منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   يحيى برزق: شاعرٌ أطربَ الآذان، لكنه ما زال بلا ديوان (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=15971)

المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:33 PM

يحيى برزق: شاعرٌ أطربَ الآذان، لكنه ما زال بلا ديوان
 
قلَّما تجد فلسطينياً لا يحفظ الأبيات التي انتشرت في الأناشيد الفلسطينية في الثمانينيّات، والتي نظمها الشاعر يحيى برزق بعد مجزرة صبرا وشاتيلا:

لأني أحمل الإيمان والجرح الفلسطيني‏
لأن غمائم الأفيون لم تُخمِدْ براكيني‏
لأني لم يكن إلا جهاداً دامياً ديني‏
أُشرّد في منافي الأرض أُضرب في الزنازين‏
***
لأني ما خفضت الرأس في ريح الخيانات‏
لأني ما طبعت على عقود الذلّ بصماتي‏
أسير على جراحاتي، وتنهشني عذاباتي‏
وكل جريمتي أني فلسطيني.. فلسطيني‏
هذه الأبيات تجسّد ما كان يعانيه الشاعر يحيى برزق، الذي كان يعيش جنسيته الفلسطينية بحذافيرها وشروطها الثورية والاضطهادية. وقد حدثني ابنه الصديق مخلص يحيى برزق عن الصورة التي أبكت والده، «أحضر له أحد الطلاب الذين كان الوالد يدرِّسهم في ثانوية عبد الله السالم في الكويت صورة حائط كتبت هذه الأبيات عليه.. الصورة التقطت لأحد الجدران في مخيم من مخيمات لبنان.. ولأن الوالد كان شديد التأثر بما حدث ويحدث لأهلنا هناك لدرجة أنه أصيب بجلطة في القلب بسبب صور مجزرة صبرا وشاتيلا، ومن بعد ذلك تكرر الأمر معه بسبب أحداث المخيمات في الثمانينات، وعندما أحضر له التلميذ هذه الصورة بكى تأثراً وفرحاً لأن صوته وصل إلى هناك وشعره يتردد في جنبات تلك المخيمات».
ومَنْ مِنَ الفلسطينيين لا يحفظ الأنشودة الشهيرة الموجعة «دمنا على أبوابكم.. دمنا على أثوابكم.. دمنا يلوّن خبزكم»، والتي حوّلتها إحدى الفرق لاحقاً إلى أنشودة عن مجزرة قانا، بعنوان: لن يرحل جرح مدينتنا قانا، لن يرحل أبداً لن يرحل..
وكم علت أصوات المنشدين بقصيدته التي نظمها بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، حين قال:

صرخة البرج وشاتيلا وصبرا
لم تزل ترسم تشريداً وقبراً

المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:33 PM

كثيرة هي القصائد التي يحفظها الفلسطينيون لهذا الشاعر الذي مرّ فيها على النكبة والنكسة والغربة في الكويت ومناجاة وطنه، ومقارعة ماسي شعبه ومعايشتها حتى تغلبت عليه هذه الماسي وقضت عليه في غربته..
لقد كانت هذه القصائد تخرج مع زفرات روحه وآلام وجدانه، وكنا نترنم بها في الأناشيد الفلسطينية، من غير أن نعرف أن كل قصيدة منها أكلت جزءاً من عمره، فكم آلمته أوضاع الفلسطينيين،على الرغم من وجوده بعيداً عن خطوط القتال والمجازر، وكانت ذروة الأحداث تتمثل بخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت ووقوع مجزرة صبرا وشاتيلا على يد السفاح المجرم شارون، ومع تسرب الصور الأولى للفظائع التي حلت بشعبه لم يتحمل قلبه تلك المشاهد الدامية فأصيب بنوبة قلبية حادة دخل على إثرها المستشفى ليكون أحد ضحايا تلك المجزرة الرهيبة.
ولأن قلبه ما عاد يقوى بعدها على تحمّل أي صدمة أخرى، تكررت النوبات القلبية مع كل مذبحة أخرى حتى جاءته نوبة أدت لحدوث شلل نصفي له أواخر عام 1986م بقي يعاني منه عاماً كاملاً حتى أسلم روحه لبارئها يوم الخميس 14 - 1 - 1988م.. وكانت آخر قصائده «شراع الجليل» مشيداً بالعملية الفدائية التي نفذها الشهيد خالد أكرو تفجرت على إثرها الانتفاضة المباركة، حيث كان يمليها على زوجته، التي كانت تكتبها وتسأله عن الأبيات التي لم تسمعها جيداً وتنقّح معه القصائد.. وبعدما أتمّ أبيات القصيدة ودّع هذه الدنيا غريباً وحيداً بعيداً عن أرضه ووطنه..
ومن عجائب القدر أن آخر بيت شعر كتبه كان:
وتوارى الفتى ولكن ذكراه‏
ستبقى لنا الشعاع الهادي‏


المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:37 PM


شهرته‏ :
ومما يؤسَفُ له، هو الظلم الذي تعرض له هذا الشاعر من تعتيم إعلامي، بسبب عدم صدور ديوان له، ولعل شهادة أحمد مطر التي سجلها تلخص انطباعه عن شعر برزق رحمه الله. فقد ذكر في معرض إجابته على أحد الأسئلة «إن هناك شاعرين لم يأخذا نصيبهما وللأسف لم يطلع الناس على شعرهما، وإنهما يملكان موهبة عالية وهما يحيى برزق ومحمد حسني حمودة»(1). وكتب عنه الباحث الأديب حسن شكري في دراسته عن التاريخ الأدبي والثقافي لغزة قائلاً: «برز في غزة في تلك الآونة شعراء عرفهم القارئ العربي: رامز فاخرة، معين توفيق بسيسو، يحيى برزق، سعيد فلفل، وهارون هاشم رشيد، ولست في معرض تقييم هؤلاء الأساتذة الذين رحلوا ولم يبق منهم سوى هارون (أطال الله عمره) ولكنني أشير إلى اثنين لم يلقيا حظاً وافراً من الدعاية على الرغم من تميزهما: سعيد ويحيى ولأن الأول من عصبتي فلربما تكون شهادتي بخصوصه مجروحة على أنني أشير إلى ما تميز به».
وقد كتب الباحث محمد حسيب القاضي دراسة بعنوان «شعراء مجهولون من غزة»، يقول فيها: «.. وما من شك أن ظهور شعراء احتلوا مكانتهم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نالوا حظهم من الانتشار من خلال الدواوين المطبوعة في القاهرة أو بيروت قلل من فرص هؤلاء الأساتذة «محبي الشعر» من الدخول في منافسة قد تكون غير متكافئة. وفي ظني أنه كان يمكن أن يضاف إلى دائرة الضوء شاعر أو شاعران وهما يحيى برزق وسعيد فلفل لولا أنهما لم يتحمسا كثيراً للنشر سواء في المجلات، أو في دواوين شعرية مطبوعة»(2).
وبسبب قلة المصادر التي تحدثت عن هذا الشاعر، سوف نستقي مادة هذا المقال من لقاءاته الصحفية ومن أرشيفه الذي اهتمّ به نجله الأستاذ مخلص الذي يحضّر الآن له ديوانه، وسيرة حياته.


المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:38 PM


بعد النكبة :
ومع وقوع النكبة عام 1948م عمل شاعرنا مدرِّساً في مدارس الاونروا في غزة بأجر رمزي عبارة عن كيس من البصل أو البطاطس أو كمية من الجبن أو السمن أو الدقيق أو غيره.. ثم تطور الحال لتصبح الأجور والمرتبات موزعة كالآتي: من 6 - 8 جنيهات لحَمَلَةِ الثانوية العامة، و14 جنيهاً للجامعيين.. في الوقت الذي كان يُعطى فيه السائق في تلك الهيئة 28 جنيهاً. ثم انتقل عام 1953 مع بعثه تعليمية إلى الكويت، وهناك نقل معه ثورته الشعرية وأحيا قضيته من خلال الندوات والمهرجانات..
وفي سنة 1955 كان زواج شاعرنا والبدء في بناء بيته في غزة والذي دفع فيه «تحويشة عمره» وشاركت زوجه معه بكامل ذهبها، ولكنه ما كاد يفرغ من بنائه حتى حصلت مأساة 1967م وكان وقتها في الكويت ووقع نبأ الاحتلال كالصاعقة على رأسه ورفعت لديه ضغط الدم حتى كاد ذلك يقضي عليه.. واجتهد في تلك الأثناء في تأليف المسرحيات الشعرية وتدريب طلابه عليها فكان يصل نهاره بليله ولا يعود من مدرسته في كثير من الأيام إلا في وقت متأخر من الليل.. كان يمضي الساعات الطوال بعد انتهاء الدوام المدرسي يدرِّب طلابه على المسرحيات الوطنية الجهادية (كثير منها على شكل أوبريت شعرية)..
هذا الاجتهاد العجيب قد يكون له سببان، كلاهما ينطلقان من كونه فلسطينياً، الأول إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بعد النكسة، حيث لم يعد يهتم لراحته، وكان يقضي وقته في التأليف، ومعظم ما وصَلَنا من مسرحيات شعرية أعدّها تصب في القضية الفلسطينية.. أما السبب الثاني، فهو بسبب ما ناله من الإفلاس في تلك النكسة، فأراد أن يعوض ذلك بـ «تحويشة» أخرى يسند أواخرَ أيامه، ويؤمن مستقبلاً لأولاده.
في بيروت‏ :
في بيروت، عاش الشاعر مع الفلسطينيين، وعانى ما يعانونه، وحدث أن اعتُقل في العام 1958، وزُجّ‏َ به في سجن الرمل، وكتب هناك قصيدة للقدس، ضمّنها ما يعانيه فلسطينيو لبنان من ظلم وإجحاف.
القصيدة التي كتبها في سجن الرمل، حيث أُلقي القبض عليه بسبب إلقائه قصائد وطنية!!، بعنوان «يا قدس» يقول في مطلعها(3):
هَتَفْتُ بِاسْمِكِ والسَّجَّانُ يُمسِكُ بي‏
والحائِطُ المُعْتِمُ المَجْدُورُ لي أُفُقُ‏
ونختار من أوسطها هذه الأبيات:
أَقصى هَوايَ هُو الأَقصى وصخرتهُ‏
فالقلبُ بالركنِ والمحرابِ يلتصقُ‏
لكنهم سَخِرُوا منِّي ومن بَلدي‏
واستَاقَني جُنْدهُم والقيدُ يَصطَفقُ‏
فالحُبّ‏ُ أَضْحَى لديهِم تُهمةً عَظُمَتْ‏
بهَا يُعذَّبُ مَنْ هَامُوا ومَن عَشِقُوا
باسمِ الأُخوّةِ نُسْقى كُلّ‏َ دَاهِيَةٍ
نُسقى إِذا اختلفُوا، نُسقى إِذا اتفقُوا
كأَنَّما عَشِقُونا في الثَّرى جُثَثاً
وكيفَ يُعْشَقُ مَيْت مَا بهِ رَمَقُ؟
بيروتُ بيروت مَا أبهاكِ حَاضِرَةً
لولا عَقَارِبُ لَيلٍ.. هَاجَهَا النَّزَقُ‏

المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:39 PM

تراكم النكبات‏ :
بعد نكبة 1948 وكارثة 1967 ارتفع صوته مندداً بالعجز المهين لدى الحكام في ذلك الوقت فوضع اسمه على القائمة السوداء لدى معظم دول المواجهة خصوصاً بعد أحداث أيلول الأسود الدامية عام 1970م. وتتالت الأحداث بإيقاع سريع حين قام أحد عملاء الاحتلال الصهيوني باقتحام بيته في غزة واتخاذه منزلاً له ولعائلته مع بداية السبعينيات ثم انتهاء حرب أكتوبر نهاية مخيبة للآمال في الخيمة كيلومتر «101»!! لقد رفض شاعرنا الحلول السلمية وهاجم المروجين لها، وعبّر عن ذلك في العديد من قصائده في مراحل مختلفة وأزمنة متباينة ففي قصيدة «ألف لا» يعتبر المناداة بالصلح مع العدو خيانة فيقول:

يَا دُعَاةَ الصُّلحِ إِنَّا أَلْفُ لاَ..
أَو يَعُودَ المَسْجِدُ الأَقْصَى لَنَا
كَيْفَ نَلقَى اللهَ إِنْ خُنَّا حِمىً‏
كَانَ بِالأَمْسِ مَمَراً للسَّمَا
لماذا لم يطبع الديوان؟!
توفي الشاعر يحيى برزق في 14 - 1 - 1988، ولم يكن قد طبع أي ديوان، كانت زوجته الفاضلة التي عاشت كل قصائده تجمع أوراقه المبعثرة، على هذه قصيدة وعلى تلك ربع قصيدة وعلى الأخرى أبيات مخربشة.. جمعت كل ما عندها، وسلّمتهم لابنها مخلص، لعلمها باهتمامه بتراث والده، فعمل سنوات على جمعها والتدقيق بها وإرجاعها للنصوص الأصلية المنشورة في الصحف.. حتى استطاع جمع قصائد كثيرة تربو على 200 قصيدة، قسمها إلى أربعة أجزاء، وصور منها نسخاً قليلة وزعها على أفراد العائلة.. وذلك عام 1995، ومنذ ذلك الوقت، يتحيّن مخلص الفرصة لطباعة هذه الأجزاء الأربعة..
وكانت العائلة تأمل في جمع تراثه المسرحي، الذي أنجزه في مدرسة عبد الله السالم على مدى أكثر من عقدين من السنين، غير أن غزو الكويت أنهى أي أمل في الحصول على هذه الاثار التي كانت مكدّسة في أرشيف إذاعة المدرسة أو في غرفة المعلمين..
غير أن ما عاناه ابنه مخلص أقل بكثير مما عاناه الشاعر نفسه في سبيل إصدار ديوانه، خصوصاً إذا عرفنا أنه جهز النسخة الأولى منذ أوائل الستينيات، حيث قال في حوار صحفي إنه يقوم بجمع قصائده التي كتبها منذ عشرين عاماً في «أول ديوان يصدر له قريباً»(4). ثم بعد عشرين سنة يقول لصحيفة الرأي العام الكويتية(5): «لديّ مجموعات من القصائد ضاقت بها الأدراج في غزة والكويت، إلا أنني لم أكن يوماً في وضع مادي يساعد على طبع واحدة من هذه المجموعات.. ولكن أملي كبير في أن أتمكن من طبع كراسة شعر هذا العام.. فادعُ معي!!».
ثم في مقابلة ثالثة، يقول: «لقد كان لي في غزة بيت من الحجر آوي إليه، فاغتصبه العدو، ولي الآن آلاف أبيات الشعر، وقد تخيرت منها مجموعة أسميتها «أول الغيث» ليضمها بيت من الورق.. فأبيات الشعر لا تقي حرّاً ولا قرّاً وإنما تبحث عن مأوى.. ولو فقد صاحبها المأوى!!»(6).
وعلى الرغم من حرصه الشديد وتشوقه لإصدار هذا الديوان، رفض رفضاً قاطعاً عروضاً كثيرة ومتكررة من «جهات عدة» لنشر قصائده وطباعة ما يريده من دواوين على نفقتها، وحاول العديد من أصدقائه الشعراء إقناعه بذلك دون جدوى.. إذ كان يرى ذلك نوعاً من الاحتواء الذي ما كان يرتضيه أبداً. لذلك كان رده عنيفاً على سؤال صحفي «إنني لم أسخِّر قلمي يوماً فيما لا أؤمن به، وإلا لكنت أنعم ببحبوحة العيش ورغده، بينما أنت تشهد كيف أدخر الدراهم لعلّي ألمّ شعث قصائدي في ديوان. وهذا شأن كل الذين لم ينزعوا إلى الافتعال والتكلف جرياً وراء الكسب المادي وكل من اثر الانزواء بعيداً عن الضوء، أما المتكسّبون فلعلّ لديهم بعضاً من نتاجهم يفضلونه على البعض الذي قبضوا ثمنه مالاً حراماً ليعهّروا الأجيال ويفسدوا الأذواق والآذان»(7). أما الآن، فقد باشر ولده بالإجراءات العملية لطباعة الديوان في العاصمة السورية دمشق، وذلك بعد تعاونه مع «مؤسسة فلسطين للثقافة» التي تبنت الإشراف على توثيق وإصدار أعمال شعراء فلسطين الذين لم ينالوا حظهم من الاهتمام الثقافي، أمثال الشاعر برهان الدين العبّوشي والشيخ التاجي الفاروقي وغيرهم..
ونظراً لإدراك جمهور من المثقفين الفلسطينيين للظلم الذي لحق بهذا الشاعر، على الرغم من أهمية أشعاره، يقوم هؤلاء المثقفون بالعمل على لجنة للتعريف بالشاعر يحيى برزق، وقد أنجزت عدداً من قصائده في لوحات فنية، وسوف تعمل على إنشاء موقع يضمّ أعماله في الشبكة الدولية (الإنترنت).
مع أحمد مطر:
شاعر كهذا، رفض طباعة ديوانه على نفقة جهات فصائلية فلسطينية، كي لا يضطر إلى التنازل عن بعض كلماته، كان لا بد أن يكون متقاطعاً (بالزمان والمكان والمواقف) مع مثقفي الكويت في تلك الأيام، كناجي العلي وأحمد مطر، وإن كنا لا نعرف الكثير عن علاقته بناجي العلي، إلا أننا نعرف أنه ارتبط بعلاقة طيبة ومميزة مع الشاعر أحمد مطر في مطلع الثمانينيات، وذلك عندما كان الشاعر مطر مسؤولاً عن الصفحة الأدبية لصحيفة القبس الكويتية ودأب شاعرنا حينها على إرسال قصائده التي ينظمها له. والحقيقة أن الشاعر أحمد مطر أبدى اهتماماً كبيراً بقصائد برزق، وهو ما أدى إلى حفظ كمّ كبير منها من خلال نشرها في صحيفة القبس. ولأن تلك الفترة واكبت أشد الأحداث إيلاماً للشاعر كمجازر صبرا وشاتيلا والاجتياح الصهيوني للبنان وحرب المخيمات فقد ازداد إنتاجه الأدبي غزارة.. ووجد طريقه للنشر من خلال الشاعر مطر.
وإضافة للزيارات والمراسلات بينهما فقد جمعتهما عدة أمسيات شعرية. ولعل شهادة أحمد مطر المذكورة في بداية المقال تُلخص انطباعه عن شعر برزق رحمه الله. ومما تركه الشاعر برزق في أوراقه قصاصة ورقية لقصيدة (أو مشروع قصيدة) كتبها في وداع الشاعر أحمد مطر وقت إبعاده عن الكويت.. وقد بدا على الورقة خربشات وتعديلات لا ندري ما الذي اعتمده في النهاية؟ وهل أرسلها لزميله المبعد أم لا؟ وسنختار بعض أبياتها هنا(8):

لأنه سحابة.. لأنه مطرْ!
لأنه أنشودة على فم الوترْ!
لأنه أضاء في سمائنا.. قمرْ
فمن سيروي الوردَ من يداعب الزهرْ؟
ومن يغيث في الحقول ظامى الثمرْ؟!!
إن لم تعد بالحب.. والأشعار يا مطرْ؟!

المفتش كرمبو 15 - 5 - 2011 02:40 PM

في اتحاد الكتّاب الفلسطينيين:
ومما نعتقد أن لمطر وناجي العلي يداً فيه، هي القضية التي قضت على ناجي، الذي ذهب ضحية ارتهان اتحاد الكتّاب الفلسطينيين وسيطرة بعض الوصوليين الذين ينظمون ولا يشعرون، ويكتبون بأقلام غيرهم، ولا يتقنون إلا كتابة التقارير.. أما أحمد مطر فموقفه لا يحتاج إلى تفصيل الذين لم يكن يسميهم إلا الجواسيس، لذلك لم يتردد في نشر قصائد برزق في هذه القضية.
على الرغم من أن شاعرنا لم يكن صِدامياً في علاقته مع الأدباء والشعراء، إلا أن بعض المواقف كانت تفرض عليه مواجهتها بالصدع بقول الحق ولو كان مرّاً.. فقد كان يتذمر كثيراً من عمليات غير شريفة تجري في انتخابات اتحاد الأدباء والكتاب لصالح أناس بسبب انتماءاتهم التنظيمية أكثر من كفاءتهم وعطائهم، فنشر قصيدته التالية(9):

مَرْحَى لِكُلّ‏ِ الشَّعَارِيرِ الطَّرَاطِيرِ
وَالنَّاعِقِينَ وَكُتَّابِ التَّقَارِيرِ
هَذَا زَمَانُكُمُ فَاسْتَحْلِبُوهُ فَمَا
أَخَالُهُ يَنْتَهِي نُوْمُ النَّوَاطِيرِ
وَنَظِّرُوا لِلنُّجُومِ الخَمْسِ لامِعَةً
عَلى الفَنَادِقِ تَدْعُو كُلّ‏َ سِكِّيرِ
أَمَّا «التَّحَرُرُ وَالتَحْرِيرُ» فَالْتَمِسُوا
سِوَاهُمَا بَيْنَ الافِ التَّعَابِيرِ
أَقْلاَمُكُم تَعْرِفُ البَيْدَاءُ وَطْأَتَهَا
لا تَرُّهَاتِ المَغَاوِيرِ «المَفَاقِيرِ»
فَحَسْبُكُمْ أَنْ يَرُدَّ الغَزْوَ صَوتُكُمُ‏
في البِيرِ مَا أَرْوَعَ التَّصْوِيتَ في البِيرِ
وَلَوْ نَفَرْتُمُ لِخَوْضِ النَّقْعِ مُحْتَدِماً
مَنْ ذَا سِوَاكُم لِتَبْرِيرٍ وَتَغْرِيرِ؟
الاتجاه الديني في شعره:
قرأتُ بحثاً بهذا العنوان أعدَّه نجله الأستاذ مخلص، وقسمه إلى ثلاث حلقات، لذلك لن أتطرق لهذا الموضوع، إنما رأيت أن أثبت مقطعاً من قصيدة مناجاة تدلّ على علوّ كعب الشاعر وقوة أسلوبه وسموّ مشاعره، وهي بعنوان «شياه بلا رعاة»:

يَا سَيِّداً بَهَرَ العُقُولَ بِفَضْلِهِ‏
وَسَبَى قُلُوبَ العَالَمينَ نَدَاهُ‏
إِنِّي إِذَا عَبَثَ الغُزَاةُ بِأُمَّتيِ‏
نَادَيْتُ: يا الله…… يَا اللهُ‏
يَا مَالِكَاً أَمْرِي وَكَاشِفَ غُمَّتِي‏
يَا مَنْ يُجِيرُ وَلا يُجِيرُ سِوَاهُ‏
لُطْفَاً بِنَا في النَّائِبَاتِ وَكُنْ لَنَا
إِنّ‏َ المُغِيْرَ تَخَضَّبَتْ كَفَّاهُ‏
ويختم القصيدة بهذه الأبيات:
فَكَأَنَنَّا وَالحَادِثَاتُ تَسُومُنَا
هَوْلَ المَنُونِ وَلاَ رُعَاةَ شِيَاهُ‏
يَا رَبّ‏ِ رَحْمَتَكَ المُغِيثَة وَاسْتَجِبْ‏
لِمُعَذَّبٍ شَقّ‏َ الفَضَاءَ دُعَاهُ‏
وَاجْمَعْ عَلَى الحَقّ‏ِ الرِّجَالَ فَطَالَمَا
أزْرَتْ بِنَا وَأَطَاحَتِ الأَشْبَاهُ‏
قصيدة حب‏:
كثيراً ما صرح الشاعر أن علاقة الحب الحقيقية هي التي بينه وبين فلسطين، وكتب الكثير من قصائد الحب لفلسطين، وقصائد الغربة والتشرّد عنها، ومن أجمل ما كتب في هذا المجال كانت قصيدة «حنين» التي تلين الصخر والجماد، تستحق أن نوردها كلها، ولكننا نختار منها بعض الأبيات لضيق المساحة هنا:

يَا قَلْبُ مَالَكَ فيِ الحَوَادِثِ كُلَّمَا
ذُكِرَ الحِمَى خِلْتَ الوُجُودَ جَهَنَّمَا
فَمَضَيْتَ تَخْفِقُ فيِ الأَضَالِعِ لاَهِثاً
مُتَهَدِّماً تَشْكُو مُصَابَكَ لِلسَّمَا
حَتى غَدَوْتُ وَذِكْرَيَاتِيَ مَأْتَم..
إِنْ أَقْبَلَتْ أَرْسَلْتُ دَمْعِيَ عَنْدَمَا
وَيَكَادُ يَقْتُلُنِي الحَنِينُ إِذَا شَدَتْ‏
قُمْرِيَّة فَوْقَ الغُصُونِ.. تَأَلُّمَا
فَأَنَا ابْنُ أَرْضٍ بِالرَّبِيعِ… تَدَثَّرتْ‏
وَغَدَتْ لأَطْيَارِ الخَمَائِلِ مَوْسِمَا
أَرْض يَمْيسُ التيِّنُ في أَدْواحِهَا
وَيُفَاخِرُ الزَّيْتُونُ أَنّ‏َ لهَا انْتَمى‏
وَعَلى ذُرَاهَا لِلنُّجُومِ مَعَاقِل‏
بَذَخَتْ، وَأَبْقَتْ فيِ الجَدَاوِلِ أَنْجُمَا
أَرْض إِذَا ذُكِر الجَمَالُ حَسِبْتَهَا..
تَخْتَالُ فَهْيَ لهُ تَجَلَّتْ.. تَوْأَمَا
وَإِذَا أَفَاضَ الطُّهْر ضَمّ‏َ حَدِيثُهُ‏
طَيْف المَسِيحِ عَلى الحُروفِ وَمَرْيَمَا
أَرْض سَرَى فِيهَا النَّبيّ‏ُ مُحَمَّد
لَمَّا غَدَتْ نَحْوَ الكَواكِبِ.. سُلَّمَا
وَطَن البلابِلِ وَالسَّنَابِلِ وَالذُّرَا
وَشَوَاطِىٍ للزَّاهِرَاتِ بِهَا حِمَى‏
وَطَن المَاثِرِ كَمْ شَهِيدٍ مُعْدَمٍ‏
فيِ سَفْحِهِ يَرْثيِ شَرِيدَاً مُعْدِمَا
وَاحَسْرَتِي للأَهْلِ فَرَّقَ شَمْلَهُمْ‏
كَيْدُ الخُطُوبِ وِلِلفَجَائِعِ أَسْلَمَا
بِنَجِيعِهِمْ ثَمِلَ الغُزَاةُ وَعَرْبَدُوا
وَالإخْوَةُ الأَحْبَابُ قَدْ مَلأُوا الفَمَا
وَالهْفَتي وَالدَّرْبُ يَغْمُرُهُ اللَّظى‏
مُتَفَجِّراً، وَاللَّيْلُ تَصْبغُهُ الدِّمَا
وَجُمْوعُ شَعْبي تَسْتَجِيرُ عَلَى الغَضَا
وَالكَوْنُ يَرْمُقُهُمْ حَسِيراً أَبْكَمَا
يَا وَيْحَ شَعْبي وَالسِّهَامُ تَنُوشُهُ‏
مِنْ كُلّ‏ِ صَوْبٍ كَيْفَ يَلْقَى الأَسْهُمَا?



الساعة الآن 12:57 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى