منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   سِير أعلام وشخصيات (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=57)
-   -   شخصيات إسلامية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1910)

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:20 AM

شخصيات إسلامية
 


الإمام الدارقطني


أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن البغدادي الدارقطني ؛ الإمام شيخ الإسلام ، حافظ الزمان، والدارقطني نسبة إلى دارالقطن وهي محلة ببغداد.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
[ رحمه الله][علم الحديث] أستاذ هذه الصناعة إمام وقته وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا سمع الكثير وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد وأحسن النظر

وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديلل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية
انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب.
وكان الدراقطني رحمه الله يحب العلماء والإقبال عليهم وملازمتهم، ومن هؤلاء العلماء الحسن بن أحمد بن صالح أبو محمد الهمداني السَّبيعي الحلبي ، وكان حافظاً متقناً .
سمع وروى عنه الدَّراقطني ، وكان وجيهاً عند سيف الدولة وكان يزوره في داره . وصنّف له كتاب التبصرة في فضيلة العترة المطهَّرة . وكان له في العامة سوقٌ وهو الذي وقف حمام السَّبيعي على العلويّين . وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة وكان الحافظ أبو محد هذا قد طاف الدنيا وهو عسر الرواية .
وكان الدارقطني يجلس بين يديه كجلوس الصبيِّ بين يدي معلّمه هيبةً له وقال : قدم علينا حلب الوزير جعفر بن الفضل فتلقاه الناس وكنت فيهم فعرف أني من أصحاب الحديث فقال : أتعرف حديثاً فيه إسناد أربعة من الصحابة كل واحدٍ عن صاحبه فقلت نعم حديث السّايب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزَّى عن عبد الله بن السَّعدي عن عمر بن الخطاب في العمالة فعرف صحة قولي فأكرمني .
شيوخه وتلاميذه:
سمع الدارقطني من أبي القاسم البغوي وخلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط

وأخذ العلم عن الدارقطني محمد بن الحسن الشيباني وصعصعة بن سلام وأبو معاوية الضرير وغيرهم.
شدة ذكائه:
ومما يؤكد شدة ذكائه هذا الموقف، فقد جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث والدارقطني ينسخ في جزء حديث فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ فقال الدارقطني فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر ثم قال له ذلك الرجل أتحفظ كم أملي حديثا فقال إنه أملى ثمانية عشر حديثا إلى الآن والحديث الأول منها عن فلان عن فلان ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئا فتعجب الناس منه.

آراء العلماء فيه:
قال الحاكم أبو عبدالله النيسابوري لم ير الدارقطني مثل نفسه ، وقال ابن الجوزي وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعداله وصحة العقيدة.

قال ابن كثير: الحافظ الكبير أستذا هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا سمع الكثير وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديلل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية.
له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه لم يسبق إلى مثله و لا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله وله كتاب العلل بين فيه الصواب من الدخل والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل وكتاب الافراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابدة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر والفهم الثاقب والبحر الزاخر.
وقال عبدالغني بن سعيد الضرير لم يتكلم على الأحاديث مثل علي بن المديني في زمانه وموسى بن هارون في زمانه والدارقطني في زمانه وسئل الدارقطني هل رأى مثل نفسه قال أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني وأما فيما اجتمع لي من الفنون فلا"
وقال الذهبي إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه فهذا أمر عظيم يقضي به للدار قطني أنه أحفظ أهل الدنيا وإن كان قد أملي بعضه من حفظه فهذا ممكن ، وقد أهدي إليه رجل هدية فأملي عليه من حفظه سبعة عشر حديثا متون جميعها إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي فيما نقله عنه الحاكم شهدت بالله إن شيخنا الدارقطني لم يخلف علي أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة وأتباعهم
وقال ابن خلكان وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل جعفر بن خنزابة وزير كافور الأخشيدي وساعده هو والحافظ عبد الغني على إكمال مسنده وحصل للدارقطني منه مال جزيل.
مؤلفاته:
1- كتاب السنن.
2- العلل الواردة في الأحاديث النبوية
3ـ المجتبي من السنن المأثورة
4- المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال
5- كتاب الافراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابدة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد
6- سؤلات الحاكم وهو كتاب عمدة في الجرح والتعديل

وفاته:
وقد غادر الإمام الدراقطني الدنيا ، بعد حياة حافلة بالجد والحرص على تلقي العلوم ، ونشرها بين طلاب العلم، فكانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائه وله من العمر سبع وسبعون سنة.



الإمام النووي


هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حَوْران في سورية. من أئمّة المذهب الشافعي. وهو صاحب أشهر ثلاثة كتب لا يكاد يخلو منها بيت مسلم وهي الأربعون النووية" و"الأذكار" و"رياض الصالحين".
ولد النووي رحمه اللّه في محرم عام 631هـ في قرية نوى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب، وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم، ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له.
وفي سنة 649 هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي. وفي عام 651 هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق، وهناك أكب على علمائها ينهل منهم ..
أخلاقه وصفاته:
أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع، وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن أهمّ صفاته الزهد والورع.

يتحدث أبو العباس بن فروخ عن النووي فيقول: كان الشيخ قد صارت إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص شُدَّت إليه الرحال. المرتبة الأولى: العلم. والثانية: الزهد. والثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ـ وقال الذهبي في "سير النبلاء": كان يؤثر عنه كرامات وأحوال.
وقال التقي محمد بن الحسن اللخمي: إنه ظهرت له الكرامات الكثيرة: من سماع الهاتف، ومن انتفاع الباب المقفل بالأقفال ورده كما كان، وانشقاق الحائط في الليل وخروج شخص له منه حسن الصورة، وكلامه معه في مصالح الدارين، واجتماعه بالأولياء الأخفياء وكاشفته هو للواحد بأحوال لا يعلمها إلا الله ثم صاحبها، وإعلامه بموته وهو بدمشق.
ومن قوة نفسه ملازمته لحيّة عظيمة في بيته بالرواحية، ويراها كلَّ قليل تخرج إليه ويضع لها لباباً تأكله، حتى أن بعضهم رآها في غفلة وهو يطعمها اللباب فقال له: يا سيدي ما هذه؟ وخاف، فقال: هذه خلق، من خلق الله لا تضر ولا تنفع، أسألك بالله أن تكتم ما رأيت، ولا تحدث به أحداً.
وأحواله كثيرة لا يسعها هذا المحل فرحمه الله، لقد كان من الدين بمكان الرأس من الجسد، ظهر له العلم فشمَّر إليه، ونظر إلى الخيرات فأفرغت عليه، إذا تكلم افتتح كلامه بالحمد لله والثناء عليه، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالصلاة عليه
مما يروى عنه :
يذكر العطار: وذكر لي والده أن الشيخ كان نائماً إلى جنبه، وقد بلغ من العمر سبع سنين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، قال: فإنتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعاً فلم نر كلنا شيئاً. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.

شيوخه :
سمع أبا الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر، ومحمد بن أحمد المقدسي وهو أجل شيوخه، وأبا إسماعيل بن أبى إسحاق إبراهيم ابن أبى اليسر وأبا العباس أحمد بن عبد الدائم، وأبو البقاء خالد النابلسي، وأبا محمد عبد العزيز بن عبد الله محمد بن عبد المحسن الأنصاري، والضياء بن تمام الحيصي، والحافظ أبا الفضل محمد بن محمد البكري، وأبا الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد خطيب دمشق، وأبا محمد عبد الرحمن بن سالم ين يحيى الأبناري، وأبا زكريا يحيى بن الفتح الصيرفي الحراني، وأبا إسحاق إبراهيم بن على بن أحمد بن فاضل الواسطي وغيرهم حياته العلمية .

حفظ الإمام النووي التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته.
ثم درَّسَ بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلََّ يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جنّي في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة، ودرساً في الصرف، ودرساً في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين، وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
تميزت حياة النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور:
الأول: الجدّ في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه.

الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، فقد كان يقرأ كلََّ يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً.
الثالث: غزارة إنتاجه، فقد بدأ به عام 660 هـ، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره، وقد بارك اللّه له في وقته وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةَ العبارة، وسطوعَ الدليل، ووضوحَ الأفكار. وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام كل مسلم.
كان لا يضيع له وقتاً في ليل ولا في نهار إلا في وظيفة من الأشتغال بالعلم حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرار أو مطالعة، وأنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين.
ثم اشتغل بالتصنيف والأشتغال و الافادة والمناصحة للمسلمين وولاتهم مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه، والعمل بدقائق الفقه والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء، و إن كان بعيد المراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من السوء، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.
وكان محققاً في علمه وفنونه مدققاً في علمه ولفنونه حافظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عارفاً بأنواعه كلها من صحيحه وسقيمه وغرب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه حافظاً المذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما أشتهر من ذلك جميعه، ومازال سالكاً في كل ذلك من طريقة السلف.
قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل فبعضها للتصنيف وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة، وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ذكر لي صاحبنا أبو عبد الله محمد بن أبى الفتح البعلي الحنبلي الفاضل نفع الله به في حياة الشيخ رض الله عنه قال: كنت في أواخر الليل بجامع دمشق والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة وهو يردد قوله تعالى (وَقِفُوهُم إنهم مَّسْئُولُونَ)، مراراً بنحيب وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك شيء الله به عليم، وكان رضي الله عنه إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام وسودهم وذكر مناقبهم وكراماتهم.
وسمع منه خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه وفتاويه في الآفاق، ووقع على دينه وعلمه وزهده وورعه و معرفته وكرامته الوفاق، وانتفع الناس في سائر البلاد الإسلامية بتصانيفه، وأكبوا على تحصيل تواليفه حتى رأيت من كنان سناها في حياته مجتهدا على تحصيلها وانتفاع بها بعد وفاته فرحمه الله ورضى عنه، وجمع بيننا وبينه في جناته.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
الزهد و الورع تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. ويُروى أنّه سُئلَ: لِمَ لمْ تتزوَّج؟ فقال: نَسيت.

وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلساً، بل كان يجمعُها عند ناظر المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكاً ووقفه على دار الحديث، أو اشترى كتباً فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئاً.
وكان لا يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئا.ً
وكان رحمه الله لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المبرد وكان لا يأكل فاكهه دمشق فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، وإملاك من هو تحت الحجر شرعاً والتصرف لهم لا يجوز لأوجه الغبطة والمصلحة والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيه اختلاف بين العلماء: فمن جوزها قال: جوزها بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك.
وقال لي الشيخ العارف المحقق المكاشف أبو عبد الرحيم الأخميمي. قدس الله روحه ونور ضريحه: كان الشيخ محيي الدين رضي الله عنه سالكاً منهاج الصحابة. رضي الله عنهم، ولا أعلم في عصرنا سالكا، منهاجهم غيره
وولي "رحمه الله" من الوظائف الدينية مشيخة دار الحديث الأشرفية. قال الذهبي: مع صغر سنّه ونزول روايته، في حياة مشائخه، بعد الإمام أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، سنة خمس وستين "وستمائة"، إلى أن مات.
وكان رحمه الله لا يأخذ من أحد شيئا، ولا يقبل إلا ممن تحقق دينه ومعرفته، ولا له به علاقه من اقراء وانتفاع به قاصداً الخروج من حديث القوس، والجزاء في الدار الآخرة وربما أنه كان يرى نشر العلم متعيناً عليه مع قناعة نفسه وصبرها، والأمور المتعينة لا يجوز أخذ الجزاء عليها في دار الدنيا بل جزاؤه في الدار الآخرة شرعاً كالقرض الجار إلى منفعه فإنها حرام باتفاق العلماء.
وكنت جالسا بين يديه قبل انتقاله بشهرين ونحوها، وإذا بفقير قد دخل عليه وقال: الشيخ فلان يسلم عليك من بلاد صرخا، وأرسل معي هذا الإبريق لك، فقبله الشيخ وأمرنى بوضعه في بيت حوائجه، فتعجبت من قبوله فشعر بتعجبي وقال: أرسل إلى بعض فقراء زدبولا، وهذا إبريق فهذه آلة السفر.
ثم بعد أيام يسيره كنت عنده فقال لي قد أذن في السفر، فقلت كيف أذن لك؟ قال: أنا جالس هنا يعني ببيته في المدرسة الرواحية وقدامه طاقة مشرفة عليها مستقبلة القبلة إذ مر على شخص في الهوى ومر هنا. ومن كذا (يشير من غرب المدرسة إلى شرقها) وقال قم سافر لزيارة بيت المقدس.
وقد حملت كلام الشيخ على سفر العادة فإذا هو السفر الحقيقي. ثم قال: قم حتى تودع أصحابنا وأصحابنا فخرجت معه إلى القبور الذي دفن بها بعض مشايخه فزارهم، وقرأ شيئاً، ودعا وبكى ثم زار أصحابه الأحياء كالشيخ يوسف القفاعي والشيخ محمد الأخميمي وشيخنا الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر شيخ الحنابلة.
ثم سافر صبيحة ذلك اليوم، وجرى لي معه وقائع، ورأيت منه أمور تحتمل مجلدات، فسار إلى نوى، وزار القدس والخليل عليه السلام ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته بها في بيت والده فبلغني مرضه، فذهبت من دمشق لعيادته ففرح رحمه الله ثم قال لي: ارجع إلى اهلك وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة ثم توفي ليلة الأربعاء المتقدم ذكرها الرابع والعشرين من رجب فبينما أنا نائم تلك الليلة مناد ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة الصلاة على الشيخ ركن الدين المرقع.
فصاح الناس لذلك النداء فاستيقظت فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس إذ جاء الخبر بموته، وصلى عليه رحمه الله فنودي يوم الجمعة عقيب الصلاة بموته وصلى عليه بجامع دمشق، وتأسف المسلمون عليه تأسفاً بليغاً الخاص والعام، والمداح والذام ورثاه الناس بمراثي كثيرة سيأتي ذكرهاإن شاء الله تعالى.
كما عرف عنه ( رحمه الله ) أنه كان لا يأخذه في الحق لومـة لائم ، وكان كثيرًا ما يكاتب الأمراء ، والوزراء ، وينصحهم لما فيه خير البلاد والعباد ، يورد الساخاوي منها ورقة الظاهر في ورقة لبَيْليك الخازندار بدر الدين نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المولى الحسن، ملك الأمراء: بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلّغه من خيرات الآخرة والأولى كلَّ آماله، وبارك له في جميع أعماله، آمين.
وننهى إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال، بسبب قلة الأمطار وغلاء الأسعار، وقلّة الغلات والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الراعي والرعية، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة.
وقد كتب خَدَمَة الشرع الناصحون للسلطان، المحبون له: كتاباً بتذكرة النظر في أحوال رعيته والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة وشفقة تامة، وذكرى لأولي الألباب.
والمسؤول من الأمير "أيده الله تعالى" تقديمه إلى السلطان "أدام الله له الخيرات" ويتكلم عليه من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدّخراً له عند الله تعالى (يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم الله نفسه.
مؤلفاته:
صنف -رحمه الله- كتبا في الحديث والفقه عم النفع بها، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها منها: المنهاج في الفقه، وشرح مسلم، ومنها المبهمات، ورياض الصالحين، والأذكار، وكتاب الأربعين، والتيسير في مختصر الإرشاد في علوم الحديث.

ومنها الإرشاد، ومنها التحرير في ألفاظ التنبيه، والعمدة في صحيح التنبيه، والإيضاح في المناسك، والإيجاز في المناسك، والمناسك الثالث والرابع والخامس والسادس، ومنها التبيان في آداب حملة القرآن ومختصره، ومنها مسألة الغنيمة، وكتاب القيام، ومنها كتاب الفتاوي ورتبته أنا، ومنها الروضة في مختصر شرح الرافعي، ومنها المجموع في شرح المهذب إلى المعراة.
ومنها كتب ابتدأها ولم يتمها، عاجلته المنية، وقطعة في شرح التنبيه، و قطعة في شرح البخاري، وقطعة يسيره في شرح سنن أبي داود، وقطعة في الإسناد على حديث الأعمال والنيات، وقطعة في الأحكام، وقطعة كبيرة في التهذيب للأسماء واللغات، وقطعة مسودة في طبقات الفقهاء، ومنها قطعة في التحقيق في الفقه إلى باب صلاة المسافر، ومنها كتاب المنهاج في مختصر المحور للرافعي وشرح ألفاظه منه، ومسودات كثيرة ، ويذكر تلميذه (ابن العطار) أنه ترك له مسوداتٍ كثيرة (نحو ألف كراس بخطه) وأمره بأن يغسلها في الوراقة فأطاعه راغمًا!!
أهم كتبه شرح صحيح مسلم" و"المجموع شرح المهذب"، و"رياض الصالحين" و"تهذيب الأسماء واللغات"، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في الفقه" و"الأربعون النووية" و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن" و"الأذكار من كلام سيّد الأبرار" و"شعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل والنهار"، و"الإِيضاح" في المناسك.
آراء العلماء فيه:
قال عنه الإمام الذهبي " الشيخ الإمام القدوة ، الحافظ الزاهد ، العابد الفقيه ، المجتهد الرباني ، شيخ الإسلام ، حسنةالأنام "

وقال الإمام ابن كثير " الشيخ الإمام ، العلامة الحافظ ، الفقيه النبيل ، محرر المذهب ومذهبه ، وضابطه ومرتبه ، ، أحد العباد والعلماء الزهاد ، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف ، والاقتصاد فى العيش والصبر على خشونته ، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد فى ومانه ولا قبله بدهر طويل" وقال فى حقه الإمام العلامة محمد بن علان الصديقي " شيخ الإسلام ، علم الأئمة الأعلام ، أوحد العلماء العاملين ، والأولياء الصالحين ، عين المحققين ، وملاذ الفقهاء والمحدثين ، وشيخ الحفاظ وإمام الحفاظ ، وإمام أرباب الضبط المتقنين "
وفاته:
وفي سنة 676 هـ، رجع إلى نَوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار والدَه زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 من رجب.

ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره.
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من المعرفة، لا زال العالم الإسلامي يتتلمذ عليها ويذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
ورثاه الصاحب الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد بن عمر المنيحى، نفع الله به، أحد فقهاء مدرسة الناصرية بدمشق المحروسة والساكن بها أديب مُغلق.
سًبُل العلوم تقطعت أسبابـهـا ... وتعطلت من حليها طلابَـهـا
لمصيبة عزَّ العزاء لها كـمـاً ... في الناس قدجلت وَجل مُصابها
أيها الحَبْر الـذي مـن بـعـده ... كل الفضائل غلقت أبوابُـهـا

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:22 AM


الإمام البخاري


نسبه ونشأته:
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بزدزبه الجعفي مولاهم أبو عبدالله البخاري الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه وكتابه الصحيح يستقى بقراءته الغمام وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه.

ولد البخاري رحمه الله في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ومات أبوه وهو صغير فنشأ في حجر أمه فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا ، وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال يا هذه قد رد الله على ولدك بصرة بكثرة دعائك أو قال بكائك فأصبح وهو بصير.
شيوخه وتلاميذه:
روى عنه خلائق وأمم وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم من طريقه وحماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل وطاهر بن مخلد وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردى النسفي وقد توفي النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح وكان مسلم يتلمذ له ويعظمه وروى عنه الترمذي في جامعه والنسائي في سننه في قول بعضهم وقد دخل بغداد ثمان مرات وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد فيحثه أحمد على المقام ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان.

ملامح شخصيته:
تمتع الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة، لا تتوافر إلا فى العلماء المخلصين ، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري .

1- الإقبال على العلم . قام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة فأقام بمكة يطلب بها الحديث ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ.
2- الجد فى تحصيل العلم. وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفىء سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة .
3- قوة الحفظ .قال البخاري فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت لي مصنفات نحوا من مائتي ألف حديث مسندة وكان يحفظها كلها ، وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة والأخبار عنه في ذلك كثيرة .
4- أمير المؤمنين فى الحديث . دخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها فركبوا أسانيد وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وخلطوا الرجال في الأسانيد وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها ثم قرؤوها على البخاري فرد كل حديث إلى إسناده وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها وما تعنتوا عليه فيها ولم يقدروا أن يعلفوا عليه سقطة في إسناد ولا متن وكذلك صنع في بغداد .
من كرم البخاري وسماحته:
قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.

قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله .: ما عند الله خير وأبقى
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.
ورعه:
قال محمد بن إسماعيل البخاري ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي ، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء.
وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي قال لي : تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري.
فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
وقال ابن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح ؛ فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
قوة حفظه وذاكرته:
وهب الله الإمام البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.

يقول البخاري ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب وكان سنه عشر سنين.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
طلبه للحديث:
كان الإمام البخاري يقول قبل موته : كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي
وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.
تفوقه على أقرانه في الحديث:
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان

فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا وإسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم
ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له[موقع الوسطية] : يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت
من كلمات البخاري:
"لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة"

"ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي"
"ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه"
مؤلفاته:
تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها:

الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح:
الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة.

التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ الموافق 1943م).
التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ الموافق 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ الموافق 1907م)
خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة 1306هـ الموافق 1888م
رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ الموافق 1840م) مع ترجمة له بالأوردية
الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ الموافق 1941م).
وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير صحيح البخاري:
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث.
ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح"
وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.
وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.
وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.
محنة الإمام البخاري:
كان البخاري رحمه الله شريف النفس فقد بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه في بيته العلم والحلم يؤتى يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي وأبى أن يذهب إليهم والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى فبقى في نفس الأمير من ذلك فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام .

وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري وقد كان الناس يعظمونه جدا وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد فلم يمض شهر حتى أمر ابن الظاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها خرتنك على فرسخين من سمرقند فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ولما جاء في الحديث (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين)، ولقي الإمام ربه بعد هذه المحنة.
ثناء العلماء عليه:
وقال أبو العباس الدعولي كتب أهل بغداد إلى البخاري ... المسلمون بخير ما حييت لهم ... وليس بعدك خير حين تفتقد ... وقال الفلاس كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث .

وقال أبو نعيم أحمد بن حماد هو فقيه هذه الأمة وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وقال قتيبة بن سعيد رحل إلي من شرق الأرض وغربها خلق فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل البخاري .
وقال مرجى بن رجاء فضل البخاري على العلماء كفضل الرجال على النساء يعني في زمانه وأما قبل زمانه مثل قرب الصحابة والتابعين فلا وقال هو آية من آيات الله تمشي على الأرض وقال أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبنا وقال إسحاق بن راهويه هو أبصر مني .
وقال أبو حاتم الرازي محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق وقال عبداله العجلي رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يسمعان ما يقول ولم يكن مسلم يبلغه وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا وكان حييا فاضلا يحسن كل شيء وقال غيره رأيت محمد بن يحيى الذهلي يسأل البخاري عن الأسامي والكنى والعلل وهو يمر فيه كالسهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقال أحمد بن حمدون انتصار رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري فقبل بن عينيه وقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله ثم سأله عن حديث كفارة المجلس فذكر له علته فلما فرغ قال مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك .
وقال الترمذي لم أر بالعراق ولا في خراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري وكنا يوما عند عبدالله بن منير فقال للبخاري جعلك الله زين هذه الأمة قال الترمذي فاستجيب له فيه وقال ابن خزيمة ما رأيت تحت أجيم السماء أعلم بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري ولو استقصينا ثناء العلماء عليه في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وعبادته لطال علينا ونحن على عجل من أجل الحوادث والله سبحانه المستعان.
وقد كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء والرغبة في الآخرة دار البقاء وقال البخاري إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك فقال ليس هذا من هذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (إيذنوا له فلبئس أخو العشيرة) ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا وقد كان رحمه الله يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة وكان يختم القرآن في كل ليلة رمضان ختمة وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار وكان مستجاب الدعوة مسدد.
وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه فقال الإمام أحمد ما أخرجت خراسان مثله وقال علي بن المديني لم ير البخاري مثل نفسه وقال إسحاق بن راهويه لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير ما رأينا مثله وقال علي بن حجر لا أعلم مثله وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها .
وفاته:
فكانت وفاته ليلة عيد الفطر وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة أعنى سنة ست وخمسين ومائتين وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به وحين ما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك ثم دام ذلك أياما ثم جعلت ترى سواري بيض بحذاء قبره.

وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة وقد ترك رحمه الله بعده علما نافعا لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به) الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره لا صحيح مسلم ولا غيره.
وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء ...
صحيح البخاري لو أنصفوه ... لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى ... هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء ... أمام متون لها كالشهب


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:25 AM


الإمام مسلم


اسْمُهُ وَنَسَبُهُ:
هو الإمام الكبير الحافظ المجوّد الحجّة الصادق، أبو الحسين، مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ، القشيري النيسابوري. وقُشَير قبيلة من العرب معروفة، ونيسابور مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها وأجمعها للعلم والخير.

مَوْلِدُهُ:
سنة 206هـ الموافق 821م.

البَلَد التي وُلِدَ فِيهَا:
نيسابور

الطُفُولةُ والنّشْأَةُ:
نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح وعلم فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم وأحد من يعشقون حلقات العلماء فتربى الإمام وترعرع في هذا الجوّ الإيماني الرائع وقد بدأ الإمام مسلم - رحمه الله - رحلته في طلب العلم مبكرًا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ في سماع الحديث، قال الذهبي: وأول سماعه في سنة ثمان عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد...

أَهَمُّ مَلَامِح شَخْصِيته:
كثرة علمه وبراعته فيعلم الحديث خاصة:
يُعدّ الإمام مسلم أحد أعلام علم الحديث، فلا يُذكر هذا العلم إلا ويُذكر البخاري ومسلم، فقد بلغ فيه وبه - رحمه الله ورضي الله - الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة وذلك بعد ارتحل كثيرًا وتنقل بين البلاد طالبًا لهذا العلم الجليل السامي القدر العظيم القيمة ألا وهو العلم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونزداد يقينًا بعلم الشيخ ورسوخه في تخصصه - علم الحديث - إذا طالعنا ما ألّفه من كتب وما تركه من رسائل علميةٍ عظيمة القيمة، جمّة الفائدة.
كما يتأكد لنا هذا الأمر إذا عرفنا هذا العدد الهائل من الشيوخ الذين تربى الإمام مسلم - رحمه الله - على أيديهم.
وكان - رحمه الله - يعرف لشيوخه ومعلميه قدرهم ومكانتهم ويتواضع لهم ويثني عليهم خيرًا، قال محمد بن حمدون بن رستم: سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى البخاري فقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.
شُيُوخُه:
للإمام مسلم - رحمه الله - شيوخ كثيرون، بلغ عددهم مئتان وعشرون رجلًا، وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع بالكوفة والعراق والحرمين ومصر...

ومن أبرز هؤلاء الأئمة: يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وأبي كريب محمد بن العلاء، وأبي موسى محمد بن المثنى، وهناد بن السري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وعبد الله الدارمي، وإسحاق الكوسج، وخلق سواهم...
تَلَامِيذُهُ:
علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي، وهو أكبر منه، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء شيخه، ولكن ما أخرج عنه في " صحيحه "، والحسين ابن محمد القباني، وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي، وعلي ابن الحسين بن الجنيد الرازي، وصالح بن محمد جزرة، وأبو عيسى الترمذي في " جامعه "، وأحمد بن المبارك المستملي، وعبد الله بن يحيى السرخسي القاضي ونصر بن أحمد بن نصر الحافظ وغيرهم كثير...

مُؤّلَفَاتُهُ:
للإمام مسلم - رحمه الله - مؤلفات كثيرة منها ما وُجد ومنها ما فُقد ومن هذه المؤلفات:
- كتابه الصحيح وهو أشهر كتبه
- كتاب التمييز
- كتاب العلل
- كتاب الوحدان
- كتاب الأفراد
- كتاب الأقران
- كتاب سؤالاته أحمد ابن حنبل
- كتاب عمرو بن شعيب
- كتاب الانتفاع بأهب السباع
- كتاب مشايخ مالك
- كتاب مشايخ الثوري
- كتاب مشايخ شعبة
- كتاب من ليس له إلا راوٍ واحد
- كتاب المخضرمين
- كتاب أولاد الصحابة
- كتاب أوهام المحدثين
- كتاب الطبقات
- كتاب أفراد الشاميين....

مَنْهَجُهُ فِي الحَدِيْثِ:
كتب مالك - رحمه الله - كتاب الموطأ أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه ورتبه على أبواب الفقه ثم عني الحفاظ بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيده المختلفة وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث أيضا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها

وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام الحدثين في عصره فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه وكرر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال انه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين منها ثلاثة آلاف متكررة وفرق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب
ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري - رحمه الله - فألف مسنده الصحيح حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه وحذف المتكرر منها وجمع الطرق والأسانيد وبوبه على أبواب الفقه وتراجمه ومع ذلك فلم يستوعب الصحيح كله وقد استدرك الناس عليهما في ذلك...
وقال الإمام مسلم - رحمه الله - في مقدمة كتابه الصحيح:
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن شاء الله تعالى...
حَوْلَ كِتَابِهِ الصّحِيح:
هو كتاب جامع في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، واقتصر مؤلفه على ما صح، وتجنب الضعيف، ولا يعتني بذكر الموقوفات، والمقطوعات، وأقوال العلماء، وآرائهم الفقهية.. وإن كان بعض ذا قد يأتي بِقِلَةٍ لِعِلَةٍ.

وقد ابتدأ كتابه بمقدمة ذكر فيها سبب تأليفه، وطريقته ..، ثم ذكر مسائل في علوم الحديث، ثم أورد بعد المقدمة كتاب الإيمان ثم الطهارة، فالحيض، فالصلاة، فالمساجد، فصلاة المسافرين، فالجمعة، فالعيدين، فالاستسقاء، فالكسوف، فالجنائز، فالزكاة، فالصيام، فالاعتكاف، فالحج، فالنكاح، فالرضاع، فالطلاق، فاللعان، فالعتق، فالبيوع، فالمساقاة، فالفرائض، فالهبات، فالوصية، فالنذر، فالأيمان، فالقسامة والمحاربين والقصاص والديات، فالحدود، فالأقضية، فاللقطة، فالجهاد والسير، فالإمارة، فالصيد والذبائح، فالأضاحي، فالأشربة، فاللباس والزينة، فالآداب، فالسلام، فالألفاظ من الأدب، فالشعر، فالرؤيا، فالفضائل، ففضائل الصحابة، فالبر والصلة، فالقدر، فالعلم، فالذكر والدعاء، فالتوبة، فصفة المنافقين، فالقيامة، وصفة الجنة والنار، فالفتن وأشراط الساعة، فالزهد والرقائق، فالتفسير.
وهذه أربعة وخمسون كتابا ـ في عدِّ محمد فؤاد عبد الباقي في طبعته، وفي تحفة الأشراف اثنان وأربعون كتابا لدخول بعض الكتب المذكورة هنا في بعض ـ وهذه الكتب كما ترى تغطي معظم أبواب الدين، فقد اشتملت على أمور العبادات، والمعاملات، والأخلاق، والسيرة، والفضائل، والزهد والرقائق، والجنة والنار، والتفسير ..
وكل كتاب منها تحته أحاديث كثيرة، مفصلة على أبواب ـ وإن لم يترجم لها، كما فعل بقية أصحاب الكتب الستة ـ وقد رتبت الأبواب، و الأحاديث ترتيبا دقيقا، وقام بجمع الطرق الكثيرة للحديث في مكان واحد، ويحيل على الألفاظ .
قال الحسين بن محمد الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: صنفت هذا -المسند الصحيح - من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث.
وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة عشر عامًا، قال أحمد بن سلمة : كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة، وقد ألفه في بلده كما ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال: إن مسلما صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق...
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيهِ:
قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.

ونقل أبو عبد الله الحاكم أن محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم.
وقال عنه صاحب أبجد العلوم (صديق بن حسن القنوجي): والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ وأعلم المحدثين إمام خراسان في الحديث بعد البخاري.
وقال عنه مسلمة بن قاسم: ثقة جليل القدر من الائمة.
وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وكان ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث وسُئل عنه أبي فقال صدوق.
وقال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلمًا في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.
مِنْ كَلِمَاتِهِ الخَالِدَة:
- قوله للإمام البخاري: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.

وَفَاتُهُ:
عاش الإمام مسلم 55 سنة، وتوفي ودفن في مدينة نيسابور سنة 261هـ الموافق 875م، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.



الإمام أبو داود


نسبه وموطنه:
هو الإمام الثبت، أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، صاحب السنن.

والسجستاني: بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى سجستان، الإقليم المشهور إلى جنوبي خراسان، والمزاحم للهند.
وفي ذلك الإقليم وفي سنة اثنتين ومائتين من الهجرة كانت ولادة أبي داود، وهو والد أبي بكر عبد الله بن أبي داود، من أكابر الحفاظ ببغداد، وكان عالماً متفقاً عليه، إمام ابن إمام، وله كتاب "المصابيح".
تربيته وأخلاقه:
نشأ أبو داود رحمه الله محبا للعلم شغوفا به، وكان همه منذ نعومة أظافره طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه، وقد بدت عليه أمارات النجابة منذ صباه، حتى إنه وهو في أيام حداثته وطلب الحديث جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة، فالتفت إليه وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فسمي ذلك اليوم حكيماً.

ولشغفه الكبير بالعلم وحبه له فقد كان له كم واسع وكم ضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟! فقال: الواسع للكتب والآخر لا نحتاج إليه.
ولكونه من من تلامذة الإمام البخاري فقد كان له تأثير خاص فيه؛ إذ أنه أفاد منه أيما إفادة، وقد سلك في العلم سبيله، وفوق ذلك فكان يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، حتى قال بعض الأئمة: كان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، وكان احمد يشبه في ذلك بوكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وآله في هديه ودله.
وقد قال عنه ابن خلكان: كان في الدرجة العالية من النسك والصلاح.
شيوخه:
كغيره من علماء عصره وكسنة متبعة وبالأخص بين علماء الحديث، فقد طوف أبو داود البلاد، وارتحل إلى أمصار الحضارة الإسلامية في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، ولقي خلال هذه الرحلات عددًا كبيرًا من كبار الحفاظ والمحدثين، فكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين، وسمع أبا عمر الضرير، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن مسلمة القعنبى، وعبد الله بن رجاء، وأبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن يونس، وأبا جعفر النفيلى، وأبا توبة الحلبي، وسليمان بن حرب، وخلقا كثيرا بالحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة والثغر وخراسان.

تلاميذه:
حين وهب أبو داود حياته لعلم الحديث كان له تلاميذ كثيرون، يتعلمون منه ويروون عنه، وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده الإمام الترمذي، والإمام النسائي، وابنه الإمام أبي بكر بن أبى داود، وأبو عوانة، وأبو بشر الدولابى، وعلى بن الحسن بن العبد، وأبو أسامة محمد بن عبد الملك، وأبو سعيد بن الأعرابي، وأبو علي اللؤلؤي، وأبو بكر بن داسه، وأبو سالم محمد بن سعيد الجلودى، وأبو عمرو أحمد بن على، وغيرهم.

وقد كتب عنه شيخه الإمام أحمد بن حنبل حديث العتيرة، وهو الحديث الذي رواه عن عن أبي العشر الدارمي عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها.
قال بن أبي داود قال أبي: فذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب وقال لي: اقعد فدخل فأخرج محبرة وقلماً وورقة وقال: أمله علي فكتبه عني، قال: ثم شهدته يوماً آخر وجاءه أبو جعفر بن أبي سمينة فقال له أحمد بن حنبل: يا أبا جعفر، عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني فأمليته عليه.
وفي أمر العتيرة فقد قال أَبو عبيد: العَتِيرة هي الرَّجَبِيَّة، وهي ذبيحة كانت تُذْبَح في رجب يتَقَرَّب بها أَهلُ الجاهلية ثم جاء الإِسلام فكان على ذلك حتى نُسخَ بعد، قال: والدليل على ذلك حديث مخنف بن سُلَيم قال: سمعت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنّ على كل مسلم في كل عام أَضْحاةً وعَتِيرَةً، قال أَبو عبيد: الحديث الأَول أَصح، قال الخطابي: العَتيرةُ في الحديث شاة تُذْبَح في رجب، وهذا هو الذي يُشْبِه معنى الحديث ويَلِيق بحكم الدِّين، وأَما العَتِيرة التي كانت تَعْتِرُها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تُذْبَح للأَصنام ويُصَبُّ دَمُها على رأْسها.
مؤلفاته:
كان أبو داود رحمه الله من المكثرين في التأليف وبالذات في فنون علم الحديث رواية ودراية، فمن مؤلفاته: دلائل النبوة، وكتاب التفرد في السنن، وكتاب المراسيل، وكتاب المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد، وله أيضا ناسخ القرآن ومنسوخه، وذكر الزركلي في الأعلام أن له كتاب الزهد، وقد رمز له بحرف (خ) دليل على أنه مخطوط، وذكر أنه في خزانة القرويين برقم (80 / 133) وبخط أندلسي، وذكر أيضا أن له البعث، وقال أنه رسالة، ورمز له كذلك بما يشير أنه مخطوط، وأيضا تسمية الأخوة، وقال إنها رسالة، ورمز لها كذلك بما يشير أنها مخطوط.

سنن أبي داود.. مكانته ومنهجه فيه:
بالإضافة إلى التواليف السابقة فإن الذي طير اسم أبي داود وزاده شهرة هو كتابه العظيم المعروف بسنن أبي داود، وهو كتاب يأتي في المرتبة بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم في الشهرة والمكانة، وقد عُدّ أول كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وقد بلغت أحاديث هذا الكتاب ثمانمائة وأربعة آلاف حديث، صنفه وانتقاه من أصل خمسمائة ألف (500,000) حديث؛ ولذا فيُعد الكتاب من مظان الحديث الحسن.
وقد رتب أبو داود كتابه على كتب وأبواب، فشمل خمسة وثلاثين كتابًا، وواحدا وسبعين وثمانمائة وألف (1871) باب.
وفي "السنن" لم يقتصر أبو داود على الصحيح، بل خَرَّج فيه الصحيح، والحسن، والضعيف، وقد وضح منهجه فيه فقال: ذكرت في كتابي الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، قال: وما كان فيه وهن شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض.
وقد اختلفت الآراء في قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح" هل يستفاد منه أن ما سكت عليه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟ وقد اختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن ما لم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن.
وقد تأمل العلماء سنن أبي داود فوجدوا أن الأحاديث التي سكت عنها متنوعة، فمنها الصحيح المخرج في الصحيحين، ومنها صحيح لم يخرجاه، ومنها الحسن، ومنها أحاديث ضعيفة أيضًا لكنها صالحة للاعتبار ليست شديدة الضعف، فتبين بذلك أن مراد أبي داود من قوله "صالح" المعنى الأعم الذي يشمل الصحيح والحسن، ويشمل ما يعتبر به ويتقوى لكونه يسير الضعف. وهذا النوع يعمل به لدى كثير من العلماء، مثل أبي داود وأحمد والنسائي، وإنه عندهم أقوى من رأي الرجال.
وإذا نظرنا في كتابه وجدناه يعقب على بعض الأحاديث ويبين حالها، وكلامه هذا يعتبر النواة الصالحة التي تفرع عنها علم الجرح والتعديل فيما بعد، وأصبح بابا واسعا في أبواب مصطلح الحديث.
وقد جمع أبو داود كتابه هذا قديماً، وحين فرغ منه عرضه على الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه فاستجاده واستحسنه، والفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ (الصحاح) عليها وعلى (سنن الترمذي)، لا سيما (سنن أبي داود).
وفي مكانة هذا الكتاب فقد أبلغ زكريا الساجي حين قال: "كتاب الله أصل الإسلام، وسنن أبى داود عهد الإسلام".
وقد أقبل العلماء على كتاب سنن أبي داود بالشرح والتعليق والدراسة، فمن هذه الشروح ما يلي:
- "معالم السنن": لأبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، أوله: (الحمد لله الذي هدانا لدينه وأكرمنا بسنة نبيه... الخ)، وقد لخصه الحافظ شهاب الدين أبو محمود، أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي، المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة، وسماه: (عجالة العالم من كتاب المعالم).
- "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود": للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة من الهجرة.
- "فتح الودود على سنن أبي داود": لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندى، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.
- "إنحاء السنن واقتفاء السنن في شرح سنن أبي داود": لأحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي الخواص، المتوفي سنة خمس وستين وسبعمائة من الهجرة.
- "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": لمحمد شمس الحق عظيم آبادى.
وقد اختصرها زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ المنذري، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة، وسماه: (المجتبى)، وألف السيوطي عليه كتابا سماه: (زهر الربى على المجتبى)، وله عليها حاشية أيضا.
وهذبه أيضا محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي، المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
ثناء العلماء عليه:
حاز أبو داود على إعجاب معاصريه وثقتهم، وقد عدّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال عنه إبراهيم الحربي لما صنف كتاب "السنن": "أُلِين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد"، وكذلك قال محمد بن إسحاق الصاغانى.

وقريب من ذلك أيضا عبر الحافظ موسى بن هارون فقال: "خلق أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه".
وأبلغ منه ما ذكره الحاكم أبو عبد الله يوم أن قال: "أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة".
وجمع فأوعى أبو بكر الخلال حين قال: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الإمام المقدم في زمانه رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعها أحد في زمانه، رجل ورع مقدم.. وكان إبراهيم الأصبهاني وأبوه بكر صدقة يرفعون من قدره ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه مثله".
وليس أدل على ذلك كله من صنيع سهل بن عبد الله التستري حين جاءه فقيل له: يا أبا داود، هذا سهل بن عبد الله قد جاءك زائراً، قال: فرحب به وأجلسه، فقال سهل: يا أبا داود، لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقول قضيتها مع الإمكان، قال: قد قضيتها مع الإمكان، قال: أخرج لي لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبله، قال: فأخرج له لسانه فقبله.
وحقا قالوا وصدقوا، فقد أخبر عنه أحمد بن محمد بن ياسين الهروي فقال: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع، من فرسان الحديث.
بعض أقواله:
كان لمعايشة أبي داود لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من أقوال وأفعال بالغ الأثر في تكوين شخصيته الحكيمة رحمه الله، وكان من أبرز ما عبر عن ذلك قوله: "كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني "السنن" - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث.

ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، والثاني: قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه"، والرابع: قوله: "الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات" الحديث بكماله".
وقد روى عنه ابنه ابن أبى داود فقال: سمعت أبى يقول: "خير الكلام مادخل الأذن بغير إذن".
ورحمه الله يوم أن تسربل بسربال الحكماء فقال: "الشهوة الخفية حب الرياسة".
وفاة أبي داود:
بعد فتنة الزنج في البصرة التمس منه أخو الخليفة أن يقيم بها لتعمر من العلم بسببه، وقد أجاب طلبه وظل بها حتى وافته المنية، ورحل عن دار الدنيا يوم الجمعة، سادس عشر من شوال، سنة خمس وسبعين ومائتين، وصلى عليه عباس بن عبد الواحد الهاشمي، رحمه الله تعالى.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:26 AM

الإمام البيهقي

الميلاد:
هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الخرساني وبيهق مدينة كبيرة من نواحي نيسابور، كثيرة البلدان والعمارة، وقد أخرجت ما لا يحصي من العلماء الفضلاء والفقهاء والأدباء.

ولد الإمام البيهقي بخسروجرد ـوهي قرية من قرى بيهق بنيسابور في شهر شعبان عام 384هـ، فقد كانت نيسابور تزخر بحركة علمية واسعة وهي مدينة عظيمة، ذات فضائل كبيرة، وقد كانت معدن العلماء، ومنبع الفضلاء، وقد فتحت أيام الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)
طفولته:
نشأ الإمام البيهقي نشأة علمية في نيسابور والتي كانت تموج بحركة علمية، ونشاط فكري في القرن الرابع والخامس الهجري،

ويظهر لنا أن البيهقي قد لقي عناية طيبة منذ صغره، والذي يؤكد لنا ذلك ما قاله البيهقي نفسه "إني كتبت الحديث يقول البيهقي" إني كتبت الحديث من سنة تسعة وتسعين وثلاثمائة، فقد كانت عمره في ذلك الوقت خمسة عشر عامًا.
وبذلك يكون البيهقى قد نشأ نشأة طيبة فبدأ البيهقي التطواف على الشيوخ فى مرحلة عمره الأولي وهي المرحلة العلمية التي أشار إليها البيهقي نفسه، وهو يتحدث عن نشأته هذه فقال نشأت، وابتدأت في طلب العلم، أكتب أخبار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع آثار الصحابة الذين كانوا أعلام الدين، وأسمعها ممن حملها، وأتعرف أحوال رواتها من حفاظها، وأجتهد في تمييز صحيحها من سقيمها، ومرفوعها من موقوفها
فنشأة البيهقي كانت نشأة زكية مدعومة بنهضة مبكرة في الأخذ بأولويات العلوم، ومعرفة مراتبها.
وقد ساهمت هذه النشأة العلمية المبكرة في تكوين البيهقي وإنضاجه، وتزامن معها تلمذته على كبار رجال عصره من المحدثين والفقهاء، لذين كانت تمتلأ بهم نيسابور.
رحلاته في طلب العلوم:
اتخذ الإمام البيهقي مدينة بيهق منطلقًا لرحلاته العلمية الواسعة في المدن المتاخمة لها أولاً

وهذه الرحلات هي التي ساهمت في تكوينه العلمي، وأثرت حصيلته من المادة العلمية والفقهية، وعلى رأسها المرويات الحديثية، والتي هي أصل من أصول التشريع، وعليها تبنى الأحكام
وحفلت حياة البيهقي بالتطواف والترحل في البلاد لطلب العلم، والهمة في بثه وتعليمه، والاعتكاف على تدوينه
المدن والبلاد التي رحل إليها البيهقي رحمه الله لطلب العلم:
1- نيسابور
2- استراباذ
3- أسد آباد
4- أسفرايين
5-خراسان
6- الدامغان
7- الطابران
8- طوس
9- قرمين
10-مهرجان
11- نوقان
12- همدان
13- بغداد
14- الكوفة
15- شط العرب
16- الري
17- مكة المكرمة
18 - المدينة المنورة
19- عودته إلي بلده بيهق .

وقد كان المكان الأول الذي تلقى فيه البيهقي علومه هو نيسابور، وهي من المدن العظيمة، ذات الفضائل الكبيرة، فقد كانت معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، ورحل إليها البيهقي في وقت مبكر من نشأه العلمية، ولعل ذلك كان في مطلع القرن الخامس الهجري، والذي يؤكد هذا سماع البيهقي من الإمام الحاكم
والذي كان يناهز الثمانين، وقد كان لقاؤه به في نيسابور فأخذ منه ما يزيد على عشرة آلاف رواية، وقد أودع البيهقي جزءًا من مسموعاته هذه من الإمام الحاكم في كتابه السنن الكبرى، والرواية عنه)
أما المحطة الثالثة عشر فقد عزم الإمام البيهقي على زيارة بغداد، وقد كانت من المراكز الحديثية الكبرى .
وقد سمع البيهقي في بغداد من عدد وافر من المحدثين، الذين كانوا يتصدرون النشاط العلمي في هذا البلد وقتذاك مثل الإمام أبي بكر أحمد بن محمد الخوارمي، وكانت بغداد من أكبر البلاد والتي حصل فيها علم الحديث، ويظهر ذلك بأن أكبر نسبة من شيوخه كانت في بغداد إذا ما قورنت ببقية المراكز الأخرى، تليها نيسابور فقد نص البيهقي على سماعه فيها من عشرة شيوخ أعلام.
آراء العلماء فيه:
لقد تبوأ الإمام البيهقي قبل وفاته بعشرين عامًا مكانة علمية مرموقة، فكان يعتبر إمام المحدثين، ورأس الحفاظ في ذلك الوقت

ووصفه الإمام الجويني ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي ليه منة، إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
" وقد وصفه الإما م عبد الغافر الفارسي فى تاريخه " واحد زمانه في الحفظ، وفردأقرانه أقرانه في الإتقان والضبط
وقال الإمام الذهبي "ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبًا يجتهد فيه لكان قادرًا على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف"
وقال الإمام السبكي " أما السنن الكبير فما صنف في علم لحديث مثله تهذيبًا وترتيبًا وجودة".
فقد كان الإمام البيهقي رحمه الله عالمًا عاملاً، ذا سعة وإحاطة بالعلوم الشرعيةفإنه أنفق شطر عمره في جمعها وتحصيلها، وأنفق الشطر الآخر منه في تنظيمها وتصنيفها، فأخرج للناس هذه المصنفات الجليلة، والتي بلغت الخمسين مصنفًا في فنون لم يسبق إليها
شيوخ البيهقي:
لقد ساهم تكبير تكبير الإمام البيهقي في طلب العلم، وقيامه بالتطواف على العلماء، وهو في الخامسة عشر من عمره، وتلقى العلم على أيدي كبار أئمة الحديث والفقه والعقيدة وغيرها من العلوم، وقد تحدث السبكي عن شيوخ البيهقي فقال: أكثر من مائة شيخ

ومن شيوخ البيهقي:
1- أبو عبد الله الحكم لنيسابوري 405هـ
لقيه البيهقي في مطلع حياته، وعظمت استفادة البيهقي من الحاكم، وكبر انتفاعه به، فقد بلغت مروياته عنه في السنن الكبري 8491 رواية.

وقال الإمام الذهبي في وصف الكم الوافر من العلوم التي سمعها البيهقي وسمع من الحاكم أبي عبد الله الحافظ فأكثر جدًا.
2- أبو الفتح المروزي الشافعي
كان إمام الشافعية في زمانه، برع في المذهب، وكان مدار الفتوى والمناظرة، وقد أخذ البيهقي عن المروزي علم الفقه، فهو أستاذه في الفقه، وسمع البيهقي جملة من الرمويات أوردها في لسنن الكبرى، وبلغت 65 رواية .

3- عبد القاهر البغدادي .
وكان من العلماء البارعين، وأحد أعلام الشافعية في عصره، وهو صاحب كتاب (الفرق بين الفرق) قال عنه أبو عثمان الصابوني، كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل، إمامًا مقدمًا مفخمًا

4- أبو سعيد بن الفضل الصيرفي.
وكان من الشيوخ الثقات المأمونين، وقد لازمه البيهقي وأكثر التلقي عنه، وقد بلغت رواياته عنه في السنن الكبرى 1104

وهناك الكثير من الشيوخ الذين منهم البيهقي وأخذ منهم، واستفاد من صحبتهم
تلاميذه:
لا شك أن تكوين الرجال لا يقل أهمية عن تأليف التصانيف، وتسويد الصحف، وتلاميذ البيهقي امتداد لعلمه ومنهجه، وأثر بارز من آثاره العلمية، والإمام البيهقي بما تبوأ من المكانة الجليلة في الحديث، والفقه والأصول، والعقائد صار قبلة للطلاب، وهدفًا لرحلاتهم، واهتماماتهم، ليظفروا بالسماع منه، والتلقي عنه، فإن البيهقي (رحمه الله) كان محدث زمانه، وشيخ السنة في وقته، وأوحد زمانه في الحفظ والإتقان

وقد عمر البيهقي طويلاً مما مكن عددًا كبيرًا من طلاب العلم وأهله للسماء منه
ومن تلاميذه:
1- الإمام أبو عبد الله الفراوي النيسابوري الشافعي.ت 530هـ

سمع من الإمام البيهقي ولازمه وروى عنه طائفة من كتبه مثل (دلائل النبوة) و (الدعوات الكبير) و (البعث)
2- الإمام أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري.
سمع من البيهقي، فتلقى عنه السنن الكبرى، وكان أبو المعالي شيخًا ثقة جليلاً ملي الظاهر والهيئة، وروى عنه ابن عساكر وأبو سعد السمعاني.
صفات البيهقي:
كان الإمام البيهقي على سيرة العلماء الربانين، يتصف بالزهد التقلل من الدنيا والقنوع باليسير، كثير العبادة والورع، قانتًا لله

كما كان يتصف بما وصف به أهل نيسابور عمومًا من أنهم كانوا أهل رئاسة وسياسة وحسن ملكة، ووضع الأشياء في مواضعها
وهي صفات جليلة، تتصل بنضج العقل وصفاء القريحة وقوة الفكر والتدبير.
مؤلفات البيهقي:
كان من ثمار اجتهاد الإمام البيهقي، وقوة همته في طلب العلم منذ صغره، وطواف هاة المشايخ بنفسه وهو في سن البلوغ، وما تهيأ له من لقاء الجهابذة من المحدثين والعلماء أن تمكن من جمع هذا العلم الوافر الغزير، والذي أبانت عنه مصنفاته أحسن إبانة، بما اتصف به من الوفرة والجودة.:"

قال عنه ابن كثير "وجمع أشياء كثيرة نافعة لم يسبق إليها، ولا يدرك فيها، منها كتاب السنن الكبير
1- السنن الكبرى
من أعظم مؤلفات البيهقي كتابه السنن الكبرى والذي احتل مكانة مرموقة بين المصنفات في الحديث الشريف، فقد أقبل العديد من العلمء الكبار على سماع هذا الكتاب وإسماعه لأهل العلم، والقيام بتقريبه لجمهير الأمة الإسلامية، وقد أثنى العلماء عليه، وقد جعله ابن صلاح 643هـ سادس الكتب الستة في القيمة والأهمية بعد البخاري ومسلم وسنن ابن داود، وسنن النسائي وكتاب الترمذي

وقال الإمام السبكي ت 771هـ مشيدًا بسنن البيهقي " أما السنن الكبير فما صنف في علم الحديث مثله تهذيبًا وترتيبًا وجودة
منهجه في السنن الكبير:
إنه كتاب مسند.
1- فهو لا يخرج في كتاب حديثًا أو أثرًا أو حكاية أو شعرًا إلا بالإسناد

2- يعتني بالمتون
أما بالنسبة للمتوزن فقد قام منهجه فيها على كشف اختلافات ألفاظها وبيان غريبها، والتنبيه على عللها واضطرابها وما يستنبط منها من أحكام

3- منظم وفق الأبواب الفقهية
قام البيهقي رحمه الله بتقسيم كتابه السنن الكبرى إلى كتب كلية مثل كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، ثم قسم الكتب إلى وحدات أصغر منه وهي البواب، والأبواب وحدة جامعة للعديد من الأبواب الفرعية فيقول مثلاً (جماع أبواب الحديث) و(جماع أبواب ما يوجب الغسل) إلخ

4- مستوعب لأحاديث الأحكام
جعل البيهقي كتابه مستوعبًا لأحاديث الأحكام من أخبار وآثار بجميع درجاتها مع التمييز بينها، فإنه يذكر الصحيح ليعمل به، ويذكر لضعيف ليحذر منه

5- تكراره للحديث
وقد يكرر البيهقي الحديث لفائدة فقهية تعرض له في الباب، أو لعلوّ في الإسناد، فإن منهجه قائم أساسًا على الاستدلال، فلا يخرج النص في الباب إلا لمقصد إستدلالي يهدف من ورائه إلى هدف ما

6- اختصاره لأسماء شيوخه
استعمل البيهقي طريقة الكني في ذكر شيوخه عند الرواية عنهم في غالب الأعم من منهجه في الكتاب، وقد يذكرهم بأسمائهم في بعض الأحول، وكان مقصده في ذلك الأسلوب الإجلال لهم، وطلب الاختصار لكثرة تكرارهم في الأسانيد

7- استعماله للآيات القرآنية
درج الإمام البيهقي على إيراد المناسب من الآيات القرآنية في الكثير من الأبواب مستنبطًا منها استنابطات جيلة

أما باقي مؤلفات الإمام البيهقي فهي كثيرة، وعظيمة المنافع منها.
1- أحكام القرآن .وقد جمع البيهقي فيه أقوال الشافعي في بيان آيات الأحكام
2ـ أحاديث الشافعي.
3ـ الألف مسألة
4- بيان خطأ من أخطأ على الشافعي، وقد أفرده البيهقي في الرد لى من زعم أن للشافعي أخطاء حديثية، فهو يتعلق بفن مهم من فنون الحديث، وهو علم العلل.
5- تخريج أحاديث الأم (كتاب الأم للشافعي)
6- معالم السنن
7- معرفة السنن والآثار
8- العقائد
9- إثبات عذاب القبر
10- القراءة خلف الإمام
11- فضائل الصحابة

ونمير ذلك من المؤلفات العديدة، والكثيرة
وهكذا نرى غزارة إنتاج البيهقي، ومكانته المرموقة في العلم، وصدق قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
فقم بعلم لا تطلب به بدلا فالناس موتي وأهل العلم أعداء

آراء العلماء فيه:
قال الإمام الذهبي " أصاب أبو المعالي .هكذا هو، لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومة، ومعرفته بالاختلاف."

وقال المام السبكي " أما السنن الكبير فما صنف فى علم الحديث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة "
وقال الإمام ابم الصلاح " ولا يخدعن ـ أي طالب العلم ـ عن كتاب السنن الكبير للبيهقى فإنما لا نعلم مثله فى بابه "
وفاة البيهقي:
وبعد حياة حفلة بالتطواف والطلب في جمع العلم وتحصيله، والهمة في بثه وتعليمه، والاعتكاف على تدوينه وتصنفه، وأصاب البيهقي المرض في رحلته الأخيرة إلى نيسابور، وحضرته المنية، فتوفى في العاشر من جمادي الأولى سنة 458 هـ وله من العمر أربع وسبعون سنة، فغسلوه وكفنوه، وعملوا له تابوتًا ثم نقلوه إلة مدينه بيهق وهي على يومين من نيسابور رحم الله البيهقي رحمة واسعة، ورافق نبيه في أعالي الجنان.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:28 AM



الإمام ابن ماجة


نسبه وموطنه:
هو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القزويني. قال ابن خلكان: "ماجه": بفتح الميم والجيم وبينهما ألف وفي الآخر هاء ساكنة، "والقزويني": بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، هذه النسبة إلى قزوين، وهي من أشهرمدن عراق العجم. ا.هـ.

"وقزوين هذه كانت قد فتحت في خلافة عثمان بن عفان، وكان الصحابي الجليل البراء بن عازب أول والٍ عليها، وذلك سنة أربع وعشرين من الهجرة، ومنذ ذلك الحين دخلها الإسلام واستوطنها الفاتحون العرب، وتسرب إليها اللسان العربي، وما كاد يطل القرن الثالث الهجري حتى اكتسبت قزوين شهرة كبيرة في علم الحديث، وبرز فيه عدد كبير من المحدثين.
مثل: الحافظ علي بن محمد أبي الحسن الطنافسي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من الهجرة، والحافظ عمرو بن رافع البجلي المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائتين من الهجرة، وإسماعيل بن توبة المتوفى سنة سبع وأربعين ومائتين من الهجرة، ثم كان أشهرهم ابن ماجه صاحب السنن وشخصية هذا البحث.
وقد بلغ من مكانة قزوين واتساع الحركة العلمية فيها أن خصها بعض أبنائها بالتأريخ لها وترجمة أعيانها وعلمائها، ومن أشهر هذه الكتب: التدوين في أخبار قزوين للحافظ الرافعي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وستمائة من الهجرة". (بتصرف من موقع إسلام أون لاين).
وفي سنة تسع ومائتين من الهجرة، الموافق أربع وعشرين وثمانمائة من الميلاد استقبلت قزوين مولد أبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي، (المعروف بابن ماجه) ليخلد لها ذكرا بين بقية أمصار العلم والحضارة الإسلامية الأخرى.
تربيته وحياته:
وعن حياته الأولى فقد نشأ ابن ماجه في جو علمي، وشب محبا للعلم الشرعي بصفة عامة وعلم الحديث بصفة خاصة؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصّل قدرًا كبيرًا من الحديث.

ولأنه ما ازداد امرؤ علما إلا ازداد علما بجهله فإن ابن ماجه لم يكتف بما حصله في بلده، وإنما تطلع إلى رحلة فسيحة في الآفاق في طلب الحديث النبوي الشريف، "وكانت هذه العادة من تقاليد العصر التي التزمها كبار المحدثين لملاقاة الشيوخ، استنادًا إلى نصوص الحديث التي تحث على طلب العلم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة"، وقد صدّر الإمام البخاري كتاب العلم في صحيحه بباب الخروج في طلب العلم، وجاء في مقدمة الباب: "ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد".
وبلغ من أهمية الرحلة في طلب الحديث أن وضع فيها مؤلفات تضم الأصول والإرشادات التي على طالب العلم المرتحل أن يتتبعها ويلتزم بها".
وبهذا التقليد العلمي لكثير من أئمة الحديث في ذلك العصر هاجر ابن ماجه سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة، وكان آنذاك في الثانية والعشرين من عمره - هاجر في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفا ومتطلعا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف، حيث أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر وفي كل بلد ارتحل إليها.
شيوخه:
نظرا لكثرة أسفاره ورحلاته فكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامى المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود ابن رشيد، وخلق كثير مذكورين في سننه وتآليفه.

ثم بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان.
تلاميذه:
لم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجة على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس, وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبدالله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جد الحافظ أبي يعلى الخليلي، وأبو الطيب أحمد بن روح المشعراني، وإسحاق بن محمد القزويني، وجعفر بن إدريس، والحسين بن علي بن برانياد، وسليمان بن يزيد القزويني، ومحمد بن عيسى الصفار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني الحافظ، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المدني الأصبهاني، وغيرهم من مشاهير الرواة.

مؤلفاته:
لم تكن شهرة ابن ماجه رحمه الله بسبب دروسه ومحاضراته فقط، وإنما كان ذلك أيضا - وهو الأهم - بسبب مؤلفاته ومصنفاته التي طارت شهرتها في الآفاق، غير أن من المؤسف أن يكون معظمها قد ضاع مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" بأنه "تفسير حافل"، وأشار إليه السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن".

وله أيضًا كتاب في التاريخ أرخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وظل موجودًا بعد وفاته مدة طويلة؛ إذ شاهده الحافظ ابن طاهر المقدسي المتوفى سنة سبع وخمسمائة من الهجرة، وكان قد رأى عليه تعليقًا بخط جعفر بن إدريس تلميذ ابن ماجه، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل"، ووصفه ابن خلكان بأنه "تاريخ مليح"، ونأسف ثانية أن نعلم أنه لم يبق من هذه الآثار القيمة إلا كتابه "سنن ابن ماجة" في الحديث، وهو أحد الصحاح الستة.
سنن ابن ماجه.. مكانته ومنهجه فيه:
طبقت شهرة كتاب "سنن ابن ماجه" الآفاق، وبه عرف ابن ماجه واشتهر، واحتل مكانته المعروفة بين كبار الحفاظ والمحدثين، وهو من أَجَلِّ كتبه وأعظمها وأبقاها على الزمان، وقد عد الكتاب رابع كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومتمم للكتب الستة التي تشمل إلى ما سبق صحيح البخاري ومسلم، وهي المراجع الأصول للسنة النبوية الشريفة وينابيعها.

"والمتقدمون من العلماء كانوا يعدون هذه الكتب الأصول خمسة ليس من بينها سنن ابن ماجه، غير أن المتأخرين أدخلوها ضمن الكتب الستة المعتمدة، وأول من جعلها كذلك هو الإمام الحافظ ابن طاهر المقدسي، الذي وضع كتابًا في شروط الأئمة الستة، وآخر في أطراف الكتب الستة، أي في جميع الأحاديث التي تشتمل عليها، وبعد ذلك اتفق معه في الرأي جميع الأئمة.
وكان العلماء قد بحثوا أي المصنفين يكون السادس بين كتب الصحاح: موطأ الإمام مالك أم سنن ابن ماجه، ويجيب على هذا العلامة المحدث عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف من الهجرة فيقول في مقدمة كتابه "ذخائر المواريث في الدلالة على موضع الحديث": "وقد اختُلف في السادس، فعند المشارقة هو كتاب السنن لأبي عبد الله محمد بن ماجه القزويني، وعند المغاربة الموطأ للإمام مالك بن أنس، ولكن عامة المتأخرين اتفقوا على أن سنن ابن ماجه هو أولى من الموطأ، وهو السادس في الصحاح".
وقال السخاوي: "وقدموه على الموطأ لكثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ".
وكان منهج ابن ماجه في كتابه هذا هو أنه رتبه على كتب وأبواب، حيث يشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابًا، وخمسمائة وألف باب، تضم أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدا وأربعين حديثًا، ومن هذه الأحاديث اثنان وثلاثة آلاف حديث اشترك معه في تخريجها أصحاب الكتب الخمسة، وانفرد هو بتخريج تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف حديثًا، وهي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة، من بينها ثمان وعشرين وأربعمائة حديثًا صحيح الإسناد وتسعة عشر ومائة حديثًا حسن الإسناد، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله: "إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة".
وقد أحسن ابن ماجه وأجاد حينما بدأه بباب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق فيه الأحاديث الدالة على حجية السنة، ووجوب اتباعها والعمل بها.
السنن في ميزان النقد:
كغيره من كل الكتب لاقى "سنن ابن ماجه" جملة من التعليقات، أحيانا بالرضا والقبول وأحيانا أخرى بالنقد والتجريح، وهو ليس مصونا عن الخطأ فلم يولد بعد من يؤلف كتابا لا ينتقده هو نفسه ولو بعد حين من الدهر، فكان في "سنن ابن ماجه" الصحيح، والحسن، والضعيف، بل والمنكر والموضوع ولكن على قلة، ومهما يكن من شيء فالأحاديث الموضوعة قليلة بالنسبة إلى جملة أحاديث الكتاب، التي تزيد عن أربعة آلاف حديث، فهي لم تَغُضَّ من قيمة الكتاب.

وقد قال الذهبي: "سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره أحاديث واهية ليست بالكثيرة".
وقال أيضا: "فعن ابن ماجه قال: عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدى الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف".
وقال (الذهبي) معلقا: "وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات، وقول أبي زرعة - إن صح - فإنما عنى بثلاثين حديثا، الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الاحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف.
ولا يفوتنا هنا أن نورد تعليق الحافظ ابن حجر حين يقول: "كتابه في السنن جامع جيد كثير الأبواب والغرائب، وفيه أحاديث ضعيفة جدا حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه هو ضعيف غالبا، وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث منكرة والله تعالى المستعان".
هذا ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، وكان من ذلك:
- "شرح سنن ابن ماجه": للحافظ علاء الدين مغلطاي، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة من الهجرة.
- "ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجه": لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة أربع وثمانمائة من الهجرة، واقتصر فيه على شرح الأحاديث التي انفرد بروايتها ابن ماجه، ولم تدرج في كتب الصحاح الخمسة.
- "الديباجة في شرح سنن ابن ماجه": للشيخ كمال الدين محمد بن مرسي الدبيري، المتوفى سنة ثمان وثمانمائة من الهجرة.
- "مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه": للجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة من الهجرة.
- "شرح سنن ابن ماجه": للمحدث محمد بن عبد الهادي السندي، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.
وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتاب وخرجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.
آراء العلماء فيه:
نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقد قال عنه ابن خلكان: "كان إماما في الحديث عارفا بعلومه وجميع ما يتعلق به"، كما وصفه الخليلي بأنه "ثقة كبير متفق عليه محتج به، له معرفة بالحديث وحفظ"، ثم هو الذهبي يقول عنه "كان ابن ماجة حافظا ناقدا صادقا، واسع العلم".

وقد رثاه محمد بن الأسود القزويني بأبيات أولها:
لقد أوهى دعائم عرش علم ... وضعضع ركنه فقد ابن ماجه.

كما رثاه يحيى بن زكرياء الطرائفي بقوله:
أيا قبر ابن ماجة غثت قطرا ... مساء بالغداة والعشي

وفاته:
بعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف دراية ورواية، دارسا ومدرسا ومؤلفا، رحل ابن ماجه رحمه الله عن دنيا الناس، وذلك يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين من الهجرة؛ وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وعبد الله وابنه عبد الله.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:31 AM


الإمام الترمذي


مولده ونشأته:
محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك وقيل محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن ويقال محمد بن عيسى بن سورة بن شداد بن عيسى السلمي الترمذي الضرير يقال إنه ولد أكمه وهو أحد أئمة هذا الشأن في زمانه وله المصنفات المشهورة منها الجامع والشمائل وأسماء الصحابة وغير ذلك وكتاب الجامع أحد الكتب الستة التي يرجع إليها العلم.

وقد ولد فى مطلع القرن الثالث الهجري فى ذي الحجة سنة تسع ومائتين من الهجرة فى قرية من قريمدينة ترمذ تسمي بوغ بينها وبين ترمذ ستة فراسخ .
كان جده سورة مروزيا (نسبة إلي مرو) ثم انتقل هذا الجد أيام الليث بن سيار إلي بوغ، أما السلمي نسبة إلي بني سليم قبللة من غيلان .
وقد عاش الترمذي للحديث ورحل اليه حيثما وجد فأخذ العلم وسمع من الخرسانيين والعراقيين والحجازيين، وهو تلميذ إمام الإمام البخاري وخريجه، وتأثر به أشد التأثر. فقه الحديث وناظره وناقشه.
شيوخه:
عاش أبو عيسي لتحصيل الحديث، وشد الرحال إليه أينما كان، واشترك الترمذي مع أقرانه الخمسة اصحاب الكتب المعتمدة، وهم الإمام البخاري ومسلم وأبو داود، والنسائي، وبن ماجة في تلقي العلم على يد تسعة شيوخ وهم: محمد بن بشار بن بندار، ومحمد بن المثني، وزياد بن يحيي الحساني، وعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبو سعيد الأشح عبد الله بن سعيد الكندي، وعمرو بن على القلانسي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن معمر القيسي، ونصر بن علي الجهضمي .

ومن شيوخه كذلك الذين أخذ عنهم العلم :الهيثم بن كليب الشاشي صاحب المسند ومحمد بن محبوب المحبوبي راوي الجامع عنه ومحمد بن المنذر بن شكر....
ملامح شخصيته وأخلاقه:
1- كان الإمام الترمذي يحب العلم والرتحال إليه ومجالسة العلماء، فجاب البلاد يجلس إلي العلماء، ينهل من علومهم المتنوعة .

2- قوة الحفظ .يقول الترمذي ط كنت فى طريقي إلي مكة، وكنت قد كتبت جزءينمن أحاديث شيخ، فمر بنا ذلك الشيخ فسألته عنه فقالوا فلان، فذهبت إليه، وأنا أظن أن الجزءين معي، وحمات معي فى محملي جزءين كنت أظن أنهما الجزءان الللذان له.
فلما ظفرت به وسألته أجابني إلى ذلك، أخذت الجزءين فإذا هما بياض فتحيرت، فجعل الشيخ يقرأعلي من حفظه ثم ينظر إلي، فرأي البياض في يدي، فقال أما تستحي مني؟! قلت: لا، وقصصت عليه القصة وقلت له: أحفظه كله. فقال: إقرأ، فقرأت جميع ما قرأعلي على الولاء فلم يصدقني، وقال : استظهرت قبل أن أن تجيء فقلت: حدثني بغيره، فقرأعلي اربعين حديثا من غرائب حديثه، ثم قال : هات إقرأ. فقرأت عليه منة أوله إلي لآخره كما قرأفما أخطأت فى حرف، فقال لي، : ما رأيت مثلك.
مؤلفاته:
1- الجامع للسنن
2- العلل الصغري : وهو من ضمن كتاب الجامع كمدخل له وجزء منه وبيان لمنهجه .

وقد نهل العلماء والفقهاء من جامعه هذا وذاعت شهرته به، وله كتاب آخر هو كتاب الشمائل المحمدية، وهو والجامع الكتابان اللذان أثرا عن الترمذي، فقد فقدت كتبه الأخري ولم تصل إلينا، وإنما ورد ذكرها فى المراجع وهى :
1- كتب الطبقات والتاريخ.
2- كتاب العلل الكبري.
3- كتاب التاريخ.
4- كتاب الأسماء والكني.

تميز جامع الترمذي بأنه وضع فيه مصنفه قواعد التحديث، وكانت على غاية الدقة، وقد جعلها تحت عنوان "كتاب العلل " أو أبواب العللل بحيث أدرجت ضمن أبواب الجامع، وقد ذكر الترمذي فى أول كتاب الجامع أن الذي حمله علي تسطير هذا المنهج فى الجامع من العناية بأقوال الفقهاء وقواعد التحديث وعلله، أنه رأي الحاجة إلى ذلك شديدة، ولأجل هذا الهدف أراد أن يسلك مسلك المتقدمين، وذلك بأن يزيد ما لم يسبقه إليه غيره ابتغاء ثواب الله عزوجل.
ومن مزايا الجامع "سنن الترمذي" فى المنهج الذي سلكه الترمذي فى جامعه خصائص فريدة امتاز بها، وذلك أنه يحكم على درجة الحديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف حسب حالة الحديث .
فيقول بعد إيراد: حسن صحيح، أو حسن صحيح غريب، وقديقول: هذا حديث حسن غريب من حديث فلان، وهذا يعني أن الغرابة فى الإسناد وإن كان للحديث روايات أخري ليست غريبة، فإذا لم ترد طرق أخري يقول: غريب لا نعرفه من غير هذا الوجه، وإذا كان فى الحديث علة بينها، فنراه يقول : هذا الحديث مرسل لأن فلانا تابعي فهو لم يرو عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أو أن فلانا لم يرو عن فلان حيث لم يثبت له لقيا معه .
كتابه الجامع:
قال الترمذي أنه صنف هذا المسند الصحيح وعرضه على علماء الحجاز فرضوا به وعرضته على علماء العراق فرضوا به وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي ينطق وفي رواية يتكلم قالوا وجملة الجامع مائة وإحدى وخمسون كتابا.

آراء العلماء فيه:
قال أبو يعلى الخليل بن عبدالله الخليلي القزويني في كتابه علوم الحديث محمد بن عيسى بن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه له كتاب في السنن وكتاب في الجرح والتعديل روى عنه أبو محبوب والأجلاء وهو مشهور بالإمانة والأمامة والعلم مات بعد الثمانين ومائتين كذا قال في تاريخ وفاته وقد قال الحافظ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار في تاريخ بخارى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الحافظ دخل بخارى وحدث بها وهو صاحب الجامع والتاريخ توفي بترمذ ليلة الإثنين لثلاث عشرة خلت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين.

قال ابن الأثير في تاريخه:
"كان الترمذي إماما حافظا له تصانيف حسنة منها الجامع الكبير و هو أحسن الكتب "

قال الإمام الذهبي "الحافظ العالم صاحب الجامع ثقة مجمع عليه و لا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض من كتاب، الايصال أنه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع و لا العلل له"
وذكره ابن حبان في الثقات وقال فيه: (وقال ابن الأثير فى الكامل " كان محمد ممن جمع و صنف و حفظ و الإمام الترمذي صاحب لجامع من الأئمة الستة الذين حرسوا سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصبحت كتبهم في عالم السنة هي الأصول المعتمدة في و من الذين نضر الله وجوههم لأنه سمع حديث رسول الله فأداه كما سمعه" " قال ابن الأثير في تاريخه
وقال عنه ابن العماد الحنبلي " كان مبرزا على الأقران آية في الحفظ و الإتقان"
قال عنه الإمام السمعاني "إمام عصره بلا مدافعة"
وفاته:
توفي الإمام الترمذي رحمه الله في بلدته بوغ في رجب سنة 279هـ، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل، وقد أصبح الترمذي ضريرا في آخر عمره، بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر. رحم الله الإمام الترمذي


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:32 AM


الإمام الدارمي (صاحب السنن)


اسْمُهُ وَنَسَبُهُ:
هو الإمام الحافظ شيخ الاسلام بسمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندى.

مَوْلِدُهُ:
سمة 181هـ الموافق 797م.

البَلَد التي وُلِدَ فِيهَا:
سمرقند

أَهَمُّ مَلَامِح شَخْصِيتِهِ وَأَخْلَاقِهِ:
قال الخطيب: كان أحد الحفاظ والرحالين، موصوفا بالثقة والورع والزهد، استقضى على سمرقند فقضى قضية واحدة ثم استعفى فاعفى - إلى ان قال - وكان على غاية العقل وفي نهاية الفضل، يضرب به المثل في الديانة والحلم والاجتهاد والعبادة والتقلل.

شُيُوخُه:
سمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وسعيد بن عامر الضبعى وجعفر بن عون وزيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي ووهب بن جرير وطبقتهم بالحرمين وخراسان والشام والعراق ومصر.

تَلَامِيذُهُ:
حدّث عنه مسلم وأبو داود والترمذي وجعفر الفريابى وعمر بن بجير والنسائي خارج سننه وحفص بن أحمد بن فارس الاصبهاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وعيسى بن عمر السمرقندى وآخرون.

مُؤّلَفَاتُهُ:
صنّف المسند والتفسير وكتاب الجامع.

وهذا أول حديث في سننه:
روى في سننه بسنده عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُؤَاخَذُ الرَّجُلُ بِمَا عَمِلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ :« مَنْ أَحْسَنَ فِى الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ عَمِلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِى الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ ».

مِنْ كَلِمَاتِهِ الخَالِدَة:
- محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبًا. وهذا مما يدل على نبل أخلاقه وتواضعه ومعرفته بقدر العلماء...

ثَنَاءُ العُلمَاءِ عَليهِ:
قال أبو حاتم: ثقة صدوق، له مناقب كثيرة.

وقال عنه الصفدي: كان من أوعية العلم يجتهد ولا يقلد. روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي. وكان أحد الرحالين والحفاظ موصوفاً بالثقة والزهد يضرب به المثل في الديانة والزهد.
وعن أحمد بن حنبل - وذكر الدارمي فقال: عرضت عليه الدنيا فلم يقبل.
وقال رجاء ابن مرجى: رأيت الشاذ كونى وابن راهويه - وسمى جماعة - فما رأيت احفظ من عبد الله الدارمي.
وقال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: عبد الله بن عبد الرحمن إمام أهل زمانه.
وَفَاتُهُ:
عاش الإمام الدارمي رحمه الله أربعة وسبعين سنة وتوفي سنة 255هـ الموافق 869م، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:33 AM


الإمام ابن كثير


هو أبو الفداء إسماعيل بن الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير عماد الدين القرشي الشافعي. اتفق المؤرخون على أن ابن كثير ولد فى مطلع القرن الثامن الهجري، ولم ينقلوا شيئا عن تحديد اليوم والشهر الذي ولد فيه.
وذهب جمهور المؤرخين إلي أن ولادته كانت سنة 701هـ الموافق 1301م، وقرر بعضهم أن ولادته كانت سنة 700هـ، وتشكك فريق آخر فى السنتين، ولم يجزم فى تحديد سنة ولادته منهم، فابن حجر فى ـ رحمه الله ـ وهو من أقرب الناس لحياة ابن كثير من المؤرخين يقول فى كتابه " إنباه الرواه " إلي أنه ولد سنة سبعمائة، ولكنه عاد وتشكك فى كتابه الآخر " الدرر الكامنة " فقال ولد سنة سبعمائة أو بعدها بيسير ".
وقد سبقه فى هذا التردد مؤرخ الإسلام الذهبي، وهو معاصر لابن كثير، وذكر أنه سمع منه الحديث، ومع ذلك قال فى ولادته " ولد بعد السبع مائة، أو فيها " وقال الذهبي فى كتاب آخر " مولده سنة نيف وسبعمائة ".
والسبب فى هذا الاصطراب عدم وجود سجلات للولادة في هذا العصر، وإن تحديد ولادة العلماء المشهورين يلجأ إليها فيما بعد بالقرائن، وكان الاضطراب فى ولادة ابن كثير مستنبطا من كلامه هو، عندما يقول فى ترجمة أبيه المتوفي سنة 703هـ " وكنت إذ ذاك صغيرا ابن ثلاث سنين أو نحوه، لا أدركه إلا كالحلم "، وهذا يرجح أن تكون ولادته سنة701هـ، وهو ما عليه أكثر المترجمين الآن.
نشأته وتربيته:
تدل كتب التراجم والتاريخ أن ابن كثير ـ رحمه الله ـ نشأ فى أسرة علمية متدينة، فكان أبوه " عمر بن كثير بن ضوء بن كثير البصروي " فقيه،أديب، شاعر، خطيبا فى القرية، ثم صار خطيبا ـ التي ولد فيها الابن ـ مجيدل، وكان الأب مشهور، ولقبه شهاب الدين، وكنيته أبو حفص.

ويظهر من كتب التراجم أيضا أن والده كان حريصا على تربية أولاده تربية دينية صحيحة، وأن يتوجهوا لدراسة العلوم الشرعية، ولذلك كان الأخ الاكبر لابن كثير، وهو عبد الوهاب فقيه، وتولي رعاية أخيه إسماعيل فرباه بعد وفاة أبيه، وهو ابن ثلاث سنين، ورحل الأخ الكبير عبد الوهاب مع صاحبنا ابن كثير إلي بصري ودمشق، وتفقه ابن كثير على أخيه عبد الوهاب فى مبدأ أمره.
وانصرف ابن كثير ـ رحمه الله ـ وهو فى دمشق إلي طلب العلم، وتحصيل المعارف، والتقي مع علمائها ومشايخه، إلي أن صحب محدث الديار الشامية فى عصره، أبا الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك، المشهور بالمزي، الحافظ للحديث وإمام الحفاظ فلازمه، وأخذ عنه العلم الكثير، ثم تزوج ابنته، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وهذا ما صرحت به معظم المصادر.
شيوخه:
وتفقه بالشيخ برهان الدين إبراهيم بن عبدالرحمن الفزاري الشهير بابن الفركاح المتوفى سنة 729،هـ وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم، ومن أحمد بن أبي طالب المعمر أكثر من مئة سنة الشهير بابن الشحنة، والحجار المتوفى سنة 730، ومن القاسم ابن عساكر، وابن الشيرازي واسحق ابن الآموي، ومحمد بن زراد، ولازم الشيخ جمال يوسف ابن الزكي المزي صاحب تهذيب الكمال واطراف الكتب الستة، المتوفى سنة 742، وبه انتفع وتخرج، وتزوج بابنته، وقرأ على شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية المتوفى سنة 728 كثيرا، ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه وعلى الشيخ الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن قايماز المتوفى سنة 748، وأجاز له بمصر أبو موسى القرافي، والحسيني، وأبو الفتح الدبوس، وعلي ابن عمر الواني، ويوسف الختني، وغير واحد.

تلاميذه:
وتلاميذه كثر: منهم، ابن حجي، وقال فيه: «أحفظ من ادركناه لمتون لأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما اعرف اني اجتمعت به، على كثرة ترددي إليه، إلا واستفدت منه

وقال ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب: الحافظ الكبير عماد الدين، حفظ التنبيه وعمره 18 سنة، وحفظ مختصر ابن الحاجب، وكان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية، وينظم نظما وسطا، قال فيه ابن حبيب: «سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير.
ثناء العلماء عليه:
قال الحافظ شمس الدين الذهبي في المعجم المختص: «الامام المفتى المحدث البارع، فقيه متفنن ومفسر نقال، وله تصانيف مفيدة».

وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: «اشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في حياته، وانتفع الناس بها في حياته وبعد وفاته، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدثي الفقهاء
وعلق السيوطي على قول ابن حجر فقال: «العمدة في علم الحديث على معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله واختلاف طرقه ورجاله جرحا وتعديلاً، وأما العالي والنازل ونحو ذلك: فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة
وقال المؤرخ الشهير أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن سيف الدين المعروف بابن تغري بردى الحنفي في كتابه المنهل الصاغ والمستوفى بعد الوافي: «الشيخ الإمام العلامة عماد الدين أبو الفداء.. لازم الاشتغال، ودأب وحصل وكتب، وبرع في الفقه والتفسير والحديث، وجمع وصنف، ودرس وحدث وألف.
وقال عنه ابن الوزير في كتابه إيثار الحق علي الخلق " وينبغي ههنا مطالعة كتب قصص الأنبياء ومن أجودها كتاب ابن كثير البداية والنهاية. ويقول كذلك فالزنجاني والذهبي وابن كثير من أئمة الأثر وأئمة الشافعية وأهل السنة.
وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك، وأفتى ودرس إلى ان توفى»!واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير، وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى، وإنما نساق الى الآجال، والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى..... ولا زائل هذا المشيب المكرر

ملامح شخصيته وأخلاقه:
لقد حبا الله عز وجل ابن كثير ـ رحمه الله ـ بكثير من الصفات الحميدة، والشمائل الكريمة، والخلال العذبة، والتي لا يتصف بها إلا العلماء الأخيار الأفذاذ، ومن هذه الصفات:

1- الحفظ: وهب الله عز وجل ابن كثير حافظة قوية، وذاكرة ممتازة، وموهبة متفوقة، فكان قادرا على حفظ العلوم، والمتون، واكتناز المعلومات،وظهر أثر ذلك في مصنفاته.
فقد حفظ ابن كثير القرآن الكريم وهو فى الحادية عشرة من عمره، وصرح بنفسه على ذلك، وحفظ التنبيه فى الفقه الشافعي، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب فى أصول الفقه، وحفظ المتون المتنوعة فى العلوم، ولذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي " ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة "
وقال عنه تلميذه ابن حجي " أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ورجاله، وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمه، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ".
2- الاستحضار: اقترنت صفة الحفظ عند ابن كثير بصفة أخري وهي صفة الاستحضار، مما يدل علي المنحة الإلهية له بقوة الذاكرة، وقلة النسيان، وهو من أعظم المواهب الإلهية، وأكبر ميزة للعالم والمصنف والفقيه.
لذلك كان ابن كثير يستحضر المتون والكتب والعلوم، حتى لفت نظر المحققين والمحدثين، فهو ينقل من مصادر عدة، ولكنه يضع المعلومات بصيغته وأسلوبه الخاص به، مما يرجح أنه كان يكتب ويصنف من ذاكرته وحافظته،ويتصرف بذلك حسب مقتضي الحال والمقام.
3- الفهم الجيد: هذه الصفة من المنح الإلهية للإنسان، ومن التوفيق الرباني له، وتتأثر بالعوامل المكتسبة عن طريق الإخلاص، والتقصي والدراسة، والاستيعاب، والاجتهاد، وتحري الدقة العلمية، مما تساعد صاحبها ـ مع فضل الله تعالي وتوفيقه ـ إلي الفهم الجيد، والإدراك الصحيح، والاستنتاج المقبول، لذلك يقول عنه تلميذه ابن حجي " وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن ".
4- خفة الروح: وهذه الصفة من الصفات الحسنة للإنسان عامة، ومن عوامل التفوق والنجاح فى التدريس والوعظ خاصة، وتدل على سماحة النفس، والاهتمام بالطلاب، والتخفيف عنهم، والترويح في التدريس.
5- الالتزام بالحديث والسنة: من صفات ابن كثير أنه كان حريصا على التزام السنة، والدعوة إلى اتباع السلف، وهو ما يظهر عند مراجعة مؤلفاته وكتبه، ولا غرابة فى ذلك فهو المحدث الفقيه الحافظ لأحاديث الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وكان ابن كثير رحمه الله يحارب البدع، ويدعو إلى تركه، ويساهم فى إنكاره، ويفرح لإبطاله، ويسجل هذه المشاعر والعواطف والمباديء فى كتبه ومصنفاته، وكان يتتبع البدع ويتألم لوجوده، ويسعي لإبطاله، ويهلل لإلغائه.
6- الخلق والفضيلة والموضوعية: كانت أخلاق ابن كثير رحمه الله حميدة، ويلتزم الفضائل والقيم، وسعة الصدر، والحلم، والصداقة المخلصة، والتقدير لشيوخه، فقد ترجم لعدد كبير منهم فى تاريخه، وأثني عليهم خير، وعدد مناقبهم، وأثبت فضائلهم، واعترف بالأخذ من الأساتذة، وحسن الصحبة للزملاء والمعاصرين.
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا من المباديء الإسلامية الرشيدة فى الدعوة والنصح والإرشاد، والتكافل والتناصح بين أفراد الأمة والمجتمع، وهو واجب عيني على كل مسلم قادر ومستطيع أن يقوم به لحديث رسول الله " من رأي منكم منكرا فليغيره............." ويتأكد واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرعلى الدعاة والعلماء والمصلحين، ثم على الحكام والمحكومين.
وكان ابن كثير يعرف واجبه فى هذا الجانب الخطير، ويؤدي حقه فى مرضاة الله تعالي للحاكم والمحكومين، لا يبتغي بذلك إلا الأجر والثواب، ومرضاة الله تعالي، ولا يخشى فى الله لومة لائم، فيقول الحق، ويقرر الشرع، ويؤدي الأمانة، ويبلغ حكم الله تعالي في كل الأمور والظروف والأحوال، ولو كان الامر يتعلق بشؤون الحكم، والخلاف بين الأمراء الذين يحاولون أن يتحصنوا بفتوي كبار العلماء، ويجعلونها ذريعة لتحقيق مآربهم.
8- إنصاف الخصوم: يقول الله عزوجل " إن الله يأمركم أنة تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " والعدل مطلوب مع الحكام والقضاة ومع كل ذي ولاية وسلطة مهما تنوعت واختلفت وتفاوتت درجاته، وذلك بإنصاف الناس، وحتى الخصوم، وحينئذ يصبح الإنسان من السابقين إلي ظل الله يوم القيامة.
والعدل من الفضائل، وخاصة إذا كان مع الأمر مع الخصم، فهو أعلي درجات العدل بأن ينصف الإنسان خصمه من نفسه، وهذه المرتبة العليا لا يبلغها إلا القلة، وتدل علي أن صاحبها بلغ رتبة عالية من تطبيق أحكام الشرع وآدابه، ومراقبة الله تعالي في ذلك، حتي يجاهد نفسه فيخضعها للحق، ويقف بها عند جادة الصواب، ولا يستسلم لهواه وأهوائه.
وهذا ما حدث مع ابن كثير ـ رحمه الله ـ فى ترجمته لكثير من خصومه فى الرأي والفكر والمواقف، فيصفهم بالحق والعدل، ولا يتجني عليهم، ولا ينقصهم صفة لهم، ومن الشواهد الكثيرة علي ذلك نجد في " البداية والنهاية " أنه كان بين ابن كثير وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي خصومة فكرية...
وتشاء الظروف أن توجه اتهامات إلى قاضي القضاة بالتفريط فى أموال الأيتام، وطلب من المفتين أن يضعوا خطوطهم بتثبيت الدعوي ضده، لتغريمه ومحاكمته، ويصل الأمر إلي صاحبنا العلامة ابن كثير ذي الخلق الكريم، والموقف العادل، فيأبي الكتابة، وينصف قاضي القضاة، ويوقف الافتراء والاتهام إلي أن يتبين الحق، ويسجل ذلك في تاريخه فى أحداث سنة 743هـ.
9- الإصلاح الديني: نزل الإسلام صافيا من السماء، وبلغه رسوله (عليه الصلاة والسلام) حتي لحق بالرفيق الأعلي، وقد ترك أمته علبي المحجة البيضاء، والتزم الصحابة (رضوان اله عليهم) بهذا الطريق القويم، وأدوا الأمانة، ونشروا الإسلام فى الخافقين وسار التابعون، وتابعوا التابعين على نهجهم، فكانوا خير القرون فى تطبيق الإسلام، ونصاعة مبادئه، ثم بدأ يعلق به الغبار مع الأيام، وتضاف إليه بعض الأمور والتي لا تتفق مع جوهر الدين، وتلحق به البدع والخرافات شيئا فشيئ،وقد تستشري فى بعض الأحيان لتشوه صورة الإسلام النقية.
وهنا يأتي دور العلماء والدعاة والمصلحون ينادون بالدعوة إلي تطبيق الإسلام، والعودة إلى مبادئه الصافية، وتطهيره من البدع والخرافات، وقد ظهر فى القرن السابع والثامن الهجريين علماء أفذاذ يمثلون هذا الاتجاه الاصلاحي، وكان الأشهر والأبرز فى هذه المدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية، وقف فى وجه البدع والخرافات الموجودة والمنتشرة في هذا الوقت، ورفع الراية في وجه المبتدعة وغلاة الصوفية.
وكان من نتيجة ذلك أن انقسم العلماء والفقهاء والحكام والناس فى شأن ابن تيمية إلي فريقين، فتحامل عليه علماء الصوفية، وكثير من الفقهاء والقضاة، حتي وشوا به عند الحكام فوقف بعضهم بجانبه والبعض الآخر وقف ضده، وكان من الذين وقفوا مع ابن تيمية وناصروه ابن كثير رحمه الله.
نشاط ابن كثير العلمي:
كان وقت ابن كثير رحمه الله ـ مشغول، وأعماله كثيره، ولكنه كان عازفا عن المناصب الرسمية، أو الاشتغال فى الأعمالالحكومية، ومتفرغا للبحث العلمي، وكان ذلك ديدنه في شبابه ونشأته، وفي مراحل تكوينه، ولما استوي على سوقه، وبلغ من العلم شاوا كبير، وحصل المستوي اللائق فيه، بقي ملازما العلماء، ومستفيدا منهم، كشيخه المزي الذي بقي مصاحبا له ختي وفاته، ومثل شيخه ابن تيمية، والحافظ الذهبي، وابن القيم، وغيرهم، وعكف على العلم والتعلم والتعليم، وحصر نفسه فى المجال العلمي.

لذلك نري ابن كثير يتولي الأعمال التالية:
1- الإقراء: حفظ ابن كثير القرآن الكريم فى صغره، وختمه وهو فى السنة الحادية عشرة من عمره، وأتقن القاءة، وصار من القراء،، ويظهر أثر ذلك علميا فى كتابه "التفسير" وفيما كتبه فى "فضائل القرآن" ولذلك عده الداوودي من القراء، وترجم لخه في طبقاتهم التي ألفه، ولكن ابن الجزري لم يترجم لابن كثير في طبقات القراء، ثم تولي ابن كثير عمليا مشيخة الٌقراء بمدرسة أم الصالح.

2- التحديث: هذا جزء من عمل التدريس، ولكن يختص به بعض العلماء المعروفين بالحفظ والرواية، وممارسة التحديث، ويندر من يقوم بهذا العمل إلا الخواص المتخصصون به.
وكان ابن كثير ـ رحمه الله ـ حافظا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان محدث، لأنه سمع عددا كثيرا من المحدثين وأئمة الحفظ فى عصره فى الشام ومصر، وأخذ الحديث سماعى وإجازة، ثم مارسه، ووصف بانه " الحافظ المحدث ".
3- التدريس: تولي ابن كثير التدريس، وهو العمل الأساسي له الذي أعطاه اهتمامه، واتصل به مع الناس، ونفع الله به التلاميذ والطلاب، وحقق الخير علي يديه.
قال ابن تغري بردي عنه " وجمع وصنف ودرس "، وقد ولي ابن كثير ـ رحمه الله ـ التدريس فى المدرسة النجيبية المخصصة للشافعية بدمشق، وبدأ التدريس يوم الخميس 11 جمادي الاولي سنة 736هـ، والغالب أنه بقي يسكنها ويدرس فيها إلي لآخر عمره، مع أعماله الأخري.
4- الفتوي: وهي الإخبار بالحكم الشرعي، والفتوي أهم واجبات الفقيه، وهي منزلق خطير للخطأ والضلال من جهة ؛ ولذلك ورد فلى الحديث الشريف " أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم علي النار " أي أن أكثركم جرأة وتسرعا فى الفتيا فهو الأسرع إلي النار ؛ لأنه لا يقدر عاقبة عدم إصابته للحق، بسرعته وعدم ترويه، أو عندما تكون الفتوي لغير وجه الله تعالي، او لبيان الباطل وتحريف الدين، أو مسايرة الناس والعوام والحكام والرؤساء، او بسبب الجهل بأحكام الدين.
وكان ابن كثير ـ رحمه الله ـ قد حصل الفقه الإسلامي من المذهب الشافعي على شيخه برهان الدين الفزاريوغيره،وأتقن معرفة الأحكام، وصنف فيه، وكان يمارس الفتوي بالحق والعدل، والصدق والأمانة، والإخلاص، حتي تركت فتاويه اصداء كثيرة، وأطلق عليه شيخه الذهبي " الفقيه المفتي "، وقال عنه ابن حبيب " وأطرب الأسماع بالفتوي، وقال الدكترو الندويس " كان ابن كثير من المفتين الكبار فى عصره ".
وهذا يدل على تمكن ابن كثير ـ رحمه الله بالفقه ومعرفة الأحكام الشرعية، وإخلاصه فى علمه وعمله، وثقة الناس به، وأخذ الطلاب عنه الفقه والإذن بالفتوي، وتوجيه القضاة والحكام الفتوي له فى القضايا المهمة والخطيرة.
5- التأليف والتصنيف: يظهر أن ابن كثير ـ رحمه الله ـ لم تشغله الأعمال السابقة عن هوايته الأولي فى التأليف والتصنيف، فكان حريصا على ذلك، ومتفرغا فى معظم الوقت للتصنيف، بعد أن ملك ناصيته، وحصل العلوم المختلفة، وتخصص فى الحديث والتفسير والتاريخ والفقه، وبلغ شأوا كبيرا فى النحو والأدب وعلوم العربية.
وكان ابن كثير رحمه الله قد توفرت فيه مؤهلات التأليف والتصنيف بدرجة عالية، فأنس به، وبذل فيه الجهد الكبير، وأعطاه ثمين الوقت، وأاكب على التدقيق والتمحيص، وقدم للبشرية إنتاجا غزيرا ثر، وكتبا نافعة مفيدة، أصبحت مرجعا لطلاب العلم والمعرفة فى عصره، واستمرت طوال القرون السبعة التي مضت، ولبا تزال المصدر الرئيس فى تخصصاتها إلي اليوم والمستقبل.
قال عنه ابن حجر "وسارت تصانيفه فى البلاد، وانتفع بها الناس بعد وفاته".
وقال الشوكاني "وقد انتفع الناس بمصنفاته، ولا سيما التفسير" وقال الزركلي "تناقل الناس تصانيفه في حياته".
ومما يؤكد ذلك أن كتب ابن كثير قد كارت فى الأقطار الإسلامية ما ذكره ابن كثيرر فى حوادث سنة 763هـ أن شابا أعجميا حضر من بلاد "تبريزوخراسان" ويزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري، فهذا كتابه جامع المسانيد قد طار إلي أقصي المشرق فى بلاد تبريز وخراسان، وأن الشباب هناك يحفظونه، أو يحفظون شيئا منه.
6- المكانة العلمية والاجتماعية: تبوأ ابن كثير ـ رحمه الله ـ مكان الصدارة اجتماعيا وعلمي، وذلك لعلمه وفضله ومواقفه وآرائه، وعدله واعتداله فى النظر إلى الأمور، والحكم عليه، ولذلك كان يدعي مع علية القوم للأمور الهامة، والقضايا الخطيرة، ليشارك في المشاورة، ويبدي رايه فى الخلافات الجسيمة، كما كان يشارك في امتحان الطلبة فى التخصصات العالية، لما له من مكانة علمية، واحترام شعبي واجتماعي ورسمي.
وكان ابن كثير يحضر مجالس كبار العلماء فى عصره، مما يدل على مكانته العلمية الاجتماعية، فيقول عن حوادث سنة 766هـ ـتحت عنوان "عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي": ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب من رمي به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة السبكي، وكنت ممن طلب إليه، فحضرته فيمن حضر.... واستمر النظر فى القضية، واستمر إلي الشهر التالي، وحضره ابن كثير، وفيه تفاصيل انتهت بالصلح.
مؤلفات ابن كثير:
1- تفسير القرآن العظيم
وهو من أفيد كتب التفسير بالرواية، يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالأحاديث المشهورة في دواوين المحدثين بأسانيدها، ويتكلم على أسانيدها جرحاً وتعديلا، فيبين ما فيها من غرابة أو نكارة أو، شذوذ غالبا، ثم يذكر آثار الصحابة والتابعين، قال السيوطي فيه: "لم يؤلف على نمطه مثله".

إن علم التفسير هو أحد علوم القرآن الكريم التيتعتبر أهم العلوم الشرعية على الإطلاق، وهي من العلوم الضرورية التي يحتاج إليها اكل مسلم، لأن القرىن الكريم هو الدعامة الأولي للعقيدة الإسلامية، والركيزة المتينة لبناء الإسلام، والمنبع الصفي للأخلاق، والمصدر الرئيس للعبادات والأخلاق.
بدأ ابن كثير اهتمامه بالقرآن الكريم منذ صغره فقد حفظ القرآن الكريم، وكان اهتمامه باللآثار وعلم السلف باعثا على معرفة أقوالهم فى كتاب الله عزوجل، كما كانت دراسته الفقهية المتفتحة مساعدا له علي تحري الأحكام الشرعية من مصدرها الاول "القرآن الكريم" وقام ان كثير بكتابة تفسير للقرآن الكريم هو المسمي "تفسير القرآن العظيم"، وهو من خير التفاسير، وقد احتل مكانة مرموقة فى المكتبة الإسلامية، وشهد له بذلك العلماء، وذاع صيت هذا الكتاب، وتداولته الايدي قديما وحدسيثا على مختلف المستويات العلمية والشعبية والدينية، وهو يقع فى أربع مجلدات كبيرة.
يقول السيوطي " له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله "، ويقول الاستاذ أحمد محمد شاكر " فإن تفسير ابن كثير أحسن التفاسير التي رأين، وأجودها وأدقه، بعد إمام المفسرين أبي جعفر الطبري "
منهج ابن كثير في تفسيره:
أ- تفسير الآية بعبارة سهلة، وبأسلوب مختصر، يوضح المعني العام للآية الكريمة.

ب- تفسير الآية بآية أخري إن وجدت، حتي يتبين المعني، ويظهر المراد، وقد يذكر ابن كثير عدة آيات فى تفسير الآية الأولي، وكأنه يجمع بين الآيات المتشابهة والمتماثلة في المعني، والمتحدة فى الموضوع، فتأتي الآيات المتناسبة فى مكان واحد.
ج- رواية الأحاديث بأسانيدها غالب، وبغير إسناد أحيانا لإلقاء الضوء النبوي علي معني الآية، لأن وظيفة الرسول (صلي الله عليه وسلم)التبليغ والبيان.
د- تفسير القرآن بأقوال الصحابة، يردف ابن كثير فى تغفسير الآية ما وصله من أقوال الصحابة فى تفسير هذه الآية،حسب المؤهلا ت التي يمتلكونه.
هـ ـ الاستئناس بأقوال التابعين وتابعي التابعين ومن يليهم من علماء السلف، وخاصة أهل القرون الأولي الذين شهد لهم النبي () بالخيرية، وحملوا الدعوة والإسلام.
وـ الإسرائيليات. نتج عن روايات بعض الصحابة وبعض التابعين وجود الاحاديث والروايات المأخوذة من مصادر اهل الكتاب، والتي تسمي الإسرائيليات، ومعظمها غير صحيح وغير معقول، وأكثرها غرائب وطرائف.وقد نتوه ابن كثير علي وجود هذه الإسرائيليات في مقدمة تفسيره، فقال " تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد ".
وكان ابن كثير ينبه على الإسرائيليات والموضوعات في التفسير، تارة يذكرها، ويعقب عليها بأنها دخيلة على الرواية الاسلامية، ويبين انها من الاسرائيليات الباطلة المكذوبة، وتارة لا يذكرها بل يشير إليها، ويبين رأيه فيها، وقد تأثر في هذا بشيخه ابن تيمية، وزاد على ما ذكره كثيرا، وكل من جاء بعد ابن كثير من المفسرين ممن تنبه إلى الاسرائيليات والموضوعات، وحذر منها.
ولا عجب في هذا، فهو من مدرسة عرفت بحفظ الحديث، والعلم به رواية ودراية وأصالة النقد، والجمع بين المعقول والمنقول، وهي مدرسة شيخ الاسلام ابن تيميه وتلاميذه: ابن القيم والذهبي وابن كثير وأمثالهم.
زـ الأحكام الفقهية يتعرض ابن كثيرعند تفسيرآيات الأحكام إلي بيان الأحكام الشرعية، ويستطرد في ذكر اقوال العلماء وأدلتهم، ويخوض فى المذاهب ويعرض أدلتهم.
حـ ـ الشواهد اللغوية والشعرية: اعتمد ابن كثير علي الللغة العربية فى فهم كلام الله تعالي، فيجب أن يفسر حسب حسب مقتضي الألفاظ، واساليب اللغة، ودلالات الألفاظ، وشواهد الشعر التي تدل علي المعني وتوضح المراد.
ط ـ الأعلام والرجال: حرص ابن كثير على ذكر الأعلام الذين نقلت عنهم الآراء، ليكون دقيقا في نقله، مع المحافظة على الأمانة العلمية، فجاء تفسيره زاخرا بأسماء العلماء وأعلام الرجال.
ك ــ قوة الشخصية: عرض ابن كثيرلأحاديث متعددة، وروايات كثيرة، وأقوال مختلفة، ولكنه لم يقف عند هذا الحد، بل كانت شخصيته العلمية واضحة وبارزة، وظاهرة، فكان يبين درجة الأحاديث، ويثبت صحة أكثره، ويضعف بعض الروايات، ويعدل بعض الرواة، ويجرح بعضا آخر، وكل ذلك لباعه الطويل فى فنون الحديث وأحوال الرجال، وسار على هذا النهج فى إراد الأحكام الفقهية، وآراء المذاهب فيعمد إلي بيان الراجح منه.
ى ـ الاقتباس: كان ابن كثير رحمه الله يعتمد علي من سبقه من المفسرين، وينقل عنهم، ويصرح بذلك، ومهم إمام المفسرين ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن عطية، وأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية.
المآخذ على تفسير ابن كثير:
جاء تفسير ابن كثير ذخيرة علمية، ولكنه لم يخل من بعض المآخذ التي لاحظها العلماء:
1- الإطالة: فقد حرص ابن كثير رحمه الله تعالي علي ذكر الأسانيد كاملة، كما حرص على إيراد الروايات المتكررة فى الموضوع الواحد والاستعانة بالشواهد اللغوية، مما يؤدي إلي الملل، والتعب، والسآمة من الإطالة فى عرض تفصيلات وجوانب متفرعة ودقيقة، لا يستفيد منها غلا فئة معينة من العلماء والباحثين، وهذا ما دعا العلماء في هذا العصر إلى إختصار هذا التفسير.

2- الإسرائيليات: كان ابن كثير رحمه الله متنبها لأمر الإسرائيليات وخطره، وتعرض لها فى مقدمة كتابه، ومع ذلك فقد أوردها فى كتابه للاستئناس بها بحجة " الاستشهاد، لا الاعتضاد " وقد نبه فى معظم الأحيان عليه، ويذكر الرواية، ثم يصرح بأنها إسرائيلية، وقد بين بطلانه،، ولكن القاريء العادي سوف يقرأه، وقد لا يتنبه إلي كونها إسرائيلية، وقد تعلق بذهنه.ولذلك حرص المختصرون علي اختصار هذا التفسير إليإغفالها نهائي، وشطبها كلية.
2ـ اهتمام ابن كثير بالتاريخ. «البداية والنهاية».
يمثل التاريخ أحد مصادر المعرفة الغنسانية التي اهتم بها الناس، فتدارسوه، وألفوا مجالسه، واستمعوا أخباره، وصنفوا فيه، لأنه يرضي غريزة حب الاستطلاع في الأنسان، ويبعث على العبرة والتفكير فى الأحداث، فالعاقل من اتعظ بغيره، والمحنك من من تخطي تجارب غيره، فالتاريخ يعطي القاري والسامع نماذج من السلوك البشري بما فيه من غرائز وعواطف وميول، وسلوك وطموحات، وآمال، وآلام، مع بيان النتائج التي تترتب على كل تصرف.
وجاء القرآن الكريم بذكر ألأخبار الالمم الماضية، وفصص الأنبياء والمرسلين، ولكنه باختصار شديد يركز علي مواطن العبرة والعظة، ومكان الإثارة والاستفادة مع النص القرآني المكرر يقول تعالي " تلك القري نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله الله علي قلوب الكافرين " سورة الأعراف.
ومن هنا اتجه ابن كثير وعلماء المسلمين وأئمتهم إلي جمع الاخبار، ومعرفة الأماكن والأحوال التي أشارت إليها الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، واشتاقت نفوسهم إلي التوسع فى فهم القصص المذكورة فى القرآن عامة، وقصص الأنبياء خاصة، وفى ذات الوقت عنوا عناية كبيرة بسيرة الرسول (عليه الصلاة والسلام )، وما يتبعها من المغازي بشكل أخص.وهكذا نري العلاقة الوثيقة بين علم التاريخ، وعلم السيرة، وعلم مصطلح الحديث ورجاله وتراجمه، وكثبرا ما جمع العالم الواحد بين هذه التخصصات الثلاثة.
واهتم ابن كثير بالتاريخ فكتب " البداية والنهاية " حتي بز أقرانه، وتفوق علي سابقيسه ومعاصريه، واشتهر فى كتابه التاريخ كاشتهاره فى التفسير، وأصبح فى عداد المؤرخين الدمشقيين فى القرن الثامن، بل كان ألمعهم شهرة، وأكثرهم توفيقا وسداد، مخلصا فى عمله، موضوعيا فى بحثه.
مضمون البداية والنهاية:
هو كتاب فى التاريخ عامة، والتاريخ الإسلامي خاصة،فاشتمل علي تاريخ ما قبل الإسلام من بدء الخليقة وهو المقصود بالبداية ثم يذكر قصص الأنبياء، بدأ من قصة آدم عليه السلام، ثم أخبار الأمم السابقة، حتي وصل إلي السيرة النبوية تفصيل، مع التوسع فى سيرة الرسول (عليه الصلاة والسلام) ومعجزاته، وتابع المسيرة مع تاريخ المسلمين فى العهد الراشدي،فالأموي، فالعباسي، وما زامنه من العهد الفاطمي والأيوبي، ثم المملوكي.

ورتب ابن كثير كتابه حسب السنين، فيقول: ثم بدأت سنة كذ، ويذكر الأحداث المهمة فيها بما يتعلق بالدولة والأحداث التاريخية والخارجية، والحروب والأوبئة والمجاعات، ثم يتعرض لوفيات تلك السنة بالإيجاز والاختصار، وترجمة الخلفاء والأمراء والعلماء والأعلام، دون استيعاب، حتي وصل إلي نهاية حوادث سنة 767 هـ، ويأتي بعد ذلك بأخبار نهاية العالم والأمم، وهو المراد بالنهاية، وبذلك يكون المضمون متفقا مع العنوان "البداية والنهاية ".
إن شهرة ابن كثير فى التاريخ لاتقل أهمية عن شهرته فى التفسير،فالكتاب قيم ومفيد، ويأتي فى طليعة كتب التاريخ العام، والتاريخ الإسلامي، وخاصة ان صاحبه مفسر أول، ومحدث ثاني، وخبير بالسيرة النبوية ثالث، ويتمتع بالصفات المؤهلة للتأليف والتصنيف مع الحياد والموضوعية، والاعتماد على القرآن الكريم والسنة، وتحليل الأحداث من منظور إسلامي، مما جعل هذا الكتاب محل الاهتمام والاعتبار فى العالم قديما وحديث، وعكف عليه العلماء والباحثون والدارسون والعلماء، ولذلك قال عنه الشوكاني " وله التاريخ المشهور " مع الأسلوب الواضح، والتوثيق، وحسن الاختيار.
قال عنه ابن تغرى بردى: وهو في غاية الجودة.. وعليه يعول البدر العينى في تاريخه.
المآخذ علي كتاب البداية والنهاية.
وردت بعض المآخذ على كتاب البداية والنهاية منه:
1- عدم التوازن في تقسيم الكتاب، والتوسع فى جانب، والاختصار فى جانب آخر.

2 - عدم شمول الوفيات فيه للعلماء والأعلام الذين ماتوا.
3- إن تقسيم الأحداث حسب السنين، تضطر المطلع إلي بذل مجهود كبير، ليجمع أشتات حادثة معينة وقعة في سنين متفرقة، أو جمع حوادث مصر معين في عدة سنين.
باقي مؤلفات ابن كثير:
3ـ كتاب (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) جمع فيه كتابي شيخيه المزي والذهبي، وهما (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) و(ميزان الاعتدال في فقد الرجال)، مع زيادات مفيدة في الجرح والتعديل.

4ـ كتاب (الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن) وهو المعروف بجامع المسانيد جمع فيه بين مسند الإمام أحمد والبزار وأبي يعلى وابن أبي شيبة مع الكتب الستة: الصحيحين والسنن الأربعة. ورتبه على الأبواب
5ـ (طبقات الشافعية) مجلد وسط، ومعه مناقب الشافعي.
6ـ وخرج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية.
7ـ وخرج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية
8 ـ وشرع في شرح البخاري ولم يكمله
9ـ وشرع في كتاب كبير في الأحكام ـ وصل فيه إلى الحج.
10ـ واختصر كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث ـ سماه (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) والذي قال فيه الحافظ ابن حجر: وله فيه فوائد
11ـ ومسند الشيخين ـ يعني أبا بكر وعمر.
12، 13 ـ السيرة النبوية، مطولة ومختصرة، وقد أشار إلى ذلك في تفسيره لسورة الأحزاب عند بيانه لقصة غزوة الأحزاب، اما السيرة الصغيرة فمفقودة وفيما يتعلق بالسيرة الطويلة فانه يبدو وأن المؤلف ادمجها في كتابه «البداية والنهاية» بعد ان كتبها أولا في صورة مستقلة وقد سجل المحققون
ـ ومنهم الدكتور مصطفى عبدالواحد ـ ملاحظات على هذه السيرة منها:
1ـ إنه ـ أي الحافظ ابن كثير ـ لا يبالي برواية كثير من الأخبار الواهية ـ خاصة أخبار الجاهلية وقصص الجان وما إلى ذلك.. وكان يبريء نفسه

أ ـ بذكر السند في كل خبر فيلقي بذلك التبعة على غيره.
ب ـ إنه كان يعلق على الأخبار ـ بحكم أنه حافظ متقن خبير بالأسانيد والرجال، بمثل قوله (غريب جدا) أو (لم يخرجوه) أو (منكر) أو (شديد النكارة) أو (شديد الغرابة) أو (ضعيف) أو (شديد الضعف) أو (تفرد به فلان وهو مجهول).. الخ
وقد ضم الكتاب كذلك، كثيراً من الأشعار التي يغلب عليها الصنعة والتكلف مع كثير من الأخبار الأسطورية التي لا تتناسب مع ما وصلت إليه البشرية من تقدم، كما كان يكرر أحيانا الخبر الواحد، أو الرواية في أكثر من موضع لتعدد المناسبة أو لتعدد طرقه.!
14ـ رسالة في الجهاد ـ مطبوعة..
15ـ قصص الأنبياء، وهو جانب من جوانب البداية والنهاية، جعل مصدره الأول فيه القرآن، ورفض روايات أهل الكتاب ومخالفاتهم للقرآن واصفا إياها بالكذب والبهتان، ويحقق الأحاديث والسنن المروية في شأن الأنبياء، وهكذا يعتبر كتاب قصص الأنبياء هو أسلم الكتب من حيث صحة المصادر
وفاته:
اتفق المؤرخون على أن ابن كثير رحمه الله توفى بدمشق يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة 774 هـ الموافق 1373م عن أربع وسبعين سنة، وكانت جنازته حافلة ومشهودة، ودفن بوصية منه فى تربة شيخ الإسلام ابن تينمية لمحبته له، وتأثره به،، لينعم بجواره حيا وميت.

وقد رثاه أحد طلاب العلم فقال:
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا وجادوا بدمع لا يبيد كثير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدما لكان قليلا فيك يا ابن كثير
رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والقرآن خير الجزاء.

المصدر: موقع قصة الإسلام


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:34 AM


الإمام القرطبي


هو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى المفسِّر ولد أوائل القرن السابع الهجري بقرطبة، ونسب إليه، بل أصبح أشهر علم من أعلامه، فعندما يذكر القرطبي بإطلاق، فلا تنصرف الأذهان إلا إليه، نشأ فيه وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة، أو خاملة، مع علو حسبه ونسبه، إلا أنه أنبه شأن أسرته بما قدم من آثار ومؤلفات.
وفي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيره، وكان إلى جانب تلقيه العلم ينقل الآجر لصنع الخزف في فترة شبابه، وقد كانت صناعة الخزف ولافخار من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة آنذاك...
إقامته فى مصر.
بقي الإمام القرطبي بقرطبة حتى سقوطه، وخرج منها نحو عام 633 هـ، فرحل إلى المشرق طلباً للعلم من مصادره فانتقل إلى مصر، والتي كانت محطًا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها وسمع وكتب، وكان يقظاً حسن الحفظ مليح النظم، حسن المذاكرة ثقة حافظاً.

وأخيراً استقرّ به المقام بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر، فاتخذها داراً له ومقاماً ومركزاً للتدريس والتأليف، ولم يتغيَّر شيء من نمط حياته السابقة، فقد بقي على زهده في الدنيا واشتغاله بالآخرة، يملأ وقته بالعبادة والدراسة، ويكفيه الثوب الواحد أهم ملامح الشخصية:
1- زهده وورعه:
كان رحمه الله من عباد الصالحين والعلماء العارفين، عاش حياة عبادة وصلاح وزهد، وأتقن علوم العربية والعلوم الإسلامية جميعها، وسمع الحديث عن عدد من الحفّاظ الثقات. زاهد في الدنيا مشغولاً بما يعنيه من امور الآخرة وقد قضى عمره مشغولاً بين العباده والتأليف.

قال عنه ابن فرحون: (كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة).
ونرى في مطالعتنا لكتب القرطبي نفس العالم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاته، فهو يشكو دائمًا من كثرة الفساد، وانتشار الحرام، والابتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات.
ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتابي (قمع الحرص بالزهد والقناعة) و(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، ومن مظاهره أيضًا ذمه الغنى الذي يجعل صاحبه مزهوًا به، بعيدًا عن تعهد الفقراء، ضعيفًا في التوسل إلى رب الأرض والسماء.
2- شجاعته، وجرأته في الحق:
لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئًا في إعلان ما يراه حقً، أنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهره، لهذا كان ـ رحمه الله ـ ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسود عندهم أهل الكتاب، ومن ثم فهم ليسوا أهلاً للطاعة، ولا للتقدير.

نذكر من ذلك ما يكتبه في (التذكرة) إذ يقول:
هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق فباعوا الأحكام،ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسً، والحق عكسً، لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدلوا دين الله، وغيروا حكم الله، سماعون للكذب أكالون للسحت (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون....)

3- بساطته وتواضعه:
كان رحمه الله ـ فيما عرف عنه ـ يعنى بمظهره، بدون تكلف و بذخ، كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله، وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة.

4- الجدية ومضاء العزيمة:
إن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفه، فهو رحمه الله قد كرس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، دون أن يؤثر عنه ملل أو سأم، أو يعرف عنه أنه كان يتوقف لراحة أو استجمام، ولذا وصفه مترجموه بقولهم (أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة، وتصنيف).

ولا شك أن جدية إمامنا القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنف، فهنوعلى صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذر من الافتتان بمباهجالحياة والانسياق وراء مغرياته.
ولا نستعغرب ولا تنتابنا الدهشة من هذا الخلق إذا فهمنا البواعث النفسية التي كانت تسيطر على صاحبن، فهو كثير الهم على مسلمي عصره، شديد التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، متأثر بما حل ببلاده، حريص على العلم الشرعي، فضلاً عن تأثره بخلق كثير من مشايخه لا سيما المحدثين منهم، الذين كانوا يتصدرون لتدريس الحديث وروايته، وإذا ما عرفنا الآداب العامة التي كانوا يحرصون على التقيد به، ويتشددون في التزامها والتحلي به، كي يكون لهم المهابة والوقار في نفوس مستمعيهم وطلابهم، فهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا منسجمين تماما مع العلم الذي يدرسونه، كي لا يكون هناك تناقض بين سلوكهم وأقوالهم، بل هم يشددون على أنفسهم كي يكونوا قدوة حسنة لتلاميذهم..
5ـ أمانته:
كان القرطبي ـ رحمه الله، يلتزم الأصول العلمية، ويتبع أساليب العلماء الفضلاء الذين لا يعنيهم إلا أن يثبتوا الفضل لأهله، ويتورعوا عن أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم، وهذه هي الأمانة العلمية التي يعمل علماء العالم الآن على تأصيله، وتثبيت قيمه، واتخاذ أساليب لتنفيذه، ولا يتصور أنها تخرج عما ارتضاه الإمام القرطبي لنفسه حين كتب " تفسيره" قال:

(وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليه، والأحاديث إلى مصنفيه، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف إلى قائله).
5ـ اجتهاده وكثرة مطالعته:
ذكر غير واحد من مؤرخي حياة إمامنا القرطبي أن أوقاته كانت معمورة بين توجه للعبادة أو التصنيف، وهذا شأن العلماء، وسمة العارفين الفضلاء، ومنشأ هذه الميزة في شخصيته العلمية هي جديته فيالحياة، ومضاء عزيمته ـ كما ذكرنا ـ

كان رحمه الله كثير المطالعة، مجد في التحصيل، كثير الحديث عما يشكل، وكان يحب الكتب حبًا جمًا ويحرص على جمعه، واقتنائها، حتى لقد تجمع لديه منها مجموعات كثيرة، ومنوعة، ولو أن باحثًا قام بجمع موارده في تفسيره" فقط، لتجمع لديه الشيء الكثير، والعجب العجاب، من آثار المشرقيين والمغربيين معً، وإليك مثال من حبه للكتب وشغفه بالمطالعة، من كتابه (التذكرة) فقط، قال رحمه الله:
(وكنت بالأندلس قد قرأت أكثر كتب المقرئ الفاضل أبي عمرو عثمان بن سعيد المتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة)
فهذا النص يدلنا على ولعه بالقراءة والكتب منذ نعومة أظفاره، إذ صرح بأنه قرأ أكثر كتب ذلك العالم وهو في الأندلس بعد.. كما كان ولوعًا بكتب حافظ المغرب (ابن عبد البر)، والفقيه العلامة المالكي (ابن العربي)، فأكثر النقل من كتبهم، ولا سيما "التمهيد" للأول، و" أحكام القرآن" للثاني، وهذا يدلنا على مدى تأثره بهم، إذ اجتمع معهما في صفات علمية كثيرة....
الحركة العلمية في عصر القرطبى:
نشطت الحياة العلمية بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين (514 الموافق 668 هـ) وهو العصر الذى عاش فيه القرطبى فترة من حياته أيام إن كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهاراً في هذا العصر: أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية كان من أقطاب علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله.

كثرة الكتب والمؤلفات التي كانت بالأندلس:
وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، وهذه النزعات العلمية التي اتسم بها خلفاء الموحدين وتلك المؤلفات التي غمرت بلاد الأندلس وشجعت العلماء وروجت سوق العلم فتعددت الهيئات العلمية في ربوع الأندلس وبين جوانبها ونهضت العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والقراءات وكذلك علوم اللغة والتاريخ والأدب والشعر، وكان لهذا كله أثر كبير في التكوين العلمى للإمام القرطبى - رحمه الله -

شيوخه:
من شيوخ القرطبى:
1ـ ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدى الإسكندرانى المالكى المتوفى سنة 648هـ.
2ـ ابن الجميزى: وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصرى الشافعى المتوفى سنة 649 هـ وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات.
3ـ أبو عباس احمد بن عمر بن إبراهيم المالكى القرطبى المتوفى سنة 656هـ (صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم)
4ـ الحسن البكرى:هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمى النيسابورى ثم الدمشقى ابو على صدر الدين البكرى المتوفى سنة 656 هـ

مؤلفاته:
ذكر المؤرخون للقرطبى رحمه الله عدة مؤلفات غير كتاب "الجامع لأحكام القرآن" وهو ذلكم التفسير العظيم الذى لا يستغنى عنه طالب علم.
ومـن هـذه المـؤلفـات:

- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (وهو مطبوع متداول).
- التذكار في أفضل الأذكار (وهو أيضاً مطبوع متداول).
- الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى
- الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد والأوهام وإجتهار محاسن دين الإسلام.
- قمع الحرض بالزهد والقناعة.

وقـد أشـار القـرطبـى في تفسيـره إلى مـؤلفـات له منهـا:
- المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
- اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية.

تأثر القرطبى - رحمه الله - بمن قبله وتأثيره فيمن بعده.

أولاً: تأثـره بمـن قبلـه:
الذى يطالع تفسير الإمام القرطبى يجده قد تأثر كثيراً بمن سبقوه من العلماء ومنهم:

الطبرى: وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب "جامع البيان في تفسير القرآن" والمتوفى سنة 310هـ أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في التفسير بالمأثور.
الماوردى: وهو أبو الحسن على بن محمد المارودى النتوفى سنة 450هـ وقد نقل عنه القرطبى وتأثر به.
أبو جعفر النحاس: صاحب كتابي:" إعراب القرآن، ومعانى القرآن" توفى سنة 338هـ وقد نقل عنه القرطبى كثيراً.
ابن عطية: وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب "المحرر الوجيز في التفسير"، وقد أفاد القرطبى منه كثيراً في التفسير بالمأثور وفي القراءات واللغة والنحو والبلاغة والفقه والأحكام توفي ابن عطية رحمة الله سنة 541هـ.
أبو بكر العربي صاحب كتاب "أحكام القرآن" والمتوفى سنة 543هـ، أفاد منه القرطبى وناقشة ورد هجومه على الفقهاء والعلماء.
ثانيـاً: تأثيـره فيمــن بعــده:
تأثر كثير من المفسرين الذين جاءوا بعد القرطبى وإنتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيرأ ومن هؤلاء:

الحافظ ابن كثير:عماد الدين إسماعيل بن عمروبن كثير المتوفى سنة 774هـ.
أبو حيان الأندلسى الغرناطى المتوفى سنة 754هـ وذلك في تفسيره البحر المحيط.
الشوكانى: القاضى العلامة محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة 1255هـ، وقد أفاد من القرطبى كثيراً في تفسيره (فتح القدير )
مـزايـا تفسيره:
يعتبر تفسير القرطبى موسوعة عظيمة حوت كثيراً من العلوم فهو من أجلّ التفاسير وأنفعها، أسقط منه القرطبي القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ، وعني بذكر أسباب النزول، والردّ على أهل الانحرافات، مع اهتمام خاص بإيراد المناسب من الأحاديث.

كتابه "الجامع لأحكام القرآن" من أوائل الكتب التي نهجت هذا النهج في استخراج الأحكام من كتاب الله، يستعينون بها على حل مشكلاتهم ويقيسون عليها ما جدَّ من مصالحهم.
ولعلَّ خير دليل لنا على أسلوب هذا التفسير العظيم مقدمته التي وصفها المؤلف.. قال القرطبي:
"فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقلّ بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمَّن نكتاً من التفسير واللغات والإعراب والقراءات والردّ على أهل الزيغ والضلالات.
وأحاديثنا كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيناً ما أشكل منهما، بأقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف، وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملاً صالحاً بعد موتي.
قال الله تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}. وقال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"..
وبذلك يكون أهم ما يميز الجامع لأحكام القرآن:
1ـ تضمنه لأحكام القرآن بتوسع.
2ـ تخريجه الأحاديث وعزوها إلى من رووها غالباً.
3ـ صان القرطبى كتابه عن الإكثار من ذكر الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة إلا من بعض مواطن كان يمر عليها دون تعقيب.
4ـ كما أنه كان إذا ذكر بعض الإسرائيليات والموضوعات التي تخل بعصمة الملائكة والأنبياء أو يخل بالاعتقاد فإنه يكر عليها بالإبطال أو يبين أنها ضعيفة كما فعل في قصة هاروت وماروت، وقصة داود وسليمان وقصة الغرانيق وكذلك ينبه أيضاً على بعض الموضوعات في أسباب النزول.

منهج القرطبي:
حدد القرطبي منهجه بأن يبين أسباب النزول، ويذكر القراءات، واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف، ثم أكثر من الإستشهاد بأشعار العرب، ونقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على ما ينقل عنه، مثل ابن جرير، وابن عطية، وابن العربي، وإلكياالهراسي، وأبي بكر الجصاص.

وأضرب القرطبي عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، والإسرئيليات، وذكر جانبا منها أحيان، كما رد على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشه، ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب إلى مذهبه (المالكي)، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره، فكان القرطبي حرا في بحثه، نزيها في نقده، عفيفا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة.
وكان أبو عبدالله حريصاً إذا استفاد من قول أن يضيفه إلى قائله، وإذا أورد حديثاً أن يذكر رواته، وكان يكرر دائماً: "إنَّ من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله".
المآخذ على تفسير القرطبي:
ما يؤخذ على كتابه في التفسير(الجامع لأحكام القرآن) نقول: مع أن تفسير القرطبى رحمه الله من أعظم التفاسير نفعاً إلا أنه لم يخل من بعض هَيْنَات - والكمال لله وحده - كان يمر عليها من دون تعليق أو تعقيب.

ومـن أمثلـة ذلك:
ماذكره من الإسرائيليات عند تفسيره لبعض الآيات ومنها ماذكره عند تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر:7].

فقد ذكر أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش إلى غير ذلك من الأخبار الخرافية.
كما لم يخل كتابه من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة التي تحتاج إلى إنتباه أثناء مطالعة الكتاب.
وهكذا عاش أبو عبد الله القرطبي حياته، من مأساة الأندلس، التي تركها في ريعان شبابه، إلى سفره مصر، واستقراره بالصعيد، طلب العلم على علماء عصره، وكبار المحدثين، وكان من عباد الله الصالحين، أشغل عمره بالتفسير، فأخرج للناس درة التفاسير، وأصبح كتابه مرجعًا للكثيرين ممن جاء بعده، عمر وقته بالعلم والدعوة والعبادة حتى أتاه اليقين.
آراء العلماء فيه:
ذكره ابن شاكر الكتبي، فقال: " كان شيخًا فاضل، وله تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه،و وفور علمه "

قال الذهبي: (رحل وكتب وسمع، وكان يقظًا فاهمًا حسن الحفظ، مليح النظم، حسن المذاكرة، ثقة، حافظًا)،وقال عنه في تاريخ الإسلام: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على كثرة إطلاعه ووفور عقله وفضله... سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، وله العديد من المؤلفات التي تدل على إمامته وذكائه، وكثرة اطلاعه.
وذكر ابن عماد الحنبلي في شذرات الذهب عن القرطبي: "كان إمامًا علمًا من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل "
وفاته:
وفي " منية الخصيب" بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671 هـ وقبره بالمنيا بشرق النيل.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:40 AM


الإمام الطبري


عملاق من الرجال أجبر ذاكرة التاريخ على المثول أمامه، لتلتقط علومه الفريدة، وأعماله الخالدة، ومصنفاته الباهرة، والتي أصبحت فيما بعد منارة للعلماء، ونبعاً ثرياً لرجال الفكر والمعرفة.
ولادتـه ونشـأتـه:
إنه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ولد في آخر سنة 224 هـ أو في مطلع سنة 225 هـ.

وكانت ولادته ( بآمُل ) عاصمة إقليم طبرستان ـ وتقع جنوب بحر قزوين ـ وهو متسع ممتد تشغل الجبال أكثر مساحته، وتعتبر ( آمُل ) أكبر مدينة في سهله، وهي كثيرة المياه، متهدلة الأشجار متنوعة الثمار، وقد فُتح هذا الإقليم في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه.
وفي هذه البيئة السهلة اللينة، المتمردة العاصية، التي تجمع بين الجبال الشاهقة والسهول المنبسطة، نشأ محمد بن جرير الطبري، وما كاد يبلغ السن التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل. وشاهدته دروب المدينة ذاهباً آيباً يتأبط دواته وقرطاسه.
وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد، حتى قال عن نفسه: " حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".
وقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار، وهو يرمي بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقص الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له: " إن ابنك إن كبر نصح في دينه وذبَّ عن شريعة ربه ".
رحلتـه في طلـب العلـم:
أول رحلة كانت إلى الرَّي فأخذ عن محمد بن حميد الرازي، ثم رحل به والده بعد سنوات قليلة من تحصيله لبعض العلوم الشرعية وكانت هذه الرحلة إلى بغداد حيث بها إمام أهل السنة والجماعة، والعالم الذي أطبقت شهرته الآفاق، أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ إلا أن الأقدار لم تحقق للولد أمنيته فقد مات العالم الجليل قبل أن يصل محمد بن جرير إلى بغداد.

فانصرف عن بغداد، واتجه إلى البصرة وهي موطن العلم ومهبط القضاء، فجلس بين يدي علمائه، وأخذ عن شيوخها كمحمد بن بشار المعروف ببندار، ومحمد بن الأعلى الصنعاني، وغيرهم حيث كتب فيها عن إسماعيل بن موسى الفزاري ( توفي سنة 245 هـ )، وهناد بن السري الدارمي ( توفي سنة 243 هـ )، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمذاني ( توفي سنة 248 هـ )، ثم انتقل إلى واسط، ثم الكوفة، ثم رجع إلى بغداد مرة أخرى، وكان قد صلب عوده واستقام فكره، فأقام بها حيناً من الزمان ثم إنه فكر في الرحيل إلى مصر، فوصل إليها ستة 253 ه.
وهناك اجتمع بمحمد بن إسحاق بن خزيمة، العالم المؤرخ، حيث قرأ عليه كتابه في السيرة، وأخذ عن شيوخه، كيونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي ـ رحمهما الله ـ وإسماعيل بن يحيى المزني، وغيرهم.
وعاد أبو جعفر إلى بغداد بعد رحلة طويلة، وانقطع للدرس والتأليف وقد شغله كل ذلك عن أن يتزوج أو أن ينشغل بمطالب الحياة، فعاش عَزَباً ـ رحمه الله. يقول الطبري عن نفسه: " ما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط ".
نعم …… كان رحمه الله عفيفاً في نفسه منضبطاً في أخلاقه، وكان يرفض دائماً هدايا الوزراء والحكام مترفعاً عن قبول نفحات السلاطين. ويذكر المؤرخون أن الخاقاني لما تقلد الوزارة، أرسل إلى ابن جرير مالاً كثيراً فأبى أن يقبله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعاتبه أصحابه وقالوا له: لك في هذا ثواب، وتُحي سنةً قد دَرَسَت، وطمعوا أن يستجيب لهم ويقبل ولاية المظالم، فانتهرهم قائل: " لقد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه " فخجلنا منه.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
تمتع الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ بمواهب فطرية متميزة، جبله الله عليه، وتفضل عليه به، كما حفلت حياته بمجموعة من من الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والسيرة المشرفة، ومن هذه الصفات:

1- نبوغ الطبري وذكاؤه:
إن كثيرا من صفات الإنسان تكون هبة من الله عز وجل وعطاء مبارك، من ةالخالق الباريء، ولا دخل للإنسان فيه، والله يختص برحمته من يشاء، ويفضل بعض الناس على بعض، ويرزق المواهب الخاصة لعباده.

وكان الطبري- رحمه الله ـ موهوب الغرائز، وقد حباه الله بذكاء خارق، وعقل متقد، وذهن حاد، وحافظة نادرة، وهذا ما لاحظه فيه والده، فحرص علي معونته على طلب العلم وهو صبي صغير، وخصص له موارد أرضه لينفقها على دراسته وسفره وتفرغه للعلم. ومما يدل على هذا الذكاء أنه ـ رحمه الله ـ حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وصلي بالناس وهو ابن ثماني سنين، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين.
2- حفظ الطبري:
كان الطبري رحمه الله ـ يتمتع بحافظة نادرة، ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاته، وأدلتها وشواهده، وإن كتبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك، حتي قال عنه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس " والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ إلي أن مات ما حفظه فلان طول عمره "

3- ورع الطبري وزهده:
وهاتان الصفتان من فضائل الأخلاق، ومن أشد الصفات التي يجب أن يتحلي بها العالم والداعية، والمربي والإمام، وكان الطبري ـ رحمه الله ـ على جانب كبير من من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبعد عن مواطن الشبه، واجتناب محارم الله تعالي، والخوف منه، والاقتصار فى المعيشة على ما يرده من ريع أرضه وبستانه الذي خلفه له والده. فاعنه ابن كثير "وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام فى الحق لا تأخذه لومة لائم، وكان من كبار الصالحين".

وكان الطبري ـ رحمه الله ـ زاهدا فى الدني،غير مكترث بمتاعها ومفاتنه، وكان يكتفي بقليل القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده، ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء.
4ـ عفة الطبري وإباؤه:
وكان الطبري ـ رحمه الله عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء، لأن فعل اللسان قد يتجاوز فى بعض الأحيان السنان، ولأن جرح السيف قد يشفي ويبر، ولكن هيهات أن يشفي جرح اللسان.

وكان الطبري متوقفا عن الأخاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن على الظاهري فى مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه، فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مضة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنف كتابا فى هذه المسألة والمناظرة، وكان الطبري عفف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحد، مهما ظاقت به النوائب، ويعف عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا.
5ـ تواضع الطبري وعفوه:
كانت الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالي بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يدعي إلي الدعوة فيمضي إليه، ويسال فى الوليمة فيجيب إليها.وكان رحمه الله لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ فى وعه، ويعفو عمن أساء إليه.

وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنع عليه، وأخذ بالرد عليه، لأن الطبري ناظر والده، وفتند حججه، ورد آراءه، فلما التقي الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك، وأثني على علم أبيه، حتي وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري.
ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت علي باطل، ولا يماليء فى حق، ولا يساوم فى عقيدة أو مبد، فكان يقول الحق، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئا فى إعلان الصواب مهما لحق به من أذي الجهال، ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين.
مـرتبتـه العلميـة:
كان ابن جرير ـ رحمه الله ـ عالماً فاضلاً ومفكراً إسلامياً جليل،شغف منذ صباه بالعلم ووهبه جُلَّ حياته، وقصر عليه أيامه ولياليه. حدث عن نفسه فقال: " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له: إذا كان غداً فتعال إلىَّ "، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة، يقول: " فأمسيت غير عروضي، وأصبحت عروضياً ".

ولكثرة تعمقه في العلوم الشرعية، صار مجتهداً في الفقه صاحب مذهب بعد أن كان على مذهب الشافعي ـ رحمه الله. يقول أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري، أحد تلاميذه: " كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لأنه جمع من علوم الإسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد من الأمة، ولا ظهر من كتب المصنفين، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له ".
ووصفه الخطيب بقوله: " كان إماماً يُحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، وكان عالماً بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ".
وذكر الخطيب في تاريخه أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب كل يوم منها أربعين ورقة. وقال أبو حامد الإسفراييني " لو سافر رجل إلى الصين حتي يحصل له كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيراً ".
وقال عنه الذهبي ـ رحمه الله: كان ثقة حافظاً صادق، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ و أيام الناس، عارفاً بالقراءات، واللغة، وغيره.
وما ذكرناه غيض من فيض من كلام العلماء وثناءهم على ابن جرير، وإن كانت كتبه تغنيه عن شهادات الشهود، وما بقى فيها يدل على أنه كان من أفذاذ الموسوعيين في العالم، وحسبنا من تواليفه تاريخه وتفسيره.

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:42 AM

آراء العلماء فيه:
قال عنه ياقوت الحموي " أبو جعفر الطبري المحدث، الفقيه، المقريء، المؤرخ، المعروف، المشهور "

وقال الخطيب البغدادي " كان أحد أئمة العلم، يحكم بقوله، ويرجع إلي رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره "
وقال القفطي " العالم الكامل، الفقيه، المقريء، النحوي، اللغوي، الحافظ، الإخباري، جامع العلوم، لم ير فى فنونه مثله.... وصنف التصانيف الكبار "
وقال ابن سريج " محمد بن جرير الطبري فقيه العلم "
وقال عنه محمد بن إسحاق بن خزيمة " ماأعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير "
وقال ابن كثير " كان احد أئمة الإسلام علما وعملا بكتاب الله وسنة رسوله"
وقال الإمام الذهبي " الإمام الجليل، المفسر أبو جعفر، صاحب التصانيف الباهرة......، من كبار أئمة الإسلام المعتمدين "
وقال عنه ابن تغري بردي " وهو أحد أئمة العلم، يُحكم بقوله، ويُرجع إلي رأيه، وكان متفننا فى علوم كثيرة، وكان واحد عصره "
مؤلفات الطبري:
ترك لنا الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته،، ودقته فى اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة به.

وكان له قلم سيال، ونفس طويل، وصبر فى البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية فى صنوف العلوم، مع ما من اللله عليه من ذكاء خارق، وعقل راجح متفتح، وجلد على تحمل المشاق.ومن هذه المؤلفات:
1- جامع البيان عن تأويل القرآن،المعروف بتفسيررالطبري، وهو موجود وطبع عدة مرات.
2- تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري، وهو موجود ومطبوع.
3- كتاب ذيل المذيل،طبع منه جزء، وسوف نعرض له مع كتاب التاريخ تفصيل.
4- اختلاف علماء الأمصار فى أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاءوهو فى علم الخلاف، وبقي منه جزء وطبع.
5- لطيف القول فى احكام شرائع الإسلام، وهو كتاب فقه فى المذهب الجريري.
6- الخفيف فى أحكام شرائع الإسلام، وهو فى تاريخ الفقه، وهو مختصر لكتاب الللطيف.
7- بسط القول فى أحكام شرائع الإسلام، وهو فى تاريخ الفقه الإسلامي ورجاله وأبوابه.
8- تهذيب اللآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، وسماه القفطي "شرح الآثار" وهو كتاب فى الحديث، بقيت منه بقايا طبعتفى أربع مجلدات.
9- أداب القضاة، وهو فى الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.
10-أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة.
11- كتاب المسند المجرد، ذكر فيه الطبري حديثه عن الشيوخ، بما قرأه على الناس.
12- الرد على ذي الأسفار. وهو رد على داود بن على الأصبهانيمؤسس المذهب الظاهري.
13- كتاب القراءات وتنزيل القرآن، ويوجد منه نسخة خطية فى الأزهر.
14- صريح السنة، وهي رسالة في عدة أوراق فى اصول أصول الدين.
15- البصير فى معالم الدين. وهو رسالة فى أصول الدين، كتبها لأهل طبرستان فيما وقع بينهمو من الخلاف فى الاسم والمسمي، وذكر مذاهب أهل البدع، والرد عليهم.
16- فضائل علي بن أبي طالب. وهو كتاب فى الحديث والتراجم، ولم يتمه الطبري ـ رحمه الله .
17 - فضائل أبي بكر الصديق وعمر، ولم يتمه.
18 _ فضائل العباس. ولم يتمه.
19 _ كتاب فى هعبارة الرؤيا فى الحديث، مات ولم يتمه.
20- مختصر مناسك الحج.
21- مختصر الفرائض.
22- الرد علي ابن عبد الحكم على مالك، فى علم الخلاف والفقه المقارن.
23- الموجز فى الأصول، ابتدأه برسالة الأخلاق، ولم يتمه.
24- الرمي بالنشاب، أو رمي القوس، وهو كتاب صغير، ويشك فى نسبته إلي الطبري.
25- الرسالة فى أصول الفقه. ذكرها الطبري فى ثنايا كتبه، ولعلها على شاكلة الرسالة للإمام الشافعي فى أصول الاجتهاد، والاستنباط.
26- العدد والتنزيل.
27- مسند ابن عباس. ولعله الجزء الخاص من كتاب " تهذيب الآثار " وطبعت البقية الباقية منه فى مجلدين.
28- كتاب المسترشد.
29- اختيار من أقاويل الفقهاء.
والكتب الأربعة الأخيرة لم يذكرها ياقوت في معجم الأدباء.
أولا: تفسير الطبري:
المسمي [جـامـع البيـان في تـأويـل آي القـرآن]:
يعد تفسير الطبري رحمه الله باتفاق العلماء موسوعة علمية كبري، ودائرة معارف متنوعة،لأنه يحتوي مختلف صنوف العلوم الدينية واللغوية، مما يندر وجوده فيتفسير آخر، ولذلك بلغ القمة، واستقر على الذروة، وبقي فى المكان الشامخ، يقصده كل دارس، ويستفيد منه كل مفسر، ويستعين به كل من تناول علما من علوم القرآن.

ويقع هذا التفسير فى ثلاثين جزء من الحجم الكبير، يبدأ بمقدمة ثم يتناول تفسير القرآن الكريم، بحسب ترتيبه المتلو، سورة، وآية آية، ابتدأ من سورة الفاتحة ونهاية بسورة الناس.
أقوال العلماء فى تفسير الطبري:
احتل تفسير الطبري سويداء القلب عند العلماء على مر العصور فى القديم والحديث، وحظي بالرعاية والعناية، وأثني عليه الأئمة والعلماء والمؤرخون والمفسرون، وسطروا الجمل المذهبة حوله،وعلقوا عليه أوسمة الفخار.

قال عنه الإمام النووي " لم يصنف أحد مثله "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " وتفسير محمد بن جرير الطبريوهو من أجل التفاسير وأعظمها قدر........" وقال " وأما التفاسير التي فى أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير الكلبي "
وقال مؤرخ الإسلام المحدث الحافظ الذهبي " وله كتاب التفسير، لم يصنف أحد مثله "
وقال عنه القفطي " وصنف التصانيف الكبار، منها تفسير القرآن الذي لم يري أكبر منه، ولا أكثر فوائد "
وقال السيوطي في الإتقان: " وكتابه أجل التفاسير وأعظمها فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين " وقال النووي: " أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري "
وقال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور " فكان جديرا بالتفسير، حين تناوله الطبري بتلك المشاركة الواسعة وذلك التفنن العجيب أن يبلغ به أوجه، وأن يستقر على الصورة الكاملة التي تجلت فيها منهجيته، وبرزت بها خصائصه مسيطرة علي كل ما ظهر من بعده من تآليف لا تحصي فى التفسير "
مصـادر الطبري فى تفسيره:
الطابع المميز لتفسير الطبري اعتماده على المأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آراء الصحابة والتابعين، ثم أضاف إلى التفسير بالمأثور ما عرف في عصره من نحو وبلاغة وشعر، كما رجع إلى القراءات وتخير منها ورجح ما تخيره، وعرض كثيراً من آراء الفقهاء في مناسباته، ورجح ما رآه موافقاً للدليل، وكذلك استعان بكتب التاريخ فنقل عن ابن إسحاق وغيره.

وقد حوى ابن جرير جميع تراث التفسير الذي تفرق قبله في كتب صغيرة منذ عصر عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري.
منهجـه في التفسيـر:
1ـ اتبع طريقة الإسناد في سلاسل الروايات، لذا كان تفسيره سجلاً لما أثر من آراء، وغالباً ما يلخص الفكرة العامة... ويعقب عليها بذكر الروايات التي قد تختلف في التفصيل والإيجاز.

2ـ تجنب التفسير بالرأى. وعقد فصلاً في مقدمة كتابه، ذكر فيه بعض الأخبار التي رويت بالنهى عن القول بالتفسير بالرأي، والتزم هذا الأسلوب في كتابه... حيث أنحى باللائمة على القول بالرأى ومما يزيد ذلك ما جاء في تفسيره: ( فقائل في تأويل كتاب الله الذى لا يدرك علمه إلا ببيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جعل إليه بيانه، قائل بما لا يعلم وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم قائل على الله ما لا علم له.
3ـ دقة الإسناد: كان رحمه الله أميناً دقيقاً في ذكر السند وفي تسجيل أسماء الرواة، لأنه اتصل بكثير من العلماء وسمع منهم، فإذا كان قد سمع هو وغيره قال: حدثن... وإذا كان قد سمع وحده قال حدثني... وإذا نسي واحداً من سلسلة الرواية صرَّح بنسيان اسمه.
4ـ الاستعانة بعلم اللغة: هذا وقد مكنه علمه باللغة وأساليب استعمالها أن يفضل معنىً للكلمة على معنىً آخر تحتمله، ومن ذلك قوله: وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً}… [الفرقان:61] يعني بالبروج القصور... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء، لأن ذلك في كلام العرب. ومنه {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}… [النساء:78] ومنها قول الأخطل لعنه الله: كأنها برج رومي يشيده بان بجص وآجر وأحجار
5ـ الإكثار من الأحاديث النبوية: وكان يكثر من الأحاديث النبوية، لأنه درس الحديث على كبار المحدثين في عصره، وفي مقدمتهم علماء طبرستان.
6ـ الاستشهاد بالشعر: وكثيراً ما اعتمد على الشعر في بيان المراد من الكلمة، تارة يذكر اسم الشاعر وأخرى يغفله مكتفياً بالشعر.
7ـ تسجيل القراءات: عرض وجوه القراءات ورجح ما ارتضاه لأنه كان عالماً بالقراءات ومؤلفاً فيه... وله أيضاً عناية بتفصيل مذاهب النجاة في كثير من المواضع ليجلو المعنى.
8ـ مناقشة الآراء الفقهية: للطبري كتاب اختلاف الفقهاء... فهو فقيه دارس للمذاهب كلها، بل ومجتهد صاحب مذهب اختاره لنفسه... ومن البداهة أن يعرض للآراء الفقهية ويناقشها في مناسباتها من آيات الأحكام... وينتهي في مناقشة كل منها إلى ما يستصوبه... وكان يعرض لآراء المتكلمين ويسميهم أهل الجدل ويناقشها ويصوب الرأي السلفي الذي يدين به.
والإدلاء برأيه بعد المناقشة سمة ظاهرة في تفسيره... فكان يرفض ويعلل لرفضه وكان يرجح ويدلل على ترجيحه... وكان يؤيد ويبرهن على تأييده.
9ـ وإذا كان تفسير ابن جرير من أجل التفاسير، بالمأثور وأعظمها قدراً، فلم سمّى كتابه جامع البيان عن تأويل القرآن؟! ولم يستعمل كلمة تفسير بل تأويل. والجواب أن التأويل الذى يريده الطبري هو التفسير كما يتضح من خصائص تفسيره، فاللفظان: التفسير والتأويل مترادفان عنده، وهما بمعنى الكشف عن ألفاظ القرآن والتوضيح لمعانيه ومراميه.
فالتفسير لغة: كشف المراد عن اللفظ المشكل وأصله من الفَسْر، وقيل هو مقلوب: السَّفر، أسفر الصبح إذا أضاء. وقيل التفسير أعم من التأويل. فالتفسير بيان العبارة القرآنية من مفردات وجمل بياناً كاشفاً لحقيقة المعنى على حسب المتعارف عليه من أساليب العرب في كلامهم وخطابهم إما حقيقة وإما مجازاً، سواء كان المعنى متبادراً بالاستعمال، كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر، أو غير متبادر كتفسير {أُخْفِيهَا} في قوله {أَكَادُ أُخْفِيهَا}… [طـه:15] بمعنى أظهرها.
والتأويل اجتهاد المفسر في ترجيح المقصود من المعاني المختلفة التي يحتملها اللفظ فكأن التأويل: إخبار عن حقيقة المراد كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} … [الفجر:14]، تأويله: التحذير من التهاون بأمر الله أو الوعيد [ لمن يخالف أمر الله] بينما تفسير: {لَبِالْمِرْصَادِ} أنه من أرصد، يقال: أرصدته أى رقبته، والمرصاد مفعال...
10 ـ بالجملة: فالطبري رأس المفسرين على الإطلاق، وأنه جمع في تفسيره بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد من قبله ولا من بعده.
ومنهجه في التفسير؛ فالطبري - بلا منازع - اُعتبر أبًا للتفسير، بَلْ شيخ المفسرين، وعُدَّ تفسيره من أقوم التفاسير وأشهرها، والمرجع الأول للتفسير بالمأثور.

وقد أجمع العلماء على عظيم قيمة هذا التفسير، وأنه لا غنى عنه لطالب العلم عمومًا، وطالب التفسير على وجه الخصوص؛ يقول النووي فيه: " أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري " أما ابن تيمية فيقرر أن تفسير الطبري أصح التفاسير التي بين أيدي الناس.
وقد كان "تفسير الطبري " محط اعتبار عند المتقدمين، وكان كذلك عمدة عند المتأخرين من أهل العلم عموماً والتفسير خصوصاً؛ فهو مرجع الأولين، وهو ملاذ الآخرين في موضوع التفسير.
وكما كان لهذا التفسير أوَّليَّة زمانية فقد كان له كذلك أوَّليَّة موضوعية، فهو لم يقتصر على لون واحد من التفسير، بل اشتمل على ألوان من التفسير، رفعت من شأنه، وجعلت له تلك المنـزلة عند العلماء؛ فـ الطبري - على الرغم من اعتماده على التفسير بالمأثور أساساً - جمع إلى جانب الرواية جانب الدراية، واهتم بالقراءات القرآنية أي اهتمام، وكان له اعتناء بعرض وجوه اللغة، فضلا عن آرائه الفقهية واجتهاداته التي أودعها كتابه المذكور.
إلاَّ أن السمة البارزة التي ميزت الطبري في " جامعه " ذاك المنهج العلمي الذي سلكه في التفسير؛ فـ الطبري بحق - كما يتبين لقارئ تفسيره - كان صاحب منهج واضح.
ونستطيع أن نوجز منهج الطبري في "تفسيره" في النقاط التالية: - اعتماده أساساً على التفسير بالمأثور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صحابته الكرام، أو التابعين؛ وهو لا يكتفي بذلك، بل نجده يشدد النكير على من يفسر القرآن بمجرد الرأي فحسب.
ولا يُفهم من هذا النهج أن الطبري لم يكن يُعمل الرأي في تفسيره، بل الواقع خلاف ذلك، إذ إننا كثيرًا ما نجده يُرجِّح أو يصوب أو يوجِّه قولاً لدليل معتبر لديه.

- كان يقف من السند موقف الناقد البصير، والعالمِ النحرير، الذي لا يقبل الرواية إلا بعد تمحيص وتدقيق.
- ثم إنه كان يقدر إجماع الأمة، ويعطيه اعتباراً كبيراً في اختيار ما يذهب إليه ويرتضيه.
- أما منهجه في التعامل مع القراءات القرآنية فيقوم على رد القراءات التي لم ترد عن أئمة القراءات المشهود لهم، أما القراءات الثابتة فكان له اختيار فيها؛ فهو أحياناً يرفض بعضها لمخالفتها الإجماع، وأحياناً أخرى يفضِّل قراءة على أخرى لوجه يراه، ويكتفي حيناً بالتسوية بين تلك القراءات دون ترجيح.
- ومن منهجه كذلك أنه لم يكن يهتم بتفسير ما لا فائدة في معرفته، وما لا يترتب عليه عمل؛ كمعرفة أسماء أصحاب الكهف، ومعرفة نوع الطعام في المائدة التي نزلت على رسول الله عيسى عليه السلام ونحو ذلك.
- وكان الطبري يحتكم كثيراً في تفسيره عند الترجيح والاختيار إلى المعروف من كلام العرب، ويعتمد على أشعارهم، ويرجع إلى مذاهبهم النحوية واللغوية.
- وكما أِشرنا بداية فقد كان الطبري صاحب مذهب فقهي، وهذا واضح في "تفسيره"، فنحن كثيراً ما نراه يعرض لآيات الأحكام ويناقشها ويعالجها، ثم يختار من الأحكام الفقهية ما يراه الأقوى دليلاً والأوجه تعليل.
- وكان من منهج الطبري أيضًا تعرضه لكثير من مسائل علم الكلام والعقيدة، والرد على كل من خالف فيها ما عليه أهل السنة والجماعة، وكان هذا النهج واضحًا لديه في رده على كثير من آراء المعتزلة ومن شابههم.
- ثم أخيراً نَلْمَحُ الطبري يسوق في تفسيره أخباراً من القصص الإسرائيلي، ومن ثَمَّ يتعقَّبها بالنقد والتمحيص؛ لكن - وعلى الرغم من ذلك فاته بعض المرويات التي لا تزال تحتاج إلى النقد الفاحص، والتمحيص الناقد.
تلكم كانت جولة سريعة أطللنا من خلالها على شيخ المفسرين، وعلى تفسيره "الجامع" وتعرَّفنا - بإيجاز - على أهم سمات منهج الطبري في "تفسيره". نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين التوفيق والرشاد في الأمر كله.
المآخذ على تفسير الطبري:
الطبري رحمه الله ليس معصوما من اتالخط، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه ن إلا صاحب النبوة، كما قال الإمام مالك رحمه الله، وكتاب الطبري الذي بلغ ستة آلاف صفحة ليس غريبا أن ترد عليه بعض الملآخذ، وأن تصدر منه أخطاء، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول فى الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة " كل ابن آدم خطاء "

ولذلك لم يسلم تفسير الطبري من النقد، وكشف الأخطاء التي وقع فيه، والغلط الذي جاء فى تفسيره.ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- لم يطبق الطبري منهجه النقدي الكامل للأسانيد على جميع ماجاء فى التفسير، وإنما فعل ذلك فى بعض الروايات النادرة، وترك غيرها مع ما فيها من أسانيد ضعيفة كان جديرا به أن ينبه عليها ويكشفه.
2- حشد الطبري فى تفسيره كثيرا من الروايات الإسرائيلية والنصرانية والأساطير والخرافات، وقصص الوعظ الخيالية، وكان المفروض علي الطبري أن ينبه علي حقيقته، دون أن يكتفي بذكرها وإشاعتها والسكوت عنه.
3- ورد في تفسير الطبري بعض الروايات المتناقضة لابن عباس (رضي الله عنهما) ولم يرجح رواية منها على أخري، ولم يتعرض لبيان الصواب من ذلك، كما اعترض بعض العلماء على الطبري فى نقده لبعض القراءات، وإبهامه لأسماء بعض علماء العربية الذين أخذ منهم، وأشار إلى أسمائهم إشارة.
وهذه الأخطاء ـ والحمد لله ـ ليست فى العقيدة، ولا فى أصول الدين، ولا فى أركان الإسلام، ولا فى قواعد الدين، ولا فى الأحكام القطعية، ولا فى النصوص الثابتة ولا فى معاقد الإجماع.
ويبقي تفسير الطبري ثروة عظيمة، وذخيرة من ذخائر الإسلام، ومصدرا أصيلا لكل مفسر وعالم مجتهد، ومرجعا مهما فى جميع العلوم اللغوية والعلوم الشرعية من علوم القرآن، إلي علوم السنة، إلي علوم السيرة إلي علوم الفقه والعقيدة وأصول الدين، والمذاهب الفقهية والكلامية، والفسير بالمأثور والرأي والاجتهاد والمعقول.
ثانيا: تاريخ الطبري: المسمي [تاريخ الأمم والملوك]
بهذا الكتاب لمع اسمه وتخلد، وذاع صيته، وغذا أطلق علي الطبري المؤرخ بسبب هذا الكتاب، واسم الكتابالمشهور به هو " تاريخ الأمم والملوك " وطبع بهذا العنوان، ولكن ياقوت الحموي ذكر اسما آخر لهذا له وهو " تاريخ الرسل والانبياء والملوك والخلفاء "، وكلا الاسمين يدلان على موضوع الكتاب ويسمي أيضا " التاريخ الكبير "
قال ياقوت عن تاريخ الطبري " وهذا الكتاب من الأفراد فى الدني، فضلا ونباهة، وهو يجمع كثير ا من علوم الدين والدنيا "
ويعتبر تاريخ الطبري ذروة التأليف التاريخي عند المسلمين فى القرون الثلاثة الأولي، وهو أوثق مصدر للتاريخ الإسلامي، ويحتل مكانة سامقة بين كتب التاريخ الإسلامي.
محتوي تاريخ الطبري:
انقسم تاريخ الطبري إلي قسمين:
1- القسم الأول تناول الطبري فيه تاريخ العالم قبل الإسلام، وبدأه بخلق آدم أبي البشر، وقصته مع إبليس، ثم عرض الطبري لسيرة الأنبياء من أولاد آدم حتي الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام ) وأرخ بصفةخاصة لبعض الأمم مثلا لفرس، وكذلك الروم وملوكهم، وكذلك اليهود وأنبيائهم، ثم تحدث عن العرب وتحدث عن أجداد الرسول (صلي الله عليه وسلم) وحال قريش ومكة وذلك تمهيدا لعصر الرسالة.

وقد تناول الطبري حوادث هذا القسم على أساس س المواضيع، وليس على طريقة الحوليات، ويمثل هذا الجزء عُشر الكتاب كله.
2- القسم الثاني يتناول فيه تاريخ العالم بعد الإسلام، ابتدأ من نزول الوحي وحتي سنة 302هـ ويشمل هذا القسم أربعة عهود متميزة:
أ ـ العهد النبوي
ب-العهد الراشدي
ج- العهد الأموي
دـ العهد العباسي حتي سنة 302هـ.

أهمية تاريخ الطبري وقيمته العلمية:
وصل كتاب الطبري فى التاريخ إلي قمة التأليف التاريخي عند العرب والمسلمين فى القرون الثلاثة الأولي، واحتل ذروة التقدير والاهتمام لديمعاصري الطبري، وفيما بعد خلال التاريخ الإسلامي، وحتي وقتنا الحاضر، وسيبقي تاريخ الطبري فى القمة والذروة، وسيبقي المرجع الأول، والمصدر الأصيل، والموئل الموثوق به لدي كل باحث وكاتب في التاريخ الإسلامي، وتظهر أهمية الكتاب فى الأمور التالية:

1- كتاب الطبري هو أول كتاب فى التاريخ العام
2- أقدم مصدر كامل للتاريخ العربي وفى اللغة العرية منذ أوائل الزمان إلي أول القرن الرابع الهجري
3- جمع الطبري فى تاريخه كثيرا من أخبار العرب فى الجاهلية وحفظها من الضياع، كما أرخ للقرون الأولي بعد الإسلام
4- دون الطب ي قفى تاريخه تاريخ الفرس، وأبدع فى ذكر كثير من الحقائق والتي لا توجد عند غيره
5- كان الطبري رخمه الله دقيقا جدا في ذكره لتاريخ الرومان، وذكر أسماء الأباطرة حتي عصر هرقل سنة 641م الموافق21هـ.
6- يعتبر كتا ب الطبري المنبع الصافي لكثير من المؤرخين الذين جاؤا بعد ذلك، فقد استقوا منه المادة التاريخية، وتفننوا فى عرضها مثل مسكويه (421هـ) وابن الأثير (630 هـ) وابن خلدون (808هـ).
7- إن كتاب الطبري حافل بالنصوص الأدبية التي ذكرها فى تراجم أصحابه، سواء كانت شعرا أو خطبا أم رسائل أدبية أم محاورات ولا توجد فى كتاب آخر.
آراء العلماء في تاريخ الطبري:
تعددت أقوال العلماء في هذا الخصوص اعترافا منهم بفضل الطبري ومكانته التاريخية، وسجلوا ذلك بعبارات مضيئة، وأحرف من نور منه:

قال الخطيب البغدادي " وله الكتاب تالمشهور فى تاريخ الأمم والملوك "
وقال ابن الأثير " فى مقدمة كتابه الكامل " ولقد جمعت فى كتابي هذا مالم يجتمع فى كتاب واحد ـ فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو المعول عليه عند الكافة، والرجوع إليه عند الاختلاف، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه، لم أخل
بترجمة واحدة منها "
وأخيرا قال الأستاذ شاكر مصطفي عن الطبري " وهو علم معروف فى التاريخ الإسلامي (وفي التفسير ) بلغ به التدوين التاريخي نهاية عهد التكوين والنشأة قمة من قمم التاريخ الحقيقي.
المآخذ على تاريخ الطبري:
قلما يسلم عمل أي إنسان من النقص، أو يصدر بشكل كامل، فإن الكمال لله وحده، وكل عمل للبشر معرض للنقص والخط، والنقد والمآخذ، ولذلك سجل علماء التراجم والتاريخ عدة ملاحظات علي تاريخ الطبري والمادة العلمية فيه، وعلي منهجه الذي سلكه ومن هذه المآخذ:

1- لم يحفظ الطبري التوازن بين فترات التاريخ قبل الإسلام وبعد الإسلام، فإن الجزء الأول تقريبا عشر الكتاب.
2- أسرف الطبري فى ذذكر الإسرائيليتات والخرافات والأوهام والحكايات فيما يتعلق ببدء الخلق وقصص الأنبياء والتاريخ القديم، دون أن يمحص ذلك ويعرضه علي النقض والمنطق والعقل ومما جاء فى القرآن والسنة.
3- اهتم الطبري في تاريخه بالأحداث السياسية، فحصر تاريخه غالبا فى المشاكل الداخلية للدولة، وما يتصل بالسياسة الداخلية للدولة، وأغفل كثير ا الحديث عن الفتوحات الإسلامية مثل الأندلس.
4- كان فهم الطبري للتاريخ العالمي أقل وأضيق من فهم بعض المؤرخين السابقين له كاليعقوبي وابن قتيبة مثلا فى نظرتهم الشمولية، بينما اقتصرت نظرة الطبري إلي تاريخ العالم على الخط الذي يصل بين الأنبياء والعهد الجاهلي كمقدمة للتاريخ الإسلامي.
5- اقتصر الطبري فى تاريخه عما نقله من المصادر والأسناد الماضية، وهذا صرفه عن النظر فى أحداث عصره، فلم يسجلها فى كتابه، ولم يؤرخه، فجاءت الأحداث التي عاصرها باهته، ومختصرة جد، مع أن الطبري كان علي إطلاع واسع به.
6- كان مفهوم التاريخ عند الطبري متأثرا بالنزعة الدينية أكثر من تأثره بالنظرة التجاربية، فأحداث التاريخ عبارة المشيئة الإلهية والتاريخ مستودع خبرات الأمة، دون اهتمام بقيمة التجاربالتي مرت به، ورسالتها التاريخية الواحدة.
وهذه الملاحظة تعتبر مزية فى تاريخ الطبري المحدث والمفسر والمجتهد والعالم والحافظ للقرآن، وقد عبر عن وجهة النظر الإسلامية عامة، ووجهة نظر المحدثين فى كتابة التاريخ بفكرة تكامل الرسالات السماوية فى التاريخ، وأنه تعبير عن المشيئة الإلهية.
يقول الأستاذ شاكر مصطفي " وعلي كل حال، فإن ما قد يوجه إلي تاريخ الطبري من نقد لا يمكن أن يلغي شيئا من قيمته كمؤرخ أول انتهي به العصر الأول للتدوين التاريخي، وكمؤلف ظلت أجيال المؤرخين فى العصور التالية عيالا على كتابه فى كل ما يتصل بالقرون الثلاثة الأولي من تاريخ الإسلام ".
تفسير محيي الدين الخطيب للأخبار الضعيفة في تاريخ الملوك والرسل.
ويتحدث ( محب الدين الخطيب ) عن كتابه فيقول: نحن نعتبر تاريخ الطبري الآن من أقدم مصادرنا، وكان تاريخ الطبري في النصف الثاني من القرن الثالث (أي قبل أحد عشر قرناً)
1- الأخبار الضعيفة عند الطبري فلم يقتصر الطبري على المصادر التي أشرت إلى بعضها، بل أراد أن يقف قارئه على مختلف وجهات النظر، فأخذ عن مصادر أخرى قد لا يثق بها هو بأكثرها، إلا أنها تفيد عند معارضتها بالأخبار القوية، وقد تكمل بعض ما فيها من نقص.
كما صنع بنقله كثيراً من أخبار أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي الذي قال فيه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: "إخباريٌّ تالف لا يوثَق به، تركه أبو حاتم وغيره.
وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء.
وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم. مات قبل السبعين ومائة".
فقد نقل الطبري من أخباره في مئات المواضع، ولو أن الذين ينقلون عن الطبري ويقفون عنده، استقوا أخبارهم من لوط بن يحيى هذا واكتفوا بعزوها إلى الطبري لظلموا الطبري بذلك، وهو لا ذنب له بعد أن بيَّن لقارئه مصادر أخباره، وعليهم أن يعرفوا نزعات أصحاب هذه المصادر ويزِنُوها بالموازين العادلة اللائقة بهم وبها.
إن مثل الطبري ومن في طبقته من العلماء الثقات المتثبّتين - في إيرادهم الأخبار الضعيفة - كمثل رجال النيابة الآن إذا أرادوا أن يبحثوا في قضية فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه، اعتماداً منهم على أن كل شيء سيقدَّر بقدره.

وهكذا الطبري وكبار حملة الأخبار من سلفنا كانوا لا يفرّطون في خبر مهما علموا من ضعفِ ناقله خشية أن يفوتهم بإهماله شيء من العلم ولو من بعض النواحي، إلا أنهم يردُّون كل خبر معْزواً إلى راويه ليعرف القارئ قوة الخبر من كون رواته ثقات أو ضعفَه من كون رواته لا يوثَق بهم، وبذلك يرَوْنَ أنهم أدُّوا الأمانة، ووضعوا بين أيدي القرّاء كل ما وصلت إليه أيديهم.

قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الطبراني من لسان الميزان: "إن الحفّاظ الأقدمين يعتمدون في روايتهم الأحاديث الموضوعة مع سكوتهم عنها على ذكرهم الأسانيد، لاعتقادهم أنهم متى أوردوا الحديث بإسناده فقد بَرِئوا من عهدته، وأسندوا أمره إلى النظر في إسناده".
ومن فوائد إيراد الحادث الواحد بأخبار من طرق شتى وإن كانت ضعيفة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة تفسير القرآن (ص 30-31): "إن تعدُّد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون القول (أي بالقدر المشترك في أصل الخبر) لكن هذا يُنتَفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين (أي نزعاتهم والجهة التي يحتمل أن يتعصب لها بعضهم)، وفي مثل هذا يُنتَفع برواية المجهول، والسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه لا يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره. قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره".
ومن الإنصاف أن نشير إلى أن اتساع صدور أئمة السنة - من أمثال أبي جعفر الطبري - لإيراد أخبار المخالفين من الشيعة وغيرهم، دليل على حريتهم، وأمانتهم، ورغبتهم في تمكين قرّائهم من أن يطّلعوا على كل ما في الباب، واثقين من أن القارئ الحصيف لا يفوته أن يعلم أن مثل أبي مخنف موضع تهمة - هو ورواته- فيما يتصل بكل ما هم متعصبون له، لأن التعصب يبعد صاحبه عن الحق.
أما سعة الصدر في إيراد أخبار المخالفين فهي دليل على عكس ذلك. وعلى القارئ الحصيف أن يأخذ ما صفا ويدع م... أن يستخلص الحق عندما يكون موزعاً أو معقداً.
الانتفاع بأخبار الطبري إنما ينتفع بأخبار الطبري من يرجع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل. فتراجم شيوخه مباشرة وشيوخهم توجد في الأكثر في مثل تذكرة الحفاظ للذهبي.
وتراجم الرواة الذين كانوا إلى أواخر المائة الثانية توجد في خلاصة تذهيب الكمال للصفي الخزرجي وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر. والذين تناولهم الجرح من الضعفاء يترجم لهم الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال والحافظ ابن حجر في لسان الميزان.
وفي طبقات ابن سعد وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الإسلام للذهبي والبداية والنهاية لابن كثير. وإن كتب مصطلح الحديث تبين الصفات اللازمة للراوي ومتى يجوز الأخذ برواية المخالف.
ولا نعرف أمة عنى مؤرخوها بتمحيص الأخبار وبيان درجاتها وشروط الانتفاع بها كما عنى بذلك علماء المسلمين.
وإن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى أن الطبري رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني ويظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار.
ولو أنهم تمكنوا من علم مصطلح الحديث، وأَنِسوا بكتب الجرح والتعديل، واهتموا برواة كل خبر كاهتمامهم بذلك الخبر لاستطاعوا أن يعيشوا في جو التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غثّ الأخبار وسمينها، ولعرفوا للأخبار أقدارها بوقوفهم على أقدار أصحابها.
وبعد فإن تَرِكَة سلف هذه الأمة - في كل ضرب من ضروب المعرفة - من أنفس ما وَرِثت عن أسلافها. وقد كانت لعلمائنا الأقدمين مشاركة في علوم كثيرة، فجاءت مؤلفاتهم مرتبطاً بعضها ببعض ومكمّلاً بعضها لبعض.
والذي ألّفوه في التاريخ واعتمدوا فيه على الرواية، مبالغةً منهم في أداء الأمانة كاملة وافية، لا يجوز لمن ينقله عنهم أن يقصر في عرض تلك الأخبار على قواعد علم الرواية وعلى المعاجم المؤلفة في الرُّواة، وإن لم يفعل أخطأ الطريق، وكان عمله خارجاً عن مناهج العلماء.
وإذا كان يؤخذ عليه أنه يذكر سلاسل الروايات من غير بيان وتمييز لصحيح هذه الروايات من ضعيفها فلأنه على ما يظهر أنه من المؤلفين الذين يرون أن ذكر السند يخلي المؤلف من المؤاخذة والتبعة ولو لم ينص على درجة الرواية. رحم الله الطبري رحمة رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته بخدمته الإسلام والمسلمين.
وفاته:
بارك الله فى حياة الطبري فعاش ستة وثمانين عاما فى سبيل العلم ونشره، وتضاعفت الأعوام بنا لا يعلمه إلا الله نعالي، لتبق يذكره خالدة فى التاريخ، واسمه يتردد على الألسنة، وكتبه تتنقل من جيل إليجيل، وعلمه ينتفع به الناس إلي يوم القيامة.

وبقي الطبري مستوطنا فى بغداد ـ عاصمة الدولة العباسية ـ وأعظم مركز للعلم والمعرفة في العالم في ذالك الوقت ـ يؤدي رسالته، ويلتف حوله طلاب العلم والعلماء، ويملي كتبه الي بدأ بعضها فى آخر حياته.
وهكذا عاش الطبرى راهبا فى محراب العلم والعمل حتى جاءته الوفاة ولا رآد لأمر الله قال الخطيب: " واجتمع عليه - حال الجنازة - من لا يحصيهم عدداً إلا الله، وصُلِّي على قبره عدة شهور ليلاً ونهار، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب "، وكان ذلك في يوم 26 من شهر شوال الموافق سنة 310 هـ.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 12:58 AM


جلال الدين السيوطي


نشأته وتربيته:
ولد السيوطي مساء يوم الأحد غرة شهر رجب [849هـ الموافق سبتمبر 1445م] بالقاهرة، واسمه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري الأسيوطي، وكان سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه

يروي السيوطي عن نفسـه في (طبقات المفسرين) فيقول: أما جدي الأعلى همّام الدين، فكان من أهل الحقيقة ومن مشايخ الطرق، ومن دونه كانوا من أهل الوجاهة والرياسة، منهم من ولي الحكم ببلده، ومنهم من، ولى الحِسْبة بها، ومنهم من كان تاجرا فيِ صحبة الأمير شيخون،وبَنى مدرسة بأسيوط، ووقف عليها أوقافاَ، ومنهم من كان مقمولا ولا أعلم من خدم العلم حق خدمته إلا والدي.
وأما نسبتنا بالخضيري فلا أعلم ما تكون إليه نسبة هذه النسبة إلا الخضيرية، محلة ببغداد، وقد حدثني من أثق به أنه سمع والدي رحمه اللهّ يذكر أن جده الأعلى كان أعجمياً، أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة.
وقد توفي والد السيوطي ولابنه من العمر ست سنوات، فنشأ الطفل يتيمًا، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه.
وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم "الكمال بن الهمام الحنفي" أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة.
شيوخه:
عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فابتدأ في طلب العلم سنة [864 هـ الموافق 1459م] ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف "شرح الاستعاذة والبسملة" فأثنى عليه شيخه "علم الدين البلقيني".

وكان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه "محيي الدين الكافيجي" الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، وأطلق عليه لقب "أستاذ الوجود"، ومن شيوخه "شرف الدين المناوي" وأخذ عنه القرآن والفقه، و"تقي الدين الشبلي" وأخذ عنه الحديث أربع سنين فلما مات لزم "الكافيجي" أربعة عشر عامًا وأخذ عنه التفسير والأصول والعربية والمعاني، وأخذ العلم ـ أيضًا ـ عن شيخ الحنفية "الأفصرائي" و"العز الحنبلي"، و"المرزباني" "وجلال الدين المحلي" و"تقي الدين الشمني" وغيرهم.
ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن "آسية بنت جار الله بن صالح"، و"كمالية بنت محمد الهاشمية" و"أم هانئ بنت أبي الحسن الهرويني"، و"أم الفضل بنت محمد المقدسي" وغيرهن كثير.
يقول السيوطي رحمه الله فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضيّ زمانه الشيخ شهاب الدين الشار مساحي الذي كان يقال: إنه بلغ السنّ العالية، وجاوز المائة بكثير- والله أعلم بذلك - قرأت عليه في شرحه على المجموع.
وأجِزْت بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين، وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البُلقيني،فكتب عليه تقريظاً، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولدَه، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من الزكاة، وقطعة من ألروضة، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي،ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها.
وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري، فلما توفي لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي،فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروساً من شرح البهجة ومن حاشيته عليها ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي،فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظاً على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد ليِ غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجرِّداَ في حديث، فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الجمرا في الإسراء، وعزاه إلى تخريج ابن ماجة، فاحتجت إلى إيراده بسنده، فكشفت ابن ماجة، في مظنته فلم أجده، فمررت على الكتاب كله فلم أجده، فاتهمت نظري، فمررت مرة ثانية فلم أجده، فعدت ثالثة فلم أجده، ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ فأخبرته، فمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته وأخذ القلم فضرب على لفظ "ابن ماجة" وألحق "أبن قانع " في الحاشية، فأعظمت ذلك وهبته لعظم منزلة الشيخ في قلبي واحتقاري في نفسي، فقلت: إلا تصبرون لعلكم تراجعون! فقال: إنما قلدت في قولي "ابن ماجة" البرهان الحلبي. ولم أنفكّ عن الشيخ إلى أن مات.
ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك. وكتب لي إجازة عظيمة.
وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروساً عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه وتلخيص المفتاح والعَضد.وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي ثلاثمائة كتاب، سوى ما غسلته ورجعت عنه.
تلاميذه:
وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم "شمس الدين الداودي" صاحب كتاب "طبقات المفسرين" الذي كتبه بمساعدة أستاذه " السيوطي"، و"شمس الدين بن طولون"، و"شمس الدين الشامي" محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير "ابن إياس" صاحب كتاب "بدائع الزهور"

رحلاته:
كانت الرحلات وما تزال طريقًا للتعلم، إلا أنها كانت فيما مضى من ألزم الطرق للعالم الذي يريد أن يتبحر في علمه، وكان السيوطي ممن سافر في رحلات علمية ليلتقي بكبار العلماء، فسافر إلى عدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى الشام واليمن والهند والمغرب والتكرور (تشاد حاليًا) ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة، وشرب من ماء زمزم ليصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني.

ولما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء سنة [871 هـ الموافق 1466م] وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق.
ويقول: "وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا.. وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!!".
وكانت الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي يقبل عليها الطلاب، فقد عُيّن في أول الأمر مدرسًا للفقه بالشيخونية، وهي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية.
وقد نشب خلاف بين السيوطي وهؤلاء المتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة يقتلون الرجل، حينئذ قرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة.
السيوطي وعلم التفسير:
للسيوطي رحمه الله باع طويل فة التفسير وعلوم القرآن، لا يقل شلأنا عن أحد من علماء عصره فى ذلك، إن لم يكن أطولهم باع، وأكثرهم تبحرا وتصنيف، يدلنا على ذلك آثاره وما حبرته يده من تواليف ما زالت المرجع فى موضوعاتها حتى اليوم.

يقول السيوطي:" لقد رزقت ولله الحمد التبحر فى سبعة علوم: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع.
ومن آثاره فى تفسير القرآن:
1- الدر المنثور فى التفسير بالمأثور، طبع فى ست مجلدات.
2- التفسير المسند المسمي "ترجمان القرآن".
3- الإتقان فى علوم القرآن، وقد جمع فيه ثمانين نوع من علوم القرآن، وما زال هذا الكتاب عمدة الدراسات القرآنية، فلم يصنف أوعب، ولا أجمع منه. 4- التحبير فى علوم التفسير.
5- الناسخ والمنسوخ فى القرآن، وغير ذلك الكثير والكثير من الدراسات التي تخص القرآن الكريم.

منهجه في التفسير:
صنف السيوطي رحمه الله كتابا كبيرا بعنوان " ترجمان القرآن فى تفسير المسند " جمع فيه ما رواه الحفاظ فى الصحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، وأضاف إلبيه ما رواه المفسرون المسندون مثل ابن جرير الطبري، وعبد الرزاق الصنعاني وغيرهم.....

وأهم ما يميز تفسير السيوطي:
1- يذكر مكان نزول السورة، وهل هي مكية أو مدنية.
2- يذكر ما ورد فى هذه السورة من فضائل.
3- يقسم السورة إلي مقاطع، فيذكر الآية أو الآيتين في السورة المدنية الطوال، أو مجموعة من الآيات فى السورة المكية القصار.
4- ثم يفسر الكلمة أو الجملة مبينا فيه:

أ - سبب النزول إن وجد
ب- القراءات: إن ورد فيها قراءات
ج- الناسخ والمنسوخ
د- شرح غريب اللفظ ومبهم العبارات
هـ - إذا كانت الآية تتضمن أحكاما فقهية، فإنه يذكر ما ورد فيها من أحكام.

السيوطي وعلم التاريخ:
صنف السيوطي رحمه الله كتبا كثيرة فى التاريخ مثل " حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة " و" تحفة المذاكر فى المنتقي فى تاريخ ابن عساكر " و" التحفة الظريفة فى السيرة الشريفة " و" الشماريخ فى علم التاريخ "

منهجه في كتابة التاريخ:
كان للسيوطي رحمه الله منهج فى بحثه التاريخي نستطيع أن نتلمس آثاره فى كتبه التي صنفه:

1- كان السيوطي حريصا على ذكر المصادر التي أخذ عنهامعلوماته، فبركة العلم نسبة القول إلي قائله، بل هو فى التاريخ أكثر ضرورة، نظرا لحاجة التاريخ لمصدر يوثق الحادثة.
2- يوضح المسألة بإبراز الأقوال التي جاءت فيه، والردود التي وردت باسم صاحبه، وذلك نظرا لسعة إطلاعه على المرويات والأخبار.
3- اتبع السيوطي منهج المحدثين بتتبع الأخبار ونقده،كما بين ذلك فى فصل له بعنوان " فصل فى بيان كونه عيه الصلاة والسلام لم يستخلف وسر ذلك " حيث أظهر رايه فى آخر الروايات التيذكره، ودفع المتعارضص منه، وبينأنه لا منفاة بين الأخبار، وهو منهج طبقه أهل الحديث على المرويات، واستفاد منه السيوطي فى التاريخ.
بعض مؤلفاته:
وزادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة، عدّ له بروكلمان (415) مؤلفا، وأحصى له "حاجي خليفة" في كتابه "كشف الظنون" حوالي (576) مؤلفا، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف.

ومن مؤلفاته في علوم القرآن والتفسير:
1- "الاتقان في علوم التفسير"
2- "متشابه القرآن"
3- " الإكليل في استنباط التنزيل"
4- "مفاتح الغيب في التفسير"
5- "طبقات المفسرين"
6- "الألفية في القراءات العشر"

أما الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما روى عن نفسه، وكان مغرما بجمع الحديث واستقصائه لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال، يشتمل الواحد منها على بضعة أجزاء، وفي أحيان أخرى لا يزيد عن بضع صفحات.. ومن كتبه:
7- "إسعاف المبطأ في رجال الموطأ"
8- تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك"
9- " جمع الجوامع"
10 - " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة"
11- " المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي"
12- "أسماء المدلسين"
13- "آداب الفتيا"
14- " طبقات الحفاظ وفي الفقه ألف".
15- "الأشباه والنظائر في فقه الإمام الشافعي".
16 - "الحاوي في الفتاوي"
17- "الجامع في الفرائض".
18- "تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع".

وفي اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة منها:
19- "المزهر في اللغة"
20 - "الأشباه والنظائر في اللغة"
21- "الاقتراح في النحو"
22- "التوشيح على التوضيح"
23- "المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب"
24- "البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك".

وفي ميدان البديع كان له:
25- "عقود الجمان في علم المعاني والبيان"
26- "الجمع والتفريق في شرح النظم البديع"
27- "فتح الجليل للعبد الذليل".

وفي التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة يأتي في مقدمتها:
28- "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة".
29- "تاريخ الخلفاء".
30- "الشماريخ في علم التاريخ".
31- "تاريخ الملك الأشرف قايتباي". 32- "عين الإصابة في معرفة الصحابة".
33- "بغية الوعاة في طبقات النحاة".
34- "نظم العقيان في أعيان الأعيان".
35- "در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة".
36- "طبقات الأصوليين".

ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة:
37- "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف".
38- "الرحمة في الطب والحكمة".
39- "الفارق بين المؤلف والسارق".
40- "الفتاش على القشاش".41- "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".

وقد شاءت إرادة الله أن تحتفظ المكتبة العربية والإسلامية بأغلب تراث الإمام السيوطي، وأن تطبع غالبية كتبه القيمة وينهل من علمه الكثيرون.
اعتزال السيوطي الحياة العامة:
قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة، ومن خصومه: البرهان الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، غير أن أشد خصوماته وأعنفها كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي اتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه.

ولم يقف السيوطي مكتوف الأيدي في هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها "مقامة الكاوي في الرد على السخاوي" نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام
وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبين بعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية أثر في اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، وهو في الأربعين من عمره، وألف بمناسبة اعتزاله رسالة أسماها "المقامة اللؤلؤية"، ورسالة "التنفيس في الاعتذار عن ترك الإفتاء والتدريس".
وقد تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام في النقد والتجريح وخصومات ظالمة، فأعلنوا عن خطئهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافيًا معتذرًا، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، ولكنه استمر في تفرغه للعبادة والتأليف.
اعتزال السلاطين:
عاصر السيوطي (13) سلطانًا مملوكيًا، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم، وضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم، فقد ذهب يومًا للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه الطيلسان [عمامة طويلة] فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه أطلق عليها "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان".

وفي سلطنة طومان باي الأول حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هذا العالم هجر بيته في جزيرة الروضة واختفى فترة حتى عُزل هذا السلطان
وكان بعض الأمراء يأتون لزيارته، ويقدمون له الأموال والهدايا النفيسة، فيردها ولا يقبل من أحد شيئا، ورفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، وألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين".
ريادة ثقافية في عصر العلماء:
كان السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعي الثقافة والاطلاع.
وقد أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعمل وهو في سن الأربعين حتى وفاته، وثراء مكتبته وغزارة علمه وكثرة شيوخه ورحلاته، وسرعة كتابته، فقد اتسع عمره التأليفي (45) سنة، حيث بدأ التأليف وهو في السابعة عشرة من عمره، وانقطع له (22) عامًا متواصلة، ولو وُزع عمره على الأوراق التي كتبها لأصاب اليوم الواحد (40) ورقة، على أن القسم الأكبر من تأليفه كان جمعًا وتلخيصًا وتذييلا على مؤلفات غيره، أما نصيبه من الإبداع الذاتي فجِدّ قليل.
وقد تمنى السيوطي أن يكون إمام المائة التاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، فيقول: "إني ترجيت من نعم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر في أنواع العلوم.
آراء العلماء فيه:
قال عنه تلميذه عبد القادر بن محمد الشاذلي "الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمح له بنظير، شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة ومحيي السنة، العلامة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون،.... وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء، ولسان المتكلمين، إمام المحدثين فى وقته وزمانه......"

وقال عنه تلميذه المؤرخ البحاثة ابن إياس " كثير الإطلاع، نادرة فى عصره، بقية السلف وعمدة الخلف، وبلغت عدة مصنفاته نحوا من ست مئة تأليف، وكان فى درجة المجتهدين فى العلم والعمل "
وقال عنه ابن العماد الحنبلي " المسند المحقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة "
وفاته:
رحم الله شيخنا جلال الدين، الذي كان مفخرة عصره، ومعجز من جاء من العلماء من بعده، وفي منزله بروضة المقياس على النيل بالقاهرة تلقى جموع المسلمون نبأ وفاته الأليم في [19 جمادى الأولى 911هـ الموافق 20 أكتوبر 1505م] ودفن بجواره والده.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:03 AM

الإمام أبو حنيفة


نسبه وقبيلته:
هو النعمان بن ثابت بن المرزُبان، وكنيته أبو حنيفة، من أبناء فارس الأحرار، ينتسب إلى أسرة شريفة في قومه، أصله من كابل - عاصمة أفغانستان اليوم - أسلم جده المرزبان أيام عمر رضي الله عنه، وتحوّل إلى الكوفة واتخذها سكنًا.

مولده ونشأته:
ولد أبو حنيفة رحمه الله بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة على القول الراجح، سنة 699م.

ونشأ رحمه الله بالكوفة في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة، ويبدو أنه كان وحيد أبويه، وكان أبوه يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، ولقد خلف أبو حنيفة أباه بعد ذلك فيه.
حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم في صغره، شأن أمثاله من ذوي النباهة والصلاح.
حين بلغ السادسة عشر من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزياة النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده، فعن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: حججت مع أبي سنة ست وتسعين، ولي ست عشرة سنة، فإذا أنا بشيخ قد اجتمع عليه الناس، فقلت لأبي: من هذا الشيخ؟ قال: هذا رجل قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم، يُقال له عبدالله بن الحارث بن جَزء الزبيدي، فقلت لأبي: قدمني إليه، فتقدم بين يدين فجعل يفرج عني الناس حتى دنوت منه، فسمعت منه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تفقه في دين الله كفاه الله همه، ورزقه من حيث لا يحتسب".
وكان أول ما اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم علم أصول الدين ومناقشة أهل الإلحاد والضلال، ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش تارة ويجادل ويرد الشبهات عن الشريعة تارة أخرى، وكان يدفع عن الشريعة ما يريد أهل الضلال أن يلصقوه بها، فناقش جهم بن صفوان حتى أسكته، وجادل الملاحدة حتى أقرّهم على الشريعة، كما ناظر المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة، وجادل غلاة الشيعة فأقنعهم.
مضى رحمه الله في هذه السبيل من علم الكلام وأصول الدين، ومجادلة الزائغين وأهل الضلال، حتى أصبح علمًا يُشار إليه بالبنان وهو ما يزال في العشرين من عمره، وقد اتخذ حلقة خاصة في مسجد الكوفة، يجلس إليه فيها طلاب هذا النوع من العلوم.
ثم توجه أبو حنيفه رحمه الله إلى علم الفقه وكان سبب توجهه إليه ما رواه عنه زُفَر رحمه الله تعالى، قال: سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغًا يُشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأةٌ يومًا فقالت: رجل له امراة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟
فأمرتها أن تسأل حمادًا ثم ترجع فتخبرني، فسألت حمادًا فقال: يطلقها وهي طاهرة من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين - بعد الحيضة الأولى فهي ثلاث حِيَض - فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج، فرجَعَتْ فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام - أي في علم الكلام -، وأخذت نعلي فجلست إلى حمّاد أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فأحفظ ويخطيء أصحابه، فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
كان زاهدا ورعا أراده يزيد بن هبيرة أمير العراق أيام مروان بن محمد أن يلي القضاء فأبى وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء فامتنع وقال: لن أصلح للقضاء فحلف عليه المنصور ليفعلن فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل فحبسه المنصور...

وكان واسع العلم في كل العلوم الإسلامية وهو الذي تجرد لفرض المسائل وتقدير وقوعها وفرض أحكامها بالقياس وفرع للفقه فروعا زاد في فروعه وقد تبع أبا حنيفة جل الفقهاء بعده ففرضوا المسائل وقدروا وقوعها ثم بينوا أحكامها وكان أبو حنيفة يتشدد في قبول الحديث ويتحرى عنه وعن رجاله فلا يقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا رواه جماعة عن جماعة أو إذا اتفق فقهاء الأمصار على العمل به.
ورعه و تقواه و عبادته لله تعالى:
قال ابن المبارك: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدواً له. قال: والله هو أعقل من أن يسلِّط على حسناته ما يذهب بها.

كان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط و اجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاث في الوتر.
صلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة وحج خمساً وخمسين حجة.
قال مِسْعَر بن كِدَام: رأيتُ الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلتُ في نفسي متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حسبة لله تعالى. فانتصب للصلاة إلى الفجر ثم دخل فلبس ثيابه.
وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطراً ولا بالليل نائماً.
وكان يغفو قبل الظهر إغفاءة خفيفة، وقرأ ليلة حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فما زال يرددها حتى أذَّن الفجر. وردد قوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، ليلة كاملة في الصلاة. وقالت أم ولده: ما توسَّد فراشاً بليل منذ عرفتُه وإنما كان نومه بين الظهر و العصر في الصيف وأول الليل بمسجده في الشتاء.
شيوخه:
بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم، ولا غرابة في هذا ولا عجب، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة، وحج خمسًا وخمسين مرة، وموسم الحج يجمع علماء العالم الإسلامي في الحرمين الشريفين، وأقام بمكة رحمه الله تعالى حين ضربه ابن هبيرة على تولّي القضاء بالكوفة ثم هرب منه ست سنين، وكانت الكوفة مركز علم وحديث تعجّ بكبار العلماء.

وقد كان الإمام رحمه الله حريصًا على اللقي والاستفادة من العلم وأهله، وقد تيسّر له في خمس وخمسين سنة أن يلتقي بأربعة آلاف شيخ، وأن يأخذ عنهم ما بين مكثر منه ومُقِلّ، ولو حديثًا أو مسألة، وقال الإمام أبو حفص الكبير بعد أن ذكر عدد شيوخ الإمام رحمه الله: وقد صنّف في ذلك جماعة من العلماء ورتبوهم على ترتيب حروف المعجم.
وأستاذ الإمام أبي حنيفة هو حماد بن أبي سليمان جاء في "المغني": هو أبو إسماعيل، كوفي يُعدّ تابعيًا سمع أنسًا والنخعي وكان أعلمهم برأي النخعي، روى عنه المنصور والحكم وشعبة والثوري، مات سنة عشرين ومائة، قال ابن معين: حماد ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال العِجلي: كوفي ثقة كان أفقه أصحاب إبراهيم.
روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه الحَصْكَفي، هي برواية الإمام عنه عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن الأسود عن عائشة رضي الله عنهم.
من شيوخه رحمه الله أيضًا: إبراهيم بن محمد المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري، والحارث بن عبد الرحمن الهمذاني الكوفي وربيعة بن عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار الهلالي المدني وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي... وغيرهم الكثير.
تلامذته:
روى عنه جماعة منهم ابنه حماد وإبراهيم بن طهمان، وإسحاق بن يوسف الازرق، وأسد بن عمرو القاضي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وحمزة الزيات، وداود الطائي، وزفر، وعبد الرزاق، وأبو نعيم، ومحمد بن الحسن الشيباني، وهشيم، ووكيع، وأبو يوسف القاضي، وغيرهم كثير...

منهجه في البحث:
ابتكر الإمام أبو حنيفة رحمه الله نموذجًا منهجيًا في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كل بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوّب صوابأهل الصوابن ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة، وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، كما يظهر علم الأستاذ وفضله، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من العسير نقدها فضلًا عن نقضها.

وقال الموفّق المكي:
وضع أبو حنيفة رحمه الله مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادًا منه في الدين ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلّبها ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده وربما ناظرهم شهرًا أو أكثر من ذلك، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها، وغذا أُشكلت عليه مسألة قال لأصحابه: ما هذا إلا لذنب أذنبته ويستغفر، وربما قام وصلّى، فتنكشف له المسألة، ويقول: رجوتُ أنه تيب عليَّ، فبلغ ذلك الضيل بن عياض فبكى بكاءًا شديدًا، ثم قال: ذلك لقلة ذنبه، أما غيره فلا ينتبه لهذا.

آراء العلماء فيه:
قال وقيع بن الجرّاح شيخ الشافعي: كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رِضَى الله تعالى على كل شيءٍ، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها.

وقال الإمام الشافعي: ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالًا على أبي حنيفة، وما قامت النساء على رجل أعقل من أبي حنيفة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه.
وقال الإمام أبو يوسف: كانوا يقولون: أبو حنيفة زينه الله بالفقه والعلم والسخاء والبذل وأخلاق القرآن التي كانت فيه.
وقال عنه الإمام سفيان الثوري: ما مقلت عيناي مثل أبي حنيفة.
وقال عنه يحيى بن سعيد القطان إمام الجرح والتعديل: إن أبا حنيفة - والله - لأعلم هذه الأمة بما جاء عن الله ورسوله.
وقال عنه الحافظ ابن كثير: هو أحد أئمة الاسلام، والسادة الاعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الائمة الأربعة أصحاب المذاهب المتنوعة، وهو أقدمهم وفاة، لأنه أدرك عصر الصحابة، ورأى أنس بن مالك، قيل وغيره، وذكر بعضهم أنه روى عن سبعة من الصحابة...
وفاته:
توفي رحمه الله ببغداد سنة 150 هـ الموافق 767 م يقول ابن كثير: وصُلّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك رحمه الله.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:04 AM

الإمام أحمد


نسبه وقبيلته:
هو أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، قال ابن الأثير: ليس في العرب أعز دارًا ولا أمنع جارًا ولا أكثر خلقًا من شيبان.

وكان في قبيلة شيبان الكثير من القادة والعلماء والأدباء والشعراء، فالإمام أحمد عربي أصيل ينتمي إلى هذه القبيلة، وهي قبيلةٌ ربعيةٌ عدنانيةٌ تلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في نزار بن معد بن عدنان.
وكان الإمام أحمد - رحمه الله - رجلًا طوالًا رقيقًا أسمر اللون كثير التواضع.
مولده:
ولد سنة 164هـ الموافق 780م.

البلد التي ولد فيها:
بغداد

البلد التي عاش فيها:
عاش الإمام أحمد رحمه الله في بغداد، ولكنه تنقّل بين كثير من البلاد طلبًا للعلم حتى ذهب إلى الشامات والسواحل والمغرب والجزائر ومكة والمدينة و الحجاز واليمن والعراق وفارس و خراسان والجبال والأطراف والثغور...

طفولته وتربيته:
نشأ أحمد بن حنبل يتيمًا، وكسائر أترابه تعلم القرآن في صغره وتلاه تلاوة جيدة وحفظه عن ظهر قلب، وعندما تجاوز الخامسة عشرة من عمره، بدأ يطلب العلم، وأول من طلب العلم عليه هو الإمام أبو يوسف القاضي، والإمام أبو يوسف كما هو معلوم من أئمة الرأي مع كونه محدِّثاً ولكن في البداية وبعد مرور فترة له مع أبي يوسف.

وجد الإمام أحمد أنه يرتاح لطلب الحديث أكثر، فتحوّل إلى مجالس الحديث وأعجبه هذا النهج واتفق مع صلاحه وورعه وتقواه وأخذ يجول ويرحل في سبيل الحديث حتى ذهب إلى الشامات والسواحل والمغرب والجزائر ومكة والمدينة و الحجاز واليمن والعراق وفارس و خراسان والجبال والأطراف والثغور... وهذا فقط في مرحلته الأولى من حياته.
ولقد التقى الشافعي في أول رحلة من رحلاته الحجازية في الحرم، و أُعجِبَ به وظلّ الإمام أحمد أربعين سنة ما ييبت ليلة إلا ويدعو فيها للشافعي.
وكان يقول عندما يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يبعث على رأس كل أمَّة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها - كان يقول -: لقد أرسل الله تعالى سيدنا عمر بن عبد العزيز يجدد لهذه الأمة دينها على رأس المائة الثانية وآمل أن يكون الشافعي على رأس المئة الثالثة.
وقد حيل بين أحمد ومالك بن أنس فلم يوفَّق للقائه وكان يقول: لقد حُرِمتُ لقاء مالك فعوَّضني الله عز وجل عنه سفيان بن عيينة...
أهم ملامح شخصيته وأخلاقه:
ورعه وتقواه وتعففه:
من عظيم ما عُرِفَ به الإمام أحمد تعففه، وله في ذلك قصص رائعة، فقد كان يسترزق بأدنى عمل وكان يرفض أن يأخذ من صديق ولا شيخ ولا حاكم قرضاً أو هبة أو إرثاً لأحد يؤثره به.

وقد يقبل هدية ولكنه يعجل في إعطاء من أهداه هدية مثلها أو خيراً منها، رافعاً بذلك شأن العلم و العلماء، ولقد أجمعت الأمَّة على صلاحه وكان مضرب مَثَلٍ في الصلاح والتقوى حتى أنَّ بعض العلماء قال: لو أنَّ أحداً قال: إنَّ الإمام أحمد هو من أهل الجنة لم يحنث ولم يتألّى على الله تعالى، ودليلهم على ذلك إجماع أهل العراق والشام وغيرهم على هذا الأمر والإجماع حجة وإجماع الأمة على هذا الأمر إنما كان بعد مماته.
وقد صنف الإمام في الزهد كتاباً عظيماً، أغلب الظن - كما قال الحافظ الإمام ابن كثير - أنه كان يأخذ بما أمكنه منه.
قال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس آخرة، لا يُذكر فيها شيء من أمر الدنيا، وما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط، وقال مرة لابنه صالح: إذا لم يكن عندي قطعةُ - يعني من المال - أفرح! وقال: ما أعدلُ الفقر شيئاً، وصدق - رحمه الله - إذ صبر على الفقر طول عمره.
وكان رحمه الله عفيفاً، لا يرضى أن يأخذ شيئاً من أحد على شدة حاجة: رهن نعله مرةً عند خبازٍ ليأكل، وأكرى نفسه - أي: اشتغل أجيراً - عند ناس من الجمّالين، ونسخ بالأجرة، وأبى أن يأخذ مالاً، لا قرضاً، ولا هدية، من شيخه الإمام عبدالرزاق.
ثبات الإمام رغم المحنة:
كان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرًا وقهرًا دون دليل أو بيّنة.

وتفاصيل تلك المحنة أن المأمون أعلن في سنة (218هـ الموافق 833م) دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات، وحمل الفقهاء على قبولها، ولو اقتضى ذلك تعريضهم للتعذيب، فامتثلوا؛ خوفًا ورهبًا، وامتنع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة، فكُبّلا بالحديد، وبُعث بهما إلى بغداد إلى المأمون الذي كان في طرسوس، لينظر في أمرهما، غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه، فأعيدا مكبّلين إلى بغداد.
وفي طريق العودة قضى محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة، بعد أن أوصى رفيقه بقوله: "أنت رجل يُقتدى به، وقد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك؛ فاتق الله واثبت لأمر الله.
وكان الإمام أحمد عند حسن الظن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته، فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه على حمل الناس على القول بخلق القرآن، واتُّخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله، فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك.
ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلى مقالتهم، لكنه كان يزداد إصرارًا، فلما أيسوا منه علّقوه من عقبيه، وراحوا يضربونه بالسياط دون أن يستشعر واحد منهم بالخجل وهو يضرب إنسانًا لم يقترف جرمًا أو ينتهك عرضًا أو أصاب ذنبًا، فما بالك وهم يضربون إمامًا فقيهًا ومحدثًا ورعًا، يأتمّ به الناس ويقتدون به.
ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون على جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليطة، حتى أغمي عليه، ثم أُطلق سراحه، وعاد إلى بيته، ثم مُنع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق (227-232هـ الموافق 841-846م)، لا يخرج من بيته إلا للصلاة، حتى إذا ولي المتوكل الخلافة سنة (232هـ الموافق 846م)، فمنع القول بخلق القرآن، ورد للإمام أحمد اعتباره، فعاد إلى الدرس والتحديث في المسجد.[أحمد بن حنبل ـ محمد أبو زهرة ].
شيوخه:
شيم، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى القطان، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن علية،وعلي بن هاشم ابن البريد، ومعتمر بن سليمان، وعمر بن محمد ابن أخت الثوري، ويحيى بن سليم الطائفي، وغندر، وبشر بن المفضل، وزياد البكائي، وأبو بكر بن عياش، وأبو خالد الأحمر، وعباد بن عباد المهلبي، وعباد بن العوام، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعمر بن عبيد الطنافسي، والمطلب بن زياد، ويحيى بن أبي زائدة، والقاضي أبو يوسف، ووكيع، وابن نمير، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، والشافعي وغيرهم...

تلاميذه:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن بقي بواسطة، والبخاري وداود أيضاً بواسطة، وابناه صالح، وعبد الله، وشيوخه عبد الرزاق، والحسن بن موسى الأشيب...

ومن تلاميذه أيضًا أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المروزي الفقيه، أحد الأعلام وأجلّ أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وكان أبوه خوارزمياً وأمه مروزية، حمل عن أحمد علماً كثيراً ولزمه إلى أن مات، وصنّف في الحديث والسنّة والفقه وهو الذي تولى غماض أحمد بن حنبل وغسله.
من مؤلفاته:
كتاب المسند وهو أكبر داووين السنة المطهرة حيث يحوي أربعين ألفًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، انتقاها الإمام أحمد من بين سبعمائة وخمسين ألف حديث.

وله من الكتب أيضًا كتاب الأشربة، وكتاب الزهد، وكتاب فضائل الصحابة، وكتاب المسائل، وكتاب الصلاة وما يلزم فيها، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب العلل، وكتاب السنن في الفقه...
وعن أبي زرعة قال: حزر كتب أحمد يوم مات فكانت اثني عشر حملاً...
منهجه العلمي:
اشتُهِرَ الإمام أحمد أنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. ومن شدة ورعه ما كان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط وذلك لأنه كان محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً.

وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجَّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين...
وهكذا فقد تميز فقهه أنه في العبادات لا يخرج عن الأثر قيد شعرة، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي "، ويقول في الحج: " خذوا عني مناسككم ".
وكان الإمام أحمد شديد الورع فيما يتعلق بالعبادات التي يعتبرها حق لله على عباده وهذا الحق لا يجوز مطلقاً أن يتساهل أو يتهاون فيه.
أما في المعاملات فيتميز فقهه بالسهولة والمرونة و الصلاح لكل بيئة وعصر، فقد تمسَّك أحمد بنصوص الشرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير. مثال ذلك: "الأصل في العقود عنده الإباحة ما لم يعارضها نص "، بينما عند بعض الأئمة الأصل في العقود الحظر ما لم يرد على إباحتها نص.
وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى، نهاه وقال له: "لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك؟.
و لما علم الله تعالى صدق نيته وقصده قيَّض له تلامذة من بعده يكتبون فتاويه وقد كتبوا عنه أكثر من ستين ألف مسألة. ولقد أخذ بمبدأ الإستصحاب كما أخذ بالأحاديث المرسلة.
ما قيل عنه:
قيل لأبي زرعة: مَنْ رأيتَ مِن المشايخ المحدثين أحفظ؟ فقال: أحمد بن حنبل حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حديث فلان وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه.

وعن ابراهيم الحربي قال: رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء.
وعن أحمد بن سنان قال: ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ولا رأيته أكرم أحداً كرامته لأحمد بن حنبل وكان يقعد إلى جنبه إذا حدثنا وكان يوقره ولا يمازحه، ومرض أحمد فركب إليه فعاده.
قال ابن الجوزي: كانت مخايل النجابة تظهر من أحمد رضي الله عنه من زمان الصبا وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرا وعمله به متوفرًا، فلذلك كان مشايخه يعظمونه فكان إسماعيل بن علية يقدمه وقت الصلاة يصلي بهم وضحك أصحابه يومًا فقال: أتضحكون وعندي أحمد بن حنبل؟.
وقال عبد الرزاق: ما رأيت افقه ولا أورع من أحمد بن حنبل.
وقال وكيع وحفص بن غياث: ما قدم الكوفة مثل أحمد بن حنبل.
وقال أبو الوليد الطيالسي: ما بالمصرين احد احب الي من أحمد بن حنبل.
وكان ابن مهدي يقول: ما نظرت إليه الا ذكرت به سفيان الثوري ولقد كاد هذا الغلام أن يكون إمامًا في بطن أمه.
وقال يحيى بن سعيد: ما قدم عليَّ مثل أحمد بن حنبل.
وقال أبو عاصم النبيل وقد ذكر طلاب العلم فقال: ما رأينا في القوم مثل أحمد بن حنبل
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زرعة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقلت له: وما يدريك؟ فقال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب...
وفاته:
توفي في بغداد سنة 241 هـ الموافق 855 م، وقد استكمل سبعاً وسبعين سنة.

قال المروزي: مرض أبو عبد الله ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين ومرض تسعة أيام وتسامع الناس فأقبلوا لعيادته ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون فربما أذن للناس فيدخلون أفواجا يسلّمون عليه فيرد عليهم بيده.
وقال أبو عبد الله: جاءني حاجب لابن طاهر فقال: إن الأمير يقرئك السلام وهو يشتهي أن يراك فقلت له: هذا مما أكره وأمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره.
ووضّأته فقال: خلل الأصابع، فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتى ملأوا السكك والشوارع فلما كان صدر النهار قبض رحمه الله فصاح الناس وعلت الاصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت.
وعن حنبل قال: أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال: هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يجعل على كل عينٍ شعرة، وشعرة على لسانه ففعل ذلك به بعد موته.
وعن صالح بن أحمد قال: قال لي أبي: جئني بالكتاب الذي فيه حديث بن إدريس عن ليث عن طاووس أنه كان يكره الأنين فقرأته عليه فلم يئن إلا في الليلة التي مات فيها.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد، ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبة أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت تعرق حتى نقول قد قضيت ثم تعود فتقول لا بعد لا بعد.
فقال لي: يا بني ما تدري ما قلت؟ قلت: ل،فقال: إبليس لعنه الله قائم حدائي عاض على أنامله يقول لي: يا أحمد فُتَنّي فأقول: لا بعد، لا بعد حتى أموت.
وعن بنان بن أحمد القصباني أنه حضر جنازة أحمد بن حنبل فيمن حضر قال: فكانت الصفوف من الميدان إلى قنطرة باب القطيعة وحزر من حضرها من الرجال ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألف امرأة.
رحم الله الإمام أحمد بن حنبل رحمةً واسعةً وأسكنَه فسيح جناته.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:04 AM

الإمام الشافعي


النسب والقبيلة:
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.

فيلتقي الشافعي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جدّه عبد مناف، فالشافعي رضي الله عنه قرشي أصيل.
لقي جدُّه شافعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وكان أبو شافع السائب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأُسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له: لِمَ لَمْ تسلم قبل أن تفدي نفسك؟
قال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعًا لهم في.
أمّا أمّه فإن أكثر من أرّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمّه أزدية، أو أسدية فهي من قبيلة عربية أصيلة.
الميلاد:
ولد في شهر رجب سنة 150هـ الموافق أغسطس 767م، وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله، فكأنهما كما قال الشاعر: (نجوم سماء كلما غار كوكبٌ بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبه).

وكان الشافعي رحمه الله رجلاً طويلاً حسن الخلق محببًا إلى الناس نظيف الثياب فصيح اللسان، شديد المهابة كثير الاحسان إلى الخلق وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة وكان جميل الصوت في القراءة...
البلد التي ولد فيها:
روى الحاكم بطريقه عن محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعتُ الشافعيَ يقول: ولدتُ بغزة وحملتني أمي إلى عسقلان.

البلد التي عاش فيها:
لما مات أبوه انتقلت به أمّه إلى مكة، وذلك لأنهم كانوا فقراء، ولئلا يضيع نَسَبُه، ولأنّ له سهم من ذوي القربى، ثم تنقّل - رحمه الله - بين البلاد في طلب العلم.

طفولته وتربيته:
لم يعِ الشافعي بيئته إلا بالوطن القديم لأجداده - مكة - مهوى أفئدة المسلمين في أنحاء الأرض، ومهبط الوحي ومنبت الإسلام.

وأعظم ما في مكة المسجد الحرام والذي يكاد يكون عند كل سارية فيه محدّث أو فقيه أو باحث أو مناظر ومِن حولهم المتعلمون والمستمعون والسائلون.
وفي وسطه الكعبة المشرفة التي لا يفتر الطواف حولها في ليل أو نهار أبد الدهر.
على هذا كله فتح الشافعي بصره وبصيرته، وبدأ يتفاعل مع هذه البيئة ليأخذ مكانه الطبيعي بين العلماء وأشراف الناس وحقّ ذلك له وهو القرشي الأصيل الشريف النسب.
قال الصفدي:
أقبل - أي الشافعي - على الأدب والعربية والشعر فبرع في ذلك، وحُبب إليه الرمي حتى فاق الأقران وصار يصيب من العشرة تسعة، ثم كتب العلم...

قال الشافعي رحمه الله: كنت يتيماً في حجر أمي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، فرضي المعلم مني أن أقوم على الصبيان فأخفف عنه في غيابه، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطأ مالك وأنا ابن عشر.
ثم قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ من أشعارها ولغاتها.
بعد ذلك استدعي الشافعي إلى بغداد سنة 184هـ الموافق 800م، وكان ذلك بناء على وشاية وصلت إلى هارون الرشيد عنه وعن جماعة من العلويين، فكان متهماً بالتآمر على الدولة العباسية، ضربت بين يديه تسع رقاب كان آخرهم شاباً من أهل المدينة قال للرشيد: لا أعود إلى ما كنت عليه.
ثم توسل إليه أن يتركه حتى يراسل أمه في المدينة ولكنه لم يسعفه فقتله، ولما جاء دور الشافعي قال له: يا أمير المؤمنين أنا لست بطالبي ولا علوي وإنما أدخلت وسط هؤلاء القوم بغيا وظلماً وعدواناً، وإنما أنا رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف وعلى حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك.
وكان القاضي محمد بن الحسن الشيباني قاعداً بين يدي الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين نعم أنا أعرف ذلك وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع إليك من شأنه.

فقال الرشيد: خذه حتى أبحث في أمره. فأخذه القاضي وكان هذا سبب خلاصه كما قال: لأمر أراده الله عز وجل.
وكانت هذه الحادثة سبباً لبقاء الشافعي في بغداد لسنتين أو أكثر، وتتلمذ خلالها على محمد بن الحسن الشيباني، أما أبو يوسف فلم يلقه ولم يأخذ عنه، فقد مات أبو يوسف قبل أن يقدم الشافعي بغداد، فالرواية أنه قابله وناظره رواية مكذوبة موضوعة.
رجع الشافعي إلى الحجاز وصار بعد وفاة مالك أشهر المفتين فيه نحواً من تسع سنوات، ثم قدم بعد ذلك إلى بغداد والتقى بأحمد بن حنبل هناك، وكان قد التقى به والله أعلم قبل ذلك بمكة، وبعد سنتين رحل إلى مصر حيث كان يحبه واليها ومكث بها حتى توفي سنة 204هـ عن 54 سنة.
تخلل هذا العمر القصير رحلات عديدة إلى اليمن وقبائل العرب كلها، وكان حريصاً على جمع علوم الفقه والطب واللغة والفراسة...
ملامح شخصيته وأخلاقه:
سعة علمه وفقهه:
لا يختلف اثنان أن الشافعي - رحمه الله - قد تميّز في هذا المجال وبلغ فيه مبلغًا عظيمًا، فقد رزقه الله قوة الذاكرة وهيأ له أسباب العلم فنشأ منذ صغره طالبًا للعلم بشتى فنونه فقهًا ولغةً وأدبًا وطبًا... وقد شهد له بذلك الكثير من علماء عصره ومن جاء بعدهم ممن تربى على علمه ونهل من كنوزه.

ولقد عُرف الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة، قال الحميدي: "كان ابن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة.
يقول الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه: لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه.
تقواه وورعه وعبادته:
كما كان الشافعي رحمه الله إمامًا في الاجتهاد والفقه كان كذلك إمامًا في افيمان والتقوى والورع والعبادة، فعن الربيع قال: كان الشافعي قد جزّا الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتبظن والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام، وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة يقول المزني: ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قط بالليل إلا وهو في الصلاة.

ووُصِفَ الشافعي - رحمه الله - أيضًا بالحكمة كما وُصِفَ بالكرم والسخاء وغير ذلك من جميل الأخلاق وحسن السجايا...
شيوخه:
شيوخه بالمدينة: وتلقى العلم بالسنة في المدينة على الامام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الانصاري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى الاسامي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ.

شيوخ باليمن: وسمع الحديث والفقه في اليمن، من مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي " صنعاء " وعمرو بن أبي سلمة صاحب الاوزاعي، ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سد شيوخه بالعراق: وسمع الحديث والفقه وعلوم القرآن في العراق من وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان.
فيكون عدد شيوخه على هذا تسعة عشرة، خمسة من مكة، وستة من المدينة وأربعة من اليمن، وأربعة من العراق.
هذا ما أفاده الرازي في مناقب الامام الشافعي.
تلامذته:
نبغ على الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن ابن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل ابن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبى، وأبو يوسف يونس بن عبد الاعلى، ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي.

مؤلفاته:
لم يُعرف لإمام قبل الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرة وبراعة وإحكامًا، يقول ابن زولاق: صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء، ويقول الإمام محمد الحسن بن محمد المروزي في خطبة تعليقه: قيل: إن الشافعي - رحمه الله - صنف مائة وثلاثة عشر كتابًا في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك.

ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والاتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى أنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر.
ومن مؤلفاته رحمه الله:
"الرسالة" وهي أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ بل هو أول كتاب في أصول الحديث وألف كتابا اسمه "جماع العلم" دافع فيه عن السنة دفاعا مجيدا وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة وكتاب "الام" و "الإملاء الصغير" و "الأمالي الكبرى" و "مختصر المزني" و "مختصر البويطى" وغيرها.
وكتاب "الرسالة" وكتاب "جماع العلم" حققهما ونشرهما فقيد علم الحديث الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.
منهجه:
أخذ الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح و لكن لم يسمها بهذا الاسم وأدخلها ضمن القياس وشرحه شرحاً موسعاً. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك ولكن كل لدرجة ما.

ويروى إنه في أحد الأيام، في مجلس مالك، كان فيه الشافعي، جاء رجل يستفتي مالكاً، يقول أنه ابتاع طائراً من رجل أقسم البائع بالله تعالى وفي رواية بالطلاق أنَّ طائره هذا لا يفتأ عن التغريد.
فلما أخذه المشتري وجده يغرد حيناً و يسكت حيناً، فسأل مالكاً فقال له: لك حق خيار العيب (أي أنه لك الحق في رده بسبب عيب فيه) وقد حنث في يمينه أو على الرواية الأخرى وقع الطلاق.
وكان الشافعي جالساً في ذلك المجلس ولكنه لم يتكلم أدباً مع شيخه مالك. فلما ذهب الرجل لحق به وسأله: طائرك يغرد في اليوم أكثر أو يسكت أكثر؟ قال الرجل: بل التغريد أكثر، فقال له الشافعي: إذاً البيع صحيح وليس لك خيار العيب ولم يحنث وفي تلك الرواية لم يقع الطلاق.
فجاء الرجل إلى مالك، فلما ناقشه الشافعي قال له: يا سيدي، الألفاظ التي ننطق بها إنما نضعها في ميزان العرف الشرعي إن وُجِد (مثل الطلاق و العتق... )، لكن إن فُقِدَ العرف الشرعي عندئذ نشرحه بالعرف اللغوي الدارج بين الناس فإن فُقِدَ العرف اللغوي الدارج بين الناس نعود إلى اللغة العربية في جذورها وأمهاتها.
ونحن نعود في هذا إلى كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد روينا عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنَّ امرأة جاءت تستشيره في رجلين قد خطباها فأيهما تتزوج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أما فلان فلا يضع العصا عن عاتقه و أما فلان فصعلوك (أي لا يليق بك من حيث المستوى الاجتماعي وغيره).
قال الشافعي: فقوله صلى الله عليه وسلم لا يضع العصا عن عاتقه كناية عن كثرة السفر وقد علمت أنه يصلي فيضع العصا عن عاتقه و يأكل ويضعها عن عاتقه وينام ويغتسل وفي كل ذلك يضع العصا عن عاتقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، إذاً هذه الكلمة سارت مسار العرف الدارج وهنا (أي في مسألة الطائر) عرف في السوق لو قال البائع هذا الطائر لا يفتأ عن التغريد يعني أنَّ أكثر أوقاته التغريد.
وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة ويعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة
واعتنى بذلك عناية فائقة. وقال الشافعي ذاكراً فضل الله تعالى عليه: ما كذبت قط وما حلفت قط بالله تعالى صادقاً ولا كاذباً. قال أبو زُرعة: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.
وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها مثل: الاتصال والشاذ والثقة والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا...
ما قيل عنه:
قال المزني: ما رأيت أحسن وجهاً من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته. وقال الزعفراني. كان خفيف العارضين يخضب بالحناء. و كان حاذقاً بالرمي يصيب تسعة من العشرة.

قال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي.
وقال إسحاق بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعال حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله. قال: فأقامني على الشافعي.
وقال أبو ثور الفقيه: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى مثل نفسه.
وقال الشافعي: سُميت ببغداد ناصر الحديث.
وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثاً خطأ.
بعض كلماته:
- ما تُقُرِّب إلى الله عز وجل بعد أداء الفرائض بأفضل من طلب العلم.
- طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
- من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبداً.
- من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.
- ما ناظرتُ أحداً قط إلا أحببتُ أن يوفَّق أو يسدد أو يُعان ويكون له رعاية من الله تعالى وحفظ، وما ناظرتُ أحداً إلا ولم أُبالِ بيَّنَ الله تعالى الحق على لساني أو لسانه.

وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول ما اوردت الحق والحجة على احد فقبلهما مني الا هبته واعتقدت مودته ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة الا سقط من عيني.
وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل مقداره ومن تعلم اللغة رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.
وعن أبي الوليد الجارودي قال سمعت الشافعي يقول لو علمت ان الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته.
وفاته:
ألحَّ على الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحتُ من الدنيا راحلاً وللإخوان مفارقاً و لكأس المنيَّة شارباً وعلى الله جلَّ ذكره وارداً ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها أو إلى النار فأعزِّيه! ثم بكى وأنشأ يقول:

ولما قسى قلبي و ضاقت مذاهـبــي جعلتُ الرَّجــا مني لعفوك سلَّـمـا
تعاظـني ذنـبـي فـلمـا قـرنـتـه بعفوك ربي كــان عفوك أعظمــا
وما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تــزل تجود وتعـفـو مِـنَّـةً وتكرُّمـــا

ودُفِنَ الشافعي رحمة الله تعالى عليه في القاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنة 204هـ الموافق 820م ومات رحمه الله وكان له ولدان ذكران وبنت وكان قد تزوج من امرأة واحدة.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:05 AM

أحمد ديدات.. دعوة حتى آخر رمق


في يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005 ودعت الأمة الإسلامية علما بارزا من أعلامها وجبلا شامخا من جبال دعوتها ألا وهو الشيخ المناضل والداعية المجاهد الشيخ أحمد ديدات.. ذلك الجبل الأشم والطود العظيم والعلامة الفارقة في تاريخ الدعوة إلى الله رب العالمين. تلك الدعوة التي تمثلت لتصوغ رجلا من نوع يختلف عن كثير من الرجال كما أنها دعوة تختلف في أسلوبها عن كثير من أساليب الدعوة وطرقها المعروفة.
لقد اختار الرجل طريقا وعرًا لا يسلكها إلا الأفذاذ من الرجال، فاختار مقارعة أهل الكتاب في عقر دارهم وإفحامهم من خلال كتبهم وإظهار عوارها وبيان اختلافها وأن مثلها لا يصلح أن يكون كلمة الرب التي أنزلها على رسله وأن دين الحق هو دين الإسلام الخاتم.. كل ذلك من خلال المناظرة بالحكمة والموعظة الحسنة مما كان له كبير الأثر في عودة الآلاف منهم إلى الدين الحق دين الإسلام.
لقد عاش ديدات حياته يناضل في هذا الجانب، ومات وهو لا يزال يؤدي رسالته من على فراش المرض، ثم ودعنا بعد حياة حافلة تحتاج أن يدرسها كل مسلم ليأخذ منها عبرا وعظات.. وهانحن نقتطف منها ملخصا لا يغني عن التمام:
مولده ونشأته
ولد الشيخ الفقيد أحمد حسين ديدات في مدينة سيرات بالهند عام 1918م، وقد هاجر والده إلى دولة جنوب أفريقيا بعد وقت قصير من ولادته، وعندما بلغ الصغير تسع سنوات ماتت والدته فلحق بأبيه إلى جنوب أفريقيا حيث عاش هناك بقية عمره.

في جنوب إفريقيا برع أحمد في دراسته وفاق أقرانه رغم اختلاف اللغة وبدت عليه علامات التفوق والنبوغ.. لكن الفقر حال دونه والعلم والقراءة الذين شغف بهما، وخرج ديدات الصغير من المرحلة المتوسطة ليبحث عن مصدر رزق يتقوت منه.
مواجهات مبكرة
عمل ديدات في عدة أعمال، وعندما بلغ الثامنة عشرة في حدود عام 1936م، عمل في دكان يمتلكه أحد المسلمين، يقع في منطقة نائية في ساحل جنوب إقليم ناتال بجانب إرسالية مسيحية، وكان طلبة الإرسالية يأتون إلى الدكان الذي يعمل به ديدات ومعه مسلمون آخرون، ويكيلون الإهانات لهم عبر الإساءة للدين الإسلامي والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم.. وعن هذا يقول الشيخ ديدات: لم أكن أعلم شيئًا عما يقولون، كل ما كنت أعلمه أنني مسلم.. اسمي أحمد.. أصلي كما رأيت أبي يصلي.. وأصوم كما كان يفعل، ولا آكل لحم الخنزير ولا أشرب الخمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

إظهار الحق
يقول الشيخ ديدات: كانت الشهادة بالنسبة لي مثل الجملة السحرية التي أعلم أنني إن نطقت بها نجوت، ولم أكن أدرك غير ذلك، ولكن نهمي الطبيعي وحبي للقراءة وضعا يدي على بداية الطريق، فلم أكن أكتفي بالجرائد التي كنت أقرؤها بالكامل، وأظل أفتش في الأكوام بحثًا عن المزيد مثل المجلات أو الدوريات، وذات مرة وأثناء هذا البحث عثرت على كتاب كان عنوانه بحروف اللاتينية izharulhaq (إظهار الحق)، وقلبته لأجد العنوان بالإنجليزية "Truth Revealed"، جلست على الأرض لأقرأ فوجدته كتب خصيصًا للرد على اتهامات وافتراءات المنصِّرين في الهند، وكان الاحتلال هناك قد وجد في المسلمين خطورة...

فكان من بين الحلول محاولات تنصيرهم لتستقر في أذهانهم عقيدة "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"، فلا يواجه بمقاومة أكبر من المسلمين، وبذلك تعرض المسلمون هناك لحملات منظمة للتنصير، وكان الكتاب يشرح تكنيك وأساليب وخبرات توضح طريقة البداية، وطرح السؤال، وأساليب الإجابة لدى نقاش هؤلاء المنصرين، بما جعل المسلمين في الهند ينجحون في قلب الطاولة ضدهم، وبالأخص عن طريق فكرة عقد المناظرات.

عودة إلى طلاب الإرسالية
لقد حملت تهكمات طلبة الإرسالية النصرانية ديدات على البحث؛ فاشترى أول نسخة من الإنجيل وبدأ يقرأ ويعي، ثم قام بشراء نسخ من الأناجيل المتنوعة، وانهمك في قراءتها ثم المقارنة بين ما جاء فيها فاكتشف تناقضات غريبة وأخذ يسأل نفسه: أي من الأناجيل هذه أصح؟ وواصل وضع يده على التناقضات وتسجيلها لطرحها أمام أولئك الذين يناقشونه بحدة كل يوم في الحانوت.

وفي اللقاء الثاني بطلاب الإرسالية كان على استعداد لمناقشتهم، بل ودعوتهم للمناظرات، وحينما لم يصمدوا أمام حججه قام بشكل شخصي بدعوة أساتذتهم من الرهبان في المناطق المختلفة، وشيئًا فشيئًا تحول الاهتمام والهواية إلى مهمة وطريق واضح للدعوة بدأه الشيخ واستمر فيه، فكان له من الجولات والنجاحات الكثير، واستمر في ذلك طيلة ثلاثة عقود قدّم خلالها المئات من المحاضرات والمناظرات مع القساوسة، كما وضع عددًا من الكتب يزيد على عشرين كتابا من بينها الاختيار The Choice وهو مجلد متعدد الأجزاء، هل الإنجيل كلمة الله؟، القرآن معجزة المعجزات، المسيح في الإسلام، العرب وإسرائيل صراع أم وفاق؟، مسألة صلب المسيح…
ديدات تاون؟!!
لقد قيض الله لأحمد ديدات رجلين كان لهما أكبر الأثر في حياته ودعوته ووصوله إلى العالمية في الدعوة:

أولهما: "غلام حسن فنكا" شاب من جنوب أفريقيا حاصل على الليسانس في القانون ويعمل في تجارة الأحذية، جمعت بينه وبين ديدات: رقة المشاعر والاهتمام بقضايا الإسلام.
التقى "غلام" مع ديدات في رحلة البحث والدراسة والقراءة المتعمقة في مقارنات الأديان، وساعد ديدات كثيراً في التحصيل العلمي وصقل الذات. وجابا معا مدنا وقرى صغيرة داخل جنوب أفريقيا، وفي عام 1956 قرر "غلام" التفرغ تماماً للدعوة، وأسس الرجلان "مكتب الدعوة" في شقة متواضعة بمدينة ديربان، ومنه انطلقا إلى الكنائس والمدارس المسيحية داخل جنوب أفريقيا حيث قام أحمد ديدات بمناظراته المبهرة والمفحمة.
وأما الرجل الثاني: فهو "صالح محمد" وهو من كبار رجال الأعمال المسلمين، كان يعيش في مدينة كيب تاون، التي كانت تتميز بكثافة إسلامية، وسيطرة وهيمنة نصرانية، كما أنها تتميز بمكانتها الاقتصادية والسياسية في ذات الوقت.
ومن ثم قام "صالح محمد" بدعوة "ديدات" لزيارة المدينة، حيث رتب له أكثر من مناظرة مع القساوسة هناك، ولكثرة عددهم ورغبتهم في المناظرة أصبحت إقامة ديدات في كيب تاون شبه دائمة، وتمكن ديدات من خلال مناظراته أن يحظى بمكانة كبيرة بين سكانها جميعاً الذين تدفقوا على مناظراته حتى أصبح يطلق على "كيب تاون".. ديدات تاون!!
لقد جاب ديدات البلاد بطولها وعرضها ومعه رفيقا دربه وأحدثت مناظراته اضطرابًا في الوسط الكنسي ومن ثم المجتمع كله، وهز مفاهيم ومعتقدات كانت راسخة ومقدسة واستطاع تغييرها، وأحدث ثغرة داخل الكنيسة بعد أن تحول المئات بإرادتهم إلى الإسلام إثر حضور مناظراته أو بعد زيارته في مكتبه الذي تحول إلى منتدى للزائرين والوافدين من كل مكان.
الانتقال للعالمية
ومن جنوب أفريقيا خرج ديدات إلى العالم في أول مناظرة عالمية عام 1977م بقاعة ألبرت هول في لندن.. وناظر ديدات كبار رجال الدين النصراني أمثال: كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش، وغيرهم.

وأحدثت مناظراته دويا في الغرب لا تزال أصداؤه تتردد فيه حتى يومنا هذا. فحديثه عن تناقضات الأناجيل الأربعة دفع الكنيسة ومراكز الدراسات التابعة لها والعديد من الجامعات في الغرب لتخصيص قسم خاص من مكتباتها لمناظرات ديدات وكتبه وإخضاعها للبحث والدراسة سعيا لإبطال مفعولها، وسعيا لمنعها وعدم انتشارها.
جهوده ومؤلفاته
ظل الشيخ ديدات يدعو للإسلام وينافح عنه ويدافع ويناظر ويؤلف وكانت له جهود كبيرة في الدعوة منها :

* تأسيس معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة [ديربان] بجنوب أفريقيا.
* تأليف ما يزيد عن عشرين كتابًا، كان من أشهرها كتاب "الاختيار The Choice" وهو كتاب متعدد الأجزاء، و"هل الإنجيل كلمة الله؟"، و"القرآن معجزة المعجزات"، و"المسيح في الإسلام"، و"العرب وإسرائيل صراع أم وفاق"، و"مسألة صلب المسيح".
وكتب آخرى طبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام بإلقاء آلاف المحاضرات في جميع أنحاء العالم.. وكان يقول: "لئن سمحت لي الموارد فسأملأ العالم بالكتيبات الإسلامية، وخاصة كتب معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية".
وقد مُنح الشيخ ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986م نظرا لمجهوداته الضخمة وأعطي درجة 'أستاذ'.
دعوة حتى آخر رمق
وفي عام 1996م أصيب ديدات بالشلل التام ومن حينها ظل طريح الفراش، ولكنه لم يتوقف لحظة عن الدعوة فكان يعبر عما يريد عن طريق عينين لا تتوقفان عن الحركة والإشارة والتعبير، وعبرهما يتحاور الشيخ ويتواصل مع زائريه ومرافقيه بل ومحاوريه بواسطة لغة خاصة تشبه النظام الحاسوبي، فكان يحرك جفونه سريعا وفقا لجدول أبجدي يختار منه الحروف، ويكون بها الكلمات، ومن ثَم يكون الجمل ويترجم مراد الشيخ ولده يوسف الذي كان يرافقه في مرضه. والعجيب أنه كان يصل إلى الشيخ في مرضه هذا كل يوم قرابة الخمسمائة رسالة فلم يتوقف عن الدعوة حتى وافته المنية مجاهدا داعيا وصابرا محتسبا.

نسأل الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته، ويجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:06 AM

الدكتور أحمد عمر هاشم


من الشخصيات الإسلامية البارزة، وهو أستاذ الحديث وعلومه بالأزهر الشريف، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
ولد أحمد عمر هاشم فى 6/2/1941م. تخرج فى كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف عام 1961.
حصل على الإجازة العالمية عام 1967م، ثم عُين معيداً بقسم الحديث بكلية أصول الدين، حصل على درجة الماجستير فى الحديث وعلومه عام 1969م، ثم حصل على درجة الدكتوراه فى نفس تخصصه، وأصبح أستاذ الحديث وعلومه عام 1983م، ثم عُين عميداً لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987م، وفي عام 1995م شغل منصب رئيس جامعة الأزهر.
الوظائف التي تولاها:
عضو مجلس الشعب معين بقرار من رئيس الجمهورية - عضو فى المكتب السياسى للحزب الوطنى الديمقراطى - عضو مجلس الشورى بالتعيين - عضو مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون - رئيس لجنة البرامج الدينية بالتليفزيون المصرى.

من مؤلفاته:
الشفاعة فى ضوء الكتاب والسنة والرد على منكريها-التضامن فى مواجهة التحديات -مباحثات فى الحديث الشريف من توجيهات الرسول-من هدى السنة النبوية- الإسلام وبناء الشخصية.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:07 AM

الداعية عمرو خالد


أحد الدعاة الشباب الذين برزوا على الساحة العربية في الفترة الأخيرة فقد أحبه الناس لأنه حبب الدين إليهم وحببهم فيه، وأحبوه أكثر لأنه أخذ يعلمهم كيف يكون الحب في الله وروى لهم تاريخاً عظيماً بناه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ورضوا عنه..
كان عمرو خالد سبباً في هداية مئات بل آلاف الشباب العرب وكان سبباً في عودة الكثير من الفتيات المسلمات نحو الحجاب ولهذا تعرض عمرو خالد لحملة شعواء ممن يقفون خلف الفساد والتعري في العالم العربي والإسلامي..
اسمه بالكامل عمرو محمد حلمي خالد وقد ولد في الخامس من سبتمبر سنة 1967 وهو من مواليد الإسكندرية وهو حاصل على بكالوريوس تجارة من القاهرة منذ سنة 1988 وهو يمتهن مهنة مراجع حسابات وهو شريك بمكتب مراجعة وعضو جمعية المحاسبين والمراجعين المصرية..
وعمرو خالد متزوج و ولديه ولد واحد واسمه عليّ وقد درس بمعهد الدراسات الإسلامية وهو يحضر رسالة الماجيستير في الإقتصاد الإسلامي..
جذب عمرو خالد الكثير من الشباب والفتيات والأسر المسلمة بأسلوبه اللطيف المحبب وقد كان هندامه وهو يرتدي البنطلون والقميص وهو حالق الذقن على غير هيئة أغلب شيوخ الإسلام ذوي اللحى الطويلة والملابس والجلاليب الفضفاضة..
وقد كانت مشاركة عمرو خالد في العديد من البرامج التلفزيونية العربية وخاصة في برنامج (ونلقى الأحبة) سبباً في شهرته ومتابعة الناس لدروسه وخطبه..
وبقي أن نذكر أن عمرو خالد يحب كرة القدم وقد كان أحد ناشئي النادي الأهلي المصري تحت 18 سنة..
المصدر: موقع عمرو خالد

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:07 AM


الدكتور زغلول النجار


هو عالم وأستاذ للجيولوجيا في العديد من الجامعات العربية والعالمية، جمع بين دراساته للعلوم البحتة وبين ثقافته الدينية، اشتهر من خلال أحاديثه ومقالاته عن مواطن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
وُلد الدكتور زغلول راغب محمد النجار في قرية مشاري، مركز بسيون بمحافظة الغربية في 17 نوفمبر 1933م، وحفظ القرآن الكريم منذ الصغر على يد والده الذي كان يعمل مدرسا بإحدى مدارس المركز.
تدرج زغلول في مراحل التعليم حتى التحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة في عام 1951م، ثم تخرج في قسم الجيولوجيا بالكلية في عام 1955م حاصلاً على درجة بكالوريوس العلوم بمرتبة الشرف وكان أول دفعته.
التحق بعدة وظائف في الفترة ما بين 1955م إلى 1963م؛ حيث التحق بشركة صحارى للبترول لمدة 5 أشهر، ثم بالمركز القومي للبحوث 5 أشهر أخرى. كما انضم إلى مناجم الفوسفات في وادي النيل (من إسنا إلى إدفو) لمدة 5 أعوام؛ حيث أثبت تفوقا ملحوظا.
التحق الدكتور زغلول بمناجم الذهب بالبرامية، حتى لاحت له الفرصة للالتحاق بجامعة عين شمس معيدا بقسم الجيولوجيا، فانتقل للعمل بمشروع للفحم بشبه جزيرة سيناء.
في عام 1959م لاحت أول انطلاقة حقيقية للدكتور زغلول النجار في إثبات ذاته، حيث دعي من جامعة آل سعود بالرياض إلى المشاركة في تأسيس قسم الجيولوجيا هناك. ومن المملكة السعودية استطاع السفر إلى إنجلترا.. وحصل هناك على درجة "الدكتوراه في الفلسفة" في الجيولوجيا من جامعة ويلز ببريطانيا عام 1963م، ثم رشحته الجامعة.. لاستكمال أبحاث ما بعد الدكتوراه من خلال منحة علمية من جامعته.
عمل كأستاذ للجيولوجيا في جامعات عربية وعالمية عديدة.. من أهمها: جامعة عين شمس، وجامعة الملك سعود، وجامعة قطر، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة ويلز في بريطانيا، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. Robertson، Post-Doctoral Research fellows.
المصدر: الهيئة العامة للاستعلامات


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:08 AM

الدكتور طارق السويدان


اسمه طارق محمد الصالح السويدان من مواليد الكويت عام 1953م ويحمل الجنسية الكويتية وهو متزوج ولديه 6 أبناء وهو حاصل على دكتوراه في هندسة البترول وتخصص مساند في إدارة الأعمال من جامعة تلسا - أوكلاهوما من الولايات المتحدة الأمريكية مع مرتبة الشرف عام 1990م كما أنه حاصل على ماجستير في هندسة البترول من نفس الجامعة عام 1982..
وقد جذب الدكتور طارق السويدان الجمهور الإسلامي بأسلوبه الشيق والجميل في سرد القصص الإسلامية على شاشات التلفزيون وخاصة السيرة النبوية وقصص الأنبياء ونساء خالدات وهذا جذب قطاعاً كبيراً من المسلمين إلى متابعة البرامج التي يقدمها والتعرف عن قرب على التاريخ الإسلامي العظيم..
كما أن للدكتور طارق السويدان مجموعة كبيرة من الشرائط الإسلامية التي تحكي تاريخ العظماء من المسلمين مثل الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك بن أنس وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب بالإضافة إلى تاريخ الأندلس والقدس وفلسطين وقصص الأنبياء وسيرة الرسول عليه السلام..
وللدكتور طارق السويدان مجموعة كبيرة من الكتب والمطويات والمنشورات ونذكر منها على سبيل المثال:
- مختصر العقيدة الإسلامية
- النجاح في الحياة
- كيف تغير نفسك
- الصوم
- القيادة في القرن الواحد والعشرين
- مبادئ الإبداع
- كيف تكتب خطة إستراتيجية
- صناعة النجاح
- الإبداع خطوة خطوة
- خماسية الولاء
- مرن عضلات مخك


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:09 AM


الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى


مولــــــده:
ولد عام 1929 في قرية جيلكا التابعة لجزيرة بوطان (ابن عمر) الواقعة داخل حدود تركيا في شمال العراق. هاجر مع والده المرحوم ملا رمضان إلى دمشق، وله من العمر أربع سنوات.

أنهى دراسته الثانوية الشرعية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق، والتحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل على شهادة العالمية منها عام 1955. والتحق في العام الذي يليه بكلية اللغة العربية من جامعة الأزهر، ونال دبلوم التربية في نهاية ذلك العام.
عين معيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960 وأوفد إلى كلية الشريعة من جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية وحصل على هذه الشهادة عام 1965.
عين مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1965 ثم وكيلاً لها، ثم عميداً لها.
اشترك، ولا يزال، في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرة. وهو الآن عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمّان، وعضو في المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد.
يتقن اللغة التركية والكردية ويلمّ باللغة الإنجليزية.
له مالا يقل عن أربعين مؤلفاً في علوم الشريعة والآداب، والفلسفة والاجتماع ومشكلات الحضارة وغيرها.
يرأس الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي قسم العقائد والأديان في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
يحاضر بشكل شبه يومي في مساجد دمشق وغيرها من المحافظات السورية ويحضُرُ محاضراتِه آلافٌ من الشباب والنساء.
اشترك ـ ولا يزال ـ في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرة تتناول مختلف وجوه الثقافة الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية.
وهو الآن عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمّان، الأردن.
وعضو أيضاً في المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد في إنجلترا.
يكتب في عدد من الصحف والمجلات في موضوعات إسلامية وقضايا مستجدة، ومنها ردود على كثير من الأسئلة التي يتلقاها والتي تتعلق بفتاوى أو مشورات تهمّ الناس، وتشارك في حل مشاكلهم.



أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:10 AM

الشيخ أحمد الدمنهوري.. شيخ الأزهر الجيولوجي


تكشف التراجم التي وضعها الجبرتي في كتابه المعروف "عجائب الآثار" لعلماء الأزهر أن الدراسة في الجامع الأزهر لم تقتصر على الدراسات الشرعية واللغوية والأدبية، من فقه وأصول وتفسير وحديث وبلاغة وتوحيد ونحو وصرف، بل تجاوزتها إلى دراسة الفلك الذي كان يطلق عليه علم الهيئة، وكان لبعض علماء الأزهر مؤلفات فيه، وكانت تدرس علوم أخرى على نطاق ضيق مثل: الحساب، والجبر، والهندسة، والمساحة والجيولوجيا، وفيها وضع الشيخ أحمد المنهوري مؤلفا، تحدث فيه عن المياه الجوفية، وعيون المياه، والآبار، وغيرها من الموضعات.
كان الشيخ أحمد الدمنهوري واحدًا من علماء الأزهر الذين عُرفوا بالثقافة الواسعة التي شملت إلى جانب العلوم الشرعية واللغوية الرياضيات والهندسة والفلك والطب، وأسهم بالتأليف في بعضها، وهذه العلوم وإن كانت تدرس على استحياء في ذلك الوقت، فإنها تعني أن هناك من كان يعلمها ويدرسها، وأن جذور هذه العلوم لم تنطفئ منذ أن ازدهرت الحضارة الإسلامية، لكنها ظلت خافتة تنتظر من يبعث فيها الحركة والنشاط.
المولد والنشأة
وُلد أحمد بن عبد المنعم بن صيام سنة (1101هـ= 1689م) بدمنهور، وإليها نُسب فعرف بأحمد الدمنهوري، ودرس في بلدته فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم رحل إلى القاهرة، والتحق بالأزهر صغيرًا، وتلقى فيه العلوم الشرعية واللغوية وغيرها على عدد من مشايخ الأزهر وعلمائه، من أمثال الشيخ عبد الوهاب الشنواني، وعبد الرؤوف البشبيشي، وعبد الجواد المرحومي، وعبد الدائم الأجهوري، وغيرهم.

وقد أورد الجبرتي أسماء شيوخ الدمنهوري، والكتب التي درسها عليهم وأجازوه بها، وهي تشمل الفقه على المذاهب الأربعة، وقد جد في تحصيله على هذه المذاهب، حتى أطلق عليه المذاهبي، والتفسير والحديث والمواريث والقراءات والتصوف والنحو والبلاغة، والهندسة والفلك والفلسفة والمنطق.
إجازاته
وقد حفظ لنا الشيخ الدمنهوري في رسالة له مخطوطة بعنوان "اللطائف النورية في المنح الدمنهورية" ما أخذه عن شيوخه وما درسه واستفاده بجهوده الذاتية، وسأنقل طرفًا منها؛ حتى يتبين لك الحركة العلمية في مصر زمن الدمنهوري، وأن ما يصوره بعض الباحثين من ظلام تلك الفترة إنما هو محض افتراء وابتعاد عن الحقيقة، وافتئات على الموضوعية، يقول الدمنهوري:

"… أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري الحساب، واستخراج المجهولات، وما توقف عليها كالفرائض والمواريث، والميقات.. وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء بالقراءة عليه كتاب الموجز، واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلاماتها، وبعضًا من قانون ابن سينا، وبعضًا من منظومة ابن سينا الكبرى.. وقرأت على أستاذنا الشيخ سلامة الفيومي أشكال التأسيس في الهندسة.. وقرأت على الشيخ محمد الشهير بالشحيمي منظومة في علم الأعمال الرصدية (الفلك).. ورسالة في علم المواليد أعني الممالك الطبيعية وهي الحيوانات والنباتات والمعادن…".
وكان ينافس الشيخ الدمنهوري في تحصيل تلك العلوم الشيخ حسن الجبرتي والد المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي، وكان فقيهًا حنفيًا، عالمًا باللغة، وتصدر للإمامة والإفتاء وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، ثم ولَّى وجهه شطر العلوم التي كانت تراثًا مستغلقًا، فجمع كتبها، وفك رموزها وأحسن قراءتها والتعامل معها، وظل يتعلم ويدرس، حتى استقام له الأمر، وتمكن في علوم الهندسة والكيمياء والفلك، وصنع الآلات، ولجأ إليه مهرة الصناع يستفيدون من علمه، ودرس عليه كبار المستشرقين الذين كانوا يفدون عليه.
ملجأ الأمراء
تبوأ الدمنهوري المكانة التي يستحقها من التقدير والإجلال، فقدمه علماء الأزهر لعلمه وفضله، وأنزلوه قدره؛ فتولى مشيخة الجامع الأزهر سنة (1183هـ= 1768م) خلفًا للشيخ عبد الرؤوف محمد السجيني.

وكان الخليفة العثماني "مصطفى بن أحمد خان" له عناية ومعرفة بالعلوم الرياضية والفلك، فكان يراسل الشيخ الدمنهوري ويهاديه ويبعث له بالكتب، وكان بفعل ذلك مع الجبرتي الكبير.
ويتحدث الجبرتي عن مكانة الدمنهوري بقوله: "هابته الأمراء؛ لكونه كان قوّالا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقصدته الملوك من الأطراف وهادته بهدايا فاخرة، وسائر ولاة مصر كانوا يحترمونه، وكان شهير الصيت عظيم الهيبة…".
وبلغ من تقدير الأمراء له وتعظيمهم لحرمته أنه لما نشبت فتنة بين طائفة من المماليك وأتباعهم، قصده أحد أمراء الطائفتين مستنجدًا به؛ إذ لم يجد بيتًا آمنا يحتمي به غير بيت الشيخ الدمنهوري في بولاق، فلما طلب خصومه من الشيخ تسليمهم له رفض، ولم يجرؤ واحد منهم على اقتحام بيت الشيخ مراعاة لحقه ومنزلته.
مؤلفاتــــه
كان الدمنهوري غزير التأليف متنوع الإنتاج الفكري، ومعظم إنتاجه لا يزال مخطوطًا حبيسا لم يرَ النور بعد، ومن مؤلفاته:
- "حلية اللب المصون في شرح الجوهر المكنون"، في البلاغة.
- "نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف"، في مصطلح الحديث.
- "سبيل الرشاد إلى نفع العباد"، في الأخلاق.
- "رسالة عين الحياة في استنباط المياه"، في الجيولوجيا.
- "القول الصريح في علم التشريح"، في الطب.
- "منهج السلوك في نصيحة الملوك"، في السياسة.
- "الدرة اليتيمة في الصنعة الكريمة"، في الكيمياء.
- "الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني"، في الفقه الحنبلي.
- "فيض المنان بالضروري من مذهب النعمان"، في الفقه الحنفي.
- "الكلام السديد في تحرير علم التوحيد".

وقد تضمن كتابه "اللطائف النورية" أسماء جميع مؤلفاته التي وضعها، وكذلك ذكرها الجبرتي في تاريخه.
وفاتـــــــه
طالت حياة الشيخ حتى تجاوز التسعين من عمره، لكنها كانت حياة حافلة بطلب العلم وتحصيله وتدريسه والتأليف فيه، وظل على هذا النحو حتى لبى نداء ربه في يوم الأحد الموافق (10 من رجب 1192هـ= 4 من أغسطس 1778م).


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:12 AM

الشيخ الحجة... محمد الغزالي


يعد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله واحدًا من دعاة الإسلام العظام، ومن كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو إلى جوار إيمانه الصادق، مجاهد داعية، عاش لإسلامه وعقيدته ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها في تبليغ ما يريد.
وهو مع هذا قد رزقه الله فكرا عميقا، وثقافة إسلامية واسعة، ومعرفة رحيبة بالإسلام؛ فأثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الإسلامي، تُحيي أمة، وتُصلح جيلا، وتفتح طريقا، وتربي شبابا، وتبني عقولا، وترقي فكرا.
وهو حين يكتب أديب مطبوع، ولو انقطع إلى الأدب لبلغ أرفع منازله، ولكان أديبا من طراز حجة الأدب، ونابغة الإسلام "مصطفى صادق الرافعي"، لكنه اختار طريق الدعوة؛ فكان أديبها النابغ.
ووهبه الله فصاحة وبيانا، يجذب من يجلس إليه، ويملك مشاعره حين يكون خطيبا، ويوجه عقله حين يكون كاتبا؛ فهو يخطب كما يكتب.. عذوبة ورشاقة، وخطبه قطع من روائع الأدب.
والغزالي رجل إصلاح عالم بأدواء المجتمع الإسلامي، أوقف حياته على كشف العلل، ومحاربة الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط الحكام أو غضب المحكومين، يحرّكه إيمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة.
المولد والنشأة
ولد الشيخ محمد الغزالي في قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر في (5 من ذي الحجة 1335هـ الموافق 22/9/1917م) ونشأة في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1356هـ والتحق بكلية أصول الدين.

في ميدان الدعوة والفكر
كان الميدان الذي برع فيه الشيخ الغزالي هو مجال الدعوة إلى الله على بصيرة ووعي، مستعينا بقلمه ولسانه؛ فكان له باب ثابت في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان "خواطر حية" جلَّى قلمه فيها عن قضايا الإسلام ومشكلات المسلمين المعاصرة، وقاد حملات صادقة ضد الظلم الاجتماعي وتفاوت الطبقات وتمتُّع أقلية بالخيرات في الوقت الذي يعاني السواد الأعظم من شظف العيش.

ثم ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" سنة 1367هـ - 1947م أبان فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب مجموعة أخرى من الكتب المتلاحقة التي عالجت هذه القضية بإسهاب وتوضح.
لم ينقطع قلمه عن كتابة المقالات وتأليف الكتب، وإلقاء الخطب والمحاضرات، وصدرت له جملة من الكتب كان لها شأنها في عالم الفكر مثل: "الإسلام والاستبداد السياسي" الذي انتصر فيه للحرية وترسيخ مبدأ الشورى، وعدّها فريضة لا فضيلة، وملزِمة لا مُعْلِمة، وهاجم الاستبداد والظلم وتقييد الحريات، ثم ظهرت له تأملات في: الدين والحياة، وعقيدة المسلم، وخلق المسلم.
في المعتقل
ظل الشيخ يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس لصدقه وإخلاصه وفصاحته وبلاغته، حتى هبّت على جماعة "الإخوان المسلمين" التي انتمى لها بداية حياته رياح سوداء؛ وكان الشيخ الغزالي واحدا ممن امتدت إليهم يد البطش والطغيان، فأودع معتقل الطور مع كثير من إخوانه، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة 1369هـ ليواصل عمله، وهو أكثر حماسا للدعوة، وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه.

صور من جرأة الغزالي
ويُحسب للغزالي جرأته البالغة وشجاعته النادرة في بيان حقائق الإسلام، في الوقت الذي آثر فيه الغالبية من الناس الصمت والسكون؛ لأن فيه نجاة حياتهم من هول ما يسمعون في المعتقلات.

ولم يكتفِ بعضهم بالصمت المهين بل تطوع بتزيين الباطل لأهل الحكم وتحريف الكلم عن مواضعه، ولن ينسى أحد موقفه في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد سنة 1382هـ - 1962م حيث وقف وحده أمام حشود ضخمة من الحاضرين يدعو إلى استقلال الأمة في تشريعاتها، والتزامها في التزيِّي بما يتفق مع الشرع، وكان لكلام الغزالي وقعه الطيب في نفوس المؤمنين الصامتين في الوقت الذي هاجت فيه أقلام الفتنة، وسلطت سمومها على الشيخ الأعزل فارس الميدان...

وخرجت جريدة "الأهرام" عن وقارها وسخرت من الشيخ في استهانة بالغة، لكن الأمة التي ظُن أنها قد استجابت لما يُدبَّر لها خرجت في مظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر، وتجمعت عند جريدة الأهرام لتثار لكرامتها وعقيدتها ولكرامة أحد دعاتها ورموزها، واضطرت جريدة الأهرام إلى تقديم اعتذار.

ولم يتخلَّ الشيخ الغزالي عن صراحته في إبداء الرأي ويقظته في كشف المتربصين بالإسلام، وحكمته في قيادة من ألقوا بأزمّتهم له، حتى إذا أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر، وتسرب إلى الرأي العام بعض مواد القانون التي تخالف الشرع الحكيم؛ قال الشيخ فيها كلمته، بما أغضب بعض الحاكمين، وزاد من غضبهم التفاف الشباب حول الشيخ، ونقده بعض الأحوال العامة في الدولة، فضُيق عليه وأُبعد عن جامع عمرو بن العاص، وجُمّد نشاطه في الوزارة، فاضطر إلى مغادرة مصر إلى العمل في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، وظل هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
الغزالي في الجزائر
انتقل الشيخ الغزالي إلى الجزائر ليعمل رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسطنطينية، ولم يقتصر أثر جهده على تطوير الجامعة، وزيادة عدد كلياتها، ووضع المناهج العلمية والتقاليد الجامعية، بل امتد ليشمل الجزائر كلها؛ حيث كان له حديث أسبوعي مساء كل يوم اثنين يبثه التلفاز، ويترقبه الجزائريون لما يجدون فيه من معانٍ جديدة وأفكار تعين في فهم الإسلام والحياة.

وبعد السنوات السبع التي قضاها في الجزائر عاد إلى مصر ليستكمل نشاطه وجهاده في التأليف والمحاضرة حتى لقي الله وهو في الميدان الذي قضى عمره كله خلال مشاركته في إحدى الندوات التي أقيمت بالرياض ضمن مهرجان الجنادرية وكان ذلك في اليوم 19 من شوال 1417هـ الموافق 9 مارس 1996م ودفن بالبقيع في المدينة المنورة.
الغزالي بين رجال الإصلاح
يقف الغزالي بين دعاة الإصلاح كالطود الشامخ، متعدد المواهب والملكات، راض ميدان التأليف؛ فلم يكتفِ بجانب واحد من جوانب الفكر الإسلامي؛ بل شملت مؤلفاته: التجديد في الفقه السياسي ومحاربة الأدواء والعلل، والرد على خصوم الإسلام، والعقيدة والدعوة والأخلاق، والتاريخ والتفسير والحديث، والتصوف وفن الذكر.

وقد أحدثت بعض مؤلفاته دويًّا هائلا بين مؤيديه وخصومه في أخريات حياته مثل كتابيه: "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" و"قضايا المرأة المسلمة".
كما شملت بعض المشتغلين بالدعوة الذين شغلوا الناس بالفروع عن الأصول وبالجزئيات عن الكليات، وبأعمال الجوارح عن أعمال القلوب، وهذه الطائفة من الناس تركزت عليهم أعمال الشيخ وجهوده؛ لكي يفيقوا مما هم فيه من غفلة وعدم إدراك، ولم يسلم الشيخ من ألسنتهم، فهاجموه في عنف، ولم يراعوا جهاده وجهده، ولم يحترموا فكره واجتهاده، لكن الشيخ مضى في طريقه دون أن يلتفت إلى صراخهم.
وتضمنت كتبه عناصر الإصلاح التي دعا إليها على بصيرة؛ لتشمل تجديد الإيمان بالله وتعميق اليقين بالآخرة، والدعوة إلى العدل الاجتماعي، ومقاومة الاستبداد السياسي، وتحرير المرأة من التقاليد الدخيلة، ومحاربة التدين المغلوط، وتحرير الأمّة وتوحيدها، والدعوة إلى التقدم ومقاومة التخلف، وتنقية الثقافة الإسلامية، والعناية باللغة العربية.
فرحمه الله تعالى رحمة واسعة


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:13 AM

الدكتور يوسف القرضاوي


نشأته ومؤهلاته
ولد الدكتور يوسف القرضاوي في إحدى قرى جمهورية مصر العربية، قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتاً بمصر، وهو عبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي، كما نص الحافظ بن حجر وغيره، وكان مولد القرضاوي فيها في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.

التحق بمعاهد الأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية وكان دائما في الطليعة، وكان ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني على المملكة المصرية، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة. ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة 52-1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون.
ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة. وفي سنة 1958م حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب. وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين. وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراة) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية".
أعماله الرسمية
عمل الدكتور القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر. ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.

وفي سنة 1961م أعير إلى دولة قطر، عميدا لمعهدها الديني الثانوي، فعمل على تطويره وإرسائه على أمتن القواعد، التي جمعت بين القديم النافع والحديث الصالح. وفي سنة 1973م أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات نواة لجامعة قطر، فنقل إليها ليؤسس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه.
وفي سنة 1977م تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989/1990م، كما أصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، ولا يزال قائما بإدارته إلى اليوم.
وقد أعير من دولة قطر إلى جمهورية الجزائر الشقيقة العام الدراسي 1990/1991م ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ثم عاد إلى عمله في قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.
حصل على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ. كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك في الدراسات الإسلامية لعام 1413هـ. كما حصل على جائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996م. كما حصل على جائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه الإسلامي لعام 1997م.

جهوده ونشاطه في خدمة الإسلام
الدكتور يوسف القرضاوي، أحد أعلام الإسلام البارزين في العصر الحاضر في العلم والفكر والدعوة والجهاد، في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه.

ولا يوجد مسلم معاصر إلا التقى به قارئاً لكتاب، أو رسالة، أو مقالة، أو فتوى، أو مستمعاً إلى محاضرة، أو خطبة أو درس أو حديث أو جواب، في جامع أو جامعة، أو ناد، أو إذاعة، أو تلفاز، أو شريط، أو غير ذلك.
ولا يقتصر نشاطه في خدمة الإسلام على جانب واحد، أو مجال معين، أو لون خاص بل اتسع نشاطه، وتنوعت جوانبه، وتعددت مجالاته، وترك في كل منها بصمات واضحة تدل عليه، وتشير إليه. وسنحاول أن ننبه هنا على أهم هذه المجالات وأبرزها، وهي:
- مجال التأليف العلمي.
- مجال الدعوة والتوجيه.
- مجال الفقه والفتوى.
- مجال المؤتمرات والندوات.
- مجال الزيارات والمحاضرات.
- مجال المشاركة في عضوية المجالس والمؤسسات.
- مجال الاقتصاد الإسلامي.
- مجال العمل الاجتماعي.
- مجال ترشيد الصحوة.
- مجال العمل الحركي والجهادي.

مجال التأليف العلمي
الكتابة والتأليف من أهم ما برز فيه الدكتور القرضاوي، فهو عالم مؤلف محقق كما وصفه العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه "رسائل الأعلام" وكتبه لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي، كما وصفها بحق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.

والناظر في كتبه وبحوثه ومؤلفاته يستيقن من أنه كاتب مفكر أصيل لا يكرر نفسه، ولا يقلد غيره، ولا يطرق من الموضوعات إلا ما يعتقد أنه يضيف فيه جديداً من تصحيح فهم، أو تأصيل فكر، أو توضيح غامض، أو تفصيل مجمل، أو رد شبهة، أو بيان حكمة أو نحو ذلك.
وقد ألف الشيخ يوسف القرضاوي في مختلف جوانب الثقافة الإسلامية كتباً نيفت على الخمسين، أصيلة في بابها، تلقاها أهل العلم في العالم الإسلامي بالقبول والتقدير، ولهذا طبعت بالعربية مرات كثيرة، وترجم أكثرها إلى اللغات الإسلامية والعالمية، فلا تكاد تذهب إلى بلد إسلامي إلا وجدت كتب القرضاوي هناك إما بالعربية أو باللغة المحلية.
وقد تميزت هذه الكتب بعدة مزايا:
أولاً: استندت بصفة أساسية إلى أصول تراثنا العلمي الإسلامي المعتمد على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، ولكن لم تنس العصر الذي نعيش فيه فجمعت بين الأصالة والمعاصرة بحق.

ثانياً: جمعت بين التمحيص العلمي والتأمل الفكري، والتوجه الإصلاحي.
ثالثاً: تحررت من التقليد والعصبية المذهبية، كما تحررت من التبعية الفكرية للمذاهب المستوردة من الغرب أو الشرق.
رابعاً: اتسمت بالاعتدال بين المتزمتين والمتحللين، وتجلت فيها الوسطية الميسرة بغير تفريط ولا إفراط.
وهكذا قال بحق مدير مجلة الأمة في تقديم كتاب "الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف" أنه من المفكرين الإسلاميين القلائل الذين يتميزون بالاعتدال ويجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر.
خامساً: يمثل أسلوبه في الكتابة ما يعرف بـ "السهل الممتنع" فهو أسلوب عالم أديب متمكن.
سادساً: وقفت بقوة في وجهه دعوات الهدم والغزو من الخارج، ودعوات التحريف والانحراف من الداخل، والتزمت الإسلام الصحيح وحده، تنفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
سابعا‌ً: يلتمس قارئ كتبه فيها الحرارة والإخلاص، كما يلمس ذلك مستمع خطبه ومحاضراته ودروسه، وقد أجمع كل من كتبوا عنه: أن مؤلفاته وكتاباته تجمع بين دقة الفقيه، وإشراقة الأديب، وحرارة الداعية، ونظرة المجدد.
كما أن له بجوار كتبه العلمية كتباً ذات طابع أدبي، مثل مسرحية "عالم وطاغية" التي تمثل ثبات سعيد بن جبير في مواجهة طغيان الحجاج. وله ديوان بعنوان "نفحات ولفحات" يضم عدداً مما بقي من قصائده القديمة، بالإضافة إلى بعض القصائد الجديدة والأناشيد الموجهة. وقد انتشرت أناشيده وقصائده في العالم الإسلامي وتغنى بها الشباب في المناسبات حتى قبل طبع الديوان.
هذا إلى جانب كتب أخرى اشترك في تأليفها لوزارة التربية في قطر، وللمعهد الديني خاصة، وقد زادت على العشرين كتاباً، أقرتها الوزارة في مدارسها، وهي تتناول التفسير والحديث والتوحيد والفقه والمجتمع الإسلامي، والبحوث الإسلامية، وفلسفة الأخلاق، وغيرها، هذا بخلاف البحوث والدراسات والمقالات التي نشرت في الحوليات والمجلات العلمية: الفصلية والشهرية والأسبوعية، وسنشير إلى شيء منها بعد.
من هذه الكتب
1- كتاب "الحلال والحرام في الإسلام"
الذي ألفه بتكليف من مشيخة الأزهر في عهد الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ وتحت إشراف الإدارة العامة للثقافة الإسلامية في عهد الدكتور محمد البهي ـ رحمه الله ـ وقد أقرته اللجنة المختصة وأثنت عليه. وقد انتشر الكتاب انتشاراً منقطع النظير في العالم العربي والإسلامي، ونوه به كثيرون من العلماء المرموقين، حتى قال الأستاذ الكبير: مصطفى الزرقاء: إن اقتناء هذا الكتاب واجب على كل أسرة مسلمة، وقال الأستاذ محمد المبارك ـ رحمه الله ـ هو أفضل كتاب في موضوعه، وكان الأستاذ الكبير علي الطنطاوي يدرسه لطلابه في كلية التربية بمكة المكرمة، وعني المحدث المعروف الشيخ ناصر الدين الألباني بتخريج أحاديثه.

وفي باكستان هي رسالة خاصة إلى مؤلف، كما اهتمت به الأقسام الأكاديمية للدراسات الإسلامية في جامعتي (البنجاب) و(كراتشي).
ففي أوائل الستينات قدمت الدارسة جميلة شوكت (د. جميلة شوكت بعد ذلك) إلى قسم الدراسات الإسلامية بجامعة البنجاب دراسة عن الكتاب باعتباره نموذجا جديداً في كتابة الفقه الإسلامي، وقد حصلت بدراستها تلك على "الماجستير"، وكان المشرف عليها العلامة علاء الدين الصديقي رئيس الجامعة بعد ذلك. كما قدم طالب آخر من جامعة كراتشي دراسة أخرى عن الكتاب.
طبع الكتاب ما لا يقل عن أربعين مرة بالعربية، حيث تطبعه أكثر من دار نشر بالقاهرة وبيروت، والكويت، والجزائر، والمغرب، وأمريكا. هذا عدا الطبعات المسروقة التي يصعب تتبعها وحصرها. كما ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والألمانية والأوردية والفارسية والتركية والماليزية والاندونيسية والماليبارية والسواحلية والأسبانية والصينية، وغيرها. ومنها:

2- فقه الزكاة
وهو في جزءين كبيرين، وهو دراسة موسوعية مقارنة لأحكام الزكاة وأسرارها وآثارها في إصلاح المجتمع، في ضوء القرآن والسنة، ويعد من أبرز الأعمال العلمية في عصرنا.
وقد شهد المختصون أنه لم يؤلف مثله في موضوعه في التراث الإسلامي، وقال عنه العلامة أبو الأعلى المودودي ـ رحمه الله ـ: أنه كتاب هذا القرن (أي الرابع عشر الهجري) في الفقه الإسلامي، نقله عنه الأستاذ خليل الحامدي.

وقال عنه الأستاذ محمد المبارك في مقدمة كتابه عن "الاقتصاد" من سلسلة "نظام الإسلام": "وهو عمل تنوء بمثله المجامع الفقهية، ويعتبر حدثا هاما في التأليف الفقهي". وقد تبنى مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ترجمته إلى اللغة الإنجليزية وأنهاها بالفعل. كما نقل إلى الأوردية والتركية والأندونيسية وغيرها، ككثير من كتب الشيخ نفع الله بها المسلمين في أقطار كثيرة. وقد عالجت كتبه الكثير من القضايا والموضوعات التي يحتاج إليها العقل المسلم المعاصر.
كما خاضت كثيراً من المعارك الفكرية ضد خصوم الإسلام في الداخل والخارج. فعندما نادى اليساريون العرب بما أسموها "حتمية الحل الاشتراكي" وصدر بذلك "الميثاق" المصري، الذي سماه بعضهم "قراءة الثورة" تصدى القرضاوي للرد على هذا الاتجاه بإصدار سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" الذي صدر منها ثلاثة أجزاء. وحينما وقعت نكبة 5 حزيران (يونية) 1967م التي سموها "النكسة" وزعم بعضهم أن الدين كان وراء هزيمتنا، أصدر القرضاوي كتابه "درس النكبة الثانية: لماذا انهزمنا وكيف ننتصر؟".
في معركة "الإسلام والعلمانية" أو معركة "تطبيق الشريعة" التي احتدمت في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت أصوات الجماهير تطالب بتحكيم الشريعة الإسلامية ووقف العلمانيون موقف العداء للتيار الإسلامي الشعبي المكتسح متخذين من وسائل الإعلام المتاحة لهم منابر لترويج باطلهم، وتزيين شبهاتهم، كان صوت القرضاوي من أعلى الأصوات التي فضحت أباطيلهم، وخصوصاً في الندوة التاريخية الشهيرة التي دعت إليها "نقابة الأطباء" في مصر، وعقدت بدار الحكمة بالقاهرة، ومثل الإسلاميين فيها الشيخان الغزالي والقرضاوي.
وكانت هذه الندوة أحد الأحداث الفكرية البارزة، وقد تحدثت عنها الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الشهرية في مصر وخارجها. وكان من أثرها كتاب "الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه" الذي رد على فؤاد زكريا وجماعة العلمانيين في مصر رداً علمياً موضوعياً، أسقط كل دعاويهم وأبطل كل شبهاتهم بالمنطق العلمي الرصين. وفي المعركة الأخيرة حول تحليل فوائد البنوك وما يلحق بها من شهادات، كان صوته من أعلى الأصوات وأقواها في مقاومتها، ومن ثمارها كتاب "فوائد البنوك هي الربا المحرم".


يتبع

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:16 AM

مجال الفقه والفتوى
ومن الجهود البارزة للدكتور القرضاوي جهوده في مجال الفقه والفتوى خاصة. فهو لا يلقى محاضرة، أو يشهد مؤتمراً أو ندوة إلا جاءه فيض من الأسئلة في شتى الموضوعات الإسلامية ليرد عليه، وردوده وأجوبته تحظى بقبول عام من جماهير المثقفين المسلمين، لما اتسمت به من النظرة العلمية، والنزعة الوسطية، والقدرة الإقناعية.

وقد أصبح مرجعاً من المراجع المعتمدة لدى الكثيرين من المسلمين في العالم الإسلامي وخارجه، ومن عرف الشيخ عن كثب سمع منه أنه يشكو من كثرة الرسائل والاستفتاءات التي تصل إليه، ويعجز عن الرد عليها، فهي تحتاج إلى جهاز كامل ولا يقدر عليها جهد فرد مهما تكن طاقته ومقدرته.
هذا إلى ما يقوم به من إجابات عن طريق المشافهة واللقاء المباشر، وفي أحيان كثيرة عن طريق الاتصال الهاتفي، الذي سهل للكثيرين أن يسألوه هاتفياً من أقطار بعيدة، بالإضافة إلى برامجه الثابتة في إذاعة قطر وتلفزيونها للرد على أسئلة المستمعين والمشاهدين.
وقد بين منهجه في الفتوى في مقدمة الجزء الأول من كتابه "فتاوى معاصرة". كما وضح ذلك في رسالته "الفتوى بين الانضباط والتسيب" الذي تعرض فيها لمزالق المتصدين للفتوى وجلاها مع التدليل والتمثيل.
وخلاصة هذا المنهج أنه يقوم على التيسير لا التعسير، والاعتماد على الحجة والدليل، والتحرر من العصبية والتقليد، مع الانتفاع بالثروة الفقهية للمذاهب المعتبرة، وعلى مخاطبة الناس بلغة عصرهم، والاهتمام بما يصلح شأنهم والإعراض عما لا ينفعهم، والاعتدال بين الغلاة والمقصرين، وإعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح والتعليل.
يكمل ذلك ما ذكره في كتابه "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر" الذي كشف فيه اللثام عن مزالق الاجتهاد المعاصر، وأبان عن المعالم والضوابط اللازمة لاجتهاد معاصر قويم.
وقد حرص هو أن يطبق الالتزام بهذه الضوابط فيما كتبه في الجوانب الفقهية مثل "الحلال والحرام" و"فقه الزكاة" و"غير المسلمين في المجتمع الإسلامي" و"بيع المرابحة للآمر بالشراء" و"فقه الصيام" وهو حلقة من سلسلة تيسير الفقه الذي وعد بها من سنوات. ولا غرو أن اختير عضواً بالمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وخبيراً بمجتمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

مجال الدعوة والتوجيه
عمل د. القرضاوي في مجالات عدة، ومارس أنشطة كثيرة، بين العمل الأكاديمي والعمل الإداري والثقافي، واشتغل بالفقه والفتوى، والأدب والشعر، وغير ذلك، ولكنه في المقام الأول رجل دعوة، فالدعوة إلى الله لحمته وسداه، وهي شغله الشاغل، وهي محور تفكيره واهتمامه وعلمه وعمله.

وقد بدأ يمارس الدعوة منذ فجر شبابه، منذ كان طالباً في القسم الابتدائي، من معهد طنطا الثانوي، وعمره حوالي 16سنة، مبتدئاً بقريته، ثم بما حولها، حتى شرق وغرب العالم كله. وله إلى الدعوة منابر ووسائل شتى: منها: المنبر الطبيعي التاريخي للدعوة إلى الله، وهو: المسجد، عن طريق الخطبة والدرس.
وقد كان القرضاوي وهو طالب في كلية أصول الدين يخطب في مسجد بمدينة المحلة الكبرى، المدينة العمالية الشهيرة ـ يعرف بمسجد "آله طه" الذي أطلق عليه الناس "مسجد الشيخ يوسف" وقد كان يؤمه الآلاف لصلاة الجمعة، حتى أن منشئ المسجد بنى بجواره ملحقا من عدة طوابق ليتسع للناس.

وبعد خروجه من المعتقل سنة 1956م استدعته وزارة الأوقاف عقب حرب السويس ليخطب في جامع الزمالك بالقاهرة، وقد كان يؤمه جمهور كبير حتى منع من الخطابة في عهد عبد الناصر.

وحين أعير إلى قطر سنة 1961م اتخذ من المسجد وسيلة لنشر الدعوة فهو يخطب ويدرس، ويعظ ويفتي، ولا يزال إلى اليوم يلقي خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب، الذي تذاع منه الخطبة على الهواء مباشرة عن طريق التلفاز القطري، وقد سجلت هذه الخطب وانتشرت في أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك خطبه في عيدي الفطر والأضحى، وخصوصاً ما كان منها في ميدان "عابدين" بالقاهرة، و"الاستاد" بالإسكندرية.
أضف إلى ذلك دروسه الأسبوعية بعد الجمعة، ومساء الاثنين من كل أسبوع، وكذلك دروسه الرمضانية الثابتة، وتتمثل في درس العصر في مسجد الشيخ خليفة بن حمد، التي يحرص على حضورها منذ ثلاثين عاماً، منذ كان ولياً للعهد ونائبا للأمير. ودرس العشاء بعد الترويحة في صلاة التراويح التي يصليها ثماني ركعات بجزء من القرآن، ويختم فيها القرآن كل عام.
كما اتخذ من أجهزة الإعلام منبراً للدعوة أيضاً، فله دروس وأحاديث في الإذاعة والتلفاز، وبعضها في تفسير القرآن الكريم، وبعضها في تفسير القرآن الكريم، وبعضها في شرح الحديث الشريف مثل برنامج "من مشكاة النبوة" وبعضها دروس توجيهية، وبعضها إجابات عن أسئلة المسلمين والمسلمات عن كل ما يتعلق بالإسلام والحياة.
وله في ذلك برنامج باسم "نور وهداية" منذ افتتاح إذاعة قطر، واستمر بضعة عشر عاماً ثم اعتذر أخيراً من عدم استمراره فيه لكثرة مشاغله.
وبرنامج آخر تلفزيوني باسم "هدي الإسلام" في مساء كل جمعة، بدأ مع بدء تلفزيون قطر، واستمر إلى اليوم، يشاهده الأخوة والأخوات في قطر والبحرين والإمارات والمنطقة الشرقية من السعودية، ويترقبه الناس ويتابعونه الناس بلهفة، وهو يمثل مدرسة متميزة في الدعوة والتوجيه، والفتوى والتفقيه. وما من تلفزيون عربي إلا وبث للدكتور القرضاوي دروسا وأحاديث.
وإلى جوار ذلك أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية، كان نشاطه في الإعلام المقروء عن طريق الصحافة.
فقد نشر مقالات وبحوث في مختلف المجلات الإسلامية: "الأزهر" و"نور الإسلام" و"منبر الإسلام" و"الدعوة" في مصر، و"حضارة الإسلام" بدمشق و"الوعي الإسلامي" و"المجتمع" و"العربي" بالكويت، و"الشهاب" ببيروت، و"البعث الإسلامي" بالهند، و"الدعوة" بالرياض، و"الدوحة" و"الأمة" في قطر، و"منار الإسلام" في أبو ظبي، و"المسلم المعاصر" في لبنان وغيرها.
إلى جانب الصحف الأسبوعية واليومية في عدد من الأقطار، التي نشرت له مقالات أو فتاوى، أو لقاءات يجيب فيها مما يوجه إليه من أسئلة حول الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وأمة. ومما لا خلاف عليه أن الشيخ القرضاوي داعية إسلامي من كبار دعاة الإسلام المعاصرين، له شخصيته المستقلة، وطابعه الأصيل، وتأثيره الخاص بحيث يعد بمجموع خصائصه مدرسة متميزة في الدعوة.
فهو يتميز بالقدرة على إفهام العامة، وإقناع الخاصة معاً.
وبالقدرة على مخاطبة العقل وإلهاب العاطفة معاً.
وبالقدرة على استلهام التراث، والاستفادة من ثقافة العصر جميعاً.
وبالقدرة على المزج بين الدعوة النظرية والعمل الحركي والجهادي من أجل الإسلام.
والقدرة على ربط التدين الفردي بهموم الأمة الإسلامية الكبرى وقضاياها المصيرية.
والقدرة على وصل الدعوة بالفقه، والفقه بالدعوة، فلا تحس بانفصام بين الداعية والفقيه.
وبالجملة فهو في الدعوة ـ كما في الفقه والفكر ـ نموذج متفرد.

مجال المؤتمرات والندوات العلمية
لا يكاد يعقد مؤتمر أو ملتقى أو ندوة أو حلقة حول الفكر الإسلامي أو الدعوة الإسلامية إلا يدعى إليها الدكتور القرضاوي، تقديراً من الجهات الداعية لمكانته بين العلماء والدعاة والمفكرين، وهو يحضر منها ما أسعفه وقته وساعدته ظروف عمله وارتباطاته المتعددة على حضوره، ويشارك فيها بالبحوث المعدة، أو بالمناقشات الإيجابية المخلصة أو بهما معا، والذين يشهدون هذه المجتمعات العلمية والدعوية يؤكدون أن حضور القرضاوي يزيدها فاعلية وإثراء.

ومن هذه المؤتمرات على سبيل المثال لا الحصر:
- المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي تحت رعاية جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.

- المؤتمر العالمي الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

- المؤتمر العالمي الأول للفقه الإسلامي بالرياض تحت رعاية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

- المؤتمر العالمي الثاني لتوحيد الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجمعية الإسلامية بالمدينة المنورة.

- المؤتمر العالمي الأول لمكافحة المسكرات والمخدرات والتدخين تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

- ومهرجان ندوة العلماء بالكهنو بالهند، ومؤتمر الإسلام والمستشرقين الذي نظمته ندوة العلماء بالتعاون مع دار المصفين بمدينة (أعظم كره) بالهند، وقد اختير بالإجماع رئيساً للمؤتمر.

- ومؤتمرات السيرة النبوية والسنة الشريفة التي عقدت في أكثر من بلد، وقد انتخب في المؤتمر الذي عقد في قطر نائبا للرئيس.

- وندوة التشريع الإسلامي في ليبيا، ومؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، ومؤتمرات المصارف الإسلامية في دبي وفي الكويت واستنابول وغيرها.

- ومؤتمرات الهيئة العليا للرقابة الشرعية بالبنوك الإسلامية، وندوة "الاقتصاد الإسلامي في مجال التطبيق" في أبو ظبي.

- وندوات (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية) بالكويت و"مؤتمرات الزكاة" بالكويت ومؤتمرات رابطة الجامعات الإسلامية بالقاهرة، وغيرها.

- ومؤتمرات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن، وملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر.

- ومؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بإسلام آباد، وندوة الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي بعمان، ومؤتمرات الإسلام والطب بالقاهرة.

- وقدم لمعظم المؤتمرات والندوات بحوثاً علمية كانت موضع تقدير المؤتمرين.

مجال المحاضرات والزيارات الجامعية
دعي الأستاذ الدكتور القرضاوي لزيارة عدد من الجامعات العربية والإسلامية لإلقاء محاضرات بها، إما على الطلاب وهو الأكثر، وإما على أعضاء هيئة التدريس، أو على الفريقين معاً في محاضرات عامة.

من ذلك عدد من الجامعات المصرية مثل: جامعة القاهرة، والأزهر، وعين شمس، والإسكندرية، المنصورة، وأسيوط.
ومنها جامعة الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
ومنها بالمملكة العربية السعودية: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد كان في بعض الدورات عضواً بالمجلس الأعلى بها، وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الظهران للبترول والمعادن، وجامعة الملك فيصل بالدمام، وجامعة الملك سعود بالرياض.
ومنها جامعة الكويت، وجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين، وجامعة الخليج بالبحرين، والجامعة الأردنية وجامعة اليرموك بالأردن، وجامعة محمد الخامس بالرباط، والقاضي عياض بمراكش بالمغرب، وجامعة صنعاء باليمن، وجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، وعدد من الجامعات الجزائرية بالجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران وتبسا.
ومنها: الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وجامعة البنجاب بلاهور، وجامعة الملايو، والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، ودار العلوم ومعهدها العالي للفكر الإسلامي بندوة العلماء في الكهنو بالهند، وجامعة أحمدو بللو بنيجيريا، وجامعة ابن خلدون، وغيرها بأندونيسيا، وجامعة مندناو بجنوب الفلبين، ومعهد الملك فيصل للدراسات الإسلامية بها، والجامعة الإسلامية بمدينة هراوي بها، وبعض الجامعات بطوكيو، واليابان وسيؤول بكوريا الجنوبية.
كما دعاه عدد من المراكز والمعاهد والجمعيات العلمية لإلقاء محاضرات بها مثل:
- مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجدة.
- جمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة.
- مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض.
- المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا.
- المجمع الثقافي بأبوظبي.
- النادي الأدبي بمكة المكرمة.
- النادي الثقافي بسلطنة عمان.

هذا إلى دعوات يعسر إحصاؤها من وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتربية والإعلام والثقافة، والصحة، والداخلية، والمدارس الثانوية، والجمعيات الدينية والأندية الثقافية، والنقابات المهنية، ومراكز الدعوة والتوجيه، في عدد من الأقطار، لإلقاء محاضرات في موضوعات عامة أو خاصة، وفي مناسبات إسلامية مختلفة.
وإلى جوار ذلك زار الشيخ القرضاوي عدداً كبيراً من الأقطار العربية والإسلامية في آسيا وإفريقيا، كما زار الكثير من التجمعات والأقليات والجاليات الإسلامية في أوروبا والأمريكتين وأستراليا، وكان له فيها جميعاً محاضرات ولقاءات وأحاديث تركت وراءها أثراً طيباً، ولا سيما بين الشباب، وخصوصاً الذين يتعلمون في ديار الغرب ويتعرضون لرياح الفتنة تهب عليهم من شمال وجنوب.
مجال المشاركة في عضوية المجالس والمؤسسات
نظرا للثقة التي يتمتع بها الشيخ القرضاوي بين خاصة المسلمين وعامتهم أصبح عضواً في عدد غير قليل من المجالس والمراكز والمؤسسات العلمية والدعوية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية، رغم اعتذاره من عدم قبوله العضوية في أحيان كثيرة لضيق وقته، وكثرة أعبائه.

فهو عضو المجلس الأعلى للتربية في قطر، وعضو هيئة الإفتاء الشرعي في قطر، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصر قطر الإسلامي، وبنك قطر الإسلامي الدولي، ولمصرف فيصل الإسلامي بالبحرين وكراتشي، ولبنك التقوى في سويسرا، وعضو الهيئة لدار المال الإسلامي، وعضو مجلس الأمناء لمنظمة الدعوة الإسلامية في إفريقيا، ومركزها الخرطوم، وعضو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
وخبير المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وعضو مجلس الأمناء للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ومجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد، وعضو رابطة الأدب الإسلامي في الكهنو بالهند، وعضو مؤسس لجمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة مركز بحوث إسهامات المسلمين في الحضارة في قطر، ونائب رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت بالأردن).
وعضو مؤسس للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وعضو مجلس إدارتها ولجنتها التنفيذية.

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:18 AM

مجال الاقتصاد الإسلامي
عنى الدكتور القرضاوي منذ مدة غير قليلة بالجانب الاقتصادي في الإسلام من الناحية النظرية ومن الناحية التطبيقية.

فمن الناحية النظرية ألقى الكثير من المحاضرات والدروس حول الجانب الاقتصادي في الإسلام، وألف مجموعة من الكتب اشتهرت في العالم العربي والإسلامي، يكفي أن نذكر منها: فقه الزكاة، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، بيع المرابحة للآمر بالشراء، كما تجريه المصارف الإسلامية، وأخيراً: فوائد البنوك هي الربا الحرام.
ومن الناحية التطبيقية، ساند قيام البنوك الإسلامية من قبل أن تقوم، وبعد أن قامت، متعاوناً مع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ولا يزال إلى اليوم عضداً لها، يشد أزرها، ويرشد مسيرتها، ويسدد خطواتها، ويدافع عنها.
فقد كان ـ لعدة سنوات ـ مستشاراً شرعياً متطوعاً لأول بنك إسلامي، وهو بنك دبي الإسلامي، ثم أصبح عضواً للهيئة العامة للرقابة الشرعية بدار المال الإسلامي في جنيف، وشركة الراجحي للاستثمار بالمملكة العربية السعودية، وهو كذلك رئيس هيئة الرقابة الشرعية لكل من: مصرف قطر الإسلامي بالدوحة، بنك قطر الدولي الإسلامي، مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين وباكستان، بنك التقوى في لوجانو بسويسرا، وعضو مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي المصري، وعضو مؤسس بجمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة.
وقد أبان عن سر اهتمامه بالاقتصاد الإسلامي في مقدمة كتابه (بيع المرابحة) فقال:
"إن اهتمامي بالاقتصاد الإسلامي جزء من اهتمامي بالشريعة الإسلامية، والدعوة إلى تحكيمها في جميع مجالات الحياة، وإحلال أحكامها محل القوانين الوضعية والأنظمة المستوردة. وتقديرا لهذه الجهود، قررت لجنة البنك الإسلامي للتنمية اختيار فضيلته للفوز بجائزة البنك للعام 1411هـ في الاقتصاد الإسلامي، منوهة بمساهمته المتميزة والعميقة في هذا المجال.

مجال العمل الاجتماعي والخيري
وللدكتور القرضاوي اهتمام خاص بالعمل الاجتماعي والخيري، وهو يعيب على الحركة الإسلامية، وعلى الصحوة الإسلامية استغراقها في العمل السياسي الذي يستهلك جل طاقته، إن لم يكن كلها، وإغفالها للعمل الاجتماعي الذي أتقنه خصوم الدعوة الإسلامية، والذين تسللوا من خلاله لإضلال المسلمين ومحاولة سلخهم عن عقيدتهم وهويتهم، تحت ستار الخدمات الاجتماعية، والأعمال الخيرية، من إنشاء المدارس والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة.

وقد استغل دعاة التنصير هذا المجال أسوأ استغلال، فغزوا كثيراً من المناطق الإسلامية في إفريقيا وآسيا، التي ينتشر فيها ثالوث الفقر والجهل والمرض، حتى انتهى بهم طموحهم أو غرورهم إلى التخطيط لتنصير المسلمين في العالم، كما قرر ذلك مؤتمر المبشرين الذي انعقد في ولاية كولورادو بأمريكا ورصدوا لذلك ألف مليون دولار، وأنشأوا له معهد "زويمر" لتخريج المتخصصين في تنصير المسلمين حسب بلدانهم ولغاتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم.
وقد حرك ذلك همة الشيخ القرضاوي، فطاف بعدد من الأقطار، وألقى عدداً من المحاضرات والأحاديث بين فيها خطورة الموقف، ووجوب التصدي لهذه الحملة بعمل مماثل، وهو رصد ألف مليون دولار من المسلمين للحفاظ على عقيدتهم وشخصيتهم، وأن يستثمر هذا (المليار) إذا جمع، لينفق من عائده على العمل الخيري والدعوي، ويبقى الأصل صدقة جارية لأصحابه، وأوضح أن المسلمين يبلغون في عددهم أكثر من مليار، فلو دفع كل مسلم ـ في المتوسط ـ دولاراً واحدا لجمعوا المبلغ المطلوب. وبهذا رفع شعار: ادفع دولار تنقذ مسلماً ! وأصدر نداءه للمسلمين الذي أذيع في أكثر من بلد.
وقد قامت على أساس هذه الدعوة ولتحقيق الهدف: "الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية" التي اتخذت من الكويت مقراً أساسيا، وبدأت تمارس نشاطها بقوة ووضوح وإن كان لا تزال في بداية الطريق، فهو صاحب فكرة الهيئة، وعضو اللجنة التحضيرية التي أعدت لها، وبناء على تصوره لأهدافها ووسائلها أعد مشروع نظامها الأساسي، وعضو جمعيتها التأسيسية، ومجلس إدارتها، ولجنتها التنفيذية، وعضو في أكثر من لجنة من لجانها.
وفي قطر أنشأ صندوقاً شعبيا لمساعدة ذوي العوز والحاجة داخل قطر وخارجها سمي: "صندوق قطر الإسلامي للزكاة والصدقة" له حساب في مصرف قطر الإسلامي ويقوم بسد بعض الثغرات، وتلبية بعض الحاجات.
وفي مصر ساهم بجهده وماله في إقامة عدد من المؤسسات الدينية والخيرية مثل معهد ومسجد ومستشفى الصحوة في قريته صفت تراب، ومسجد الرحمة في مدينة نصر.
مجال ترشيد شباب الصحوة
ومن أبرز الميادين التي توجهت إليها همة الدكتور القرضاوي ونشاطه، وظهر فيها تأثيره، وجند لها في السنوات الأخيرة لسانه وقلمه وفكره وعلمه وجهده: ميدان شباب الصحوة الإسلامية المعاصرة.

فهو يحضر الكثير من المعسكرات والمؤتمرات واللقاءات التي ينظمها شباب الصحوة في داخل البلاد الإسلامية وخارجها، وقلما يمّمت وجهك شطر هذه اللقاءات في أمريكا وكندا وأوروبا، الأسئلة المثارة والشبهات المثيرة، حول الإسلام وعقيدته وشريعته وتاريخه، وهو موضع الثقة والقبول العام من شباب الصحوة، لما يعتقدونه وما يلمسونه أيضاً من تمكنه من العلم، ورحابة أفقه في الفكر، وإخلاصه في الدعوة، وحرصه على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق، وتحريه دائماً الاعتدال والوسطية التي تتسم بالتيسير لا التعسير، وبالرفق لا العنف، فهم يقبلون منه ما لا يقبلون من غيره ممن قد يتهمونه في علمه أو دينه أو ولائه وارتباطه بجهة من الجهات.
أضف إلى ذلك ما نشره من مقالات، وما ألفه من كتب، وما ألقاه من خطب ومحاضرات، سجلت وانتشرت، تدور حول دعم الصحوة وتقويتها من جانب باعتبارها المعبر الحقيقي عن طموح الأمة الإسلامية وتطلعها إلى الحياة الإسلامية الكاملة، وحول ترشيدها وتسديد خطاها ومسيرتها بعيداً عن الغلو والتطرف والعنف.
وقد كتب في ذلك في مجلة "الأمة" القطرية، مقالات "صحوة الشباب الإسلامي ظاهرة صحية يجب ترشيدها لا مقاومتها" وقد جمعت وطبعت عشرات الألوف منها في عدد من البلاد العربية والإسلامية. كما كتب في مجلة "العربي" عن ظاهرة التطرف.
ثم أصدرت له مجلة "الأمة" كتابه الشهير "الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف" الذي طبع منه مئات الآلاف بالعربية، وترجم إلى عدد كبير من اللغات كالإنجليزية والأوردية والتركية والماليزية والأندونيسية والماليبارية.
كما أصدر كتاب "الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي" وكتاب "من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا" وكتاب "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم".
ومن هذا الباب:
وقوفه في وجه "موجة التكفير" التي راجت يوماً في بعض الأقطار العربية والإسلامية والتي تقوم على تكفير الناس بالجملة، وقد نشر في هذا رسالته التي سماها "ظاهرة الغلو في التكفير" والتي طبع منها عشرات الألوف، وترجمت أيضاً إلى عدد من اللغات.

وهو يهيب بشباب الصحوة الإسلامية في لقاءاته بهم، أو كتاباته لهم: أن يتنقلوا من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن الاهتمام بالفروع والجزئيات إلى التركيز على الأصول والكليات، ومن الانشغال بالمسائل المختلف فيها إلى التأكيد على القضايا المتفق عليها، ومن التحليق الخيالي في سماء الأحلام إلى النزول إلى أرض الواقع، ومن الاستعلاء على المجتمع إلى المعايشة له وإعانته على حل مشكلاته"، ومن الدعوة بالعنف والتي هي أخشن إلى الرفق والدعوة بالتي هي أحسن، ومن الإهمال لسنن الله في الحياة إلى التعبد لله بمراعاتها، في ضوء الأصول الشرعية.
وقد وجدت دعوته تجاوباً من الشباب، وكان لها أثرها ـ مع دعوات العلماء الصادقين ـ في ترشيد مسيرة الصحوة.

مجال العمل الحركي والجهادي
اشتغل الدكتور القرضاوي منذ فجر شبابه بالدعوة إلى الإسلام، عقيدة ونظام حياة، عن طريق الخطب والمحاضرات والدروس والأحاديث، وساعده على ذلك اتصاله المبكر بحركة الإخوان المسلمين، وتعرفه على الإمام الشهيد حسن البنا، وهيأ له ذلك أن يجوب محافظات القطر المصري من الإسكندرية إلى أسوان، وإلى سيناء وأن يزور بعض الأقطار العربية مثل سورية ولبنان والأردن، بتكليف من الأستاذ حسن الهضيبي ـ المرشد الثاني للإخوان المسلمين ـ لنشر الدعوة، وهو لا يزال طالباً بكلية أصول الدين.

وقد لقي في سبيل دعوته كثيراً من الأذى والاضطهاد والاعتقال عدة مرات منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية في عهد فاروق سنة 1949م، وبعد ذلك في عهد الثورة في يناير سنة 1954م، ثم في نوفمبر من نفس السنة حيث استمر اعتقاله نحو عشرين شهراً، ثم في سنة 1963م.
ومما يذكر للشيخ القرضاوي أنه برغم ارتباطه بحركة الإخوان المسلمين، وانتمائه المبكر إليها، وابتلائه في سبيلها، وجهوده العلمية والدعوية والتربوية فيها، وإجماع أنصارها على عظيم مكانته فيها، نراه لا يألو جهداً في الدعوة برفق إلى النقد الذاتي لمواقفها، لترشيد مسيرتها وتحسين أدائها، وتطوير مناهجها، كما دعا بإخلاص إلى التعاون مع كل الحركات الإسلامية الأخرى، ولم ير بأسا من تعدد الجماعات العاملة للإسلام، إذا كان تعدد تنوع وتخصص لا تعدد تعارض وتناقض، على أن تتفاهم وتنسق فيما بينها، وتقف في القضايا الإسلامية الكبرى صفاً واحداً، وتعمق مواضع الاتفاق، وتتسامح في مواضع الخلاف، في دائرة الأصول الإسلامية الأساسية القائمة على محكمات الكتاب والسنة. وقد تجلى هذا الاتجاه النقدي البناء المنصف في عدد من كتبه وبحوثه ومقالاته ومحاضراته، ولقاءاته الصحفية.
كما في كتاب "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" الباب الأخير منه، ومقالات مجلة الأمة تحت عنوان "أين الخلل؟" وقد جمعت في رسالة مستقلة، وكتاب "أولويات الحركة الإسلامية". قدمته سلسلة كتاب الأمة في كتابها الأخير: "فقه الدعوة: ملامح وآفاق" الذي جمعت فيه مجموعة حوارات "الأمة" مع كبار العلماء والمفكرين المسلمين، وكان حوارها معه حول: الاجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية حاجات العصر".
قالت المقدمة في التعريف به:
"ولعل نظرة سريعة على عناوين الكتب التي قدمها للمكتبة الإسلامية تعطي صورة واضحة عن شمولية اهتماماته، والقدر الهام الذي ساهم به في تشكيل العقل الإسلامي المعاصر، وما منحه من الفقه الضروري للتعامل مع الحياة، وتصويب المسار للعمل الإسلامي، وترشيد الصحوة لتلتزم المنهج الصحيح، وتأمن منزلقات الطريق.

يرى أن الحركة الإسلامية تعني مجموع العمل الإسلامي الجماعي الشعبي المحتسب المنبثق من ضمير الأمة، والمعبر بصدق عن شخصيتها وآلامها وآمالها وعقيدتها وأفكارها وقيمها الثابتة وطموحاتها المتجددة وسعيها إلى الوحدة.
كما يرى أنه ليس من العدل تحميل الحركة الإسلامية مسئولية كل ما عليه مسلمو اليوم من ضياع وتمزق وتخلف، بل أن ذلك هو حصيلة عصور الجمود وعهود الاستعمار، وإن كان عليها بلا شك قدر من المسئولية يوازي ما لديها من أسباب وإمكانات مادية ومعنوية هيأها الله لها، استخدمت بعضها، وأهملت بعضا آخر، وأساءت استعمال بعض ثالث.
ويرى ضرورة أن تقف الحركة الإسلامية مع نفسها للتقويم والمراجعة، وأن تشجع أبناءها على تقديم النصح وإن كان مراً، والنقد وإن موجعا ولا يجوز الخلط بين الحركات الإسلامية والإسلام ذاته، فنقد الحركة لا يعني نقد الإسلام وأحكامه وشرائعه، ولقد عصم الله الأمة أن تجتمع على ضلالة ولكنه لم يعصم أي جماعة، أن تخطئ أو تضل خصوصاً في القضايا الاجتهادية التي تتعدد فيها وجهات النظر.
ويقول: أن بعض المخلصين يخافون من فتح باب النقد أن يلجه من يحسنه ولا يحسنه، وهذا هو العذر نفسه الذي جعل بعض العلماء يتواصون بسد باب الاجتهاد، والواجب أن يفتح الباب لأهله، ولا يبقى في النهاية إلا النافع، ولا يصح إلا الصحيح.
وهو لا ينكر تعدد الجماعات العاملة للإسلام، ولا يرى مانعاً من التعدد إذا كان تعدد تنوع وتخصص: فجماعة تختص بتحرير العقيدة من الخرافة والشرك، وأخرى تختص في تحرير العبادات وتطهيرها من البدع، وثالثة تعنى بمشكلات الأسرة، ورابعة تعنى بالعمل التربوي، ويمكن أن تعمل بعض الجماعات مع الجماهير وبعضها الآخر مع المثقفين، على شرط أن يحسن الجميع الظن بعضهم ببعض، وأن يتسامحوا في مواطن الخلاف، وأن يقفوا صفاً واحداً في القضايا الكبرى.
ويرى أن على الحركة الإسلامية أن تنتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل على مستوى الإسلام ومستوى العصر ـ ولا يعفيها من سؤال التاريخ أن تقول أنها كانت ضحية لمخططات دبرتها قوى جهنمية معادية للإسلام من الخارج ـ وأن تعمل في إطار النخبة والجماهير معاً. وسوف تنجح الحركة الإسلامية عندما تصبح حركة كل المسلمين لا حركة فئة من المسلمين.
ويأخذ على بعض العاملين للإسلام حرمان أنفسهم من العمل لخير الناس أو مساعدتهم حتى تقوم الدولة الإسلامية المرجوة، فهو يرى أن كل مهمة هؤلاء الانتظار فهم واقفون في طابور الانتظار دون عمل يذكر حتى يتحقق موعودهم.
ويرى ضرورة التخطيط القائم على الإحصاء ودراسة الواقع، وأن من آفات الحركة الإسلامية المعاصرة غلبة الناحية العاطفية على الاتجاه العقلي والعلمي، كما أن الاستعجال جعل الحركة الإسلامية تخوض معارك قبل أوانها، وأكبر من طاقتها.
ويأخذ على بعض العاملين للإسلام النفور من الأفكار الحرة والنزعات التجديدية التي تخالف المألوف والمستقر من الأفكار، وضيقهم بالمفكرين، وربما أصدروا بشأنهم قرارات أشبه بقرارات الحرمان.
ويقول: إن اتباع أهواء العامة أشد خطراً من اتباع هوى السلطان، لأن الذين يتبعون هوى السلطان يكشفون ويرفضون.
ويرى أن الاستبداد السياسي ليس مفسداً للسياسة فحسب بل هو مفسد للإدارة والاقتصاد والأخلاق والدين، فهو مفسد للحياة كلها.
ويرى أن الصحوة الإسلامية تمثل فصائل وتيارات متعددة كلها تتفق في حبها للإسلام، واعتزازها برسالته، وإيمانها بضرورة الرجعة إليه، والدعوة إلى تحكيم شريعته، وتحرير أوطانه، وتوحيد أمته.
ويعتبر أهم تيارات الصحوة وأعظمها هو التيار الذي أسماه "تيار الوسطية الإسلامية" لأنه التيار الصحيح القادر على الاستمرار، ذلك أن الغلو دائما قصير العمر وفقاً لسنة الله.
ويرى أن أهم المحاور التي يقوم عليها هذا التيار، والمعالم التي تميزه:
- الجمع بين السلفية والتجديد.
- الموازنة بين الثوابت والمتغيرات.
- التحذير من التجميد والتجزئة والتمييع للإسلام.
- الفهم الشمولي للإسلام.

وينصح الحركة الإسلامية أن تعمل على ترشيد الصحوة، ولا تحاول احتواءها أو السيطرة عليها، فمن الخير أن تبقى الصحوة حرة منسوبة إلى جماعة أو هيئة أو حزب.
ويرى أنه ليس من العدل ولا من الأمانة أن نحمل الشباب وحدهم مسئولية ما تورطوا فيه، أو تورط فيه بعضهم من غلو في الفكر أو تطرف في السلوك، والعجب أننا ننكر على الشباب التطرف ولا ننكر على أنفسنا التسيّب، ونطالب الشباب بالاعتدال والحكمة ولا نطالب الشيوخ والكبار أن يطهروا أنفسهم من النفاق.
ويرى أن الشباب ضاق ذرعاً بنفاقنا وتناقضنا فمضى وحده في الطريق إلى الإسلام دون عون ما. ويرى أن المؤسسات الدينية الرسمية ـ على أهميتها وعراقتها ـ لم تعد قادرة على القيام بمهمة ترشيد الصحوة الشبابية وعلاج ظاهرة الغلو ما لم ترفع السلطات السياسية يديها عنها، وأن الذي يعيش مجرد متفرج على الصحوة الإسلامية أو مجرد ناقد لها وهو بعيد عنها لا يستطيع أن يقوم بدور إيجابي في تسديدها وتشيدها، فلابد لمن يتصدى لنصح الشباب من أن يعايشهم ويتعرف على حقيقة حالها.
ويرى أن أسباب الخلاف قائمة في طبيعة البشر، وطبيعة الحياة، وطبيعة اللغة وطبيعة التكليف، فمن أراد أن يزيل الخلاف بالكلية فإنما يكلف الناس والحياة واللغة والشرائع ضد طبائعها، وأن الخلاف العلمي لا خطر فيه إذا اقترن بالتسامح وسعة الأفق، وتحرر من التعصب وضيق النظر.

ويرى أن الأمة المسلمة اليوم ابتدعت في دين الله، والابتداع في الدين ضلالة، وجمدت في شؤون الدنيا، والجمود في الدنيا جهالة، وكان الأجدر بها أن تعكس الوضع فتتبع في أمر الدين، وتبتدع في أمر الدنيا.

ويرى أن من العلماء من قصر في واجب البلاغ المبين، ومنهم من مشى في ركاب السلاطين، ومنهم من جعل من نفسه جهازاً لتفريخ الفتاوى حسب الطلب. والحكام في الغالب أشبه بشعوبهم وهم إفراز مجتمعهم.
ولاشك أن الأخ الدكتور يوسف القرضاوي يعتبر من أبرز الفقهاء المعاصرين الذين يتمتعون بقدرة متميزة على النظر الدقيق من خلال كسبه المتعمق للعلوم الشرعية، وتجربته الميدانية في مجال العمل الإسلامي، كما يعتبر من المفكرين الذين يمتازون بالاعتدال، ويجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، وتجمع مؤلفاته بين دقة العالم، وإشراقة الأديب، وحرارة الداعية.

مؤلفــاته و فكـره
جاوزت مؤلفات القرضاوي الثمانين، وقد لقيت قبولاً عاماً في العالم الإسلامي، وطبع بعضها عشرات المرات، وترجم عدد كبير منها إلى اللغات الإسلامية، واللغات العالمية، أما مقالاته ومحاضراته وخطبه ودروسه فيصعب حصرها.. وصفه الذين كتبوا عنه بأنه من المفكرين الإسلاميين القلائل، الذين يجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، وبأن كتاباته تميزت بما فيها من دقة الفقيه، وإشراقة الأديب، ونظرة المجدد، وحرارة الداعية.

من أبرز دعاة (الوسطية الإسلامية) التي تجمع بين السلفية والتجديد. وتمزج بين الفكر والحركة، وتركز على فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وتوازن بين ثوابت الإسلام ومتغّيرات العصر، وتتمسك بكل قديم نافع، كما ترحب بكل جديد صالح تستلهم الماضي، وتعايش الحاضر، وتستشرف المستقبل.

زياراتــــه
زار عدداً كبيراً من الأقطار الإسلامية في أسيا وأفريقيا، والتجمعات والأقليّات الإسلامية في سائر القارات، ودعي إلى المحاضرة في عدد من الجامعات الإسلامية والعالمية، كما شارك في عدد جم من المؤتمرات والندوات العلمية داخل العالم الإسلامي وخارجه.

عضويته في مجامع علمية
القرضاوي عضو في عدة مجامع ومؤسسات علمية ودعوية وعربية وإسلامية وعالمية، منها: المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامية بمكة، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن، ومركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد، ومجلس أمناء الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، ومنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم، ورئيس لهيئة الرقابة الشرعية في عدد من المصارف الإسلامية.

الجوائز التي حصل عليها
حصل على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ. كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك في الدراسات الإسلامية لعام 1413هـ.، وحصل على جائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996م. وحصل على جائزة السلطان حسن البلقية ( سلطان بروناي الإسلامي )..

مجموعة من فتاويه
إيداع الأموال في البنوك الأمريكية حرام
في قضية إيداع الأموال العربية الإسلامية في البنوك الأمريكية قال القرضاوي أن هذا حرام وتعاون على الإثم والعدوان، وعلل فتواه بأن أمريكا أصبحت تقف موقفا معادياً من القضايا الإسلامية، خصوصا قضية فلسطين، وتؤيد تأييدا مطلقا للإسرائيليين في طغيانهم وعدوانهم، وأكد على ضرورة اتخاذ موقف يوازي ما تقوم به أمريكا من تحيز، واعتبر من يودع أمواله من العرب والمسلمين في البنوك الأمريكية إعانة لأمريكا على قتل إخواننا وتأييد أعدائنا !

شراء البضائع الإسرائيلية والأمريكية حرام
كان القرضاوي أول من دعا إلى مقاطعة البضائع والمنتجات الأمريكية واليهودية واعتبر هذا نوعاً من أنواع الجهاد في سبيل الله فقال: مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية واجب الأمة، كل ما يشير إلى أمريكا، مجرد الإشارة حتى ولو كانت وطنية، (كولا) كلمة كولا يعني أمريكا، هامبورجر، ماكدونالد، بيتزا، هذه الأشياء أمريكية، ارحمونا، كلما رأيت هذه العناوين ثارت نفسي وثار البركان في صدري، نريد أن تقاطع الأمة هذه البضائع، من زجاجة البيبسي إلى السيارة إلى الطائرة البوينج، نطالب الحكومات ونطالب الشعوب، أن تقاطع هذه البضائع وأن تنظم اللجان الشعبية لتفعيل هذه المقاطعة وترتيب الأولويات فيها، كل ما له بديل يجب أن يقاطع.

ما الذي يجعلني أركب سيارة أمريكية وأستطيع أن أشتري سيارة يابانية أو سيارة ألمانية؟ لن أخسر شيئاً، المقاطعة، هذه المقاطعة واجبة على الجميع، وربما تكون هناك بضائع إسرائيلية تتسلل تحت أسماء وعناوين، من عرف ذلك فعليه أن يقاطع، حرام أي حرام، حرام بل كبيرة من الكبائر أن تشتري في هذا الوقت البضائع الإسرائيلية والأمريكية، هذا جهاد نوع من الجهاد، لابد أن نفعله ونتواصى به.
مشاركة النساء في العمليات الاستشهادي
في فتوى أصدرها القرضاوي حول مشاركة النساء في العمليات الاستشهادية، أكد القرضاوي فيها أن العمليات الاستشهادية من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وبين أنه عندما يكون الجهاد فرض عين كأن يدخل العدو بلداً من البلدان، تطالب المرأة بالجهاد مع الرجل جنباً إلى جنب، كما أكد على حق الملتزمات أن يكون لهن حظ في الجهاد والمساهمة في خط الشهادة، وبين أنه لا يوجد أي مشكلة في مظهر المرأة المسلة الذاهبة لأداء عملية استشهادية فيمكنها أن ترتدي قبعة بدل الحجاب حتى عند اللزوم يمكن أن تنزع الحجاب لتنفذ العملية !

العمل في البنوك غير جائز ولكن!
النظام الاقتصادي في الإسلام يقوم على أساس محاربة الربا، واعتباره من كبائر الذنوب التي تمحق البركة من الفرد والمجتمع، وتوجب البلاء في الدنيا والآخرة نص على ذلك الكتاب والسنة، وأجمعت عليه الأمة، وحسبك أن تقرأ في ذلك قول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

وقول رسوله: ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )..
وسنة الإسلام في تشريعاته وتوجيهاته أن يأمر المسلم بمقاومة المعصية، فإن لم يستطع كف يده - على الأقل - عن المشاركة فيها بقول أو فعل، ومن ثم حرم كل مظهر من ظاهر التعاون على الإثم والعدوان، وجعل كل معين على معصية شريكًا في الإثم لفاعلها، سواء أكانت إعانة بجهد مادي أم أدبي، عملي أم قولي.
وعلى كل مسلم غيور أن يعمل بقلبه ولسانه وطاقته بالوسائل المشروعة لتطوير نظامنا الاقتصادي، حتى يتفق وتعاليم الإسلام، وليس هذا ببعيد، ففي العالم دول تعد بمئات الملايين لا تأخذ بنظام الربا، تلك هي الدول الشيوعية.
ولو أننا حظرنا على كل مسلم أن يشتغل في البنوك لكانت النتيجة أن يسيطر غير المسلمين من يهود وغيرهم على أعمال البنوك وما شاكلها، وفي هذا على الإسلام وأهله ما فيه.
على أن أعمال البنوك ليست كلها ربوية فأكثرها حلال طيب لا حرمة فيه، مثل السمسرة والإيداع وغيرها، وأقل أعمالها هو الحرام، فلا بأس أن يقبله المسلم - وإن لم يرض عنه - حتى يتغير هذا الوضع المالي إلى وضع يرضي دينه وضميره، على أن يكون في أثناء ذلك متقنًا عمله مؤديًا واجبًا نحو نفسه وربه، وأمته منتظرًا المثوبة على حسن نيته ( وإنما لكل امرئ ما نوى ).
وقبل أن نختم فتوانا هذه لا ننسى ضرورة العيش، أو الحاجة التي تنزل - عند الفقهاء - منزلة الضرورة، تلك التي تفرض على صاحب السؤال قبول هذا العمل كوسيلة للتعيش والارتزاق والله تعالى يقول: ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ).
مسابقات (اربح المليون) حرام!
إن مسابقات (اربح المليون) التي تنظمها بعض الشركات عن طريق الهاتف ليست إلا لون من القمار – أو الميسر بلغة القرآن – تدخله الملايين الطامعة في المليون بما تدفعه للهاتف، على احتمال أن تربح أو تخسر، ثم تخسر الأغلبية الساحقة، ويكسب واحد في المليون أو في كل عدة ملايين.. صحيح أنه لا يخسر مبلغاً كبيراً، ولكن العبرة بالمبدأ، وليس بحجم الخسارة، المهم أنه دخل العملية مقامراً، لعله يكسب ويصبح مليونيراً في لحظة..

والإسلام يحرم القمار والميسر تحريماً باتاً، ويقرنه بالخمر في كتاب الله، ويجعله – مع الخمر والأنصاب والأزلام – رجساً من عمل الشيطان، مما يدل على أنه من كبائر المحرمات لا من صغائرها، وما ذلك إلا ليحمي الناس من التعلق بالأوهام والأحلام الزائفة، التي تبنى على غير أساس، والإسلام لا يمنع أن يكسب الإنسان المال، ضمن شبكة الأسباب والمسببات، ووفق سنن الله في الكون والمجتمع، والأصل في هذه السنن أن يكسب الإنسان المال بكد اليمين، وعرق الجبين، وإعمال الفكر، وإجهاد الجسم، ومواصلة الليل بالنهار، حتى يحقق الآمال.
ثم إن هذه الشركات التي تنظم هذه المسابقات وأمثالها تجمع من الناس أضعاف ما تدفع لهم، لأنهم أعداد كبيرة فهي – من ناحية أخرى – تأكل أموال الناس بالباطل، أي هي – بصريح العبارة – عملية (نصب) مقنع، ومغلف بالمسابقة، ومما يؤسف له أن يشيع في مجتمعاتنا المسلمة هذا النوع من المسابقات وجوائز السحب الكبرى وألوان اليانصيب ونحوها، مما ينكره الإسلام ويحرمه، وينشئ شبابنا المسلم على هذه التطلعات غير المشروعة، ليسبح في غير ماء، ويطير بغير جناح، وقد حذر سيدنا علي رضي الله عنه قديماً من ذلك ابنه الحسن في وصية له إذ قال: وإياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى (أي الحمقى) وقال الشاعر:
ولا تكن عبد المنى... فالمنى رؤوس أموال المفاليس

المصدر: موقع القرضاوى



.

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:19 AM

الشيخ الحصري.. ولسان الصدق في الآخرين


كان من دعوات خليل الله إبراهيم أن يجعل له ربه لسان صدق في الآخرين، فينطق الله ألسنة الناس بالثناء عليه.. وقد حقق الله له ذلك فكان له الذكر الجميل.. ولاشك أن هذه أمنية كل مسلم أن يبقي الله ذكره بالخير ويجعل عقبه حسن ثناء الناس وإطلاق ألسنتهم بالدعاء له وهذا من عاجل البشرى وعلامات الفلاح.
وحديثنا اليوم عن رجل نشر الله حسن سيرته في العالمين، وجعل اسمه مرتبطا بأفضل الذكر وأحسنه (كلام رب العالمين) فلا يذكر القرآن وأهله إلا ويسبق على الألسنة ذكره ويسارع الناس بمدحه وما أشرف هذا أن تكون دعوتك إلى الله وحركتك في الحياة مرتبطة بكلام الله.
الشيخ محمود خليل الحصري واحد من أشهر قارئي القرآن وأحد أقطاب التلاوة والترتيل، ليس في مصر وحدها ولكن في العالم الإسلامى كله، شهد له الكثيرون بأنه أفضل من جود القرآن ورتله، فلم يكن مجرد قارئ أو صاحب صوت يهز الوجدان بل كان رجلا يعيش القرآن فيعيشه معه من يسمعه.
ولادتــــــه
ولد الشيخ محمود خليل الحصرى فى غرة ذى الحجة سنة 1335هـ، وهو يوافق 17 من سبتمبر عام 1917م، بقرية شبرا النملة، مركز طنطا بمحافظة الغربية بمصر.

حفظ القرآن الكريم وسنه ثمان سنوات، ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن، وحصل على شهادة في القراءات العشر.
تقدم الشيخ لامتحان الإذاعة ليقرأ في إذاعة القرآن الكريم المصرية سنة (1364هـ = 1944م) فكان ترتيبه الأول بين المتقدمين، وانطلق صوته عبر الأثير إلى المسلمين في كل مكان.
وفى عام 1957م عين مفتشا للمقارئ المصرية، وفى عام 1959م رقى وكيلا لها، وبعد عام عين مراجعا ومصححا للمصاحف بالأزهر الشريف بلجنة القرآن والحديث بمجمع البحوث الإسلامية.
شيخ عموم المقارئ
وفى عام 1960م صدر قرار جمهوري باختيار الشيخ محمود خليل الحصرى شيخا لعموم المقارئ المصرية، وفى نفس الوقت اختارته وزارة الأوقاف مستشارا فنيا لئون القرآن الكريم.

وفي حدود عام 1961م كان الشيخ الحصري أول من سجل المصحف المرتل كاملا للإذاعة وظل يصدح به وحيدا لمدة عشر سنوات، ثم سجل القرآن برواية ورش عن نافع ثم قالون عن نافع ثم الدوري عن أبي عمرو ومازال الناس إلى يومنا هذا ينتفعون بذلك التراث العظيم والخير العميم.
رحلات قرآنية
قضى الشيخ محمود خليل الحصري جانبا طويلا من حياته متنقلا بين بلدان العالم الإسلامي يسمعهم كلام الله تعالى ويشنف آذان المسلمين بسماع آيات الذكر الحكيم، ومن الممكن أن نقول إنه لا تكاد توجد دولة إسلامية إلا وقد زارها، وكانت له فيها مواقف رائعة، وترك بها ذكرى حسنة. وكذلك زار الشيخ العديد من البلدان غير الإسلامية يسمع جالياتهم كتاب ربهم.

والشيخ الحصرى رحمه الله تعالى أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي، وأذن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، وقرأ القرآن بقاعة الملوك والرؤساء الكبرى بلندن أثناء زيارته لانجلترا. وأيضا زار اندونيسيا والفلبين والصين والهند وسنغافورة وغيرها من بلدان العالم.
ومن عجيب ما حدث أنه أسلم على يديه عشرات من الناس في أنحاء العالم وكان لسماعهم القرآن منه الأثر الأكبر والسبب الأول في إسلامهم: ففي فرنسا أعلن الإسلام على يديه عشرة فرنسيين وذلك في زيارته لبلادهم سنة 1965م، وفي أمريكا قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر شخصا (رجالا ونساء) ليعلنوا إسلامهم على يديه رحمه الله.
وكان للشيخ في شهر رمضان المعظم من كل عام رحلات للدول الإفريقية والعربية والأسيوية لقراءة القرآن.
وإلى جانب القراءة كان الشيخ يحاضر في كثير من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية في علوم القرآن، فقد كان عالما ذا رسالة نبيلة بل هي أعظم رسالة في دنيا العلوم والمعارف لتعلقها بأفضل كلام وهو كلام الله عز وجل.
وكان الشيخ أيضا مراجعا لكتاب الله سواء في الإذاعة مختبرا للقراء الجدد أو مراجعا لكتابة المصحف ضمن لجنة مراجعة المصاحف، كذلك ظل شيخا لقراء العالم الإسلامي طيلة عشرين عاما إضافة إلى كونه عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
مؤلفات الشيخ
وقد ترك الشيخ كنزا ذاخرا من العلم تمثل في أكثر من عشر مؤلفات في علوم القرآن الكريم منها:
- أحكام قراءة القرآن الكريم.
- القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
- معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء.
- الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
- أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر.
- مع القرآن الكريم.
- قراءة ورش عن نافع المدني.
- قراءة الدوري عن أبى عمرو البصري.
- نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب.
- السبيل الميسر في قراءة الإمام أبى جعفر.
- حسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
- النهج الجديد في علم التجويد.
- رحلاتي في الإسلام.
وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإسلام وغيرها.

تكريــــــم
وكان لابد لهذا العلم الجم والعمل الدائب أن تُرى ثمرته في الدنيا قبل الآخرة، فنال الشيخ الحصري العديد من الأوسمة تقديرا لمكانته، أبرزها جائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1967م.

الحصري والدا
رغم أن الشيخ كان كثير الأسفار وأنه كان نادراً ما يجلس مع أبنائه لكثرة انشغاله بالقرآن ورسالة تلاوته وقراءته وإعداد الكتب الخاصة؛ إلا إنه ـ رغم كل ذلك ـ كان يهتم بإعداد الأبناء وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة دينية أو بالأخص قرآنية؛ فقد كان يولي تحفيظ أبنائه القرآن عناية خاصة كما يحكي ذلك عنه أحد أبنائه فيقول:

لقد كان أبي أباً حنوناً جداً، وكان يهتم اهتماماً شديداً بحفظ القرآن، وقد استطعنا جميعاً حفظ القرآن كاملاً والحمد لله، وقد كان يعطي كل من حفظ سطراً قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن؟ فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه.
وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائماً على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين فنكافأ بزيادة في المصروف وكانت النتيجة أن التزم كل أبنائه بالحفظ.
وأذكر أنه في عام 1960م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشاً وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه، وكان يتابع ذلك كثيراً إلى أن حفظ كل أبنائه ذكوراً وإناثاً القرآن الكريم كاملاً والحمد لله.
خاتمة السعداء
كان الشيخ قد بنى مجمعا دينيا يضم معهدا أزهريا ومسجدا بقريته (شبرا النملة) وبنى مسجدا بالقاهرة.. وأوصى قبل وفاته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم.

وكانت بداية المرض في عام 1980م عندما عاد من رحلة من السعودية مريضا (كما يحكي أحد أبنائه) وقد زاد عناء السفر وإجهاده من مرض القلب الذي كان يعاني منه، إلا أن المرض اشتد عليه بعد ثلاثة أيام من عودته ونصح الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب.. وقد تحسنت صحته بحمد الله فعاد إلى البيت مرة أخرى حتى ظننا أنه شفي تماما وظن هو كذلك..
إلا أنه في يوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر عام 1980م وبعد أن أدى صلاة العشاء مباشرة فاضت روحه إلى باريها، وأسلم النفس إلى خالقها بعد أن ملأ الدنيا قرءانا، ليلقى ـ إن شاء الله ـ بشرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن مقامك عند آخر آية تقرؤها فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. أمين.

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:20 AM

الشيخ الظواهري.. أبو الجامعة الأزهرية


بدأت أولى الخطوات الجادة في إصلاح الأزهر في عهد الخديوي إسماعيل، وكان إصلاحًا محدودًا اقتصر على تنظيم طريقة تُمكّن الطالب من نيل الشهادة العالمية، وتكوين لجنة الامتحان وعدد أفرادها، وتحديد المواد التي يمتحن فيها الطالب، ثم خطا الأزهر في عهد الخديوي عباس حلمي خطوات واسعة على طريق الإصلاح، وكان للإمام محمد عبده اليد الطُولَى في ذلك، وتوالى صدور القوانين التي تنظم الدراسة بالأزهر، وتطور مناهجه الدراسية، وتحدد درجاته العلمية، وتقنن قبول التلاميذ، وكان من أظهر هذه القوانين ما صدر في عام (1348هـ = 1930م) في عهد مشيخة الإمام محمد الأحمدي الظواهري.
المولد والنشأة
في قرية "كفر الظواهري" التابعة لمحافظة الشرقية وُلد "محمد الأحمدي بن إبراهيم الظواهري" سنة (1295هـ = 1878م)، وكان أبوه من خيرة علماء الأزهر، فعُنِيَ بتعليم ابنه، وتعهده بنفسه، وفي الوقت نفسه كان يتردد على حلقات العلم بالجامع الأزهر، ولم يكن يلتزم بدراسة كتاب محدد، أو يتقيد بحضور درس شيخ معين، باستثناء حلقات الإمام محمد عبده.

وعندما اطمأن الشيخ إلى ما حصّل، وأنه قادر على الوقوف أمام لجنة الامتحان قرر التقدم للامتحان وكان الامتحان شاقًا، لا يجتازه إلا من بذل غاية جهده في القراءة والبحث ومعرفة دقائق العلم- وتتألف لجنة الممتحنين عادة من كبار علماء الأزهر، وهي تمطر الطالب بأسئلة تكشف عن حقيقة ما حصّل، وتنتقل من علم إلى آخر، وعلى الطالب النابغة أن يجيب على ذلك.
وشاء الله أن يمتحن الأحمدي الظواهري أمام الشيخ محمد عبده، الذي تقرر أن يرأس اللجنة بدلاً من الشيخ "سليم البشري" شيخ الجامع الأزهر، فتطرّق الخوف إلى قلب الطالب؛ لأنه يعلم ما بين الشيخ وأبيه من النفور والجفاء، وفتح الله على الطالب المجتهد وأحسن في العرض، وهو ما جعل الإمام يُثني عليه ويقول له: والله إنك لأعلم من أبيك، ولو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها.
في معهد طنطا الديني
ما كاد الشيخ الأحمدي ينال العالمية من الدرجة الأولى حتى رشحته مواهبه للتدريس بالقسم العالي بمعهد طنطا، وانتدبه شيخ الأزهر لهذه المهمة على الرغم من حداثة سنه، وجلال المعهد الذي كان يُعد أقدم المعاهد الأزهرية بالأقاليم، ويلي الأزهر في المكانة والمنزلة، ويمنح شهادة العالمية لطلبته مثل الأزهر.

وكان المعلم الشاب موهوبًا، فلفت الأنظار إليه، واتسعت حلقته العلمية، وأقبل الطلاب عليه لغزارة علمه، وجمال عرضه، وقدرته على الإقناع والإفهام، وألّف في هذه الفترة كتابًا بعنوان "العلم والعلماء" دعا فيه إلى الإصلاح، وانتقد طريقة التدريس بالأزهر، وكان ينحو في دعوته منحى شيخه محمد عبده، وأثار الكتاب ضجة كبيرة، وامتعض منه الخديوي عباس حلمي، وأصدر الشيخ الشربيني شيخ الجامع الأزهر- وكان له موقف متعنت من حركة الإصلاح في الأزهر- أمرا بإحراق الكتاب.
وفي (رجب 1325هـ = أغسطس 1907م) توفي إبراهيم الظواهري والد الأحمدي، وكان يشغل مشيخة معهد طنطا، التي تلي من الناحية الرسمية مشيخة الأزهر، وسمت نفس الأحمدي إلى أن يخلف والده في هذا المنصب، وأيده أعيان طنطا وكبراؤها، فكاتبوا الخديوي عباس حلمي يرجونه تنفيذ هذه الرغبة، لكن صغر سن الشيخ الذي لم يتجاوز الثلاثين وقف حائلاً دون تحقيق هذا الأمل، وحين عرض عليه منصب وكالة المعهد تمهيدًا للمشيخة في الوقت المناسب، رفض الأحمدي وقال لأحمد شفيق باشا الذي نقل إليه هذا العرض: "إنني أشكر جناب الخديويي وأشكر سعادتكم، ولكني لا أزال على موقفي، فإما شيخًا فأقوم بالإصلاح، وإلا فسأبقى مدرسًا كما أنا".
وعاد الأحمدي الظواهري إلى القسم العالي بمعهد طنطا يدرس لطلبته المصادر الكبرى التي لا تُدرس إلا لطلبة العالمية في الأزهر، فقرأ على طلبته مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، والعقائد النسفية في التوحيد ودلائل الإعجاز لعبد القاهر في البلاغة، وصحيح البخاري، فانظر إلى صاحب هذا العقل الذي كان يتقن هذه العلوم، ويقوم بتدريسها من مصادرها وأمهاتها الكبيرة وهو في هذا العمر المبكر.
ولما خلا مكان شيخ معهد طنطا شغله الظواهري على الرغم من معارضة كثيرين من شيوخ الأزهر في (صفر 1332هـ = يناير 1914م)، وفي عهده افتتح المبنى الجديد للمعهد، وحضر الخديوي حفل الافتتاح، وحاول الشيخ أن يجري إصلاحات عديدة في المناهج الدراسية ووسائل التدريس، لكنه كان مقيدًا بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للأزهر، ولما كان معظم أعضائه من المحافظين فإن جهوده لم تلق دعمًا منهم، واضطر الشيخ إلى الاعتماد على نفسه في تطوير الدراسة في حدود اختصاصاته، وأنشأ عدة جمعيات للطلاب في الخطابة واللغة والتوحيد، يبث من خلالها أفكاره الإصلاحية، وأنشأ مجلة للمعهد وأسهم بماله في تكوينها، فكانت لسان المعهد وتعبيرًا عن أنشطته الثقافية.
ولما تولّى الملك فؤاد عرش البلاد توقفت صلته بالأحمدي الظواهري، لكن الوشاة أوغروا صدره عليه، فتغير من ناحيته، واستحكم العداء بينهما، وتوالت الدسائس، وكان من نتيجتها إلغاء القسم العالي بمعهد طنطا؛ إنقاصًا لأهميته، وبالتالي أهمية شيخه، ثم صدر قرار بنقل الظواهري شيخًا لمعهد أسيوط، وكان معهدًا ابتدائيًا صغيرًا، ليحولوا بينه وبين المناصب العليا.
الدفاع عن الأزهر
تجددت الدعوة إلى إصلاح الأزهر والنهوض به في عام (1344هـ = 1925م)، وكان من بين الصيحات دعوة غريبة إلى جعل الأزهر تابعًا لوزارة المعارف وتكون لها السيطرة عليه، على أن يبقى لشيخه مظهره الديني ووضعه اللائق في الرسميات، وكان رأيًا خطيرًا هدامًا، يبغي إلغاء الأزهر وهدم مكانته التاريخية ومنزلته في العالم الإسلامي، وكان للشيخ الظواهري موقف كريم؛ حيث ثار على هذا الرأي، ورأى فيه خطرًا داهمًا على الأزهر، فصدع برأيه قائلاً: كيف نقر ضم الأزهر للمعارف.. في الوقت الذي ننادي فيه باستقلال الجامعة المصرية وبعدها عن نفوذ المعارف، اللهم إلا إذا كان وراء هذا الضم غرض خاف هو القضاء على الأزهر ونفوذ الأزهر، وبالتالي على النفوذ الديني في البلاد.؟!

ميلاد الجامعة الأزهرية
تولى الشيخ الأحمدي الظواهري مشيخة الجامع الأزهر في (7 من جمادى الأولى 1348هـ = 10 من أكتوبر 1929م) وتعلقت الآمال بالشيخ الجديد، الذي سبق وأعلن عن منهجه الإصلاحي من قديم في كتابه "العلم والعلماء"، وكان الإمام عند حسن الظن، فخطا خطوة موفقة في مجال إصلاح الأزهر، ولعلها أبرز هذه الخطوات لما ترتب عليها من نتائج، كان أبرزها ظهور الكليات الأزهرية التي صارت نواة الجامعة الأزهرية.

وتضمن قانون إصلاح الأزهر الذي صدر في عهده سنة (1349هـ = 1930م) جعل الدراسة بالأزهر أربع سنوات للمرحلة الابتدائية، وخمس سنوات للمرحلة الثانوية، وألغى القسم العالي واستبدل به ثلاث كليات هي: كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، ومدة الدراسة بها أربع سنوات، يمنح الطالب بعدها شهادة العالمية.
وأنشأ القانون نظامًا للتخصص بعد مرحلة الدراسة بالكليات الثلاثة، على نوعين:
* تخصص في المهنة، ومدته عامان، ويشمل تخصص التدريس ويتبع كلية اللغة العربية، وتخصص للقضاء ويتبع كلية الشريعة، وتخصص الوعظ والإرشاد ويتبع كلية أصول الدين، ويمنح المتخرج شهادة العالمية مع إجازة التدريس أو القضاء أو الدعوة والإرشاد.
* وتخصص في المادة ومدته خمس سنوات، يتخصص الطالب في أي فرع من الفروع الآتية: الفقه والأصول، والتفسير والحديث، والتوحيد والمنطق، والتاريخ، والبلاغة والأدب، والنحو والصرف، ويمنح المتخرج في تخصص المادة شهادة العالمية من درجة أستاذ.

ونقل هذا القانون الطلاب من الدراسة بالمساجد إلى مبان متخصصة للتعليم، وتحول بنظام الحلقات الدراسية التي كانت تعقد بالأزهر إلى نظام الفصول والمحاضرات، وأصبحت كل كلية مسئولة عن التعليم، وتتولى الإشراف على البحوث التي تتصل بعلومها، وأطلق على القسمين الابتدائي والثانوي اسم "المعاهد الدينية"، وكان هذا القانون خطوة حاسمة في سبيل القضاء على نظام الدراسة القديمة، وبداية ميلاد جامعة الأزهر.
مجلة الأزهر
ولم يكن إصلاح الإمام مقصورًا على تنظيم الكليات وتعديل المناهج العلمية، بل كانت له أياد بيضاء، فسعى إلى إصدار مجلة ثقافية تتحدث باسم الأزهر، أطلق عليها في أول الأمر "نور الإسلام" ثم تغير اسمها إلى مجلة الأزهر، وصدرت في (غرة المحرم 1349هـ =29 من مايو 1930م)، وأسند رئاسة تحريرها إلى الشيخ "محمد الخضر حسين"، الذي تولى مشيخة الأزهر فيما بعد.

ومن مآثره أنه أوفد بعثات من العلماء للدعوة إلى الإسلام ونشر مبادئه في الخارج، فبعث بوفد إلى الصين والحبشة لهذا الغرض.
استقالته من المشيخة
لم يستطع الإمام أن يحقق كل ما يطمح إليه من وجوه الإصلاح التي دعا إليها في كتابه "العلم والعلماء" لاعتبارات سياسية، فاشتدت معارضة العلماء والطلاب له، وجابهوه بالعداء، وزاد من أوارها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تمر بها البلاد، ولم يجد خريجو الأزهر عملاً لائقًا، وعمل بعضهم دون أجر حتى يحفظ لنفسه حق التعيين حينما تواتيه الظروف...

وزاد الأمور سوءًا أن السلطات طلبت من الظواهري فصل مائتين من العلماء في ظل هذه الظروف، فاستجاب لهم وفصل بعضهم، وبلغت الأزمة مداها بفصل عدد من طلاب الأزهر الغاضبين من سياسته والثائرين عليه، فلم يراعوا حرمة الشيخ وجلال منصبه، فجابهوه بالعداء السافر، وكانت التيارات الحزبية وراء اشتعال الموقف، ولم يستطع الشيخ أن يعمل في ظل هذه الظروف العدائية، فقدم استقالته في (23 من المحرم 1354هـ = 26 من إبريل 1935م).

مكانة الشيخ
كان الظواهري من تلاميذ الإمام محمد عبده، وممن ينتهج نهجه في التعليم، وكان له أثر في أكثر ما استحدث في الأزهر من منشآت وما تم فيه من إصلاح، وكان صُلبًا فيما يعتقد أنه الحق، حريصًا على إقرار النظام وسيادة القانون، يرى بأن الهدوء والسكينة والنظام سبيل الأزهر إلى التقدم، وجمع إلى شدته تواضعًا وزهدًا في الدنيا، ناداه أحد العلماء بلقب الإمام الأكبر، فقال له: ما أنا إلا واحد من المشايخ، وما أنا إلا عبد الله محمد الظواهري، ولست أعتقد أن في مركزي هذا أكبر شيخ في الأزهر، بل أعتقد أن الأكبر هو من كان عند الله أكرم، مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ولست أعد نفسي إلا خادمًا للأزهر وأبنائه، لا رئيسًا له كبيرًا عليه.

المصدر: إسلام اون لاين

أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:21 AM

الشيخ محمد حسان
الاسم : محمد حسان


الدولة : مصر


سيرة الشيخ ومعلومات عن حياته :

الاسم : محمد إبراهيم إبراهيم حسان
اسم الشهرة : محمد حسان
الميلاد : 8 / 4 / 1962
ولد في قرية دموه مركز دكرنس / الدقهلية
المؤهل : بكالوريوس إعلام – جامعة القاهرة
عمل مدرساً لمادتي الحديث ومناهج المحدثين في كليتي الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام / محمد بن سعود.

تلقى العلم على يد : -

1 – الشيخ عبد العزيز بن باز
2 – الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين
3 – الشيخ عبد الله بن الجبرين
4- الشيخ عبد القادر شيبة الحمد


ترجمة الشيخ:

هو العالم الجليل فضيلة الشيخ: محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان المعروف بـ "محمد حسان"

ولد فضيلة الشيخ: محمد حسان عام 1962 فى قرية "دموه" مركز دكرنس بمحافظة الدقهليه فى بيت متواضع عرف عنه التدين والصلاح ، تولى تربيته جده لأمه الذي توسم فيه من الذكاء وقوة الذاكرة ما يؤهله لحفظ كتاب الله ،فألحقه بكتَاب القريه وهو فى الرابعة من عمره ، فما ان بلغ الثامنة إلا وكان الله قد من عليه بحفظ القرآن الكريم كاملاً على يد الشيخ: مصباح محمد عوض رحمه الله ، الذى الزمه بحفظ متن أبى شجاع فى الفقة الشافعى و بعض متون العقيدة.

لاحظ جده قوة حفظة الشديدة فألزمة بحفظ كتاب رياض الصالحين, و أنهى حفظه فى الثانية عشر من العمر, ثم حفظ الأجرومية و درس على يد الشيخ مصباح التحفة الثنية, فعشق اللغة العربية و الشعر من صغرة.

بدأ بالتدريس فى الجامع الكبير فى القرية و هو فى الثالثة عشر من العمر بكتابى فقة السنة و رياض الصالحين.

ثم كلف من جده لإمه أن يخطب الجمعة و كانت أول خطبة فى قرية ميت مجاهد بجانب قرية دموه و هو فى الثالثة عشر من العمر و كانت خطبة رقراقة عن الموت و تأثر المصلين للخطبة تأثرا شديدا, و حاذ على إعجاب جميع المصلين و دعاه شيخ المسجد للخطابة فى الجمعة المقبلة.

و من هذا الوقت لم يترك الشيخ خطبة الجمعة إلا نادرا لمرض أو لسفر.

التحق الشيخ بكلية الإعلام جامعة القاهرة وانتفع ببعض المواد إنتفاعا كبيرا فى الدعوة مثل (مادة تحليل المضمون) و (مادة كيفية مخاطبة الجماهير).

و كان فى هذا الوقت يواظب على الدروس الشرعية على يد كثير من شيوخ الأزهر و خاصة فى الفقة و التفسير.

و لم ينقطع الشيخ عن خطبة الجمعة و لا التدريس, و كان له درس أسبوعى فى المدينة الجامعية.
و فى أجازة الصيف الأولى من الجامعة سافر الشيخ إلى الأردن لمحدث الشام و مجدد القرن أبو عبد الرحمن الشيخ الألبانى رحمه الله, وكان مازال فى الثامنة عشر من عمره و حضر بعض اللقائات القليلة للشيخ الألبانى, وعمل فى هذه الفترة إمام وخطيب لمسجد بالقرب من مدينة سحاب.

بعد فترة الجامعة إلتحق الشيخ بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة, و قدر الله الا تكتمل دراسته فى المعهد بسبب فترة التجنيد الإلزامى, والتحق فى الجيش بالتوجية المعنوى وبدأ فى إلقاء الدروس و الخطب فى الجيش.

بعد فترة التجنيد ظل الشيخ فى مدينة السويس يدرس فى المساجد و يلقى الخطب, و التف حوله أهل السويس, و ذاع صيته فى المدينة.

سافر الشيخ إلى الرياض و كان يصلى فى مسجد الراجحى بمنطقة الربوة و تعلم الحكمة و تربى على يد الشيخ أبو صالح سليمان الراجحى.

و ذهب الشيخ محمد حسان مع الشيخ صفوت نور الدين للقاء سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز, و بدأ فى تلقى العلم على يد الشيخ عبد العزيز بن باز و بدأ فى المرحلة الحقيقية لطلب العلم الشرعى على يد عالم الزمان و إمام أهل السنة فى عصره عبد العزيز بن باز, و عكف على طلب العلم و جالس الشيخ سنين ينهل من علمه فسمع منه كثير من الشروح مثل شرح فتح البارى و النونية و الطحاوية و الواسطية و فى الفقة و أصوله و كثير من الشروح.

و انهى الشيخ محمد حسان الطحاوية كاملة على يد الشيخ بن جبرين, و درس عليه كثير من الشروح فى الفقة و أصوله, و التفسير و العقيدة.

ثم جلس بين يد الشيخ عبد القادر شيبة الحمد و أنهى شرح كتاب بلوغ المرام.

بعد فترة حافلة من طلب العلم كلفة الشيخ سليمان الراجحى بالإنتقال الى مسجده بالقصيم, و فى إفتتاح أحدى المشروعات و بحضور أكابر العلماء فى المملكة كلف الشيخ سليمان الشيخ محمد بالخطابة أمام كم كبير من أكابر العلماء, و قام بعد الخطبة الشيخ عبد الله بن منيع بتكليف من الشيوخ الإجلاء بمنح الشيخ محمد حسان شهادة الدكتوراه.

جلس الشيخ محمد حسان فى فترة القصيم بين يدى الفقية الأصولي العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-.

ثم كلف الشيخ محمد حسان بالتدريس فى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم كليتى الشريعة و أصول الدين, بتزكية من العلامة محمد بن صالح العثيمين, بتدريس مادة الحديث و مادة مناهج المحدثين و مادة تخريج و طرق الحديث.

ويوجد لفضيلة الشيخ محمد حسان عشرات الكتب ومئات الاشرطه فى شتى فروع العلم ، ولم يتوقف نشاطه على تأليف الكتب والقاء المحاضرات والخطب إنما تعداه الى زيارة الكثير من دول العالم محاضراً وداعياً وخطيباً ، هذا بالإضافه لمشاركته فى عشرات المؤتمرات الدولية والمحلية المهتمة بالإسلام والمسلمين، نذكر منها المؤتمر الذى عقد بمدينة نيويورك الامريكيه والذى اشهر فيه 75 شخصاً إسلامهم بمجرد ان انتهى الشيخ محمد حسان من القاء كلمته.


الأن الشيخ محمد حسان متفرغ للدعوة و له درس أسبوعى فى مسجد مجمع التوحيد بقرية دموه بالمنصورة.

و يقوم بالتدريس فى معاهد إعداد الدعاة فى المنصورة – ورئيس مجلس إدارة مجمع آهل السنه.
و يدرس مواد:
-مادة العقيدة بمعهد إعداد الدعاة بالمنصورة.
-"منهاج المحدثين ، تخريج أحاديث ، شرح حديث جبريل".
- و السيرة النبوية

نسأل الله أن يبارك فى عمره و علمه و يزيده من فضله و يجازيه خير الجزاء فى الدنيا و الأخرة.

مصنفاتة:
1- حقيقة التوحيد
2- خواطر على طريق الدعوة
3- قواعد المجتمع المسلم
4- الإيمان بالقضاء والقدر
5- الثبات حتى الممات
6- أئمة الهدي ومصابح الدجى
7- جبريل يسأل والنبي يجيب
8- مسائل مهمة بين المنهجية والحركية

و له مئات الدروس و السلاسل
العلمية و الخطب, و موجود بعض منها على مواقع طريق الإسلام و الشبكة الإسلامية و نداء الإيمان.


أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:22 AM


فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب – حفظه الله -


سيرة الشيخ ومعلومات عن حياته :
هو : الداعية المربي الفاضل أبو العلاء محمد بن حسين بن يعقوب .
ولد في عام 1375 هـ بقرية المعتمدية التابعة لمحافظة الجيزة بمصر .
كان والده ـ رحمه الله ـ رجلاً صالحًا ـ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا ـ أنشأ الجمعية الشرعية في المعتمدية ، وكان من الدعاة إلى الله ، وكان دَمِث الخُلق ، طيب القلب ، محبوبًا بين أهالي قريته ، ساعيًا لإصلاح ذات البين ما استطاع إلى ذلك سبيلًا ، حتى توفي في 20 شعبان 1420هـ .
والشيخ ـ حفظه الله ـ هو أكبر إخوته الذكور ، وله أخت واحدة تكبره .
حصل على دبلوم المعلمين ، وتزوج وهو دون العشرين من عمره .

طلبه للعلم:
سافر إلى المملكة العربية السعودية في الفترة من (1401 - 1405هـ) ، وهذه الفترة كانت البداية الحقيقية في اتجاه الشيخ ـ حفظه الله ـ لطلب العلم الشرعي .
ثم عاد إلى مصر ، وتكرر سفره إلى المملكة السعودية على فترات ، حيث كان يعمل ، ويطلب العلم .
وفي مصر حفظ القرآن ، وعمل بمركز معلومات السنة النبوية ـ وهو من أوائل المراكز التي عنيت بإدخال الأحاديث النبوية في الحاسوب ـ وهذه الفترة مكنت الشيخ من الاطلاع على دواوين السنة لا سيما الكتب الستة ، مما أثرى محصوله العلمي .
وكانت للشيخ عناية خاصة منذ البداية بكتب الأئمة كابن الجوزي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والذهبي وغيرهم ، ولذا تجد الشيخ يوصي بها لا سيما صيد الخاطر والتبصرة لابن الجوزي ، ومدارج السالكين وطريق الهجرتين لابن القيم ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ، ويرى أنَّ هذه الكتب ينبغي ألا يخلو منها بيت طالب علم .

شيوخه :
1)
سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز (ت 1420 هـ ) ـ رحمه الله ـ مفتي المملكة السعودية ، ورئيس الجامعة الإسلامية ، ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد ، ورئيس المجمع الفقهي بمكة المكرمة -سابقًا- .
وقد تتلمذ الشيخ ـ حفظه الله ـ على يديه في الفترة من (1402-1405هـ) بالمسجد الكبير بالرياض ، وكان سماحة الشيخ ابن باز يدرس بعد صلاة الفجر سبع كتب مختلفة كفتح الباري ـ صحيح مسلم ـ العقيدة الطحاوية ـ تفسير ابن كثير ـ فتح المجيد ..
وكانت تربط الشيخ بالعلامة ابن باز علاقة حميمة ، وظلت هكذا حتى توفي الشيخ ابن باز عام 1420هـ .
2)
فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ الفقيه الأصولى ، الأستاذ بجامعة محمد بن سعود بالقصيم ، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية –سابقاً- .
تتلمذ الشيخ على يديه في عام 1410هـ لمدة ستة أشهر ، كان الشيخ ابن عثيمين يشرح خلالها كتاب زاد المستقنع في الفقه الحنبلي . ( وهو الشرح الذي خرج بعد ذلك في عدة مجلدات تحت اسم الشرح الممتع على زاد المستقنع ) .
3)
فضيلة الشيخ عبد الله بن قعود ـ حفظه الله ـ عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد بالمملكة السعودية –سابقاً- .
وكان الشيخ محمد ـ حفظه الله ـ يواظب على حضور خطبة الجمعة عند فضيلة الشيخ ابن قعود في مسجده ، وزاره عدة مرات في بيته ، واستفاد منه كثيرًا ، فقد كان الشيخ محمد يستشيره ويأخذ بنصائحه الثمينة .
4)
فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان ـ حفظه الله ـ الأستاذ بكلية الشريعة ورئيس محكمة الخبر وعضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد بالمملكة السعودية –سابقاً- .
تتلمذ الشيخ على يديه ، وسمع جزءًا كبيرًا من كتاب القواعد لابن رجب الحنبلي .
5)
فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ـ حفظه الله ـ عضو لجنة الإفتاء السابق بالمملكة السعودية .
تتلمذ الشيخ على يديه عام 1410هـ لمدة ستة أشهر كان الشيخ ابن جبرين ـ حفظه الله ـ يدرس فيها كتابي فتح المجيد ، وزاد المستقنع .
6)
فضيلة الشيخ محمد المختار الشنقيطي ـ حفظه الله ـ الفقيه الأصولي العلم ، ذو المواعظ القيمة والدروس النافعة نزيل المدينة المنورة ، والمدرس بالمسجد النبوي الشريف .
زاره الشيخ في بيته ، ودرس على يديه جزءاً من كتاب عمدة الأحكام في الفقه الحنبلي .
7)
فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي ـ حفظه الله ـ رئيس قسم التفسير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رافقه الشيخ محمد لمدة أسبوع في إحدى الرحلات ، وقال عنه : استفدت منه كثيرًا لاسيما سلامة الصدر لجميع المسلمين .
8)
فضيلة الشيخ عطية سالم ـ رحمه الله ـ العالم الرباني ، وأبرز تلاميذ العلامة القرآني الشيخ / محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله- ، وهو الذي أتمَّ كتابه أضواء البيان ، وكان معروفًا بعلمه وفقهه ، حتى توفي 1420 هـ
تتلمذ الشيخ على يديه وسمع منه شرحه على الورقات في أصول الفقه .
9)
فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري ـ حفظه الله ـ العالم الرباني والمدرس بالمسجد النبوي الشريف صاحب الكتب المفيدة كمنهاج المسلم وعقيدة المؤمن وغيرهما من كتبه الماتعة .
حضر له الشيخ عدة مجالس في التفسير بالمسجد النبوي الشريف ، وتربطه علاقة حميمة بالشيخ أبي بكر ـ حفظه الله ـ إلى وقتنا الحالي ، وهذا يظهر من الكلمات العاطرة التي كتبها الشيخ أبو بكر في مقدمة كتاب " إلى الهدى ائتنا " للشيخ محمد فهو يقول عنه : المحب الفاضل العلامة المصلح الشيخ / محمد حسين يعقوب .
10)
فضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد ـ حفظه الله ـ
تتلمذ الشيخ على يديه وسمع منه دروسه في التفسير .
11)
فضيلة الشيخ أسامة محمد عبد العظيم الشافعي المصري ـ حفظه الله ـ
العالم الرباني القدوة عابد الزمان ، الأستاذ ورئيس قسم أصول الفقه بجامعة الأزهر .
وهو أكثر من تأثر بهم الشيخ محمد ، لاسيما في الاتجاه نحو التربية والتزكية ، وقد تتلمذ الشيخ على يديه ، وسمع منه محاضراته المتفرقة في شرح كتب ابن القيم وابن الجوزي ـ رحمهما الله ـ .
يقول عنه الشيخ محمد : لما رجعت من المملكة السعودية حُكي لي عنه فذهبت إليه فأعجبني سمته منذ اللحظة الأولى إذ وجدت قدميه متورمتين من القيام ، وعليه سمت الصالحين فلزمته .
12)
فضيلة الشيخ رجائي المصري المكي ـ حفظه الله ـ سمع منه كثيرًا من شرح السنة للبغوي بمسجد طلاب الفقه بالقاهرة .
13)
فضيلة الشيخ / محسن العباد ـ حفظه الله ـ
لقيه الشيخ محمد بالمدينة المنورة ، وزاره في بيته ، وأهدى له الشيخ العباد مجموعة كتبه .
14)
وقد التقى الشيخ ـ حفظه الله ـ بفضيلة الشيخ / مقبل بن هادي الوادعي ـ حفظه الله ـ بالجامعة الإسلامية بالمدينة .
15)
ورأى الشيخ المحدث العلامة / محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في موسم للحج واتصل به هاتفيًا مرتين .

وتجمع الشيخ بشيوخ ودعاة العصر بمصر علاقة ود ومحبة ، لذلك تجد الشيخ محمد دائم التذكير بهم في محاضراته ، وتراه لا يلقب أحدًا منهم إلا بقوله " شيخنا " ومن هؤلاء :
• فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية .
• وفضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم .
• وفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني .
• وفضيلة الشيخ محمد حسان .
• وفضيلة الشيخ أبي ذر القلموني ... وغيرهم ـ حفظهم الله جميعًا ـ .

إجازاته :
حصل الشيخ محمد ـ حفظه الله ـ على إجازة في الكتب الستة من الشيخ / حسن أبي الأشبال الزهيري ـ حفظه الله ـ .
وأجازه أيضًا في الكتب الستة فضيلة الشيخ / محمد أبو خُبْزة التطواني ، وقد رحل الشيخ محمد إليه في بلدته تطوان بالمغرب الأقصى .

منهجه :
وبعد أن رسخت قدمه في العلوم الشرعية بفضل الله أولًا ، ثمَّ اتصاله بأهل العلم ، والأخذ عنهم ، بدأ الشيخ ـ حفظه الله ـ في الدعوة إلى الله ، وتبنى منهجًا تربويًا ، فهو يرى أنَّ صلاح أمة الإسلام لن يكون حتى يتربى أبناؤها وفق منهج سلفنا الصالح .
مصداقًا لقوله تعالى : " إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، فإنَّ من أسباب الانتكاسة التي أصيب بها المسلمون في هذا الزمان بعدهم عن المنهج الصحيح في التربية والتزكية الذي هو من أركان دعوة النبي صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى : " هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " .
يقول –حفظه الله- : إننا بحاجة لإقامة الإسلام بكل جزئياته وحروفه .. نعم بحاجة إلى استخراج الشخصية المسلمة القوية التى تضرب بجذورها فى أصل الإسلام .. بحاجة إلى صناعة الرجل النموذج .. النموذج فى كل شئ .. النموذج الذى إذا رؤى يقال : هذا هو الإسلام ! .. نعم نريد أن نربى رجالاً لإقامة النموذج الذى تتسع حوله القاعدة .. بحاجة إلى إيجاد أهل الحل والعقد .. بحاجة إلى إقامة الرجل المسلم الذى يجر جحافل الكفار إلى حظيرة الإسلام .. بحاجة إلى أهل الهمة العالية، والجادين فى إلتزامهم ، المشغولين بحفظ القرآن والدعوة إلى الله وإصلاح فساد قلوبهم ...
ويعد الشيخ / أسامة محمد عبد العظيم ـ حفظه الله ـ أبرز من تأثر بهم الشيخ محمد في تبني هذا المنهج التربوي ، وقد تتلمذ عليه لعدة سنوات استخلص فيها الأصول التربوية من خلال مدارسة كتب الأئمة كابن قيم الجوزية وابن الجوزي وغيرهما .
ثمَّ بدأ الشيخ ـ حفظه الله ـ في تبسيط هذا المنهج لعامة الناس ، وفقه واقعهم ، ومحاولة علاج المشكلات الإيمانية الخطيرة التي يواجهونها في حياتهم .
ومن هنا تركزت دعوته في تربية القلوب وتزكية النفوس ، ليتعلم الناس كيفية الوصول لطريق الله ـ تبارك وتعالى ـ وكيف يفهم عن الله سننه الربانية في خلقه ، ويعلم كيف يعبد ربه وإلهه ومعبوده ـ جل وعلا ـ .

مصنفاته وجهوده العلمية والدعوية:
1)
كيف أتوب ؟
( مجموعة من المحاضرات ألقاها الشيخ ـ حفظه الله ـ عن التوبة في أثناء شرحه لتهذيب مدارج السالكين لابن القيم ) .
2)
نصائح للشباب تهذيب غذاء الألباب للسفاريني
( وغذاء الألباب هو شرح لمنظومة الآداب للمرداوي أتى فيها بجملة من السنن والآداب التي صارت مهجورة في عصرنا الحالي ) .
3)
إلى الهدى ائتنا
( مجموعة من المحاضرات لبحث ظاهرة الإنتكاس –اعاذنا الله وإياكم- ، وعلاج قضية الفتور عن الطاعات ، وتناولها فضيلته من خلال عشرين سببًا وأتبع كل سبب بالعلاج ) .
4)
الأخوة أيها الإخوة
( عن قضية الحب في الله وأهميتها في هذا العصر وكيف نصل إلى هذه المرتبة العظيمة ) .
5)
صفات الأخت الملتزمة
( رسالة جمع فيها الشيخ ـ حفظه الله ـ مجموعة من الصفات التي ينبغي أن تتحلى بها المرأة المسلمة ) .
6)
القواعد الجلية للتخلص من العادة السرية
( وهي رسالة في بيان خطورة الاستمناء وحكم الشرع فيه وكيفية العلاج العملى منه).
7)
حرب التدخين
( رسالة في بيان خطورة وأضرار التدخين وكيفية الإقلاع عنه عبر ) .
8)
يا تارك الصلاة
( رسالة لكل تارك للصلاة تهمس في أذنه : لماذا لا تصلي ؟ .. تفند الشبهات والحيل الشيطانية التي يغري بها الشيطان طوائف من الناس فيبعدهم عن الصلاة ، ويصدهم عن سبيل الله ، كما تبين عظم قدر الصلاة ، وما أعده الله لمن حافظ على الصلاة ) .
9)
الجدية في الالتزام
( رسالة يتناول فيه واقع الملتزمين في هذه الأيام ، وظاسباب ضعف الإلتزام مع طرح العلاج . والرسالة ضمن مشروع تربوي بعنوان : " سلسلة رسائل التربية الجادة " ) .
10)
الخُطب
( وقد صدر منها جزءان يحتوي الجزء الأول على عشر خطب للشيخ ، والثاني على ست خطب له ) .
11)
منطلقات طالب العلم
كتاب عن واقع طلب العلم في هذا الزمان ، يدور حول عشرة منطلقات هي ذخيرة كل طالب علم ( الإخلاص .. علو الهمة .. التزكية .. السلفية .. فهم السلف .. ماذا يُتعلم ؟ .. ممن نطلب العلم ؟ .. الأدب .. تكوين الملكة الفقهية .. من أين يبدأ طالب العلم ؟ ) وهذا الأخير متضمن لمنهج علمي في التربية والتزكية ، ومنهج في تلقي العلوم وترشيح مجموعة من أهم المصنفات في كل فن .
12)
أمراض الأمة
رسالة عن الآفات التي ابتليت بها أمة الإسلام في هذا الزمان ، مثل : (غياب فاعلية العقيدة ، غلبة العاطفة على الواقع الفعلي والعملي ، اتباع الهوى والشهوات ) وكيفية العلاج من هذه الآفات .
وتحت الطبع مجموعة من الكتب كتهذيب طريق الهجرتين ، مواجهة الشهوة ، صناعة الرجال ، أهوال القبر ، البكاء من خشية الله ، والأجزاء التالية من الخطب وغيرها .

أشرطته الصوتية:
وللشيخ محاضرات وخطب كثيرة مسجلة على الأشرطة صدر منها نحو المائتين وخمسين ، ويوجد عديد كبير منها فى صفحته بإذاعة طريق الإسلام ، وبعضها مجموع في أسطوانات ضوئية .

رحلاته الدعوية :
طوَّف الشيخ ـ حفظه الله ـ الكثير من البلاد داعيًا إلى الله تعالى ، فزار الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات ، وزار السويد وأسبانيا وسويسرا والمغرب وقطر والإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية .

نسأل الله أن يبارك فى شيخنا وفى دعوته وأن يفتح لها القلوب وينفع بها .. وأن يرزقنا وأياه الإخلاص فى القول والعمل ... آمين .



أرب جمـال 26 - 11 - 2009 01:23 AM


محمد بن محمد المختار الشنقيطي - الشيخ يتحدث عن نفسه


الحديث عن النفس محرج ؛ لكن على العموم نذكر بعض الشيء وأسأل الله العظيم ألا يؤاخذني في الآخرة على ملء مادة الشريط بمثل هذه الأخبار ، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل .
أما عن طلبي للعلم ، فأسأل الله أن يجزي الوالد عني كل خير ، وأحمد الله-تبارك وتعالى- أن هيأه لي وسخره لي ، وما كان العبد ليصيب ذلك لولا فضل الله.
كان -رحمه الله- حريصاً إلى أخذنا إلى مجالسه في الحرم ، وحضور درسه في البيت ، وكان يأخذني منذ الصغر معه لدرسه بالحرم ، حتى أنني ربما أنام - من صغري - في حجره في الدرس ؛ لأنه كان يدرّس بعد الفروض كلها ، إلا العصر أحياناً يكون عنده درس في البيت ، فلما بلغت الخامسة عشرة ، أمرني أن أجلس بين يديه وأن أقرأ عليه دروس الحرم ، فابتدأت معه في سنن الترمذي ، وتعرفون بداية مثلي في جمع من الناس في مسجد النبي-صلى الله عليه وسلم- ولكنه أراد أن يشحذ همتي ، وكان يحسن الظن فيّ ، أسأل الله العظيم إلا يخيب ظنه فيّ.
فابتدأت بقراءة سنن الترمذي ، ثم الموطأ ، وختمته عليه ، ثم سنن ابن ماجة ، وتوفي ولم أكمله عليه ، وأسأل الله أن يكتب له أجر إكماله . هذا بالنسبة للدرس الأول بعد المغرب.
ثم يأتي طالب ويقرأ عليه درس في اللغة ، ثم طالب يقرأ عليه درساً في الفقه ، وكنت أحضر معه.
وبعد العشاء كنت أقرأ عليه صحيح مسلم ، حتى ختمه ، وابتدأ بالختمة الثانية ، وتوفي في آخرها ، ومن غريب ما يذكر أنه توفي عند باب فضل الموت والدفن في المدينة.
وأذكر أنه في آخر هذا الدرس دعا ، ولم تكن عادته الدعاء في هذا الموضع ، وقد قرأت عليه هذا الحديث من البخاري ومسلم قرابة أربعة مرات ، ما أذكر أنه دعا إلا في آخر مجلس من حياته ، وكان صحيحاً ليس به بأس ، فبعد أنه ذكر الفضل في الموت في المدينة وأقوال الصحابة ، قال : وأسأل الله ألا يحرمنا ذلك ، فأمن الحاضرون ، وكان تأمينهم ملفت للنظر كتأمين المصلين في الحرم في الصلاة من كثرتهم.
ثم في الفجر كان يقرأ حتى تطلع الشمس ، وأما بعد صلاة الظهر فكنت أقرأ عليه صحيح البخاري حتى ختمته ، ثم ابتدأتُ قراءة ثانية ، وتوفي ولم أكملها عليه.
وأما بالنسبة لقراءتي الخاصة عليه ، فقرأت عليه في الفقه متن الرسالة حتى أكملته ، وشيئاً كثيراً من مسائل كتاب بداية المجتهد ، وكنت أحررها ، وكان -رحمه الله- واسع الباع في علم الخلاف ، إلا أنه من ورعه كان لا يرجح.
وأما بالنسبة لعلم الأصول فقرأت عليه ، لكن كان -رحمه الله- لا يحب كثرة الجدل والمنطق التي يقوم علم الأصول ، فكان إذا دخلت معه في المنطق يقول : قم ، يطردني ؛ لأنه كان يرى تحريمه وهو قول لبعض العلماء.
وإن كان اختيار بعض المحققين ومنهم شيخ الإسلام التفصيل كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله:
وابن الصلاح والنّواوي حَرّمَا **** وقال قومٌ ينبغي أن يُعْلَمَا
والقولة المشهورة الصحيحةْ **** جـــوازه لكـامل القريحهْ
ممارسِ السنة والكتابِ **** ليهتدي بها إلى الصوابِ

المقصود أن أُدلّل على أني ما استوعب معه جانب الأصول من ناحية النطق والخلافات ، وأتممته على بعض المشايخ الذين كان لهم باع فيه ، وأسأل أن يكون فيها تعويض لما لم أقرأه على الوالد.
أما المصطلح فقرأت عليه بعض المنظومات ، منها البيقونية والطلعة ، وقرأت عليه تدريب الراوي.
والسيرة كان له درس في رمضان فيه البداية والنهاية ، وكان في التاريخ شيء عجيب، حتى إن الشيخ محمد العثيمين يقول : كان والدك يحفظ البداية والنهاية.
وكان له باع في علم الأنساب ، والحقيقة أنني قصّرت فيه ولم آخذه عنه ، ويعلم الله ما كان يمنعني منه إلا خشية أن الإنسان يأتي ويقول : هذه القبيلة تنتمي إلى كذا ، فيتحمل أوزار أنساب أمم هو في عافية منه ، لكن الحمد الله ، في الفقه والحديث والعلوم التي أخذتها عليه غناء عن غيرها.


جمال جرار 26 - 11 - 2009 12:29 PM

http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/42.gif

أولاً


عربي وافتخر 16 - 1 - 2010 11:01 PM

بارك الله فيك

ميارى 4 - 5 - 2010 03:35 PM

http://gallery.7oob.net/data/media/19/jaz2.gif

زهرة عمان 7 - 8 - 2010 11:45 AM

مشكورة ارب ومني


كل التقدير والاحترام

بنت بلادي 20 - 12 - 2010 09:12 PM


زوج السيدة المدير 20 - 12 - 2010 11:10 PM

اشكرك على الجهد
لكن سعادة المدير لماذا وضعتهيم كلهم دفعة واحدة
لو وضعتي كل واحد في موضوع مستقل ليأخذ حقه
في الرد والظهور
اسف ان تجاوزت حدي هو اقتراح برأي لصالح الموضوع
اي تكون مثل السلسة
شخصيات اسلامية

سما 20 - 12 - 2010 11:10 PM


طرحت فابدعت ,,
دمت ودام هذا العطاء
ودائما بأنتظار جديدك الشيّق
خالص ودي وأعذب التحايا لكـ


احترامي

shreeata 27 - 12 - 2010 12:48 PM

جزاك الله عنا كل خير
وبارك الله فيك
تحيات لك
على الموضوع الجميل
دمت بخير

أجراس المطر 7 - 2 - 2011 10:05 PM

موفقة
يعطيك العافية سيدتي


الساعة الآن 03:38 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى