منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   ثامن الأنهار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16467)

روح., 30 - 5 - 2011 01:36 AM

ثامن الأنهار
 
ثامن الأنهار

عندما كانت صغيرة كانت أمها تحمل وتلد كثيراً... وفي كل مرة كانت تأتي بأطفال ضعاف الأجسام. القابلة (الداية كما كانوا يقولون) كانت تقول لأمها:‏
ـ لا تلطمي وتولولي إذا مات الولد فسوف يعوضك الله عنه... أرض خصبة وبذرة طيبة.‏
وفي كل مرة لم يكن الولد يموت بل يغدو صحيحاً معافى يملأ صراخه وزعيقه الحارة الضيقة التي بها يعيشون. لا يلبث أن يدرج مع الأولاد الآخرين حيث يدرجون. يلعب كالعفريت ويتشاجر مع الصبيان. ويرتكب كل ما يرتكبه الأشقياء مما يطير له عقل الأم المسكينة فتندب حظها وتزداد قناعة بأنها تعيسة فهؤلاء الصبيان لا يساعدونها في شيء. لم لا يساعدون أنفسهم فقط فيرفعوا همهم ومسؤوليتهم عنها؟‏
وحدها كانت البنت بين الصبيان. أبدا حزينة وتحمل على كتفيها النحيلين هموم الدنيا. صوت أمها دائماً في أذنيها:‏
ـ كوثر... تعالي يا كوثر.... ارفعي أخاك يا كوثر.... نظفي هذا يا كوثر... أطعمي الثاني يا كوثر... لا نسي أن تسحبي الغطاء فوق أخوتك النائمين يا كوثر.‏
مطاليب أمها لا تنتهي. قدماها عاجزتان عن تلبيتها كلها. أمها لا تتحرك من فراشها أربعين يوماً كلما وضعت مولوداً وهي المسؤولة الوحيدة عن كل شؤون البيت العتيق. أبوها لا يعرف شيئاً... دائماً شارد وذاهل ويقولون إنه أضاع رشده يوم هجم الثوار على المستعمرين. في جيبه دائماً علبة (السعوط) وأمامه إبريق الشاي وإلى جانبه كتب صفراء مهترئة وسجادة يصلي عليها. لقد تساءلت كثيراً: ما فائدته إذن لهم؟ ثم أدركت أنه أب للأولاد وكفى. أسقطته من حسابها منذ أن وعت حياتها وظلت مع ذلك تحبه وتعطف عليه ولا تفارقها صورته الجامدة كلما حاولت أن تنام. أكثر ما يتعبها عندما تلد أمها نقل الماء من النهر إلى البيت.‏
كان عليها أن تنزل من فتحة عتمة وراء المنزل فتهبط درجات محطمة واحدة بعد أخرى وهي تحذر أن تنزلق قدمها بسبب الحشائش اللزجة التي نمت على الأطراف.. وهكذا حتى تصل إلى عالم سحري عجيب هو عالم النهر الذي يجري تحت البيوت. هناك كانت تنس خوفها وحزنها وكل شيء. تقف إلى جانب المياه العجيبة التي تتلون كل مرة بلون... وتتحدث كل مرة بصوت. أحياناً كانت ترى المياه بيضاء بلون الحليب... حتى لتكاد تلقي برأسها وترضع كما تشاء ولتلقم أمها ثديها الجاف لكل الأطفال الذين تلدهم مرة بعد مرة. أحياناً كانت المياه تبدو حمراء حمراء وإذ ذاك تلمح جموع الطلاب الذين يرمون بالحجارة الأجانب المستعمرين وترى قمصانهم الممزقة معلقة على الجدران السوداء وقد تلطخت بالدم. قليلاً ما رأت النهر أخضر... كانت ترتاح للون الأخضر... تحس أن يداً خفية تحملها معه إلى البساتين والسهول تلعب بين الحشائش وتأكل من الثمار حتى تشبع. أكثر ما كانت ترى النهر بلا لون... هكذا... مرآة مختفية تحت الأرض. تقف أمامه وتنظر إلى وجهها في صفحته وينزلق شعرها من فوق كتفيها حتى يصل إليه وتسقط من عيونها دموع لا تدري لها سبباً. وتتنهد... تضحك . تنظر إلى وجهها في النهر. تضطرب الصورة فوق ا لماء ثم تغيب. تعود إلى السطل النحاسي الكبير الذي يقصم ظهرها فتملؤه وترجع ويدها تكاد تخلع من الكتف بعد أن امتلأ حتى الشفة. كانت تستطيع أن تغمض عينيها فلا ترى النهر ولا صورتها فيه بل تملأ سطلها بسرعة وتعود. ولكن.... كيف تتخلص من الأصوات العجيبة الغريبة: أصوات تحاصرها... تسد عليها المنافذ... تملأ أذنيها... تتحول أحياناً إلى هدير قوي يصمها وأحياناً إلى زئير أو نباح أو فحيح أفاع. نادراً ما كانت تسمع أصواتاً حنوناً. مرات معدودة تلك التي تحول فيها صوت الماء إلى زقزقة عصافير وضحكات أطفال وموسيقى. ومرة واحدة سمعت صوتاً عميقاً يناديها:‏
ـ كوثر.... كوثر... تعالي أضمك. أنا أبوك. لي أولاد سبعة هم أخوتك. ألا ترينهم؟‏
ونظرت بذهول... وكادت تراهم. سبعة من الجن مختفين تحت الأرض كل منهم بصورة.. وكل منهم بشكل ولسان... بيوتهم سرية لا يعرفها أحد. جميلة مثل الحكايات. يمشون دون أن يحس بهم الناس. وتهبط إليهم من فوق... من المدينة امرأة جميلة. في أذنيها ويديها وصدرها عقود من الماس واللؤلؤ والذهب. المرأة تضمها إلى صدرها وفي عينيها الدموع. تحس أنها في صدر أمها وتطبق جفونها وتستريح من التعب وتنام.‏
الحقيقة أنها في ذلك المساء لما سمعت النهر ورأت المرأة لم تعد بسطل الماء. نامت طوال الليل على درجات النهر الكبير. من يكون قد افتقدها؟ لا أحد.... أمها تكون قد نادتها طويلاً ثم تعبت فنامت. عند الفجر رجعت دون أن تملأ السطل... كان أبوها ما يزال يغط في نومه... وأمها تئن.. والوليد الصغير يصرخ... وأخوتها انتشروا مثل الجراد. ودت لو أنها لم تعد من النهر... من الحلم. لو أنها ظلت بين ذراعي النهر يأخذها إلى أبنائه السبعة واحداً واحداً. ودت لو ظلت تلك الأصوات السحرية الخافتة في أذنيها تملؤها سعادة.‏
وهكذا.... على هذه الحال تدحرجت طفولتها مثل كرة من رصاص والسنون الغضة من شبابها دارت كدولاب صدئ، كانت مشاعرها تئن أنين الخشب تحت مسامير. لم يبق إلا أن تهرب. ولكن إلى أين؟ كانوا قد هدموا بيتهم... والحارة القديمة كلها... وكان أبوها قد مات ولحقت به أمها. أما أخوتها فقد تشردوا ولم تعد تعرف عنهم شيئاً.‏
أحد أقاربها التقطها لتعيش معه. ظلت تشعر أنها غريبة عنه وعن كل شيء في بيته العصري الأنيق. في أوقات كثيرة كانت تفر من غربتها تائهة في الحارات القديمة تبحث عن منفذ للنهر. ولكن... لا منفذ. لقد سدوا كل الفتحات وغدت الشوارع مبلطة نظيفة واسعة لا يكاد السائر فيها يحس أن تحتها نهراً. مرة ألصقت وجهها بالأرض وسمعت خريراً خافتاً وأوشكت سيارة أن تدهسها لولا أن أنقذها أحد الشباب من المارة. حسبها أول الأمر مخبولة وهزئ بها وبعد ذلك ضحك وهي تروي له حكاية طفولتها. ثم وجد فيها شيئاً لم يجده في أخرى.‏
ولما اتصل بينهما نهر من العواطف زاخر جياش لم يعد يجد مفراً من أن يسير معها في الطرقات ليلاً حيث يتفرع النهر تحت المدينة. في هذا سعادتها العظمى. لم يستطع أن يتزوجها رغم الحب المتدفق بينهما. أمه طردتها مثل كلبة وقالت إنها متشردة فقيرة لا أصل لها وأن ابنها غني وله أملاك. الدنيا أصبحت في عينيها سوداء. كيف؟ أليست من هذه المدينة المتلألئة الجميلة ذات العقود والأساور والماس؟ أليس أبوها النهر الكبير؟ ألم يقل لها مرة أن لها من الأخوة سبعة؟ حاولت أن تنتحر... وقالوا إن نهاية المجانين الانتحار. لكن الشرطة أنقذتها. لم تعد ترى الشاب. ولم ترجع إلى بيت قريبها.‏
استأجرت بيتاً صغيراً يؤويها مع عجوز عطفت عليها... واشتغلت. ومن صخور الحياة أخذت تقطع لقمتها. سعادة واحدة كانت تنبض في أعماقها فتنسيها عذابها وهي أن تسير إلى جانب النهر تنظر إليه وتستمع إلى الأصوات المنبثقة منه. العجوز كانت تردعها فتضحك. من يستطيع أن يعرف ماذا يعني النهر بالنسبة إليها؟ إلى خارج المدينة كانت تذهب لتراه. النهر ذراعا عاشق يحتويانها... النهر صدر أم حنون... النهر أب حقيقي... النهر زقزقة عصافير وأنغام ضحكات. النهر ضجيج أسرة سعيدة وصخب حياة تطفح بالمسرات. النهر... النهر... إلى جانب كل ذلك لا يؤذيها. لا يمكن. فلم تخاف العجوز وتهلع؟ حتى في الليالي التي ينهمر فيها المطر ويلمع البرق ويقصف الرعد لم يكن النهر ليتغير بل يزداد وداعة وحنوا وليناً. ولم تكن تحس أن السماء تصب غضبها على النهر بل تغدق عليه من الحب.‏
لكن تلك الليلة كانت رهيبة: البرق يقتلع الضياء من العيون. والرعد مثل حجارة. ومطر من نوع لا أغزر منه. ومطر آخر من رصاص وقنابل وبارود. أحست أن النهر يجري مسرعاً ولا يلوي على شيء. اضطربت. وأضلت طريقها. كادت تضيع لولا أن أخذ بيدها ذلك الضابط الشاب وأعادها إلى بيتها. كانت تحس الحاجة لمن يضمها إليه ويحميها ويدفع عنها وطأة الخوف المميت. النهر كان يزمجر غاضباً لم تعد تراه... لم تعد ترى بيتها... ولا العجوز. أحست أنها في صحراء. وهذا الرجل هو منقذها الوحيد. لجأت إليه. ولما سألها لماذا كانت وحيدة في الليل روت له قصتها مع النهر. حدثته عن الأب وأبنائه السبعة. كاد يقع من الضحك. ربت على ظهرها وسحبها من يدها وهي مذهولة إلى بيته. لم يكن لها قبل أن تمنحه نفسها إلا أن تنتزع منه وعداً كبير بأن يساعدها على أن تنفذ إلى مجرى النهر ولو مرة واحدة.‏
مرة واحدة ـ قال في نفسه ـ ليست شيئاً هاماً مقابل أن ينالها. إنه قادر مثل مارد... وهي قد اشترطت ولكل امرأة شرط.‏
هل يمكن أن تنسى ما حدث؟ هل يمكن؟ المشهد يعود إلى ذاكرتها:‏
ـ تعالي يا كوثر... هيا.. ألم نصبح زوجين بعد:‏
ـ لا. ـ لأنك لم تدفع لي مهري. أخذتني هكذا مثل سبية.‏
ـ وماذا تريدين أكثر من شبابي؟ ذراعاي قويتان...‏
وصدري من حديد.‏
ـ إذن فأنت لا تملك إلا رجولتك؟‏
ـ وأنا أضعها بين يديك.‏
ـ هل تقسم؟‏
ـ أقسم... وأعاهدك على الوفاء أقسم بشرفي...‏
ـ مهما يكن ما أطلبه؟‏
ـ مهما يكن.‏
ـ لقد طلبته. تأخذني إلى المدينة حيث هدموا (حارة النعناع) وتكسر لي قسماً من بلاط الشارع لأستطيع أن أنفذ إلى النهر.‏
ـ كنت أظنك غير جادة. هذا عمل جنوني.‏
ـ ولكنك وعدت.‏
ـ وماذا ستفيدين من ذلك؟‏
ـ هذا شرطي وأنا حرة.‏
ـ ما أغربه من شرط.‏
لما انقض عليها ليقبلها ويضم جسدها الأبيض بين ذراعيه الصلبة كان يقول:‏
ـ حبيبتي... يا كوثر... إلى هذا الحد تحبين النهر؟‏
أنا أغار منه . أتسمعين؟‏
تنهمر الدموع من عينيها وتقول:‏
ـ متى تأخذني إليه؟‏
ـ انزعي هذه الأفكار من رأسك الآن. ودعي لنا لحظات الحب.‏
ـ إذا أردتني جسداً بلا روح فليكن. وإلا فالشروط بيني وبينك.‏
ـ وماذا ستفعلين؟‏
ـ سأنتحر.‏
ـ إذن لنذهب. وسأرتكب أغرب حماقة من رجل من أجل امرأة. ماذا سيقولون عني إذا رأوني أحطم بلاط الشارع وهل سيدعونني أفعل إذا شكوا في أمري؟‏
ـ كلها دقائق وينتهي الأمر. افرض أن دبابة مرت فوق الشارع أما كانت تشقه أو تحطم بلاطه؟‏
ـ هذا شيء آخر... على أي حال سأتحمل النتائج.‏
قبيل الفجر تتسلل وراءه. خطواته بطيئة قوية تضرب أرض الشارع بثقة واعتزاز. المؤذن يرفع الصلاة. والمدينة غارقة في شعاع وردي. تنصت إلى الهواء يخفق فوق الأشجار. تتخيل صوتاً قوياً يمزق هذا الصمت ليعلن أن أحدهم يشق قلب المدينة دون هدف. تتخيل نفسها تصرخ مدافعة مثل لبوة عندما يجرونه بتهمة التخريب.‏
لكن شيئاً من هذا لا يحدث. وهما يمشيان في الشارع العريض حيث كانت (حارة النعناع). تتوقف وتهتف:‏
ـ هنا... هنا كان مهبط النهر.‏
وتروح وتجيء مثل هرة حبيسة.‏
يقف أمامها متردداً:‏
ـ وماذا بعد يا كوثر.... أما زلت مصرة؟‏
ـ كل الإصرار. أرجوك. لقد هدموا حارة النعناع برمتها.‏
ألا تستطيع أنت أن تقلع من الأرض حجراً واحداً؟‏
يسمع صوت المذياع يعلن أنباء هامة تتبعها موسيقى عسكرية فيجفل. ينحني ليلتقط معطفه من الأرض ويبادر إلى الابتعاد مسرعاً. تناديه بملء صوتها. كأنما لا يسمع. على الأرض تقع. بعد قليل تنهض لتعود وهي تجرجر خيبتها. تتعثر قدماها. تسقط في حفرة. تنزلق. تحس الرطوبة تلامس قدميها وأصوات تنبع من الأرض لتشدها إلى أسفل.‏
تهبط... تهبط أكثر... فأكثر وقد سرى في أعصابها خدر لذيذ. رذاذ الماء ينتثر فوق جسدها... يصل إلى شعرها. إنها والنهر إذن وجهاً لوجه بعد هذا الفراق الطويل.. الطويل.‏
الدهشة تفتح وعيها. تريد أن ترى أكثر مما كانت ترى... وأن تسمع غير ما كانت تسمع. تنظر إلى المياه. المياه راكدة وداكنة وحزينة ارتسمت فوقها ألوف الظلال الكئيبة. لم تستطع أن تنظر. حتى صورتها تغيرت. ترى امرأة تمسح الكآبة ملامحها ويحيط السواد بوجهها. أين هي من الماضي؟ تنصت فلا تسمع إلا أصواتاً تنضح بالأنين والبكاء. أصوات لا تعرفها. لا يمكن أن تعرفها. تحاول أن تتعرف إلى النهر. تغرف منه بيدها الراعشة. ماؤه يحمل طعماً آخر غريباً ليس فيه عذوبة تلك المياه ولا برودتها. تغسل وجهها منه. تحس أن الماء يسقط كما لو أن ذراته من زئبق. ماذا جرى. هل يمكن أن يتغير كل شيء هكذا؟ أم أنها هي التي تغيرت؟ ألم تعرف حقيقة الأشياء؟ لا يمكن... طفولتها من الوعي بحيث لا تزال الطعوم والألوان والأصوات كما هي في ذاكرتها حتى اليوم. إذن كيف تفسر الأمور؟ الممر تحت قدميها يتسع... يطول. أمام نفق كبير تجد نفسها. نفق قاتم ومغلق. تمضي فيه. تسمع أصوات الهواتف وإشارات كهرباء المرور وأزيز السيارات والدراجات فوق إسفلت الشارع. تصرخ.يخرج صوتها مخنوقاً. تحاول أن تنظر فيما حولها فلا ترى إلا الأشباح. الظلام يزداد كثافة كلما أمعنت في السير في النفق ونقطة من الضوء وحيدة تلمع على الجانب الآخر. لابد أن تجتاز النفق حتى تصل إليها. لعل فيها خلاصها. لعل فيها ما يكشف عن السر فترتاح. في النفق تتعثر بأجسام صلبة... وبجثث وبقطع أثاث وبنقود قديمة. تصدمها روائح عفنة وتغرق قدماها في مياه طينية آسنة. تستمر في سيرها ونقطة الضوء تصغر... تصغر حتى تكاد تتلاشى. عليها ان تحتمل... وأن تسرع قبل أن تقع فاقدة الوعي. تستعيد في خيالها كل الصور الجميلة من الماضي لكن ذاكرتها لا تسعفها بشيء. كأنما هي جهاز معطل. الماضي... وحارة النعناع... وأخوتها الذين تشردوا... وأمها المسكينة التي ماتت من المرض والجوع. وأبوها الهارب من أي مسؤولية حتى مسؤولية الموت. لم كان كل هذا بريئاً وصافياً وحقيقياً؟ لم كان النهر قادراً على أن يغسل لهم كل آلامهم؟ تريد أن تعود للنهر مرة أخرى وأن تغرق في مياهه من جديد فتغسل كل نقطة من جسدها المعجون بالألم والعذاب. النهر ليس النهر... كل شيء تغير. لا ينقذها من هذا الوهم الذي يضغط على رأسها إلا نقطة الضوء في آخر النفق. تسرع أكثر. قلبها يضرب بعنف. تحس أن الأجسام التي ترتطم بها ازدادت.. وأن الجثث لا تزال تئن... وأن الأثاث يرمى لساعته من البيوت... وان لصوصاً يتخاطفون قطع النقود ليتفحصوها. تمضي. نقطة الضوء تتحول إلى سراب. متى تصل؟ لعلها أمضت لحظات... أو ساعات... لا تدري. المهم أنها أصبحت أمام نقطة الضوء. على الأرض تقع. تمد يدها فتلامس لافتة بيضاء كتب عليها (ممر محظور ـ للجيش فقط ـ خطر). أهذه هي أذن نقطة الضوء التي صلبت فوقها عينيها هذه المسافة الطويلة؟ تبكي. تترك لجسدها أن يرتخي ولوجهها أن يلامس الأرض. إذ ذاك تحس فجأة أنها تنحدر... وتنحدر. أيد خفية تهبط بها إلى النهر الثامن الذي لم تعرفه قط ولم يعرفه أحد من أهل المدينة وإنما سمعوا عنه.‏
إنه نهر الأحزان... فيه تغتسل... ومنه تشرب... وتزيل عن وجهها أثر الدموع.‏
تحاول أن تضحك من قلب الألم والعذاب كيف لم تصدق أن للمدينة نهراً آخر هو ثامن الأنهار؟ ليت الجميع يغسلون وجوههم كما فعلت... ويشربون كما شربت.‏
تسمع صوت أبيها: أبنائي من الذكور سبعة وأنت وحدك بينهم الأنثى. مسكينة أنت يا كوثر.‏
لا تدري هل هو صوت النهر... أم صوت أبيها. تحس أنها تضم أخوتها السبعة الذين تفرقوا.... وإنها تجتاز إليهم نهر الأحزان.‏
تنصت إلى صوت هادئ يقرأ من القرآن:‏
..ولهم جنات تجري من تحتها الأنهار..‏
تتمتم: مدينتي.. حبيبتي. يا جنتي ذات الأنهار.‏
قمر الكيلاني

ابتهال 30 - 5 - 2011 11:01 AM

قصة جميلة ومؤثرة
سلمت الايادي روح

أبو جمال 5 - 6 - 2011 12:01 AM

احترامي وتقديري لاختيارك الرائع لهذه الكاتبة السورية اخت روح

اخوك
ابو جمال

sad one 14 - 7 - 2011 11:44 AM

قصة جميلة ومعبرة وبها روح الوطن والانتماء
سلمت الايادي

shreeata 14 - 7 - 2011 12:35 PM

قصة اكثر من رائعة
سلمت عزيزتي
تحيات لك

الآماكن 21 - 4 - 2013 01:35 AM

رد: ثامن الأنهار
 
شكرا لك على ما طرحت


لك منّي ارق تحية وأعذبها

ابو فداء 21 - 4 - 2013 03:15 AM

رد: ثامن الأنهار
 
روووعه
موووودتي

أرب جمـال 29 - 4 - 2013 09:28 AM

رد: ثامن الأنهار
 
شكرا لك على ما طرحت

بانتظارك وبانتظار باقة من مواضيعك المفيدة

لك منّي ارق تحية وأعذبها


روح الياسمين 29 - 4 - 2013 09:34 AM

رد: ثامن الأنهار
 
سلمت الايادي على القصة الجميلة

المفتش كرمبو 29 - 4 - 2013 11:44 AM

رد: ثامن الأنهار
 
احترامي وتقديري لاختيارك الرائع


الساعة الآن 10:21 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى