منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   التحلية من أصول التربية (( الــغــلــوّ )) (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22232)

ناجي أبوشعيب 7 - 2 - 2012 03:30 AM

التحلية من أصول التربية (( الــغــلــوّ ))
 
التحلية من أصول التربية (( الـغـلــوّ ))

إن الغلو مفتاح كل شر، وأساس الشرك بالله سبحانه وتعالى، وسبب في الابتعاد عن الطريق المستقيم وهدي سيد المرسلين؛ لذلك فقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الغلو، فلم يترك سبيلاً إليه إلا سده وحذر منه، وإن من أخطر الغلو: الغلو في الأفاضل والمشايخ؛ لأنه ذريعة إلى الإشراك بالله سبحانه وتعالى كما حصل من قوم نوح عليه السلام، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الغلو فيه حتى في العبارات والألفاظ.
أصول التربية



إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. فالتحلية من أصول التربية، قصدت بها أن أجمع ما تفرق في كتب العلماء عن أصول التربية، وللعلماء كلمة مشهورة يذكرونها في باب الأدب، يقولون: (علم بلا أدب كنار بلا حطب).. (ونار بلا حطب. أي: لا نار؛ لأن النار لا تكون إلا بوقود. فقولهم: (بلا حطب): يعني: لا نار، وهذا يعني أن المرء إذا كان خلواً من الأدب فلا ينتفع في نفسه بعلمه، ولا ينفع غيره. وقد حرصت على نظم هذه الأصول في عبارات لطيفة خفيفة يسهل حفظها، فأذكر عشرة أصول، ولا أقول: إنني استوعبت أصول التربية بذلك، لكن هي من أصول التربية كما يبدو من العنوان، بل هي أصول من أصول التربية. الأصل الأول: من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل. الأصل الثاني: دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره. الأصل الثالث: ترك الاعتراض على الأكابر محمود، وكثرة المراء يورث الصدود. الأصل الرابع: من لم يصبر على جفاء أستاذه؛ تجرع الخسران بتصدع ملاذه. الأصل الخامس: تنكب في الخصومة حظ نفسك، واقهر هواك بإنصاف خصمك. الأصل السادس: من لم يخلع عنه رداء الكبر؛ ضل جاهلاً من مهده إلى القبر. الأصل السابع: وطالب العلم بلا وقار كمبتغ في الماء جذوة نار. الأصل الثامن: حسن العهد من الإيمان، والوفاء والود له ركنان. الأصل التاسع: من لزم التواضع والانكسار؛ فتح له بذاك وطار كل مطار. الأصل العاشر: ليس حمل أثقل من البر، من برك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك. فهذه أصول من أصول التربية، أحوج الناس إليها هم الذين يتصدرون في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.......

من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل



فاعلم أيها المسترشد، طالب النجاة: أن الغلو هو مفتاح كل شر، ورأس كل ضر، وهو أحد أركان الكفر، وحسبك أن تعلم أن أول كفر وضع في الدنيا كان بسبب الغلو، كما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث ابن عباس في ذكر الكفر الذي وقع في قوم نوح عليه السلام: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، فهذه خمسة أسماء لرجال صالحين من قوم نوح، فجاء الشيطان قوم نوح، فأمرهم أن يصوروا صور هؤلاء حتى لا ينسوهم، فلما مات الآباء وكانوا يعلمون حقيقة الأمر، وجاءت خلوف بعدهم -وهم الأبناء- لا يعرفون لماذا صور الآباء هؤلاء الناس، فقالوا: ما صور آباؤنا هؤلاء إلا ليعبدوهم، ومن هنا بدأ الغلو، فغلوا في هؤلاء الرجال حتى عبدوهم من دون الله تبارك وتعالى، فهي أول أصنام وضعت على الأرض. ونحن نقرأ في سورة الفاتحة كل يوم مرات كثيرة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فطلبت من ربك صراطاً مستقيماً، واستعذت به من صراطين. وما من أمر يأمر الله عز وجل به ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا وللشيطان فيه نزغتان: النزغة الأولى: إفراط، والنزغة الثانية: تفريط. فالنصارى: هم الضالون، واليهود: هم المغضوب عليهم، النصارى أكثر الناس غلواً في الرجال، ولذلك عبدوا المسيح؛ بسبب الغلو، ولم يذكر لفظة غلا أو النهي عن الغلو في القرآن غير مرتين، والخطاب موجه في المرتين إلى النصارى: في المرة الأولى: في سورة النساء، قال الله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] ، هذا هو الموضع الأول. الموضع الثاني: في سورة المائدة، قال الله عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:77]، قبل هذه الآية بآية؛ لتعلم أن الخطاب إنما وجه إلى النصارى، قال الله عز وجل: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة:75]، فالخطاب موجه إلى النصارى.. لماذا؟ لأنهم هم أكثر الناس غلواً؛ لذلك عبدوا المسيح عليه السلام. ......



نماذج من حياة علماء السلف في ترك الغلو في المشايخ



هناك نماذج كثيرة جداً من العلماء والفقهاء، منها مثلاً أحد العلماء اسمه: موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ، أحد المحدثين الكبار، وهو من مشايخ أحمد وابن معين ، وأدركه الإمام البخاري ، وهو من كبار شيوخ البخاري . موسى بن إسماعيل التبوذكي وقد كان إمام الجرح والتعديل أبو زكريا يحيى بن معين رحمه الله يجله غاية الإجلال، ويقول: ما هبت أحداً هيبتي للتبوذكي . وابن معين لم يكن يخاف من أحد، ومع ذلك يقول: ما هبت أحداً هيبتي للتبوذكي - موسى بن إسماعيل التبوذكي -. فقال له يحيى بن معين : يا أبا سلمة ! حديثك عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا بكر -وساق حديثاً في قصة الغار- هل سمعته من حماد ؟ احلف لي على ذلك؟ - قال له: احلف لي على أنك سمعته من حماد -تقريباً القصة هكذا- فإن أصحاب حماد يخالفونك. - فقال له التبوذكي : كم سمعت مني؟ - قال له: سمعت منك ثلاثين ألف حديث. - فقال له أبو سلمة : صدقتني في ثلاثين ألف حديث وتكذبني في حديث، أشهد لسمعته من حماد ، ولله علي لا كلمتك بعد ذلك أبداً. وأبى أن يكلمه، ولكنه حلف له أنه سمع. وكذلك أبو النعمان عارم محمد بن الفضل ، عارم أخطأ في حديثين فرد عليه يحيى بن معين ، فقال له عارم : لا. بل هو كما قلت أنا. فقال ابن معين : لا والله، بل كما قلت أنا. فقال له يحيى : قم هات الأصل. فدخل أبو النعمان وجاء بالكتاب فوجده كما يقول يحيى ، وكان عارم محمد بن الفضل في حفظه زيف، فخرج من بيته ومعه الكتاب وهو يقول: من الذي ينكر أن يحيى بن معين سيد المحدثين؟! -أي: يعتذر عن هذه الملاحاة- من الذي ينكر أن يحيى بن معين سيد المحدثين؟! فلما يحصل نوع من الاعتراض على الشيخ -لاسيما إذا كان الشيخ مخطئاً ويرجع- يكسر حدة الغلو فيه، وإذا كان ناقصاً ويخطئ، ومن هو أدنى منه يسدده ويبين له أخطاءه؛ فهذا يكسر حدة الغلو فيه.. لأن الغلو مدعاة الكمال، وما غلا إنسان في إنسان إلا وهو يعتقد أنه فوق مستوى الناس، وهذا معنى شائك للغاية؛ لأن لدينا نماذج في علماء المسلمين شبيهة بهذا التعظيم، تجد مثلاً قول أحدهم: (والله ما جرأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي؛ هيبة له) وما ثبت عن بعض التابعين أنه كان يأخذ النعل ويعطيه لشيخه، يضعه تحت قدم شيخه فهذا أيضاً مدعاة للغلو، وأيضاً نماذج أخرى مثلما يحكيه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أن الإمام أحمد كان يجلس تحت قدمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وكان عبد الرزاق شيخ أحمد يقول له: اجلس بجانبي، فكان يقول: لا، هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فهذا أيضاً مدعاة للغلو، فنحن وسط لا إفراط ولا تفريط ما بين الغلو المبتدع والتشريف والتبجيل إلا أن نقول: الغلو ممنوع؛ لأنه ليس في الغلو خير. إن الصوفية حازوا قصب السبق في الغلو في الشيوخ، ويتلوهم أيضاً الذين غلوا في الأئمة الكبار وقلدوهم حتى في الغلط، وما نشأت العصبية المذهبية في المسلمين إلا بالغلو في الشيوخ، وأعظم وأخطر سلاح يستخدمه الغالي أن يرمي المعتدل ببغض هذا الشيخ. فإذا قلنا: يا أخي! الإمام الشافعي ليس بمعصوم. يقول: أنت بهذا تطعن على الشافعي ، أنت تكره الشافعي!! وإذا قلنا: الدسوقي رجل فاضل في ذاته، لكن ما يُفعل حول قبره لا يجوز، وهذا شرك بالله. يقولون: أنت بهذا لا يعجبك أولياء الله، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون! وإذا قلنا: إن هذا شرك لا يجوز، يقولون لك: (أنت تطعن في الأولياء)! إذاً: الغالي ليس معه إلا هذا السلاح: أن يرميك ببغض هذا الشيخ. وهناك كتاب اسمه (توشيح الديباج) في الفقه المالكي -جزء صغير- لـبدر الدين القرافي ، وبدر الدين القرافي غير شهاب الدين القرافي ، فـالشهاب القرافي هو صاحب كتاب الفروق.. وهو متقدم، وأما بدر الدين القرافي فمتأخر. من تشابه الأسماء: الزركشي ، فهناك عالمان أحدهما حنبلي والآخر شافعي، فـبدر الدين الزركشي شافعي ، وشمس الدين الزركشي حنبلي، وهو شارح مختصر الخرقي في الفقه الحنبلي الذي شرحه ابن قدامة في المغني، وشرح شمس الدين الزركشي على مختصر الخرقي في سبعة مجلدات، وبدر الدين الزركشي شافعي،وهو صاحب كتاب: البرهان في علوم القرآن، وصاحب كتاب: البحر المحيط في أصول الفقه، وصاحب كتاب: المعتبر في تخريج أحاديث المختصر، الذي خرج فيه أحاديث مختصر ابن الحاجب. وبدر الدين القرافي -وليس شهاب الدين - يقول في كتاب: توشيح الديباج: نحن خليليون... وأشهر مختصر للفقه المالكي هو لـخليل بن إسحاق ، ثم مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، والمختصر هذا في المذهب المالكي مثل مختصر الخرقي في المذهب الحنبلي. فـبدر الدين القرافي يقول في توشيح الديباج: (نحن خليليون، ولو ضل خليل لضللنا). أي لو أن خليل بن إسحاق ضل فإنا لن ندعه أبداً. إذ لو علم أنه ضل لا أظن أنه يضل، فهو هذا الظن بالعلماء، حتى لو صدرت منهم عبارة نابية أو نشاز فلا تقبل، لكن ينبغي أن يحمل كلامهم على ما يناسب علمهم، إذ لو علم أنه ضل بيقين ما أظنه أبداً يتبعه.. وهناك من العلماء من يرى أن الحق في مذهبه مثل الجويني في (مغيث الخلق ببيان القول الحق) ألف هذا الكتاب لنصرة المذهب الشافعي، فرد عليه سبط ابن الجوزي بكتاب، وكذلك الخطيب البغدادي لما أورد في ترجمة أبي حنيفة ما يعاب به أبو حنيفة ، مع أن الخطيب لم يقصد عيب أبي حنيفة ، لكنه كمؤرخ يذكر كل ما قيل في صاحب الترجمة من حق أو باطل، هذه هي طريقة المؤرخ، وهي أن يورد كل ما يقع تحت يده مما يخص صاحب الترجمة، سواء كان بحق أو بباطل. فيرد عليه سبط ابن الجوزي بكتاب سماه (السهم المصيب لكذب الخطيب) ويرد عليه رداً شديداً جداً ومقذعاً للغاية.. مع أن الخطيب له أوسع الكتب في المسألة، والخطيب أورد في تراجم العلماء في تاريخ بغداد مثالب للعلماء، لا نقول: إن الخطيب كان يعتقد هذه المثالب، لكن هو كمؤرخ يورد بالسند الذي عنده كل ما يقع تحت يده مما يخص صاحب الترجمة

ناجي أبوشعيب 7 - 2 - 2012 03:31 AM

غلو الصوفية في مشايخهم ومنع الاعتراض عليهم



الصوفية ينكرون الاعتراض على الشيخ، ومن هنا سهل عليهم تأليهه، لكن لو رُد عليه وقيل له: أنت أخطأت. فقال: نعم أخطأت، فيعلم المستمع أنه ليس بمعصوم، وأن الله نشر الفضل في الناس، فالفضل لم يودع لإنسان واحد ولا لاثنين ولا لأربعة، بل جعل الله الفضل مشتركاً مقسوماً بين عباده، فهذا فاضل في كذا وناقص في كذا، وذاك فاضل في كذا وناقص في كذا.. وهكذا. لكن لأنهم منعوا الاعتراض سهل عليهم تأليه الشيوخ، وكيف والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعترض عليه أصحابه، لا اعتراض جحود ولا إنكار للعمل، بل اعتراض استفهام وتعجب وليس اعتراض مكابرة.. حاشا لله! ما كان فيهم أحد أبداً يفعل ذلك ولا يجرؤ على فعل ذلك، لكن كان اعتراض تعجب، مثل اعتراض عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يصلي النبي عليه الصلاة والسلام على عبد الله بن أبي ابن سلول ، ويقف بينه وبين الجنازة، ويقول: كيف تصلي عليه؟ ألم يفعل كذا وكذا... وجعل يذكره، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (تنح عني يا عمر) وعمر لا يتنحى: كيف تفعل كذا وكذا؟ ألم يقل كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ وقال يا عمر : (إني خيرت فاخترت) ، حتى نزل القرآن موافقاً لكلام عمر . وكذلك كان عمر يعترض على أن تخرج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بغير حجاب أو يجالسهن الرجال بغير حجاب، فكان يكثر أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! احجب نساءك. حتى نزل القرآن موافقاً لـعمر . وأيضاً اعتراض سعد بن عبادة سيد الخزرج لما جاء هلال بن أمية الواقفي وقد رأى رجلاً مع امرأته، فجاء يرميها بالزنا، ولم يكن نزل حد الملاعنة بين الرجل وامرأته، إنما نزل حد الرجم بالزنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعة شهداء أو حد في ظهرك فقام سعد بن عبادة وقال: أدع لكاعاً يتفقدها ثم ألتمس له أربعة شهداء!! والله ما أعطيه إلا السيف غير مصفح) غير مصفح: أي: لأضربنه بحد السيف، لأن السيف له حد وصفح، الحد: هو الشفرة، والصفح: هو الجانبان، فهو يقول: ( لا أضربه بصفح السيف هكذا، بل أضربه هكذا بحده ) يريد: أنه سيقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: (انظروا ما يقول سيدكم!) مع أنه يعارض آية في كتاب الله عز وجل، ويعارض حكماً ثابتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا ما يقول سيدكم!) . وهذا فيه دلالة على أن التكفير باللفظ المحتمل لا يكون إلا بعد ثبوت القرينة؛ لأنه لو جاء رجل فاعترض على الحكم اعتراضاً، وقال: أنا لا أؤمن بهذا الحكم؛ كفر، مع أن سعد بن عبادة رد الحكم، هذا رد وهذا رد، لكن هذا ما رد كفراً ولا جحوداً، وإنما رد تعجباً، مثلما حدث في الصحيح أن الربيع بنت النضر ضربت امرأة من قبيلة أخرى فكسرت ثنيتها -الثنية: هي مقدم الأسنان- فذهب الناس وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (القصاص -والقصاص: أن يكسروا أسنانها- وكان أنس بن النضر -أخوها- يحبها غاية الحب، فقال: تكسر ثنية الربيع ! لا والله أبداً، لا يكون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس ! حكم الله القصاص. قال: لا والله، لا والذي بعثك بالحق، لا يكون. والناس يأبون أن يأخذوا الدية، والنبي صلى الله عليه وسلم كلما يقول له: حكم الله القصاص. يقول له: لا والذي بعثك بالحق لا يكون. حتى قبل الناس الدية، فقال صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) أي: أن أنس حلف بالله لا يكون، فأبر الله قسمه، ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تعترض؟ قد كفرت، قم واغتسل... لا، لأن هناك قرائن، ولذلك لما ترى رجلاً قال كلمة كفر فلا تسارع إلى تكفيره، فقد يقول الرجل كلمة الكفر لا يكفر بها. وشيخ الإسلام ابن تيمية ناظر رجلاً من المعتزلة حتى الصباح، فقيل له: أكفر؟ قال: لقد قال كلام الكفر. قال شيخ الإسلام : (وقلت لهم مرة: أنا لو تابعتكم على ما تقولون لكفرت، ولكنني لا أكفركم؛ لأنكم جهال) لماذا لأنه لو تابعهم على ما يقولون لتابعهم بعد معرفة الحجة، قال: (لكنني لا أكفركم لأنكم جهال). فـسعد بن عبادة يعترض، ويقول:( والله ما أعطيه إلا السيف غير مصفح)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انظروا ما يقول سيدكم فقالوا: يا رسول الله! اعذره؛ فوالله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة فجرؤ أحدنا أن يتزوجها بعده) أي: المرأة التي يطلقها سعد بن عبادة نقضي عليها بالإعدام، فلا تتزوج بعد سعد أبداً من شدة غيرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد ، إنني أغير من سعد والله أغير مني)، ولذلك فإن من غيرة الله عز وجل على أن تنتهك حرماته حرم الفواحش. فأنت تنظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام وتنظر إلى مسلك أصحابه، كانوا يعترضون اعتراض تعجب، ولا أزال أقول: اعتراض تعجب، يستغرب من هذا الحكم، فقد يسأل ويستغرب من هذا الحكم ويرد المسألة والنبي عليه الصلاة والسلام يحلم عليه ويبين له حتى يستيقن ويُسلِّم. فإذا نظرت إلى الناس وهم يسددون الشيخ ويقولون له: أخطأت، أو هذا غلط، وهو يرجع إلى مقالهم؛ علمت أن هذا الرجل ليس فاضلاً من كل جانب.





الغلو في المشايخ سبب تفرق الأمة وتمزيقها



وكذلك وجد في الأمة من عبد غير النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس في كماله وشمائله وفضله، فالرسول عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن الغلو فيه حتى لا يعبدوه، فامتثل الصحابة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، ومضت خلوف وتوالت القرون، حتى رأينا الغلو في الرجال حائلاً دون وصول الحق إلى الناس، فغلت الصوفية أشد الغلو في مشايخهم، والشيخ عند الصوفية شبه إله، بل يكون إلهاً عند بعضهم! وقد قال لي رجل برهاني، ولم يأتِ ببرهان على ما يقول: أنا شيخي في السودان، وهو يراني الآن ويرى ماذا أفعل. ويتكلم بعقيدة، وقد حدث بيني وبينه مشادة، وإنما حدثت المشادة لما أظهرت له عوار شيوخهم، وهذه الطريقة سديدة: فإذا رأيت الرجل يكابر فافعل معه مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه) و(الهن): هو الذكر، (أعضوه بهن أبيه) والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي علم الناس الأخلاق، وعلمهم مكارم وشمائل الصفات والنعوت، هو الذي يقول لنا ذلك. وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق -في حديث المسور بن مخرمة يقول لـعروة بن مسعود الثقفي لما قال: ما أرى حولك إلا أوباشاً خليقاً أن يفروا ويدعوك- فقال له أبو بكر : أنحن نفر وندعه؟! أمصص ببظر اللات. ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر رضي الله عنه. وهذا يدل على أنه يجوز استعمال الغلظة لكن في موضعها. ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى يعني: المكان الذي يستحق أن تضع فيه الكلمة الشديدة ضعها فإنها حكمة ورحمة، والرسول عليه الصلاة والسلام مرة قال لـمعاذ (ثكلتك أمك)، وهذا دعاء عليه، (ثكلتك أمك يا معاذ). فيجوز أن نستخدم الشدة مع المكابر الذي علمت -بعد إقامة الحجة عليه، والرفق به- أنه لا يرجع، فإذا غلب على ظنك بهذه الضوابط أنه لا يرجع، اكشف له المغطى. وأنا عندما تناقشت مع هذا الرجل كشفت له بعض الفضائح والمخازي التي ذكرها رجل من أعيان الصوفية، ولم أحك هذا عن أئمة السلف من العلماء، حتى لا يقال: كيف تروي مذمتي من عدوي؟ وإنما رويتها عن رجل من أشد المتعصبين للصوفية، وقد صنف هذا الكتاب -طبقات الشعراني- لإظهار كرامات الصوفية، فيذكر -مثلاً- في ترجمة واحد منهم يقول: (وكان رضي الله عنه لا يمشي إلا عارياً) والذي يغيظني قوله: (رضي الله عنه). كإنسان كان يقرأ في كتاب ويتعقب صاحب الكتاب، فقرأ عبارة فقال: أخطأ رحمه الله، وقرأ عبارة أخرى فقال: أخطأ رحمه الله، وجاء على عبارة لا تحتمل فقال: كفر رحمه الله.. فما لازم (رحمه الله)؟! وقد حكم عليه بالكفر؟! فيذكر صاحب الطبقات مصيبة من المصائب ويقول لك: (وكان رضي الله عنه لا يمشي إلا عارياً، وكان رضي الله عنه يأتي البهائم) كل كبدة ومخ ضاني واقرأ الفاتحة للشعراني ولا يجوز عندهم مخالفة الشيخ ألبتة، وأعظم أبواب الحرمان -عندهم- أن تخالف الشيخ. الاعتراض عند الصوفية هو الداء العضال الذي يلي الكفر بالله مباشرة، مع أن مخالفة الشيخ ليست من السبع الموبقات التي ذكرها لنا الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه الداء العضال عند الصوفية الذي لا تقال منه العثرة، ولا تقبل منه التوبة. فمن أصولهم: أنك إذا رأيت الشيخ يفعل الشيء الحرام عندك -على ظاهر النصوص- فلا تعترض..؟ لأن لديه مخارج. فباب سد الذريعة عند الصوفية ليس له أي اعتبار على الإطلاق. فوصل غلو هؤلاء في المشايخ إلى درجة أنهم جعلوا من أصول التربية عندهم: ترك الاعتراض على الشيخ حتى لو كان يفعل الحرام.. لاحتمال أن يكون له تأويل وأنت لا تدريه، حتى قرأت في كتبهم، قال: فلو رأيته يزاني بحليلة جاره فقل: لعله عقد عليها.. فهل يصح هذا الكلام..؟! وعندهم لا يجوز اتهام الشيخ. وذكروا قصة عجيبة: أن بعض المريدين تردد في صدره قذف للشيخ، فقال: فنظر الشيخ إليه، وقال له: قم فاغتسل واذكر الله. اغتسل.. غسل ماذا؟ أي: أنه كفر، فيغتسل غسل الإسلام ويدخل في الإسلام. قال: فاغتسل ورجع فقبل يديه، وقال: تبت ولا أعود. فتصور المريد أن الشيخ يعلم الغيب وهذا يذكرني بأيام ما دخلنا الجيش، فكنا في معسكر المشاة، والمعسكر هذا لما ذهبنا إليه كانوا يقولون: المعسكر هذا وإسرائيل واحد؛ من شدته وشدة الضباط الذين يعلمون فيه، وكان هناك ضابط له كلمة معروفة، وبينما نقف في الطابور يقول: أنت الذي تحرك أصابعك في البيادة! ونحن خمسمائة واحد وقد يحرك أحدنا أصابعه داخل البيادة؟! فتصور الذي يحرك أصبعه في البيادة أن الضابط يعرف كل شيء. وهذا ما يفعله الشيخ الصوفي مع المريد ومن أصول أهل السنة والجماعة: ألا نحكم على معين بجنة ولا نار؛ لأننا لا ندري بالخواتيم، وإذا قال رجل لرجل: لست مخلصاً؛ فقد أخطأ وارتكب جرماً لأن أعمال القلوب لا يعرفها إلا الله، والإخلاص محله القلب، فلا يحل لأحد أن يحكم على ما في القلب، وهي جريمة تقدح في التوحيد! والشيخ عند الصوفية شبه إله، بل إله عند بعضهم، وهو إنسان.. لكن .. ما الذي رفعه إلى هذه المرتبة؟ إنه الغلو. وسأترك مجالاً لذكر العجائب عند شيوخ الصوفية في الأصل الذي يقول: (ترك الاعتراض على الأكابر محمود، وكثرة المراء يورث الصدود) لأن الاعتراض يجب أحياناً، ويستحب أحياناً، ويباح أحياناً، ويكره ويحرم أحياناً، أي: أن الاعتراض تجري عليه الأحكام الشرعية الخمسة التي هي: الوجوب، والاستحباب، والإباحة، والحرمة، والكراهة.

ناجي أبوشعيب 7 - 2 - 2012 03:31 AM

نهيه صلى الله عليه وسلم عن إطرائه والغلو فيه
في مسند الإمام أحمد، وفي مسند عبد بن حميد بسند على شرط مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رجلاً قال: يا محمد! يا خيرنا وابن خيرنا، يا سيدنا وابن سيدنا، فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسوله ولا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله عز وجل، قولوا: عبد الله ورسوله). وهو سيدهم عليه الصلاة والسلام، وهو خيرهم عليه الصلاة والسلام، لكن هذا وإن كان حقاً لكنه مدعاة إلى الغلو.

غلو الصوفية في النبي صلى الله عليه وسلم

لقد وجدنا من بعض المسلمين المبتدعة من صنف كتاباً سماه (تشنيف الآذان باستحباب ذكر الزيادة عليه الصلاة والسلام في التشهد والإقامة والأذان). يعني: أن تقول: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، أو تقول: اللهم صل على سيدنا محمد. وجمعني مجلس ببعض من ينتحل هذه البدعة، فقلت له: إن هذا لا يجوز، والأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة. فواحد من الجلوس قال: يا أخي! الرسول يقول: (لا تسيدوني في الصلاة) يعني: يعاضدني وينصرني عليه، فقال له: هو قال هذا تواضعاً ونحن سنسيده، هل أنت تريده أن يقول: سيدوني وهو سيد المتواضعين؟ لا. فانظر سوء الأدب! مع أن الحديث لا يصح ولا أصل له (لا تسيدوني) واللفظ السليم: (لا تسودوني) من السؤدد، والحديث لا يصح، لكن انظر إلى سوء أدب هذا المبتدع، حتى لو صح الحديث لا تسودوني في الصلاة، فكيف يقول: لا، سنسودك؟! وبصراحة هو يحتاج إلى تسويد، لأنه هو المتكلم بها، محتاج إلى سلطان شرعي يسودها عليه، كيف خالف النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه، يقول: لا تفعلوا، يقولون: بل سنفعل.. وهذا من سوء الأدب! وهو بداية الغلو، أليسوا هم الذين يقولون: يا نور عرش الله! يا بحر جاري في علوم الله! وهم الذين يقولون: حضرة النبي، وبنوا هذا الكلام على قصة تافهة لا قيمة لها، فقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بجسده مجالس الصوفية، ولذلك سموا الجلسة (حضرة) لأنه صلى الله عليه وسلم يحضر، وهي إشارة إلى أنه يحضر بجسده صلى الله عليه وسلم. فهناك طوائف ينتمون إلى المسلمين كفروا بالله ورسوله بسبب الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام، أليست بردة البوصيري التي كادوا أن يجعلوها قرآناً يقول فيها: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم من علومك!! و(من) هذه تفيد التبعيض، يعني: جزء مما عندك من العلم علم اللوح والقلم! حسناً: الذي هو جزء من علومه علم اللوح والقلم لا يعرف متى تقوم الساعة!! لا يعرف متى ينزل الغيث ولا ما في الأرحام! وهذه مسائل النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلمها حتى أوحي إليه فكيف نقول: إن عنده علم اللوح والقلم. ومما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب حديث صفوان بن أمية لما قال لـعمر بن الخطاب : أريد أن أرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج، في خيمة، فجاءه رجل متضمخ بالطيب، فسأل عن ذلك؟ فسكت، وأخذه ما يأخذه عند نزول الوحي -العرق الشديد واحمرار الوجه والغطيط، فنادى عمر بن الخطاب صفوان بن أمية وقال له: انظر- وبعد أن سري عنه قال: انزع جبتك واغتسل. فكيف نقول: إن عنده علم اللوح والقلم وهو في هذه المسألة سكت حتى نزل عليه الوحي؟ وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب؛ فقال: يا سودة ! أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين . قالت فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق؛ فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه؛ فقال إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن). فهناك مسائل لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمها، ولا يجيب عنها حتى ينزل الوحي، وكثيراً ما سئل، ولم يجب حتى ينزل الوحي: مثلاً وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85]، نزل الوحي، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ [الأنفال:1]، نزل الوحي.. وهكذا، كان يُسأل السؤال وينزل الوحي ... يسألونه عن الساعة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ [الأعراف:187]، فكان ينزل الوحي، ولم يكن عنده جواب ذلك حتى يعلمه الله تبارك وتعالى. فلما يأتي رجل يريد أن يمدح النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: (ومن علومك علم اللوح والقلم).. هذا غلو مرفوض، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه عن أقل من ذلك، فنهاهم أن يقوموا له؛ لأن القيام مظنة التعظيم، وقد صح عن أنس رضي الله عنه أنه كان يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وما على الأرض شخص أحب إلينا منه فما نقوم له لما نعلم من كراهيته لذلك) لأن القيام تعظيم، ولذلك من سوء التربية في المدارس؛ أنهم يأمرون الطلبة بالقيام للأستاذ، وهذا ليس من التربية، إذ لو كان خيراً ما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، فالطالب إذا لم يقم للأستاذ يغضب عليه ويعاقبه وقد يفصله من المدرسة؛ لأن هذا -عندهم- من الأدب والتعظيم والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن القيام له، كل هذا مع أنه معظم عندهم، وهو سيدنا في الدنيا والآخرة، بل وسمح لهم أن يفعلوا في بعض المواقف ما هو أعظم ألف مرة من القيام، مثلما حدث في حديث المسور بن مخرمة (لما صدت قريش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت، وأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ عليه الصلاة والسلام وهو حاضر يرى ويسمع، فقال: فما نزلت قطرة ماء على الأرض، وما تنخم نخامة، إلا تلقفوها جميعاً، فما تقع في يد رجل حتى يدلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيماً له، ولا يرفعون الصوت عنده...) وهذا أعظم من القيام، ومع ذلك تركهم النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك، وهذا من أعظم الغلو، ولكنه تركهم؛ لأن الموقف كان يستدعي ذلك. جاء عروة بن مسعود مرسلاً من قريش يهدد النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا قامت بينه وبين قريش حرب أنه لا يثبت؛ لأنه ليس عنده رجال يثبتون لحرب قريش، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول له: هؤلاء الرجال الذين وصفهم عروة بن مسعود بالأوباش، وفي رواية البخاري (أوشاب)، قال: (ما أرى حولك إلا أوباشاً خليقاً أن يفروا ويدعوك) وفي الرواية الأخرى: (ما أرى حولك إلا أوشاباً خليقاً أن يفروا ويدعوك). أي: إذا قامت حرب لا يصمدون أمام قريش، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول له: إن هؤلاء لا يخلون بيني وبين قريش أبداً، وتركهم يفعلون ذلك، فلذلك أول ما رأى عروة بن مسعود الثقفي هذا المنظر رجع إلى قريش وقدم هذا التقرير: قال لهم: (يا قوم! لقد وفدت على الملوك، وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي ، والله ما رأيت أصحاب ملك يعظمون ملكهم كتعظيم أصحاب محمد محمداً، ووالله ما توضأ فسقطت قطرة ماء على الأرض، ولا تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيماً له، ولا يرفعون الصوت عنده، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها...) اقبلوها؛ لأنه لا قبل لكم بهؤلاء، فالمنظر الذي رأيته أنا لا قبل لكم بهؤلاء، لأن العرب كانوا لا يملكون مع فارس ولا الروم لا يداً ولا لساناً، فهم ينهزمون دائماً أمام فارس والروم، فهو يمهد لهم بهذه المقالة. قال: (ما رأيت أصحاب ملك يعظمون ملكهم كتعظيم أصحاب محمد محمداً، لقد وفدت على الملوك: كسرى وقيصر والنجاشي) الذين يغلبونكم دئماً، ومع ذلك ما رأيت ناساً يعظمون ملكهم أو سيدهم كتعظيم هؤلاء لمحمد صلى الله عليه وسلم! ولذلك قبلت قريش الخطة مباشرة. فكان هذا الترك مناسباً جداً؛ حتى يبلغ هذه الرسالة لقريش. إذاً: فهمنا أن هذا له علة، فإذا خلت المسألة من العلة رجعنا إلى الأصل، وعملنا بسد الذريعة. فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يحول بينهم وبين تعظيمه الذي يؤدي إلى تأليهه يوماً ما، وقد ظهر في المسلمين من أله غير النبي عليه الصلاة والسلام، لقد ألهوا علي بن أبي طالب كما في صحيح البخاري (أن جماعة قالوا: علي هو الله. فطلبهم علي بن أبي طالب وحرقهم بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت مكانه ما حرقتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يعذب بالنار إلا رب النار) . لكن .. ما سيفعل ابن عباس بهم؟ قال: (لقتلتهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه) فبلغت مقالة ابن عباس علي بن أبي طالب فقال: (يا ويح أمه!). وإنما توجع علي بن أبي طالب لأحد أمرين: إما أنه توجع لأنه لم يكن عنده علم بالنهي وخالف النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يدري؛ فتوجع أن كان قضاؤه وحكمه على خلاف السنة. أو أنه توجع أن ابن عباس حمل الأمر على التحريم وهو يراه على الكراهة فقط.

ناجي أبوشعيب 7 - 2 - 2012 03:32 AM

النهي عن قول: (ما شاء الله وشئت)



وكما قلت: الغلو أحد أركان الكفر، وهو رأس كل شر؛ ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحول بين الصحابة وبين الغلو فيه، ولم يترك سبيلاً إلا سده، حتى في العبارة، وإن لم يكن المتكلم يقصد غلواً. روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها : (أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود؛ فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود. قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيراً ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، ثم مر برهط من النصارى؛ فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى. فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمد. فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: هل أخبرت بها أحداً. قال: عفان. قال: نعم. فلما صلوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها. قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد). فانظر.. جعل اليهود والنصارى الكلمة عدلاً لقولهم: عزير ابن الله. المسيح ابن الله. يعني: لو قال ما شاء الله وشاء محمد كأنما قال محمد ابن الله، وهكذا قاسوها، وجعلوها من الشرك، وكأنهم قالوا له: لا تعيرنا، نحن وأنتم سواء، نحن قلنا: المسيح ابن الله، وأنتم تقولون: ما شاء الله ومحمد. فكأنهم نزلوا العبارتين على معنى واحد. فالرسول عليه الصلاة والسلام خطب الناس ونهى أن يقول المسلم: ما شاء الله ومحمد؛ لأنه إذا قال ما شاء الله ومحمد، فهذا تشريك في المشيئة. وفي الحديث الصحيح -الصحيحين- (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله ثم شئت)، فقوله: (أجعلتني لله نداً؟!) يعني: لو قال ما شاء الله ومحمد كأنما جعل محمداً إلهاً -صلى الله عليه وسلم- لذلك قال: (أجعلتني لله نداً) نداً: عدلاً، وفي اللفظ الآخر (عدلاً)، برغم أن المتكلم لا يقصد حقيقة المعنى. ووصل الأمر في سد الذرائع إلى هذا الحد: أن العبارة لو كانت موهمة عدلها، حتى وإن لم تقصدها، فأنت لا تدري السامع كيف يؤولها وكيف يفهمها، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام لما نهى عن بعض الأسماء التي فيها إيهام بمعنى قبيح، نهانا عن التسمية بها، فقال (لا تسمين غلامك يساراً، ولا رباحاً، ولا نجاحاً، ولا فلاحاً -وفي رواية نجيحاً- حتى إذا قيل: أثمَّ هو؟ قال: لا.) مع أن المتكلم ما قصد ولا سبق إلى ذهنه هذا المعنى، لا في حال الكلام ولا في حال الاستماع، (إذا قيل: أثمَّ هو. قال: لا.): يعني: مثلاً أن تقول: نجاح موجود؟ فيقولون: لا نجاح. يسار موجود؟ لا يسار، كأنما نفى النجاح واليسار عن البيت، برغم أن المتكلم لا يقصد نفي اليسار ولا النجاح ولا الفلاح، ولكن المسألة ليست في المتكلم فحسب، بل ينبغي أن يراعي المستمع، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في باب الأيمان قال -كما في الحديث الذي رواه مسلم -: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك) يعني: في التورية قد تتكلم بكلام لا يسبق إلى ذهن المستمع، وأنت تتخلص من الكذب بهذه التورية. مثلاً: رجل دعاك إلى طعام، وأنت تعرف أن طعامه حرام أو فيه شبهة، كرجل -مثلاً- يعمل في بنك ربوي وليس له أي وظيفة إلا العمل في البنك الربوي، وأنت لا تريد أن تأكل عنده؛ لأن ماله حرام؛ لحرمة العمل في البنك. فقال لك: تقدم فكل. فقلت له: إني صائم، ومعنى صائم الذي يخطر على بال المستمع: أي: أنك صائم الصيام الشرعي الذي فيه امتناع عن الطعام، لكنك لست صائماً، وإنما قصدت أنك صائم عن طعامه، أي: أنا صائم عن الحرام، أو أنا صائم عن الكلام الفاحش، وهذه المعاني أنت قصدتها لكنها لم تخطر على بال المستمع. وفي باب الأيمان -في الحلف- الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك) فلو حلفت على التورية صارت كذباً، يعني: قلت: أنا صائم، لست بكذاب، إذا قلت أنا صائم وقصدت الصيام الخاص عن طعام هذا الإنسان، لكن إذا قال لك: احلف أنك صائم، فلو حلفت وقعت في الكذب؛ لأن اليمين على ما سبق إلى ذهن صاحبك وليس على ما قصدته أنت، إذاً: أنت في حل ما لم تحلف، فإذا حلفت على المعاريض انقلبت كذباً، ففي بعض المواقف يراعى فيها حال المستمع. فالرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يسمي المرء غلامه نجاحاً أو فلاحاً أو يساراً؛ لأن هناك طرفاً آخر -المستمع- ربما سبقت الكلمة إلى ذهنه وفهمها على غير ما قصدتها. والمستمع قد يسبق إلى ذهنه بدلالة العبارة معنى لم يخطر على بال المتكلم، فينبغي أن يراعى المستمع، ومن هذه الأسماء إسلام مثلاً، مع أنه اسم ذكر، إلا أن فيه نفس العلة التي من أجلها نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التسمي بيسار ونجاح ورباح. يقال: إسلام موجود؟ لا يوجد إسلام. لا يوجد إسلام. يعني: نفي الإسلام عن البيت، وما قصد المتكلم ذلك لكن كانت كلمة مستبشعة عند المستمع. فهو لما يقول: ما شاء الله وشئت، ما خطر على بال المتكلم، لكن وقعت في ذهن المستمع، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أجعلتني لله نداً -أو عدلاً-؟! قل: ما شاء الله ثم شئت) و(ثم) تفيد التراخي، وجود مسافة بين المشيئتين، فلا تسوي بين مشيئة الله عز وجل وبين مشيئة النبي صلى الله عليه وسلم. هناك قصة مشهورة يذكرها العلماء حدثت بين الكسائي وبين أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمه الله، فكان الكسائي يقول: - من علم اللغة صار فقيهاً. - فأنكر عليه أبو يوسف هذه المقالة، وقال: إن الفقه له قوانين وضوابط وأصول. - فقال: فناظرني في مسألة. - فقال له أبو يوسف : هات - فقال الكسائي : ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق.. طالق.. طالق، ورجل قال لامرأته: أنت طالق وطالق وطالق، ورجل قال لامرأته: أنت طالق ثم طالق ثم طالق.. أيّ هذه تكون طلقة بائنة؟ فقال أبو يوسف : كلها. ومذهب الأئمة الأربعة وجماهير أصحابهم: أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد تقع ثلاث طلقات، فلو قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق؛ تصير طالقاً ألبتة، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، وخالفهم في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وقليل من العلماء ممن سبقه وأتى بعده، وهم الذين قالوا: لا يقع الطلاق إلا في مجالس منفصلة، وصارت عليه الفتوى من بعد شيخ الإسلام إلى الآن في المحاكم الشرعية. - فقال أبو يوسف : كلها. مع أن الأظهر على أصول الأئمة أن يقع تكرار الطلاق، يعني: لو قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فالأصل أنها تحسب واحدة، لكن متى يقع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد؟ إذا كرر لأن العدد لا يفهم إلا مع التكرار، فلو قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاث مرات، وهو في مجلس واحد في جلسة واحدة، فعند الأئمة يقع ثلاثاً، لكن لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً، بمفهوم العدد لا يقع إلا واحدة، لأن العدد لا يفهم إلا مكرراً. فلو قال مثلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين -وفي رواية وكبر أربعاً وثلاثين بدل ثلاث وثلاثين- فتلك مائة؛ غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) فلو قال رجل: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر ثلاثة وثلاثين.. فهذه كم مرة؟ هل قالها مائة أو قالها ثلاث مرات فقط؟ ثلاث مرات؛ لأن العدد لا يفهم إلا مكرراً، أن أقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله... أظل أعد ثلاثاً وثلاثين مرة، لكن لو قلت: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، لا تقع إلا مرة واحدة. فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق بالثلاث فلا تقع إلا واحدة، إنما لو قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق في مجلس واحد ومتكررة وراء بعضها، فعند الأئمة وعند جماهير الأصحاب تقع ثلاث مرات. لذلك قال أبو يوسف رحمه الله: كلها تقع.. لماذا؟ لأن المرة الأولى قال لها: طالق.. طالق.. طالق، فكانت ثلاث طلقات، والثانية قال: طالق، وطالق، وطالق، والثالثة: طالق ثم طالق ثم طالق. فاعترض الإمام علي بن حمزة الكسائي -صاحب القراءة المتواترة المشهورة، وهو أحد القراء السبعة- فقال: بل لا تقع ثلاثاً إلا الثالثة، التي هي: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، إنما: قوله: أنت طالق طالق طالق، خرج مخرج التأكيد اللفظي، كما لو قال رجل لرجل: أنت الكريم الكريم الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوسف عليه السلام: (هو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم)، كل هذا تأكيد للفظ الكريم، فلما تؤكد صفة تأكيداً لفظياً وتكرره فهي نفس الصفة ولم تتغير. وفي المثال الثاني قال: أنت طالق وطالق وطالق، والواو لمطلق الجمع، وتفيد العطف أيضاً، والمعطوف الثاني هو عين المعطوف الأول، والمعطوف الثالث هو عين المعطوف الثاني وهو عين المعطوف الأول، فلم يبق في هذه الصيغ ما يقال: أنه منفصل -كل طلقة منفصلة عن أختها- إلا (ثم) التي تفيد التراخي، أي: كأنه قال: أنت طالق ثم فصل المجلس، ثم جاء فقال: أنت طالق ثم فصل المجلس، يعني: هناك تراخٍ بين الطلقة الأولى والطلقة الثانية، وبين الطلقة الثانية والطلقة الثالثة. فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه أن يقول أحدهم: ما شاء الله وشاء محمد، وقال: (إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها) فيمكن أن يستشكل إنسان هنا، ويقول: وهل يعمل النبي صلى الله عليه وسلم بالحياء في مسائل التوحيد؟! يعني: مثلاً: رجل يرتكب شركاً، فأنت تستحي أن تقول له: لا تشرك؟! فنقول: الجواب عن هذا سهل، ومن أظهر وأسهل وأقرب الأجوبة إلى الذهن: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحي له شيءٌ في هذا، ربما أنكرها، لكن لم يكن عنده علم أن هذا من الشرك حتى أعلمه الله عز وجل أن هذا داخل في الشرك؛ لذلك نهى عنه، وليس هذا بمستنكر ولا بمستغرب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان من خلقه أنه إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم. يعني يقولون: ما شاء الله ومحمد، ولم يكن عنده سابق علم صلى الله عليه وسلم ولم يوح إليه أن هذا من الشرك، والناس يقولونها فيتركهم؛ لأنه الأيسر لهم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً) أما إذا كان شركاً أو ذريعة إلى الشرك فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتردد إطلاقاً في النهي عن ذلك، كما حدث في موت ابنه إبراهيم وكسفت الشمس فقالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم ، وأزعجه ذلك عليه الصلاة والسلام، وجمع الناس فخطبهم فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا)، وفي الرواية الأخرى (فقوموا فصلوا). فالرسول عليه الصلاة والسلام أول ما رأى ذلك خطب الناس وبين أن الشمس والقمر لا تكسفان لموت أحد أبداً، إنما هي نذير: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59] . فقولهم: (ما شاء الله ومحمد) هذا أول طريق الغلو؛ لذلك أغلقه عليهم صلى الله عليه وسلم.

ناجي أبوشعيب 7 - 2 - 2012 03:33 AM

وجوب التعصب للنبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً بلا قيد ولا شرط



كل هذا كان داعيته الغلو، لذلك تنبه العلماء رضي الله عنهم إلى مثل هذا الغلو، فكفوا أتباعهم عنه، وبينوا أن الوحيد الذي يجب له التعصب مطلقاً بلا قيد ولا شرط هو النبي صلى الله عليه وسلم، فتواترت هذه الكلمة على ألسنتهم جميعاً: (إذا صح الحديث فهو مذهبي). وتراشق المقلدون من أصحاب المذاهب في البلاد بسهام الملام، وبدأت العصبية المذهبية تعمل عملها، فبدءوا يجعلون مدارس في كل بلد خاصة بتدريس كل مذهب، فالمدرسة النظامية التي بناها نظام الملك -مثلاً- في بغداد كانت لتدريس المذهب الشافعي فروعاً، والأشعري عقيدة، وصارت هناك المدارس التي تدرس المذهب الحنبلي والمذهب الشافعي والمذهب الحنفي والمذهب المالكي. وأيضاً صارت العصبية في الوظائف، مثلاً: إذا استطاع عالم من العلماء أن يقنع رأس الدولة أن يكون حنفياً؛ فقضاة الدولة يكونون من الأحناف، وفقهاء الدولة من الأحناف، وأصحاب الوظائف من الأحناف، ويبدأ هذا الرجل الإمام الكبير الذي هو الرأس يبني المدارس لنشر المذهب الذي يعتقده صواباً، فإذا كانت الوظائف لا تقبل إلا من حنفي، فأنا أحتاج أن أدخل المدرسة الحنفية حتى أصير قاضياً؛ فصارت دراسة المذهب سلماً للوظيفة، وصار الرجل الكبير حتى وإن بلغ درجة الاجتهاد في المذهب لا يستطيع أن يخالف أقوال المذهب وإلا عزلوه، مع أنه بلغ مرتبة الاجتهاد، مثل تقي الدين السبكي .. وتقي الدين السبكي قرين ابن تيمية وصاحب الحرب الضروس عليه ، وحامل لوائها وكذا ابن الزملكاني وابن تقي الدين السبكي تاج الدين عبد الوهاب -صاحب طبقات الشافعية- كان أشد من أبيه ألف مرة في التعصب، كان متعصباً للمذهب الأشعري بطريقة شديدة حتى أن الأشعري نفسه قد لا يتعصب لمذهبه مثل تعصب عبد الوهاب السبكي له، وقد ذبح شيخه الذهبي بسكين باردة، والإمام الذهبي صاحب كتاب: ميزان الإعتدال، وسير أعلام النبلاء، وابن السبكي عالة على شيخه الذهبي في التراجم؛ لأن الذهبي إمام التراجم كلها، فكل كتبه في التراجم، وقد تميز بذلك فقد كان يأخذ الترجمة بنصها، ومع ذلك كان شديد العقوق لشيخه الذهبي ، ولم يتق الله فيه، ولم يرع أستاذيته، وكل هذا بسبب التعصب البغيض للمذهب الأشعري، ولأن الذهبي كان شافعياً في الفروع حنبلياً في العقيدة، ونحن نعرف أن أئمة العقيدة السلفية على مدار العصور هم الحنابلة، فهم الطائفة الوحيدة التي نجت من الابتداع، وقلما تجد فيها مبتدعاً في العقيدة، بخلاف الطوائف الأخرى. فتجد ابن الجوزي -مثلاً- مبتدع في بعض مسائل العقيدة، وكذا ابن عقيل ليس على العقيدة السلفية، ولكن علماء الحنابلة كلهم هم حاملو لواء العقيدة السلفية. أي: المذاهب الثلاثة أكثر علمائها يدورون ما بين الأشعرية، والماتريدية، والاعتزال، فحصل بينهم حروب شديدة بسبب التعصب للمذهب. وتقي الدين السبكي كان رأس الشافعية في زمانه، وبلغ مرتبة الاجتهاد بحيث يسوغ له أن يخالف قول الشافعي بالدليل، فجرت محاورة بين ولي الدين العراقي ابن الحافظ زين الدين العراقي المحدث المشهور صاحب الألفية، وبين سراج الدين البلقيني ، فقال ولي الدين للبلقيني : لم تمذهب تقي الدين بـالشافعي وقد بلغ رتبة الاجتهاد؟ فسكت البلقيني . فقال ولي الدين : أظن ذلك للأعطيات. وقد كان هو قاضي القضاة، وإذا عُزل كان سيحرم عطاءه، قال: فتبسم البلقيني وكأنما أقره على ذلك. فالعصبية من أجل المذاهب الفقهية في الفروع أدت إلى انشطار الأمة إلى طوائف وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون، ووصل الأمر أن هناك بعض الكتب الفقهية يبطلون صلاة الشافعي خلف الحنفي؛ لأن الحنفي -مثلاً- لا يوجب الوضوء من مس الذكر، ويفرضون الصورة الآتية: (حنفي مس ذكره، وتقدم للإمامة هل يصح لشافعي أن يصلي خلفه؟ الجواب لا.. لماذا؟ قال: لأن عند الشافعي مس الذكر ينقض الوضوء، فهذا الإمام بعدما مس ذكره في حكم غير المتوضئ، إذاً: صلى بغير وضوء، وعليه لا يجوز لشافعي أن يصلي خلف حنفي). وأيضاً: لا يجوز لحنفي أن يصلي خلف شافعي؛ لأن الشافعية يجيزون الاستثناء في الإيمان، والإيمان عند الحنفية هو التصديق، والتصديق لا يتصور فيه النقص، يعني: -مثلاً- أنه لا يكون مصدقاً (100%)، فيقول: إما مصدق وإما مكذب، والإيمان تصديق، فإما كامل الإيمان وإما مسلوب الإيمان، والشافعية يجيزون أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، يقول: (إن شاء الله) استثناء في الإيمان فيكون شك، والشاك في إيمانه كافر، وعليه فلو أن رجلاً شافعياً كان إماماً ويشك في إيمانه فلا يجوز لحنفي أن يصلي خلفه. وتفرع على ذلك سؤال: هل يجوز لحنفي أن يتزوج شافعية؟ فأفتى مفتيهم بأنه لا يجوز..! حتى أكرم الله عز وجل الأمة بمفتي الثقلين -كان اسمه هكذا لأنه كان يفتي حتى الجن- فقال: أنزلوها بمنزلة أهل الكتاب. أي: كأنها يهودية أو نصرانية، ودعوا الحنفي يتزوجها. فانظر لو أنهم جميعاً قضوا من معين واحد ولم يعظموا الرجال؛ ما اتسع الخرق إلى هذا الحد، فلماذا تتعصب لـأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد ؟ يتعصب لأنه يظن أن شيخه هو أفضل الشيوخ جميعاً وعلم ما جهلوه جميعاً.. أليس هذا غلو؟ هذا غلو إذا اعتقدت أن شيخك أفضل الشيوخ، لكن هناك من هو أفضل منه في بعض الجزئيات، أو أن الجزئيات التي لا تتناهى ويمكن أن يُتَعقب شيخك فيها؛ كان مدعاة لعدم الغلو، إذا قلت: أخطأ شيخك في هذا.. قبلت، لكن هم يعتقدون أن الشيخ هو مجمع الفضائل ولا يخطئ، فكان في ذلك إعراض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعن الحنيفية السمحة. لدرجة أنه سئل رجل عالم سؤالاً: إذا أفتى أحد العلماء المعتبرين بفتوى، وكان حديث النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف الفتوى من نتبع؟ قال: اتبع فتوى العالم!! أهذا يقوله مسلم قرأ قول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ؟! هل هناك رجل يقول مثل هذا الكلام؟! طبعاً يعتقد في نفسه أن العالم يجمع الأحاديث الواردة في الباب، فيمكن أن العالم هذا يكون وقف على حديث خصص الحديث الذي تحتج أنت به أو قيده، أو يمكن أن الحديث الذي تحتج أنت به في مقابل الفتوى منسوخ مثلاً، فالعالم قبل أن يقول يجوز أو لا يجوز يسمع الأدلة كلها ويجمع الأدلة بعضها على بعض، ويبين الخاص من العام، والمقيد من المطلق، ويفهم الناسخ من المنسوخ، ويفهم المجمل على ضوء المبيّن مثلاً، العالم هذا عمله.. فيمكن أن العالم قد جمع بين الأحاديث وعلم ناسخها ومنسوخها، ثم قال لك: لا يجوز، فأنت إذا أخذت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ربما أخذت بحديث منسوخ أو بعام خُصص، أو بمطلقٍ قُيد، أو بمجملٍ بُيِّن، فيقول لك: الأحوط والأسدّ أن تتبع قول العالم. ونحن نرد على هذا الكلام ونقول: ألا يجوز على العالم أن يخطئ؟ أم يجب أن يكون مصيباً؟ قد يخطئ، فإذا كان العالم بعد هذا الجهد يمكن له أن يخطئ، فلا شك أن اتباع الذي لا يخطئ أولى من اتباع الذي يجوز عليه الخطأ، فلو لم يكن عندي إلا قول النبي عليه الصلاة والسلام، وفي مقابله فتوى عالم يمكن له أن يخطئ، فلا شك أن اتباع المعصوم الذي لا يخطئ أولى من اتباع الذي يخطئ. ثم إن فيه تعظيماً للنبي عليه الصلاة والسلام، فلو عودنا الناس على رد حديث النبي عليه الصلاة والسلام بقول كل عالم لضاعت السنة كلها؛ بل لضاع الدين كله، فأين الآيات التي فيها تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام وأنه لا يجوز لأحد أن يقدم قول أحد على قوله كائناً من كان؟! أين هذه الأدلة القطعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! إذاً: في حالة عدم وجود من يرجح ويبين سبب مخالفة الفتوى للنص بسبب النسخ أو حمل المطلق على المقيد .. وغير ذلك؛ يجب وجوباً أن نتبع الحديث ولا نتبع قول العالم.. لأن هذا هو الأسدّ، وهذا هو الواجب عليك تبعاً للنصوص القطعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين. ......





......

shreeata 7 - 2 - 2012 02:11 PM

مشكور اخي ناجي
على روعة الادراج
سلت لنا بروعتك
تحيات لك

الغريب 7 - 2 - 2012 04:13 PM

جزاك الله الخير على الموضوع المتكامل عن الغلو وبارك بك
مميز اخ ناجي ولا حرمنا مواضيعك الهادفة

ابو فداء 7 - 2 - 2012 08:08 PM

مبدع أخ ناجي
بجد مواضيع قيمه وراقيه
تسلم يا كبيرررر

عاشق تراب الأقصى 7 - 2 - 2012 08:23 PM

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك

شكرا على الإفادة والطرح

~ مذهله ~ 7 - 2 - 2012 10:23 PM

http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/01.gif
جزاكم الله خيرا
موضوع قيم جدا بارك الله بك
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ورزقنا واياكم الفردوس الأعلى


الساعة الآن 04:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى