منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الشعر والأدب العالمي المترجم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=127)
-   -   من روائع الشعر العالمي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=49)

أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:31 AM

من روائع الشعر العالمي
 
أحمد عارف / Ahmad Aref

ثلاثٌ وثلاثون رصاصة

1
هذه الجبالُ، جبال "منغنية"، آناء بزوغ الشَّمس في "وان".
هذه الجبالُ، هي صغارُ "نمرود"، آناء مثولِ الشفق أمام "نمرود".
يحُّدها القفقاسُ أفقاً من إحدى جوانبها.
وجانبها الآخر، سجَّادة ملكِ العجم.
ذُراها، سُبحاتُ الجليد.
تطوف بمياهها قطعانُ الغزلان، وأسراب الحجل،
والحمام المرعوب، حائمة فوقها.
.
ها هنا، البسالة والشجاعة، لا يمكن إنكارهما.
منذ آلافِ السنين
وأبناء هذا المكان، يُقتلون في الحروب، واحداً تلو الآخر.
تعال؛ نبحثُ من أينَ نستقصي النبأ.
ما هذي بأسراب القبَّرات.
والسماءُ خاوية من حشودِ النجوم.
قلوبٌ مصابةٌ بثلاثٍ وثلاثينَ رصاصةٍ
غدت ثلاثةً وثلاثين نبعاً دماً متدفِّقاً
شكَّلت بحيراتٍ في هذه الجبال.
2
من تحت الأطلال والخراب، هرعَ أرنبٌ مرعوباً.
أرنبةٌ جبليَّة، ظهرها أشهب، بطنها ناصع البياض، مسكينةٌ، حبلى.
مسكينةٌ، قلبها في فمها، تجبرٌ الفؤاد من الشفقة عليها إلى التوبة.
وحيداً، كان الزمنُ سائراً على مهله.
كان فجراً غير مرتبك، كخيطٍ وجرابٍ واثق.
.
نظر حوله: وإذ به، من بين ثلاثةَ وثلاثين ظلاً
ثمَّةَ ظلٌّ، في بطنهِ خواءُ جوعٍ مُثقل.
ظلٌّ، طال شعره ولحاه شِبراً.
في إحدى ثدييه، قملٌ ناخر.
تأمَّلَ مِقداماً، مقيَّد اليدين، بقلبٍ ملتهبٍ كالجحيم.
تارةً، يرمق الأرنبة، وتارةُ يرمقُ خلفه.
.
تذكَّرَ بندقيتهُ المدلّلة، المكسورة الخاطر، المخبَّأة تحت مخدَّته.
تذكَّرَ مهرتهُ، التي أتى بها من سهل "حرَّان".
مهرته الشهباء، بجبهةٍ ناصعةٍ، مزدانةٍ بخرزةٍ زرقاء
سريعة، لعوب، راقصة، صكلاويَّة.
تذكَّرها، كيف كانت تصولُ طائرةً أمام "خوزاد".
.
الآن، هو مقيَّدٌ، لا حول له.
إنْ لم يكن خلفُه فوَّهة بندقيَّةٍ باردةٍ
كان بإمكانه أن يسند ظهره للأعالي.
هذي الجبال، حقَّاً كانت جبالاً مضيافة.
ما كانت الآلهةُ، بدايةً لتجعل كفّي الإنسان في حياء.
هذه الأيدي التي كانت تحترق برمادِ لفافة التبغ
كانت تطلقُ لغةَ ذرى، تتلألأ تحت أشعة الشمس
حين تصادف أوَّل بحيرة.
.
هذه الأعين، لم تصبح أبدا فريسة الفخاخ.
تلك الأعين، خبِرت قيامة الوديان المنتظرة الانهيارات الثلجيَّة
خبِرت سابقاً الخيانات اللينَّة والمثلجة.
لا مناص...
كان سيقتل، لا محاله.
القرارُ اتُّخِذ.
إذن، فليأكل نبَّاش القبور عينيه، وطائرُ الجيف قلبه.
3
قُتِلْتُ، آناء صلاةِ الفجر، في وادٍ سحيقٍ خاوٍ.
قُتِلتُ، ممرَّغاً بدمائي، ممدَّداً فيها.
.
قُتِلْتُ...
أحلامي، أكثر حلكةً من ليل دامس.
فليدوِّنِّ أحدكم حالي، قبل أن ألفظ أنفاسي.
لا أستطيع تدوين سيرتي في الكتب.
أحد الجنرالات الباشوات أوعز بقتلي، دون محاكمة، دون تحقيق.
يا من تربطني به قُربى...
دوِّن حالتي، تماماً، هكذا...
قد تشي الأقاويل فيما بعد
بأن هذه ليست نهود الورد، بل رصاص البنادق
المتشظِّي في فمي.
4
نفَّذوا قرار قتلي.
زُرقةُ ضبابِ الجبال، ونسيم الشفق، امتزج بدمي.
ثمَّ نصبوا بنادقهم في عناق.
رويداً، نظرواً خلفنا، قلَّبونا.
أخذوا حزاميَ الأحمر، الذي كان من قماش كرمنشاه
وسبحتي وعلبةَ تبغي، أخذوها ورحلوا.
كلُّها كانت مهداة إليَّ من بلاد العجم.
.
نحن أقرباء، أخوة، تجمعنا القرى والعشائر.
يجمعنا الدم.
مئات السنين مضت، ونحن نصاهر بعضنا البعض.
جيران متقابلون نحن.
حتَّى دجاجاتنا تختلط، ليس عبثاً وجهلاً وفقراً.
بات قلباً فاتراً من تذاكر السفر التي عليها أختام قتلتنا.
من الآن فصاعداً، سيذاعُ صيتنا بقاطعي الطرق،
والشجعان، والصعاليك، والخونة...
.
يا من تربطني به قُربى...
دوِّن حالتي، تماماً، هكذا...
قد تشي الأقاويل فيما بعد
بأن هذه ليست نهود الورد، بل رصاص البنادق
المتشظِّي في فمي.
5
اضربوا، هيا اضربوا أكثر...
فليسَ من السهلِ قتلي.
في ثنايا جسدي، رماد احتراقي.
وفي أحشائي، بضعُ كلماتٍ لأولي الألباب:
حين أدار أبي ناظريه صوب "روها"،
ألفى أشقاءَه الثلاث على أعواد المشانق.
ثلاثةُ جبالٍ، لم تهنأ بأعمارها.
من الأبراج، من الحدود، من المآذن
التأموا مع ذوي القربى، والعشائر وأبناء الجبال،
في حربٍ ضروس ضدَّ حصار الفرنسيين لهم.
.
خاليَ الصغير النحيل، كان شارباه قد خطَّا توَّاً
كان مقاتلاً، خاطفاً، وفارساً شجاعاً.
صائلاً بجواده، منادياً:
اضربوا يا أخوتي اضربوا
اليوم، لَهو يومُ الشرف الأعظم.
.
يا من تربطني به قُربى...
دوِّن حالتي، تماماً، هكذا...
قد تشي الأقاويل فيما بعد
بأن هذه ليست نهود الورد، بل رصاص البنادق
المتشظِّي في فمي.


أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:31 AM

أدريان كاسنيتز

خليج كولن

كان اليوم لا بأس به
1974- فورمديت
*
النظرة على البحر
الساحل الذي بلا حراك
الأمواج المتحجّرة
التجوّل في الجبال
حصر أصوات
الغارقين في الفضاءات
الصدى من الوهاد
الصدى الذي يعجّل علينا.


من في ستفالن المتجبّلة
في زمن ذوبان الثلج ماءٌ
بارد وصاف كما نداء
صوتك أردواز مأخوذ بالدوران
قبلة حيث يكون ممكنا مطبوعة على المعدن
عمود توتّر عال يجسّر الوادي
قاع بغير أيائل قصبيّة
تغنّي لي الغابةُ الوحدة
يذوب، يهطل ثانية الثلج، يذوب.
*


اللمعان (آذار) عند استيقاظي قرّرت ألاّ
أقبل بأيّ شيء البتة. لك تحيّتي
أيتها المسافة الواسعة أمام النافذة
التي تصل.
وضوء برامج ما قبل الظهيرة
إنّك تغزوني بأمراضك ومؤكّداتك.
بالطبع، هناك شيء ما فقط صغير
للغاية يبدو على الأفق
ولا يريد زيارتي. كن صديقي
يا لغط الجيران.
وحيدا في ليسبوس في الأسفل طلع القمر
وشحبت بنات أطلس؛
الليلة موزّعة بين الأصحاب
أمّا ساعاتي فلا؛
والسرير يهدأ بلا أيّ نفس.
*
بحسب سافو ( مقطع) لا نصطاد السمك، نتسكّع
قليلا بغير جدوى مثلما
سيقانك الرخوة، في التنّورة القصيرة جدّا.
لا نتبادل القبل، نلوذبالراحة.
أعددت أرغفة لنا
في علبة التوبر. آخ كم هنا جميل
تحت الصفصافات المعدودة.
نحن لسنا نحن، فقط صدفة
سوء حظّ، تبرير مفوّت الأوان.
تتكلّمين بالإشارات، وأنا
أومئ إلى البعيد. تجري الأسماك
هابطة نهر الرور.
بوهيميا على البحر في كرة الثلج المدينة
المدينة تحت الماء
الماء يتسرّب إلى الأقنية
الأقنية تحت الجسر
الجسر المهتزّ بقدّيسيه المتصدّعين
القدّيسون بلا رحمة
بلا رحمة مع الحيوان المطلق سراحه
الحيوانمن حديقة الحيوان
من حديقة حيوان التلفزيون الفارّة
فرار صغير في اتجاه هامبورغ
في اتجاه بحر الشمال والتنبؤ
التنبؤ بأنّ بوهيميا تقع على البحر
على بحر وفي كرة ثلج.
مصنع فورد الشماليّ لا ريح، لا هيراكليس
ليكنس القاعات، ليبعدالأبخرة
من الأجساد
ليضيّق على حرارة الماكنات.
رائحة العرق على مواضعالتلحيم
في القواعد وهياكل السيّارات
كأنّما يلعب مشهد فوق مرحاض
العاملات (في المجموعة: لا كلمة
تسمع): غناء أذرعة الروبوترات
سيلان خضاب الألوان،زعيق
عربات الشحن المنتظرة، قرقعة
السيّارات المصفوفة في الشمس، قبل نوبةالعمل.
*
الكلبة الأولى في الفضاء الضياع المفاجئ للجاذبيّة الأرضيّة
كرفسة في موضعالمعدة
وفي محيط الفم جريان عال للعاب
القيء الذي لا يمكنه أن يجري
علىالأرض
الأيّام الخمسة التي تبقى لك
لكي تحيّي برج الكلب الكبير
الشهقاتالخمس قبل أن يهمد
نفسك في السكون.
الرايشتاغ في المطر وتعويج على الميدان
حيث الماء المنادى منالماء
يقف في عمق ورشات البناء
ترتيب مفكّك لنقاط صفراء
تظهر في الرماديّ/ تكسّر
رماديّ جدار الطقس
أصحاب الخوذ الذين يتحرّكون
مرهقين في البيتون.
*
كان اليوم لا بأس به
كان اليوم لا بأس به. ليس هكذا سيئا
كان الدم منالأخبار. الصور انهالت
مثل الثلج
في غابة
أثناء الصقيع.
التسلّي كانكبيرا، أحاديث متميّزة.
البرلينيّون نادوا بهمّتهم
ورغبتهم في اختراع كلّشيء من جديد.
أهو حقيقيّ، ما نشاهده؟ تسألين
البريق المائل إلى الأزرق لورقالجدران.
دعنا نجدّده، اقترحتِ، بأقلّ خوف.
اليوم أعطيت موافقتي.


champs élysée
رجال الأعمال في ليموزيناتهم
باحثين عن مواضع صفّها بنظرة
متراخية من قبل آلات التركين الأتوماتيكيّة
يقظة الآلات التي في جوفها تنام القطع النقديّة
كالأطفال
قطع نوم نقديّة تنتظر الأمير من أميركا
ككلاب حزينةتنتظر الطباخ معذّبها.
مطاعم تلمع وترجع اللمعان.
نادلات في أفكار قصيرةللغاية
يأتين بالطعام ويمسحن البقايا.
في مؤشر الوقت
يبقى الزمن كسجين فيموقف باص.
الوصلة الأخيرة مقطوعة
وجانحان بحقائب ظهر عملاقة
كأنّما يجرّان الغرانيت.
كنّاس شوارع
بالمارسيليه على الشفاه المتورّمة
ذاهبا إلى بيته بعد كنس الأعداء.
*


أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:32 AM

آمنة زكري


ليلوز ياملكي .
من دون وداع
وتشابك وضم للايادي
صوب اي وطن ستتجه؟
ما عداي،
.
اية انامل وشفاه ستخبئك
تحت اردانها ؟
قل لي شيئا
لا تمش
في تلك المدن التي ليست
فيها ازقة
فانا واقفة بعيدة عنك ،
بقربك انا وبالرغم من ذلك
احلم بك انا
من دونك قامة محنية
في قاموسك
فالحياة طفلة حافية القدمين
دع القمرينير عتم الليل
وجنتي تكفيان لقبلاتك
فاقترب مني
و
وشدني الى صدرك
طفلة نشيطة
واجري بحثا عنك
ذلك اليوم الذي كنت تنوي
فيه الرحيل
كانت شفتاك ترتعشان
وعيناي تحدقان بك
في كل صوب
سيدي
قالوا....
بان عشقك يطلب قرابينا
سامحني..
ليس لدي شئ
افرشه تحت قدميك
غير هذا القلب !
لا تطلب رشوة أو قربانا
تجرع كاسا من القبلات
الا تتذكر ،
حين كانت ايادينا متشابكة
تتصبب عرقا..
ننفخ البالونات معا
ثم نفجرها...
ننثر الاوراق
كطفلين صغيرين ..
كنت تحب التزحلق
وانا كنت اهوى
عودة الزمان ..
كنت تعشق الشتائم
مع الاطفال الاشقياء
وان ترمي الحجارة ..
تكون حاكما ..
وامنيتاه!!
ان كانت حركاتك ، كلك ،لي
كم كنت اتمنى !!
ان اقدر ان اسرقك من نفسك
واجعلك مستقرا في جسدي ..
انسيت ..؟
كل الامسيات
حين كان اطفال القرية
يتراكضون ...
والازقة تمتليء بالضجيج !!
يا ملكي ..
الاعيبنا حزينة ..
فنحن شريكان
نذهب معا لنحتطب
وكل شئ في ظل روحي ،انت
وكل شئ في ظل روحك ،انا
حشرجة ترتطم بصدورنا
شفاهنا ترتعش !!
الخجل اخفانا ..
وابعدنا عن بعضنا
تهطل كتل الثلج
كم باردة نظرات
تحدق في النار،
اشم انفاسك ..
قد تقول ،
بان فاتنتي تهواني...!
انظر الي ..
هواك قيد فؤادي
انظر ..
فقطرات ندى العشق
تتساقط من زلف النساء
المنهدات
يا ملكي
اجعل من امسياتي
ليلوزا ...
رسائل تملأ حبا
ووعودا
وامانا و
عد لي .
النوازلفي وطن الظلال
لحظة من ذكراك
تفقدني الوعي...
امسك يدي
ففي خيالي
تكبر يوما بعد يوم
وانا اصغر.
ياروحي ...واسكر حين اشمك
فالصحراء هنا يعلوها الجفاف
لامطر ..
وطن بارد ، لا يشبع غربتنا
كل الاماسي..
توقظ اجراس السماء
كم اصلي للآله
ليحضن عشقك كياني
واتذوق ابتسامتك
كمجنونة .. في االاحلام البعيدة
كمجنونة …
في قرية عينيك استقر
واتنعم
فلا اقدر على نسيانك
واناملك ..
تكتسح كل زوايا عمري
فانا ملحمة مسجلة
ملآى بك
وكم اصلي لاجلك؟
وكم الون خيالي بخطى
مشينا الساكنة؟
لا...فلن ا قدر بعد
على الحلم
وصوت خرز مسبحة جدتي
احصيها ..
وانسج قصصا لنفسي
وارويها
امسك يدي
كي تمتلأ بي
وبالحب ايضا
ولنصنع لنفسينا قاربا
ونشد الرحال من وطن
الظلال ..
ونملأ خُفينا بالنجوم
ونمزج الالوان
ونسرق العشق ونخبئه
في جيوبنا .
الى ..الى
لنشدو الالحان والموسيقى
على اكتاف المطر
ونغفو ونختطف ( آردا )*
ونصنع له سريرا
على صدر ( آرشو) **
______________
*آردا ـ ملاك في الديانة الزرادشتية
آرشو ـ احد قادة دولة ماد**
*

أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:32 AM

ألفونس دي لامارتين / Alphonse de Lamartine


البحيرة

عندما كتب لامارتين "البحيرة"، كانت حبيبته جولي لا تزال على قيد الحياة، وإنّما أجبرها مرضها القاتل على ملازمة باريس. كان الشاعر إذًا وحيدا، في مكان لقائهما المفضّل، وكان مشهد "بحيرة البورجيه" يبعث في نفسه شعورا بالحنين، وكذلك صورا من ذكريات سعادته المهدّدة
*
هكذا، يُلقى بنا دوما نحو سواحل جديدة،
وفي الليل الأزليّ نُؤخذ بدون رجعة،
فهل بمقدورنا يوما، على سطح محيط الدهور
إلقاء المرساة ولو ليوم؟
.
ألا يا بحيرة! ها هو الحول قد دار
وعند الأمواج الحبيبة التيّ كانت من جديد ستراها،
أُنظري! ها أنا اليوم جئتُ وحيدا، لأجلس على تلك الصّخرة
الّتي طالما رأيتِها جالسة عليها!
.
كنتِ تهدرين هكذا تحت هذي الصخور الغائرة؛
هكذا كنتِ تتحطّمين على جُنوبها الممزّقة؛
هكذا كانت الريح تلقي بزبد أمواجك
على ساقيها المحبوبتين.
.
هل تذكرين ذات مساء؟ كان قاربنا يجري بصمت؛
ولم يكن يصلنا من هناك.. من بعيد.. فوق الموج وتحت السماوات،
غير صخب المجدّفين، وهم يضربون بإيقاع،
أمواجك المتناغمة
.
ومن الساحل المفتون، علت فجأة بالأصداء
نَبَرات، لا عهد للأرض بها
فأنصت الموج، ومن الصوت الحبيب
تناثرت الكلمات:
.
أيا دهر، رويدك! وأنتنّ، أيّتها الساعات الخليلة
قفن!
لكي ننعم بأجمل أيّامنا
والنّعيم محكوم دوما بالزّوال!
.
كم من البؤساء في هذي الأرض يستجدونك
أطلق عنانك من أجلهم؛
خذ مع أيّامهم مآسيهم التي باتت تنهشهم؛
وانسَ السعداء
.
لكن، عبثا أسأل، من الوقت المزيد
يفلت الزمن منّي.. يفرّ؛
أقول لهذه اللّيلة: "تمهّلي!"؛ والفجر
سوف يبدّد الدّجى.
.
فلنعشق إذًا! فلنعشق! وبالسّاعة الهاربة،
هيّا بنا ننعم!
ليس للإنسان مرفأ، ولا للزّمان ساحل؛
فعجلة الزمان تدور ونحن نمضي!
.
ألا أيّها الدهر الحاسد، هل لساعات النشوة،
عندما يسقينا الحب السعادةَ بدون حساب،
أن تَطيرَ بعيدا عنّا، بسرعةِ
أيّام الشّقاء؟
.
ماذا! ألن يكون بمقدورنا أن نستبقي منها الأثر؟
ماذا! ولّت إلى الأبد؟ ماذا! ضاعت كلّ تلك السّاعات؟
هذا الدهر الّذي أوجدها، هذا الدّهر الّذي يمحيها،
أفَلن يعيدها لنا من جديد؟
.
أيّها الأزل، أيّها العدم، أيّها الماضي، أيّتها اللّجج السّحيقة،
ماذا ستفعلون بالأيّام التي قد ابتلعتُم؟
تكلّموا! هل ستعيدون لنا تلك النّشَوَات الكبرى
الّتي قد خطفتم؟
.
أيتها البحيرة! أيّتها الصّخور الصمّاء! أيّتها الكهوف! أيّتها الغابات الحالكات!
أنتنّ يا من يرعاكنّ الزمان.. بل قد يبعث فيكنّ الشباب،
احفظن من هذي اللّيلة.. احفظي أيّتها الطبيعة الغنّاء،
على الأقلّ، الذكرى!
.
لِتكن في سكونكِ، لِتكن في عواصفكِ،
أيّتها البحيرة الجميلة! وفي منظر تلاّتك الضاحكات،
وفي صنوبركِ الدَّجِيّ، وفي صخورك المتوحّشات،
المعلّقات فوق مياهك!
.
لتكن في هبّات نسماتك المرتعشة،
في لغط ضفافكِ وهي تردّده بالأصداء،
في ذاك النّجم، الفضيّ جبينه، ينشر ضياءه على سطحك
بلألئه الرّخو!
.
ولتقلِ الريح المتأوّهة، وليقل القصب المتنهّد،
وليقل شذى أريجكِ،
وليقل كلّ ما نسمع، وكلّ ما نرى، وكلّ ما نتنفّس،
ليقل كلّ الوجود: " لقد أحبّا!"
*
ترجمة سعيد محمد الجندوبي
**
ترجمة أخرى:
**
"عندما كان الشاعر الفرنسي الرومانسي لامرتين يستجمُّ في بحيرة (بورجيه) المعروفة بمياهها المعدنية خارج باريس لمعالجة مرض ألـمَّ به عام 1816، تعرف على فتاة جميلة اسمها جولييت جاءت للغرض ذاته، فكانت علاقة بينهما. وبعد انتهاء مدة الاستجمام، ذهب كُـلُّ منهما إل
***
وهكذا في عباب البحر قد مَخرتْ
بنا السفينة نأيـاً عـنْ مراسيهـا
في ظلمـةٍ طوّقتـنا غيرِ زائـلـةٍ
فلا صباحٌ يُـرَجّـى من حـواشيها
يجري بها البحر قُدْمـاً لا رجوعَ لها
ولا استراحةَ يوم راح يُسديهـا
تمرّ حيرى بشُطآنٍ بلا عدد
لكنهّا لا ترى مرفـا فيُـؤويهـا
***
أيا بحيـرةُ هلاّ تنظرين إلى
عـَوْدي وحيـداً وذكرى منْ لياليها
من بعد عام مضى قد عُدتُ ثانية
أعلـّل النفسَ لا شيءٌ يُسلّيـهـا
كانت على الصَّخرة الصّماء جالسةً
والموج يرقص مختـالاً حوالِِـيها
ويقذف الرّغوةَ النّعسى على قَدمَـيْ
جوليـا حُـنُـوّاً فتشدو في أغانيها
والآنَ أجلس وحدي فوق صخرتها
والنفسُ في شَجنٍ مَنْ ذا يواسيهـا ؟
***
تذكـّري ليلة والأنسُ يغمـرُنا
ولا نرى غيرَ دنيا الحبِّ نَرويهـا
جرى بنا القاربُ السّهمان في مرح
تحت السّماء وفوق الماء ساريـها
وكلّ ما حولَـنا صمتُ ولا صَخَبٌ
إلاّ المجـاديفَ تشدو في مساعيـها
لكنّ صـوتاً له سحـرٌ وهيمـنـة
أصغتْ له النفسُ فانزاحتْ غـواشيـها:
***
يا أرضُ رفقاً بنـا لا تُسرِعي أبداً
وطَـوِّلـي ليلـةً رقَّتْ معـانـيها
وأنتِ، أيتها الساعات، لا تَـثِـبـي
دعي الصّبابةَ ترعى مـَنْ يُـداريـهـا
وخلـيانا نعُـبُّ الحبَّ في رغَـدٍ
وأسرعا معْ كئيب النفس داميـهـا
وقصِّـرا ليلـةً طالت على نَـكِـدٍ
مُسهَّـدٍ راح بالأشجان يقضيـهـا
***
لم يسمعِ الدهرُ صوتَ الحبِّ عن عَـمَدٍ
إذ يكره الحبَّ والأزهـارُ يُـذويـها
فالصّبح قد هَـتَـكَ الليلَ البهـيَّ بلا
عطفٍ ففـارقتْ الأفـراحُ راعيـها
بحرُ الزمان ضنينٌ كلـّه ضِغَنٌ
يمزّق العمـرَ والأيـّامُ يَطـويـها
***
إنَّ الزمان ليجري في تدفّـقِـهِ
وإنَّ أمـواجَـه لا رحمةٌ فيـها
فلنغتنمْ فرصةً عَـنّتْ على عجـلٍ
من لم يُبادرْ إليـها ليس يَجنيـها
و لـنُـتْـرعِ الكأسَ أفراحاً مُشَعشِعةً
فإنَّ جذوتَـنا الأقدارُ تُـطفيـهـا
فليس للمرء مرفا يستجيرُ بهِ
وليس للنـفس شُطآنٌ فتَحميـهـا
تجري بنا لُججُ الأهـوال مُسرعـةً
نحو النهـاية لا شيءٌ سيَـثنـيها
***
فيا بحيرةُ يا مـا ليلـةٌ شهدتْ
حبّاً تقضّى سريعـاً في دياجيـها
ويا صخوراً على الشاطي تداعبها الـ
أمواجُ في جذلٍ والماءُ يُـرويهـا
وأنتِ يا غابةً سوداءَ مظلمـةً
تُجدّد العمرَ دوماً في مـراعيـها
لكم خلودٌ فلا دهـرٌ يُحطِّمُـكمْ
ولا الرياحُ أو النَّسْماتُ يُـفـنيـهـا
تذكَّروا اثنين عاشا في ربوعِكمُ
تساقيا الحب صَفـواً في أعـاليـهـا


خــريـف

تحيّـاتٌ ، أيتها الغاباتُ المكسوّةُ بالأخضر المستديم !
الأوراقِ المُصفَـرّةِ على العشب المتنـاثر !
تحيّـاتٌ ، أيتها الأيام الأخيرة الرائعة ! حِدادُ الطبيعة
يُـثيـرُ ألمي ويُمَتِّـعُ عينـيَّ .
أسير بخطواتٍ حالمة في طريق مهجـور ،
وأريد أن أرى ثانية ، ولآخـرِ مرةٍ ،
هذه الشمسَ المتضائـلةَ والشّاحـبةَ والتي لا ينفـذ
نورُها الواهنُ إلى ظلام الغابات عند قدمي إلاّ بجهد!
.
أجلْ، في أيام الخريف هذه ، عندما تموت الطّبيعة ،
أجد إغراءً عظيماً في نظراتها المتستِّرة ،
وَداعَ صديق ، والبسمةَ الأخيرة
من الشِّفاه التي سيغلقها الموتُ إلى الأبد .
.
هكذا أتهـيّأ لأغادر أمدَ عمري ،
أندب الأملَ المُحتضَر لأيامي الطَّوال ،
وأنظر إلى الوراء مرة أخرى ، وبأعين حاسدة
أفكر مَـليّـاً بعطاياها التي لم أنعُـمْ بها قطّ.
.
يا أرضُ ، يا شمسُ ، يا وديانُ ، ويا طبيعةً رائعةً جميلة ،
أنا مدين لكم بدموع على حافّـة قـبري ؛
يُشَمُّ الهواء عذباً ! الضياءُ جِـدُّ نقـيٍّ !
والشمسُ جميلة للمُحتضَـر !
.
الآن أريد أن أشربَ حتى آخـرَ قطرةٍ
من كأس الزَّهرة التي تمزج الرّحيق بالصّفراء!
عند قعر كأس الحياة التي شربتُ
ربما تكون ثمة قطرة من عسل رائق.
.
ربما يدّخر لي المستقبل في مستودعه
قبضةً من سعادة ، أملاً بائساً ؟
ربما تكون بين الحشد روح أُهملتْ
تتفهّم روحي فتتجاوب معـها ؟
.
تسقط الزَّهـرةُ فتمنحُ الريحَ عِطرَها ،
إلى الحياة ، إلى الشّمس ناطقةً وداعَـها الأخيـر؛
سأموت ؛ وروحي في لحظة انتهـائهـا
ستعطي صوتَ حِدادٍ هادئاً وقَـرعَ ناقوسِ موتٍ شجيّاً .
*
ترجمة : د. بهجت عباس
**
ترجمة أخرى:
**
سلاماً...
لغابةٍ يُكلِّلُها وميضُ الاخضرار
لشحوبِ الأوراقِ على عشبٍ تبعثَر..
سلاماً...
لأيامٍ جميلةٍ آخر الحياة،
للطبيعة التي أحبها
حتى في الحَدادِ..
خطوةٌ حلمٍ...
أُصبحُ بعدها معبراً وحيداً..
وللمرةُ الأخيرةُ!..
أحبُّ رؤية الشمس الشاحبة
ضياءها الناحل
وهو يكشفُ عتمة الغابة بصعوبة..
ثمة أكثر من فتنة...
في احتضار الطبيعة أيام الخريف؛
ربما وداع صديق
أو ابتسامة أخيرة من شفاهٍ
لابدَّ يُغلِقُها الموتُ للأبد...
كذلك.. أهيِّئُني لمغادرة عشب الحياة
طويلاً أبكي الأملَ ـ الوهم...
وكثيراً ..
أرغبُ تأمُّلَ الأشياءِ الجميلة التي
فاتني أن أستمتع بها؛
أرضٌ.. شمسٌ.. وأودية
إنها الجميلة الناعمة...
ودمعةٌ على ضفة موتي!..
فالأكثر من عطرٍ هو الهواءُ
الأكثر من نقاء هو الضياءُ
والأكثر من جمال هي الشمس
لكنه الوداع الأخير...
سأحتملُ حتى النهاية...
سأجرعُ حتى الثمالة
هذي الكأسُ الممزوجة بالرحيق والألم
ربَّ قطرة من العسل
في قعرِ تلك الحياة...
قد يُبقيني الغد فأعود للسعادة
حيث الأمل الذي ضيَّعَتْه الأيام
حيث روح أجهلها وسط الزحام...
والزهرةُ.. حين تودع الحياة والشمس
يمتزجُ عطرها بالنسيم العليل...
أما أنا..
ففي لحظة الاحتضار
روحي كما النغمُ الحزينُ الرخيم...
*
القصيدة (23) / مجموعة (تأملات شعرية) لامارتين 1819
Les grands auteurs du XIX e siecle
**
Lamartine
Autumn
*
Greetings, forests crowned with remaining green!
Yellowing foliage on the sparse grass!
Greetings, last gorgeous days! nature's mourning
Evokes my pain and gratifies my eyes!
I walk the lonely path in dreamy steps,
And want to see again, for the last time,
This waning sun and pale whose feeble light
Barely pierces the woods' dark at my feet!
Yes, in these autumn days when nature dies,
In her veiled looks I find a great allure,
A friend's farewell, and the very last smile
From the lips that death will forever close!
Thus ready to leave the span of my life,
I mourn of my long days the dying hope,
And look back once more and with envious eyes
I mull over its blessings ne'er enjoyed!
Earth, sun, valleys, and fair and sweet nature,
I owe you tears at the edge of my tomb;
The air smells so sweet! The light is so pure!
To the dying the sun is beautiful!
Now I want to drink until the last drop
This chalice that mixes nectar and bile!
At the bottom of life's cup that I drank,
Perhaps there was a drop of honey mild?
The future may well hold for me in store
A return of happiness, forlorn hope?
Perhaps among the crowd one soul ignored
Would understand my soul and would respond?
The flower falls and yields its perfume to the wind,
To life, and to the sun, saying its last farewell;
I'll die; and my soul at the moment it expires
Will sound a quite mournful and melodious death knell.



أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:32 AM

أمير حمزة

الغريق

إني أرحلُ , يا عاشقتي
يحملني التيّارُ بعيداً
أفلتُ من يدكِ
صحراءُ الصمتِ تحاصرني!
تبتعد
عنيّ أصواتُ العشق
تسكت هذي الريح.
لا ريح في الأفق تبرد قلبي ،
لا ماء
يطفئ عطشي
عطشي في حبك
يا عاشقتي
إني أتوق إلى همساتكِ
سوف
يقتلني صمتكِ
يا عاشقتي
والسموات
كخيوط العنكبِ تمسكني
وتغطيني
إني أغرق
أغرق في الغسق
مازال الماء
إلى الأعماقِ
يدفعني
ترفضني الأرضُ
فأنا الميت ، يا عاشقتي ،
إني أنا الميت.
قصرُ الرحمة
لا تحزني ، حبيبتي
لن نلتقي في هذه الحياة
ولن تكون هذه الحياة بيتنا إلى الأبد
دعي الظنون
تعلوا إلى السماء.
لا تسمعي في الصمتِ وشوشاتهم
تمهلي،
تبصري
وليتواضع القلبُ أمام العقل.
في البدء لم يكن ثمة شي،
ثم كنتُ في رحمته
سوف يكون الزمانُ زماننا
ونري السعادة تتحرك فوق صفحةِ المياه:
سوف نقطف الفاكهة معاً،
ونجمع الحصاد فوق أرضِنا.
وتذبل السخرية
وسوف تبتسم السعادة.
عندها ، ولأول مرة،
سوف نكون معاً
نقرأ معاً
الحروف التي يكتبها اللؤلؤ
عند بوابة قصر الرحمة.


قصرُ الرحمة

لا تحزني ، حبيبتي
لن نلتقي في هذه الحياة
ولن تكون هذه الحياة بيتنا إلى الأبد
دعي الظنون
تعلوا إلى السماء.
.
لا تسمعي في الصمتِ وشوشاتهم
تمهلي،
تبصري
وليتواضع القلبُ أمام العقل.
.
في البدء لم يكن ثمة شي،
ثم كنتُ في رحمته
سوف يكون الزمانُ زماننا
ونري السعادة تتحرك فوق صفحةِ المياه:
سوف نقطف الفاكهة معاً،
ونجمع الحصاد فوق أرضِنا.
وتذبل السخرية
وسوف تبتسم السعادة.
.
عندها ، ولأول مرة،
سوف نكون معاً
نقرأ معاً
الحروف التي يكتبها اللؤلؤ
عند بوابة قصر الرحمة.



أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:33 AM

إدغار آلان بو / Edgar Allan Poe


الـغُــراب ذاتَ مرّةٍ في منتصفِ ليل موحش، بينما كنتُ أتأمّل، ضعيفٌ و قلِق،
وفوق كتلٍ عديدة من غرابةِ و فضولِ المعرفةِ المَنْسية.
بينما كنتُ أومئ، بالكاد أغفو،
فجأةً هُناك جاءَ دَقّ،
وكأنّه شخصٌ يرقّ،
على باب حجرتي يطُقّ،
"إنّه زائرٌ ما!" تأفّفتُ، "يدقُّ بابَ حجرتي؛
هذا فقط، و لاغيرَه معي."
آه، بوضوح تذكّرتُ، أنّه كان في ديسمبر القابِض،
و أنّ كلّ جذوةٍ مفصولةٍ ميّتةٍ شكّلت شبحاً لها على الأرض.
بلهفةٍ تمنيّتُ الغَدْ، عبثاً التمستُ لأنْشُدْ
من كُتُبي ينتهي الأسى، أسى لينور التائه،
للبتول المُتألّقة النّادرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور،
بلا اسمٍ هُنا ويدور.
و الحُزنُ الحريريّ بحفيفٍ غير مُحدّدٍ لكلِّ سِتار ارجوانيّ
روّعني
ملأني بمخاوفَ رائعةٍ لم أحُسّها من قبلِ؛
و هَكذا الآن، حتّى بقاء خفَقان قَلبي، أتكبّدُ التّكرار،
"ثمّةَ زائرٌ يستجدي دخولاً عندَ باب حجرتي،
ثمّةَ زائرٌ مُتأخّر يستجدي دخولاً عندَ باب حجرتي،
هذا فقط، ولا غيرهُ معي."
حالياً روحي تَتَرعرع أقوى ،متردّدٌ إذن لن يبقى،
"سيّد،" قلتُ، أو "سيّدة، إنّما مغفرتُكَ أناشِد،
ولكنّ الحقيقة أنّني، كُنتُ غافياً أرمُقْ، وبرقّةٍ جئتَ أنتَ تطرُقْ.
و بخفوتٍ جئتَ أنتَ تدُقّ، تدُقّ عندَ باب حجرتي.
إنّني بالكاد كنتُ واثقاًً إنني سمعتُك."هُنا فتحتُ باتّساع بابَ حُجرتي؛-
ظلامٌ هُناك، و لاغيره معي.
عميقاً في تحديقةِ الظلام، طويلاً وقفتُ هُناك،
أتساءلُ ، أتخوّف
أتوجّس ،أتحلّمُ أحلاماً لم يجرؤ هالكٌ على حُلمها مِن قَبل أبدا.
لكنّ الصّمت لايقبلُ انكسارة، والسّكَنُ لا يُعطي اشارة،
و إنّما الكلمةُ الوحيدةُ المُثارة، كانت،
كلمةُ " لينور " الهامِسة!
هكَذا أهمُسُ، و الصّدى يتُمتمُ بعدي،
كلمةُ " لينور!"
هكذا فحسْب، ولا غيرهُ معي.
عدتُ الى حجرتي تتقلّب، و كلُّ الرّوحُ بداخلي تتحرّق،
مرّةً أخرى و بسرعةٍ سمعتُ دقّاً، شيءٌ أقوى منه قَبْل
"بالتّأكيد، " قلتُ، "بالتّأكيد ذاكَ شيء عندَ شَبْك نافِذتي.
دعني أرى، عندها ماذا سيكون هذا المُخيف، وهذا الطلْسمُ ينفضح
دع قلبي هادئاً للحظة، و هذا الطّلسمُ ينفضِح"
انّها الرّيح، ولا غيرها معي.
إفْتَحْ هُنا و دفَعتُ الدّرفة، عندها، و بكثير من التغنّج و الرّعشة
الى الداخل خَطا غُرابٌ جليل من الأيام التقيّة الغابرة.
من دون أقلّ احترام يفعله، و لا لوهْلةٍ تمنعهُ أو تُمهله؛
لكِن بشموخ الأمير أو السّيدة، جثَمَ فوق باب حجرتي
جَثَمَ على تمثالي بالاس، تماماً فوق باب حُجرتي
جثَمَ، و جَلَس، و لا غيرهُ معي.
إذ ذاكَ الطيرُ البَهيم يُحيلُ وهمي البائس الى ابتسام،
بأدبٍ عابس رصين لمَلامح تتلبّس،
"و إن يكُن عُرفُك مجزوز حلّيق.. وإن يكُن"
قلتُ "الفنُّ أبداً ليس جبان،
يا هذا الغرابُ الشبحيّ الصارم السّحيق،
تتسكّعُ من شاطئ الليل،
أخبرني ما اسمُ جلالتكُم هُناك في شاطئ الليل البلوتوني[1] "!
كرَعَ الغُراب "أبداً ، ليس بعد ذلك".
عجبتُ بهذا الطيْر الأخرق كيف أنّه يستمعُ لهذا الحديث بلباقة،
مع ذلك يكونُ جوابه يفتقدُ مَعنى، يفتقدُ أدنى صِلة؛
و هكذا لا يمكنُ ان نتّفق بعدم وجود كائن انساني على قيد الحياة
بُورَك بمجرّد رؤية طائر فوق باب حجرته
طائرٌ أو بهيمة على التمثال المَنحوت فوق باب حجرته،
و باسم مثل هذا "أبداً، ليس بعد ذلك".
لكنّما الغراب يجلسُ وحيداً على التمثال الهادئ،
لا يلفُظ إلا بتلك الكلمةِ الوحيدة،
لكأنّ روحهُ في تلك الكلمة التي يهذي،
لا شيء بعد ذلك لفَظْ،
و لا حتّى ريشة تنتفِضْ،
وهكذا إلى أنني بالكاد تمتمتُ
" أصدقاءٌ آخرون طاروا من قَبْل
و في الغدِ سيتركني،
مثل أمالي التي تركتني من قَبْل"
حينَها قال الطيْر "أبداً ، ليس بعد ذلك".
أفزعُ عند ذلك السّكون المقطوعِ بتلك الإجابة الرّصينة،
"من دونِ شكّ"، قلتُ،
"ما يُبديه هو المُدّخَر و البقيّة الباقية،
حصلَ عليها من سيّد تعيس
ظلّ يطاردهُ بسرعة و يطاردهُ سريعاً إعصارٌ غير رحوم
و هكَذا حتى أغنياته ظلّت تلازمهُ ضجراً
حتّى مراثي أمله ظلّت تلازمهُ سوداوية و ضجراً
بــ’أبداً.. أبداً، ليس بعد ذلك ’".
لكنّ الغرابُ مايزالُ يُحيلُ روحي الحزينة الى ابتسامة،
سُرعان ما اتخذتُ مقعداً وثيراً أمام طيْر ،و تمثالٍ و باب،
عندَها، و بغرقٍ مخمليّ، ذهبتُ بنفسي لأختَلي
رؤياً بعد رؤيا ، أتخيّلُ ما هذا الطّائرُ المشؤوم الأخير!
ما هذا الطائرالعابس الأخرق، الرّهيب، الهزيل، و المشؤوم الأخير
الذي يقصدُ بالنّقيق "أبداً، ليس بعد ذلك".
هذا أجلسَني فأختلجَ فِيّ التّفكير، لكن بلا كلمة أو تعبير
إلى الطائر الذي احترقَت عيناه المُشتعلتين الآن في صميم قلبي؛
هذا و المَزيد فجلستُ أُخمّن، و رأسي في رغَدٍ يُطمئِن
على مخملٍ يُبطّن وسادةً، ذلكَ الذي ينسّابُ عليه ضوءُ المصباح
لكِن لمَن بنفسجُ المخمل يبطَّن فيَنسابُ معهُ ضوءُ المِصباح،
لسوفَ ينضغطُ، آه، أبداً، ليس بعد ذلك.
عندَها، فكّرت، الهواءُ يزدادُ كثافة،
مُعطرٌ من مبخرة في الخفاوة،
مأرجَحٌ من قبل سيرافيم[2]
التي رنَّ وقْعُ قدمِها على الأرض المُظفّرة.
"صعلوكٌ،" أنتحِبُ، " الله أعاركَ هذا
بهذه الملائكة منحَ الراحة
راحةٌ و شرابُ سلوان لذكريات لينور،
تجرّع، آه تجرّع هذا الشراب اللطيف
و انسى تلكَ المفقودة لينور"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"نبيّ!" قلتُ،
" شيءٌ خسيس،و نبيّ حبيس،
يكونُ طائراً أو إبليس!
هل كانت عاصفةً أرسلتكَ،
أم كانت عاصفةً قذَفت بك هنا الى الشاطئ!
مهجورٌ لكنك دائماً تُقدِم،
في هذهِ التربة المُقفرة تُفتن،
في هذا البيْت بالترويع تسكُن
اخبرني بصدقٍ، انني أتضرّّع
هل ثمّةَ .. هل ثمّة من بَيلسان في ارض الميعاد![3]
أخبرني..أخبرني، انّني اتضرّع"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"نبيّ!" قلتُ، " شيءٌ خسيس! و نبيّ حبيس،
يكونُ طائراً أو إبليس!
بحقّ الجنّةِ التي تنحني من فوقِنا
بحقّ ذاك الإله الذي يحبّه كلانا
أخبر هذه الروح التي بوجعها تحتمِل هل من نعيم مُحتمَل!
هل سيكونُ لها أن تعانقَ البتولَ الطاهرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور.
تعانق البتول النادرة المُتألّقة النّادرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور".
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"كُن تلك الكلمة إيذانُ فراقنا، أيّها الطائر أم الشيطان!"
زعقتُ، مُتهيّجاً "فلتعُد حيثُ العاصفة أو شاطئ الليل البلوتوني!
لا تترُك و لا ريشةٍ سوداء كتذكار لتلك الكذبة التي لفظتها مُهجتي!
أتركني فلا تكسر وحدتي!
غادِر التمثال فوق بابي!
ولتنزع المنقار خارج قلبي، و تنزع الهيكل بعيداً عن بابي"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
و الغُراب، فلاينتقِل، يبقى يستقرّ،
يبقى يستقرّ،
على تمثال بالاس الشاحِب تماماً فوق باب حجرتي؛
و عيناهُ تتهيّء كشيطانٍ يتطيّر،
و ضوء المَصباح فيهِ يتدفّق
ليُلقي بظلٍّ له على الأرضية
و روحي من خارج ذاكَ الظلّ الذي يمتدّ مُرفرفاً على الأرضية
فلا يبقى إلا!
أبداً، ليس بعد ذلك.
*

أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:33 AM

حلم في حلم

خذي هذه القبلة على جبينك
ولأننا سنفترق
دعيني اعترف لك بهذا
لا لم تخطيء حين اعتقدت
ان ايامي كانت حلما
اذ كان تواري الامل
في نهار او ليل
اكان رؤيا او حلما
لا فرق فقد مضى
كل ما نحن كل ما نرى
الكل ليس الا حلما في حلم
اظل وسط مكاسر الموج
على ساحل معذب
حبات رمل ذهبي في يدي
اه كم هي قليلة! وكيف تنزلق
عبر اصابعي في الهاوية
حين ابكي ابكي
اما بوسعي يا الهي ان اشد عليها
شدة اقل ريبة؟
اما بوسعي يا الهي ان انجو بأحداها
بواحدة فقط من الموج العديم الشفقة
اكل ما نحن كل ما نرى
لا شيء غير حلم في حلم؟


أرب جمـال 30 - 10 - 2009 04:33 AM

أشباح الموتى

روحك سوف تلقى نفسها وحيدةـ
وحيدة من كلّ ما على الأرضـ مجهولة
العلّةـ لكن لا أحد قريب ليحدّق
نحو تكتّم ساعتك.
كن ساكنا في تلك الوحدة،
التي ما هي وحشةـ آنذاك
أشباح الموتى، الذين قاموا
في الحياة أمامك، هم مرّة أخرى
في الموت حولك، و إرادتهم
سوف تظلّك؛ كن هادئا:
لأجل اللّيل، الجليّ الذي برغم ذلك، سيتجهّم؛
و النجوم سوف لن ترى أرضا
من عروشها، في الملأ الأعلى المعتم،
مع نور مثل أمل للفاني مُعطى،
لكن أفلاكهم الحمراء، بدون شعاع،
نحو قلبك الآفل سوف تلوح
مثل تحرّق و حمّى
قد تتشبّث بك إلى الأبد.
لكن ستهجرك مثل كل نجم
في ضوء الصّباح بعيدا
سوف تحلّق بكـ و تحتجب:
لكن فكرته لن تستطيع إبعادها.
سوف يكون هادئا؛
و الرّكام فوق الأكمة
من نسيم ذلك الصّيف غير المنقطع
سوف لا بُدّ أن يسحركـ كعلامة،
و الرّمز الذي لا بُدّ سيكون
تكتّما فيك.

B-happy 28 - 7 - 2011 05:57 PM

سلمت يمناك على روعة ما امتعتنا بهِ

يعطيك الصحة والعافيه


لك.. أرق تحياتي العطره

هارب من البيت 29 - 7 - 2011 01:38 PM

شكرا لك على موضوعك الرائع

طرح موفق

تقديري واحترامي


الساعة الآن 12:31 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى