منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   بلاد الشام في السنة النبوية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=15243)

جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:42 PM

بلاد الشام في السنة النبوية
 
بلاد الشام في السنة النبوية





الأحاديث في فضائل الشام كثيرة، وربما ورد الحديث الواحد عن أكثر من صحابي، وعن أكثر من تابعي؛ ولهذا سنقتصر منها على أهمّها:
أولاً: فيها الطائفة المنصورة:
عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال من أمتي أمّة قائمة بأمر الله، لا يضرّهم من كذبهم، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»([33]).
قال مالك بن يخامر: سمعت معاذاً يقول: «وهم بالشام».
ثانياً: عُقر([34]) دار المؤمنين بالشام:
عن سلمة بن نفيل الكندي -رضي الله عنه-، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: «كذبوا، الآن جاء القتال، ولا تزال من أمتي أمّة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، ويأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعقر دار المؤمنين بالشام» ([35]).
وهذا فيه تصريح: أنّ الطائفة المنصورة في الشام.
ثالثاً: الوصيّة بسكنى الشام والهجرة إليها:
عن عبدالله بـن عمر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج عليكم في آخر الزمان نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «عليكم بالشام» ([36]).
وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأومأ بيده نحو الشام وقال: «إنكم محشورون رجالاً وركباناً ومُجَرُّون على وجوهكم» ([37]).
وعن عبدالله بن حَوَالة -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: «سَتُجَنّدون أجناداً مجندة: جُنداً بالشام، وجُنداً بالعراق، وجُنداً باليمن».
قال عبدالله: فقمت فقلت: خرْ لي([38]) يا رسول الله، فقال: «عليكم بالشام، فمن أبى؛ فليلحق بيمنه، وليستَقِ من غُدُرِه، فإنَّ الله -عزَّ وجل- قد تكفّل لي بالشام وأهله» ([39]).
رابعاً: الملائكة باسطة أجنحتها على الشام:
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى للشام، طوبى للشام»، قلت: ما بال الشام؟ قال: «الملائكة باسطو أجنحتها على الشام» ([40]).
خامساً: الإيمان حين تقع الفتن بالشام:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت؛ فإذا هو نور ساطع عُمِد به إلى الشام، ألا إنّ الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام» ([41]).
سادساً: نفي الخير عن المسلمين إذا فسد أهل الشام:
عن معاوية -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام، فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمَّتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» ([42]).
فانظر -رحمك الله-؛ فإنّ أكثر الأحاديث في الشام يأتي قبلها أو بعدها: «لا تزال طائفة من أمتي…»؛ وفيه دلالة وبيان على أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية في بلاد الشام.
سابعاً: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الشام:

عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: وفي نجدنا؟ قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا»، قالوا: يا رسول الله: وفي نجدنا([43])؟ يريدون أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجد، فما دعا لهم-البتّة-، قال: «هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع فرن الشيطان»([44]).


ثامناً: فسطاط المسلمين يوم الملحمة في دمشق في الشام:


فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرضٍ يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق؛ خيرُ منازل المسلمين يومئذٍ» ([45]).


([33]) متفق عليه.
([34]) أي: أصل الشيء وموطنه، وتقرأ: عَقر أو عُقر -بفتح العين وضمها-.
([35]) رواه النسائي، وأحمد، وصححه شيخنا الألباني -رحمه الله- في «الصحيحة» (1935).
([36]) رواه الترمذي وأحمد، وصححه شيخنا -رحمه الله- في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص33).
([37]) رواه الترمذي وأحمد بإسناد صحيح، وحسنه شيخنا في «صحيح الترغيب والترهيب» (3/3582) بلفظ: «إنكم تحشرون رجالاً وركباناً وتجرون على وجوهكم»، وهو عند أحمد والترمذي بلفظ: «إنكم محشورون رجالاً وركباناً وتُجَرُّون على وجوهكم» وهو في «صحيح الترمذي» برقم (2512).
([38]) أي: اختر لي ودُلَّني على بلاد أسكنها؛ أي: عند تقسيم بلاد المسلمين، ووقوع الفتن.
([39]) رواه أبو داود وأحمد بإسناد صحيح، وصححه شيخنا في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص13).
([40]) رواه الترمذي -وحسنه-، ووافقه شيخنا -رحمه الله- في «الصحيحة» (503).
([41]) رواه الإمام أحمد، وصححه شيخنا في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص14).
([42]) رواه الإمام أحمد، وصحَّحه شيخنا في «صحيح الجامع» (702).
([43]) المراد: شرق المدينة النبويّة، وهي العراق على الراجح، كما فصَّل ذلك شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- فقال في «الصحيحة» (2246): «وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح، وذكر طرقه وبعض ألفاظه؛ لأنَّ بعض المبتدعة المحاربين للسنّة، والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبدالوهاب -مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية-، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا -أو تجاهلوا- أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق)؛ كما دلَّ عليه أكثر طرق الحديث.
وبذلك قال العلماء قديماً وحديثاً؛ كالإمام الخطَّابي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم.
وجهلوا - أيضاً- أنَّ كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم - أيضاً- إذا كان صالحاً في نفسه، والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق عالم وصالح.
وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام: «أما بعد؛ فإنَّ الأرض المقدسة لا تُقدِّس أحداً، وإنما يُقدِّس الإنسانَ عملُه».

يتبع

جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:44 PM

حدود بلاد الشام وتأريخها





الحقيقة أنَّ الكلام عن بلاد الشام طويل جداً، لكننا نلقي شيئاً موجزاً عن أهميّة بلاد الشام؛ لأنه موضوع قوي، ومهمّ غاية، ومسلسلاته مؤثرة جداً في المستقبل الإسلامي.
معنى الشام:
تجمع (الشام) على (شامات)، ومن الناس من لا يجعله إلا شاماً واحداً، ومنهم من يجعله شامات، فيجعل بلاد فلسطين والأرض المقدسة إلى حد الأردن شاماً، ويقولون: (الشام الأعلى)، ويجعلون دمشق وبلادها من الأردن إلى الجبال المعروفة بالطوال شاماً، ويجعلون سورية، وهي: حمص وبلادها إلى رحبة مالك شاماً، ويجعلون حماة وشيزر من مضافاتها، ويجعلون قنّسرين وحلب مما يدخل في هذا الحد إلى جبال الروم وبلاد العواصم والسهول، فأما عكا وطرابلس وكلُّ ما هو ساحل البحر وكل ما قابل شيء منه شيئاً من الشامات؛ فيحسب منه.
وإطلاق (الشام) على (دمشق) من باب إطلاق العام على الخاص، والعرب كثيراً ما يسمُّون المدن القواعد بأسماء أقاليمها؛ فكانوا يقولون -بلا فرق-: (دمشق) أو (الشام).
حدُّ الشام:
يحدُّها من الغرب البحر المتوسط، أو بحر الروم، أو بحر الملح، أو بحر الشام، ومن الشرق البادية: من أيلة([3]) إلى الفرات، ثم يذهب الحد من الفرات إلى حد الروم أو آسيا الصغرى، ثم شمالاً إلى الروم، وجنوباً حدَّ مصر وتيه بني إسرائيل، وأيلة هي آخر الحجاز وأول الشام، ورفح هي حد الشام الجنوبي الغربي، ومعان نِصْفان فيقال: معان الشاميّة، ومعان الحجازيّة.
تأريخ الشام:
كتب الغربيون عن آثار الشام، وعمرانها، وتأريخها، واقتصاديّاتها، وعاداتها أحمالاً من الكتب: يصفون كل بقعة من بقاعها، وهذا شأنهم: قد تصدوا لمعرفة بلاد المسلمين ما لم يفعله المسلمون أنفسهم، فقام أولئك بدراسة بقاعنا، ومدننا، وبوادينا، فكان في تواليفهم إفادة في وصف طبيعتها، ومادتها، …إلخ.
في الوقت الذي قلَّ فيه من أبنائنا من ألف كتباً جامعة في هذا الباب بلغتنا وعلى نهجنا، كل ذلك يدلّ على أمر أليم، وهو علمهم بنا وجهلنا بأنفسنا!! ويكفي أن يقال: إنَّ علماء الغرب وسيّاحهم صنفوا بين سنتي (1805) إلى (1903) خمسةً وتسعين كتاباً في آثار البتراء، على حين قلَّ جداً في الشاميين أنفسهم من زاروا هذه الخرائب المهمّة، بل ومنهم من لم يسمع باسمها!
تأريخ الشام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
الغالب أنّ أقدم الشعوب التي استولت على الشام الحِثِّيُّون في الشمال، والكنعانيون في الجنوب، وفي «رسائل تل العمارنة» التي وجدت في صعيد مصر أوائل هذا القرن بيان واف -في الجملة- عن حالة الدولة الحثيّة التي حاربت فراعنة مصر (14سنة) فلم يظفر بهم الفراعنة حتى جاء سيتي الثاني؛ فحاربهم، وقهرهم.
وقد كانت الشام بين عاملين وسلطانين قويّين:
العامل الأول: دولة الآشوريين والبابليين.
إذا قويت إحداهما يمتد سلطانها على الشام، وتكتفي من أهله بالجزية، وتجنيد بعضهم.
العامل الثاني: الفراعنة في مصر:
إذا كانت القوة لفراعنة مصر حكموا الشام، واقتنعوا من سكانها بالجزية، وبعض الجند، وقد ظلت البلاد تابعة لمصر، وأحياناً كانت تبعيَّتها اسميّة نحو أربعة قرون، وظلَّ الشام في حكم الفراعنة إلى عهد رمسيس الخامس، ولمّا خلص من المصريين داهمه الآشوريون؛ فاستولوا عليه، واعترف الشام كله بسلطة آشور.
وفي أوائل الألف الثانية (ق.م) هجم الساميّون من سكان الشام، وربما كان بإيعازٍ من الحثيين، وعادت آشور تقوى بملوكها، ولمّا سقطت نينوى سنة (655 ق.م) باستيلاء ملوك المملكة الكنعانيّة الثانية عليها؛ خضع الشام زمناً للفراعنة، ثم عاد إلى سلطة ملوك بابل، وكان العهد الكنعاني عهد الخراب والدمار؛ لأنّ بخت نصّر ملك الكلدان فعل في بيت المقدس (586 ق.م) أفعالاً شنيعة من الهمجيّة، وجلا اليهود إلى بابل.
لقد تخلصت الشام من عوامل كثيرة كانت تتنازعها، منها ما هو داخلي؛ كالفتن الأهليّة، والحروب الداخليّة، ومنها ما هو خارجي كأن يحكمها الآشوريون أو البابليون مرة أخرى، ولمّا تراجعت هذه الأمم قامت دولة الفرس؛ فاستولت على الشام، وما برحت في قبضة الفرس إلى سنة (333 ق.م)، وقد اجتاز به الاسكندر المقدوني، ولما هلك الإسكندر اقتسم المملكة قواده الأربعة المعروفون (بالسلاقسة)، وكانت الشام من حصة سلوقس، وغدت الشام في حالة بؤس ونحس: روميّة تطالبها ببسط سلطانها عليها، ومصر تحاربها لتضمها إليها، وأهل فارس يجتاحونها، إلى أن جاءها الرومان سنة (65 ق.م) واستخلصوا البلاد.
ولمّا أراد الرومان إضافة فلسطين إلى ولاية الشام الرومانيّة ثار سكانها، فكانت نتيجة ذلك حصار بيت المقدس، وخراب معبد سليمان على يد طيطوس سنة (66 ق.م)، وفيما بعد جعلت القدس مستعمرة رومانيّة.
حكم الرومان الشام (700) سنة، وملكها صاحب مملكة بيزنطة، أو مملكة الروم الشرقيّة، ويعرف عند العرب: باسم هرقل.


تأريخ الشام بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا:
كان أولها: تسيير أبي بكر -رضي الله عنه- الجيش لفتح الشام، ومن ثم وقعة اليرموك، ثم فتح بيسان وجميع مدن الأردن، ثم مدن فلسطين، وبقيت القدس وقيسارِيَّة محاصرتين إلى أن دخلها عمر بن الخطاب، ثم فتحت دمشق وقنسرين وحلب وأنطاكية وجميع بلاد الشمال من الشام.
ثمّ كانت الدولة الأمويّة من (41 إلى 132هـ)، ثمّ العباسيّة من (132هـ إلى 254هـ)، ثمَّ الدولة الطولونيّة من (254هـ إلى 292هـ)، ثم الإخشيديّة والحمدانيّة والفاطميّة من (292هـ إلى 364هـ)، ثمَّ الفاطميّون من (364هـ إلى 394هـ)، ثمَّ السلجوقيّون من (463هـ إلى 490هـ)، ثمّ الحروب الصليبيّة مدة عشرة سنوات من (490هـ إلى 500هـ)، ثمّ احتلال الصليبيين والمغول إلى (803 هـ)، ثـم عهد المماليك إلى (922 هـ)، ثمّ الدولـة العثمانيّة إلى (1336هـ)، ثمّ استعمار فرنسا وإنجلترا، ثمّ استقلال الدول العربيّة، ومن ثمَّ احـتلال اليهود لفلسطين إلى يـوم الناس هذا -أعادها الله إلى المسلمين، ونصرهم نصراً مؤزراً مبيناً على أعدائهم-.

([1]) أي: أهانوها؛ واستعملوها للحراثة أو الركوب لغير الجهاد، وهي معدودة للجهاد.
([2]) سيأتي تخريجه ص(31) .
([3]) وهي مدينة قديمة على البحر الأحمر -أو القلزم-، وهي على مقربة من العقبة اليوم.


جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:45 PM

فضائل بلاد الشام في القرآن الكريم





قال الله تعالى : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » (القصص : 68 ). لقد اختار الله -عزَّ وجل- مكة والمدينة، واختار بلاد الشام، واختار المسجد الأقصى منها، واختار -سبحانه وتعالى- نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعته هي خاتمة الشرائع، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، واختار الطائفة المنصورة إلى يوم الدين من هذه الأمّة، وجعلها في بلاد الشام، وأنَّ بلاد الشام في آخر الزمان هي مهوى أفئدة المؤمنين، وأنّها مهاجر إبراهيم الخليل، وأولياء الله الصالحين.
فبلاد الشام بلاد طيبة مباركة ذكرها الله في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي مهجر إبراهيم الخليل، ومقام أكثر أنبياء الله-سبحانه-.
قال الله -تعالى- في كتابه: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء : 71 )
نجَّاه من أذى قومه، ومن اضطهادهم حيث ألقوه في النار، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، واختار له الأرض المباركة: اختار له فلسطين من بلاد الشام.
وأمر كليم الله موسى -عليه الصلاة السلام- قومه بدخول الأرض المقدسة من الشام؛ ليدخلوها فاتحين، ويقاتلوا الكفرة: العمالقة، ويطهِّروا الأرض المقدسة من رجسهم، لكنهم نكلوا، وقصتهم معروفة مشهورة؛ وهي في سورة المائدة.
قال الله -تعالى-: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (المائدة : 21 )، ولما لم يكتب لموسى -عليه الصلاة والسلام- دخولها؛ بسبب نكول قومه عن الجهاد وتخاذلهم؛ شكا ضعفه إلى ربه: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (المائدة : 25 )
ومع وجود القوم الجبَّارين، ومع خذلان اليهود -الذين ديدنهم نقض المواثيق والعقود -، دعا موسى -عليه الصلاة والسلام- ربه حينما حان أجله أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رميةً بحَجَر([19])، والقرب من الشيء يعطيه حكمه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت عنده لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» ([20]).
وكان الإسراء بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان عروجه من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وقد ذكر ربنا ذلك في كتابه؛ فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء : 1 )؛ فقولـه تعالى يدل على أنَّ المسجد الأقصى وما حوله مما يحيط به من بلاد كلها مباركة.
ويستفاد من هذه الآية وصول النبي صلى الله عليه وسلم أرض الشام، وقد دخلها ثلاث مرات:
مرة وهو صبي مع عمه في التجارة.
ومرة في الإسراء والمعراج.
ومرة وصل تخوم([21]) بلاد الشام مع جيش العسرة في غزو تبوك.
وبلاد الشام ميراث الصالحين، قال الله -تعالى-: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (الأعراف : 137 )
الأرض: المقصود بها أرض الشام؛ قاله: الحسن، وقتادة، وزيد بن أسلم، وسفيان.
وأجرى الله -عزّ وجل- الريح لسليمان -عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض المباركة، وكانت القدس موطن سليمان -عليه الصلاة السلام-، ومكانه، ومقرّ مملكته، قال الله -تعالى-: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (الأنبياء : 81 )
قال ابن جرير الطبري: «تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها؛ يعني: أنها الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها» ([22]).
وقال الله -تعالى-: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (سبأ : 18 ) والقرى الواردة في الآية: قرى بلاد الشام المتاخمة لقرى اليمن.
قال ابن جرير الطبري: «أي: جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها» ([23]).
هنا أقول: إنّ هذه البركة قد تقلّ -أحياناً- بسبب المعاصي والذنوب؛ فالمعاصي والذنوب سبب لهلاك الأمم والشعوب([24]).
وأقسم الله بالأرض المقدسة في كتابه المبين؛ فقال -سبحانه وتعالى-: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * * وَطُورِ سِينِينَ ِ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-3].
وذهب بعض المفسرون إلى أنّ:
(التين) هو: الجبل الذي عليه دمشق، وعلى ذلك قتادة، وعكرمة.
و(الزيتون): الجبل الذي عليه بيت المقدس.
والمراد من الكلام على قول هؤلاء: القسم بمنابت التين والزيتون؛ لأنَّ دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس بها منابت الزيتون.

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-([25]): «قال بعض الأئمة([26]):«هذه مَحالّ([27]) ثلاثة بعث الله في كلّ واحد منها نبيَّاً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار؛ فالأول([28]): محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث فيها عيسى ابن مريم -عليه السلام-، والثاني: طور سينين: وهو طور سِيناء أو سَيناء -فيها وجهان- الذي كلم الله عليه موسى بن عمران -عليه السلام-، والثالث: مكة وهو البلد الأمين، الذي من دخله كان آمناً، وهي التي أرسل الله -عزَّ وجل- فيها محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما».
كذلك ذكر الله -عزَّ وجل- بلاد الشام والأرض المقدسة، وجعلها مبوَّأ صدق، قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (يونس : 93 )
قال ابن كثير: «هو بلاد مصر والشام مما يلي بلاد المقدس ونواحيه»([29]).
قال الطبري عن قتادة: «بوَّأهم الله الشام وبيت المقدس»([30]).
وبلاد الشام هي المعنيَّة بقوله -تعالى-:وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (المؤمنون : 50 ) -تُقرأ: (رُبوة)، وهما قراءتان متواترتان
قال الضَّحاك وقتادة: «إنها بيت المقدس»، ورجحه الحافظ ابن كثير([31]).
وقال الأكثرون من المتقدمين: «إنها ربوة دمشق» ([32])؛ فترجح أنها بالشام لا بمصر ولا بالكوفة؛ كما قال مَنْ أَبْعَدَ القولَ(!)
إنّ تاريخ بلاد الشام مرتبط بسيرة أولي العزم من الرسل وغيرهم من الأنبياء والمرسلين؛ كلوط، وإسحاق، ويعقوب، وأيوب، وداود، وسليمان، واليسع، وذي الكفل، وزكريا، ويحيى -عليهم صلوات الله وتسليمه-.
ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولم يخرج من الحجاز إلا إليها، وبعد الهجرة توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشارفها؛ فوصل تبوك، ولم يلق كيداً، ووجَّه إليها جيش أسامة، فبدأ بها قبل غيرها من الأمصار، وكذلك فعل الصدّيق -رضي الله عنه- حتى إنه قال: «لأن أفتح كَفْراً من كُفورِ بلاد الشام أحب إلي من أن أفتح مدينة من بلاد العراق»، وكذلك عمر -رضي الله عنه- لم يدخل العراق وإنما دخل فلسطين.

([19]) يعني: مقدار رمية حجر.

([20]) «صحيح الجامع» (898).

([21]) أي: إلى حدودها وأطرافها.

([22]) «جامع البيان» (10/73).

([23]) المصدر السابق (9/55).

([24]) وقد فصل ذلك تفصيلاً حسناً ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في «الداء والدواء».

([25]) «تفسير القرآن العظيم» (4/563).

([26]) ويعني: شيخه شيخ الإسلام ابـن تيمية -رحمه الله- في «الجـواب الصحيح» (5/207-208).

([27]) جمع محلّ، وهو المكان.

([28]) يعني: المحل الأول.

([29]) «تفسير القرآن العظيم» (2/447).

([30]) «جامع البيان» (7/206).

([31]) «تفسير القرآن العظيم» (3/256-257).

([32]) المصدر السابق (3/256).


جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:48 PM

بلاد الشام والفتن والملاحم





هذه الملاحم نهايتها -كما أخبر النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، بجزمٍ ويقين، لا بظنٍّ وتخمين-، إنما هي للمسلمين، والكلام حولها كثير، ويحتاج إلى فهم وربط، والذي يتأمل الأحاديث الصحيحة الواردة في الملاحم والفتن تأملاً جيداً، ويربطها مع بعضها بعضاً يجـد أنَّ الله -عزّ وجلّ- سَيُعيدُ الخـيْرَ للمسلمين قبل هذه الملاحم، ولا يَبْعُدُ أن يكون لهم خليفة عامّ قبل المهدي([57])؛ فقد ثبت من حديث عوف بن مالك-رحمه الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يجمع الله على هذه الأمّة سيفين، سيفاً منها، وسيفاً من عدوها» ([58])، وأمتنا تجتمع عندما يزول الخلاف بينها، ولا سيما عندما تستعد لمواجهة عدوها.

فبلاد الشام معقل المسلمين في الفتن، والله -عزّ وجل- يبعث منها موالي يؤيد بهم الدين؛ كما ثبت عن أبي هريرة، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي، أكرم العرب فرساناً، وأجودهم سلاحاً؛ يؤيّد الله بهم الدين» ([59]).
وقد تقدّم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فسطاط([60]) المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق؛ خير منازل المسلمين يومئذ» ([61]).
إنّ الملاحم -بلا شك- لها مقدمات، تهجم على الناس دون مقدمات، ولعل مقدماتها طمع الكفار بخيرات هذه البلاد([62])، ولا سيما أنه ثبت من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُنعت([63]) العراق درهمها وقفيزها، ومُنعت الشام مُدْيَها ودينارها، ومُنعت مصر إردبَّها ودينارها، وعُدتم([64]) من حيث بدأتم، وعُدتم من حيث بدأتم، وعُدتم من حيث بدأتم» ([65]) شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
والقفيز والمُدْي والإردبّ: مكاييل معروفة معينة في ذلك الزمان، وفي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم مكيال كل قومٍ باسمه المعروف عندهم دليلٌ على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف كلام الناس، وإن بعدت أقطارهم، واختلفت عباراتهم.
والنَّاظر في كتب الشُّرَّاح يجد أنهم -على اختلاف أعصارهم وأمصارهم، وعلى تباعد الزمن بينهم- كلٌّ منهم يقول: وقع هذا الحديث في زماننا، فلو نظرنا عند الخطابي -مثلاً- في «المعالم» ([66])، وابن حزم في «المحلّى» ([67])، أو الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» ، أو القاضي عِيَاض في «إكمال المُعْلِم» ([68])، أو النـووي في «المنهاج شرح صحيح مسلم» ([69])، أو صدّيق حسن خـان في «السراج الوهاج» ([70])، كلهم يقولون: وقع الحديث في زماننا، مع تباعد هذه الأزمنة(!)
وهذا الحديث يحتاج إلى تأن في إدراكه وفهمه.
لذا؛ فإنّ الفقهاء قد استنبطوا منه فوائد كثيرة، والذي يهمنا منه ما يخص الملاحم، والذي أراه راجحاً -بعد جمع ما ورد في الباب- أنّ هذا المنع لم يقع -بعد- بقرائن قويّة:
1- منها ما ورد عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- موقوفاً -وهو في حكم الرفع- قال: «يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قفيز ولا درهم» قيل: من أين ذاك؟ قال: «مِن قِبَلِ العجم»، ثم قال: «يوشك أهل الشام أن لا يُجبى إليهم دينار ولا مُدْي» قيل: من أين ذاك؟ قال: «من قِبَلِ الروم»، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً»، أو قال: «يحثو المال حثواً، ولا يعدُّه عدَّاً» ([71])؛ فذكر المهدي بعد هذا الأمر.
وفي هذا إشارة إلى أنّ هذا المنع إنما يكون قبل المهدي، وهذا الطمع لا يبعد -عندي- أن يكون هو بدايات الملاحم المذكورة.
ومما ينبغي أن نلفت إليه الأنظار في كلام جابر: أنَّ الذي يمنع أهل العراق خيرات بلادهم إنما هم العجم([72])، بينما الذي يمنع أهل الشام خيرات بلادهم هم الروم([73]).
وتعجبني في هذا الباب رواية عند البيهقي بإسناد صحيح فيها زيادة على ما ذكر في الحديث الأول، قال: «والذي نفسي بيده ليعودنَّ الأمر كما بدأ»،ذكرها ثلاثاً، ثم قال: «ليعودنّ كلّ إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكون كلّ إيمان بالمدينة».
لذا وضع أبو عمرو الداني هذا الحديث تحت باب: «ما جاء في المهدي»، وكذا صنع القرطبي في «التذكرة» ([74])؛ فوضعه تحت باب: «الخليفة الكائن في آخر الزمان المسمى بالمهدي، وعلامة خروجه»، جعل هذا المنع علامة على خروج المهدي، وكذا كلام صديق حسن خان في «السراج الوهاج» ([75])، قال: «وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه([76])».
وطوَّل في تقرير: أنَّ المهدي هو المعنيّ.
فهذه الملاحم تكون عند الطمع في خيرات العراق، وخيرات الشام، والباقي من الدنيا أقلُّ من الزائل؛ نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جنداً للإسلام والمسلمين -على الحقّ واليقين-.
ومما ينبغي أن يذكر في هذا المقام -وهو مهم- حديث أبي هريرة، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره؛ فلا يأخذ منه شيئاً» ([77]).
وهذا الانحسار ليس البترول؛ فهو مردود من وجوه عديدة.
وهذا الانحسار يكون قبل المهدي؛ بدلالة ما ثبت عن علي قال: «الفتن أربعة: فتنة السراء، وفتنة الضراء، وفتنة ذكر فيها معدن الذهب وانحسار الفرات، ثم قال: «ثم يخرج رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم»([78])؛ فهذا الانحسار -أيضاً- يكون قبل المهدي.
ويؤكد هذا: ما ثبت عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبيه، قال: شُكي إلى عبدالله بن مسعود الفرات، فقالوا: نخاف أن ينفتق علينا([79])، فلو أرسلت من يسكّره([80])، فقال عبدالله: «يوشك أن تطلبوا في قراكم([81]) هذه طستاً من ماء فلا تجدونه، ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون بالشام بقية المؤمنين والماء» ([82]).
والشاهد قولـه: «ويكون بقية المؤمنين بالشام»؛ فعند الانحسار يكون بقية المؤمنين في الشام، وتبدأ الملاحم من هنا، فهذه كلها: إرهاصات، ومقدمات.
وهذا لا يعني: أنَّ بلاد الشام لا يوجد فيها مصائب ولا فتن، لا؛ فالشام لا بدَّ أن يصيبها شيء كثير، سواء في السابق أو اللاحق، وفتنة (التتار) لم تبق مدينة من بلاد الشام إلا وقد أصابها منها شرّ عظيم فيها؛ فإنهم أسعروا الدنيا ناراً.
والكلام في هذا طويل وكثير، وهنالك نصوص عديدة وكثيرة فيها بيان وصول الشر في كل مكان في آخر الزمان، والفتن ستشتد، والسعيد من يجنبها، وييسّر له المقام في آخر الزمان في الشام.
عن أبي أمامة قال -وهو موقوف وله حكم الرفع-: «لا تقوم الساعة حتى يتحوّل خِيار أهل العراق إلى الشام، ويتحوَّل شرار أهل الشام إلى العراق» ([83]).
قال أبو أمامة على إثره قال صلى الله عليه وسلم على أثره: «عليكم بالشام».
ولـه شواهد كثيرة جداً: أجودها وأوضحها عن شرحبيل بن مسلم، عن أبيه قال: «بلغنا أنه لن تقوم الساعة حتى يخرج خيار أهل العراق إلى الشام، ويخرج شرار أهل الشام إلى العراق» ([84]).
وعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: «ليأتينَّ على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا كان بالشام» ([85]).
والآثار والأحاديث تدلُّ على أنَّ تحوُّل المؤمنين في آخر الزمان سيكون إلى الشام، ولا سيّما عند اشتداد الفتن في أقطار الأرض، ولذا ثبت من حديث عبدالله بن حوالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن حوالة؛ كيف تصنع في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صَيَاصي([86]) بقر؟»، قال: قلت: أصنع ماذا يا رسول الله؟ فقال: «عليك بالشام» ([87]).
عن مكحول، قال: «لَيَتمخَّرَنَّ الروم الشام أربعين صباحاً لا يمتنع عنها إلا دمشق وعمان»([88])، وفي رواية: «لا يمتنع منها إلا دمشق وأعالي البلقاء» ([89]).
وعن عبدالرحمن بن سلمان، قال: «سيأتي ملكٌ من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق» ([90])؛ فهو يَمْخَرُ المدائن كلها إلا دمشق.
وعليه، فمن الأحاديث التي فيها ذِكْرٌ للفتن والملاحم وبلاد الشام شيء كثير يفيدنا مجمله: أنه يقع صلح بين المسلمين -والظاهر أنه يكون لهم كيان وإمام- وبين الروم، ونقاتل معهم عدواً آخر، ويرفع واحد من الروم الصليب ويثور رجل مسلم عليه، فيقتله، ويكسر الصليب، وحينئذ يغدر الروم، وتبدأ الملحمة بيننا وبينهم.
وفي هذا حديثٌ عن يُسَير بن جابر، قال: هاجت ريحٌ حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجّيرى([91]) إلا: يا عبدالله بن مسعود جاءت الساعة: قال: فقعد ابن مسعود وكان متكئاً، فقال: «إنَّ الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة»([92])، ثم قال ابن مسعود بيده هكذا، ونحَّاها نحو الشام، وقال: «عدوٌّ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام».
وفي رواية: «عدوٌّ يجمعون لأهل الشام»، قلت: الروم تعني؟ قال: «نعم؛ ويكون عند ذاك القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شُرْطةً للموت لا ترجع إلى غالبة، فيقتتلون ثلاثة أيام حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء، وهؤلاء؛ كلّ غير غالب، وتفنى الشُّرْطة([93])، ثم يشترط المسلمون شُرْطةً للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كلٌّ غير غالب، وتفنى الشُّرْطة، ثم يشترط المسلمون شُرْطةً للموت، لا ترجع إلا غالبة».
وفي المرة الثالثة -في هذه المقتلة، أو الملحمة-، يكون فيها المسلمون في دمشق، ويكون الروم فيها بدابق أو بالأعماق([94])، ويكونون في هذا المكان بحكم الهدنة الأولى التي كانت بينهم، ثم في المرة الثالثة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء؛ كلٌّ غير غالب»، حتى إذا جاءت المرة الرابعة يأتيهم مَدَدٌ من المدينة، من خيار أهل الأرض؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة([95]).
ثمّ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أخر هذا الحديث: أنَّ الشيطان يأتيهم ويقول: «إنّ المسيح قد خلفكم في أهليكم»، هذا مجمل ما ورد من الملاحم.
وينبغي أن ننوّه إلى أنه تزداد شهوة الكلام عند حلول الفتن، وتظهر جرأة كثيرة من الناس وقتها، فيحلو لهم آنذاك استرجاع أحاديث الفتن، وتقليب صفحاتها، ويروون ذلك، ويزداد في اجتماعهم في المجالس!
فالواجب التنبيه والتحذير من الفتن، والتأني في تطبيقها أحاديثها على الواقع الحالي، أو الإسقاط؛ فالإسقاط -هكذا- ليست له قواعد دقيقة، وهو ليس من صلب العلم، وإنما هو من مُلَحه؛ فتنبّهوا.


shreeata 18 - 4 - 2011 11:49 PM

بلاد العرب اوطان من الشام لبغداد ومن نجد الى يمن الى مصر فتطواني
سعدت بما قرات لك هنا عزيزي
جمال
دائما خياراتك اكثر من رائعة
تحيات لك
سلمت

جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:51 PM

بلاد الشام والفرقة الناجية والطائفة المنصورة





الشام بلاد يجب على السلفي أن يهتم بدراستها تأريخياً وعقدياً؛ لأنَّ السلفي:
منهجيّ في دراسته.
منهجيٌّ في عباراته.
منهجيّ في تصورّاته.
الشام رأى طلعة إبراهيم -عليه السلام- وإسحاق، ويعقوب، وكثير من النبيين… إلى عيسى بن مريم -عليهم الصلاة السلام-، ثم أُسري بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى -وهو في هذه البلاد المباركة-؛ فانبعث في أرجائه مجد الإسلام.
ثم أوَتْ إليه، الشيع الغريبة من أتباع النحل والمذاهب التي لا أصل لها؛ كالدرزية، والإسماعيلية، والموارنة، والسامرة، والنصرانيّة، واليهوديّة؛ فأرض الشام حلبة صراع، ومعترك النزاع -دائماً- بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل، وبين أهل السنّة وأهل البدعة([47]).
ورأى الشام طلعة عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمر بن عبدالعزيز، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي -من الفاتحين-، والشافعي، وابن تيمية، وابن قيّم الجوزيّة، وأبي الفداء بن كثير، والألباني -من المجددين-.
وبخت نصر، وهلاكو، وجنكيز خان، وقازان، وتيمور لنك، والفاطميين، والصليبيين، واليهود -من المخربين-.
أرض الشام: هي الأرض المقدسة، والأرض المباركة، وخيرة الله من أرضه، وأرض الرباط والجهاد، ومحلّ حزب الله من عباده، وهم الطائفة المنصورة: أهل الحديث والعلم بالآثار، ومن تبعهم بإحسان اقتداء بمنهج السّلف الصالح -رضوان الله عليهم- عقيدةً ومنهجاً وسلوكاً وتربيةً.
أهل الشام سوط الله في أرضه، ينتقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، قال علي: «فلا تسبوا أهل الشام، ولكن سبوا شرارهم؛ فإنّ فيهم الأبدال» ([48]).
أرض الشام فيها المسجد الأقصى، وهو: محل إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.
والإسراء رابط مهم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
والإسراء رابط مهم بين إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والإسراء رابط مهم بين الأنبياء، بيان للخلق أجمعين: أنَّ رسالتهم واحدة.
والإسراء رابط مهم بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصديقين.
والإسراء رابط مهم بين منهج النبوة ومنهج الطائفة الناجية.
ولعظم حادثة الإسراء والمعراج سميت سورة في القرآن بالإسراء، وفي هذه السورة بناء منهجيّ وعقديّ للمسلم.
والمعراج رابط مهم بين الأرض والسماء.
والمعراج فهم لمعنى صفة الاستواء، وفيه ردّ على أهل البدع والأهواء.
والمعراج رابط مهم بين المؤمن وعقيدته.
والمعراج رابط مهم بين المؤمنين والأنبياء.
والمعراج رابط مهم بين المؤمنين والملائكة.
والمعراج رابط مهم بين عبدالله المؤمن وبين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
والمسجد الأقصى منبر دعوة التوحيد منذ إبراهيم إلى قيام الساعة.
وفي فهم منهج الطائفة المنصورة العبر المهمّة من كتاب الله، ومن سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم على أرض الشام:
العبرة من قصة طالوت وجهاده جالوت.
والعبرة من قصة إبراهيم وهجرته إلى بلاد الشام، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم.
وللطائفة المنصورة عبرة من قصة يوشع بن نون -عليه السلام-.
فعليكم أن تهتموا -بارك الله فيكم- بهذا الدين، وعلى هذا المنهج المنير البصير، وهو: منهج النبوة على هذه الأرض؛ فتتوافق بركة الدعوة مع بركة المحل.
والنبي صلى الله عليه وسلم ربط في حديثٍ بين مسألتين: مسألة فساد أهل الشام، ومسألة وجود الطائفة المنصورة. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام؛ فلا خير فيكم» ([49])، وقال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، ولا من ناوأهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ([50]).
فعندما نقول: إنّ أرض الشام حلبة صراع ومعترك النزاع؛ يعني هذا: أنه يتوالى عليها الفساد والإصلاح، والفساد يفعله المُخَرِّبون، والإصلاح يفعله المصلحون على منهج النبوة.
ولذلك فحين يتسلّط أعداء الله نرى أنَّ أهلها في فسادٍ عقدي وعملي؛ فمن أجل الإصلاح لا بدَّ من الإخلاص في النيّة والتعاون الشرعي، والإقبال على العلم، واتباع منهج النبوة، والعمل الصالح.
إنَّ أسوأ ما في هذا الإفساد: انتشار الأضرحة والمزارات، والقبور، وفي فلسطين؛ يقول الدكتور توفيق كنعان([51]):
«على الجبال وفي الوديان وفي الحقول: نرى تلك المواقع، وبالكاد أن تكون هناك قرية -مهما صغرت- لا تكرِّم قديساً واحداً على الأقل، وبصورة عامّة؛ فإنّ كل مكان مأهول يفاخر أهله بأنّ لديهم الكثير، وهكذا… وعلى سبيل المثال: فإنّ (عَوَرْتا) -إحدى قرى فلسطين- تملك (14 مزاراً).
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الشرك باتخاذ المساجد على القبور.
وقد تكررت أسماء المزارات والمقامات في عدة أنحاء أكثر من مرة، مثل النبي صالح (8) مقامات، شعيب (9) مقامات، آدم (4) مقامات، إبراهيم (15) مقاماً، يعقوب وأولاده (53) مقاماً، أبناء الدهنيّة الشعبيّة (50) نبياً لكل نبي مقام.
والمقامات لها أسماء لم ينزل الله بها سلطاناً، مقامات الأنبياء، ومقامات الأولياء، ومقامات الصحابة، ومقامات المجاهدين، ومقامات الصوفيّة -تبعاً للطرق التي انتموا إليها-، ومقامات للأولياء المحليين، ومقامات الأشجار، ومقامات المغاور، ومقامات العيون والآبار، ومقامات الخضر، ومقامات النساء الصالحات، ومقامات الأمراء، ومقامات أجداد بعض الحمايل، ومقامات الرُّجَم والحجارة.
ومعظم هذه المقامات بنيت عليها مساجد، خالف أصحابها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ([52]).
وقد لاحظت أنّ هناك عدداً كبيراً من المزارات هي في الأصل إما يهوديّة أو نصرانيّة تزاحم عليها المسلمون للأسف، أو تزاحم اليهود والنصارى عليها بحجة أو أخرى؛ لاتخاذ المسلمين لها مزاراً، وآخر هذه (الصيحات) ما حصل في مقام شهاب الدين في الناصرة([53]).
ولا حول ولا قوّة إلا بالله ربِّ العالمين.


([47]) ولأجل ذلك وقع اختيار قوى المكر العالمي؛ لإقامة دولة لليهود في قلب بلاد الشام (!).
([48]) صححه شيخنا -رحمه الله- في «الضعيفة» (4779) موافقاً للحاكم والذهبي، وهو موقوف.
لكن لا يصح في (الأبدال) حديث مرفوع، وذكر الشيخ في «الضعيفة»
(1474-1479) جملة من أحاديث (الأبدال) حاكماً عليها بالردّ.
ومراد علي بن أبي طالب: أولياء الله الصالحون، وليس الأبدال على المصطلح الصوفي المنكر.
وانظر -غير مأمور- «تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي» (ص101).
([49]) سبق تخريجه (ص33).
([50]) «الصحيحة» (1959)، و «صحيح الجامع» (7294).

([51]) وهو صاحب كتاب «الأولياء والمزارات في فلسطين»، وكان رائداً في دراسة هذه الظاهرة: ظاهرة المقامات والأولياء.
([52]) أخرجه مسلم.
([53]) وإذا وقع ذلك في الأمّة: سلّط الله عليها الأعداء؛ وواجب العلماء حينئذٍ أن يعلنوا الدعوة إلى التوحيد والسنّة؛ فإن عاد الناس نصرهم الله نصراً عزيزاً ومؤزراً ومبيناً، انظر «الاستغاثة الصغرى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص632-633).


جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:52 PM

تأريخ الجهاد في بلاد الشام





يجب أن نعلم: أنّ الجهاد في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا -بالحجة والبيان، والسيف والسّنان- ذروة سنام الدعوة السلفيّة؛ لأنه ذروة سنام الإسلام، لكنه الجهاد المنضبط بضوابط الشرع، وقواعد الدين، ومقاصد الشريعة؛ الجهاد الذي رايته إسلاميّة تتبنّى الكتاب والسنّة، ومنهج سلف الأمة.
ولو أردنا أن نَعُدَّ المجاهدين والشهداء من أبناء هذه الدعوة المباركة وعلمائها لطلع علينا الفجر ولم ننته، ولكنَّ خصوم هذه الدعوة يتنكَّرون لكل خير يجريه الله -عزَّ وجل- على أيدي علمائها ودعاتها.
هذه المعارك المذكورة لا شك أنها -حقَّاً- معارك مفصليّة؛ فقد غيّر الله -عزّ وجلّ- بها وجه التأريخ، وكانت هذه المعارك حسماً لشرٍّ داهم، أراد بلاد الإسلام بشر مستطير؛ لأنَّ أعداء الإسلام لا يتركون هذه الأمة تنعم بالخير والسعادة، وتعبد ربّها بأمن وأمان، بل يغيظهم أن يتمسّكوا بدينهم، وأن يقيموا شريعة ربهم، ويحيوا سنة نبيهم، ولذلك تتوالى الحملات -بقوة- لخلع الأمّة من جذورها، واجتثاثها من أصولها، وإبعادها عن دينها، وهكذا يفعل شياطين الجن والإنس فهم -دائماً- يجتمعون على هدف واحد ضد المسلمين.
معركة اليرموك: معركة من المعارك الحاسمة في تاريخ الإسلام، وفي صدر الإسلام، وكانت هذه المعركة في بلاد الشام، إذ قد اهتم أبو بكر الصديق -رضي الله عنهم- في فتح هذه البلاد، فما أن فرغ من حرب المرتدين حتى حرّك جيوشاً إليها، وجهّزها، فبعث عمرو بن العاص إلى فلسطين، وسيّر يزيد ابن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل ابن حسنة -رضي الله عنهم-، فتمّ فتح أكثر بلاد الشام.
ثم اجتمع الروم عند نهر اليرموك، وتقابلوا مع المسلمين؛ فكان النصر حليفاً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وارتحل هرقل عظيم الروم عن سوريا قائلاً لها: «سلام عليك يا سوريا، سلاماً لا لقاء بعده»!
معركة حطين: وموقعها بين بيسان ونابلس، شارك فيها أكثر من (60) ألفاً من الصليبيين، وكان مقصودهم الاستيلاء على بلاد الشام واحتلالها، وقطع الطريق إلى مكة، لكنّ الله -سبحانه وتعالى- أيّد الأمّة بأسد مغوار هو صلاح الدين الأيوبي.
حينما تولّى صلاح الدين الإمامة والخلافة: وجد البلدان والأقطار والممالك الإسلاميّة شذر مذر -كأيدي سبا-؛ فوحَّد الممالك الضعيفة الهزيلة، وأقام فيهم العدل، وأقام فيهم الحكم الإسلامي، ثم عبَّأهم للقتال والجهاد.
وكان للعلماء دور مشرّف في هذه المعركة في تحريض الناس، وترغيبهم في القتال، فوقعت هذه المعركة، واستفاد صلاح الدين من الحشيش الجافّ الذي كان تحت خيول الصليبيين، فأوقد فيه النار، وكان يوماً شديد الحرّ؛ فكانت الهزيمة الساحقة الماحقة للصليبيين.
أمّا معركة عين جالوت؛ فوقعت في (25) رمضان سنة (658 هـ)، وكان خروج المغول من بلادهم حيث اجتاحوا بلاد إيران ثمّ العراق، وفعلوا بالعراق ما فعلوا من استباحتها، وتدميرها، وإحراقها، ونهب كتبها، وقتلهم أكثر من ألف ألفٍ من المسلمين، حيث بلغ الرعب مبلغاً عظيماً في الأقطار المجاورة لا سيّما بلاد الشام؛ لقربها من العراق، وحاصروها، ودخلوها، وحاصروا دمشق ودخلوها، ثمَّ أرسلوا رسائل تهديد ووعيد إلى القاهرة إلى (قطز)، لكنه لم يعبأ بهم، بل عبَّأ الجيش وأرسل حملة إلى غزة التقت بجيش التتار، وألحقت بهم شرّ هزيمة، ثم التقى بهم في معركة عين جالوت، وهناك وقعت المعركة الحامية الدامية بين جند الإسلام بقيادة (قطز)، وبين المغول (التتار) وكانت الهزيمة لهم، وردّ الله -عزّ وجلّ- كيد المغول عن الممالك كلها.


جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:54 PM

اهتمام علماء الإسلام في بلاد الشام





أقول وبالله -سبحانه وتعالى- أصول وأجول:
إنّ المؤلفات التراثيّة حول بلاد الشام كثيرة جدًّا، وهي متنوعة في تأريخ الشام، وحدودها، وأعلامها، وأسماء ولاتها وقضاتها، وكذلك في تسمية شيوخها ومحاسنها، بل قد صنفت في نكباتها وحكم أراضيها، وحدودها.
فللتَّمْرَتاشي كتاب بعنوان: «الخـير التام في حدود الأرض المقدسة والشام» ([4]).
وذكروا كذلك المفاضلات بين الشام وغيرها، ولا سيما بين الشام ومصر، وقد أفرد هذا الموضوع غير واحد في التصنيف، وأختصر السرد مع تعليق وجيز بالكتب الخاصة في فضائل الشام.
كتب الفضائل كثيرة: بعضها ما زال مخطوطاً، وطبع غير كتاب منها، ووجدنا في كتب التراجم، وكتب الأثبات والفهارس، وكتب البلدان -أيضاً- عدداً لا بأس به، لا نعرف له أثراً، ولم نحصّل على نسخ هذه العناوين، وهأنذا أقدم ما وقفت عليه ممن كتب في هذا الباب، فمنها: كتاب للهيثم بن عدي المتوفى سنة (207هـ) وكتابه اسمه: «مديح أهل الشام» ([5])، وذكره النديم([6]) في كتابه: «الفهرست».
ومن الكتب المعروفة التي شهرها شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- بتخريجه أحاديثها كتاب: أبي الحسن علي بن محمد الربعي المالكي المتوفى سنة (444هـ) الموسوم بـ: «فضائل الشام وفضل دمشق»، واختصره ابن الفركاح الفزاري المتوفى سنة (729هـ)، واختصر ابن عمَّار كتاب ابن الفركاح -أيضاً-([7])، فهذا الكتاب جرَّد الأسانيد وسماه: «الإعلام بفضائل الشام».
ثمّ عنَّ لشيخنا -رحمه الله تعالى- أن يجدد طبع تخريج أحاديثه في رسالة مفردة، وفعل ذلك، وأفصح عن السبب؛ بقوله: «تعميماً للاستفادة من هذه الأحاديث، حتى يعلم الناس أنّ في فضل الشام أحاديث كثيرة صحيحة، خلافاً لظنّ بعض الكتّاب، وحتى يعرف المستوطنون فيها فضل ما أنعم الله به عليهم؛ فيقوموا بشكره بالعمل الصالح، وإخلاص العبادة لوجهه -سبحانه وتعالى-».
وطبع مع هذه الرسالة نبذة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان: «مناقب الشام وأهله».
ومن الكتب التي طبعت قبل نحو أكثر من عشر سنوات كتاب السمعاني: «فضائل الشام» فيه عشرون حديثاً مسنداً، وفيه آثار وأشعار، وله كتابٌ آخر اسمه: «فرط الغرام إلى ساكني الشام»([8]) كتبه بخطه ووجهه إلى محبه وصديقه ابن عساكر المتوفى سنة (560هـ).
وللعز بن عبدالسلام المتوفى سنة (660هـ) كتاب اسمه: «ترغيب أهل الإسلام بسكنى الشام»([9])، وكذلك المحدث الحافظ الشاب تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو محمد بن عبدالهادي المتوفى سنة (744هـ) له كتاب بعنوان: «فضائل الشام»([10]).
ومن أجود الكتب التي أراها أوعبها، وأكثرها ترتيباً، وأحسنها تنقيحاً وعرضاً: كتاب طبع حديثاً -ولعله في حدود علمي آخر ما طبع في فضل الشام- وهو كتاب الحافظ ابن رجب بعنوان: «فضائل الشام».
وهنالك كتب كثيرة قبل هذه المؤلفات، ولكنها قد دمج فيها فضائل الشام مع فضائل بيت المقدس، وعلى رأسها كتاب أبي المعالي المشرف بن المرجّى بن إبراهيم المقدسي المتوفى سنة (492هـ)، واسمه: «فضائل بيت المقدس والخليل وفضائل الشام» ([11]).
وفي هذا الباب([12]) كتاب: «مثير الغرام إلى زيارة القدس
والشام» ([13]) لشهاب الدين أبي محمود أحمد بن محمد بن سرور المقدسي المتوفى سنة (765هـ)، وينبغي أن يذكر أنّ المطبوع من هذا الكتاب هو الجزء الثاني، وهو فقط ما يخص فضائل بيت المقدس، وأمّا الجزء الأول؛ فلم ينشر إلى الآن.
وكذلك طبع لضياء الدين المقدسي كتاب بعنوان: «فضائل بيت المقدس»، وهو في حقيقة أمره الجزء الثاني من كتاب «فضائل بلاد الشام» للضياء نفسه.
وهنالك -أيضاً- من الكتب التي جمعت بين فضائل بيت المقدس وفضائل الشام: كتاب لشمس الدين محمد بن محمد بن حسين الكَنْجي المتوفى سنة (682هـ).
ومن الكتب التي طبعت في فضائل الشام: «الإعلام بسن الهجرة إلى بلاد الشام» للبقاعي، وكذلك: «حدائق الإنعام في فضائل الشام» لابن عبدالرزاق الدمشقي المتوفى سنة (1138هـ)، وكذلك «بغية المرام في سكنى المدينة والشام»([14])، وكذلك: «الروضة البهيّة في فضائل دمشق المحميّة» ([15]) لمحمد عز الدين عربي كاتب الصيادي، ومن هذه الكتب كتاب أخينا الشيخ هشام العارف: «إتحاف الأنام في فضائل المسجد الأقصى والشام» وكتاب «إسعاد الأَخِصَّا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى».
ومما ينبغي أن يذكر: أنَّ في «تاريخ دمشق» ([16]) لابن عساكر كلاماً بديعاً جامعاً مستوعباً للآثار والأحاديث في فضائل الشام، وفيه: أبواب ما جاء من النصوص في فضائل دمشق على وجه الخصوص.
وهنالك مخطوطات ما زالت محفوظة في بلاد المسلمين تحتاج إلى رعاية المحققين المدققين، وتحتاج إلى إبرازها، وإخراجها، وجلها محفوظة في ألمانيا الغربية في (مكتبة توبنغن)، ومنها مصورات في الجامعة الإسلامية، ومنها على سبيل المثال كتاب لعالم حنبلي هو عبدالرحمن بن إبراهيم المقدسي وكتابه بعنوان: «فضائل بيت المقدس والخليل وفضائل بلاد الشام»، وكذلك في المكتبة نفسها كتاب بعنوان: «فضائل الشام وفضائل مدنها وبيت المقدس وعسقلان وغزة والرملة وأريحا ونابلس وبيسان ودمشق وحمص» -لا يُعرف مؤلّفه-، وهذا كتاب مسند، وبالإمكان أن يعرف اسم مؤلفه من خلال دراسة الأسانيد، ومن ذلك أنَّ مؤلفه يسند فيه عن ابن عساكر فهو شيخه -أي: ابن عساكر-، ويكثر فيه من النقل عنه؛ لذا فهو من تلاميذه.
ومن المخطوطات المحفوظة في مكتبة عارف حكمت في المدينة النبويّة لابن الإمام كتاب بعنوان: «تحفة الأنام في فضائل دمشق والشام»، وكذلك في الظاهريّة وباريس، وسليم آغا في استانبول، وقد رأيت أنَّ بعضهم ذكر الكتاب مخطوطاً -والله أعلم بصحة ذلك-.
ومنها كتاب بعنوان: «الإعلام بنبذة من فضائل الشام»، وفي معهد المخطوطات العربية لمجهول: «التحف العظام والأحاديث الكرام في فضائل الشام»، ولحسن المحمدي مخطوط في دار الكتب المصريّة كتاب بعنوان: «رسالة في الأحاديث الواردة في فضل الشام»، وللطرابلسي الأفيوني رسالة في دار الكتب المصريَّة بعنوان: «الروض البسّام في فضائل الشام»، ولعماد الدين بن محمد الحنفي المتوفى سنة (920هـ) مخطوطة في بعض مكتبات بريطانيا بعنوان: «فضائل الشام»، وللبصراوي المتوفى سنة (1015هـ) في الظاهريّة، وعارف حكمت، وبرلين مخطوطة بعنوان: «تحفة الأنام في فضائل الشام»، وله -أيضاً-: «فضائل الشام ودمشق»، و«فتوح الإسلام على أيدي الصحابة الكرام».
ولكن لا بدَّ -أخيراً- من التنويه إلى أنَّ بيت المقدس -بخاصّة- ألّفت كتب في فضائله ومخطوطات، فالدكتور كامل العسلي له كتاب: «مخطوطات فضائل القدس» ([17])، وللدكتور محمود إبراهيم كتاب بعنوان: «فضائل بيت المقدس لمخطوطات عربية قديمة، دراسة تحليلية، ونصوص مختارة» ([18]).
ولا بدّ -في الختام- من الإشارة إلى أنّ اليهود نشروا كتباً كثيرة في فضائل الأقصى، ولديهم حبٌّ وولعٌ في اقتناء الكتب في فضائل البلدان لا سيما مكة والمدينة، ولديهم دراسات عن مشاعر المسلمين نحو مقدساتهم من خلال كتب الفضائل؛ كي يتبيَّن لهم الخط البياني لنمو هذه المشاعر أو ضمورها، فحينئذٍ يساهمون في بث ما يؤدي إلى ضمورها استعداداً للمعركة.

([4]) له نسخ عديدة ذكرها بروكلمان في «تاريخ الأدب العربي» (8/345).
([5]) وبعضهم أخطأ فنسبه إلى ابن عدي المحدث، وهو في الحقيقة للهيثم
-المذكور أعلاه-.
([6]) وهنا أنبه على خطأ شائع حيث يقولون: ابن النديم! والصواب: النديم.
([7]) ولـه نسخ خطية عديدة محفوظة في عدة مكتبات منها: الظاهريّة، والأوقاف ببغداد، وبرلين.
([8]) هذا الكتاب مطبوع عن دار الثقافة.
([9]) وهو مطبوع أكثر من مرة.
([10]) مطبوع مرتين.
([11]) طبع مرتين، وكان السبق في طبعه -للأسف- لرجل يهودي اسمه (عوفر لينة)، وهذا هو المثبت على النسخة المحفوظة في توبنغن في ألمانيا الغربية، ثم نشر بتحقيق(!) أيمن نصر الدين الأزهري(!) عن دار الكتب العلميّة(!)
([12]) أي: الجمع بين فضائل الشام وغيره.
([13]) طبع بعناية أحمد سامح الخالدي.
([14]) طبع بدمشق قديماً.
([15]) طبع عن مطبعة المقتبس سنة (1330).
([16]) (1/203 – إلى آخر المجلدة).
([17]) طبع بعمان وذكر فيه (41) مخطوطة.
([18]) طبع في الكويت سنة (1406هـ).


جمال جرار 18 - 4 - 2011 11:56 PM

أسماء العلماء الذين دخلوا الشام





قال الوليد بن مسلم -رحمه الله-: «دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وذكر ابن سعد([96]) ما يزيد على مئة رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا الشام، منهم: أمين هذه الأمّة أبو عبيدة عامر بن الجراح، وأحد العشرة المبشرين بالجنّة: سعيد بن زيد، ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح، وأعلم الأمّة بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، وزاهد الأمّة: أبو الدرداء، وأحد النقباء: عبادة بن الصامت، وسيف الله المسلول: خالد بن الوليد، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفضل بن عباس، وأمير المؤمنين: معاوية بن أبي سفيان، وأبو أمامة الباهليّ صُدي بن عجلان… وغيرهم كثير.
ومن التابعين: يزيد بن الأسد الجُرَشي، وكعب الأحبار، وأبو مسلم الخولاني، والأوزاعي.
ودخل من العلماء من بعدهم: قارئ دمشق عبدالله بن عامر اليحصبي، والإمام الطبراني، والحافظ الحجّة ابن عساكر، والضياء المقدسي صاحب كتاب «المختارة»، والأسرة العلميَّة المباركة (بنو قدامة)، وعلى رأسهم الفقيه: موفق الدين صاحب «المغني»، وإمام مصطلح الحديث أبو عمرو ابن الصلاح، والنووي، والعَلم الإمام مفخرة أهل الشام وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وتلاميذه: المزي، والذهبي، وابن كثير، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبدالهادي.
ودخلها ابن جماعة، والبقاعي، والجزري، والسفاريني، وعبدالغني المقدسي، وجمال الدين القاسمي، وخاتمة المحدثين وإمام السلفيين شيخنا المحدث العلامة محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني -رحمه الله-.
روى الفَسَوي عن سليمان بن يسار قال: «لو نزل أخَوَان من حصن، فسكن أحدهما الشام، وسكن الآخر العراق، ثم لقيت الشامي، لوجدته يذكر الطاعة وأمر الطاعة والجهاد، ولو لقيت الآخر؛ لوجدته يسأل عن الشّبه؛ يقول: كيف شيء كذا وكذا -إلى آخره-؟!».
يقول الإمام الأوزاعي -رحمه الله-: فيها فائدة عظيمة، وهي حرص أهل الشام على الطاعة والجهاد، أما غيرهم فهم أصحاب شبه.
وقال: «كان الخلفاء بالشام إذا وقعت بليّة سألوا عنها علماء الشام وعلماء المدينة، وكانت أحاديث أهل العراق لا تجاوز جوار بيوتهم، فمتى كان علماء الشام يحملون عن خوارج أهل العراق؟!».
قلت: ولا يمكن أن نحمل عن الخوارج سواء أكانوا في العراق أو في غيره من الآفاق!

([96]) «الطبقات الكبرى» (9/388-442).


من تجميعي
جمال

shreeata 19 - 4 - 2011 12:43 AM

اعود هنا مرة اخرى
عزيزي لاشكرك على اكتمال الموضوع
سلمت
تحيات لك


الساعة الآن 10:56 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى