدخل في ذلك الغمام ويكلمه ربه وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال‏:‏ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً‏.‏
وانه لا يخلو من الصلحاء وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العليق‏.‏
طور هارون في قبلي بيت المقدس وإنما سمي طور هارون لأن موسى عليه السلام بعد قتل عبدة العجل أراد المضي إلى مناجاة ربه فقال له هارون عليه السلام‏:‏ احملني معك فإني لست آمن أن يحدث ببني إسرائيل بعدك حدث فتغضب علي مرة أخرى‏!‏ فحمله معه فلما كانا ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبراً فوقفا عليهما وقالا‏:‏ لمن تحفران هذا القبر فقالا‏:‏ لأشبه الناس بهذا الرجل‏!‏ وأشارا إلى هارون ثم قالا له‏:‏ بحق إلهك الا نزلت وأبصرت هل هو واسع فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى ونزل ونام فيه فقبض روحه من ساعته وانضم القبر‏!‏ فانصرف موسى باكياً حزيناً فاتهمه بنو إسرائيل بقتله فدعا الله تعالى موسى حتى أراهم هارون في فضاء على رأس ذلك الجبل ثم غاب عنهم فسمي طور هارون‏.‏
وبها جبل لبنان وهو مطل على حمص به أنواع الفواكه والزروع من غير أن يزرعها أحد يأوي إليه الابدال لا يخلو عنهم أبداً لما فيه من القوت الحلال وفي تفاحه أعجوبة وهي انه يحمل إلى الشام وليست له رائحة حتى يتوسط نهر الثلج فإذا توسط النهر فاحت رائحته‏.‏
وبها نهر الذهب يزعم أهل حلب انه وادي بطنان ومن عجائبه ان أوله يباع بالميزان وآخره بالكيل‏.‏
ومعنى هذا الكلام أن أوله يزرع عليه القطن وسائر الحبوب وآخره وهو ما فضل من الزروع ينصب إلى بطيحة طولها فرسخان في عرض مثله فيجمد هناك ويصير ملحاً يمتار منه أكثر نواحي الشام فيباع كيلاً‏.‏مدينة بالمغرب من أعمال بجاية على ساحل البحر‏.‏
حدثني الفقيه أبو الربيع سليمان الملتاني أنه رأى بها أربع أسطوانات مفرطة الطول‏:‏ ثلاث منها قوائم والرابعة ساقطة طول كل واحدة نحو خمسين ذراعاً وعرضها لا يحوطها باع رجلين‏.‏
وانها في غاية الملاسة والحسن والهندام كأنها جعلت في الخرط وعلى كل أسطوانتين جائزة حجرية أحد رأسيها على هذه والأخرى على هذه وقد هندمت الجائزة أيضاً مربعة مفرطة الطول والأسطوانات زرق والجوائز بيض وقد سقط بسقوط إحدى القوائم جائزتان وبقي على القوائم الثلاث جائزتان فلو اجتمع أهل زماننا على إقامة الأسطوانة الساقطة ووضع الجائزتين الساقطتين عليهما لا يمكنهم إلا ان يشاء الله‏.‏
وقد اشتهر بين أهل تلك الديار أنها أثر قصر بناه بعض الملوك لابن له وقد حكم المنجمون انه تصيبه لذعة من عقرب يخاف منها عليه التلف فبنى هذا القصر من الحجر لئلا يتولد العقرب فيه لحجريته ولا يصعد إليه لملاسة أسطواناته فاتفق انه حمل إلى القصر سلة عنب كان فيها عقرب فهم ابن الملك أن يتناول العنب من السلة فلذعته ومات منها‏.‏

شطا
من بلاد مصر تنسب إليها الثياب الشطوية‏.‏
قال الحسن بن محمد المهلبي‏:‏ هي على صفة البحر بقرب دمياط يعمل بها الشرب الرفيع الذي تبلغ قيمة الثوب منه ثلاثمائة درهم ولا ذهب فيه‏.‏

شعب بوان
أرض بفارس بين ارجان والنوبندجان‏.‏
وهي أحد متنزهات الدنيا المعروفة بالحسن والطيب والنزاهة وكثرة الأشجار وتدفق المياه وأنواع الأطيار‏.‏
قالوا‏:‏ جنان الدنيا أربع‏:‏ صغد سمرقند وغوطة دمشق وشعب بوان ونهر الأبلة‏.‏
وقال أحمد بن محمد الهمذاني‏:‏ من النوبندجان إلى ارجان ستة وعشرون فرسخاً بينهما شعب بوان‏.‏
ومن حسنها أن جميع أشجار الفواكه نابتة على الصخر وقد أجاد المتنبي في وصفه حين ذهب إلى عضد الدولة فقال‏:‏ مغاني الشّعب طيباً في المغاني بمنزلة الرّبيع من الزّمان‏!‏ ولكنّ الفتى العربيّ فيها غريب الوجه واليد واللسان ملاعب جنّةٍ لو سار فيها سليمانٌ لسار بترجمان طبت فرساننا والخيل حتى خشيت وإن كرمن من الحران فسرت وقد حجبن الحرّ عني وجئن من الضّياء بما كفاني وألقى الشّرق منها في ثيابي دنانيراً تفرّ من البنان لها ثمرٌ يسير إليك منه بأشربةٍ وقفن بلا أوان وأمواهٌ يصل بها حصاها صليل الحلي في أيدي الغواني منازل لم يزل منها خيالٌ يشيّعني إلى النّوبندجان إذا غنّى الحمام الورق فيها أجابته أغانيّ القيان وما بالشّعب أحوج من حمامٍ إذا غنّى وناح إلى البيان وقد يتقارب الوصفان جدّاً وموصوفاهما متباعدان يقول بشعب بوّانٍ حصاني أعن هذا يسار إلى الطّعان أبوكم آدمٌ سنّ المعاصي وعلمّكم مفارقة الجنان شيراز مدينة صحيحة الهواء عذبة الماء كثيرة الخيرات وافرة الغلات قصبة بلاد فارس‏.‏
سميت بشيراز بن طهمورث وأحكم بناءها سلطان الدولة كاليجار بن بويه‏.‏
زعموا أن من أقام من عجائبها شجرة تفاح نصف تفاحها في غاية الحلاوة ونصفها حامض في غاية الحموضة‏.‏
وبها القشمش منها يحمل إلى سائر البلاد وبها أنواع الادهان الريحانية‏:‏ كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر والياسمين وأنواع الأشربة الريحانية كان في قديم الزمان يتخذ بها الأكاسرة‏.‏
ولأهلها يد باسطة في صنعة ثياب الحرير والوقايات الرقاع وكذلك في عمل السكاكين والنصول والأقفال الجيدة تحمل منها إلى سائر البلاد وبقربها دشت الأرزن الذي يقول فيه المتنبي‏:‏ سقياً لدشت الأرزن الطوّال‏!‏ به من الصيد ما لا يعد ولا يحصى‏.‏
كان متصيد عضد الدولة‏.‏
ومن خواصه انه ينبت عصياً صلبة الخشب ارزنية لا توجد تلك الخشبة إلا بها وهي مشهورة تسمى خشبة الأرزن‏.‏
ينسب إليها قاضيها أبو العباس أحمد بن سريج أحد المجتهدين على مذهب الإمام الشافعي يقال له البازي الأشهب مصنفاته تزيد على أربعمائة ينصر مذهب الشافعي وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود فقال له أبو بكر‏:‏ بلعني ريقي‏!‏ فقال له‏:‏ ابلعتك دجلة‏!‏ وقال له يوماً آخر‏:‏ امهلني ساعة‏!‏ فقال‏:‏ أمهلتك إلى قيام الساعة‏!‏ وقال له يوماً‏:‏ أكلمك من الرجل وتجيبني من الرأس‏!‏ فقال‏:‏ هكذا البقر إذا حفيت أظلافها دهن قرنها‏!‏ وذكر الوليد بن حسان قال‏:‏ كنا في مجلس القاضي أبي العباس أحمد بن سريج فقام إليه رجل من أهل العلم وقال‏:‏ ابشر أيها القاضي‏!‏ فإن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة من يجدد دينه وان الله قد بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز وعلى رأس المائتين محمد بن إدريس الشافعي وبعثت على رأس الثلاثمائة وأنشأ يقول‏:‏ اثنان قد مضيا فبورك فيهما‏:‏ عمر الخليفة ثمّ نجل السؤدد والشّافعيّ الألمعيّ محمّدٌ إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد ابشر أبا العبّاس‏!‏ إنّك ثالثٌ من بعدهم سقياً لتربة أحمد وحكي أن أبا العباس أحمد بن سريج رأى في مرض موته كأن القيامة قد قامت وإذا الجبار سبحانه يقول‏:‏ أين العلماء فجاؤوا بهم‏.‏
فقال‏:‏ ماذا عملتم بما علمتم فقالوا‏:‏ يا رب قصرنا وأسألنا‏!‏ فأعاد السؤال مرة أخرى كأنه أراد جواباً آخر فقلت‏:‏ يا رب أما أنا فليس صحيفتي الشرك وقد وعدت أن تغفر ما دونها‏!‏ فقال‏:‏ اذهبوا فقد غفرت لكم‏!‏ وفارق الدنيا بعد ذلك بثلاثة أيام‏.‏
وينسب إليها أبو نصر بن أبي عبد الله الخياط كان فقيهاً أصولياً أديباً مناظراً أخذ العلم من أبيه وله مصنفات كثيرة وأخذ الفقيه منه أهل شيراز وهو الذي يقول في كتاب المزني‏:‏ فدم عليه وجانب من يجانبه فالعلم أنفس شيءٍ أنت حامله وحكي أنه أو اباه استدل يوماً في مسألة فأعجب الحاضرين كلامه فقالوا للقاضي أبي سعيد بشر بن الحسين الداودي قاضي القضاة بفارس والعراق وجميع أعمال عضد الدولة‏:‏ هذا الكلام لا يجاب عنه حتى يلج الجمل في سم الخياط فقال القاضي‏:‏ وحتّى يؤوب القارظان كلاهما وينشر في القتلى كليبٌ لوائل وينسب إليها أبو عبد الله محمد بن خفيف شيخ وقته وأوحد زمانه قال‏:‏ دخلت بغداد وفي رأسي نخوة الصوفية ما أكلت أربعين يوماً ولا دخلت على الجنيد‏!‏ وكنت على عزم الحج فلما وصلت إلى زبالة رأيت ظبية تشرب من بئر وكنت عطشان فمشيت إليها فولت الظبية ورأيت الماء في أسفل البئر فقلت‏:‏ يا رب ما لي محل هذه الظبية فنوديت من خلفي‏:‏ جربناك ما تصبر ارجع خذ الماء‏!‏ فلما رجعت رأيت البئر ملآنة فأخذت منه وشربت وتوضأت فسمعت هاتفاً يقول‏:‏ إن الظبية جاءت بلا دلو ولا حبل وأنت جئت بالدلو والحبل‏!‏ فلما رجعت إلى بغداد قال لي الجنيد‏:‏ لو صبرت لنبع الماء من تحت رجليك‏.‏

الصعيد
ناحية بمصر في جنوبي الفسطاط‏.‏
يكتنفها جبلان والنيل يجري بينهما‏.‏
والمدن والقرى شارعة على النيل من جانبيه والجنان عليه مشرفة والرياض بجوانبه محدقة أشبه بشيء بما بين واسط والبصرة من أرض العراق‏.‏
وبالصعيد آثار قديمة‏:‏ منها أن في جبالها مغاور مملوءة من الموتى الناس والطيور والسنانير والكلاب جميعهم مكفنون بأكفان غليظة من الكتان شبيهة بالاعدال التي يجلب منها القماش من مصر والكفن على هيئة قماط المولود ملفوف على الميت وعليه أدوية لا تبلى فإذا حللت الكفن عن الحيوان تجده لم يتغير منه شيء قال الهروي‏:‏ رأيت جويرية أخذوا كفنها وفي يدها ورجلها أثر خضاب الحناء‏.‏
وبلغني أن أهل الصعيد إذا حفروا الآبار فربما وجدوا قبوراً منقورة في الحجارة كالحوض مغطاة بحجر آخر فإذا كشف عنه يضربه الهواء فيتبدد بعد ان كان قطعة واحدة ويزعمون ان المومياء المصري يوجد من رؤوس هؤلاء الموتى وهو أجود من المعدني الفارسي وبها حجارة كأنها الدنانير المضروبة كأنها رباعيات عليها كالسكة وهي كبيرة جداً يزعمون أنها دنانير فرعون وقومه التي مسخها الله تعالى بدعاء موسى عليه السلام‏:‏ ربنا اطمس على أموالهم‏.‏قرية من حوف مصر قرب بلبيس قال الهروي‏:‏ بها بيعت بقرة بني إسرائيل التي أمر الله تعالى بذبحها لظهور القاتل‏.‏
وفيها قبة موجودة إلى الآن تعرف بقبة البقرة يزورها الناس‏.‏



الساعة الآن 08:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى