منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   تابع معنا كتاب مجمع الأمثال (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4589)

B-happy 3 - 3 - 2010 12:57 AM

تابع معنا كتاب مجمع الأمثال
 
*1* الجزء الأول‏.‏
*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ترجمة الميداني صاحب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏‏.‏
‏[‏ص حـ‏]‏ & بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏ الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه‏.‏
-1- قال ياقوت في ‏"‏معجم الأدباء‏"‏‏:‏
أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، الميداني، أبو الفضل، النيسابوري، والمَيْدَانُ‏:‏
مَحِلَّة من مَحَالِّ نَيْسَابُورَ كان يسكنها فنُسِب إليها، ذكر ذلك عبد الغافر‏.‏ وهو أديبٌ فاضلٌ، عالم، نحويّ، لُغَوي‏.‏ مات - فيما ذكره عبد الغافر بن إسماعيل في السِّياَق - في رمضان سنة ثمان عَشْرَةَ وخمسمائة، ليلَةَ القَدْر، ودُفِنَ بمقبرة المَيْدَان‏.‏ قرأ عَلَى أبي الحسن علِيّ بن أحمد الواحِدِيّ، وعَلَى يعقوب بن أحمد النيسابوري‏.‏ وله من التصانيف‏:‏ كتاب جامع الأمثال، جَيِّد نافع، كتاب السامي في الأسامي، كتاب الأنموذج في النحو، كتاب الهادي للشادي، كتاب النحو المَيْدَاني، كتاب نزهة الطَّرْف في علم الصَّرْف، كتاب شرح المفضليات، كتاب مُنْيَة الراضي في رسائل القاضي‏.‏ وفي كتاب السامي في الأسامي يقول أسعد بن محمد المرساني‏:‏
هذا الكتابُ الذي سَمَّاه بالسَّامِي * دَرْجٌ من الدُّرِّ، بل كنز من السَّامِ
ما صَنَّفَتْ مثْله في فَنِّهِ أبداً * خَوَاطِرُ الناس من حَامٍ ومن سَامٍ
فيه قَلاَئدُ ياقُوتٍ مُفَصَّلة * لكل أرْوَع َماضي العَزْم بَسَّامِ
فكعْبُ أحمَدَ مولاي الأمام سَمَا * فوق السَّماكين من تصنيفه السَّامِي
وسمعت في المُفَاوضة ممَّنْ لا أحصي أن المَيداني لما صنف كتاب الجامع في الأمثال وقف عليه أبو القاسم الزمخشري، فحسَدَه على جَوْدة تصنيفه، وأخذ القلم و زاد في كلمة الميداني نوناً قبل الميم فصار ‏"‏النميداني‏"‏ ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئاً، فلما وقف الميداني على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشري، فصيَّر ميم نسبته نوناً فصار ‏"‏الزنخشري‏"‏ ومعناه مشتري زوجته‏.‏ ‏[‏ص د‏]‏
وذكر محمد بن أبي المعالي بن الحسن الخواري في كتابه ‏"‏ ضالة الأديب، من الصحاح والتهذيب‏"‏ - وقد ذكر الميداني - قال‏:‏ سمعت غير مرة من كتَّابِ أصحابه يقولون‏:‏ لو كان للذكاء والشهامة والفضل صورة لكان الميداني تلك الصورة، ومَنْ تأمل كلامه واتقفى أثره علم صدق دعواهم‏.‏
وكان ممن قرأ عليه وتخرج به‏:‏ الإمامُ أبو جعفر أحمد بن علي المقرىء البيهقي، وابنه ‏(‏أي ابن الميداني‏)‏ سعيد، وكان إماماً بعده‏.‏
قال عبد الغافر بن إسماعيل‏:‏ ومن أشعاره‏:‏
تنفَّس صُبْحُ الشيب في ليل عارضي * فقلت‏:‏ عَساَهُ يكتفي بِعِذَارِي
فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يُرَى صُبْحٌ بغير نهارِ‏؟‏
وذكره أبو الحسن البيهقي في كتاب ‏"‏ وِشاح الدُّمْيَةِ‏"‏ فقال‏:‏ الإمامُ، أستاذنا، صَدْرُ الأفاضل، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني، صَدْرُ الأدباء، وقدوة الفضلاء، قد صاحَبَ الفضل في أيام نَفِدَ زاده، وفنى عَتَاده، وذهبت عُدَّتهُ، وبطلت أُهْبَتهُ، فقوَّمَ سِنادَ العلوم بعد ما غيَّرتها الأيامُ بصُرُوفها، ووضع أنامل الأفاضل على خُطُوطها وحُرُوفها، ولم يخلق اللّه تعالى فاضلاً في عَهْده إلا وهو في مائدة آدابه ضَيْف، وله بين بابِهِ وداره شتاء وصَيْف، وما على مَنْ عام لجج البحر الخِضَمّ واسْتَنْزَف الدرر ظُلْمٌ وحَيْف، وكان هذا الإمامُ يأكُلُ من كَسْب يَدِه، ومما أنشدني - رحمه اللّه - لنفسه‏:‏
حَنَنْتُ إليهم والدِّيارُ قريبة * فكيف إذا سار المَطِيُّ مَرَاحلا‏؟‏
وقد كنتُ قبل البَيْن، لا كان بَيْنُهُمْ، * أُعَايِنُ للهِجْرَانِ فيهم دلائلا
وتحت سُجُوف الرقم أغْيَدُ ناعِمٌ * يَمِيسُ كخوطِ الخيزرانة مائلا
ويَنْضُو علينا السيف من جَفْن مقلة * تريق دَمَ الأبطال في الحب باطلا
وتكسرنا لَحْظاً ولفظاً، كأنما * بِفِيه وعَيْنَيْهِ سُلاَفَةُ بَابِلاَ
وله أيضاً‏:‏
شَفَةٌ لَمَاهَا زادَ في آلامي * في رَشف ريقتها شِفَاءُ سَقَامِي
قد ضَمَّنَا جنحُ الدُّجى وللثمنا * صَوْتٌ كقَطِّكَ أرْؤس الأقلام
وذكر البيتين اللذين أولهما* تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * ثم قال‏:‏ وله أيضاً‏:‏ ‏[‏ص هـ‏]‏
يا كاذباً أصبح في كِذْبِهِ * أعْجُوبَةً أيَّةَ أعْجُوبَهْ
وناطقاً ينطق في لفظة * واحِدَةٍ سبعين أكذوبَهْ
شَبَّهَك الناسُ بعُرْقُوبهم * لَّما رَأوْا أخْذَكَ أسْلُوبَهْ
فقلت‏:‏ كلا‏!‏ إنه كاذبٌ * عُرْقُوبُ لا يبلغ عُرْقُوبَهْ
-2- وقال قاضي القضاة ابن خلكان في ‏"‏وفَيَات الأعيان‏"‏‏:‏
أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، المَيْدَاني، النيسابوري، الأديبُ، كان أديباً فاضلاً، عارفاً باللغة، اختصَّ بصحبة أبي الحسن الواحدي صاحب التفسير، ثم قرأ على غيره، وأتْقَنَ فنَّ العربية خصوصاً اللغة وأمثال العرب، وله فيها التصانيف المفيدة، منها كتاب الأمثال المنسوب إليه، ولم يعلم مثله في بابه، وكتاب‏"‏السامي، في الأسامي‏"‏ وهو جيد في بابه، وكان قد سمع الحديث ورَوَاه، وكان ينشد كثيراً، وأظنهما له‏:‏
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت‏:‏ عَسَاه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني * أيا هَلْ ترى صبحاً بغير نهار‏؟‏
وتوفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة، بنيسابور، ودفن على باب ميدان زياد‏.‏
والميداني - بفتح الميم، وسكون الياء المُثَنَّاة من تحتها، وفتح الدال المهملة، وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمن، وهي مَحِلَّة في نيسابور‏.‏
وابنه أبو سعد سعيدُ بن أحمد كان فاضلا ديناً، وله كتاب ‏"‏الأسْمى، في الأسما‏"‏ وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى‏:‏
-3- http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ولأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني - غير ما أثرناه - ترجمة في المراجع الآتية‏:‏
الأنساب، للسمعاني 548
تاريخ ابن كثير المعروف باسم البداية والنهاية 12/194
نزهة الألباب للأنباري 466
الفلاكة والمفلوكون 99
شذرات الذهب لابن العماد 4/58
بغية الوعاة للسيوطي 155 ‏[‏ص و‏]‏
كشف الظنون 974 و 1597 و 1703 ‏(‏طبع الآستانة‏)‏
الإنباه للقفطي 1/121
ونحن نجتزي من كل هذه المراجع بعبارة جاءت في كشف الظنون ‏(‏1598‏)‏ لأنها لم ترد فيما أثرناه عن ياقوت وعن ابن خلكان، قال‏:‏
ويحكى أن الزمخشري - بعد ما ألف ‏"‏المستقصى في الأمثال‏"‏ - اطَّلع على ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ للميداني، فأطال نظره فيه، وأعجبه جداً، ويقال‏:‏ إنه ندم على تأليفه المستقصي لكونه دون مجمع الأمثال في حسن التأليف والوَضْع وبَسْط العبارة وكثرة الفوائد‏.‏
وقد اختصر ‏"‏مجمعَ الأمثال‏"‏ شهابُ الدين محمد القضاعي، الخوبي، من تلاميذ الميداني‏.‏


-4- وبعد فإن http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif كتاب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ أحَدَ تصانيف أبي الفضل أحمد بن محمد الميداني أفْضَلُ كتاب صنف في موضوعه حُسْنَ تأليف، وبَسْطَ عبارة، وكثرة فائدة، حتى إن الإمام الزمخشري حين تأمله نَدِمَ على أن ألفَّ كتاباً جامعاً في الأمثال، فقد ظن أنه حَشَد فيه وجَمَع ما لم يتهيأ لغيره من أدباء العربية وعلمائها وباهى بأن سماه ‏"‏المستقصي‏"‏ ثم تبين له أنه أقل فائدة وأهْوَنُ جمعاً مما صنفه الميداني، وقد رأيت في كلام ابن خلكان أنه سمى الكتاب ‏"‏كتاب الأمثال‏"‏ ورأيت في كلام ياقوت أنه سماه ‏"‏جامع الأمثال‏"‏ ورأيت في كلام صاحب كشف الظنون أنه سماه ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ على ما هو المشهور في اسم الكتاب‏.‏
وقد طبع الكتابُ مراراً في مصر، في بولاق وفي غير بولاق، ولم يظهر في طبعة من هذه الطبعات سليما من التحريف والتصحيف، بل شاع المسخ في طبعاته الحديثة حتى بعد عن أصله بعد الفيل من رحم الأتان، ولعلنا - بعد أن حققنا أصله، وضبطنا غرائبه، ورقمناه ترقيما دقيقاً - نكون قد أعدنا له بهاءه، وجَدَّدنا رُوَاءه، ونَفَيْنَا عنه عَبَث العابثين، ويَسَّرناه للانتفاع به، والله وحده المسئول أن يجعل هذا العملَ مقروناً بالقبول، وأن ينفع به إنه أكرم مسئول‏.‏

B-happy 3 - 3 - 2010 01:00 AM

[‏ص 1‏]‏&http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif بسم اللّه الرَحمنِ الرَحيم

إن أحسن ما يُوَشَّحُ به صَدْرُ الكلام، وأجملَ ما يفصَّل به عِقْدُ النِّظام، حَمْدُ الله ذي الجلال والإكرام، والإفضال والإنعام، ثم الصلاة على خير الأنام، المبتَعثِ من عُنْصُر الكرام، وعلى آلِهِ أعلامِ الإسلام، وأصحابِهِ مصابيحِ الظلام، فالحمد لله الذي بدأ خَلْقَ الإنسان من طين، وجَعَله ذا غَوْرٍ بعيد وشَأوٍ بَطِين، يستنبط الكامِنَ من بديع صَنْعته بذكاء فِطْنَته، ويستخرج الغامضَ من جَليل فِطْرته بدقيق فِكْرته، غائصا في بحر تصرُّفه على دررِ مَعَان، أحْسَنَ من أيام مُحْسن معان، وأبْهَجَ من نيل أمان، في ظل صحةٍ وأمان، مودِعاً إياها أصْدَافَ ألفاظٍ، أخْلَبَ للقلوب من غمزات ألحاظ، وأسْحَرَ للعقول من فَتَرات أجفانٍ نواعسَ أيْقَاظ، ناظما من محاسنها عُقُودَ أمثال، يحكم أنها عَديمةُ أشْبَاهٍ وأمثال، تتحلّى بفرائدها صدورُ المحافل والمحاضر، وتتسلَّى بشواردها قلوبُ البادي والحاضر، وتُقَيَّد أَوَابِدُها في بطون الدفاتر والصحائف، وتطير نواهضُها في رءوس الشواهق وظهور التنَائِف، فهي تُوَاكبُ الرياحَ النُّكْبَ في مَدَارجِ مهابِّهَا، وتُزَاحم الأراقمَ الرُّقْشَ في مضايق مَدَابِّها، وتحوج الخطيبَ المِصْقَع والشاعر المُفْلِقَ إلى إدماجها وإدراجها، في أثناء متصرِّفاتها وأدراجها، لاشتمالها على أساليب الحسن والجمال، واستيلائها في الْجَوْدَة على أمَدِ الكمال، وكفاها جلالَةَ قدر، وفَخَامة فخر، أنَّ كتاب الله عز وجل - وهو أشرفُ الكتب، التي أنزلت على العجم والعرب - لم يَعْرَ من وشاحها المفصل ترائبُ طِواله ومُفَصَّله، ولا من تاجها المُرَصَّعِ مفارقُ مجمله ومُفَصَّله، وأن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح العرب لسانا، وأكملهم بيانا، وأرْجَحُهم في إيضاح القول ميزانا - لم يَخْلُ في إيراده وإصداره، وتبشيره وإنذاره، من مَثَل يحوز قَصَبَ السَّبْق في حَلْبة الإيجاز، ويستولي على أمَدِ الْحُسْن في صَنْعَة الإعجاز، أما الكتابُ فقد وُجد فيه هذا النهج لَحِباً مسلوكا، حيث قال عز من قائل‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ الله مَثَلاً كلمةً طيبةً‏}‏ يعني كلمة التوحيد ‏{‏كشجرة طيبة‏}‏ يعني النخلَةَ ‏{‏أصلها ثابت وفرعها في السماء‏}‏ شَبَّه ثَبَاتَ الإيمان في قلب المؤمن بثَبَاتها، وشَبَّهَ صُعُود عمله إلى السماء، بارتفاع ‏[‏ص 2‏]‏ فروعها في الهواء، ثم قال تعالى ‏{‏تؤتي أكُلَهَا كلَّ حينٍ‏}‏ فشبه ما يكتسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل زمان، بما ينال من ثمرتها كل حين وأوان، وأمثالُ هذه الأمثال في التنزيل كثير، وهذا الذي ذكَرْتُ عن طَويلها قصير، وأما الكلام النبوي من هذا الفن فقد صنف العسكريُّ فيه كتابا براسه، ولم يأل جَهْداً في تمهيد قواعده وأساسه، وأنا أقتصر ههنا على حديث صحيح وقَعَ لنا عاليا، وهو ما أخبرنا الشيخ أبو منصور بن أبي بكر الْجَوْزِي أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو البحتري أنبأنا أبو أسامة، أنبأنا يزيد بن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ رضي اللّه تعالى عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنما مَثَلُ الجليسِ الصالِح وجليسِ السوء كحامل المِسْكِ ونافخُ الكِيرِ، فحاملُ المسكِ إما أن يُحْذِيَكَ ‏(‏أحذاه يحذيه‏:‏ أعطاه‏)‏ وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا، ونافخُ الكِيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تَجِدَ منه ريحا خبيثة‏"‏ رواه البخاري عن أبي كريب عن أبي أسامة، فكأن شيخ شيخي سمعه من البخاري‏.‏
وبعد، فإن من المعلوم أن الأدب سُلَّم إلى معرفة العلوم، به يُتَوَصَّل إلى الوقوف عليها، ومنه يتوقَّع الوصولُ إليها، غير أن له مَسَالكَ ومَدَارج، ولتحصيله مَرَاقِيَ ومَعَارج، من رَقِيَ فيها درَجاً بعد درج، ولم تهمّ شمسُ تشميره بِعَرَج، ظفِرَتْ يَدَاه بمفاتح أغلاقه، وملكت كفاه نفائس أعْلاَقه، ومن أخطأ مِرْقَاةً من مَرَاقيه، بقي في كد الكَدْحِ غيرَ مُلاَقيه، وإنَّ أعلى تلك المراقي وأقصاها، وأوْعَرَ هاتيك المسالك وأعصاها، هذه الأمثالُ التي هي لُمَاظَاتُ حَرَشَةِ الضِّبَاب، ونُفَاثات حَلَبة اللِّقَاح وحَمَلَة العِلاَب، من كل مرتضعٍ دَرَّ الفصاحة يافعا ووليدا، مرتكضٍ في حجر الذَّلاَقة توأما ووَحيدا، قد ورد مَنَاهل الفطنة يَنْبوُعا فينبوعا، ونزف مناقع الحكمة لَدُوداً ونَشُوعا، فنطق بما يُسِرُّ المعبِّر عنها حبوا في ارتقاء ‏(‏هكذا وقع في جميع المطبوعات، وأراه محرفا عن ‏"‏حسوا في ارتغاء‏"‏ وهو مأخوذ من المثل ‏"‏يسر حسوا في ارتغاء‏"‏ وسيأتي في حرف الياء مشروحا‏)‏ والمشير إليها يمشي في خَمَر ويدبُّ في ضَراء، ولهذا السبب خفيَ أثرُها، وظهر أقلُّها وبطن أكثرها، ومن حَامَ حول حِمَاها، ورام قَطْفَ جَنَاها، علم أن دون الوصول إليها خَرْطَ القَتَاد، وأن لا وقوف عليها إلا للكامل العَتَاد، كالسَّلَف الماضِينَ الذين نظموا ‏[‏ص 3‏]‏ من شَمْلها ما تشتَّت، وجمعوا من أمرها ما تفرَّق، فلم يبقوا في قوس الإحسان مَنْزعا، ولا في كِنانة الإتقان والإيقان أهْزَعا، والناس اليوم كالمجمِعِين على تقاصُرِ رغباتهم، وتقاعُدِ همَّاتهم، عما جاوز حد الإيجاز، وإن حرك في تلفيقه سلسلة الإعجاز، إلا ما نشاهده من رغبةِ مَنْ عَمَرَ معالم العلم وأحياها، وأوضَحَ مناهج الفضل وأبداها، وهمةِ مَنْ تجمعت في فؤاده همم ملءُ فؤاد الزمان إحداها، وهو الشيخ العميد الأجل السيد العالم ضياء الدولة منتخب المُلْك شمس الْحَضْرة صفيُّ الملوك أبو علي محمد بن أرسلان، أدام الله علوّه، وكبَتَ حاسده وعدوّه، فإنه الذي جَذَب بضَبْع الأدب من عَاثُوره، وغالى بقيمة منظومه ومنثوره، وأقبل عليه، وعلى من يُرَفْرِفُ حواليه، إقبالَ مَنْ ألقت خزائن الفضل إليه مقاليدها، ووقفت مآثرُ المجد عليه أسانيدها، فأبرز محاسن الآداب في أضْفَى ملابسها، وبَوَّأها من الصُّدور أعلى منازلها ومجالسها، بعد أن حَلَّقت بها العنقاء في بَنَاتِ طَمَار، وتضاءلت كتضاؤل الحسناء في الأطْمَار، فالحمدُ لله الذي جعل أيامه للحسن والإحسان صورة، وعلى الفضل والإفضال مقصورة، وجعلها موقوفَة الساعات، على صنوف الطاعات، محفوفَةَ الساحات، بوفود السعادات، موصوفة الحركات والسكنات، بوفور البركات والحسنات، حتى أصبحت حُلِيَّاً على لَبَّة الدولة الغراء، وتاجا في قِمَّةِ الحضرة الشمَّاء، وحِصْنا لملك الشرق حصينا، ورُكْنا يؤوي إليه ركينا، وأمست على معصمه ومعتصمه سورا وسِوَارا، ولوَجْهِ دولته وحُسام سَطْوته غرةً وغِرارا، يُسْتَمْطَر النُّجْحُ ببركات أيامه، ويستودَعُ المللك حركات أقلامه، فلله دره من عالم زرَّ بُرْدَاهُ على عالم، وأمين بانتظام الملك ضمين، ومُطَاع عند ذي الأمر مَكِين، يزين بحضوره ديوان عماله، ولا يشين بمحظوره ديوان أعماله، فعل من تَنَبَّه له الجد، فنظرت نفسه ما قدمت لغد، وتمكَّن منه الجد، فلا الدَّدُ منه ولا هو من دَد، وعليه عينة من سيد جُمِعَ له إلى القُدْرة العصمة، وإلى التواضع الرفعة والحِشْمة، فرَفَلَ من السيادة في أغلى أثوابها، وأتى بيوتَ المجدِ من أبوابها، وباشَرَ أبكار المكارم فالتزمها واعْتَنَقها، وباكر أقداح المحامد فاصطَحَبَها واغتَبَقَهَا، فأصبح لا يَطْرَبُ إلا على معنى تكد له الأفهام، دون مؤثر تأتي له الإيهام، ولا يَعْشَق إلا بناتِ الخواطر والأفكار، دون العذَارَى الخُرَّد الأبكار، ولا يثافن إلا مَنْ أخلق جَدِيدَيْهِ، حتى ملأ من الفضل بُرْدَيه، وكَحَّلَ بإثمِدِ السهر جَفْنيه، حتى أقرَّ بنيل القرب منه عينيه، فتبوَّأ من حضرته ‏[‏ص 4‏]‏ المأنوسة جنة حُفَّتْ بالمكارم لا المكاره، وروضةً خُصَّت بالمجد الزاهر لا بالأزاهر، تنثال عليها أفراد الدهر من كل أوْب، وتنصبُّ إليها آحاد العصر من كل صَوْب، لا سَلَب الله أهل الأدب ظلَّه، ولا بلغ هَدْىُ عمرِه مَحِلّه، ما طَلَع نَجْم، ونَجَم طَلْع، بمنه وكرمه‏.‏
هذا، ولما تقدر ارتحالي عن سُدَّته، عمرها الله بطول مُدَّته، أشار بجَمْع كتاب في الأمثال، مبرِّزٍ على ما لَه من الأمثال، مشتمل على غَثِّها وسَمينها، محتوٍ على جاهليها وإسلاميها، فعُدت إلى وطني رَكْضَ المنزع شمره الغالي، مشمراً عن ساق جِدِّي في امتثال أمره العالي، فطالعت من كتب الأئمة الأعلام، ما امتد في تقصِّيه نَفَسُ الأيام، مثل كتاب أبي عُبَيدة وأبي عُبَيد، والأصمعي وأبي زَيْد، وأبي عَمْرو وأبي فَيْد، ونظرتُ فيما جمعه المفضَّلُ بن محمد والمفضَّلُ بن سَلَمَةَ‏.‏ حتى لقد تصفحت أَكْثَرَ من خمسين كتاباً، ونَخَلْتُ ما فيها فصلاً فصلاً وباباً باباً، مفتشاً عن ضَوَالِّها زوايا البقاع، مشذِّباً عنها أُبَنَهَا بصارِمِي القَطَّاع، علماً مني أني أمَتُّ به الدينار في كف ناقد، وأجلو منه البدر لطرف غير راقد، يزيده بالنظر فيه رونقاً وبهاء، ويكسبه بالإقبال عليه سَناً وسناء، ونقلتُ ما في كتاب حمزة بن الحسن إلى هذا الكتاب، إلا ما ذكره من خَرَزَات الرُّقَى وخُرَافات الأَعْرَاب، والأمثال المزدوجة لاندماجها في تضاعيف الأبواب، وجعلتُ الكتابَ على نظام حروف المعجم في أوائلها، ليسهل طريق الطلب على مُتَنَاولها، وذكرتُ في كل مَثَل من اللغة والإعراب ما يفتح الغَلَق، ومن القَصَصِ والأسباب ما يوضِّح الغرض ويُسيغ الشَّرَق، مما جمعه عُبَيْد بن شَرِيَّة وعطاء بن مصعب والشَّرقِيُّ بن القُطَامي وغيرهم، فإذا قلت ‏"‏المفضل‏"‏ مطلقاً فهو ابنُ سَلَمة، وإذا ذكرتُ الآخَرَ ذكرتُ اسمَ أبيه، وأفتتح كل باب بما في كتاب أبي عُبَيد أو غيره، ثم أعقبه بما على أَفْعَلَ من ذلك الباب، ثم أمثال المولدين، حتى آتي على الأبواب الثمانية والعشرين على هذا النَّسَق، ولا أعدُّ حرفي التعريف ولا ألفَ الوصل والقطع والأمر والاستفهام، ولا ألفَ المخبِرِ عن نفسه، ولا ما ليس من أَصْلِ الكلمة حاجزاً إلا أن يكون قبل هذه الحروف ما يُلاَزم المَثَل، نحو قولهم ‏"‏كالمستغيث من الرمضاء بالنار‏"‏ أو بعدها نحو ‏"‏المستشار مؤتمن‏"‏ ‏"‏والمحسن مُعَان‏"‏ فإني أورِدُ الأول في الكاف، والثاني والثالث في الميم، وأثبت الباقي على ما ورد، نحو ‏"‏تَحْسَبُهَا حمقاء‏"‏ و ‏"‏بيدين ما أوردها زائدة‏"‏ يكتبان في بابي التاء والباء، وجعلتُ الباب التاسع والعشرين في أسماء أيام العرب ‏[‏ص 5‏]‏ دون الوقائع، فإن فيها كتباً جَمَّةَ البدائع‏.‏ وإنما عُنِيتُ بأسمائها لكثرة ما يقع فيها من التصحيف، وجعلت الباب الثلاثين في نُبَذٍ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام خُلَفَائه الراشدين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، مما ينخرط في سِلْكِ المواعظ والحكم والآداب‏.‏
وسميت الكتاب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ لاحتوائه على عظيم ما وَرَدَ منها، وهو ستة آلاف ونيف، والله أعلم بما بقي منها، فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تَنْفَدُ حتى يَنْفَدَ العصر‏.‏
وأنا أعتذر إلى الناظر في هذا الكتاب من خَلَل يَرَاه، أو لفظ لا يرضاه، فأنا كالمنكر لنفسه، المغلوب على حِسِّه وحَدْسه، منذ حط البياض بعارِضِي رحالَه، وحال الزمانُ على سوادهما فأحَالَه، وأطار من وَكْرِ هَامَتِي خُدَارِيَّه، وأنحى على عُود الشَّباب فمصَّ رِيَّه، وملكَتْ يدُ الضعفِ زمامَ قُوَاي، وأسلمني مَنْ كان يَحْطِبُ في حبل هَوَاي‏.‏ وكأني أنا المعنيُّ بقول الشاعر‏:‏
وَهَتْ عَزَمَاتُكَ عند المشِيبِ * وما كان من حَقِّهَا أن تَهيَ
وأنكَرْتَ نفسَكَ لما كَبِرْتَ * فلا هِيَ أَنْتَ ولا أَنْتَ هِي
وإن ذكرت شَهَوَاتُ النفوسِ * فما تشتهي غيرَ أن تشتهى
وأعيذه أن يَرِدَ صَفْوَ منهلِهِ التقاطا، ويشرب عَذْب زُلاله نقاطا، ثم يتحزَّم لتَغْوِير مَنَابعه بالتعيير، ويتشمر لتكدير مَشَارِعه بالتغيير، بل المأمولُ أن يسد خَللَه، ويُصْلح زَلَله، فقلما يخلو إنسان من نِسيان، وقلم من طغيان‏.‏
وهذا فصل يشتمل على معنى المثل وما قيل فيه‏.‏
قال المبرد‏:‏ المثَلُ مأخوذ من المِثال، وهو‏:‏ قولٌ سائرٌ يُشَبَّه به حالُ الثاني بالأول، والأصل فيه التَّشْبِيه، فقولُهم ‏"‏مَثَلَ بَيْنَ يَدَيه‏"‏ إذا انتصب معناه أَشْبَهَ الصورةَ المنتصِبة، و ‏"‏فلان أَمْثَلُ من فلان‏"‏ أي أَشْبَهُ بما لَه ‏(‏من‏)‏ الفضل‏.‏ والمِثالُ القِصاصُ لتشبيه حالِ المقتَصِّ منه بحال الأول، فحقيقة المَثَلِ ما جُعل كالعلم للتشبيه بحال الأوَّل، كقول كعب ابن زهير‏:‏
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً * وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الأبَاطِيلُ ‏[‏ص 6‏]‏
فمواعيد عرقوب عَلَم لكل ما لا يصح من المواعيد‏.‏
قال ابن السِّكِّيتِ‏:‏ المَثَلُ‏:‏ لَفْظٌ يخالفُ لفظَ المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شَبَّهُوه بالمثال الذي يُعْمَلُ عليه غيره‏.‏
وقال غيرهما‏:‏ سُمِّيت الحكَمُ القائمُ صدقُها في العقول أمثالا لانتصاب صُوَرِها في العقول، مشتقَّة من المثُول الذي هو الانتصاب‏.‏
وقال إبراهيم النظام‏:‏ يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام‏:‏ إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحُسْن التشبيه، وجَوْدة الكناية، فهو نهاية البلاغة‏.‏
وقال ابن المقفع‏:‏ إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث‏.‏
قلت‏:‏ أربعة أحرف سمع فيها فَعَلٌ وفِعْلٌ، وهي مَثَلٌ ومِثْلٌ، وَشَبَه وَشِبْه، وَبَدَل وبِدْل، ونكَل ونِكْل، فمَثَلُ الشئ ومِثلُه وشَبَهه وشِبْهُه‏:‏ ما يماثله ويشابهه قدراً وصفةً، وبَدَل الشيء وبِدْلُه‏:‏ غيره، ورجل نَكَل ونِكْل للذي ينكل به أعداؤه‏.‏ وفَعيل لغةٌ في ثلاثة من هذه الأربعة، يقال‏:‏ هذا مَثِيله وشَبِيهه وبَدِيله، ولا يقال نكيله، فالْمَثَلُ ما يُمَثَّلُ بِهِ الشيء‏:‏ أي يُشّبَّه، كالنَّكَل من يُنَكًّل به عدوّه، غير أن المِثْلَ لا يوضع في موضع هذا المَثَل وإن كان المَثَلُ يوضع موضعه، كما تقدم للفرق، فصار المَثَل اسماً مصرحاً لهذا الذي يضرب ثم يردُّ إلى أصله الذي كان له من الصفة، فيقال‏:‏ مَثَلُكَ ومَثَلُ فلانٍ‏:‏ أي صفتك وصفته، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الجنَّة التي وُعِدَ المتقون‏}‏ أي صفتها، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال‏:‏ جعلتُ زيداً مثلا، والقوم أمثالا، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ساء مثلاً القومُ‏}‏ جعل القوم أنفسهم مثلا في أحد القولين، والله أعلم‏.‏ ‏[‏ص 7‏]‏

B-happy 3 - 3 - 2010 01:02 AM

الباب الأول فيما أوله همزة‏.‏

1- إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً
قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وَفَدَ عليه عَمْرو بن الأهتم والزِّبْرِقَانُ بن بدر وقَيْسُ بن عاصم، فسأل عليه الصلاة والسلام عمرَو بن الأهتم عن الزِّبْرِقان، فقال عمرو‏:‏ مُطَاع في أَدْنَيْه ‏(‏هكذا في جميع أصول هذا الكتاب، والأدنون‏:‏ جمع الأدنى بمعنى الأقرب، ووقع في بعض الأمهات ‏"‏مطاع في أذينه‏"‏ والأذين - بوزن الأمير - النداء، يعني أنه إذا نادى قومه لحرب أو نحوها أطاعوه‏)‏ شدِيدُ العارِضة، مانعٌ لما وَرَاء ظهره، فقال الزبرقان‏:‏ يا رسول اللّه إنه لَيَعْلَم مني أكثَرَ من هذا، ولكنه حَسَدني، فقال عمرو‏:‏ أما واللّه إنه لَزَمِرُ المروءة، ضَيّق العَطَن، أحمق الوالد، لئيم الخال، واللّه يا رسول اللّه ما كَذَبْتُ في الأولى، ولقد صدقْتُ في الأخرى، ولكني رجل رَضِيت فقلت أحسنَ ما علمت، وسَخِطْتُ فقلت أقبحَ ما وجدت، فقال عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً‏"‏ يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر، ومعنى السحر‏:‏ إظهار الباطل في صورة الحق، والبيانُ‏:‏ اجتماعُ الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسَنِ‏.‏ وإنما شُبِّه بالسحر لحدَّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له‏.‏
يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجَّة البالغة‏.‏
2- إنَّ المُنْبَتَّ لاَ أرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أبْقَى‏.‏
المنبتُّ‏:‏ المنقطع عن أصحابه في السفَر، والظَّهْرُ‏:‏ الدابة‏.‏
قاله عليه الصلاة والسلام لرجل اجتَهَد في العبادة حتى هَجَمت عيناه‏:‏ أي غارَتَا، فلما رآه قال له ‏"‏إنَّ هذَا الدينَ مَتِينٌ فأوْغِلْ فيه بِرِفْقٍ، إنَّ المُنْبَتَّ‏"‏ أي الذي يجدُّ في سيره حتى ينبتَّ أخيراً، سماه بما تؤول إليه عاقبتُه كقوله تعالى ‏{‏إنَّكَ مَيِّت وإنهم ميتون‏}‏‏.‏
يضرب لمن يُبالغ في طلب الشيء، ويُفْرِط حتى ربما يُفَوِّته على نفسه‏.‏ ‏[‏ص 8‏]‏
3- إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُّ‏.‏
قاله عليه الصلاة والسلام في صفة الدنيا والحثِّ على قلة الأخذ منها‏.‏
والْحَبَطُ‏:‏ انتفاخُ البطن، وهو أن تأكل الإبلُ الذُّرَقَ فتنتفخ بطونها إذا أكثرت منه، ونصب ‏"‏حَبَطاً‏"‏ على التمييز، وقوله ‏"‏أو يلم‏"‏ معناه يقتل أو يَقْرُبُ من القتل، والإلمام‏:‏ النزولُ، والإلمام‏:‏ القرب، ومنه الحديث في صفة أهل الجنة ‏"‏لولا أنه شيء قضاه اللّه لألم أن يذهب بصرهُ لما يرى فيها‏"‏ أي لقَرُبَ أن يذهب بصره‏.‏
قال الأزهري‏:‏ هذا الخبر - يعني إن مما ينبت - إذا بُتر لم يكد يُفْهَم، وأوّلُ الحديث ‏"‏إني أخَافُ عليكم بعدي ما يُفْتَح عليكم من زَهْرة الدنيا وزينتها‏"‏ فقال رجل‏:‏ أوَ يأتِي الخيرُ بالشرِّ يا رسول اللّه‏؟‏ فقال عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّهُ لا يأتي الخيرُ بالشر، وإن مما يُنْبِتُ الربيعُ ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكلة الْخَضِرِ فإنها أكلَتْ حتى إذا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلطَتْ وَبَالَتْ ثم رَتَعَتْ‏"‏ ‏(‏في جميع أصول هذا الكتاب ‏"‏ثم رتعته‏"‏ والفعل لازم‏)‏ هذا تمام الحديث‏.‏
قال‏:‏ وفي هذا الحديث مثلان‏:‏ أحدهما للمُفْرِطِ في جمع الدنيا وفي منعها من حقها، والآخر للمقتصد في أخْذِها والانتفاع بها، فأمّا قولُه ‏"‏وإن مما ينبت الربيعُ ما يقتل حَبَطاً أو يُلمُّ‏"‏ فهو مثل المُفْرِط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيعَ يُنْبِتُ أحْرَار العُشْب فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخَ بطونُها إذا جاوزَتْ حدَّ الاحتمال، فتنشق أمعاؤها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حِلِّها ويمنع ذا الحق حقَّه يهلك في الآخرة بدخوله النار‏.‏ وأما مَثَلُ المتقصد فقوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏إلا آكلة الْخَضِر‏"‏ بما وصفها به، وذلك أن الْخَضِرَ ليست من أحرار البقول التي يُنْبتها الربيع، ولكنها من الْجَنْبَة التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البقول، فضرب صلى اللّه عليه وسلم آكلةَ الخضِر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجَمْعها، ولا يَحْمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبَالها كما نَجَتْ آكلةُ الخضِر، ألا تراه قال عليه الصلاة والسلام ‏"‏ فإنها إذا أصابَتْ من الْخَضِرِ استقبلت عينَ الشمس فَثَلَطَتْ وبالت‏"‏ أراد أنها إذا شبعت منها بَرَكَتْ مستقبلةَ الشمس تستمرىء بذلك ما أكَلَتْ وتجترُّ وتَثْلِط، فإذا ثَلَطته فقد زال عنها الْحَبَط، ‏[‏ص 9‏]‏ وإنما تَحْبَطُ الماشيةُ لأنها لا تثلِطُ ولا تبول‏.‏ يضرب في النهي عن الإفراط‏.‏
4- إنَّ الْمُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانٍَ‏.‏
هذا مثل تخبَّط في تفسيره كثيرٌ من الناس، والصوابُ ما أثْبِتُهُ بعد أن أحكي ما قالوا
قال بعضهم‏:‏ إنما يحتاج إلى الوصية من يَسْهو ويَغْفُل، فأما أنت فغيرُ محتاج إليها، لأنك لا تسهو‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ يريد بقوله بنو سَهْوان جميعَ الناس، لأن كلهم يسهو‏.‏
والأصْوَبُ في معناه أن يقال‏:‏ إن الذين يُوَصَّوْنَ بالشيء يستولِي عليهم السهوُ حتى كأنه مُوَكَّل بهم، ويدل على صحة هذا المعنى ما أنشده ابن الأعرابيّ من قول الراجز ‏(‏روى صاحب اللسان أولها في ‏(‏ع ل ا‏)‏ غير منسوب، وآخرها في ‏(‏س ه ا‏)‏ منسوبا إلى زربن أو في الفقيمي‏)‏‏:‏
أنشد من خَوّارةٍ عِلْيَانْ * مَضْبُورَة الكَاهِلِ كالبُنْيَانْ
ألْقَتْ طَلاً بمُلْتَقَى الْحَوْمَانْ * أكثر ما طافت به يَوْمَانْ
لم يُلْهِهَا عن هَمِّها قَيْدَانْ * ولا الموصَّوْنَ مِنَ الرُّعْيَانْ
إن الموصَّيْنَ بنو سَهْوَانْ
يضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به والسَّهْوان‏:‏ السهو، ويجوز أن يكون صفة‏:‏ أي بنو رجُلٍ سَهْوَان، وهو آدم عليه السلام حين عُهِد إليه فسَهَا ونسى، يقال‏:‏ رجل سَهْوَانُ وسَاهٍ، أي إن الذين يُوَصَّوْن لابِدْعَ أن يَسْهُوا لأنهم بنو آدم عليه السلام‏.‏
5- إنَّ الجوَادَ عَيْنُهُ فُرَارُهُ
الفِرار بالكسر‏:‏ النظر إلى أسنان الدابة لتعرُّفِ قدر سِنِّها، وهو مصدر، ومنه قول الحجاج ‏"‏فُرِرْتُ عَنْ ذكاء‏"‏ ويروى فُرَاره بالضم، وهو اسم منه‏.‏
يضرب لمن يدلُّ ظاهره على باطنه فيغني عن اختباره، حتى لقد يقال‏:‏ إنَّ الخبيثَ عينه فُرَاره‏.‏
6- إنَّ الشَّقِيَّ وَافِدُ البَرَاجِمِ
قاله عمرو بن هند الملك، وكان سُوَيْدُ ابن ربيعة التميمي قتلَ أخاه وهَرَب، فأحرق به مائةً من تميم‏:‏ تسعةً وتسعين من بني دارم وواحداً من البَرَاجم، فلقِّبَ بالمحرِّقِ، وستأتي القصة بتمامها في باب الصاد، وكان الحارث بن عمرو ملك الشأم من آل جَفْنة يدعى أيضا بالمحرِّق، لأنه أول من حَرَّق العرب في ديارهم، ويدعى امرؤ القيس بن عمرو بن عَدِيٍّ الَّخْمِي محرِّقاً أيضا‏.‏ يضرب لمن يُوقِع نفسه في هَلَكة طمعا‏.‏ ‏[‏ص 10‏]‏
7- إنَّ الرَّثيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَبَ
الرثيئة‏:‏ اللبنُ الحامض يُخْلَط بالحلو، والفَثْء‏:‏ التسكينُ‏.‏
زعموا أن رجلا نزل بقوم وكان ساخِطاً عليهم، وكان مع سخطه جائعا، فسَقَوْهُ الرثيئة، فسكن غضبه
يضرب في الهَدِيَّة تُورِث الوِفَاقَ وإن قلَّت‏.‏
8- إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ
البغاث‏:‏ ضربٌ من الطير، وفيه ثلاث لغات‏:‏ الفتح، والضم، والكسر، والجمع بِغْثَان، قالوا‏:‏ هو طير دون الرَخمة، واستنسر‏:‏ صار كالنسر في القوّة عند الصيد بعد أن كان من ضعاف الطير
يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعزّ بعد الذل‏.‏
9- إنَّ دَوَاءَ الشَّقِّ أنْ تَحُوصَهُ
الْحَوْصُ‏:‏ الخياطةُ
يضرب في رَتْق الفَتْق وإطفاء النائرة
10- إنَّ الجبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
الحتفُ‏:‏ الهلاك، ولا يُبْنَى منه فِعل، وخص هذه الجهة لأن التحرُّزَ مما ينزل من السماء غير ممكن، يُشير إلى أن الحَتْفَ إلى الجَبَان أسرعُ منه إلى الشجاع، لأنه يأتيه من حيث لا مَدْفَع له‏.‏
قال ابن الكلبي‏:‏ أولُ من قاله عمرو ‏(‏الشعر في اللسان منسوب لعامر ابن فهيرة‏)‏ ابن أمامة في شعرٍ له، وكانت مُرَادٌ قتلته، فقال هذا الشعر عند ذلك، وهو قوله‏:‏
لَقَدْ حَسَوْتُ الموتَ قبل ذَوْقِهِ * إنَّ الجبانَ حَتْفُه مِنْ فَوْقِهِ
‏[‏كُلُّ امْرِئٍ مُقَاتِلٌ عَنْ طَوْقِهِ‏]‏ * وَالثَّوْرُ يَحْمِي أنْفَهُ بِرَوْقِه
يضرب في قلة نفع الحذر من القدر
وقوله ‏"‏حسوت الموت قبل ذَوْقِهِ‏"‏ الذوق‏:‏ مقدمة الحَسْو، فهو يقول‏:‏ قد وطنّت نفسي على الموت، فكأني بتوطين القلب عليه كمن لقيه صُرَاحا‏.‏
11- إنَّ المُعَافَى غَيْرُ مَخْدُوعٍ
يضرب لمن يُخْدَع فلا يَنْخَدع والمعنى أن مَنْ عوفي مما خدع به لم يَضُره ما كان خُودِع به‏.‏
وأصلُ المثل أن رجلا من بني سُلَيم يسمى قادحا كان في زمن أمير يكنى أبا مظعون، وكان في ذلك الزمن رجل آخر من بني سليم أيضا يقال له سُلَيْط، وكان عَلِقَ امرأة قادح، فلم يزل بها حتى أجابته وواعدته، فأتى سُلَيْطٌ قادحاً وقال‏:‏ إني ‏[‏ص 11‏]‏ علقت جارية لأبي مظعون، وقد واعدتني، فإذا دخلتَ عليه فاقْعُدْ معه في المجلس، فإذا أراد القيامَ فاسبقه، فإذا انتهيت إلى موضع كذا فاصفر حتى أعلم بمجيئكما فآخذ حَذَري، ولك كل يوم دينار، فخدعه بهذا، وكان أبو مظعون آخر الناس قياما من النادي ففعل قادح ذلك، وكان سُلَيْط يختلف إلى امرأته، فجرى ذكر النساء يوما، فذكر أبو مظعون جواريه وعَفَافهن، فقال قادح وهو يعرض بأبي مظعون‏:‏ ربما غُرّ الواثق، وخُدِع الْوَامق، وكذب الناطق، ومَلَّتِ العاتق، ثم قال‏:‏
لا تَنْطِقَنَّ بأمرٍ لا تَيَقَّنُهُ * ياعمرو، إنَّ المُعَافى غيرُ مخدوعِ
وعمرو‏:‏ اسم أبي مظعون، فعلم عمرو أنه يعرّض به، فلما تفرق القوم وثَب على قادح فخنقه وقال‏:‏ اصدقني، فحدثه قادح بالحديث، فعرف أبو مظعون أن سُلَيطا قد خدَعه، فأخذ عمرو بيد قادح ثم مر به على جَوَاريه فإذا هن مُقْبلات على ماوكلن به لم يفقِدْ منهن واحدةً، ثم انطلق آخذا بيد قادح إلى منزله فوجد سُلَيطا قد افترش امرأته، فقال له أبو مظعون‏:‏ إن المعافى غير مخدوع، تهكما بقادح، فأخذ قادح السيفَ وشدَّ على سُلَيط، فهرب فلم يدركه، ومال إلى امرأته فقتلها‏.‏
12- إنَّ فيِ الشَّرِّ خِيَاراً
الخير‏:‏ يجمع على الخِيار والأخيار، وكذلك الشر يجمع على الشِّرَار والأشرار‏:‏ أي أن في الشر أشياء خيارا‏.‏ ومعنى المثل - كما قيل - بعض الشر أهون من بعض، ويجوز أن يكون الخيار الاسم من الاختيار‏:‏ أي في الشر ما يُخْتَار على غيره‏.‏
13- إنَّ الْحَديِدَ بالْحَدِيِدِ يُفْلَحُ
الفَلْح‏:‏ الشَّقُّ، ومنه الفلاَّح للحَرَّاث لأنه يشق الأرض‏:‏ أي يُسْتعان في الأمر الشديد بما يشاكله ويقاويه‏.‏
14- إنَّ الْحَمَاةَ أُولِعَتْ بالْكَنَّهْ * وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بالظِّنَّهْ
الحماة‏:‏ أم زوج المرأة، والكَنَّة‏:‏ امرأة الابن وامرأة الأخ أيضاً، والظنة‏:‏ التهمة، وبين الحماة والكنة عداوة مستحكمة يضرب في الشر يقع بين قوم هو أهلٌ لذلك‏.‏
15- إن للّهِ جُنُوداً مِنْهَا العَسَلُ
قاله معاوية لما سمع أن الأشْتَر سُقِيَ عسلاً فيه سم فمات‏.‏
يضرب عند الشَّماتة بما يصيب العدو‏.‏ ‏[‏ص 12‏]‏
16- إن الْهَوى لَيَمِيلُ بِاسْتِ الرَّاكِبِ
أي مَنْ هوى شيئاً مال به هواه نحوه، كائناً ما كان، قبيحاً كان أو جميلا، كما قيل‏:‏ إلى حيثُ يَهْوَى القَلْب تَهْوِي به الرجل*
17- إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ
يضرب لمن يكون الغالبُ عليه فعلَ الجميل، ثم تكون منه الزَّلَّة‏.‏
18- إنَّ الشَّفِيقَ بِسُوءِ ظَنٍّ مُولَعُ
يضرب للمَعْنِيِّ بشأن صاحبه، لأنه لا يكاد يظن به غير وقوع الحوادث، كنحو ظُنُون الوالدات بالأولاد‏.‏
19- إنَّ المَعَاذيرَ يَشُوبُها الكَذِبُ
يقال‏:‏ مَعْذِرة ومَعَاذِر ومَعَاذِير‏.‏
يحكى أن رجلا اعتذر إلى إبراهيم النَّخَعي، فقال إبراهيم‏:‏ قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير، المثلَ‏.‏
20- إنَّ الْخَصَاصَ يُرَى فِي جَوْفِها الرَّقَمُ
الْخَصَاص‏:‏ الفُرْجَة الصغيرة بين الشيئين‏.‏ والرقَم‏:‏ الداهية العظيمة، يعني أن الشيء الحقير يكون فيه الشيء العظيم‏.‏
21- إنَّ الدَّوَاهِيَ في الآفاتِ تَهْتَرِس
ويروى ‏"‏ترتهس‏"‏ وهو قلبُ تهترس من الهَرْسِ، وهو الدقّ، يعني أن الآفات يموج بعضها في بعض ويدق بعضها بعضاً كثرة‏.‏
يضرب عند اشتداد الزمان واضطراب الفتن‏.‏
وأصله أن رجلا مر بآخر وهو يقول‏:‏ يا ربِّ إما مهرةً أو مهراً، فأنكر عليه ذلك، وقال‏:‏ لا يكون الجنين إلا مهرةً أو مهراً، فلما ظهر الجنين كان مُشَيَّأَ الْخَلْقِ مختلفه، فقال الرجل عند ذلك‏:‏
قَدْ طَرَّقَتْ بجنينٍ نصفُهُ فَرَسٌ * إن الدواهِيَ في الآفاتِ تهترس

B-happy 3 - 3 - 2010 01:03 AM

22- إنَّ عَلَيْكَ جُرَشْاً فَتَعَشَّه
يقال‏:‏ مضى جُرْشٌ من الليل، وجَوْش‏:‏ أي هزيع‏.‏
قلت‏:‏ وقوله ‏"‏فتعشه‏"‏ يجوز أن تكون الهاء للسكت، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لم يَتَسَنّهْ‏}‏ في أحد القولين، ويجوز أن تكون عائدة إلى الْجَرْش على تقدير‏:‏ فتعشَّ فيه، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ وأَوْصَلَ الفعلَ إليه، كقول الشاعر‏:‏
وَيَوْمٍ شَهدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً * قَلِيلٌ سِوَى الْطعنِ الدِّرَاكِ نَوَافِلُهْ ‏[‏ص 13‏]‏
أي شهدنا فيه‏.‏
يضرب لمن يؤمر بالاتّئاد والرفق في أمرٍ يبادره، فيقال له‏:‏ إنه لم يَفُتْكَ، وعليك ليل بعدُ، فلا تعجل‏.‏
قال أبو الدقيش‏:‏ إن الناس كانوا يأكلون النسناس، وهو خَلْقٌ لكل منهم يدٌ ورجل، فرعى اثنان منهم ليلا، فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ فَضَحك الصبحُ، فقال الآخر‏:‏ إن عليك جَرْشاً فتعشَّهْ‏.‏ قال‏:‏ وبلغني أن قوما تبعوا أحد النسناس فأخذوه فقال للذين أخذاه‏:‏
يارُبَّ يَوْمٍ لَوْ تَبِعْتُمَانِي * لمتُّمَا أَوْ لَتَركْتُمَانِي
فأدرِكَ فذُبح في أصل شجرة فإذا في بطنه شَحْم، فقال آخر من الشجرة‏:‏ إنه آكِلُ ضَرْوٍ، فقال الثالث‏:‏ فأنا إذن صُمَيْمِيت، فاستنزل فذبح‏.‏
23- إنَّ وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا
أصله أن أَمَةً واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمة إذا فرغَت من مهنة أهلها ليلا، فشغلوها عن الإنجاز بما يأمرونها من العمل، فقالت حين غلبها الشوقُ‏:‏ حبستموني وإن وراء الأكَمَة ما وراءها‏.‏
يضرب لمن يُفْشِي على نفسه أَمْرَاً مستوراً‏.‏
24- إنَّ خَصْلَتَينِ خَيْرُهُما الكَذِبُ لَخَصْلَتَا سُوءٍ
يضرب للرجل يعتذر من شيء فَعَله بالكذب‏.‏
يحكى هذا المثل عن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى، وهذا كقولهم‏:‏ عذرُهُ أَشَدُّ من جُرْمِه‏.‏
25- إنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ الوَحْيَ أحْمَقُ
ويروى الْوَحَى مكان الوَحْيِ‏.‏
يضرب لمن لا يَعْرف الإيماء والتعريضَ حتى يجاهر بما يراد إليه‏.‏
26- إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ
هذا من كلام عِمْرَان بن حصين‏.‏
والمعاريض‏:‏ جمع الْمِعْرَاض، يقال‏:‏ عرفتُ ذلك في معراض كلامه، أي فَحْوَاه‏.‏ قلت‏:‏ أجود من هذا أن يقال‏:‏ التعريض ضدُّ التصريح، وهو أن يُلْغِزَ كلامه عن الظاهر، فكلامه مَعْرض، والمعاريض جمعه‏.‏ ثم لك أن تثبت الياء وتحذفها، والْمَندُحة‏:‏ السَّعَة، وكذلك النُّدْحَة، يقال‏:‏ إن في كذا نُدْحَةً‏:‏ أي سَعَة وفُسْحة‏.‏
يضرب لمن يحسب أنه مضطر إلى الكذب ‏[‏ص 14‏]‏
27- إنَّ الْمَقْدِرَةَ تُذْهِبُ الْحفِيظَةَ
المَقْدِرة ‏(‏ذكر لغتين وترك ثالثة، وهي بفتح الميم وسكون القاف ودالها مثلثة‏)‏ والمَقْدُرة‏:‏ القدرة، والحفيظة‏:‏ الغضب‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ بلغنا هذا المثلُ عن رجل عظيم من قريش في سالف الدهر كان يطلب رجلا بِذَحْلٍ ‏(‏الذحل - بفتح الذال وسكون الحاء - الثأر‏)‏ فلما ظفر به قال‏:‏ لولا أن المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك، ثم تركه‏.‏
28- إنَّ السَّلاَمَةَ مِنْهَا تَرْكُ ما فيها
قيل‏:‏ إن المثل في أمر اللَقطة توجَد، وقيل‏:‏ إنه في ذم الدنيا والحثِّ على تركها، وهذا في بيت أولهُ‏:‏
والنفسُ تَكْلَفُ بالدنيا وقد علمت * أنَّ السلامة منها تَرْكُ ما فيها
29- إنَّ سِوُادَها قَوَّمَ لِي عِنَادَهَا
السِّواد‏:‏ السِّرار، وأصله من السَّواد الذي هو الشخص، وذلك أن السِّرار لا يحصل إلا بقرب السواد من السواد، وقيل لابنة الْخُسِّ وكانت قد فَجَرت‏:‏ ما حملكِ على ما فعلتِ‏؟‏ قالت‏:‏ قُرْبُ الوِسَاد وطُولُ السِّواد‏.‏ وزاد فيه بعضُ المُجَّان‏:‏ وحُبُّ السِّفَاد‏.‏
30- إنَّ الهَوَان لِلَّئيمِ مَرْأمَة
المَرْأَمة‏:‏ الرِّئْمَانُ، وهما الرأفة والعطف‏.‏ يعني إذا أكرمْتَ اللئيم استخفَّ بك، وإذا أهنته فكأنك أكرمته، كما قال أبو الطيب‏:‏
إذا أَنْتَ أكرمْتَ الكريمَ ملكتَهُ * وإنْ أَنْتَ أكرمْتَ اللئيمَ تمرَّدَا
وَوَضْعُ النَّدَى في مَوْضِع السيفِِ بالعُلاَ *مُضِرّ كوضعِ السيف في موضع النَّدَى
31- إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ * أفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ
يضرب في التندم على ما فات‏.‏
يقال‏:‏ أَصَافَ الرجلُ، إذا وُلد له على كبر سنه، وولده صَيْفيون، وأَرْبَعَ الرجل إذا وُلد له في فَتَاء سنه، وولدُهُ رِِبْعِيُّون، وأصلُها مستعار من نِتاج الإبل، وذلك أن رِبْعِيَّة النِّتَاج أولاه، وَصَيْفيته أخراه، فاستعير لأولاد الرجل‏.‏
يقال‏:‏ أول من قال ذلك سعد بن مالك بن ضُبَيعة، وذلك أنه ولد له على كبر السن، فنظر إلى أولاد أَخَوَيْه عمرو وعَوْف، وهم رجال، فقال البيتين، وقيل‏:‏ بل قاله معاوية ابن قُشَيْر، ويتقدمهما قولهُ‏:‏ ‏[‏ص 15‏]‏
لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الداريُّونْ * أَهْلُ الْجِبَابِ البُدَّنُ المَكْفِيُّونْ
سَوْفَ تَرَى إن لَحِقُوا ما يُبْلُونْ * إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ
وكان قد غزا اليمن بولدهِ فقُتِلوا ونجا وانصرف ولم يبق من أولاده إلا الأصاغر، فبعث أخوه سَلَمَةُ الخير أولاده إليه، فقال لهم‏:‏ اجلسوا إلى عمكم وحَدِّثوه ليسلو، فنظر معاوية إليهم وهم كبار وأولاده صغار، فساءه ذلك، وكان عَيُوناً فردَّهم إلى أبيهم مخافة عينه عليهم وقال هذه الأبيات‏.‏
وحكى أبو عبيد أنه تمثل به سليمانُ بن عبد الملك عند موته، وكان أراد أن يجعل الخلافة في ولده فلم يكن له يومئذ منهم مَنْ يصلح لذلك إلا مَنْ كان من أولاد الإماء، وكانوا لا يَعْقِدُون إلا لأبناء المَهَائر‏.‏ قال الجاحظ‏:‏ كان بنو أمية يرون أن ذهاب ملكهم يكون على يد ابن أم ولد، ولذلك قال شاعرهم‏:‏
ألم تَرَ للخلاَفَةِ كَيْفَ ضَاعَتْ * بأن جُعِلَتْ لأبْناء الإمَاءِ
32- إنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَيَّةِ
قال أبو عبيد‏:‏ هكذا قال الأصمعي، وأنا أحسبه العُصَية من العَصَا، إلا أن يُرَاد أن الشيء الجليلَ يكون في بَدْء أمره صغيرا، كما قالوا‏:‏ إن القَرْم من الأفِيل ‏(‏القرم - بفتح القاف وسكون الراء - الفحل من الإبل، والأفيل - بوزن الأمير - ابن المخاض فما دونه، وهذا مثل سيأتي‏)‏، فيجوز حينئذ على هذا المعنى أن يقال‏:‏ العَصَا من العُصَية‏.‏
قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك الأفْعَى الْجُرْهُمي، وذلك أن نِزَاراً لما حَضْرَتْه الوفاة جَمَع بنيه مضر وإيادا وربيعة وأنمارا، فقال‏:‏ يا بني، هذه القبة الحمراء - وكانت من أدَم - لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخِباء الأسود لربيعة، وهذه الخادم - وكانت شَمْطَاء - لإياد، وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فائتوا الأفعى الجرهمي، ومنزلُه بنَجْرَان‏.‏ فتشاجروا في ميراثه، فتوجَّهُوا إلى الأفعى الجرهمي، فبيناهم في مسيرهم إليه إذ رأى مُضَر أثَرَ كلأ قد رُعِىَ فقال‏:‏ إن البعير الذي رَعَى هذا لأعْوَر، قال ربيعة‏:‏ إنه لأزْوَرُ، قال إياد‏:‏ إنه لأبتَرُ ‏(‏الأزور‏:‏ الذي اعوج صدره أو أشرف أحد جانبي صدره على الآخر، والأبتر‏:‏ المقطوع الذنب‏)‏ قال أنمار‏:‏ إنه لَشَرُود، فساروا قليلا فإذا هم برجل يَنْشُد جَمَله، فسألهم عن البعير، فقال مضر‏:‏ أهو أعور‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ‏[‏ص 16‏]‏ قال ربيعة‏:‏ أهو أزور‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال إياد‏:‏ أهو أبتر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال أنمار‏:‏ أهو شَرُود‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وهذه واللّه صفة بعيري فدُلوني عليه، قالوا‏:‏ واللّه ما رأيناه، قال‏:‏ هذا واللّه الكذبُ‏.‏ وتَعَلَّق بهم وقال‏:‏ كيف أصَدِّقكم وأنتم تَصِفون بعيري بصفته‏؟‏ فساروا حتى قَدِموا نَجْران، فلما نزلوا نادى صاحبُ البعير‏:‏ هؤلاء أَخَذوا جَمَلي ووصَفوا لي صفته ثم قالوا‏:‏ لم نَرَهُ، فاختصموا إلى الأفْعَى، وهو حَكَم العرب فقال الأفعى‏:‏ كيف وصفتموه ولم تَرَوْه‏؟‏ قال مضر‏:‏ رأيته رَعَى جانبا وتَرَك جانبا فعلمتُ أنه أعور، وقال ربيعة‏:‏ رأيت إحدى يديه ثابتة الأثَر والأخرى فاسدته، فعلمت أنه أَزْوَر، لأنه أفسَده بشدةِ وَطُئه لازوراره، وقال إياد‏:‏ عرفت أنه أبتر باجتماع بَعَره، ولو كان ذَيَّالا لَمَصَع به، وقال أنمار‏:‏ عرفت أنه شَرُود لأنه كان يرعى في المكان الملفتِّ نَبْتُه ثم يَجُوزُه إلى مكان أرقَّ منه وأخبثَ نَبْتاً فعلمت أنه شَرُود، فقال للرجل‏:‏ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه، ثم سألهم‏:‏ مَنْ أنتم‏؟‏ فأخبروه، فرحَّب بهم، ثم أخبروه بما جاء بهم، فقال‏:‏ أتحتاجون إليَّ وأنتم كما أرى‏؟‏ ثم أنزلهم فَذَبَحَ لهم شاة، وأتاهم بخَمْر‏:‏ وجلس لهم الأفعى حيث لا يُرَى وهو يسمع كلامهم، فقال ربيعة‏:‏ لم أَرَ كاليوم لحماً أطيبَ منه لولا أن شاته غُذِيت بلبن كلبة‏!‏ فقال مضر‏:‏ لم أر كاليوم خمراً أطيَبَ منه لولا أن حُبْلَتَها نبتت على قَبر، فقال إياد‏:‏ لم أر كاليوم رجلا أسْرَى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يُدْعَى له‏!‏ فقال أنمار‏:‏ لم أر كاليوم كلاما أَنْفَعَ في حاجتنا من كلامنا، وكان كلامُهم بأذُنِهِ، فقال‏:‏ ما هؤلاء إلا شياطين ثم دعا القَهْرَمَان فقال‏:‏ ما هذه الخمر‏؟‏ وما أمرها‏؟‏ قال‏:‏ هي من حُبْلَة غرستُها على قبر أبيك لم يكن عندنا شرابٌ أطيبُ من شرابها، وقال للراعي‏:‏ ما أمر هذه الشاة‏؟‏ قال‏:‏ هي عَنَاق أرضَعْتُها بلبن كلبة، وذلك أن أمها كانت قد ماتت ولم يكن في الغنم شاة ولدت غيرها، ثم أتى أمه فسألها عن أبيه، فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال، وكان لا يولد له، قالت‏:‏ فخفتُ أن يموت ولا ولد له فيذهب الملك، فأمكنت من نفسي ابنَ عم له كان نازلا عليه، فخرج الأفعى إليهم، فقصَّ القومُ عليه قصتهم وأخبروه بما أوصى به أبوهم، فقال‏:‏ ما أشْبَهَ القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسمى ‏"‏مضر الحمراء‏"‏ لذلك، وقال‏:‏ وأما صاحب الفرس الأدهم والخِباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيلُ ‏[‏ص 17‏]‏ الدُّهْمُ، فقيل ‏"‏ ربيعة الفرس‏"‏ وما أشبه الخادمَ الشمطاء فهو لإياد، فصار له الماشية البُلْقُ من الحَبَلَّقِ والنَّقَدِ ‏(‏الحبلق‏:‏ غنم صغار لا تكبر، والنقد‏:‏ جنس من الغنم قبيح الشكل‏)‏، فسمى ‏"‏ إياد الشَّمْطَاء‏"‏ وقضى لأنمار بالدراهم وبما فَضَل فسمى ‏"‏ أنمار الفضل‏"‏ فصَدَروا من عنده على ذلك، فقال الأفعى‏:‏ إن العصا من العُصَية، وإن خُشَيْناً من أخْشَن، ومُسَاعدة الخاطل تعد من الباطل، فأرسلهن مُثُلاً، وخُشَيْن وأخشن‏:‏ جَبَلاَن أحدهما أصغر من الآخر، والخاطل‏:‏ الجاهل، والْخَطَل في الكلام‏:‏ اضطرابه، والعُصَيَّة‏:‏ تصغير تكبير مثل ‏"‏ أنا عُذَيْقُها المرَجَّبُ وجُذَيْلُها المُحَكَّكُ‏"‏ والمراد أنهم يشبهون أباهم في جَوْدة الرأي، وقيل‏:‏ إن العصا اسم فرس، والعُصَيَّة اسم أمه، يراد أنه يحكي الأم في كَرَم العِرْق وشرف العِتْق‏.‏
33- إنَّ الكَذُوبَ قَدْ يَصْدُقُ
قال أبو عبيد‏:‏ هذا المثل يضرب للرجل تكون الإساءة الغالبةَ عليه، ثم تكون منه الهَنَةُ من الإحسان‏.‏
34- إنَّ تَحْتَ طِرِّيقَتِكَ لَعِنْدَأْوَةً
الطِّرَقُ‏:‏ الضعف والاسترخاء، ورجل مَطْروق‏:‏ فيه رخوة وضعف، قال ابن أحمر‏:‏
ولا تَصِلِي بمَطْرُوقٍ إذا ما * سَرَى في القوم أصبح مستكينا
ومصدره الطِّرِّيقة بالتشديد‏.‏ والعِنْدَأوَة‏:‏ فِعْلأَوة من عَنَد يَعْنُد عُنُوداً إذا عَدَل عن الصواب، أو عَنَدَ يَعْنِدُ إذا خالف وردَّ الحق‏.‏ ومعنى المثل أن في لينه وانقياده أحياناً بعضَ العسر‏.‏
35- إنَّ الْبَلاَءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ
قال المفضل‏:‏ يقال‏:‏ إن أول من قال ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه فيما ذكره ابن عباس، قال‏:‏ حدثني علي ابن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه لما أمِرَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يَعْرِضَ نفسَه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر، فَدُفِعْنَا إلى مجلسٍ من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر وكان نَسَّابة فسَلَّم فردُّوا عليه السلام، فقال‏:‏ ممن القوم‏؟‏ قالوا‏:‏ من ربيعة، فقال‏:‏ أمِنْ هامتها أم من لَهَازمها‏؟‏ قالوا‏:‏ من هامتها العظمى، قال‏:‏ فأيُّ هامتها العظمى أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ ذُهْلٌ الأكبر، قال‏:‏ أفمنكم عَوْف الذي يقال له لاَحُرّ بِوَادِي عَوْف‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم بِسْطَام ذُو اللَّواء ومنتهى الأحياء‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏؟‏ قال‏:‏ أفمنكم جَسَّاس بن مُرَّةَ ‏[‏ص 18‏]‏ حامي الذِّمار ومانِعُ الجار‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم الحَوْفَزَان قاتل الملوك وسالبها أنفَسها‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم المزدَلف صاحب العِمَامة الفَرْدة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفأنتم أخوال الملوك من كِنْدَة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ فلستم ذُهْلا الأكبر، أنتم ذهل الأصغر، فقام إليه غلام قد بَقَلَ وَجْههُ يقال له دغفل، فقال‏:‏
إنَّ عَلَى سِائِلِناَ أنْ نَسْأَلَه * وَالْعِبْءُ لاَ تَعْرِفُهُ أوْ تَحْمِلَهُ
يا هذا، إنك قد سألتنا فلم نكتمك شيئاً فمن الرجل أنت‏؟‏ قال‏:‏ رجل من قريش، قال‏:‏ بخ بخ أهل الشرف والرياسة، فمن أي قرش أنت‏؟‏ قال‏:‏ من تَيْم بن مُرَّة، قال‏:‏ أمْكَنْتَ واللّه الرامي من صفاء الثغرة، أفمنكم قُصَيّ بن كلاب الذي جَمَعَ القبائل من فِهْر وكان يُدْعَى مُجَمِّعاُ‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم هاشم الذي هَشَم الثريدَ لقومه ورجالُ مكة مُسْنتُونَ عِجَاف‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم شَيْبَةُ الحمدِ مُطْعم طير السماء الذي كأن في وجهه قمراً يضيء ليل الظلام الداجي‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن المُفِيضينَ بالناس أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل النَّدْوَة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل الرِّفادة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل الحِجَابة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل السِّقَاية أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ واجتذبَ أبو بكر زِمام ناقته فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال دغفل‏:‏ صادَفَ دَرأ السيل دَرْأً يصدعُهُ، أما واللّه لو نبتَّ لأخبرتك أنك من زَمَعَات قريش أو ما أنا بدغفل، قال، ‏:‏ فتبسَّم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال علي‏:‏ قلت لأبي بكر‏:‏ لقد وقَعْتَ من الأعرابي على باقِعَةٍ، قال‏:‏ أجَلْ إن لكل طامة طامة، وإن البلاء مُوَكَّل بالمنطق‏.‏
36- إنَّما سُمِّيتَ هَانِئاً لِتَهْنَأ
يقال‏:‏ هَنَأْتُ الرجل أهْنَؤُه وأهْنِئهُ هَنأْ إذا أعطيته، والاسم الهِنْء - بالكسر - وهو العطاء‏:‏ أي سميت بهذا الاسم لتُفْضِلَ على الناس، قال الكسائي‏:‏ لتهنأ أي لتَعُولَ، وقال الأموي‏:‏ لتَهْنِئَ أي لِتُمْرِئَ
37- إنَّهُ لَنِقَابٌ
يعني به العالم بمُعْضِلات الأمور، قال أوس بن حجر‏:‏
جَوَادٌ كَرِيمٌ أخُو مَاقِطٍ * نِقَابٌ يحدث بالغائب
ويروى عن الشعبي أنه دخل على ‏[‏ص 19‏]‏ الحجاج بن يوسف فسأله عن فريضة من الجد فأخبره باختلاف الصحابة فيها، حتى ذكر ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، فقال الحجاج‏:‏ إن كان ابنُ عباس لَنِقَاباً‏.‏
38- إنَّهُ لَعِضٌّ
أي دَاهٍ، قال القطامي‏:‏
أحَادِيث مِنْ أنْباء عَادٍ وَجُرْهُم * يُثَوِّرُهَا العِضَّانِ زَيْدٌ وَدغْفلُ
يعني زيد بن الكيس ‏(‏في القاموس‏:‏ زيد بن الحارث‏)‏ النمري ودغفلا الذهلي، وكانا عالمي العرب بالأنساب الغامضة والأنباء الخفية‏.‏
39- إنَّهُ لوَاهًا مِنَ الرِّجَالِ
يروى واها بغير تنوين‏:‏ أي أنه محمودُ الأخلاق كريم، يعنون أنه أهل لأن يقال له هذه الكلمة، وهي كلمة تعجب وتلذذ، قال أبو النجم‏:‏
واهاً لريَّا ثمَّ وَاهاً وَاهاَ*
ويروى ‏"‏وَاهاً‏"‏ بالتنوين، ويقال للئيم‏:‏ إنه لغَيْرُ وَاها‏.‏
40- إنَّمَا خَدَشَ الْخُدُوشَ أَنُوشُ
الخَدْش‏:‏ الأثر، وأنوش‏:‏ هو ابن شيث ابن آدم صلى اللّه عليهما وسلم، أي أنه أول من كَتَبَ وأثر بالخط في المكتوب‏.‏
يضرب فيما قَدُمَ عهدُه‏.‏
41- إنَّ العَوَانَ لا تُعَلَّم الْخِمْرَةَ
قال الكسائي‏:‏ لم نسمع في العَوَان بمصدر ولا فعل‏.‏ قال الفراء‏:‏ يقال عَوَّنَتْ تَعْوِينا وهي عَوَان بينةُ التعوين‏.‏ والْخِمْرَة‏:‏ من الاختمار كالجِلْسة من الْجُلُوس اسم للهيئة والحال‏:‏ أي أنها لا تحتاج إلى تعليم الاختمار‏.‏ يضرب للرجل المجرب‏.‏
42- إنَّ النِّسَاءَ لَحْمٌ عَلَى وَضَمْ
الوَضَم‏:‏ ما وُقِيَ به اللحمُ من الأرض بارِيَّةٌ ‏(‏البارية‏:‏ الحصير المنسوج من القصب ونحوه‏)‏ أو غيرها، وهذا المثل يروى عن عمر رضي اللّه عنه حين قال‏:‏ لا يخلُوَنَّ رجل بِمُغِيبَةٍ، إن النساء لحمٌ على وضم‏.‏
43- إنَّ الْبَيْعَ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ
قالوا‏:‏ أول مَنْ قال ذلك أُحَيْحَةُ بن الجُلاَح الأوْسِيُّ سيد يثرب، وكان سبب ذلك أن قيس بن زهير العبسي أتاه - وكان صديقا له - لما وقع الشر بينه وبين بني عامر، وخرج إلى المدينة ليتجَهَّز لقتالهم حيث قتل خالدُ بن جعفر زهيرَ بن جَذِيمة، فقال قيس لأحَيْحَة‏:‏ يا أبا عمرو، نُبِّئت أن عندك دِرْعا فبِعْنِيهَا أو هَبْها لي، فقال‏:‏ يا أخا بني عَبْس ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل ‏[‏ص 20‏]‏ عنه، ولَولا أني أكره أن أستلئم إلى بني عامر لوهبتها لك ولحملتك على سَوَابق خيلي، ولكن اشْتَرِها بابن لَبُون فإن البيع مرتخص وغال، فأرسلها مثلا، فقال له قيس‏:‏ وما تكره من استلآمك إلى بني عامر‏؟‏ قال‏:‏ كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول‏:‏
إذا ما أرَدْتَ العزَّ في دار يثرب * فنادِ بصوتٍ يا أحَيْحَةُ تُمْنَعِ
رأينا أبا عَمْرٍ وأحَيْحَةَ جَارُهُ * يَبيتُ قريرَ العين غيرَ مُرَوّعِ
ومن يأتِهِ من خائِفٍ يَنْسَ خوفَه * ومن يأته من جائِعِ البطنِ يَشْبَعِ
فضائلُ كانت للجُلاَح قديمة * وأكْرِمْ بفَخْرٍ من خصالك أربع
فقال قيس‏:‏ يا أبا عمرو ما بعد هذا عليك من لوم، ولهى عنه‏.‏
44- إلاَّ حَظِيَّةً فَلا أَلِيَّةً
مصدر الحَظِيَّة‏:‏ الحُظْوَة، والحِظْوَة والحِظَة، والألِيَّة‏:‏ فَعيلة من الألْو، وهو التقصير، ونصب حظيَّةً وأليَّةً على تقدير إلاّ أكُنْ حظيةً فلا أكون أليَّةً، وهي فَعيلة بمعنى فاعلة، يعني آليةً، ويجوز أن يكون للازدواج، والحَظِية‏:‏ فعيلة بمعنى مفعولة، يقال‏:‏ أحْظَاها اللّه فهي حَظِية، ويجوز أن تكون بمعنى فاعلة، يقال‏:‏ حَظِىَ فلانٌ عند فلان يَحْظَى حُظْوَةً فهو حَظِيّ، والمرأة حَظِية، قال أبو عبيد‏:‏ أصل هذا في المرأة تَصْلَفُ عند زوجها فيقال لها‏:‏ إن أخطأتْكِ الحُظْوة فلا تألِي أن تتودَّدي إليه‏.‏
يضرب في الأمر بمُداراة الناس ليدرك بعضَ ما يحتاج إليه منهم‏.‏
45- أمَامَها تَلْقَى أَمَةٌ عَمَلَها
أي إن الأمة أيْنَمَا توجهت ليقتْ عملا
46- إنَّهُ لأََخْيَلُ مِنْ مُذَالَةٍ
أخْيَلُ‏:‏ أفْعَلُ من خَالَ يَخَالُ خَالاً إذا اختال، ومنه‏:‏
وَإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبُ فَخَلْ* والمُذَالة‏:‏ المُهَانة‏.‏ يضرب للمختال مهانا
47- إنِّي لآكُلُ الرَّأْسَ وَأَنَا أعْلَمُ ما فِيهِ
يضرب للأمر تأتيه وأنت تعلم ما فيه مما تكره
48- إذَا جاءَ الْحَيْنُ حارَتِ العَيْنُ
قال أبو عبيد‏:‏ وقد روى نحو هذا عن ابن عباس، وذلك أن نَجْدَة الحَروُرِيّ أو نافعا الأزْرَقَ قال له‏:‏ إنك تقول إن الهدهد إذا نَقَر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين ‏[‏ص 21‏]‏ الماء وهو لا يبصر شعيرة الفَخَّ، فقال‏:‏ إذا جاء القَدَر عمى البصر

B-happy 3 - 3 - 2010 01:06 AM



49- إنَّهُ لشَدِيدُ جَفْنِ العَيْنِ
يضرب لمن يَقْدر أن يصبر على السهر
50- أنْفٌ في السَّماءِ واسْتٌ فِي الماءِ
يضرب للمتكبر الصغير الشأن‏.‏
51- أنْفُكَ مِنْكَ وَإِنْ كانَ أذَنَّ
الَّذنِين‏:‏ ما يسيل من الأنف من المُخَاط وقد ذَنّ الرجلُ يَذِنُّ ذَنِيناُ فهو أذَنٌّ، والمرأة ذَنَّاء‏.‏
وهذا المثل مثلُ قولهم‏:‏ أَنْفُكَ منك وإن كان أجْدَعَ‏.‏
52- إِنَّهُ لَخَفِيفُ الشُّقَّةِ
يريدون إنه قليلُ المسألة للناس تعفُّفاً
53- إذَا ارْجَعَنَّ شَاصِياً فَارْفَعْ يَدا
وروى أبو عبيد ‏"‏ارْجَحَنّ‏"‏ وهما بمعنى مَالَ، ويروى ‏"‏اجرعن‏"‏ وهو قلب ارجعن وشاصيا‏:‏ من شَصَا يَشْصُو شُصُوّا إذا ارتفع‏.‏ يقول‏:‏ إذا سقط الرجل وارتفعت رجلهُ فاكْفُفْ عنه، يريدون إذا خَضَع لك فكفّ عنه‏.‏
54- إِنَّ الذَّلِيلَ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ
أي‏:‏ أنصار وأعوان، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كُنْتُ متخذَ المضِّلين عَضُداً‏}‏ وفَتّ في عضده‏:‏ أي كسر من قوته‏.‏
يضرب لمن يَخْذُلُه ناصِرُه‏.‏
55- إِنْ كُنْتَ بي تَشُدُّ أزْرَكَ فَأَرْخِهِ
أي إن تَتَّكل عليَّ في حاجتك فقد حُرِمْتَهَا‏.‏
56- إِنْ يَدْمَ أظَلُّكَ فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي
الأظَلُّ‏:‏ ما تحت مَنْسِمِ البعير‏.‏ والخفُّ‏:‏ واحد الأخفاف، وهي قوائمه‏.‏
يضربه المشكّو إليه للشاكي‏:‏ أي أنا منه في مثل ما تشكوه‏.‏
57- أتَتْك بحَائِنٍ رِجْلاَهُ
كان المفضَّل يخبر بقائل هذا المثل فيقول‏:‏ إنه الحارث بن جَبَلَة الغَسَّاني، قاله للحارث بن عيف العبدي، وكان ابن العيف قد هَجَاه، فلما غزا الحارث بن جَبَلة المنذرَ ابن ماء السماء كان ابن العيف معه، فقُتِل المنذر، وتفرقت جموعُه، وأسِرَ ابنُ العيف، فأتى به إلى الحارث بن جَبَلة، فعندها قال‏:‏ أتتك بحائن رجلاه، يعني مسيرَه مع المنذر إليه، ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربةً دقت منكبه، ثم برأ منها وبه خَبَل وقيل‏:‏ أول مَنْ قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ حين عَرَض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه، وكان قَصده ليمدحه، ولم يعرف أنه يومُ ‏[‏ص 22‏]‏ بؤسه، فلما انتهى إليه قال له النعمان‏:‏ ما جاء بك يا عَبيد‏؟‏ قال‏:‏ أتتك بحائن رجلاه، فقال النعمان‏:‏ هلا كان هذا غَيْرَك‏؟‏ قال‏:‏ الْبَلاَيا على الْحَوَايا، فذهبت كلمتاه مثلا، وستأتي القصة بتمامها في موضع آخر من الكتاب إن شاء اللّه تعالى‏.‏
58- إِيَّاكَ وَأهْلَبَ الْعَضْرَطِ
الأهْلَبُ‏:‏ الكثيرُ الشعر‏.‏ والْعَضْرَط‏:‏ ما بين السَّهِ والمذاكير، ويقال له العِجَان، وأصل المثل أن امرأة قال لها ابنها‏:‏ ما أجِدُ أحداً إلا قهرْتُه وغلبته، فقالت‏:‏ يا بني إياك وأهْلَبَ العَضْرَطِ، قال‏:‏ فصرعَه رجل مرة، فرآى في استه شَعْرا، فقال‏:‏ هذا الذي كانت أمي تحذرني منه‏.‏
يضرب في التحذير للمُعْجَب بنفسه‏.‏
59- أنْتَ كالْمُصْطادِِ بِاسْتهِ
هذا مثل يضرب لمن يطلب أمرا فيناله من قرب‏.‏
60- أنا ابْنُ بَجْدَتِهَا
أي أنا عالم بها، والهاء راجعة إلى الأرض، يقال‏:‏ عنده بَجْدَةُ ذاك، أي علم ذاك، ويقال أيضاً‏:‏ هو ابن مدينتها، وابن بجدتها، من ‏"‏مَدَنَ بالمكان‏"‏ و ‏"‏بَجَدَ‏"‏ إذا أقام به، ومَنْ أقام بموضع علم ذلك الموضع، ويقال‏:‏ البَجْدَةُ الترابُ، فكأنَّ قولَهم ‏"‏أنا ابن بجدتها‏"‏ أنا مخلوق من ترابها، قال كعب بن زهير‏:‏
فيها ابنُ بجدتِهَا يكاد يُذِيبه * وَقْدُ النهار إذا اسْتَنَارَ الصَّيْخَدُ
يعني بابن بجدتها الحِرْبَاء، والهاء في قوله ‏"‏ فيها‏"‏ ترجع إلى الفَلاَة التي يصفها‏.‏
61- إِلَى أُمِّه يَلْهَفُ الَّلهْفَانُ
يضرب في استعانة الرجل بأهله وإخوانه والَّلهْفَان‏:‏ المتحسر على الشيء، واللَّهِيف‏:‏ المضطر، فوضع اللهفان موضع اللهيف، ولَهِفَ معناه تلَّهفَ أي تحسر، وإنما وصَل بإلى على معنى يلجأ ويفر، وفي هذا المعنى قال القُطَامي‏:‏
وإذا يُصيبك والحوادثُ جَمَّةٌ * حَدَثٌ حَدَاك إلى أخيك الأوْثَقِ
62- أُمٌّ فَرَشَتْ فَأَنامَتْ
يضرب في بر الرجل بصاحبه، قال قُرَاد‏:‏
وكنت له عَمًّا لطيفا، ووالدا * رَءُوفاً، وأمّا مَهَّدَتْ فأنَامَتِ
63- إِذا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ
قال أبو عبيد‏:‏ معناه مُيَاسَرتَكُ صديقَك ليست بضَيْم يركبك منه فتدخلك ‏[‏ص 23‏]‏ الحميَّة به، إنما هو حسن خلُق وتفضّل، فإذا عاسَرَك فياسره‏.‏
وكان المفضل يقول‏:‏ إن المثل لهُذَيل ابن هُبَيرة التَّغْلبي، وكان أغار على بني ضبة فغنم فأقبل بالغنائم، فقال له أصحابه‏:‏ اقْسِمْهَا بيننا، فقال‏:‏ إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب، فأبوا، فعندها قال‏:‏ إذا عزَّ أخوك فهُنْ، ثم نزل فقسم بينهم الغنائم، وينشد لابن أحمر‏:‏
دَبَبْتُ له الضَّرَاء وقُلْتُ‏:‏ أبْقَى * إذا عَزَّ ابنُ عمك أنْ تَهُونَا
64- أخاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخالَهُ * كَسَاعِ إلَى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ
نصَب قوله ‏"‏أخلك‏"‏ بإضمار فعل‏:‏ أي الزم أخاك، أو أكرم أخاك، وقوله ‏"‏ إن من لا أخا له‏"‏ أراد لا أخَ له، فزاد ألِفاً لأن في قوله ‏"‏له‏"‏ معنى الإضافة، ويجوز أن يحمل على الأصل أي أنه في الأصل أخَوٌ فلما صار أخا كعَصاً ورحىً ترك ههنا على أصله‏.‏
65- أيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ
أول من قاله النابغةُ حيث قال‏:‏
ولَسْتَ بِمُسْتَبْقِ أخاً لا تَلُمُّهُ * على شَعَثٍ، أيُّ الرجالِ المهذَّبُ‏؟‏
66- أَنا عُذَلَةٌ وَأَخِي خُذَلَة * وكلاَنا لَيْسَ بِابْنِ أمَةٍ
يضرب لمن يَخْذُلك وتَعْذِله‏.‏
67- إِنَّهُ لَحَثِيثُ التَّوالِي
ويقال‏:‏ لَسَريعُ التوالي‏.‏ يقال ذلك للفرس، وتواليه‏:‏ مآخيرُهُ رِجْلاه وذَنَبه، وتَوَالِي كل شيء‏:‏ أواخره‏.‏
يضرب للرجل الجادّ المسرع‏.‏
68- أّخُوكَ مَنْ صَدَقَكَ النَّصِيحَةَ
يعني النصيحة في أمر الدين والدنيا‏:‏ أي صدقك في النصحية، فحذف ‏"‏في‏"‏ وأوصل الفعل، وفي بعض الحديث ‏"‏الرجُلُ مِرْآة أخيه‏"‏ يعني إذا رأى منه ما يكره أخْبَره به ونهاه عنه، ولا يوطئه العَشْوَة‏.‏
69- إِنْ تَسْلَمِ الْجِلَّةُ فَالنَّيبُ هَدَر
الجِلَّة‏:‏ جميع جَليل، يعني العظامَ من الإبل‏.‏ والنِّيب‏:‏ جمع نَابٍ، وهي الناقة المسنَّة، يعني إذا سلم ما يُنتفع به هان مالا ينتفع به‏.‏
70- إِذَا تَرَضَّيْتَ أَخَاكَ فَلاَ أَخَا لَك
الترضِّي‏:‏ الإرضاء بجَهْد ومشقة‏.‏ يقول‏:‏ إذا ألجأك أخوك إلى أن تترضَّاه وتداريه فليس هو بأخ لك ‏[‏ص 24‏]‏
71- إِنَّ أَخَاكَ لَيُسَرُّ بأنْ يَعتَقلَ
قاله رجل لرجل قُتل له قَتيل فعُرِض عليه العَقْل فقال‏:‏ لا آخذه، فحدَّثَ بذلك رجلٌ فقال‏:‏ بل واللّه إن أخاك ليُسَرُّ بأن يعتقل، أي يأخذ العَقْل، يريد أنه في امتناعه من أخذ الدية غير صادق‏.‏
72- أصُوصٌ عَلَيْهَا صُوصٌ
الأصوص‏:‏ الناقة الحائلُ السمينة، والصُّوص‏:‏ اللئيم، قال الشاعر‏:‏
فألفيتكم صُوصاً لُصُوصاً إذا دجا ال * ظلامُ ‏(‏الظلامُ‏)‏ وهَيَّابِينَ عند البَوَارِقِ
يضرب للأصل الكريم يظهر منه فرع لئيم‏.‏ ويستوي في الصُّوص الواحدُ والجمع‏.‏
73- أخَذَتِ الإِبِلُ أسْلِحَتَها
ويروى ‏"‏ رِمَاحَهَا‏"‏ وذلك أن تسمن فلا يجد صاحبُها من قلبه أن يَنْحَرَها
74- إَنَّهُ يَحْمِي الحَقِيقَةَ، ويَنْسِلُ الوَدِيقَةَ، ويَسُوقُ الوَسِيقَةَ
أي يحمي ما تحقُّ عليه حمايتُه، وينسل‏:‏ أي يُسْرع العَدْوَ في شدة الحرِ، وإذا أخذ إبلا من قوم أغار عليهم لم يَطْرُدْها طَرْداً شديداً خوفاً من أن يُلْحق، بل يسُوقها سَوْقاً على تُؤَدة ثقةً بما عنده من القوة‏.‏
75- إِنَّ ضَجَّ فَزِدْهُ وِقْراً
ويروى ‏"‏ إن جَرْجَرَ فزده ثقلا‏"‏ أصلُ هذا في الإبل، ثم صار مثلا لأن تُكَلِّفَ الرجلَ الحاجةَ فلا يضبطها بل يَضْجَر منها فيطلب أن تخفف عنه فتزيده أخرى، كما يقال‏:‏ زيادة الإبرام، تُدْنيك من نيل المرام‏.‏ ومثلُه‏.‏
76- إنْ أعْيَا فَزِدْهُ نَوْطاً
النَّوْطُ‏:‏ العِلاَوة بين الجُوَالَقَيْنِ‏.‏ يضرب في سؤال البخيل وإن كرهه‏.‏
77- إنَّما يَجْزِي الفَتى لَيْسَ الجَملَُ
يريد ‏"‏لا الجمل‏"‏ يضرب في المكافأة، أي إنما يَجْزِيك مَنْ فيه إنسانية لا من فيه بهيمية، ويروى ‏"‏الفتى يجزيك لا الجمل‏"‏ يعنى الفتى الكَيِّس لا الأحمق‏.‏
78- إِنَّما القَرْمُ مِنَ الأفيِلِ
القَرْم‏:‏ الفحل‏.‏ والأفِيل‏:‏ الفَصِيلُ يضرب لمن يعظم بعد صغره‏.‏
79- إذَا زَحَفَ البَعيرُ أعْيَتْهُ أُذُناهُ
يقال‏:‏ زَحَفَ البعير، إذا أعيا فَجَرَّ فِرْسِنَهُ عَياء، قاله الخليل‏.‏
يضرب لمن يثقل عليه حمله فيضيق به ذَرْعاً‏.‏ ‏[‏ص 25‏]‏
80- إحْدَى نَوادِهِ البَكْرِ
وروى أبو عمرو ‏"‏ إحدى نواده النكر‏"‏ النَّدْهُ‏:‏ الزجر، والنواده‏:‏ الزواجر‏.‏
يضرب مثلا للمرأة الجريئة السَّلِيطة، وللرجل الشَّغِب‏.‏
81- إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ
يورى أن أمير المؤمنين عليا رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ إنما مَثَلي ومثلُ عثمان كمثل أنوار ثلاثة كنَّ في أَجَمةٍ أبيضَ وأسودَ وأحمرَ، ومعهن فيها أسد، فكان لا يقدِرُ منهن على شيء لاجتماعهن عليه، فقال للثور الأسود والثور الأحمر‏:‏ لا يُدِلُّ علينا في أَجَمتنا إلا الثورُ الأبيضُ فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكُلُه صفَتْ لنا الأَجمة، فقالا‏:‏ دونَكَ فكُلْه، فأكله، ثم قال للأحمر‏:‏ لوني على لونك، فَدَعْني آكل الأسود لتصفو لنا الأجَمة، فقال‏:‏ دونَكَ فكُلْه، فأكله، ثم قال للأحمر‏:‏ إني آكِلُكَ لا مَحاَلة، فقال‏:‏ دني أنادي ثلاثا، فقال‏:‏ افْعَلْ، فنادى ألاَ إني أكِلْتُ يوم أكِلَ الثورُ الأبيض، ثم قال علي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ ألا إني هُنْتُ - ويورى وَهَنْتُ - يوم قتل عثمان، يرفع بها صوته‏.‏
يضربه الرجل يُرْزَأ بأخيه‏.‏
82- إنْ ذَهَبَ عَيْرٌ فَعَيْرٌ في الرِّبَاطِ
الرِّباط‏:‏ ما تشد به الدابة، يقال‏:‏ قَطع الظبْي رِباطَه، أي حِبالته‏.‏ يقال للصائد‏:‏ إن ذهب عَيْر فلم يَعْلَقْ في الحِبالة فاقتصر على ما علق‏.‏
يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب‏.‏
83- إنَّما فُلاَنٌ عَنْزٌ عَزُوزٌ لَها دَرٌّ جمٌّ
العَزُوز‏:‏ الضيقة الإحليل‏.‏ يضرب للبخيل الموسِرِ‏.‏
84- إنَّما هُوَ كَبَارحِ الأَرْوَى، قَلِيلاً ما يُرى
وذلك أن الأرْوَى مساكنُها الجبالُ فلا يكاد الناس يرونها سانحةً ولا بارحةً إلا في الدهر مرة‏.‏ يضرب لمن يرى منه الإحسان في الأحايين‏.‏ وقوله ‏"‏هو‏"‏ كناية عما يبذل ويعطى، هذا الذي يضرب به المثل‏.‏
85- أوَّلُ الصَّيْدِ فَرَعٌ
الْفَرَعُ‏:‏ أول وَلَد تنتجه الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم يتبركون بذلك، وكان الرجل يقول‏:‏ إذا تمت إبلي كذا نَحَرْتُ أول نتيج منها، وكانوا إذا أرادوا نحره زَيَّنُوه ‏[‏ص 26‏]‏ وألبسوه، ولذلك قال أوس يذكر أزمة في شدة البرد
وَشُبِّهَ الهَيْدَبُ العَبَامُ من الْ * أقْوَامِ سَقْباً مُجَلِّلاً فَرَعَا
قال أبو عمرو‏:‏ يضرب عند أول ما يرى من خير في زَرْع أو ضَرْعٍ وفي جميع المنافع‏.‏ ويروى‏:‏ أول الصيد فَرَع ونِصَاب‏.‏ وذلك أنهم يُرْسِلون أول شيء يصيدونه يتيمنون به، ويروى‏:‏ أولُ صيدٍ فَرَعَه ‏(‏فرعه في هذا التفسير‏:‏ فعل ماض معناه أراق دمه‏)‏‏.‏
يضرب لمن لم ير منه خير قبل فعلته هذه‏.‏
86- أخَذَهُ أخْذَ سَبعُةٍ
قال الأصمعي‏:‏ يعني أخذ سَبُعَةٍ - بضم الباء - وهي اللَّبُؤة، وقال ابن الأعرابي‏:‏ أخذ سَبْعَة أراد سَبْعَةً من العدد، قال‏:‏ وإنما خص سبعة لأن أكثر ما يستعملونه في كلامهم سبع، كقولهم‏:‏ سبع سَموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وقال ابن الكلبي‏:‏ سَبُعة رجلٌ شديدُ الأخذ يضرب به المثل، وهو سَبُعة ابن عَوْف بن ثعلبة بن سَلاَمَان بن ثُعَل بن عمرو بن الغَوْث‏.‏
87- إِنَّما أنْتَ خِلاَفَ الضَّبُعِ الرَّاكِبَ
وذلك أن الضبع إذا رأتْ راكباً خالَفَتْه وأخَذَت في ناحية أخرى هرباً منه، والذئب يعارضُه مضادةً للضبع‏.‏
يضرب لمن يخالف الناسَ فيما يصنعون‏.‏ ونصب ‏"‏خلاف‏"‏ على المصدر‏:‏ أي تخالف خلاف الضبع ‏(‏وإضافة خلاف للضبع من إضافة المصدر لفاعله، والراكب مفعوله‏)‏
88- إذا نامَ ظالِعُ الكِلاَبِ
قال الأصمعي‏:‏ وذلك أن الظالع منها لا يقدر أن يُعَاظِل مع صحاحها لضعفه، فهو يؤخر ذلك وينتظر فراغ آخرها، فلا ينام حتى إذا لم يَبْقَ منها شيء سَفَد حينئذ ثم نام يضرب في تأخير قضاء الحاجة‏.‏
قال الحطيئة‏:‏
أَلاَ طرقَتْنَا بعدَ ما نام ظالعُ ال* كلابِ وأَخْبى نَارَهُ كلُّ مُوقِدِ
89- إِنَّما هُوَ ذَنَبُ الثَّعْلَبِ
أصحاب الصيد يقولون‏:‏ رَوَاغ الثعلب بذَنَبه يميله فتتبع الكلاب ذَنَبه، يقال‏:‏ أروغ من ذَنَبِ الثعلب‏.‏
90- إذا اعْتَرَضْتَ كاعْتِراضِ الهِرَّهْ * أوْشَكْتَ أنْ تَسَقُطَ في أُفُرَّهْ
اعترض‏:‏ افْتَعَلَ من العرض وهو النشاط‏.‏ والأفُرَّة‏:‏ الشدة‏.‏
يضرب للنشيط يغفل عن العاقبة‏.‏ ‏[‏ص 27‏]‏
91- إِنْ تَكُ ضَبًّا فإنِّي حِسْلُه
يضرب في أن يَلْقَى الرجلُ مثلَه في العلم والدهاء‏.‏
92- أَخَذَهُ أَخْذَ الضَّبِّ وَلَدَهُ
أي أخذه أخذةً شديدة، أراد بها هلَكَته، وذلك أن الضب يحرس بيضه عن الهوامّ، فإذا خرجت أولادُه من البَيْض ظنَّها بعض أحناش الأرض، فجعل يأخذ ولده واحداً بعد واحد ويقتله، فلا ينجو منه إلا الشريد‏.‏
93- إِنَّهُ لَصِلُّ أَصْلاَلٍ
الصِّل‏:‏ حية تقل لساعتها إذا نَهَشَت‏.‏ يضرب للداهي‏.‏قال الشاعر ‏(‏نسبه في الصحاح إلى النابغة الذبياني وفيه ‏"‏نضناضة بالرزايا‏"‏ ‏)‏‏:‏
ماذا رُزِئْنَا به من حَيَّةٍ ذَكَرٍ * نَضْنَاضَةٍ بالمنايا صِلِّ أصْلاَلِ
94- إذَا أَخَذْتَ بِذَنَبَةِ الضَّبِّ أغْضَبْتَهُ
ويروى ‏"‏برأس الضب‏"‏ والذَّنَبة والذنب واحد، وقيل‏:‏ الذَّنبة غير مستعملة‏.‏ يضرب لمن يُلْجئ غيرَه إلى ما يكره‏.‏
95- إِنَّهُ لَهِترُ أهْتَارٍ
الهِتْر‏:‏ العجب والداهية‏.‏ يضرب للرجل الداهي المنكر‏.‏ قال بعضهم‏:‏ الهِتْر في اللغة العَجَب فسمي الرجل الدَّاهِي به، كأن الدَّهْر أبدَعَه وأبرزه للناس ليعجبوا منه، والهِتْر‏:‏ الباطل، فإذا قيل ‏"‏فلان هتر‏"‏ أي من دَهَائه يَعْرِض الباطلَ في معرض الحق، فهو لا يخلوا أبداً من باطل، فجعلوه نفس الباطل، كقول الخنساء‏:‏
فإنما هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ*
وأضافه إلى أجناسه إشارة إلى أنه تميَّز منهم بخاصية يفْضُلهم بها، ومثله ‏"‏صِلُّ أَصْلاَل‏"‏ وأصله الحية تكون في الصّلة وهي الأرض اليابسة‏.‏
96- إِنَّهُ لَيُقَرِّدُ فُلاناً
أي يَحْتال له ويَخْدَعه حتى يستمكن منه، وأصله أن يجئ الرجلُ بالخِطام إلى البعير الصَّعْب وقد ستَره عنه لئلاَّ يمتنع، ثم ينتزع منه قُرَاداً حتى يستأنسَ البعيرُ ويُدْنِىَ إليه رأسه، فيرمي بالخِطام في عنقه، وفيه يقول الحُطَيئة‏:‏
لعمرك ما قُرَادُ بني كُلَيْبٍ * إذا نُزِعَ القراد بمستطاع
أي‏:‏ لا يُخْدَعون‏.‏
97- الإثْمُ حَزَّازُ القُلوبِ
يعني ما حَزَّ فيها وحَكَّها‏:‏ أي أثَّرَ، كما قيل‏:‏ الإثم ما حَكَّ في قلبك وإن أَفْتَاكَ ‏[‏ص 28‏]‏ الناسُ عنه وأَفْتَوْكَ‏.‏ والحَزَاز‏:‏ ما يتحرك في القلب من الغم، ومنه قول ابن سيرين حين قيل له ما أشد الورع فقال‏:‏ ما أيْسَرَه إذا شككت في شيء فدَعْه‏.‏
98- أيُّهَا المُمْتَنُّ عَلَى نَفْسِكَ فَلْيَكُن المَنُّ عَلَيْكَ
الامتنان‏:‏ الإنعام والإحسان، يقال لمن يحسن إلى نفسه‏:‏ قد جَذَبْتَ بما فعلتَ المنفعةَ إلى نفسك فلا تَمُنَّ به على غيرك‏.‏
99- الأَوْبُ أوْبُ نَعَامَةٍ
الأوْبُ‏:‏ الرجوع‏.‏ يضرب لمن يعجل الرجوع ويُسْرع فيه‏.‏
100- إِنَّه لَوَاقِعُ الطَّائِرِ
قال الأصمعي‏:‏ إنما يضرب هذا لمن يوصَفُ بالحلم والوقار‏.‏
101- إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً أدْمَيْتُها
يحكى هذا عن عمرو بن العاص، وقد كان اعتزل الناسَ في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه، فلما بلغة حَصْره ثم قَتْله قال‏:‏ أنا أبو عبد اللّه إذا حككتُ قَرْحَةً أدميتها‏.‏
روى عن عامر الشعبي أنه كان يقول‏:‏ الدُّهاة أربعة‏:‏ معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزِياد بن أبِيهِ‏.‏
102- إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ
يقال‏:‏ بَرْقٌ خُلَّبٌ، وبرقُ خُلَّبٍ بالإضافة، وهما البرق الذي لا غَيْثَ معه كأنه خَادِع‏.‏ والخلَّبُ أيضاً‏:‏ السحاب الذي لا مَطر فيه، فإذا قيل‏:‏ برق الخلب، فمعناه برقُ السحابِ الخلب‏.‏
يضرب لمن يَعِدُ ثم يخلف ولا ينجز‏.‏
103- إِنْ يَبْغِ عَلَيْكَ قَوْمُكَ لاَ يَبْغِ عَلَيْكَ القَمَرُ
قال المفضل بن محمد‏:‏ بلغنا أن بني ثعلبة ابن سعد بن ضبة في الجاهلية تَرَاهنوا على الشمس والقمر ليلة أربع عشرة، فقالت طائفة‏:‏ تطلع الشمس والقمر يُرَى، وقالت طائفة‏:‏ بل يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس فتراضَوْا برجل جَعَلوه بينهم، فقال رجل منهم‏:‏ إن قومي يبغون علي، فقال العَدْل‏:‏ إِنْ يَبْغ عليك قومُك لا يبغ عليك القمر، فذهب مثلاً‏.‏ هذا كلامه‏.‏
والبغي‏:‏ الظلم، يقول‏:‏ إن ظلمك قومُك لا يظلمك القمر، فانظر يتبين لك الأمر والحق‏.‏
يضرب للأمر المشهور‏.‏ ‏[‏ص 29‏]‏
104- إذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ فيكَ مِنَ الْخَيْرِ ما لَيْسَ فِيكَ فَلا تَأْمَنْ أنْ يَقولَ فِيكَ مِنَ الشَّر مَا لَيْسَ فِيكَ
قاله وَهْب بن مُنَبه رحمه اللّه‏.‏
يضرب في ذم الإسراف في الشيء‏.‏
105- إذَا اتَّخَذْتُمْ عِنْدَ رَجُلٍ يَداَ فانْسَوْهَا
قاله بعض حكماء العرب لبنيه‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ أراد حتى لا يقع في أنفسكم الطَّوْل على الناس بالقلوب، ولا تذكروها بالألسنة، وقال‏:‏
أَفْسَدْتَ بالمنِّ ما أصلَحْتَ من يُسُرِ ‏(‏بوزن عنق هنا، ويسر بوزن قفل، وهي بمعنى الغنى، والمحفوظ ‏"‏من نعم‏"‏‏)‏ * ليس الكريم إذا أَسْدى بمنَّانِ
106- إِنَّه لَمُنَجَّذٌ
أي مُحَنَّك، وأصله من الناجذ، وهو أقصى أسنان الإنسان، هذا قول بعضهم‏.‏ والصحيح أنها الأسنان كلها لما جاء في الحديث ‏"‏فَضَحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجِذُه‏"‏ قال الشمَّاخ‏:‏ نَوَاجِذُهُنَّ كالحدَإِ الوَقِيع*
ويروى ‏"‏إنه لمنجد‏"‏ بالدال غير معجمة من النَّجْد وهو المكان المرتفع، أو من النَّجْدَة، وهي الشجاعة‏:‏ أي أنه مقوى بالتجارب‏.‏
107- أكْلاً وَذَمًّا
أي يؤكل أكلا ويذم ذماً‏.‏
يضرب لمن يذم شيئاً قد ينتفع به، وهو لا يستحق الذم‏.‏
108- النِّسَاءُ شَقَائِقُ الأَقْوَامِ
الشقائق‏:‏ جمع شقيقة، وهي كل ما يشق باثنين، وأراد بالأقوام الرجالَ، على قول من يقول‏:‏ القوم يقع على الرجال دون النساء، ومعنى المثل إن النساء مثلُ الرجال وشقت منهم، فلهن مثل ما عليهن من الحقوق‏.‏
109- إذا أدْبَرَ الدَّهْرُ عَنْ قَوْمٍ كَفَى عَدُوَّهُم
أي إذا ساعدهم كفاهم أمر عدوهم‏.‏
110- إِذَا قَطَعْنَا عَلَمَاً بَدَا عَلَمٌ
الجبلُ يقال له العَلَم‏:‏ أي إذا فرغنا من أمر حَدَث أمر آخر‏.‏
111- إذا ضَرَبْتَ فأَوْجِعَ وَإِذَا زَجَرْتَ فَأسْمِعْ
يضرب في المبالغة وترك التَّواني والعَجْز‏.‏
112- إِذا سَأَلَ ألْحَفَ وَإنْ سُئِل سَوَّف
قاله عَوْن بن عبد اللّه بن عتبة في رجل ذكره‏.‏ ‏[‏ص 30‏]‏
113- إنْ كُنْتَ رِيحاً فَقَدْ لاَقَيْتَ إِعْصارا
قال أبو عبيدة‏:‏ الإعصار ريحٌ تهبّ شديدة فيما بين السماء والأرض‏.‏
يضرب مثلا للمُدِلّ بنفسه إذا صُلِىَ بمن هو أدهى منه وأشدّ‏.‏
114- أمْرُ نَهارٍ قُضِيَ لَيْلاً
يضرب لما جاء القومَ على غِرَّة منهم ممن لم يكونوا تأهَّبُوا له‏.‏
115- أمْرٌ سُرِيَ عَلَيْهِ بِلَيْلٍ
أي قد تقدم فيه وليس فَجْأة، وهذا ضد الأول‏.‏
116- أمْرَ مُبْكِيَاتِكِ لا أمْرَ مُضحِكاتِكِ
قال المفضل‏:‏ بلَغَنا أن فتاة من بنات العرب كانت لها خالات وعمات، فكانت إذا زارت خالاتها أَلْهَيْنَها وأضحكنها، وإذا زارت عماتها أَدَّبْنها وأّخَذْن عليها، فقالت لأبيها‏:‏ إن خالاتي يلطفنني، وإن عماتي يبكينني، فقال أبوها وقد علم القصة‏:‏ أَمْرَ مبكياتك، أي الزمي واقبلي أمر مبكياتك، ويروى ‏"‏أَمْرُ‏"‏ بالرفع، أي‏:‏ أمر مبكياتك أَوْلى بالقَبول والاتباع من غيره‏.‏
117- إِنَّ الَّليْلَ طَوِيلٌ وَأنْتَ مُقْمِر
قال المفضل‏:‏ كان السُّلَيْك بن السُّلَكَة السَّعْدي نائماً مشتملاً، فبينا هو كذلك إذ جَثَم رجُلٌ على صَدْره، ثم قال له‏:‏ استأسِر، فقال له سليك‏:‏ الليلُ طويل وأنت مقمر، أي في القمر، يعني أنك تجد غيري فَتَعَدّني، فأبى، فلما رأى سُلَيك ذلك الْتَوَى عليه وتسنَّمه‏.‏
يضرب عند الأمر بالصبر والتأنيّ في طلب الحاجة‏.‏
118- إِنَّ مَعَ اليَوْمِ غَداً يا مُسْعِدَة
يضرب مثلا في تنقُّلِ الدوَل على مر الأيام وكَرِّها‏.‏
119- إِحْدَى لَيَاليكِ فَهِيسِي هِيسِي
قال الأموي‏:‏ الهَيْسُ السيرُ أَيَّ ضَرْب كان، وأنشد‏:‏
إِحْدى لياليكِ فَهِيسِي هِيسِي * لا تَنْعَمِي الليلَةَ بالتَّعْرِيس
يضرب للرجل يأتى الأمر يحتاج فيه إلى الجدّ والاجتهاد، ومثله قولهم‏:‏
إِحْدَى لياليكِ منَ ابْنِ الْحُر * إذا مَشَى خلْفَكِ لم تَجْتَرّي
إِلاَّ بقَيْصُومٍ وشِيح مُرِّ*
يضرب هذا في المبادرة، لأن اللصَّ إذا طَرَد الإبلَ ضربها ضرباً يُعْجِلها أن تجتَرَّ‏.‏ ‏[‏ص 31‏]‏
120- أنَا ابْنُ جَلاَ
يضرب للمشهور المتعالمَ، وهو من قول سُحَيم بن وَثيل الرِّياحيّ‏:‏
أنا ابْنُ جَلاَ وطَلاَّع الثَّنَايَا * مَتَى أضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
وتمثل به الحجاج على منبر الكوفة‏.‏
قال بعضهم‏:‏ ابن جلا النهار، وحكى عن عيسى بن عُمَر أنه كان لا يصرف رجلا يسمى بضَرَبَ، ويحتج بهذا البيت، ويقول‏:‏ لم ينون جلا لأنه على وزن فَعَل، قالوا‏:‏ وليس له في البيت حجة، لأن الشاعر أراد الحكاية، فحكى الاسمَ على ما كان عليه قبل التسمية، وتقديره‏:‏ أنا ابنُ الذي يقال له جَلاَ الأمورَ وكشَفها‏.‏
121- إِنَّهُ لأَريَضٌ لِلْخَيْرِ
يقال‏:‏ أَرُضَ أَرَاضَة فهو أريض، كما يقال‏:‏ خَلُق خَلاَقة فهو خَلِيق‏.‏
يضرب للرجل الكامل الخير، أي‏:‏ أنه أهلٌ لأن تأتى منه الخصال الكريمة‏.‏
122- أخَذَتِ الأَرْضُ زُخَارِيَّها
وذلك إذا طال النبتُ والتفَّ وخرج زهره، و ‏"‏مكان زخَارِيّ النباتِ‏"‏ إذا كان نبتُه كذلك، من قولهم زَخَر النبتُ، قال ابن مُقْبل‏:‏
زخَاريّ النباتِ كأنَّ فيه * جياد العَبْقَرِيَّة والقطوع
يضرب لمن صَلُح حالُه بعد فساد‏.‏
123- إِنْ جَانِبٌ أعْيَاكَ فَلْحقْ بِجانِب
يضرب عند ضِيق الأمر والحثِّ على التصرّف، ومثله‏"‏ *وفي الأرض للحرّ الكريم مَنَادِحُ* أي مُتَّسَع ومرتزق‏.‏
124- أنَا إِذَنْ كالخَاتِلِ بالْمَرْخَة
المَرْخُ‏:‏ الشجر الذي يكون منه الزِّناد، وهو يطول في السماء حتى يُسْتَظَلّ به، قالوا‏:‏ وله ثمرة كأنها هذه الباقلاء‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ أنا أباديك وإن لم أفعل فأنا إذن كمن يَخْتِلُ قِرْنَه بالمَرْخَة في أن لها ظلا وثمرة ولا طائل لها إذا فتش عن حقيقتها‏.‏
يضرب في نَفْي الْجُبْن‏:‏ أي لا أخَافُكَ‏.‏
125- أنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُها المُرَجَّبُ
الْجُذَيْل‏:‏ تصغير الْجِذْل، وهو أصل الشجرة‏.‏ والمحكَّكُ‏:‏ الذي تتحكك به الإبل الْجَرْبى، وهو عُود ينصب في مَبَارك الإبل تتمرَّسُ به الإبل الْجَرْبى‏.‏ والعُذَيْق‏:‏ تصغير العَذْق - بفتح العين - وهو النخلة، والمرجَّب‏:‏ الذي جعل له رُجْبَة وهي دِعامة ‏[‏ص 32‏]‏ تُبْنَى حولَها من الحجارة، وذلك إذا كانت النخلة كريمةَ وطالت تخوَّفوا عليها أن تنقعر من الرياحِ العواصِفِ، وهذا تصغير يراد به التكبير، نحو قول لَبيد‏:‏
وكلُّ أناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُم * دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرّ مِنْهَا الأنامل
يعني الموت‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ هذا قول الْحُبَاب بن المنذِر بن الْجَمُوح الأنصاريّ، قاله يوم السَّقيفة عند بَيْعة أبي بكر، يريد أنه رجل يُسْتَشْفَي برأيه وعَقْله‏.‏
126- إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ
قاله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقيل له‏:‏ وما ذاك يا رسول الله‏؟‏فقال‏:‏ المرأةُ الحسناء في مَنْبِتِ السوء‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ نُرَاه أراد فساد النَّسَب إذا خيف أن يكون لغير رِشْدَة، وإنما جعلها خضراء الدِّمَن - وهي ما تُدَمِّنُه الإبلُ والغنم من أبوالها وأبعارها - لأنه ربما نَبَتَ فيها النباتُ الحسنُ فيكون منظره حسناً أنيقاً ومنبِته فاسداً، هذا كلامه‏.‏
قلت‏:‏ إن ‏"‏إيا‏"‏ كلمة تخصيص، وتقدير المثل‏:‏ إياكم أخصُّ بنُصْحي وأُحَذِّرُكم خضراءَ الدمن، وأدخل الواو ليعطف الفعلَ المقدر على الفعل المقدر‏:‏ أي أخصكم وأحذركم ولهذا لا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر، لا تقول ‏"‏إياك الأسَدَ‏"‏ إلا عند الضرورة، كما قال‏:‏
وإياكَ الَمَحايِنَ أن تَحِينَا*
127- إنَّكَ لَعَالِمٌ بِمَنَابِتِ القَصِيصِ
قالوا‏:‏ القَصِيص جمعُ قَصِيصة وهي شُجَيْرة تنبت عند الكَمْأة، فيستدل على الكمأة بها‏.‏
يضرب للرجل العالم بما يحتاج إليه‏.‏
128- إِنَّهُ لأَحْمَرُ كأنَّهُ الصَّرْبَةُ
قال أبو زياد‏:‏ ليس في العَضَاة أكْثَر صمْغاً من الطَّلْح، وصمغه أحمر يقال له‏:‏ الصَّرْبَة‏.‏
يضرب في وَصْف الأحمر، إذا بولغ في وصفه‏.‏
129- أَنْ تَرِدِ المَاءَ بمَاءٍ أكْيَسُ ‏(‏ضبط في كل الأصول بضبط القلم على أن ‏"‏إن‏"‏ أوله شرطية، وأحسب أن ضبطها على أن تكون مصدرية خير، والتقدير‏:‏ ورودك الماء ومعك ماء أكيس، ويؤيده تقدير المؤلف في آخر كلامه‏)‏ أي مع ماء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ‏}‏ يعني إن تَرِدَ الماء ومعك ماء إن احتجْتَ إليه كان معك خيٌر لك من أن تفرّط في حمله ولعلك تهجم على غير ‏[‏ص 33‏]‏ ماء، وهذا قريب من قولهم ‏"‏عَشِّ إبلَكَ ولا تَغْتَرّ‏"‏ يضربان في الأخذ بالحزم‏.‏
وقالوا في قوله ‏"‏أكيس‏"‏ أي أقرب إلى الكَيْسِ‏.‏ قلت‏:‏ هذا لا يصح، لأنك لو قلت ‏"‏زيد أحسن‏"‏ كان معناه أن حُسْنه يزيد على حسن غيره، لا أنه أقرب إلى الحسن من غيره، ولكن لما كان الوارد منهم يحتاج إلى كَيْسٍ لخفاء مَوَاردهم قالوا‏:‏ إذا كان معك شيء من الماء وقصدت الورود فلا تُضِعْ ما معك ثقةً بورودك ليزيد كَيْسُك على كَيْس مَنْ لم يصنع صنيعَكَ، هذا وجه ويجوز أن يقال‏:‏ إنهم يَضَعون أفعل موضعَ الاسم كقولهم ‏"‏أشْأَمُ كلِّ امرىء بين فَكَّيه‏"‏ أي شُؤْم كل امرىء، وكقول زهير * فتنتج لكم غلمان أشأم* أي غلمانَ شُؤْم، فيكون معنى المثل على هذا التقدير‏:‏ ورودُكَ الماء مع ماء أكيسُ‏:‏ أي كِيَاسَة وحَزْم‏.‏
130- إِنَّمَا أخْشَى سَيْلَ تَلْعَتِي
التَّلْعة‏:‏ مَسِيلُ الماء من السنَد إلى بطن الوادي ‏(‏لأن من نزل التلعة فهو على خطر أن يجيء السيل فيجرفه‏)‏، ومعنى المثل إني أخاف شرَّ أقاربي وبني عمي‏.‏
يضرب في شكوى الأقرباء‏.‏
131- أخَذَهُ بِرُمَّتِهِ
أي بجُمْلته، الرُّمَّة‏:‏ قطعة من الحبل بالية والجمع رُمَم ورِمَام‏.‏
وأصل المثل أن رجلا دَفَع إلى رجل بعيرا بحَبْل في عنقه، فقيل لكل مَنْ دفع شيئا بجملته‏:‏ دفَعه إليه برُمّته، وأخذه منه برمته، والأصل ما ذكرنا‏.‏
132- إنَّهُ لَمُعْتَلِثُ الزِّنَادِ
العَلْث‏:‏ الخلط، وكذلك الغَلْث بالغين المعجمة، والمثل يروى بالوجهين
وأصله أنيعترض الرجل الشجر اعتراضا، فيتخذ زِناده مما وَجَد، واعتلث بمعنى عَلَث، والمعتلث المخلوط‏.‏
يضرب لمن لم يتخير أبوه في المنكح‏.‏
133- إنَّه لأَلْمَعِيُّ
ومثله لَوْذَعي‏.‏ يضرب للرجل المصيب بظنونه، قال أوس بن حجر‏:‏
الألْمَعِيّ الذِي يَظُنُّ بِكَ ال * ظَّنَّ كأنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا
وأصله من لَمَعَ إذا أضاء، كأنه لمع له ما أظلم على غيره‏.‏ وفي حديث مرفوع أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ لم تكن أمَّةٌ إلا كان فيها مُحَدَّث، فإن يَكُنْ في هذه الأمة ‏[‏ص 34‏]‏ مُحَدَّث فهو عمر، قيل‏:‏ وما المحدَّث‏؟‏ قال‏:‏ الذي يَرَى الرأيَ ويظن الظنّ فيكون كما رأى وكما ظن، وكان عمر رضي الله تعالى عنه كذلك‏.‏
134- أيُّ فَتىً قَتَلَهُ الدُّخَانُ
أصله أن امرأة كانت تبكي رجلا قَتَله الدخان، وتقول‏:‏ أيُّ فتى قتله الدخان‏؟‏ فأجابها مجيبٌ فقال‏:‏ لو كان ذا حيلة لتَحَوّل يضرب للقليل الحيلة‏.‏
135- إِنّ الغَنِيِّ طَويلُ الذّيْلِ مَيَّاسُ
أي‏:‏ لا يستطيع صاحبُ الغنى أن يكتمه، وهذا كقولهم ‏"‏أبَتِ الدَّرَاهِمُ إلا أن تُخْرِجَ أعْنَاقَها‏"‏ قاله عمر رضي الله عنه في بعض عُمَّاله‏.‏
136- إِنّ لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلُبْ
ويروى ‏"‏ فَاخْلِبْ‏"‏ بالكسر، والصحيح الضم، يقال‏:‏ خَلَبَ يَخْلُبُ خِلاَبة وهي الخديعة‏.‏ ويراد به الْخُدْعَة في الحرب، كما قيل‏:‏ نَفَاذُ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن والضرب‏.‏
137- إِنَّ أخَا الْهَيْجَاءِ مَنْ يَسْعى مَعَكْ * وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ
يضرب في المساعدة‏.‏
138- إنَّي لأَنْظُرُ إلَيْهِ وَإلَى السَّيْفِ
يضرب للمَشْنُوء المكروه الطَّلْعَةِ‏.‏



B-happy 3 - 3 - 2010 01:07 AM



139- الأَمْرُ سُلْكَى وَلَيْسَ بمَخْلوجَةٍ
السُّلْكَى‏:‏ الطعنة المستقيمة، والمَخْلُوجة‏:‏ الْمُعْوَجَّة، من الخَلْجِ وهو الجَذْب وأنث الأمر على تقدير الجمع أو على تقدير‏:‏ الأمر مثل سُلْكى أي مثلُ طعنةٍ سُلْكى، وإن كان لا يوصف بها النكرة، فلا يجوز‏:‏ امرأة صُغْرى، وجارية طُولى، وقد عِيب على أبي نُوَاس قولُه‏:‏
كأَنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَوَاقِعِها*
‏(‏هذا صدر بيت، وعجزه قوله‏:‏ حصباء در على أرض من الذهب*‏)‏
إلا أن يجعل اسماً كقوله
وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ* ‏(‏هذا صدر بيت لشاعر من شعراء الحماسة وصدره قوله‏:‏ يوما سراة كرام الناس فادعينا*‏)‏
قالوا‏:‏ الْجُلَّى الأمر العظيم، فكذلك السُّلْكى الأمر المستقيم، والأصل في هذا قول امرىء القيس‏:‏
نَطْعَنُهُمْ سُلْكَى ومَخْلُوجَةً* ‏(‏هذا صدر بيت، وعجزه قوله‏:‏ كرك لأمين على نابل*‏)‏ ‏[‏ص 35‏]‏
أي طعنةً مستقيمةً وهي التي تقابل المطعون فتكون أسلك فيه‏.‏
يضرب في استقامة الأمر ونفي ضدها‏.‏
140- أزِمَتْ شَجَعَاتُ بِمَا فِيها
الأزْمُ‏:‏ الضيق، يقال‏:‏ أزَمَ يأزِمُ إذا ضاق والمأزِمُ‏:‏ المَضِيق في الحرب وشَجَعَات‏:‏ ثَنِيَّةٌ معروفة، ولهذا المثل قصة ذكرتها عند قوله ‏"‏أنجَزَ حُرّ ما وعد‏"‏ في باب النون‏.‏
141- إنّهُ لأَنْفَذُ مِنْ خازِقٍ
الخازق والخاسق‏:‏ السِّنان النافذ يوصَف به النافذُ في الأمور‏.‏
142- إحْدَى حُظَيَّاتِ لُقْمَانَ
الْحُظَيَّة‏:‏ تصغير الْحَظْوَة بفتح حائه، وهي المرماة ‏(‏هي سهم صغير قدر ذراع‏)‏، قال أبو عبيد‏:‏ هي التي لا نَصْلَ لها، ولقمان هذا هو‏:‏ لُقْمان بن عادٍ، وحديثه أنه كان بينه وبين رجلين من عاد، يقال لهما عمرو وكعب ابنا تِقْن بن معاوية قتال، وكانا رَبَّيْ إبل، وكان لقمان ربّ غنم فأعجبت لقمانَ الإبلُ، فراودهما عنها، فأبَيَا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غَنَمه من ضأن ومِعْزًى وأنافِحَ من أنافح السَّخْل، فلما رأيَا ذلك لم يلتفتا إليه ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال‏:‏ اشتَرِياها ابْنَيْ تِقْن، أقبلَتْ مَيْسا، وأدبَرتْ هَيْسا، وملأت البيتَ أقِطاً وحَيْسا‏.‏ اشترياها ابْنَيْ تِقْن، إنها الضأن تُجَزّ جفَالاَ، وتُنْتَج رِخَالا، وتحلب كثَباً ثِقالا‏.‏ فقالا‏:‏ لا نشريها يالُقْمَ، إنها الإبل حملْنَ فاتسقْنَ، وجرَيْنَ فأَعْنَقْنَ، وبغير ذلك أفلتن، يَغْزُرْن إذا قطن‏.‏ فلم يبيعاه الإبل ولم يشريا الغنم، فجعل لقمان يُدَاوِرهما، وكانا يَهَابانه، وكان يلتمس أن يغفلا فيشدّ على الإبل ويَطْرُدها، فلما كان ذاتَ يوم أصابا أرنباً وهو يَرْصُدهما رجاء أن يصيبهما فيذهب بالإبل، فأخذا صفيحة من الصَّفا، فجعلها أحدُهما في يده، ثم جعل عليهما كومةً من تراب قد أَحْمَيَاه فملاَّ الأرنب في ذلك التراب فلما أَنْضَجَاها نَفَضَا عنها التراب فأكلاها، فقال لقمان‏:‏ ياويله أنِيئةً أكلاها، أم الريح أَقْبَلاَها، أم بالشِّيح اشتَوَيَاها، ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما، ولم يجد فيهما مطمعاً لقيهما ومع كل واحد منهما جَفير مملوء نَبْلاً وليس معه غير نَبْلَين، فخدعهما فقال‏:‏ ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما‏؟‏ إنما هي حَطَب، فوالله ما أحمل معي غير نَبْلِين، فإن لم أُصِبْ بهما فلستُ بمصيب، فعمدا إلى نبلهما فنثَراها غير سهمين، فعمد إلى النبل فحواها، ولم يُصب لقمان منهما بعد ذلك غِرّة وكان فيما يذكرون لعمرو بن تِقْن امرأة فطلقها، ‏[‏ص 36‏]‏ فتزوجها لقمان، وكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر أن تقول‏:‏ لافَتًى إلا عمرو، وكان ذلك يغَيظ لقمان، ويسوءه كثرة ذكرها، فقال لقمان‏:‏ لقد كثَرْتِ في عمرو، فوالله لأقتلنَّ عمراً، فقالت‏:‏ لا تفعل‏.‏ وكانت لابني تِقْن سمُرة يستظلاَّن بها حتى ترد إبلهما فيسقيانها، فصعدها لقمان، واتخذ فيها عُشٍّا رجاء أن يصيب من ابني تِقْن غِرَّة، فلما وردت الإبل تجرَّد عمرو وأَكَبَّ على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسَهْم في ظهره، فقال‏:‏ حَسّ، إحدى حُظَيات لقمان، فذهب مثلا، ثم أَهْوَى إلى السهم فانتزعه، فوقع بصره على الشجرة، فإذا هو بلقمان، فقال‏:‏ انزل، فنزل، فقال‏:‏ اسْتَقِ بهذه الدلو فزعموا أن لقمان لما أراد أن يرفع الدلو حين امتلأت نَهَضَ نهضةً فضَرَط، فقال له عمرو‏:‏ أَضَرَطا آخِرَ اليوم وقد زال الظهر‏؟‏ فأرسلها مثلاً‏.‏ ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبَّسم لقمان‏:‏ فقال عمرو‏:‏ أضَاحِك أَنْت‏؟‏ قال لقمان‏:‏ ما أَضْحَكُ إلا من نفسي، أما إني نُهِيتُ عما ترى‏!‏ فقال‏:‏ ومَنْ نهاك‏؟‏ قال‏:‏ فلانة، قال عمرو‏:‏ أَفَلِي عليك إن وَهَبْتُك لها أن تُعْلمها ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فخلّى سبيله، فأتاها لقمان فقال‏:‏ لا فَتًى إلا عمرو، فقالت‏:‏ أقد لقيته‏؟‏ قال‏:‏ نعم لقيته فكان كذا وكذا ثم أَسَرَني فأراد قتلي ثم وَهَبني لك، قالت‏:‏ لا فَتًى إلا عمرو‏.‏
يضرب لمن عُرِف بالشر، فإذا جاءت هَنَةٌ من جنس أفعاله قيل‏:‏ إحْدَى حُظَيات لقمان أي أنه فَعْلَة من فَعَلاَته‏.‏
143- إنَّهُ لَيكْسِرُ عَلَّيَّ أرْعَاظَ النَّبْلِ غَضَباً
الرُّعْظ، مدخّلُ النصل في السهم، وإنما يكسره إذا كامته بكلام يغَيظه فيخط في الأرض بسهامه فيكسر أرعاظها من الغيظ قال قَتَادة اليَشْكُريّ يحذّر أهلَ العراق الحجاجَ‏:‏
حَذَارِ حَذَار الليثَ يحرق نابه * ويكسر أَرْعَاظاً عليك من الْحِقْدِ
يضرب للغضبان‏.‏
144- إنَّهُ لَيَحْرِقُ عَلَيَّ الأُرَّمُ
أي الأسنان، وأصله من الأَرْم وهو الأكل، وقال‏:‏
بذي فرقين يوم بنو حبيب * نيوبَهُمُ علينا يَحْرِقُونَا
ويروى ‏"‏هو يَعَضُّ على الأرَّمَ‏"‏ قال الأصمعي‏:‏ يعني أصابعه، وقال مؤرّج‏:‏ يقال في تفسيرها إنها الحصى، ويقال‏:‏ الأضراس، وهو أبعدها‏.‏ ‏[‏ص 37‏]‏
145- إنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ العَصا
قالوا‏:‏ هذا من قول غُنَيَّة الأعرابية لابنها وكان عَارِما كثيرَ التلفت إلى الناس مع ضعف أَسْرٍ ودقة عظم، فواثب يوماً فتى فقطع الفتى أنفه، فأخذت غُنيَة دِيةَ أنفه، فحَسُنت حالها بعد فقر مُدْقِع، ثم واثب آخر فقطع أذنه، فأخذت دِيَتَها، فزادت حُسْنَ حال، ثم واثب آخر فقطع شَفَته، فأخذت الدية، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والغنم والمَتَاع، وذلك من كَسْب جوارح ابنها حَسُن رأيها فيه وذكرته في أرجوزتها فقالت‏:‏
أَحْلِفُ بالْمَرْوَةِ حَقَّاً وَالصَّفَا * أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ الْعَصَا
قيل لأعرابي‏:‏ ما تَفَاريق العصا‏؟‏ قال‏:‏ العصا تُقْطع ساَجورا، والسَّوَاجير تكون للكلاب وللأسْرَى من الناس، ثم تقطع عصا الساجور فتصير أوتاداً، ويفرق الوتد، فتصير كل قطعة شِظَاظا، فإن جعل لرأس الشِّظَاظ كالفَلَكة صار للبُخْتي مِهَارا، وهو العود الذي يدخل في أَنْفِ البُخْتى، وإذا فرق المِهار جاءت منه تَوَادٍ، وهي الخشبة التي تشد على خِلْفِ الناقة إذا صُرَّت، هذا إذا كانت عصاً، فإذا كانت قَنَاة فكل شَق منها قَوْس بندقٍ، فإذا فرقت الشقة صارت سهاماً، فإن فرقت السهام صارت حِظاء، فإن فرقت الحظاء صارت مغازل، فإن فرقت المغازل شَعَبَ به الشَّعَّابُ أقداحه المَصْدُوعَةَ وقِصَاعه المشقوقة على أنه لا يجد لها أصلح منها وأليق بها‏.‏
يضرب فيمن نَفْعُه أَعَمَّ من نفع غيره‏.‏
146- إنَّ العَصا قُرِعَتْ لِذِي الْحِلْم
قيل‏:‏ إن أول من قُرِعت له العصا عمرُو بن مالك بن ضُبَيْعة أخو سعدِ بن مالك الكِناني، وذلك أن سعداً أتى النعمانَ بن المنذر ومعه خيل له قادها، وأخرى عَرَّاها، فقيل له‏:‏ لم عَرّيت هذه وقُدْت هذه‏؟‏ قال‏:‏ لم أقد هذه لأمْنَعَهَا ولم أعر هذه لأهَبَهَا‏.‏ ثم دخل على النعمان، فسأله عن أرضه، فقال‏:‏ أما مَطَرها فغَزير، وأما نَبْتها فكثير، فقال له النعمان‏:‏ إنك لَقَوَّال، وإن شئت أتيتك بما تَعْيا عن جوابه، قال‏:‏ نعم، فأمر وَصيفاً له أن يَلْطِمَهُ، فلطَمه لَطْمة، فقال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ سَفِيه مأمور، قال‏:‏ الْطِمْه أخرى، فلطمه، قال‏:‏ ما جوابُ هذه‏؟‏ قال‏:‏ لو أَخِذ بالأولى لم يعد للأخرى، وإنما أراد النعمان أن يتعدَّى سعد في المنطق فيقتله، قال‏:‏ الطمه ثالثة، فلطمه، قال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ رَبٌّ يؤدب عبده، قال‏:‏ الْطِمْه ‏[‏ص 38‏]‏ أخرى، فلطمه، قال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ مَلَكْتَ فأسْجِحْ، فأرسلها مثلاً، قال النعمان‏:‏ أصَبْتَ فامكُثْ عندي، وأعجبه ما رأى منه، فمكث عنده ما مكث‏.‏ ثم إنه بَدَا للنعمان أن يبعث رائداً، فبعث عمراً أخا سَعْد، فأبطأ عليه، فأغضبه ذلك فأقسم لئن جاء ذامّاً للكلأ أو حامداً له ليقتلنه، فقدم عمرو، وكان سعد عند الملك، فقال سعد‏:‏ أتأذن أن أُكلمه‏؟‏ قال‏:‏ إذَنْ يقطع لسانك، قال‏:‏ فأشير إليه‏؟‏ قال‏:‏ إذن تقطع يدك، قال‏:‏ فأقرع له العصا‏؟‏ قال‏:‏ فَاقْرَعْها، فتناول سعد عَصَا جليسِه وقَرَع بعصاه قرعةً واحدة، فعرف أنه يقول له‏:‏ مكانك، ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات، ثم رفعها إلى السماء ومَسَح عَصَاه بالأرض، فعرف أنه يقول له‏:‏ لم أَجد جَدْباً، ثم قرع العصا مراراً ثم رفعها شيئاً وأومأ إلى الأرض، فعرف أنه يقول‏:‏ ولا نَبَاتاً، ثم قرع العصا قرعةً وأقبل نحو الملك، فعرف أنه يقول‏:‏ كَلِّمه، فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك، فقال له‏:‏ أخْبِرْنِي هل حمدت خِصْباً أو ذممت جَدْبا‏؟‏ فقال عمرو‏:‏ لم أذمم هُزْلا، ولم أحمد بَقْلا، الأرضُ مُشْكِلة لا خِصْبُها يعرف، ولا جَدْبُها يوصف، رائدُها واقف، ومُنْكِرها عارف، وآمنُها خائف‏.‏ قال الملك‏:‏ أَوْلى لك، فقال سعد بن مالك يذكر قَرْع العصا‏:‏
قَرَعْتُ العَصَا حتى تبيَّنَ صاحِبِي * ولم تَكُ لولا ذاك في القوم تُقْرَعُ
فقال‏:‏ رأيتُ الأرضَ ليس بمُمْحِل * ولا سارح فيها على الرعْيِ يَشْبَعُ
سَوَاء فلا جَدْب فيعرفَ جَدْبُها * ولا صَابَهَا غَيْثٌ غَزير فتُمْرِعُ
فَنَجَّى بها حَوْباء نَفْسٍ كريمةٍ * وقد كاد لولا ذَاكَ فِيهِمْ تقطعُ
هذا قول بعضهم‏.‏ وقال آخرون في قولهم ‏"‏ إن العصا قرعت لذي الحلم‏"‏‏:‏ إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني، وكان من حكماء العرب، لا تَعْدِل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، فلما طَعَنَ في السن أنكر من عقله شيئاً، فقال لبنيه‏:‏ إنه قد كبرَتْ سِنِّي وعرض لي سَهْو، فإذا رأيتموني خرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا، وقيل‏:‏ كانت له جارية، يقال لها خصيلة، فقال لها‏:‏ إذا أنا خُولِطْتُ فاقرعي لي العصا، وأُتيَ عامر بِخُنْثَى ليحكم فيه، فلم يَدْر ما الحكم، فجعل ينحَر لهم ويُطعمهم ويدافعهم بالقضاء، فقالت خصيلة‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قد أتلفْتَ مالك، فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى، فقالت‏:‏ أَتْبِعْهُ مَبَاله‏.‏ قال الشعبي‏:‏ فحدثني ابن عباس بها ‏[‏ص 39‏]‏ قال‏:‏ فلما جاء الله بالإسلام صارت سنة فيه‏.‏
وعامر هو الذي يقول‏:‏
أرى شَعَراتٍ على حاجِبَيّ * بيضاً نبتن جميعاً تُؤَامَا
ظَلْلتُ أهاهي بهنَّ الكلا * ب أَحْسَبُهُنَّ صِوَاراً قِياما
وأَحْسِبُ أَنْفِي إذا ما مَشَيْ * تُ شَخْصاً أمامي رآني فقاما
يقال‏:‏ إنه عاش ثلثمائة سنة، وعو الذي يقول‏:‏
تقول ابنتي لما رأتني كأنني * سَليمُ أَفَاعٍ ليلهُ غير مودع
وما الْمَوْتُ أفناني، ولكن تتابَعَتْ * على سِنُونَ مِنْ مَصيف ومَرْبَعِ
ثَلاَثُ مِئِينَ قد مَرَرْنَ كوامِلاً * وها أنا هذا أرتجي مَرّ أَرْبَعِ
فأصبحتُ مثلَ النَّسْر طارَتْ فراخُه * إذا رام تَطْياراً يقال له‏:‏ قَعِ
أُخَبِّر أَخْبَارَ القرونِ التي مَضَتْ * ولا بدَّ يوماً أن يُطَار بمَصْرَعِي
قال ابن الأعرابي‏:‏ أول من قرعت له العصا عامر بن الظَّرِب العَدْوَاني، وربيعة تقول‏:‏ بل هو قيس بن خالد بن ذي الجَدَّيْن وتميم تقول‏:‏ بل هو ربيعة بن مُخَاشِن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، واليمن تقول‏:‏ بل هو عمرو بن حُمَمَة الدوسيّ‏.‏
قال‏:‏ ‏(‏ذكر المجد في ‏(‏ص ح ر‏)‏ أنها أخت لقمان، وتعقبوه، وذكر هو نفسه في ‏(‏ح ك م‏)‏ أنها بنت لقمان، وقد ذكر في الموضع الثاني حكام العرب، وزاد عمن ذكرهم المؤلف هنا فارجع إليه إن شئت‏)‏ وكانت حكام تميم في الجاهلية أَكْثَمُ بن صَيْفي، وحاجب بن زُرَارة، والأقْرَع بن حَابس، وربيعة بن مُخَاشن، وضَمْرة بن ضَمْرة، غير أن ضمرة حكم فأخذ رِشْوة فغَدَر‏.‏ وحُكام قَيْس‏:‏ عامر بن الظَّرِب، وغَيْلاَن بن سَلَمة الثقفي، وكانت له ثلاثة أيام‏:‏ يوم يحكم فيه بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم، فاختار أربعاً، فصارت سنة‏.‏ وحكام قريش‏:‏ عبدُ المطلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل‏.‏ وحكيمات العرب‏:‏ صُحْرُ بنت لقمان ‏(‏ذكر المجد في ‏(‏ص ح ر‏)‏ أنها أخت لقمان، وتعقبوه، وذكر هو نفسه في ‏(‏ح ك م‏)‏ أنها بنت لقمان، وقد ذكر في الموضع الثاني حكام العرب، وزاد عمن ذكرهم المؤلف هنا فارجع إليه إن شئت‏)‏، وهند بنت الْخُسّ، وجمعة بنت حابس، وابنة عامر بن الظَّرِبِ الذي يقال له ‏"‏ذو الحلم‏"‏ قال المتلمس يريده‏:‏
لِذِي الْحِلْم قبل اليوم ما تُقْرَعُ العصَا * وما عُلِّم الإنسان إلا لِيَعْلَمَا
والمثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه‏.‏ ‏[‏ص 40‏]‏
147- أهْلُ القَتِيلِِ يَلُونَهُ
قال أبو عبيد‏:‏ يعني أنهم أشدُّ عنايةً بأمره من غيرهم‏.‏
148- أبَى قائِلُهَا إلاَّ تَيِمُاًّ
يروى ‏"‏تما‏"‏ بالرفع والنصب والخفض ‏(‏يريد أن تاء ‏"‏تما‏"‏ تحرك بالحركات الثلاث، وعبارته سقيمة‏)‏
والكسرُ أفصحُ، والهاء راجعة إلى الكلمة‏.‏
يضرب في تتابُع الناس على أمرٍ مختلَف فيه‏.‏
والمعنى‏:‏ مضى على قوله ولم يرجع عنه‏.‏
149 إنْ أرَدْت المُحَاجَزَة فَقَبْلَ الْمُنَاجَزَة‏.‏
المحاجزة‏:‏ الممانعة، وهو أن تمنعه عن نفسك ويمنعك عن نفسه، والمناجزة‏:‏ من النَّجْز وهو الفَنَاء، يقال‏:‏ نجز الشئ، أي فَنِيَ، فقيل للمقاتلة والمبارزة‏:‏ المناجزة، لأن كلا من القِرْنَيْنِ يريد أن يُفْنى صاحبه، وهذا المثل يروى عن أَكْثَمَ بن صَيْفّيٍ‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ معناه انْجُ بنفسك قبل لقاء مَنْ لا تقاومه‏.‏
150- أوَّلُ الْغَزْوِ أخْرَقُ
قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في قلة التجارب كما قال الشاعر‏:‏
الحربُ أولَ ما تكون فَتِيَّةٌ * تَسْعَى بزينتها لكل جَهُولِ
حتَّى إذا اسْتَعَرَتْ وشَبَّ ضِرَامُهَا * عادت عَجُوزا غَيْرَ ذات حَلِيلِ
وصف الغزو بالخرق لخرق الناس فيه، كما قيل ‏"‏ليل نائم‏"‏ لنوم الناس فيه‏.‏
151- إنَّهُ نَسِيجُ وَحْدِهِ‏.‏
وذلك أن الثوب النفيس لا يُنْسَج على مِنْواله عدةُ أثوابٍ، قال ابن الأعرابي‏:‏ معنى ‏"‏نَسِيجَ وَحْدِهِ‏"‏ أنه واحد في معناه، ليس له فيه ثان، كأنه ثوب نُسج على حِدَته لم ينسج معه غيره، وكما يقال نسيج وحده يقال ‏"‏رَجُلُ وَحْدِهِ‏"‏ ويروى عن عائشة أنها ذكرت عمر رضي الله عنهما فقالت‏:‏ كان والله أحْوَذِيّاً، ويروى بالزاء، نَسِيجَ وَحْدِهِ قد أعدّ للأمور أقرانها، قال الراجز‏:‏
جاءت به مُعْتَجِراً بِبُرْدِهِ * سَفْوَاء تردى بنَسِيجِ وَحْدِهِ
152- إنّ الشِّرَاكَ قُدَّ مِنْ أدِيمِهِ‏.‏
يضرب للشيئين بينهما قُرْبٌ وشَبَه‏.‏
153- إنّمَا يُعَاتَبُ الأدِيمُ ذُو البَشَرةِ‏.‏
المعاتبة‏:‏ المعاودة، وبَشَرة الأديم‏:‏ ظاهره الذي عليه الشَّعَر، أي أن ما يُعاد إلى الدباغ من الأديم ما سلمت بشرته‏.‏ ‏[‏ص 41‏]‏
يضرب لمن فيه مُرَاجعة ومُسْتَعْتَب‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ كل ما كان في الأديم محتمل ما سلمت البشرة، فإذا نَغِلَتْ البشرةُ بطل الأديم‏.‏
154- إنّ بَيْنَهُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً‏.‏
العَيْبَة‏:‏ واحدة العِياب والعِيَبِ، وهي ما يجعل فيه الثياب‏.‏ وفي الحديث ‏"‏الأنصار كرشي وعَيْبَتي‏"‏ أي موضع سرى‏.‏ ومكفوفة‏:‏ مُشَرَّجَة مشدودة‏.‏ ومعنى المثل أن أسباب المودة بينهم لا سبيل إلى نقضها‏.‏
155- إذَا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْنِ فَاْعْلَمْ أنّهُ مُصَبِّحٌ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ أصله أن القَيْنَ بالبادية يتنقل في مياههم، فيقيم بالموضع أياما، فيكسد عليه عمله، ثم يقول لأهل الماء‏:‏ إني راحِل عنكم الليلة، وإن لم يرد ذلك، ولكنه يُشيعه ليستعمله مَنْ يريد استعمالَه، فيكثر ذلك من قوله حتى صار لا يصدق‏.‏
يضرب للرجل يعرفه الناس بالكذب فلا يقبل قوله وإن كان صادقا، قال نَهْشَل ابن حَرِّيٍّ‏:‏
وعَهْدُ الغانياتِ كعَهْدِ قَيْنٍ * وَنَتْ عنه الْجَعائِلُ مستذاق
كبَرْقٍ لاح يُعْجِبُ مَنْ رآه * ولا يَشْفِي الْحَوَاثِمَ مِن لماق
حدث أبو عبيدة عن رؤبة قال‏:‏ لقي الفرزدقُ جريرا بدمشق، فقال‏:‏ يا أبا حَزْرة أراك تَمَرَّغ في طواحين الشأم بعد، فقال جرير‏:‏ أيهاه إذا سمعت بسُرَي القين فإنه مصبح، قال‏:‏ فعجبت كيف تأتَّي لهما، يعني لفظ التمرغ ولفظ القَيْن، وذلك أن الفرزدق كان يقول لجرير ‏"‏ابن المراغة‏"‏ وهو يقول للفرزدق ‏"‏ابن القَيْن‏"‏‏.‏
156- الأكْلُ سَلَجَانٌ والقَضَاءُ لَيَّانٌ‏.‏
السَّلْج‏:‏ البَلْع‏.‏ يقال‏:‏ سَلَجْتُ اللقمة أي بَلَعْتُهَا‏.‏ والليَّان‏:‏ المدافعة، وكذلك اللَّيُّ، ومنه ‏"‏ليُّ الوَاجِدِ ظلم‏"‏ ولم يجئ من المصادر شيء على فَعْلاَن بالتسكين إلا اللَّيَّان والشَّنْآن‏.‏
يضرب لمن يأخذ مال الناس فيسهل عليه، فإذا طولب بالقضاء دافع وصَعُبَ عليه، ومثلُه‏.‏
157- الأَخْذُ سُرَّيْطٌ والقَضَاءُ ضُرَّيْطٌ‏.‏
ويروى سُرَّيْطَي وضُرّيْطَي، والمعنى واحد، أي إذا أخذ المال سَرَطَ وإذا طولب أضرط بصاحبه‏.‏
158- آخِرُهَا أقَلُّهَا شُرْباً‏.‏
أصله في سَقْي الإبل‏.‏ يقول‏:‏ إن المتأخر عن الورود ربما جاء، وقد مضى ‏[‏ص 42‏]‏ الناس بِعِفْوَةِ الماء ‏(‏عفوة كل شيء‏:‏ صفوته‏)‏ وربما وافق منه نفادا، فكن في أول من يُورد، فليس تأخير الورد إلا من العجز والذل، قال النجاشيّ أحَدُ بني الحارث بن كعب يذم قوماً‏:‏
ولا يَردُونَ الماء إلا عشيةً * إذا صَدَرَ الوُرَّادُ عن كل مَنْهلِ
159- أكَلَ عَلَيْه الدَّهْرُ وَشَرِبَ‏.‏
يضرب لمن طال عمره، يريدون أكلَ وشرب دهرا طويلا، وقال‏:‏
كم رأينا من أناسٍ قَبْلَنَا * شربَ الدهْرُ عَلَيْهِمْ وأَكَلْ
160- أبَى الْحَقِينُ العِذْرَةَ‏.‏
الحقين‏:‏ اللبن المَحْقُون، والعِذْرة‏:‏ العُذْر‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ أصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا وعندهم لبن قد حَقَنوه في وَطْب، فاعتلّوه عليه واعتذروا، فقال‏:‏ أبى الحقين قبول العذر، أي إنه يُكَذّبهم‏.‏
161- أتَاكَ رَيَّانَ بِلَبَنِهِ‏.‏
يضرب لمن يعطيك ما فضل منه استغناء، لا كرما، لكثرة ما عنده‏.‏
162- أثَرُ الصِّرَارِ يَأْتِي دُونَ الذِّيَارِ‏.‏
الصِّرار‏:‏ خيط يُشَدّ فوق الْخِلْف والتودية لئلا يرضع الفصيل، والذِّيار‏:‏ بعر رَطْب يلطخ به أطْبَاء الناقة لئلا يرتضعها الفصيل أيضا، فإذا جعل الذِّيار على الْخَلْف ثم شدّ عليه الصِّرار فربما قطع الْخَلْف‏.‏
يضرب هذا في موضع قولهم ‏"‏بلغ الْحِزاُم الطُّبْيَيْنِ‏"‏ يعني تجاوز الأمر حدّه‏.‏
163- أنَا مِنْهُ كَحَاقِنِ الإِهَالَةِ‏.‏
يقال للشحم والوَدَك المُذَاب‏:‏ الإهالة، وليس يحقنها إلا الحاذق بها، يحقنها حتى يعلم أنها قد بَرَدَتْ لئلا تحرق السقاء‏.‏ يضرب للحاذق بالأمر‏.‏
164- إنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنْ أيْنَ تُؤْكَلُ الكَتِفُ‏.‏
ويروى ‏"‏من حيث تؤكل الكتف‏"‏ يضرب للرجل الداهي‏.‏
قال بعضهم‏:‏ تؤكل الكتف من أسفلها، ومن أعلى يشق عليك، ويقولون‏:‏ تجرى المَرَقَة بين لحم الكتف والعظم، فإذا أخذتها من أعلى جَرَت عليك المرقة وانصبَّتْ، وإذا أخذتها من أسفلها انْقَشَرَتْ عن عظمها وبقيت المرقة مكَانَها ثابِتَةً‏.‏
165- آكُلُ لَحْمِي وَلاَ أدَعُهُ لآكِلٍ‏.‏
أول من قال ذلك العَيَّار بن عبد الله الضبيّ ثم أحد بني السِّيد بن مالك بن بكر بن سَعْد بن ضبة، وكان من حديثه فيما ذكر المفضل أن العَيَّار وفَد هو وحُبَيْش ‏[‏ص -43‏]‏ ابن دُلَف وضِرَار بن عَمْرو الضَّبّيَّان على النعمان، فأكرمهم وأجرى عليهم نُزُلاً، وكان العيار رجلا بطالا يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال‏:‏
لا أذْبَحُ النازيَ الشَّبوب ولا * أسْلَخُ يومَ المُقَامة العُنُقَا
وكان منزلهم واحدا، وكان النعمان باديا فأرسل إليهم بجُزُرٍ فيهن تيس فأكلوهن غير التيس فقال ضِرار للعَيَّار وهو أحدثهم سنا‏:‏ إنه ليس عندنا من يسلخ هذا التيس فلو ذبحته ‏[‏وسلخته‏]‏ وكفيتنا ذلك، قال العيار‏:‏ ما أبالي أن أفعل، فذبح التيس وسَلَخه، فانطلق ضِرار إلى النعمان فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إن العيار يسلخ تيسا، قال‏:‏ أبعد ما قال‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأرسل إليه النعمان فوجَده الرسولُ يسلخ تيسا فأتى به، فقال له‏:‏ أين قولك*لا أذبح النازي الشبوب*‏؟‏ وأنشده البيت، فخجِل العَيَّار، وضحك النعمان منه ساعة، وعَرَف العيار أن ضِرارا هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سُرَادقه، وكان كسا ضرار حلةً من حُلَله، وكان ضرار شيخا أعرج بادنا كثير اللحم، قال‏:‏ فسكت العيار حتى كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ‏[‏ظل‏]‏ سُرَادقه ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حُلَّة ضرار فلبسها، ثم خرج يتعارج حتى إذا كان بحيال النعمان كشف عنه فخرئ، فقال النعمان‏:‏ ما الضرار قاتله الله لا يَهَابُني عند طعامي‏؟‏ فغضب على ضرار، فخلف ضرار ما فعل، قال‏:‏ ولكني أرى أن العَيَّار فعل هذا من أجل أني ذكرت سَلْخه التيسَ، فوقع بينهما كلام حتى تشاتما عند النعمان، فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مَرْحَبٍ أخي بني يَرْبُوع ما وقع تناول أبو مَرْحَب ضرارا عند النعمان والعيار شاهد، فشتم العيار أبا مرحب وزجَره فقال النعمان‏:‏ أتشتم أبا مَرْحَب في ضرار وقد سمعتك تقول له شرا مما قال له أبو مرحب‏؟‏ فقال العيار‏:‏ أبيت اللعن وأسعدك إلهك، آكل لحمي ولا أدعه لآكل، فأرسلها مثلا، فقال النعمان‏:‏ لا يملك مَوْلىً لمولى نصرا، فأرسلها مثلا‏.‏
166- إنَّ أخِي كانَ مَلِكي‏.‏
قال أبو عمرو‏:‏ إن أبا حَنَش التغلبي لما أدْرَكَ شَرَحْبيل عمّ امرئ القيس، وكان شَرَحْبيل قتل أخا أبي حَنَش قال‏:‏ يا أبا حَنَش اللَّبَن اللَّبَن، أي خُذْ مني الديَةَ، فقال له أبو حنش‏:‏ هَرَقْتَ لبناً كثيراً، أي قتلت أخي، فقال له شرحبيل‏:‏ أمَلِكاً بسُوقة‏؟‏ أي أتقتلُ ملكا بدل سوقة، فقال أبو حنش‏:‏ إن أخي كان مَلِكِي‏.‏ ‏[‏ص 44‏]‏
167- إنّهُ لأَشْبَهُ بِهِ مِنَ التَّمْرَةِ بالتَّمْرَةِ‏.‏
يضرب في قرب الشبه بين الشيئين‏.‏
168- إنَّ الْحَبِيبَ إلَى الإِخْوَانِ ذُو المَالِ‏.‏
يضرب في حفظ المال والإشفاق عليه‏.‏
169- إنَّ في الْمَرْنَعَةِ لِكُلِّ كَرِيمٍ مَنْفَعَة‏.‏
المرنعة‏:‏ الخِصْب‏.‏ والمنفعة‏:‏ الغنى والفَضْل، ويروى ‏"‏مقنعة‏"‏ من القَنَاعة، وبالفاء من قولهم ‏"‏مَنْ قَنَع فَنَع‏"‏ أي استغنى، ومنه قوله‏:‏
أظِلّ بيتيَ أم حَسْنَاء نَاعِمَةً * حَسَدْتَنِي أم عَطَاء اللّه ذَا الْفَنَعِ
170- إِذَا طَلَبْتَ الْباطِلَ أُبْدِعَ بِكَ‏.‏
يقال‏:‏ أُبْدِعَ بالرجل، إذا حَسَرَ عليه ظهره، أو قام به، أو عطبت راحلته، وفي الحديث ‏"‏ إني أُبْدِِعَ بي فَاحْمِلْنِي‏"‏‏.‏
ومعنى المثل إذا طلبت الباطل لم تَظْفَر بمطلوبك وانقطع بك عن الغرض، ويروى ‏"‏أنجح بك‏"‏ أي صار الباطل ذا نجح بك، ومعناه أن الباطل يعطي الأعداء منك مُرَادهم، وفي هذا نهي عن طلب الباطل‏.‏
171- إِذَا نَزَا بِكَ الشَّرُّ فَاقْعُدْ بِه‏.‏
يضرب لمن يؤمر بالحلم وترك التسرّع إلى الشرّ‏.‏ ويروى ‏"‏ إذا قام بك الشر فاقعد‏"‏‏.‏
172- إيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ‏.‏
أي لا ترتكب أمراً تحتاج فيه إلى الاعتذار منه‏.‏
173- إذَا زَلّ العَالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ‏.‏
لأن للعالم تبعاً فهم به يقتدون، قال الشاعر‏:‏
إن الفقيه إذا غَوَى وأطاعه * قومٌ غَوَوْا معه فَضَاع وَضَيَّعَا
مثل السفينة إن هَوَتْ في لجة * تَغْرَقْ ويَغْرَقْ كُلُّ ما فيها مَعَا
174- أَنْتَ أعْلَمُ أَمْ مَنْ غُصَّ بِها‏.‏
الهاء للقمة‏.‏ يضرب لمن جرّب الأمور وعَرَفها‏.‏
175 إنَّهُ لَدَاهِيَةُ الغَبَرِ‏.‏
قال الكذاب الحِرْمَازِيّ‏:‏
أنْتَ لها مُنْذِرُ مِنْ بيْنِ البَشَرْ * داهية الدَّهْر وَصَمَّاء الغَبَرْ
أنْتَ لها إذا عَجَزَتْ عَنْهَا مُضَرْ‏.‏
قالوا‏:‏ الغَبَر الداهية العظيمة التي لا يهتدى لها، قلت‏:‏ وسمعت أن الغَبَر عينُ ماء بعينه تألَفُها الحيَّاتُ العظيمة المنكرة، ولذلك قال الحرمازيّ ‏"‏وصماء الغَبَرْ‏"‏ أضاف ‏[‏ص 45‏]‏ الصماء إلى الغَبَر المعروفة، وأصل الغبر الفساد، ومنه العِرْقُ الغَبِر، وهو الذي لا يزال ينتقض، فصماء الغبر بلية لا تكاد تنقضي وتذهب كالعرق الغبر‏.‏
176- إلاَّ دَهٍ فَلاَ دَهٍ‏.‏
روى ابن الأعرابي ‏"‏ إلاَّ دَهْ فلا دَهْ‏"‏ ساكن الهاء، ويروى أيضاً ‏"‏إلا دِهِ فلا دِهِ‏"‏ أي إن لم تعط الاثنين لا تعط العشرة، قال أبو عبيد‏:‏ يضربه الرجل يقول أريد كذا وكذا، فإن قيل له‏:‏ ليس يمكن ذا، قال‏:‏ فكذا وكذا، وقال الأصمعيّ‏:‏ معناه إن لم يكن هذا الآن فلا يكون بعد الآن، وقال‏:‏ لا أدري ما أصله، قال رؤبة *وَقُوّل إلاَّ دَهِ فَلا دَهِ* قال المنذري‏:‏ قالوا معناه إلا هذه فلا هذه، يعني أن الأصل إلا ذه فلا ذه - بالذال المعجمة - فعربت بالدال غير المعجمة، كما قالوا‏:‏ يَهُوذا، ثم عرب فقيل‏:‏ يَهُودا، وقيل‏:‏ أصله إلا دهي أي إن لم تضرب، فأدخل التنوين فسقط الياء، قال رؤبة‏:‏
فاليومَ قد نَهْنَهَنِي مُنَهْنِهِي * وَأَوْلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ
وَقُوَّلٌ إلاَّ دهِ فَلاَ ده * وحَقَّةٌ لَيْسَتْ بقول التُّرَّهِ
يقول‏:‏ زَجَرني زواجر العقل ورجوعُ حلم ليس يُنْسب إلى السَّفَه وقُوّل، أي ورجوع قُوَّل يقلن‏:‏ إن لم تتب الآن مع هذه الدواعي لا تَتُبْ أبداً وقَوْلة حَقَّة، أي وقَالَة حقة، يقال‏:‏ حَقٌّ وحَقة كما يقال‏:‏ أهْلٌ وأهْلَة، يريد الموتَ وقربه‏.‏
روى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن عَقيل عن أبي طالب قال‏:‏ كان عبد المطلب بن هاشم نديماً لحرْبِ بن أمَيَّة حتى تنافَرَا إلى نُفَيل بن عبد العُزَّى جدّ عمر بن الخطاب، فأنفر عبدَ المطلب فتفرقا، ومات عبد المطلب وهو ابن عشرين ومائة سنة، ومات قبل الفِجَار في الحرب التي بين هَوَضازن، ويقال‏:‏ بل تَنَافرا إلى غزى سلمة الكاهن، قالوا‏:‏ كان لعبد المطلب ماء بالطائف يقال له ذو الهرم، فجاء الثَّقَفِيُّون فاحتفروه، فخاصمهم عبد المطلب إلى غزىّ أو إلى نُفَيْل فخرج عبد المطلب مع ابنه الحارث، وليس له يومئذ غيره، وخرج الثقفيون مع صاحبهم، وحَرْبُ بن أمية معهم على عبد المطلب، فنفِدَ ماءُ عبد المطلب، فطلب إليهم أن يَسْقوه فأبوا، فبلغ العَطَشُ منه كل مبلغ، وأشرف على الهلاك، فبينا عند المطلب يثُير بَعيره ليركب إذ فَجَّرَ الله له عَيْناً من تحت جِرَانِه، فحمِدَ الله، وعلم أن ذلك منه، فشرب وشرب أصحابه رِيَّهُمْ، وتزوَّدُوا منه حاجتهم، ونَفِدَ ماء الثقفيين ‏[‏ص 46‏]‏ فطلبوا إلى عبد المطلب أن يَسْقيهم، فأنعم عليهم، فقال له ابنه الحارث‏:‏ لأنحيَنّ على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقال عبد المطلب‏:‏ لأسقينَّهم فلا تفعل ذلك بنفسك، فسقاهم، ثم انطلقوا حتى أتوا الكاهن وقد خَبَؤُا له رأسَ جرادة في خَرَزَة مَزَادة، وجعلوه في قِلادة كلبٍ لهم يقال له سَوّار، فلما أتوا الكاهنَ إذا هم ببقرتين تَسُوقان بينهما بَخْرَجاً ‏(‏البخرج - بزنة جعفر - ولد البقرة‏)‏ كلتاهما تزعم أنه ولدها، ولدتا في ليلة واحدة فأكل النمر أحد البَخْرَجَيْنِ، فهما تَرْأمان الباقي، فلما وقَفَتَا بين يديه قال الكاهن‏:‏ هل تدرون ما تريد هاتان البقرتان‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال الكاهن‏:‏ ذهَبَ به ذو جسد أربد، وشدق مرمع، وناب معلق، ما للصغرى في ولد الكبرى حق، فقضى به للكبرى، ثم قال‏:‏ ما حاجتكم‏؟‏ قالوا‏:‏ قد خَبأْنا لك خَبْأً فأنبئنا عنه ثم نخبرك بحاجتنا، قال‏:‏ خبأتم لي شيئاً طار فَسطَع، فتصوَّب فوقع، في الأرض منه بُقَع، فقالوا‏:‏ لاده، أي بينه، قال‏:‏ هو شيء طار فاستطار، ذو ذَنَب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار، فقالوا‏:‏ لاده، قال‏:‏ إن لاده فلا ده، هو رأس جرادة، في خرز مَزَادة، في عنق سوّار ذي القلادة، قالوا‏:‏ صدقت فأخبرنا فيما اختصمنا إليك فأخبرهم، وانتسبوا له، فقضى بينهم ورجعوا إلى منازلهم على حكمه‏.‏



B-happy 3 - 3 - 2010 01:10 AM



177- إِذا كانَ لَكَ أَكْثَرِي فَتَجافَ ليِ عَنْ أَيْسَرِي‏.‏
يضرب للذي فيه أخلاق تُسْتَحْسن وتَبْدُر منه أحياناً سَقْطة‏:‏ أي احتمل من الصديق الذي تحمده في كثير من الأمور سيئةً يأتي بها في الأوقات مرة واحدة‏.‏
178- أَنا غَرِيرُك مِنْ هذَا الأمْرِ‏.‏
أي أنا عالم به فاغْتَرَّنِي، أي سَلْنِي عنه على غرة أخبرك به من غير استعداد له، وقال الأصمعي‏:‏ معناه أنك لست بمغرور من جهتي، لكن أنا المغرور، وذلك أنه بلغني خبر كان باطلاً فأخبرتك به، ولم يكن ذاك على ما قلت لك‏.‏
179- أَنا مِنْهُ فالِجُ بْنُ خَلاَوَةَ‏.‏
أي أنا منه بريء، وذلك أن فالج بن خلاوة الأشجعي قيل له يوم الرقم لما قتل أنيس الأسْرَى‏:‏ أتنصر أنيساً‏؟‏ فقال‏:‏ أنا منه بريء، فصار مثلا لكل مَنْ كان بمعزِلٍ عن أمر، وإن كان في الأصل اسْماً لذلك الرجل‏.‏ ‏[‏ص 47‏]‏
180- أَنْتَ تَئِقٌ، وَأَنا مَئِقٌ، فَمَتَى نَتَّفِقُ‏؟‏
قال أبو عبيد‏:‏ التَّئِقُ السريعُ إلى الشر، والمئِق‏:‏ السريعُ إلى البكاء، وقال الأصمعي‏:‏ هو الحديد يعني التئق، قال الشاعر يصف كلباً‏:‏
أصْمَع الكَعْبين مَهْضُوم الْحَشَا * سرطم اللَّحْيَيْن معاج تَئِقْ
والمَأَق بالتحريك‏:‏ شبيه الفُوَاق يأخذ الإنسان عند البكاء والنَّشِيج، كأنه نَفَس يقلعه من صدره‏:‏ وقد مَئِقَ مأقا‏.‏ والتَّأق‏:‏ الامتلاء من الغضب‏.‏ يضرب للمختلفين أخلاقا‏.‏
181- إِنَّهُ لَنَكِدُ الْحَظِيرَةِ‏.‏
النَّكَد‏:‏ قلة الخير، يقال‏:‏ نَكِدَتِ الركيَّة، إذا قل ماؤها، وجمع النكِدِ أنكاد ونكد قال الكميت‏.‏
نزلت به أنف الربيـ * ع ‏(‏الربيع‏)‏ وزايلت نُكْدَ الحظائر
قال أبو عبيد‏:‏ أراه سمى أمواله حَظِيرة لأنه حَظَرها عنده ومَنَعها، فهي فَعيلة بمعنى مَفْعُولة‏.‏
182- أنْتَ مَرَّةً عَيْش، وَمَرَّةً جَيْش‏.‏
أي أنت ذو عيش مرة وذو جيش أخرى، قال ابن الأعرابي‏:‏ أصله أن يكون الرجل مرة في عيش رَخِيّ ومرة في شِدَّة‏.‏
183- إنْ لَمْ يَكُنْ شَحْمٌ فَنَفَشٌ‏.‏
النَّفَشُ‏:‏ الصوف، قاله ابن الأعرابي، يعني إن لم يكن فعل فرياء، وقال غيره‏:‏ النفَش القليل من اللبن‏.‏
يضرب عند التَّبَلُّغِ باليسير‏.‏
184- آهَةً وَمَيهَة‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ الآهة التأوّه والتوجع، قال المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ‏:‏
إذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ * تأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
وقال بعضهم‏:‏ الآهة الحَصْبَة‏.‏ والميَهة‏:‏ الجدَرِي، يعني جُدَرِيَّ الغنم‏.‏ قال الفراء‏:‏ هي الأمِيهة أسقطت همزتها لكثرة الاستعمال، كما أسقطوا همزة هو خَيْرٌ مني وشَرٌ مني، وكان الأصل أخْيَر وأشَرُّ‏.‏ ويقال من ذلك‏:‏ أُمِهَت الغنم فهي مَأمُوهة‏.‏ وقال غيره‏:‏
مِيهة وأمِيهة واحد، قال الشاعر‏:‏
طَبيخ نُحَاز أو طبيخ أمِيَهة * صَغِير العِظام سَيِّء الْقِشْمِ أمْلَط ‏(‏النحاز - بالضم - داء يصيب الإبل‏.‏ والأميهة‏:‏ جدري الغنم كما قال المؤلف‏.‏ والقشم بالكسر - الجسد‏.‏ والأملط‏:‏ الذي ليس على جسده شعر‏)‏ ‏[‏ص 48‏]‏
185- إلَيْكَ يُسَاقُ الْحَدِيثُ‏.‏
زعموا أن رجلا أتى امرأةً يخطُبها، فأنعظ وهي تكلمه، فجعل كُلَّما كلمتْهُ ازداد إنعاظا، وجعل يستحي ممن حضرها من أهلها، فوضع يده على ذكره وقال‏:‏ إلَيْكَ يُسَاقُ الحديثُ، فأرسلها مثلا‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ جَمَع عامر بن صَعْصَعَة بنيه ليُوصِيَهم عند موته، فمكث طويلاً لا يتكلم، فاستحثهُ بعضهم، فقال له‏:‏ إليك يساق الحديث‏.‏
186- أنَا النذَّيِرُ الْعُرْيانُ‏.‏
قال ابن الكلبي‏:‏ من حديث النذير العريان أن أبا دُوَاد الشاعرَ كان جاراً للْمُنْذر ابن ماء السماء، وأن أبا دُوَاد نازَع رجلا بالحِيرة من بَهْراء يقال له رقبة بن عامر، فقال له رقبة‏:‏ صالحني وحالفني، قال أبو داود‏:‏ فمن أين تعيش أبا داود‏؟‏ فواللّه لولا ما تصيب من بَهْرَاء لهلكت، ثم افترقا على تلك الحالة، وإن أبا دُوَاد أخرج بَنِينَ له ثلاثةً في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك رقبة، فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قال له أبو دُوَاد عند المنذر، وأخبرهم أن القوم وَلَدُ أبي دُوَاد، فخرجوا إلى الشام فقتلوهم وبعثوا برءوسهم إلى رقبة، فلما أتته الرءوس صنَع طعاماً كثيراً، ثم أتى المنذر فقال له‏:‏ قد اصطنعت لك طعاماً فأنا أحب أن تَتَغَدّى، فأتاه المنذر وأبو دُوَاد معه، فبينا الجِفان تُرْفَع وتوضع إذ جاءت جَفْنة عليها أحد رؤس بني أبي دُوَاد، فقال أبو داود‏:‏ أبَيْتَ اللَّعْنَ إني جارُكَ وقد ترى ما صنع بي، وكان رقبة جارا للمنذر، قال فوقعَ المنذر منهما في سوأة، وأمر برقبة فحبس، وقال لأبي دُوَاد‏:‏ ما يرضيك‏؟‏ قال‏:‏ أن تبعث بكتيبتيك الشَّهْباء والدَّوْسَر إليهم، فقال له المنذر‏:‏ قد فعلْتُ، فوجَّه إليهم الكتيبتين، قال‏:‏ فلما رأى ذلك رقبة مِنْ صُنْع المنذر قال لامرأته‏:‏ الْحَقِي بقومك فأنذريهم، فعمدت إلى بعض إبل البَهْرَاني فركبته ثم خرجت حتى أتت قومها فعرّفت، ثم قالت‏:‏ أنا النَّذِيرُ العُرْيَان، فأرسلتها مثلا، وعرف القومُ ما تريد، فَصَعدوا إلى علياء الشام، وأفبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحدا، فقال المنذر لأبي دواد‏:‏ قد رأيتَ ما كان منهم، أفيُسْكِتك عني أن أعطيك بكل رأس مائتي بعير‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأعطاه ذلك، وفيه يقول قيس بن زهير العبسي‏:‏
سأفْعَلُ مَا َبَدا لِيَ ثُمَّ آوِي * إلى جارٍ كَجَارِ أبِي دُوَاد
وقال غيره‏:‏ إنما قالوا ‏"‏النذير العريان‏"‏ لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فَجَأتْهم وأراد إنذار قومه تجرَّد من ثيابه وأشار بها ليعلم أنه ‏[‏ص 49‏]‏ قد فجأهم أمر، ثم صار مثلاً لكل أمر تُخَاف مفاجأته، ولكل أمر لا شبهة فيه‏.‏
187- إِيَّاكِ أعْنِي وَأسْمَعِي يَا جَارَهْ‏.‏
أول من قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاري، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له‏:‏ حارثة بن لأم، فأمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدا فقالت له أخته‏:‏ انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بِفناء الخِباء يوماً وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول‏:‏
يَا أخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ * كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَهْ
أصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ * إيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ
فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت‏:‏ ماذا بِقَوْلِ ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّما ثم ارْتَحِلْ متى شئت مسلماً، ويقال أجابته نظماً فقالت‏:‏
إنِّي أقُولُ يَا فَتَى فَزَارَهْ * لاَ أبْتَغِي الزَّوْجَ وَلاَ الدَّعَارَهْ
وَلاَ فِرَاقَ أَهْلِ هذِي الْجَارَهْ * فَارْحَلْ إلىَ أهْلِكَ بِاسْتِخَارَهْ
فاسْتَحْيا لفتى وقال‏:‏ ما أردتُ منكرا واسوأتاه، قالت‏:‏ صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهمَته، فارتحل، فأتى النعمان فَحَبَاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلا، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبني إن كان لك إليَّ حاجة يوما من الدهر فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه‏.‏
يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئاً غيره‏.‏
188- أبِي يَغْزو، وأُمِّي تُحَدِّثُ‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ ذكروا أن رجلا قدِم من غَزَاة، فأتاه جيرانُه يسألونه عن الخبر، فجعلت امرأته تقول‏:‏ قَتَل من القوم كذا، وهَزَم كذا، وجُرِح فلان، فقال ابنها متعجبا‏:‏ أبي يغزو وأُمي تحدث‏.‏
189- إنّمَا هُمْ أكَلَةُ رَأْسٍ‏.‏
يضرب مثلا للقوم يَقِلّ عددهم‏.‏
190- أُكْلَةُ الشّيْطَانِ‏.‏
قالوا‏:‏ هي حَيَّةٌ كانت في الجاهلية ‏[‏ص 50‏]‏ لا يقوم لها شيء، وكان يأتي بيتَ اللّه الحرامَ في كل حين فيضرب بنفسه الأرضَ فلا يمرُّ به شيء إلا أهلكه، فضُرب به المثل في كل شيء ذهب فلم يوجد له أثر‏.‏ وأما قولهم ‏"‏إنما هو شَيْطان من الشياطين‏"‏ فإنما يُرَاد به النشاط والقوة والبَطَر‏.‏
191- إلَيْكَ أُنْزِلَتِ الْقِدْرُ بِأحْنائِهَا ‏.‏
أي‏:‏ جوانبها‏.‏ هذا مثلُ قولهم ‏"‏إليك يُسَاق الحديث‏"‏ ‏(‏مضى برقم 187‏)‏
192- الأمْرُ يَعْرِضُ دُونَهُ الأمْرُ‏.‏
ويورى ‏"‏يحدث‏"‏‏.‏ يضرب في ظُهُور العَوَائق‏.‏
193- إحْدَى عَشِيَّاتِكِ مِنْ نَوْكَى قَطَنٍ‏.‏
النَّوْكى‏:‏ جمع أنْوَكَ، وقَطَن‏:‏ هو قَطَنُ ابن نَهْشَلْ بن دارم النَّهْشَلي، وحَمْقَاهم أشدُّ حُمْقاً من غيرهم، ولعل إبل هذا القائل لقيَتْ منهم شرا فضرب بهم المثل، وهذا مثل قولهم ‏"‏إحدى لياليك من ابن الحرّ‏"‏ ‏(‏مضى برقم 119‏)‏ ‏"‏ و ‏"‏إحدى لياليك فَهِيسِي‏"‏‏(‏مضى في رقم 119- أيضا‏)‏
194- أحَدَ حِمارَيْكِ فَازْجُرِي‏.‏
أصْلُه في خطاب امرأة‏.‏ يضرب لمن يتكلف ما لا يَعْنيه‏.‏
195- إحْدَى عَشِيَّاتِكَ مِنْ سَقْىِ الإِبِلِ‏.‏
يضرب للمُتْعَب في عمل‏.‏
196- أخَذُوا في وَادِي تُوُلِّهَ‏.‏
من الوَلَه، وهو مثل تُضُلِّل - بضم التاء والضاد وكسر اللام - في وزنه ومعناه، والوَلَه‏:‏ التحير‏.‏ يضرب لمن وقع فيما لا يهتدي للخروج منه ‏.‏
197- أخُوكَ أمِ الذِّئْبُ‏.‏
أي‏:‏ هذا الذي تَرَاه أخوك أم الذئب، يعني أن أخاك الذي تختاره مثل الذئب فلا تأمنه‏.‏ يضرب في موضع التَّمَارِي والشك‏.‏
198- أدَّى قِدْراً مُسْتَعِيرُهَا‏.‏
يضرب لمن يعطي ما يلزمه من الحق‏.‏
199- إذَا كَوَيْتَ فَأنْضِجْ وإذا مَضَغْتَ فَادْقِقْ‏.‏
يضرب في الحثِّ على إحكام الأمر‏.‏
200- إنَّكَ لَتُمَدُّ بِسُرْمِ كرِيمٍ‏.‏
ويروى ‏"‏بشلو كريم‏"‏ وأصله أن رجلاً ‏[‏ص 51‏]‏ امتنع من الأكل أنَفَةً من الاستفراغ حتى ضعف، فافترسه الذئب وجعل يأكله وهو يقول هذا القول حتى هلك‏.‏ يضرب لمن يفتخر بما لا افتخار به‏.‏
201- إنَّكَ ما وَخَيْراً‏.‏
‏"‏ما‏"‏ زائدة، ونصب ‏"‏خيرا‏"‏ على تقدير إنك وخيرا مجموعان أو مقترنان‏.‏
يضرب في موضع البشارة بالخير وقُرْب نَيْل المطلوب‏.‏
202- إن الهَوَى يَقْطَعُ العَقَبَةَ ‏.‏
أي‏:‏ يحمل على تحمُّل المشقَّة، وهو كقولهم ‏"‏إن الهَوَى ليميلُ‏"‏‏.‏
203- إنَّ في مِضُِّ َلسِيما‏.‏
ويروى ‏"‏لمَطْمعاً‏"‏‏.‏
مضّ‏:‏ كلمة تستعمل بمعنى لا، وليست بجواب لقضاء حاجة ولا ردّ لها، ولهذا قيل‏:‏ إن فيه لمطمعا، وإن فيه لعلامة، قال الراجز‏:‏ سألت هَلْ وَصْلٌ فَقَالَتْ مِضِّ ‏(‏وبعده*وحركت لي رأسها بالنغض‏)‏ وسِيَما‏:‏ فِعْلى من الوَسْم، والأصل فيه وِسْمى، فحُوِّلَت الفاء إلى العين فصارت سِوْمى، ثم صارت سِيَما، فهي الآن عِفْلى‏.‏ ومعنى المَثل إن في مض لعلامة درك‏.‏ يضرب عند الشك في نيل شيء‏.‏
204- إنْ تَنْفِرِي لَقَدْ رَأَيْتِ نَفْراً ‏.‏
يقال‏:‏ نَفَر يَنْفِر ويَنْفُرُ نِفَاراً ونُفُورا، وأما النَّفْر فهو اسمٌ من الإنفار‏.‏
يضرب لمن يَفْزَع من شيء يحقّ أن يُفْزَع منه‏.‏
205- إنْ لَمْ يَكُنْ وِفَاق فَفِراق ‏.‏
أي‏:‏ إن لم يكن حَبٌّ في قَرْب فالوجه المفارقة‏.‏
206- إنِّي مُنَثِّرٌ وَرِقي فَمَنْ شاءَ أبْقَى وَرِقَهُ ‏(‏يروى ‏"‏فمن شاء ألقى ورقه‏"‏‏)‏‏.‏
وذلك أن رجلا فاخَر رجلا فنحَر أحدهما جَزورا، ووضع الجِفان، ونادى في الناس، فلما اجتمعوا أخذ الآخر بَدْرَة وجعل ينثر الوَرِق، فترك الناسُ الطعام واجتمعوا إليه‏.‏ يضرب في الدَّهَاء‏.‏
207- أوْمَرِناً ما أُخْرَى‏.‏
المَرِنُ - بكسر الراء - الخُلُق والعادة، يقال‏:‏ ما زال ذلك مَرِنِي، أي عادتي، و ‏"‏ما‏"‏ صلة، وأخرى‏:‏ صفة للمرِن على معنى العادة ونصب ‏"‏مرنا‏"‏ بتقدير فعل مضمر، كأنه جواب مَنْ يقول قولاً غير موثوق به، فيقول ‏[‏ص 52‏]‏ السامع‏:‏ أومَرِنا، أي وآخذ مرنا غيرَ ما تحكي، يريد الأمر بخلاف ذلك‏.‏
208- أهْلَكَ وَاللَّيْلَ‏.‏
أي أذكر أهلك وبُعْدهم عنك، واحذر الليل وظلمته، فهما منصوبان بإضمار الفعل‏.‏ يضرب في التحذير والأمر بالحَزْم‏.‏
209- إِنَّكَ لا تَجْنِي مِنَ الشَّوْكِ العِنَبَ‏.‏
أي‏:‏ لا تجد عند ذي المَنْبِتِ السوء جميلاً، والمثلُ من قول أكْثَم، يقال‏:‏ أراد إذا ظُلمت فاحذر الانتصار فإن الظلم لا يَكْسِبُكَ إلا مثلَ فعلك‏.‏
210- إنَّكَ بَعْدُ في العَزَازِ فَقُمْ‏.‏
العَزَاز‏:‏ الأرض الصُّلْبة، وإنما تكون في الأطراف من الأرَصِينَ‏.‏
يضرب لمن لم يَتَقَصَّ الأمر ويظن أنه قد تقصَّاه‏.‏
قال الزُّهْري‏:‏ كنت أختلف إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود، فكنت أخْدُمه، وذَكَر جَهْده في الخدمة، ثم قال‏:‏ فقدرت أني استنطقت ما عنده، فلما خرج لم أقُمْ له، ولم أظهر له ما كنت أظهره من قبلُ، قال‏:‏ فنظر إليَّ وقال‏:‏ إنك بعدُ في العَزَاز فقم‏:‏ أي أنت في الطَّرَف من العلم لم تَتَوَسَّطه بعدُ‏.‏
211- إنَّما يُضَنُّ بالضَّنِينِ‏.‏
أي‏"‏ إنما يجب أن تتمسك بإخاء مَنْ تَمَسَّكّ بإخائك‏.‏
212- إذَا أخَذْتَ عَمَلاً فَقَعْ فيه، فاِنَّما خَيْبَتُهُ تَوَقِّيهِ‏.‏
ويروى ‏"‏إذا أردت عملاً فخُذْ فيه‏"‏ أي إذا بدأت بأمرٍ فمارِسْهُ ولا تَنْكُلْ عنه، فإن الخيبة في الهيبة‏.‏
213- إذَا تَوَلَّى عَقْدَ شَيٍْ أوْثَقَ‏.‏
يضرب لمن يوصَفُ بالحزم والجد في الأمور‏.‏
214- أوَّلُ العِيِّ الاخْتِلاَطُ‏.‏
يقال ‏"‏اختلط‏"‏ إذا غضب، يعني إذا غضب المخاطَبُ دلَّ ذلك على أنه عَيَّ عن الجواب يقال‏:‏ عَىّ ‏(‏يقال‏:‏ عى وعي، الأول بالإدغام، والثاني بالفك على مثال رضى‏)‏ يَعْيا عِيّاً بالكسر فهو عَىّ بالفتح‏.‏
215- أوَّلُ الحَزْمِ المَشُورَةُ‏.‏
ويروى المَشْوَرَة، وهما لغتان، وأصلُهما من قولهم‏:‏ شُرْتُ العَسَلَ واشْتَرْتُهَا، إذا جَنَيْتَهَا واستخرجتها من خَلاَياها، والمَشُورة معناها استخراجُ الرأي، والمثلُ ‏[‏ص 53‏]‏ لأكْثَمَ بن صَيْفي‏.‏ ويروى عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ الرجالُ ثلاثة‏:‏ رجلٌ ذو عقلٍ ورأيٍ، ورجلٌ إذا حَزَبه أمر أتى ذا رأيٍ فاستشاره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رَشَدَا ولا يطيع مُرْشِدًا‏.‏
216- أنَا دُونَ هَذَا، وَفَوْقَ ما فيِ نَفْسِكَ‏.‏
قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل مَدَحه نِفَاقا‏.‏
217- إياكَ وَأنْ يَضْرِبَ لِسَانُكَ عُنُقَكَ‏.‏
أي‏:‏ إياك أن تَلْفِظَ بما فيه هلاكك، ونُسِبَ الضربُ إلى اللسان لأنه السبب كقوله تعالى ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِباَسَهُمَا‏}‏‏.‏
218- أيْنَمَا أُوَجِّهْ ألْقَ سَعْداً‏.‏
كان الأضْبَطُ بن قُرَيْع سيدَ قومه، فرأى منهم جَفْوة، فرحَل عنهم إلى آخرين، فرآهم يصنعون بساداتهم مثلَ ذلك، فقال هذا القول‏.‏ ويروى ‏"‏في كُلِّ وَادٍ سَعْدُ ابْنُ زَيْدٍ‏"‏‏.‏
219- إنَّكَ لَتَحْسِبُ عَلَيَّ الأَرْضَ حَيْصاً بَيْصاً‏.‏
وحَيْصَ بَيْصَ‏:‏ أي ضَيّقة‏.‏
220- إسْتَاهِلِي إِهَالَتيِ، وَأحْسِنِي إيَالَتِي‏.‏
أي‏:‏ خُذِي صَفْو مالي، وأحسني القيام به عليَّ‏.‏
221- أُلْتُ اللِّقَاحَ وَأيلَ عَلَيَّ‏.‏
قالته امرأة كانت راعيةً ثم رُعِي لها، وأُلْتُ‏:‏ من الإيالة وهي السياسة، ومثله ‏"‏قد أُلْنَا وإيلَ عَلَيْنَا‏"‏ قاله زِياد ابن أَبِيِه‏.‏
222- أنْتَ مِمَّنْ غُذِىَ فأَرْسِلْ‏.‏
يضرب لمن يُسْأل عن نسبه فَيَلْتَوِي به‏.‏
223- أنْتِ الأَمِيرُ فَطَلِّقي أوْ رَاجِعِي‏.‏
يضرب في تأكيد القُدْوة تهكُّماً وَهُزُؤا‏.‏
224- إذَا حَزَّ أخُوكَ فَكُلْ‏.‏
يضرب في الْحَثَّ على الثقة بالأخ‏.‏
225- إمَّا عَلَيْهَا وَإمَّا لَها‏.‏
أي ارْكَبِ الخطر على أي الأمرين وَقَعْتَ من نجْح أو خَيْبة، والهاء في ‏"‏عليها‏"‏ و ‏"‏لها‏"‏ راجعة إلى النفس، أي‏:‏ إما أن تحمل عليها وإنا أن تتحمل الكَدَّ لها‏.‏
226- إنَّهُ لَرَابِطُ الْجَاشِ عَلَى الأغْبَاشِ‏.‏
الجأش‏:‏ جأش القلب وهو رُوَاعُهُ‏:‏ أي موضع رَوْعه إذا اضطرب عند الفَزَع، ومعنى ‏"‏ رابط الجأش‏"‏ أنه يَرْبِطُ نفسَه عن الفرار ‏[‏ص 54‏]‏ لشجاعته‏.‏ والأغباش‏:‏ جمع غَبَش، وهو الظلمة ‏.‏
يضرب للجَسُور على الأهوال‏.‏
227- إمَّا خَبَّتْ وَإمَّا بَرَكَتْ‏.‏
الْخَبَبُ والْخَبِيبُ والخبّ‏:‏ ضرب من العَدْو، وذلك إذا راوح بين يديه ورجليه‏.‏
يضرب للرجل يُفرط مرة في الخير ومرة في الشر، فيبلغ في الأمرين الغاية‏.‏
228- إنَّهُ مَاعِزٌ مَقْرُوظٌ‏.‏
الماعز‏:‏ واحد المَعْز، مثل صَاحِب وصَحْب، والماعز أيضا‏:‏ جلد المعز، قال الشماخ‏:‏
وَبُرْدَانِ مِنْ خَالٍ وَسَبْعُونَ دِرْهَماً * عَلَى ذَاكَ مَقْرُوظٌ مِنَ القِدّ مَاعِزُ
والمقروظ‏:‏ المدبوغ بالقَرَظ‏.‏
يضرب للتامّ العقل الكامل الرأي‏.‏
229- إنَّ أُضَاحاً مَنْهَلٌ مَوْرُودٌ‏.‏
أُضَاح - بالضم - موضع، يذكر ويؤنث يضرب مثلاً للرجل الكثير الغاشية ‏(‏الغاشية‏:‏ الزوار والخلان والسؤال والخدم‏)‏ الغزير المعروف‏.‏
230- امْرَأً وَمَا اخْتَارَ، وَإنْ أبى إلاَّ النَّارَ‏.‏
أي‏:‏ دَعْ امرأً واختياره‏.‏
يضرب عند الحضِّ على رَفْض مَنْ لم يقبل النصح منك‏.‏
231- أنْتَ في مِثْلِ صاحِبِ البَعْرَةِ‏.‏
وذلك أن رجلا كانت له ظِنَّة في قوم، فجمعهم ليستبرئهم، فأخذ بَعَرَة، فقال‏:‏ إني أَرْمِي ببعرتي هذه صاحبَ ظِنَّتي، فجَفَل لها أحدُهم، فقال‏:‏ لا تَرْمِنِي ببعرتك فأخْصَمَ على نفسِه‏.‏
يضرب لكل مُظْهِر على نفسه ما لم يُطَّلَعْ عليه‏.‏
232- أخُو الكِظَاظِ مَنْ لا يسْأَمُهُ‏.‏
المُكَاظَّة‏:‏ المُمَارسة الشديدة في الحرب، وبينهم كِظاظ، قال الراجز‏:‏
إذْ سَئِمَتْ ربيعةُ الكِظَاظَا* يضرب لمن يؤمر بمشارّة القوم، أي أخو الشَّرِّ مَنْ لا يملّه‏.‏
233- أنْتَ لَها فَكُنْ ذَا مِرَّةٍ‏.‏
الهاء للحرب، أي أنت الذي خُلِقْتَ لها فكن ذا قُوَّة‏.‏
234- إنْ لَمْ أنْفَعْكُمْ قَبَلاً لَم أنْفَعْكُمْ عَلَلا‏.‏
القَبَل والنَّهَل‏:‏ الشُّرْبُ الأولُ‏.‏ والعَلَل‏:‏ الشرب الثاني، والدِّخَالُ‏:‏ الثالث، يقول‏:‏ إن لم أنفعكم في أول أمركم لم أنفعكم في آخره‏.‏ ‏[‏ص 55‏]‏
235- إِنَّ العِرَاكَ في النَّهَلِ‏.‏
العِرَاكُ‏:‏ الزحامُ‏.‏ يضرب مثلا في الخصومة، أي أول الأمر أشَدُّه، فعاجِلْ بأخذ الْحَزْم‏.‏
236- إِنَّ الهَزِيلَ إِذَا شَبِعَ ماتَ‏.‏
يضرب لمن استغنى فتجبَّر على الناسِ‏.‏
237- أَمْرٌ فَاتَكَ فَارْتَحِلْ شَاتَكَ‏.‏
يضرب للرجل يسألك عن أمر لا تُحِبُّ أن تخبره به، يريد أنك إن طلبته لا تَقْدِرُ عليه كما لا تقدر أن ترتحل شاتك‏.‏
238- إلَى ذَلِكَ ما أوْلاَدُها عِيسٌ‏.‏
‏"‏ذلك‏"‏ إشارة إلى الموعود، والهاء في ‏"‏أولاها‏"‏ للنوق، و ‏"‏ما‏"‏ عبارة عن الوقت يضرب للرجل يَعِدُك الوَعْدَ، فيطول عليك فتقول‏:‏ إلى أن يحصل هذا الموعود وقت تصير فُصْلاَن النوق فيه عِيسا‏.‏ ومثله قولهم‏.‏
239- إِلَى ذَاكَ ما باضَ الحمَامُ وَفَرَّخَا‏.‏
يضرب للمطول الدفاع‏.‏
240- إِنْ كنْتِ غَضْبَى فَعَلَى هَنِكِ فَاغْضَبِي‏.‏
قال يونس بن حبيب‏:‏ يقال‏:‏ زَنَتْ ابنةٌ لرجل من العرب وهي بكر، فناداها أبوها يا فلانة، فقالت‏:‏ إني غَضْبَى، قال لها أبوها‏:‏ ولم‏؟‏ قالت‏:‏ إني حُبَيْلى، قال‏:‏ إن كنت غضبى، المَثَلَ، أي هذا ذنبك‏.‏
يضرب في موضع قولهم ‏"‏يَدَاكَ أَوْكَتَا وَفُوكَ نَفَخَ‏"‏‏.‏
241- أنَا أشْغَلُ عَنْكَ مِنْ مُوضِعِ ‏(‏يقال‏:‏ وضع الرجل بهمه، أي ألزمها المرعى، فالثلاثي متعد، فكان ينبغي أن يقال‏"‏من واضع بهم - الخ‏)‏ بَهْمٍ سَبْعِين‏.‏
لأن صاحب البَهْم أكْثَرُ شغلا من غيره لصغر نتاجه‏.‏
242- أخُو الظَّلْمَاءَ أعْشى باللَّيْلِ‏.‏
يضرب لمن يُخْطئ حجتَه ولا يُبْصِر المَخْرَجَ مما وقع فيه‏.‏
243- إِنْ كُنْتَ عَطْشَانَ فَقَدْ أنَى لَكَ‏.‏
يضرب لطالب الثأر، أي قد أَنَى لك أن تنتصر، وأنى وآنَ لغتان في معنى حَانَ‏.‏
244- إِنَّ أخَا العَزَّاءِ مَنْ يَسْعَى مَعَك‏.‏
العَزَّاء‏:‏ السَّنَة الشديدة، أي إن أخاك مَنْ لا يَخْذُلُكَ في الحالة الشديدة‏.‏
245- أنْتَ مِنِّي بيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقي‏.‏
أي بالمكان الأفضل الذي لا أستطيع رفع حقه‏.‏
246- إِنَّ مِنَ اليَوْمِ آخِرَهُ‏.‏
يَضربه مَنْ يُستبطأَ فيقال له‏:‏ ضَيَّعْتَ ‏[‏ص 56‏]‏ حاجتك، فيقول‏:‏ إن من اليوم آخره، يعني أن غُدُوَّهُ وَعَشِيَّه سواء‏.‏
247- إِبِلِي لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أهَبْ‏.‏
أي لم أبعها ولم أهبها‏.‏ يضرب للظالم يخاصمك فيما لا حَقَّ له فيه ‏.‏
248- إِنْ لاَ تَلِدْ يُولَدْ لَكَ‏.‏
يعني أن الرجل إذا تزوج المرأة لها أولاد من غيره جَرَّدُوه‏.‏ يضرب للرجل يُدْخِلُ نفسَه فيما لا يَعْنيِه فيبتلي به‏.‏
249- إِنَّ مِنَ الحُسْنِ شِقْوَةً‏.‏
وذلك أن الرجل ينظر إلى حسنه، فيَخْتَال فيَعْدُو طًوْرَه فيشقيه ذلك ويبغّضه إلى الناس‏.‏
250- إِنها الإبِلُ بِسَلاَمَتِهَا‏.‏
قال يونس‏:‏ زعموا أن الضبع أخذت فصيلا رازما في دار قوم ارتحلوا وخَلَّوْه، فجعلت تخليه للكلأ، وتأتيه فتغارّه إياه ‏(‏تغاره إياه‏:‏ تطعمه إياه‏)‏، حتى إذا انتلأ بطنه وسمن أتته لتستاقه، فركضها ركضة دَقَمَ ‏(‏دقم فاها‏:‏ كسر أسنانها‏)‏ فاها، فعند ذلك قالت الضبع‏:‏ إنها الإبل بسلامتها‏.‏
يضرب لمن تزدريه فأخلف ظنك‏.‏
251- أخُوكَ أمِ اللَّيْلُ‏.‏
أي المرئى أخوك أم هو سواد الليل‏.‏
يضرب عند الارتياب بالشيء في سواد وظلمة‏.‏
252- إِنَّهَا مِنِّي لأَصِرَّي‏.‏
قال ابن السكيت‏:‏ يقال‏:‏ أَصِرَّي، وأَصِرِّى، وصِرَّى، وصُرَّى ‏(‏وبقى لغتان‏:‏ تشديد الراء مكسورة مع ضم الصاد أو فتحها‏)‏ واشتقاقها من قولهم ‏"‏أصْرَرْتُ على الشىء‏"‏ أي أقمت ودُمْت، والهاء في ‏"‏إنها‏"‏ كناية عن اليمين أو العزيمة‏.‏ يقوله الرجل يعزم على الأمر عزيمةً مؤكدةً لا يَثْنِيه عنها شىء‏.‏
253- أَخَذَتِ الإِبِلُ رِمَاحَهَا‏.‏
ويروى ‏"‏أسلحتها‏"‏ وذلك إذا سَمِنت فلا يجد صاحبُها من نفسه أن يَنْحَرَها‏.‏
254- أنْتَ عَلَى المُجَرَّبِ‏.‏
يراد به على التَّجْربة، ولفظ المفعول من المنشعبة يصلح للمصدر وللموضع وللزمان وللمفعول، و‏"‏على‏"‏ مِن صلة الإشراف‏:‏ أي إنك مُشْرِف على ما تجرّبه، قيل‏:‏ أصْلُ المثل أن رجلا أراد مقاربة امرأة، فلما دنا منها قال‏:‏ أبكر أنت ثم ثيب‏؟‏ فقالت‏:‏ أنت على المجرب، أي أنك مُشْرِف على التجربة‏.‏ يضرب لمن يسأل عن شيء يَقْرَبُ ‏[‏ص 57‏]‏ علمه منه، أي لا تسأل فإنك ستعلم‏.‏
255- إِنَّكَ لَوْ صاحَبْتَنَا مَذِحْتَ‏.‏
يقال‏:‏ مَذِحَ الرجلُ إذا انسحج فَخِذَاه يضربه الرجل مرت به مَشَقَّة ثم أخبر صاحبه أنه لو كان معه لقي عناء كما لقبه هو‏.‏
256- إنَّكَ لَتُكْثِرُ الْحَزَّ وَتُخْطِئُ الْمَفصِلَ‏.‏
الحزّ‏:‏ القَطْع والتأثير، والمفاصل‏:‏ الأوصال، الواحد مَفْصِل‏.‏
يضرب لمن يجتهد في السعي ثم لا يظفر بالمراد‏.‏
257- إنَّكَ لَتَحْدُو بِجَمَلٍ ثَقَالٍ، وَتَتَخَطَّى إلَى زَلَقِ المَرَاتِبِ‏.‏
يقال‏:‏ جمل ثَقَال، إذا كان بطيئا، ومكان زَلَق - بفتح اللام - أي دَحْض، وصف بالمصدر‏.‏
يضرب لمن يجمع بين شيئين مكروهين‏.‏
258- إِنَّهُ لَحُوَّلٌ قُلَّبٌ‏.‏
أي‏:‏ دَاهٍ مُنْكر يحتال في الأمور ويقلبها ظَهْراً لبَطْنٍ، قال معاوية عند موته وحُرَمُه يبكين حوله ويقلبنه‏:‏ إنكم لتقلبون حُوَّلاً قُلَّباً لو وقى هول المطلع - أى القيامة - ويروى إن وُقىَ النارَ غداً‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ المطلع هو موضع الاطِّلاَع من إشراف إلى انحدار، فشبه ما أشْرَفَ عليه من أمر الآخرة بذلك، قال الفراء‏:‏ يقال رجل له حُولَةٌ، وحُوَلَةٌ أي داهٍ مُنْكر، وكذلك حُوَّلِىٌّ وينشد‏:‏
فتىً حُوَّلِيٌّ مَا أرَدْتَ أرَادَهُ * مِنَ الأمْرِ إلاَّ أنْ تُقَارِفَ مَحْرَمَا
قيل‏:‏ كان الأصمعي يعجبه هذا البيت‏.‏
259- أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أكْلٍ وَصَمْتٍ‏.‏
يضرب في الحث على حمد مَنْ أحسن إليك‏.‏
260- إنَّمَا تَغُرُّ مَنْ تَرَى، وَيَغُرُّكَ مَنْ لا تَرَى‏.‏
أي‏:‏ إذا غَرَرْتَ مَنْ تراه ومكرت به أو غدرت فإنك المغرورُ لا هو، لأنك تجازَى ويروى بالعين والزاي، يعني أنك تَغْلِبُ من تراه ويغلبك اللّه جل جلاله‏.‏
261- إنْ تَعِشْ تَرَ ما لَمْ تَرَه‏.‏
هذا مثلُ قولهم ‏"‏عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً‏"‏ قال أبو عُيَيْنَةَ المهلبيّ‏:‏
قل لِمَنْ أبْصَرَ حالا مُنْكَرَهْ * وَرَأَى مِنْ دَهْرِهِ ما حَيَّرَهْ ‏[‏ص 58‏]‏
ليس بالمنكر ما أبصرته * كل من عاش يَرَى ما لم يَرَهْ
ويروى رأى ما لم يره‏.‏
262- أيْنَ يَضَعُ الْمَخْنُوقُ يَدَهُ‏.‏
يضرب عند انقطاع الحيلة، وذلك أن المخنوق يَحْتَاط في أمره غاية الاحتياطِ، للندامة التي تصيبه بعد الخنق‏.‏
263- إِنَّ خيْراً مِنَ الْخَيْرِ فَاعِلُهُ، وَإِنَّ شَرَّاً مِنَ الشَّرِّ فَاعِلُهُ‏.‏
هذا المثل لأخٍ للنعْمَان بن المنذر يقال له عَلْقَمة، قاله لعْمرو بن هند في مواعظ كثيرة، كذا قاله أبو عبيد في كتابه‏.‏
264- أخَذُوا طَرِيقَ الْعُنْصُلَيْنِ‏.‏
ويروى ‏"‏أخذ في طريق العُنْصُلَيْنِ‏"‏ قالوا‏:‏ طريقُ العنصلِ هو طريقٌ من اليمامة إلى البصرة‏.‏
يضرب للرجل إذا ضَلَّ‏.‏
قال أبو حاتم‏:‏ سألتُ الأصمعي عن طريق العنصلين، ففتح الصاد وقال‏:‏ لا يقال بضم الصاد ‏(‏في القاموس أنه بوزن قنفذ‏)‏ قال‏:‏ وتقول العامةُ إذا أخطأ الإنسان الطريقَ‏:‏ أخذ فُلاَنٌ طريق العنصلين، وذلك أن الفرزدق ذكر في شعره إنسانا ضلّ في هذا الطريق فقال‏:‏
أرَادَ طَرِيقَ العُنْصُلَيْنِ فياسَرَتْ * بِه العِيسُ فِي نَائِي الصُّوَى مُتَشَائِم
أي متياسر، فظنت العامة أن كل مّنْ ضل ينبغي أن يقال له هذا، وطريق العنصلين طريق مستقيم، والفرزدق وصَفه على الصواب، فظن الناس أنه وصفه على الخطأ، وليس كذلك‏.‏
265- إِنَّكَ لاَ تَدْرِي عَلاَمَ يُنْزَأُ هَرِمُكَ‏.‏
ويروى ‏"‏بِمَ يُولع هَرِمُك‏"‏ أي نفسك وعقلك، قاله ابن السِّكِّيت، ونزِئ الرجل إذا أولِعَ نزأ، ورجل مَنْزوء بكذا‏:‏ مُولَع به‏.‏
يضرب لمن أخذ فيما يكره له بعد ما أسن وأهتربه‏.‏
ذكروا أن بُسْرَ بن أرْطاَة العامِرِيَّ من بني عامر بن لؤي خَرِف، فجعل لا يسكن ولا يستقرّ حتى يسمع صوت ضرب، فحُشى له جلد، فكان يضرب قدّامه فيستقر، وكان النَّمِرُ بن تَوْلَب خَرِف، فجعل يقول‏:‏ ضيفكم ضيفكم لا يضع إبلكم إبلكم، وأهترت امرأة على عهد عمر رضي الله تعالى عنه فجعلت تقول‏:‏ زوّجوني زوّجوني، فقال عمر‏:‏ ما أهتر به النَّمِرُ خير مما أهترت به هذه‏.‏ ‏[‏ص 59‏]‏


B-happy 3 - 3 - 2010 01:11 AM



266- إِنَّ الْحُسُومَ يُورِثُ الحُشُومَ‏.‏
قالوا‏:‏ الحسوم الدؤوب والتتابع، والحشوم‏:‏ الإعياء، يقال‏:‏ حَشَمَ يَحْشِمُ حُشُوماً إذا أعيا، وهذا في المعنى قريب من قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّ الْمُنْبَتَّ - الحديث‏"‏ وقال الشاعر ‏(‏نسبة في اللسان ‏(‏ح ش م‏)‏ لمزاحم‏)‏ يصف قطاة‏:‏
فَعَنَّتْ عُنُوناً وَهْيَ صَغْوَاء مَا بِهَا * وَلاَ بالْخَوَافِي الضَّارِبَاتِ حُشُوُم
267- أوَّلُ الشَّجَرَةِ النَّوَاةُ‏.‏
يضرب للأمر الصغير يتولد منه الأمرُ الكبير‏.‏
268- آفَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ‏.‏
قال النسابة البكريّ‏:‏ إن للعلم آفة ونكدا وهُجْنَة واستجاعة، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهُجْنته نَشْره في غير أهله، واستجاعته أن لا تشبع منه‏.‏
269- آفَةُ الْمُرُوءَةِ خُلْفُ الْمَوْعِدِ‏.‏
يروى هذا عن عَوْف الكلبي‏.‏
270- أكَلَ رَوْقَهُ‏.‏
يضرب لمن طال عمره وتَحَاتَّت أسنانه، والرَّوْقُ‏:‏ طولُ الأسنان، والرجل أرْوُق، قال لبيد‏:‏
تُكْلِحُ الأرْوَقَ مِنْهُمْ وَالأَيَلّْ*
271- ألْفُ مُجِيزٍ وَلاَ غَوَّاصٌ‏.‏
الإجازة‏:‏ أن تعبر بإنسان نهراً أو بحراً يقول‏:‏ يوجد ألف مجيز ولا يوجد غَوَّاصٌ لأن فيه الخطر‏.‏
يضرب لأمرين أحدهما سَهْل والآخر صَعْب جدا‏.‏
272- الإِينَاسُ قَبْلَ الإِبْسَاسِ‏.‏
يقال‏:‏ آنَسَهُ أي أوْقَعَه في الأنس، وهو نقيض أوْحَشَه، والإبساس‏:‏ الرِّفْقُ بالناقة عند الْحَلب، وهو أن يقال‏:‏ بس بس، قال الشاعر‏:‏
وَلقَدْ رَفَقْتُ فَما حَلِيتُ بِطَائِلٍ * لا ينفع الإبْسَاُس بِالإِينَاسِ
يضرب في المُدَاراة عند الطلب‏.‏
273- إِذَا نُصِرَ الرَّأْيُ بَطَلَ الْهَوَى‏.‏
يضرب في اتباع العقل‏.‏
274- إِنَّا لَنَكْشِرُ ‏(‏كذا،وأظنه ‏"‏إنا لنبش‏"‏‏)‏ في وُجُوهِ أقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَقْلِيهِمْ‏.‏
ويروى ‏"‏وإن قلوبنا لتلعنهم‏"‏ هذا من كلام أبي الدَّرْدَاء‏.‏
275- إِنَّهُ لَعُضْلَةٌ مِنَ الْعُضَلِ‏.‏
أي دَاهِية من الدواهي، وأصله من العَضْل، وهو اللحم الشديد المكتنز‏.‏ ‏[‏ص 60‏]‏
276- إِنَّهُ لَذُو بَزْلاَءَ‏.‏
البَزْلاَء‏:‏ الرأي القوي الجيد، وقال‏:‏
إني إذَا شَغَلَتْ قَوْمًا فُرُوجُهُمُ * رَحْبُ الْمسَالِكِ نَهَّاضٌ بِبَزْلاَءِ
أي بالأمر العظيم، وأنَّثَ على تأويل الخطة‏.‏ قلت‏:‏ ويجوز أن يكون المعنى نَهَّاض إلى الأمر ومعي رأيي، وأصله من البازل، وهو القويُّ التام القوة، يقال‏:‏ جمل بازل، وناقة بازل، كذلك‏.‏
277- إنَّكَ لاَ تَسْعَى بِرِجْلِ مَنْ أبَى‏.‏
يضرب عند امتناع أخيك من مساعدتك‏.‏
278- إنْ كُنْتَ ذُقْتَهُ فَقَدْ أكَلْتُهُ‏.‏
يَضْرِبُه الرجلُ التام التجربة للأمور‏.‏
279- إيَّاكَ والبَغْيَ فَإِنَّهُ عِقَالُ النَّصْرِ‏.‏
قاله محمد بن زُبَيْدة لصاحب جيش له ‏.‏
280- إنَّها لَيْسَتْ بخُدْعَةِ الصَّبِيَّ‏.‏
يقال‏:‏ أرسل أميرُ المؤمنين علي رضي الله عنه جريرَ بن عبد الله البَجَلي إلى معاوية ليأخذه بالبيعة، فاستعجل عليه، فقال معاوية‏:‏ إنها ليست بخُدْعَة الصبيّ عن اللبَنِ‏.‏ هو أمر له ما بعده، فأبْلِعْنِي ريقي، والهاء في ‏"‏إنها‏"‏ للبَيْعَة، والخُدْعة‏:‏ ما يخدع به، أي ليس هذا الأمر أمرا سهلا يُتَجَوَّزُ فيه‏.‏
281- إنْ لَمْ تَعَضَّ عَلَى القَذَى لَمْ تَرْضَ أبَداً‏.‏
يضرب في الصبر على جفاء الإخوان‏.‏
282- إذَا كُنْتَ فيِ قَوْمٍ فَاحْلُبْ في إنَائِهمْ‏.‏
يضرب في الأمر بالمُوَافقة، كما قال الشاعر‏:‏
إذا كُنْتَ في قَوْمٍ عِدىً لَسْتَ منهمُ * فكُلْ ما عُلِفْتَ مِنْ خَبِيثٍ وَطَيِّبِ
283- إذَا أتْلَفَ النَّاسُ أخْلَفَ الياسُ‏.‏
الناس - بالنون - اسم قَيْس عَيْلاَن ابن مُضَر، والياس - بالياء - أخوه، وأصله إلياس بقطع الألف، وإنما قالوا الياس لمزاوجة الناس‏.‏
يضرب عند امتناع المطلوب‏.‏
284- إذَا حَانَ القَضَاءُ ضاقَ الفَضاءُ‏.‏
285- إذَا ظَلَمْتَ مَنْ دُونَكَ فَلا تَأمَنْ عَذَابَ مَنْ فوْقَك‏.‏
286- إِنْ لا أكُنْ صِنْعاً فَانِّي أعْتَثِمُ
أي‏:‏ إن لم أكن حاذقا فإني أعمل على قَدْر معرفتي‏.‏
يقال‏:‏ عَثَمَ العَظْمَ، إذا أساء الجَبْر، ‏[‏ص 61‏]‏ واعْتَثَمَتِ المرأةُ المزادَةَ، إذا خرزَتْها خَرْزا غير محكم‏.‏
287- إنما نَبْلُكَ حِظاءٌ‏.‏
الحِظَاء‏:‏ جمع الحَظْوَة، وهي المرماة‏.‏ يضرب للرجل يُعَيَّر بالضعف‏.‏
288- إِنَّهُ لَيُفْرِغُ مِنْ إِناءٍ ضَخْمٍ في إناءِ فَعْمٍ‏.‏
أي ممتلئ‏.‏ يضرب لمن يحسن إلى مَنْ لا حاجة به إليه‏.‏
289- إِنَّ مَعَ الْكَثْرَةِ تَخاذُلاً، وَمَعَ الْقِلَةِ تَماسُكا‏.‏
يعني في كثرة الجيش وقلته‏.‏
290- إِذَا تَكَلَّمْتَ بِلَيْلٍ فَاخْفِضْ، وإذَا تَكَلمْتَ نَهَاراً فَانْفُضْ‏.‏
أي التفت هَلْ ترى مَنْ تكرهه‏.‏
291- إِذا قامَ جُنَاةُ الشَّرِّ فَاقْعُدْ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏إذا نَزَا بك الشَّرُّ فاقعد‏"‏‏.‏
292- إِن المنَاكِحَ خَيرُهَا الأبْكارُ‏.‏
المناكح‏:‏ جمع المَنْكُوحة، وحَقُّها المناكيح فحذف الياء، ومعنى المثل ظاهر‏.‏
293- إِنْ كنْتَ مُنَاطِحاً فَناطِحْ بِذَواتِ القُرُونِ‏.‏
هذا مثل المثل الآخر ‏"‏زاحِمْ بِعوْدٍ أو فَدَعْ‏"‏‏.‏
294- إِذَا صَاحَتِ الدَّجاجَةُ صِياحَ الدِّيكِ فَلْتُذْبَحْ‏.‏
قاله الفرزدق في امرأة قالت شعراً‏.‏
295- إِياكَ وَعَقِيلَةَ الْمِلْحِ‏.‏
العقيلة‏:‏ الكريمة من كل شيء، والدرة لا تكون إلا في الماء الملح، يعني المرأة الحسناء في مَنْبِتِ السوء‏.‏
296- إِذَا جَاذَبَتْهُ قَرِينَتُهُ بَهَرَهَا‏.‏
أي‏:‏ إذا قُرِنت به الشديدةُ أطَاقَهَا وغَلَبها‏.‏
297- إنَّهُ لَيَنْزُو بَيْنَ شَطَنَيْنِ‏.‏
أصله في الفرس إذا استعصى على صاحبه فهو يَشُدُّه بحبلين‏.‏
يضرب لمن أخذ من وجهين ولا يدري‏.‏
298- إِذَا قُلْتَ لَهُ زِنْ، طَأطَأ رَأْسَهُ وَحَزِنْ‏.‏
يضرب للرجل البخيل‏.‏
299- إذَا رَآني رَأى السِّكِّينَ في الماءِ‏.‏
يضرب لمن يخافك جدّا‏.‏
300- أُمُّ الجَبانِ لاَ تَفْرَحُ وَلاَ تَحْزَنُ‏.‏
لأنه لا يأتي بخير ولا شر أينما توجه لجبنه‏.‏ ‏[‏ص 62‏]‏
301- أُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاَتٌ نَزُور‏.‏
يضرب في قِلَّة الشيء النفيس‏.‏
302- أُمُّ قُعَيْسٍ وَأَبُو قُعَيْسٍ، كِلاهُمَا يَخْلِطُ خَلْطَ الْحَيْسِ‏.‏
يقال‏:‏ إن أبا قُعَيْس هذا كان رجلاً مُرِيباً، وكذلك امرأته أم قعيس، فكان يُغْضِي عنها وتغضي عنه، والحَيْسُ عند العرب‏:‏ التمر والسمن والأقِط غير المختلط، قال الراجز‏:‏
التمر والسمن جميعاً وَالأَقِطْ * الحيْسُ إلاَّ أنه لم يختلط
303- إِذَا أتاكَ أحَدُ الخَصْمَيْنِ وَقَدْ فقئَتْ عَيْنُهُ فَلاَ تَقْضِ لَهُ حَتَّى يَأتِيَكَ خَصْمُهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ جَمِيعَا‏.‏
هذا مثل أورده المنذريّ وقال‏:‏ هذا من أمثالهم المعروفة‏.‏
304- أوَّلُ ما أطْلَعَ ضَبُّ ذَنَبَهُ‏.‏
قال أبو الهيثم‏:‏ يقال ذلك للرجل يصنع الخير ولم يكن صَنَعه قبل ذلك، قال‏:‏ والعرب ترفع أوَّل وتنصب ذَنَبَه على معنى أول ما أطلع ذَنَبَه‏.‏ قلت‏:‏ رفع أول على تقدير هذا أول ما أطلع ضب ذنبه‏:‏ أي هذا أولُ صنيعٍ صنَعَه هذا الرجل، قال‏:‏ ومنهم من يرفع أول ويرفع ذنبه، على معنى أولُ شيء أطلعه ذنُبه،ومنهم من ينصب أول وينصب ذنبه على أن يجعل أول صفة، يريد ظرفاً على معنى في أول ما أطلع ضب ذنبه‏.‏
305- إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فبِهَا ونِعْمَتْ‏.‏
قال أبو الهيثم‏:‏ معنى ‏"‏بها‏"‏ تعجب كما يُقَال‏:‏ كفاك به رجلا، قال‏:‏ المعنى ما أحْسَنَهَا من خَصْلة، ونعمت الخصلة هي، وقال غيره‏:‏ الهاء في ‏"‏بها‏"‏ راجعة إلى الوثيقة، أي إن فعلتَ كذا فبالوثيقة أخذتَ، ونعمت الخصلة الأخذ بها‏.‏
306- أهْلَكَ فَقَدْ أعْرَيْتَ‏.‏
أي بَادِرْ أهلَكَ وعَجِّل الرجوعَ إليهم فقد هاجت ريح عرية - أي‏:‏ باردة - ومعنى أعريْتَ دخلت في العَرِيَّة ‏(‏العرية‏:‏ الريح الباردة‏)‏ كما يقال ‏"‏أمسيت‏"‏ أي دخلْتَ في المساء‏.‏
307- إسْتَأصَلَ اللّهُ عَرْقاتَهُ‏.‏
قال أبو عمرو‏:‏ يقال استأصل الله عَرْقَاتَ فلانٍ، وهي أصله، وقال المنذري‏:‏ هذه كلمة تكلمت بها العرب على وجوه، قالوا‏:‏ استأصل الله عَرْقَاتَه وعِرْقَاتَه وعِرْقَاتِهِ وعِرْقَاتَه، قلت‏:‏ لم يزيدا على ما حكيت، وأرى أنها مأخوذة من العِرْقَة، ‏[‏ص 63‏]‏ وهي الطرة تنسج فتدار حول الفسطاط، فتكون كالأصل له، ويجمع على عِرْقَات، وكذلك أصل الحائط يقال له‏:‏ العرق، فأما سائر الوجوه فلا أرى لها ذكراً في كتب اللغة، إلا ما قاله الليث فإنه قال‏:‏ العِرْقَاة من الشجر أرُومَة الأوسط، ومنه تتشعب العروق وهو على تقدير فِعْلاَة، وقال ابن فارس والأزهري‏:‏ العرب تقول في الدعاء على الإنسان‏:‏ استأصل الله عِرْقَاتَه ينصبون التاء لأنهم يجعلونها واحدةً مؤنثة مثل سِعْلاَة، وقال آخرون‏:‏ بل هي تاء جماعة المؤنث، لكنهم خَفَّفوه بالفتح، قال الأزهري‏:‏ من كسر التاء في موضع النصب وجعلها جمع عِرْقَة فقد أخطأ‏.‏
308- أخَذَهُ بِأبْدَحَ وَدُبَيْدَحَ‏.‏
إذا أخذه بالباطل، قاله الأصمعي، ويقال‏:‏ أَكَلَ مالَه بأبْدَحَ ودبيدح، قال الأصمعي‏:‏ أصله دُبَيْح فقالوا‏:‏ دُبَيْدَح بفتح الدال الثانية‏.‏ قلت‏:‏ تركيب هذه الكلمة يدل على الرخاوة والسهولة والسعة، مثل البَدَاح للمتسع من الأرض، ومثله تَبَدَّحَت المرأة إذا مشت مشية فيها استرخاء، فكأن معنى المثل‏:‏ أكل ماله بسهولة من غير أن ناله نَصَب، ودُبَيْح - على ما قاله الأصمعي - تصغير أدْبَحَ مرَّخما، حكى الأصمعي‏:‏ أن الحجاج قال لجبلة‏:‏ قل لفلان أكلْت مال الله بأبْدَحَ ودُبَيْدَح ‏(‏يضرب للأمر الذي يبطل ولا يكون‏)‏ فقال له جبلة‏:‏ خواستة ايزد بخورى بلاش وماش‏.‏
309- إِيّاكَ وَأَعْرَاضَ الرِّجالِ‏.‏
هذا من كلام يزيد بن المَهلَّب فيما أوصى ابنه مَخْلدا‏:‏ إياك وأعراض الرجال، فإن الحر لا يُرْضِيه من عرضه شيء، واتَّقِ العقوبة في الأبشار، فإنها عار باقٍ وَوِتْرٌ مطلوب‏.‏
310- إِنّهُ لَشَدِيدُ النّاظرِ‏.‏
أي بريء من التُّهمَةَ ينظر بملء عينيه‏.‏
311- إِنّهُ لَغَضِيضُ الطّرْفِ‏.‏
أي يَغُضُّ بصره عن مال غيره، ة و‏"‏نقيُّ الطرف‏"‏ أي ليس بخائن‏.‏
312- إِنّهُ لَضَبُّ كَلَدَةٍ لاَ يُدْرَكُ حَفْرا وَلاَ يُؤْخَذُ مُذَنّبا‏.‏
الكَلَدة‏:‏ المكان الصُّلْب الذي لا يعمل فيه المِحْفَار، وقوله ‏"‏لا يؤخذ مذنباً‏"‏ أي ولا يؤخذ من قِبَلِ ذَنَبه من قولهم ‏"‏ذَنَّب البسر‏"‏ إذا بدا فيه الإرطاب من قبل ذنبه‏.‏ يضرب لمن لا يدرك ما عنده‏.‏ ‏[‏ص 64‏]‏
313- إِنّهُ لَزَحَّارٌ بِالدَّوَاهِي‏.‏
يضرب للرجل يولِّد الرأيَ والحيلَ حتى يأتي بالداهية، وقال ‏(‏البيت لشيم بن خويلد كما في الصحاح ‏(‏خ ف ق‏)‏ وأنشده هناك‏:‏
وقد طلقت ليلة كلها * فجاءت به مودنا خنفقيقا
والمودن‏:‏ الضاوي، والخنفقيق‏:‏ الداهية‏)‏‏.‏
زحَرْتِ بها ليلةً كلَّهَا * فجئْتِ بها مودناً خَنْفقيقا
314- إِنّهُ لَغَيْرُ أبْعَدَ‏.‏
يضرب لمن ليس له بُعْدُ مذهبٍ‏:‏ أي غَوْر‏.‏
قال ابن الأعرابيّ‏:‏ إن فلاناً لذُو بعدة‏:‏ أي لذو رأيٍ وحَزْم، فإذا قيل ‏"‏إنه غير أبعد‏"‏ كان معناه لا خَيْرَ فيه‏.‏
315- إِنَّما أنْتَ عَطِينَةٌ، وَإِنَّما أنْتَ عَجينَةٌ‏.‏
أي إنما أنت مُنْتِن مثل الإهَاب المَعْطُون ‏.‏
يضرب لمن يذم في أمر يتولاه‏.‏
أنشد ابن الأعرابي‏:‏
يا أيها المُهْدِي الخَنَا من كَلاَمِهِ * كأنك يَضْعو فِي إزارِك خِرْنِقُ
وأنت إذا انضمَّ الرجال عطينة * تُطَاوح بالآنافِ ساعة تَنْطِقُ
316- إِنّهُ لَمُنْقَطِعُ القِبالِ‏.‏
قالوا‏:‏ القِبَال ما يكون من السير بين الأصبعين إذا لبستَ النعلَ، ويراد بهذه اللفظة أنه سيء الرأي فيمن استعان به في حاجة‏.‏
317- إِنّهُ لَمَوْهُونُ الفَقَارِ‏.‏
وَهَنَ يَهِنُ وَهْناً إذا ضعف، ووَهَنْتُُه أضْعَفْته، لازم ومتعدّ، قال الليث‏:‏ رجل واهن في الأمر والعمل، وموهون في العظم والبدن، قال طَرَفة‏:‏
وَإِذَا تَلْسُنُنِي ألْسُنُهَا * إِنَّني لَسْتُ بِمَوْهُونٍ فقر
يضرب للرجل الضعيف‏.‏
318- إِنّما نُعْطِي الَّذِي أُعْطِيناَ‏.‏
أصله كما رواه ابن الأعرابي عن أبي شبيل قال‏:‏ كان عندنا رجل مئناث، فولدت له امرأته جارية فصبر، ثم ولدت له جارية فصبر، ثم ولدت له جارية فهجرها وتحوَّلَ عنها إلى بيت قريب منها، فلما رأت ذلك أنشأت تقول‏:‏
ما لأبي الذَّلْفَاء لا يأتينا * وَهُوَ فِي الْبَيْتِ الذي يَلِيَنا
يَغْضَبُ إنْ لَمْ نَلِدِ الْبَنِيَنا * وإنَّما نُعْطِي الذي أُعْطينَا ‏[‏ص 65‏]‏
فلما سمع الرجل ذلك طابت نفسه ورجع إليها‏.‏ يضرب في الاعتذار عما لا يملك‏.‏
319- إيّاكُمْ وَحَمِيَّةَ الأوْقابِ‏.‏
قال أبو عمرو‏:‏ الأوقاب والأوغابُ الضعفاء، ويقال الحمقى، يقال‏:‏ رجل وَقْب ووَغْب، قال‏:‏ وهذا من كلام الأحنف ابن قيس لبني تميم وهو يوصيهم‏:‏ تَبَاذَلُوا تحابُّوا، وتهادوا تذهب الإحَنُ والسَّخَائم، وإياكم وحَمِيَّةَ الأوقاب، وهذا كقولهم‏:‏ أعود بالله من غلبة اللئام ‏(‏في نسخة ‏"‏إياكم وغلبة اللئام‏"‏‏)‏‏.‏
320- إِنّهُ لَهُوَ أوِ الجِذْلُ‏.‏
الجِذْلُ‏:‏ أصل الشجرة‏.‏ يضرب هذا إذا أشكل عليك الشيء فطننت الشخص شخصين، ومثله‏.‏
321- إِنّهُمْ لَهُمْ أوِ الحرَّةُ دَبِيباً‏.‏
أي في الدبيب‏.‏
يضرب عند الإشكال والتباس الأمر‏.‏
322- إِنَّ الشقِيَّ يُنْتَحَي لَهُ الشّقِي
أي‏:‏ أحدهما يُقَيَّضُ لصاحبه فيتعارفان ويأتلفان‏.‏
323- أمْرُ اللّهُ بَلْغٌ يَسْعَدُ بِهِ السُّعدَاءُ وَيَشْقَى بِهِ الأشْقِياءُ‏.‏
بَلْغ‏:‏ أي بالغ بالسعادة والشقاوة، أي نافذ بهما حيث يشاء‏.‏
يضرب لمن اجتهد في مَرْضَاة صاحبه فلم ينفعه ذلك عنده‏.‏
324- إنْ كُنْتِ تُرِيدِينِي فَأنا لَكِ أرْيَدُ‏.‏
قال أبو الحسن الأخفش‏:‏ هذا مثل، وهو مقلوب، وأصله أرْوَدُ، وهو مثل قولهم‏:‏ هو أحْيَلُ الناس، وأصله أحْوَلُ من الحَوْل‏.‏
325- إنَّ جُرْفَكَ إلىَ الْهَدْمِ‏.‏
الجُرْفُ‏:‏ ما تجرفته السيول، والمعنى إن جُرْفَك صائر إلى الهدم‏.‏
يضرب للرجل يُسْرِع إلى ما يكرهه، ومثله قولُهم‏.‏
326- إِنَّ حَبْلَكَ إلَى أُنْشُوطَةٍ‏.‏
الأُنْشُوطة‏:‏ عُقْدة يَسْهُل انحلالها كعقدة تِكَكِ السراويل، وتقديره‏:‏ إن عُقْدَةَ حبلك تصير وتنسب إلى أنشوطة‏.‏
327- إِيَّاكَ وَقَتِيلَ العَصَا‏.‏
يريد إياك وأن تكون القتيلَ في الفتنة ‏[‏ص 66‏]‏ التي تفارق فيها الجماعة، والعصا‏:‏ اسم للجماعة، قال‏:‏
فَلِلّه شعبا طية صَدَعَا الْعَصَا * هِيَ الْيَوْمَ شَتَّى وَهْيَ أمْسِ جَمِيعُ
يريد فرّقا الجماعة الذين كانوا متجاورين، وكان حقه أن يقول صدعت على فعل الطية لكنه جعله فعل الشعبين توسعاً، وقوله ‏"‏هي اليوم‏"‏ يعني العصا، وهي الجماعة، وشَتَّى أي متفرقة‏.‏
328- إِنَّكَ لاَ تَهْدِي الْمُتَضَالَّ‏.‏
أي من ركب الضلالَ على عمدٍ لم تقدر على هدايته‏.‏ يضرب لمن أتى أمراً على عمد وهو يعلم أن الرشاد في غيره‏.‏
329- إِنَّ القَلُوصَ تَمْنَعُ أَهْلَهَا الْجَلاَءَ‏.‏
وذلك أنها تنتج بطنا فيشرب أهلها لبنها سَنَتَهم ثم تنتج رُبَعاً فيبيعونه، والمراد أنهم يتبلَّغون بلبنها وينتظرون لِقاحها‏.‏
يضرب للضعيف الحال يجاور مُنْعِماً‏.‏
330- إنَّكَ إلىَ ضَرَّةِ مالٍ تَلْجَأ‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ أي إلى غنىّ‏.‏ والضرة‏:‏ المال الكثير، والمضرّ‏:‏ الذي تَرُوحُ عليه ضرة من المال، قال الأشعر‏:‏
بِحَسْبِكَ في القوم أن يَعْلَمُوا * بأنَّكَ فيهم غَنِيّ مُضِرّْ
331- إِذا شَبِعَتِ الدَّقِيقَةُ لَحِسَت الجَلِيلَة‏.‏
الدقيقة‏:‏ الغنم، والجليلة‏:‏ الإبل، وهي لا يمكنها أن تشبع، والغنم يُشْبعها القليل من الكلأ فهي تفعل ذلك‏.‏ يضرب للفقير يخدُمُ الغنيَّ‏.‏
332- إذا أَخْصَبَ الزَّمانُ جاءَ الغَاوِي وَالهاوِي‏.‏
يقال‏:‏ الغاوي الجراد، والغوغاء منه، والهاوي‏:‏ الذباب تهوي أي تجيء وتقصد إلى الخِصْب‏.‏ يضرب في ميل الناس إلى حيث المال‏.‏
333- إذا جاءَتِ السَّنَةُ جاءَ مَعَهَا أَعْوَانُهَا‏.‏
يعني الجراد والذباب والأمراض، يعني إذا قَحِطَ الناسُ اجتمع البلايا والمحن‏.‏
334- إنَّ اطِّلاَعاً قَبْلَ إينَاسٍ‏.‏
يضرب في ترك الثقة بما يورد المنهي دون الوقوف على صحته، يعني أن نظرا ومطالعة بصحة معرفتك قبل إشعارك التيقن‏.‏ أنشد ابن الأعرابي‏:‏
وإنْ أَتَاكَ امرؤ يَسْعَى بكَذْبَتِهِ * فانْظُرْ فإنَّ اطِّلاَعا قبل إيناسِ
الاطلاع‏:‏ النظَر، والإيناس‏:‏ التيقن‏.‏ ‏[‏ص 67‏]‏
335- إِنّمَا يُهْدَمُ الحَوْضُ مِنْ عُقْرِهِ ‏.‏
العُقْر‏:‏ مؤخر الحوض، يريد يؤتى الأمر من وجهه‏.‏
336- أنَا أعْلَمُ بِكَذَا مِنَ المائِحِ بِاسْتِ الماتِحِ‏.‏
المايح بالياء‏:‏ الذي في أسفل البئر، والماتح‏:‏ الذي يستقي من فَوْقُ، وقال‏:‏
يا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا*
337- إِنَّهُ سَرِيعُ الإِحارَةِ‏.‏
أي سريع اللُّقَم كبيرُها، والإحارة‏:‏ ردُّ الجواب ورَجْعه، ومنه‏:‏
‏"‏أَرَاكَ بَشْر ما أَحَاَر مِشْفَرُ‏"‏ ‏(‏هذا مثل، وقد فسره الجوهري بقوله‏:‏ أغناك الظاهر عن سؤال الباطن، وأصله في البعير‏)‏ أي ما ردّه ورجَعه مِشفَرُه إلى بطنه‏.‏
338- أَنْ أُصْبِحَ عِنْدَ رَأْسِ الأَمْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ َأَنْ أُصْبِحَ عِنْدَ ذَنَبِهِ‏.‏
يضرب في الحث على التقدم في الأمور‏.‏
339- إِنَّ أكْلَهُ لَسَلَجانٌ، وَإِنَّ قَضَاءَهُ لَليَّانٌ، وَإِنَّ عَدْوَهُ لرَضَمانٌ‏.‏
أي يحبُّ أن يأخذ ويكره أن يَقْضي وقوله ‏"‏لرضمان‏"‏ معناه بطئ، مأخوذ من قولهم برذون مَرْضُوم العصب إذا كان عصبه قد تشنَّج وإذا كان كذلك بَطُؤ سيره‏.‏
340- إنْ لاَ تَجِدْ عَارِماً تَعْتَرِمْ‏.‏
يضرب للمتكلف ما ليس من شأنه‏.‏ وأصله من عَرَمَ الصبُّي ثديَ أمه، وأنشد يونس‏:‏
ولا تًلْفَيَنَّ كذاتِ الغلا * م إِنْ لم تَجِدْ عَارِماً تَعْتَرِمْ
يعني أن الأم المرضع إن لم تجد من يمصُّ ثديَهَا مَصَّته هي‏.‏ قال‏:‏ ومعنى المثل لا تكن كمن يهجو نفسه إذا لم يجد من يهجوه‏.‏
341- إنَّ كَثِيرَ النّصِيحَةِ يَهجُمُ عَلَى كَثِيرِ الظِّنَّةِ‏.‏
أي إذا بالَغْتَ في النصيحة اتَّهمك من تنصحه‏.‏
242- أَتاهُ فَمَا أبْرَدَ لَهُ ولا أَحَرَّ‏.‏
أي ما أطعمه بارداً ولا حارّاً‏.‏
343- أَنْتَ كَبَارِحِ الأرْوَى‏.‏
البارح‏:‏ الذي يكون في البَرَاح، وهو الفضاء الذي لا جَبَلَ فيه ولا تلّ، والأروى‏:‏ الإناث من المِعْزَى الجبلية، وهي لا تكون إلا في الجبل فلا تُرَى قط في البَرَاح‏.‏يضرب لمن تطول غيبته‏.‏ ‏[‏ص 68‏]‏
344- إذَا العَجُوزُ ارْتَجَبَتْ فَارْجُبْهَا‏.‏
يقال‏:‏ رَجَبْته إذا هِبته وعظّمته، ومنه رَجَبُ مُضَرَ، لأن الكفار كانوا يهابونه ويعظمونه ولا يقاتلون فيه‏.‏ ومعنى المثل إذا خوفَتْكَ العجوز نفسَها فخَفْها لا تذكر منك ما تكره‏.‏
345- إِنَّمَا هُوَ الفَجْرُ أَو الْبَجْرُ‏.‏
أي إن انتظرت حتى يُضيء لك الفجر الطريقَ أبصرتَ قدرك، وإن خبطت الظَّلْماء وركبت العَشْواء هَجَما بك على المكروه‏.‏
يضرب في الحوادث التي لا امتناع منها‏.‏


B-happy 3 - 3 - 2010 01:14 AM



346- أنْتَ أنْزَلْتَ القِدْرَ بأَثَافِيِّهَا‏.‏
يضرب لمن يركب أمراً عظيما ويُوقِع نفسه فيه‏.‏
347- أتَتْكُمْ فَالِيَةُ الأفاعِي‏.‏
الفالية، وجمعها الفوالي‏:‏ هنات كالخنافس رُقْط تألف العقارب في جِحَرة الضبّ، فإذا خرجت تلك علم أن الضب خارج لا محالة، ويقال‏:‏ إذا رِيئَتْ في الجحر علم أن وراءها العقارب والحيات‏.‏
يضرب مثلا لأول الشر يُنْتَظَر بعده شر منه‏.‏
348- أتَى عَلَيْهِمْ ذُو أَتى‏.‏
هذا مَثَل من كلام طيء، و‏"‏ذو‏"‏ في لغتهم تكون بمعنى الذي، يقولون ‏"‏نحن ذو فعلنا كذا‏"‏ أي نحن الذين فعلنا كذا، و ‏"‏هو ذو فعل كذا‏"‏ و ‏"‏هي ذو فعلَتْ كذا‏"‏ قال شاعرهم‏:‏
فإنَّ الماء ماءُ أبي وجَدِّي * وبئري ذُو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ
ومعنى المثل‏:‏ أتى عليهم الذي أتى على الخلق، يعني حَوَادِثَ الدهر‏.‏
349- أبُو وَثِيل أبِلَتْ جِمَاُلُه‏.‏
يقال‏:‏ أبِلَتِ الإبلُ والوحشُ، إذا رَعَتِ الرُّطبْ ‏(‏الرطب - بوزن قفل أو عنق - الأخضر من البقل‏)‏ فسمنت‏.‏
يضرب لمن كان ساقطا فارتفع‏.‏
350- أُمٌّ سَقَتْكَ الغَيْلَ مِنْ غَيْر حَبَلٍ‏.‏
الغَيْل‏:‏ اللبن يُرْضَعه الرضيع والأم حامل، وذلك مَفْسَدة للصبي‏.‏
يضرب لمن يُدْنيك ثم يجفوك ويُقْصِيك من غير ذنب‏.‏
351- آثَرْتُ غيري بِغُرَاقَاتِ القِرَبِ‏.‏
الغُرْقَة والغُرَاقة‏:‏ القليلُ من الماء واللبن وغيرهما، يَدّخره المرءُ لنفسه ثم يُؤْثر على نفسه غيره‏.‏ ‏[‏ص 69‏]‏
يضرب لمن تتحمل له كل مكروه ثم يستزيدك ولا يرضى عنك‏.‏
352- أوَي إلَى رُكْنٍ بِلا قَوَاعٍدَ‏.‏
يضرب لمن يأوِي إلى من له بقبقة، ولا حقيقة عنده‏.‏
353- آبَ وقِدْحُ الفَوْزَةِ المَنِيحُ‏.‏
المَنِيحُ من قِدَاح الميسر‏:‏ ما لا نصيب له، وهو‏:‏ السَّفيح، والمنيح، والوَغْد‏.‏
يضرب لمن غاب ثم يجيء بعد فَرَاغ القوم مما هم فيه فهو يعود بخيبة‏.‏
354- إِنْ كَذِبٌ نَجَّى فَصِدْقٌ أخْلَقُ‏.‏
تقديره‏:‏ إن نجى كذب فصدق أجْدَرُ وأولى بالتنجية‏.‏
355- أَخٌ أرَادَ البِرَّ صَرْحاً فاجْتَهَدَ‏.‏
أراد صَرَحاً بالتحريك فسكن، والصرح‏:‏ الخالص من كل شيء، قال الشاعر‏:‏
تَعْلُو السيوفُ بأيدينا جماجِمَهُمْ * كما يعلق مروَ الأمعز الصَّرَحُ
أي الخالص، يقال‏:‏ صَرُحَ صَرَاحة فهو صَرِيح وَصَرحَ وَصُرَاح‏.‏
يضرب لمن اجتهد في برّك، وإن لم يبلغ رضاك‏.‏
356- إِنِّي مَلِيطُ الرَّفْدِ مِنْ عُوَيْمر‏.‏
المليط‏:‏ السِّقْطُ من أولاد الإبل قبل أن يُشْعِر، والرفد‏:‏ العطاء، يريد إني ساقطُ الحظِّ من عطائه‏.‏
يضرب لمن يختص بإنسان ويقل حظه من إحسانه‏.‏
357- إنْ حالَتِ القَوْسُ فَسَهْمِي صائِبٌ‏.‏
يقال‏:‏ حالت القوسُ تَحُول حُؤُولا إذا زالَتْ عن استقامتها، وسهم صائب‏:‏ يصيب الغرض‏.‏
يضرب لمن زالت نعمته ولم تزل مروءته‏.‏
358- أيَّ سَوَادٍ بِخدَامٍ تَدْرِي‏.‏
السَّواد‏:‏ الشخص، والخِدام‏:‏ جمع خَدَمة وهي الخلخال، وادّرى وَدَرَى‏:‏ إذا خَتَل‏.‏
يضربه مَنْ لا يعتقد أنه يخدع ويختل‏.‏
359- إِنَّهُ لاَ يُخْنَقُ عَلَى جِرَّتِهِ‏.‏
يضرب لمن لا يُمْنَع من الكلام فهو يقول ما يشاء‏.‏
360- إنَّهُ لَفي حُورٍ وفي بُورٍ‏.‏
الحُور‏:‏ النقصان، والبَوْرُ‏:‏ الهلاك بفتح الباء، وكذلك البَوَار، والبور بالضم‏:‏ الرجلُ الفاسد الهالك، ومنه قول ابن الزِّبَعْرَي ‏[‏ص 70‏]‏ ‏"‏إذ أنا بُورٌ‏"‏ يقال‏:‏ رجل بُور، وامرأة بُور، وقوم بُور، وإنما ضم الباء في المثل لازدواج الحور‏.‏
يضرب لمن طلب حاجة فلم يضنع فيها شيئاً‏.‏
361- إِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ‏.‏
أي لمنتظره، يقال‏:‏ نَظَرْتُه أي انتظرته وأول من قال ذلك قُرَاد بن أجْدَعَ، وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيد على فرسه اليَحْمُوم، فأجراه على أثَر عَيْر، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه، وأخذته السماء، فطلب مَلْجأ ياجأ إليه، فدُفِع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيء يقال له حَنْظَلة ومعه امرأة له، فقال لهما‏:‏ هل من مَأوًى، فقال حنظلة‏:‏ نعم، فخرج إليه فأنزله، ولم يكن للطائي غير شاة وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته‏:‏ أرى رجلاً ذا هيئة وما أخْلَقَه أن يكون شريفاً خطيراً فما الحيلة‏؟‏ قالت‏:‏ عندي شيء من طَحين كنت ادّخرته فاذبح الشاةَ لأتخذ من الطحين مَلَّة، قال‏:‏ فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه مَلَّة، وقام الطائيّ إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها فاتخذ من لحمها مَرَقة مَضِيرة، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شراباً فسقاه وجعل يُحَدثه بقية ليلته، فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه، ثم قال‏:‏ يا أخا طيء اطلب ثَوَابك، أنا الملك النعمان، قال‏:‏ أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الحِيرة، ومكث الطائي بعد ذلك زماناً حتى أصابته نَكْبة وجَهْد وساءت حاله، فقالت له امرأته‏:‏ لو أتيتَ الملك لأحسن إليك، فأقبلَ حتى انتهى إلى الحِيرَة فوافق يومَ بؤس النعمان، فإذا هو واقف في خَيْله في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه، وساءه مكانه، فوقف الطائيّ المنزولُ به بين يدي النعمان، فقال له‏:‏ أنت الطائيّ المنزول به‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ أفلا جِئْتَ في غير هذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ أبَيْتَ اللعن‏!‏ وما كان علمي بهذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ والله لو سَنَحَ لي في هذا اليوم قابوسُ ابني لم أجد بُدّا من قتله، فاطلب حاجَتَكَ من الدنيا وسَلْ ما بدا لك فإنك مقتول، قال‏:‏ أبَيْتَ اللعنَ‏!‏ وما أصنع بالدنيا بعد نفسي‏.‏ قال النعمان‏:‏ إنه لا سبيل إليها، قال‏:‏ فإن كان لا بدّ فأجِّلْني حتى أُلِمَّ بأهلي فأوصي إليهم وأهيئ حالهم ثم أنصرف إليك، قال النعمان‏:‏ فأقم لي كَفيلاً بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى أبا الحَوْفَزَان وكان صاحب الردافة، وهو واقف بجنب النعمان، فقال له‏:‏ ‏[‏ص 71‏]‏
يا شريكا يا ابن عمرو * هل من الموت مَحَالة
يا أخا كل مُضَافٍ * يا أخا مَنْ لا أخا له
يا أخا النعمان فُكَّ الــــيوم ضَيْفاً قد أتى له
طالما عالج كرب الـــــــموت لا ينعم باله
فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب يقال له قُرَاد بن أجْدَع، فقال للنعمان‏:‏ أبيت اللَّعْن‏!‏ هو عليّ، قال النعمان‏:‏ أفعلت‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائيّ إلى أهله، وجَعَلَ الأجَلَ حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد‏:‏
ما أراك إلا هالكاً غَداً، فقال قُرَاد‏:‏
فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلىّ * فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ
فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما، وأخرج معه قُرَادا، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه‏:‏ ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يقتل قُرَادا ليُفْلَتَ الطائي من القتل، فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النِّطَع والسيافُ إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول‏:‏
أيا عَيْنُ بكى لي قُرَاد بن أجْدَعَا * رَهينا لقَتْلٍ لا رهينا مُوَدّعا
أتته المنايا بَغْتةً دون قومه * فأمسى أسيراً حاضر البَيْتِ أضْرَعَا
فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له‏:‏ ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ فإذا هو الطائي، فلما نظر إليه النعمان شَقَّ عليه مجيئه، فقال له‏:‏ ما حملك على الرجوع بعدَ إفلاتك من القتل‏؟‏ قال‏:‏ الوفاء، قال‏:‏ وما دَعَاك إلى الوفاء‏؟‏ قال‏:‏ دِينِي، قال النعمان‏:‏ فاعْرِضْهَا عليّ، فعرضها عليه، فتنصر النعمان وأهلُ الحِيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتلَ منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السُّنَّة وأمر بهدم الغَرِيّيْن، وعفا عن قُرَاد والطائي، وقال‏:‏ والله ما أدري أيها أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه‏؟‏ والله لا أكون ألأمَ الثلاثة، فأنشد الطائيّ يقول‏:‏
ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الذي * أسْدَى إلىّ من الفَعَال الخالي
ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضَلاَلتي * فأبَيْتُ غيرَ تمجُّدِي وفعالي ‏[‏ص 72‏]‏
إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَجِية * وجزاء كل مكارم بَذَّالِ
وقال أيضاً يمدح قُرَادا‏:‏
ألا إنما يسمو إلى المجد والعُلا * مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بْنِ أجْدَعَا
مخاريقُ أمثال القراد وأهله * فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تبعا
362- إِنّ أَخاكَ مَنْ آسَاكَ‏.‏
يقال‏:‏ آسيت فلانا بمالي أو غيره، إذا جعلته أُسْوَةَ لك، ووَاسَيْتُ لغة فيه ضعيفة بَنَوْهَا على يُوَاسي، ومعنى المثل إن أخاك حقيقةً مَنْ قدمك وآثَرَك على نفسه‏.‏
يضرب في الحثّ على مراعاة الإخوان وأول من قال ذلك خُزَيم بن نَوْفل الهَمْداني، وذلك أن النعمان بن ثَوَاب العبديّ ثم الشنيّ كان له بنون ثلاثة‏:‏ سعد، وسعيد، وساعدة، وكان أبوهم ذا شرف وحكمة، وكان يوصي بنيه ويحملهم على أدَبِه، أما ابنه سعد فكان شجاعاً بطلاً من شياطين العرب لا يُقَام لسبيله ولم تَفُتْه طَلِبَتهُ قطّ، ولم يفرَّ عن قِرْن‏.‏ وأما سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسؤدده‏.‏ وأما ساعدة فكان صاحب شراب ونَدَامى وإخوان، فلما رأى الشيخ حالَ بنيه دعا سعدا وكان صاحب حرب فقال‏:‏ يا بُنَي إن الصارم يَنْبو، والجواد يَكْبُوُ، والأثر يعفو، فإذا شهدت حرباً فرأيت نارها تستعر، وبطلها يحظر، وبحرها يزخر، وضعيفها ينصر، وجبانها يجسر، فأقْلِلِ المكث والانتظار، فإن الفرار غير عار، إذا لم تكن طالبَ ثار، فإنما ينصرون هم، وإياك أن تكون صَيْدَ رماحها، ونطيح نطاحها، وقال لابنه سعيد وكان جوادا‏:‏ يا بني لا يبخل الجواد، فابذل الطارف والتِّلاد، وأقلل التَّلاح، تُذْكَرُ عند السماح، وأبْلُ إخوانك فإن وَفِيَّهم قليل، واصنع المعروف عند محتمله‏.‏ وقال لابنه ساعدة وكان صاحب شراب‏:‏ يا بني إن كثرة الشراب تفسد القلب، وتقلل الكسب، وتجدّ اللعب، فأبصر نَديمك، واحْمِ حريمك، وأعِنْ غريمك، واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح، وعليك بالقَصْد فإن فيه بلاغا‏.‏ ثم إن أباهم النعمان بن ثَوَاب توفي، فقال ابنه سعيد وكان جوادا سيدا‏:‏ لآخذنّ بوصية أبي ولأبلُوَنَّ إخواني وثقاتي في نفسي، فعمد إلى كبش فذبحه ثم وضعه في ناحية خِبائه، وغَشَّاه ثوباً، ثم دعا بعض ثقاته فقال‏:‏ يا فلان إن أخاك مَنْ وفَى لك بعهده، وحاطك بِرِفده، ونصرك بوده، قال‏:‏ ‏[‏ص 73‏]‏ صدقت فهل حدث أمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، إني قتلت فلاناً، وهو الذي تراه في ناحية الخِباء، ولابد من التعاون هليه حتى يُوَارَى، فما عندك‏؟‏ قال‏:‏ يالَهَا سَوْأة وقعتَ فيها، قال‏:‏ فإني أريد أن تعينني عليه حتى أغيبه، قال‏:‏ لستُ لك في هذا بصاحب، فتركه وخرج، فبعث إلى آخر من ثقاته فأخبره بذلك وسأله مَعُونته، فردّ عليه مثل ذلك، حتى بعث إلى عَدَد منهم، كلهم يردّ عليه مثل جواب الأول، ثم بعث إلى رجل من إخوانه يقال له خُزَيم بن نَوْفل، فلما أتاه قال له‏:‏ يا خُزَيم مالي عندك‏؟‏ قال‏:‏ ما يسرّك، وما ذاك‏؟‏ قال‏:‏ إني قتلت فلاناً وهو الذي تراه مُسَجًّى، قال‏:‏ أيْسَرُ خَطْبٍ، فتريد ماذا‏؟‏ قال‏:‏ أريد أن تعينني حتى أغيبه، قال‏:‏ هان ما فَزِعْتَ فيه إلى أخيك، وغلامٌ لسعيد قائم معهما، فقال له خزيم‏:‏ هل اطلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ انظر ما تقول، قال‏:‏ ما قلت إلا حقا، فأهْوَى خزيم إلى غلامه فضربه بالسيف فقتله، وقال‏:‏ ليس عبدٌ بأخٍ لك، فأرسلها مثلا، وارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه، فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما صنعت‏؟‏ وجعل يلومه، فقال خزيم‏:‏ إن أخاك من آساك، فأرسلها مثلا، قال سعيد‏:‏ فإني أردْتُ تجربتك، ثم كشف له عن الكَبْش، وخبره بما لقي من إخوانه وثقاته وما ردوا عليه، فقال خزيم‏:‏ سَبَقَ السيفُ العَذَلَ، فذهبت مثلا‏.‏
363- ألاَ مَنْ يَشْترِي سَهَراً بِنَوْمٍ‏.‏
قالوا‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك ذو رُعَيْن الْحِمْيَري، وذلك أن حِمْيَر تفرقت على ملكها حسان، وخالفت أمره لسوء سيرته فيهم، ومالوا إلى أخيه عمرو، وحملوه على قَتْل أخيه حَسَّان وأشاروا عليه بذلك ورغبوه في المُلْك، ووَعَدوه حسن الطاعة والموازرة، فنهاه ذو رُعَيْن من بين حمير عن قتل أخيه، وعلم أنه إن قتل أخاه ندم ونَفَر عنه النوم وانتقض عليه أموره، وأنه سيعاقِبُ الذي أشار عليه بذلك، ويعرف غشهم له، فلما رأى ذو رُعَيْن أنه لا يقبل ذلك منه وخشي العواقب قال هذين البيتين وكتبهما في صحيفة وختم عليها بخاتم عمرو، وقال‏:‏ هذه وديعة لي عندك إلى أن أطلبها منك، فأخذها عمرو فدَفَعها إلى خازنه وأمَرَه برفعها إلى الخزانه والاحتفاظ بها إلى أن يَسْأل عنه، فلما قَتَلَ أخاه وجلس مكانه في الملك مُنِعَ منه النومُ، وسُلِّط عليه السهر، فلما اشتد ذلك عليه لم يَدَعْ باليمن طبيبا ولا كاهنا ولا منجما ولا عرّافا ولا عائفا إلا جمعهم، ثم أخبرهم بقصته، وشكا إليهم ما به، فقالوا له‏:‏ ما قَتَلَ ‏[‏ص 74‏]‏ رجل أخاه أو ذا رَحِم منه على نحو ما قتلت أخاك إلا أصابه السهر ومنع منه النوم، فلما قالوا له ذلك أقبل على مَنْ كان أشار عليه بقتل أخيه وساعده عليه من أقْيَال حِمْير فقتلهم حتى أفناهم، فلما وصل إلى ذي رُعَين قال له‏:‏ أيها الملك إن لي عندك بَرَاءة مما تريد أن تصنع بي، قال‏:‏ وما براءتك وأمانك‏؟‏ قال‏:‏ مُرْ خازنك أن يخرج الصحيفة التي استودعتكها يوم كذا وكذا، فأمر خازِنه فأخرجها فنظر إلى خاتمه عليها ثم فَضَّها فإذا فيها‏:‏
ألاَ مَنْ يَشْتَري سَهَراً بِنَوْمٍ * سَعِيدٌ مَنْ يبيتُ قَرِيرَ عَيْنِ
فإمَّا حِمْيَر غَدَرَتْ وخانت * فَمَعْذِرَةُ الإله لِذِي رُعَيْنَ
ثم قال له‏:‏ أيها الملك قد نَهيتك عن قتل أخيك، وعلمتُ أنك إن فعلت ذلك أصابك الذي قد أصابك، فكتبت هذين البيتين بَرَاءة لي عندك مما علمت أنك تصنع بمن أشار عليك بقتل أخيك، فقبل ذلك منه، وعفا عنه، وأحسن جائزته‏.‏
يضرب لمن غمط النعمة وكره العافية‏.‏
364- إِنَّكَ لاَ تُهَرِّشُ كَلْباً‏.‏
يضرب لمن يحمل الحليم على التوثُّب‏.‏
365- إنَّ الذَّلِيلَ مَنْ ذَلَّ في سُلْطانِهِ‏.‏
يضرب لمن ذلّ في موضع التعزز وضَعُفَ حيث تنتظر قدرته‏.‏
366- إنْ كُنْتَ كَذُوباً فَكُنْ ذَكوراً‏.‏
يضرب للرجل يكذب ثم ينسى فيحدث بخلاف ذلك‏.‏
367- إذا اشْتَرَيْتَ فاذْكُرِ السُّوقَ‏.‏
يعني إذا اشتريت فاذكر البيع لتجتنب العيوب‏.‏
368- إِنّهُ لَقُبَضَةٌ رُفَضَةٌ‏.‏
يضرب للذي يتمسك بالشيء ثم لا يلبث أن يدعه‏.‏
369- إنْ لَمْ يكُنْ مُعْلَماً فَدَحْرِجْ‏.‏
أصل هذا المثل أن بعض الْحَمْقَى كان عُرْيانا فقعد في حُبّ وكان يدحرج، فحضره أبوه بثوب يلبسه، فقال‏:‏ هل هو مُعْلم‏؟‏ قال‏:‏ لا، فقال‏:‏ إن لم يكن معلما فَدَحرج فذهب مثلا‏.‏
يضرب للمضطر يقترح فوق ما يكفيه‏.‏
370- إياكَ وَالسَّآمَةَ في طَلَبِ الأمُورِ فَتَقْذِفُكَ الرِّجالُ خَلْفَ أعْقابِهَا‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يروى عن أبجر ‏[‏ص 75‏]‏ بن ‏(‏في نسخة‏"‏أبجر بن عامر‏"‏‏)‏ جابر العجلي أنه قال فيما أوصى به ابنه حجازا‏:‏ يا بني إياك والسآمة‏.‏
يضرب في الحث على الجدّ في الأمور وتَرْك التفريط فيها‏.‏
371- إذَا ما القارِظُ العَنَزِيُّ آبا‏.‏
قال ابن الكلبي‏:‏ هما قارظان كلاهما من عَنَزة، فالأكبر منهما هو يَذْكر بن عَنَزة لصلبه، والأصغر هو رهم ‏(‏في القاموس‏"‏ عامر بن رهم‏"‏‏)‏ بن عامر ابن عَنَزة، كان من حديث الأول أن خزيمة ابن نهد - ويروى حزيمة، كذا رواه أبو الندى في أمثاله - كان عَشِقَ فاطمة ابنة يَذْكر، قال‏:‏ وهو القائل فيها‏:‏
إذ الْجَوْزَاء أردفَتِ الثريَّا * ظننْتُ بآل فاطمة الظنونا
قال‏:‏ ثم إن يَذْكرُ وخزيمة خرجا يطلبان القَرَظَ، فمرا بهُوَّة من الأرض فيها نحل، فنزل يذكر يَشْتَار عَسَلا ودَلاَّه خزيمة بحبل، فلما فرغ قال يذكر لخزيمة‏:‏ امددني لأصعد، فقال خزيمة‏:‏ لا واللّه حتى تزوجني ابنتك فاطمة، فقال‏:‏ أعلى هذه الحال‏؟‏ لا يكون ذلك أبدا، فتركه خزيمة فيها حتى مات، قال‏:‏ وفيه وقَع الشر بين قُضَاعة وربيعة‏.‏ قال‏:‏ وأما الأصغر منهما فإنه خرج لطلب القَرَظ أيضاً، فلم يرجع، ولا يُدْرَى ما كان من خبره، فصار مثلا في امتداد الغَيْبة، قال بشر بن أبي خازم لابنته عند موته‏:‏
فَرَجِّي الخيرَ وانتظِرِي إيابي * إذا ماالْقَارِظُ العَنَزِيُّ آبا‏.‏
372- إِنّهُ لَمِشَلُّ عُونٍ‏.‏
المِشَلّ‏:‏ الطرد، والعُون‏:‏ جمع عانة، أي إنه ليَصْلُح أن تشل عليه الحمر الوحشية‏.‏ يضرب لمن يصلح أن تُنَاط به الأمور العظام‏.‏
373- إنّهُ لَمِخْلَطٌ مِزْيَلٌ‏.‏
يضرب للذي يخالط الأمور ويُزَايلها ثقةً بعلمه واهتدائه فيها‏.‏
374- إنّهُ الَّليْلُ وأضْواجُ الْوادِي‏.‏
الضوج بالضاد المعجمة والجيم‏:‏ مُنْعَطَفُ الوادي، والصُّوحُ بالصاد المضمومة والحاء‏:‏ حائط الوادي وناحيته‏.‏
وهذا المثل مثل قولهم ‏"‏الليل وأهضام الوادي‏"‏‏.‏
375- إنَّكَ لاَ تَعْدُو بِغَيْرِ أُمكَ‏.‏
يضرب لمن يُسْرِف في غير موضع السَّرَف‏.‏ ‏[‏ص 76‏]‏
376- إنَّكَ لَوْ ظَلَمْتَ ظُلْماً أمَماً‏.‏
الأمَمُ‏:‏ القرب، أي لو ظلمت ظلماً ذا قرب لعفونا عنك، ولكن بلغت الغاية في ظلمك‏.‏
377- إنْ كُنْتِ الحَالِبَةَ فاسْتَغْزِرِي‏.‏
أي إن قصدتِ الحلب فاطلبي ناقة غزيرة‏.‏
يضرب لمن يُدَلُّ على موضع حاجته‏.‏
378- إِنَّ أَخَا الخِلاَطِ أعْشَى بالَّليْلِ
الخِلاط‏:‏ أن يخلط إبله بإبل غيره ليمنع حَقَّ الله منها، وفي الحديث ‏"‏لا خِلاَطَ ولا وِرَاط‏"‏ أي لا يجمع بين متفرقين، والوارط‏:‏ أن يجعل غنمه في وَرْطة وهي الهُوَّة من الأرض لتخفى، والذي يفعل الخلاط يتحير ويدهش‏.‏
يضرب مثلا للمُرِيب الخائن‏.‏
379- إنَّ أمامِي مَالاَ أُسامِي‏.‏
أي مالا أساميه ولا أقاومه‏.‏ يضرب للأمر العظيم يُنْتَظَر وقوعه‏.‏
380- إنْ كُنْتِ حُبْلَى فَلِدِي غُلاَماً‏.‏
يضرب للمتصلِّف يقول‏:‏ هذا الأمرُ بيدي‏.‏
381- إنّما طَعَامُ فُلاَنٍ القَفْعَاءُ وَالتَّأوِيلُ‏.‏
القفعاء‏:‏ شجرة لها شَوْك، والتأويل‏:‏ نبت يعتلفه الحمار‏.‏
يضرب لمن يُسْتَبْلَدُ طبعه، أي إنه بهيمة في ضعف عقله وقلة فهمه‏.‏
382- إيَّاكَ وَصَحْرَاءَ الإِهالَةِ‏.‏
أصل هذا أن كِسْرَى أغْزَى جيشاً إلى قبيلة إياد، وجعل معهم لَقِيطاً الإيادي ليَدُلَّهم، فَتَوَّه بهم لقيط في صحراء الإهالة، فهلكوا جميعاً، فقيل في التحذير ‏"‏إياك وصَحْرَاء الإهالة‏"‏‏.‏
383- إنَّهُ لَيَنتْجِبُ عِضاهَ فُلاَنٍ‏.‏
الانتجاب أخذ النَّجَبَة، وهي قشر الشجر‏.‏
يضرب لمن ينتحل شعر غيره‏.‏
384- آخِ الأْكْفَاءَ وداهِن الأعْدَاءَ‏.‏
هذا قريب من قولهم ‏"‏خالِصِ المؤمنَ وخالِقِ الفاجِر‏"‏
385- إذَا قَرِحَ الجَنَانُ بَكَتِ العَيْنَانِ‏.‏
هذا كقولهم ‏"‏البغض تُبْديِه لك العَيْنَانِ‏"‏
386- إنَّمَا يُحْمَلُ الْكَلُّ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ‏.‏
الكَلُّ‏:‏ الثقل‏.‏ أي تُحَملُ الأعباء على أهل القدرة‏.‏ ‏[‏ص 77‏]‏
387- إذَا تَلاَحَتِ الْخُصُومُ تَسَافَهَتِ الحُلُوُم‏.‏
التَّلاَحِي‏:‏ التشاتُم، أي عنده يصير الحليم سفيها‏.‏
388- إنَّهُ يَنْبَحُ النَّاسَ قَبَلاً‏.‏
يضرب لمن يشتم الناس من غير جُرْم، ونصب ‏"‏قبلا‏"‏ على الحال‏:‏ أي مقابلا‏.‏
389- إِنَّ السِّلاَءَ لِمَنْ أَقَامَ وَوَلَّدَ‏.‏
يقال‏:‏ سَلأْتُ السمن سلأ إذا أذَبْته، والسِّلاء بالمد‏:‏ المسلوء، يعني أن النتاج ومنافِعَه لمن أقام وأعان على الولادة، لا لمن غَفَل وأهمل‏.‏
يضرب في ذم الكسل‏.‏
390- أَنْتَ بَيْنَ كَبِدِي وَخِلْبِي‏.‏
يضرب للعزيز الذي يشفق عليه، والخِلْبُ‏:‏ الحِجَابُ الذي بين القلب وسواد البطن‏.‏
391- آخِرُ سَفَرْكَ أَمْلَكُ‏.‏
يضرب لمن يَنْشَط في السفر أولا، أي ننظر كيف يكون نشاطك آخرا، وقوله ‏"‏أمْلَكُ‏"‏ أي أحق بأن يملك فيه النشاط‏.‏
392- إنَّكَ رَيَّانُ فَلاَ تَعْجَلْ بِشُرْبِكَ‏.‏
يضرب لمن أشرف على إدراك بِغْيَته فيؤمر بالرفق‏.‏
393- إنْ كنْتَ ناصِرِي فَغَيِّبْ شَخْصَكَ عَنِّي‏.‏
يضرب لمن أراد أن ينصرك فيأتي بما هو عليك لا لك‏.‏
394- أَخَذَهُ عَلَى قِلِّ غَيْظِهِ‏.‏
أي على أثَرِ غَيْظٍ منه في قلبه‏.‏
395- إذَا لَمْ تُسْمِعْ فَألْمِعْ‏.‏
أي إن عَجَزْتَ عن الإسماع لم تعجز عن الإشارة‏.‏
396- إِنَّ مِنَ ابْتِغَاءِ الخَيْرِ اتِّقاءَ الشَّرِّ‏.‏
يروى هذا عن ابن شِهاب الزُّهري حين مدَحه شاعر فأعطاه مالا وقال هذا القول‏.‏
397- إنَّما الشَّيْءُ كَشَكْلِهِ‏.‏
قاله أكْثَمُ بن صَيْفي‏.‏
يضرب للأمرين أو الرجلين يتفقان في أمرٍ فيأتلفان‏.‏
398- أَتَتْ عَلَيْهِ أُمُّ اللُّهَيْمِ‏.‏
أي أهلكته الداهية، ويقال المنِيَّةُ‏.‏
399- أَكَلْتُمْ تَمْرِي وَعَصَيْتُمْ أَمْرِي‏.‏
قاله عبدُ الله بن الزُّبَير‏.‏
400- أَيْنَ بَيْتُكِ فَتُزَارِي‏.‏
يضرب لمن يبطئ في زيارتك‏.‏ ‏[‏ص 78‏]‏
401- إِنَّ الهَوَى شَرِيكُ العَمَي‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ‏"‏‏.‏
402- إِذَا أَعْيَاكِ جاراتُكِ فَعُوكِي عَلَى ذِي بَيْتِكِ‏.‏
قال رجل لامرأته‏:‏ أي إذا أعياك الشيءُ من قبل غيركِ فاعتمدي على ما في ملكك، وعُوكِي‏:‏ معناه أقبلي‏.‏
403- أَخَذَنِي بِأطِيرِ غَيْرِي‏.‏
الأَطِيرُ‏:‏ الذنْبُ، قال مسكين الدَّارِمِيُّ‏:‏
أتَضْرِبُني بأطِيرِ الرَجالِ * وَكَلَّفْتَنِي مَا يَقُولُ الْبَشَرْ
404- إنَّ دُونَ الطُّلْمَةِ خَرْطَ قَتَادِ هَوْبَرٍ‏.‏
الطُّلْمة‏:‏ الخبزة تُجْعَل في المَلَّة، وهي الرماد الحار، وهَوْبَر‏:‏ مكان كثير القَتَاد‏.‏ يضرب للشيء الممتنع‏.‏
405- إَّنُه دِيْسٌ مِنَ الدِّيَسَةِ‏.‏
أصل دِيس دوس من الدَّوْسِ والدِّيَاسة أي أنه يَدُوس من يُنَازله‏.‏
يضرب للرجل الشجاع‏.‏
وبَنَى قوله من الدِّيَسَة على قوله دِيس وإلاّ فحَقُّه الواو‏.‏
406- إنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ بالتَّظَنِّي‏.‏
يضرب في الحث على التَّرْوِية في الأمر‏.‏
407- أَنا ابْنُ كُدَيِّهَا وكَدَائِهَا‏.‏
وكُدَى وكَدَاء‏:‏ جبلان بمكة، والهاء راجعة إلى مكة أو إلى الأرض‏.‏
وهذا مثل يضربه مَنْ أراد الافتخار على غيره‏.‏
408- آخِرُ البَزِّ عَلَى القَلُوصِ‏.‏
البَزُّ‏:‏ الثيابُ‏.‏ والقَلُوص‏:‏ الأنثى من الإبل الشابة‏.‏ وهذا المثل مذكور في قصة الزَّبَّاء في حرف الخاء‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif باب ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏
اعلم أن لأفْعَلَ إذا كان للتفضيل ثلاثة أحوال‏:‏ الأول‏:‏ أن يكون معه ‏"‏مِنْ‏"‏ نحو‏:‏ زيد أفْضَلُ من عمرو، والثاني‏:‏ أن تدخل عليه الألف وللام، نحو‏:‏ زيد الأفْضَلُ، والثالث‏:‏ أن يكون مضافا، نحو‏:‏ زيدٌ أفضلُ القَوْمِ، وعمرو أفْضَلُكم‏.‏
فإذا كان مع ‏"‏مِنْ‏"‏ استوى فيه الواحد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث، تقول‏:‏ زيد أفضل منك، والزيدان أفضلُ منك، والزيدون أفضل منك، وكذلك ‏[‏ص 79‏]‏ هند أفضل من دعد، والهندانِ أفضلُ، والهندات أفضل، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏هؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أطْهَرُ لكم‏}‏ وإنما كان كذلك لأن تَمَامه بمن، ولا يثنى الاسم ولا يجمع ولا يؤنث قبل تمامه، ولهذا لا يجوز أن تقول ‏"‏زيد أفضل‏"‏ وأنت تريد من، إلا إذا دلَّت الحالُ عليه، فحينئذ إن أضمرْتَه جاز، نحو قولك‏:‏ زيد أفضل من عمرو وأعْقَلُ، تريد وأعْقَلُ منه، وعلى هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفَى‏}‏ أي وأخْفَى من السر، وجاء في التفسير عن ابن عباس ومُجَاهد وقَتَادة‏:‏ السرُّ ما أسررت في نفسك، وأخفى منه ما لم تحدث به نفسك مما يكون في غدٍ، علم الله فيهما سواء، فحذف الجار والمجرور لدلالة الحال عليه، وكذلك‏:‏ ‏{‏هُنَّ أَطْهَرُ لكم‏}‏ أي من غيرها‏.‏
وإذا كان مع الألف واللام ثُنِّي وَجُمِع وأنِّثَ، تقول‏:‏ زيد الأفْضَل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وإن شئت‏:‏ الأفاضِلُ، وهند الفُضْلَى، وهندان الفُضْلَيَانِ، وهندات الفُضْلَيَاتُ، وإن شئت‏:‏ الفُضَّلُ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا لإِحْدَى الكُبَر‏}‏ والألف واللام تُعَاقِبَانِ مِنْ، فلا يجوز الجمع بينهما، لا يقال‏:‏ زيد الأفضلُ من عمرو، ولا يستعمل فُعْلى التفضيل إلا بالألف واللام، لا يقال‏:‏ جاءتني فُضْلَى، وقد غَلَّطوا أبا نُوَاس في قوله‏:‏
كأن صُغْرَى وكُبرَى من فَوَاقعها * حَصْباء درٍّ على أرضٍ من الذهب
وإنما استُعْمِلَ من هذا القبيل أخرى قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومنها نُخْرِجُكم تارةً أُخْرَى‏}‏ وقالوا‏:‏ دُنْيا في تأنيث الأدنى، ولا يجوز القياسُ عليهما، قال الأخفش‏:‏ قرأ بعضهم ‏{‏وقولوا للناس حُسْنَى‏}‏ وذلك لا يجوز عند سيبويه وسائر النحويين‏.‏
وإذا كان أفعل مضافا ففيه وجهان‏:‏ أحدهما أن يجري مَجْرَاه إذا كان معه مِن فيستوي فيه التثنية والجمع والتذكير والتأنيث، تقول‏:‏ زيد أفضلُ قومِك، والزيدان أفضلُ قومِك، والزيدون أفضلُ قومِك، وهندُ أفضل بناتِك، والهندانِ أفضلُ بناتك، والهنداتُ أفضلُ بناتِك، وهذا الوجه شائع في النثر والشعر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولَتجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناسِ عَلَى حَيَاةٍ‏}‏ ولم يقل أَحْرَصِي وقال ذو الرمة‏:‏
وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جِيداً * وَسَاِلَفَةً وَأَحْسَنُهُ قَذَالا
ولم يقل‏:‏ حُسْنى الثقلين، ولا حُسْنَاه، وقال جرير‏:‏ ‏[‏ص 80‏]‏
يَصْرَعْنَ ذَا اللبِّ حَتَّى لاَ حَراكَ بِهِ * وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللّهِ إِنْسَانَا
وعلى هذا قولُ الناسِ‏:‏ أوْلى النِّعم بالشكر وأَجَلُّ النعم عندي كذا وكذا، والوجه الثاني في إضافته‏:‏ أن يعتبر فيه حال دخول الألف واللام فيثنى ويجمع ويؤنث، فيقال‏:‏ زيد أفضلُ قومِك، والزيدان أَفْضَلا قومِك، والزيدون أَفْضَلُو قومِك، وهند فُضْلى بَنَاتِك، والهندان فُضْلَيَا بناتك، والهندات فُضْلَيَات بناتِك‏.‏
فهذه الأحوال الثلاثة أثبتها مُسْتَقْصَاة‏.‏ ومن شرط أَفْعَلَ هذا أن لا يضاف إلا إلى ما هو بعضٌ منه، كقولك‏:‏ زيد أفضلُ الرجالِ، وهند أفضل النساء، ولا يجوز على الضد، ولهذا لا يجوز ‏"‏زيد أفضل إخوته‏"‏ لأن الإضافة تخرجُه من جملتهم، ويجوز‏:‏ زيد أفضل الإخوة، والإضافة في جميع هذا ليست بمعنى اللام، ولا بمعنى من، ولكن معناها أن فَضْلَ المذكور يزيد على فضل غيره، فإن أدخلت مِنْ جاز أن تقول‏:‏ الرجال أفضل من النساء، والنساء أضعف من الرجال فإذا قلت ‏"‏زيد أفضل القوم‏"‏ كان زيد واحداً منهم، وإذا قلت ‏"‏زيد أفضل من القوم‏"‏ كان خارجاً من جملتهم، فهذا هو الفرق بين اللفظين‏.‏
ومن شرط أفْعَلَ هذا أيضاً أن يكون مَصُوغا من فعل ثلاثي نحو‏:‏ زيد أفضل وأكرم وأعلم من عمرو، وذلك أن بعض ما زاد على ثلاثة أحرف يمتنع أن يُبْنَى منه أفعل، نحو دَحْرَج واستخرج وتَدَحْرَج وتَخَرَّجَ وأشباهها، وبعضه يؤدِّي إلى اللبس، كقولك‏:‏ زيد أكرم وأفضل وأحسن من غيره، وأنت تريد بها الزيادة في الإفضال والإكرام والإحسان، فأتوا بما يزيل اللَّبْسَ والامتناع، وهو أنهم بَنَوْا من الثلاثي لفظاً يُنْبيء عن الزيادة وأوقعوه على مصدر ما أرادوا تفضيلَه فيه، فقالوا‏:‏ زيد أكثر إفضالاً وإكراماً، وأَعَمُّ إحساناً، وأشد استخراجاً، وأسرع انطلاقا، وما أشبه ذلك‏.‏ ولا يبنى أفعل من المفعول إلا في النُّدْرَةِ، نحو قولهم‏:‏ أَشْغَلُ من ذات النِّحْيَين، وأَشْهَرُ من الأبلق، والعَوْدُ أحمد، وما أشبهها، وذلك أن المفعول لا تأثير له في الفعل الذي يحلّ به حتى يتصور فيه الزيادة والنقصان، وكذلك حكم ما كان خِلَقَةً كالألوان والعُيُوب، لا تقول زيد أَبْيَضُ من عمرو، ولا أَعْوَرُ منه، بل تقول‏:‏ أشد بياضاً، وأقبح عَوَراً، لأن هذه الأشياء مستقرة في الشخص ولا تكاد تتغير، فجَرَتْ مَجْرَى الأعضاء الثابتة التي لا معنى للفعل فيها، نحو اليد ‏[‏ص 81‏]‏ والرِّجْل، لا تقول‏:‏ زيد أَيْدَى من عمرو، ولا فلان أَرْجَلُ من فلان، قال الفراء‏:‏ إنما ينظر في هذا إلى ما يجوز أن يكون أقل أو أكثر، فيكون أَفْعَلُ دليلاً على الكثرة والزيادة، ألا ترى أنك تقول‏:‏ زيد أَجْمَلُ من فلان، إذا كان جمالُه يزيد على جماله، ولا تقول للأعميين‏:‏ هذا أَعْمَى من ذاك، فأما قوله تعالى ‏{‏ وَمَنْ كان فِي هذِهِ أَعْمَى فهو في الآخرة أَعْمَى‏}‏ فإنما جاز ذلك لأنه من عَمَى القلب، تقول‏:‏ عَمِىَ يَعْمَى عَمًى فهو عَمٍ وأَعْمى وهم عَمُون وعُمْىٌ وعُمْيَان، قال الله تعالى ‏{‏بل هُمْ منها عَمُونَ‏}‏ وقال تعالى ‏{‏صُمٌّ بَكْمٌ عَمْيٌ‏}‏ وقال ‏{‏لم يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعَمْيانَاً‏}‏ فالأول في الآية اسمٌ، والثاني تفضيل، أي مَنْ كان في هذه - يعني في الدنيا - أعمى القلب عما يرى من قُدْرة الله في خلق السموات والأرض وغيرها مما يُعَانيه فلا يؤمن به فهو عما يَغِيبُ عنه من أمر الآخرة أَعْمَى أن يؤمن به‏.‏ أي أشدُّ عمًى‏.‏ ويدل على هذا قوله تعالى ‏{‏وأضل سبيلا‏}‏ وقرأ أبو عمرو ‏{‏ومن كان في هذه أعمى‏}‏ بالإمالة ‏{‏فهو في الأخرة أعمى‏}‏ بالتفخيم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه بالإمالة وتركها، وكل ما كان على أفعل صفةً لا يبنى منه أفعل التفضيل، نحو قولهم‏:‏ جَيْشٌ أَرْعَن، ودينار أَحْرَش، فأما قولهم‏:‏ فُلاَن أَحْمَق من كذا، فهو أفعل من الحمق، لأنه يقال‏:‏ رجل حمَقِ كما يقال‏:‏ رجل أحمق، ومنه قول يزيد بن الكحم‏:‏
قد يقتر الحول التقيّ * ويكثر الحمق الأثيم
وكذلك قولُه تعالى ‏{‏فهو في الآخرة أعمى‏}‏ من قولك هذا عَمٍ وهذا أَعْمَى منه‏.‏
وحكم ما أَفْعَلَهُ وأفْعِلْ به في التعجب حكم أَفْعَلَ في التفضيل في أنه أيضاً لا يبنى إلا من الثلاثي، ولا يتعجب من الألوان والعيوب إلا بلفظ مَصُوغ من الفعل الثلاثي كما تقدم، فلا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَهُ ولا ما أَعْرَجَه، بل يقال‏:‏ ما أشدَّ عوَره، وَأَسْوَأَ عَرَجَه، وما أشد بَيَاضَه وَسَوَاده، وقول من قال‏:‏
أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي أَبَاضِ* وقول الآخر‏:‏
أَمَّا المُلُوكُ فأَنْتَ الْيَوْمَ أَلأَمُهُمْ * لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَباخِ
محمولان على الشذوذ، وكذلك قولهم‏:‏ ما أعطاه، وما أَوْلاَه للمعروف، وما أَحْوَجَه، يريدون ما أشد احتياجَه، على أن بعضهم قال‏:‏ ما أَحْوَجَه من حَاجَ يَحُوجُ حَوْجاً، أي احتاج، وقال بعضهم‏:‏ إنما فعلوا هذا ‏[‏ص 82‏]‏ بعد حذف الزيادة وردِّ الفعِل إلى الثلاثي، وهذا وَجْه حَسَن‏.‏
وحكم أَفْعِلْ به في التعجب حكم ما أفعله لا يقال‏:‏ أَعْوِرْ به، كما لا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَه، بل يقال‏:‏ أشْدِدْ بعَوَرِهِ، ويستوي في لفظ أَفْعِلْ به المذكرُ والمؤنث والتثنية والجمع، تقول‏:‏ يا زيد أكْرِمْ بعمرو، ويا هند أكرم بزيد، ويا رجلان أكرم، ويا رجال أكرم، كما كان في مَا أَحْسَنَ زيداً، وما أَحْسَنَ هنداً، وما أَحْسَنَ الزيدين، وما أحسن الهندات‏.‏
كذلك قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن في كتابه المُعَنْون بأفعل حاكياً عن المازني أنه قال‏:‏ قد جاءت أَحْرُف كثيرة مما زاد فعله على ثلاثة أحرف فأدخلت العربُ عليه التعجب، قالوا‏:‏ ما أَتْقَاه الله، وما أَنْتَنه، وما أَظْلَمَها، وما أَضْوَأَها، وللفقير‏:‏ ما أفقْرَه، وللغني‏:‏ ما أَغْنَاه، وإنما يقال في فعلهما‏:‏ افتقر واستغنى، وقالوا للمستقيم‏:‏ ما أَقْوَمَه، وللمتمكن عند الأمير‏:‏ ما أَمْكَنه، وقالوا‏:‏ ما أَصْوَبه، وهذا على لغة من يقول‏:‏ صَابَ بمعنى أصاب، وقالوا ‏"‏ماأَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقولون خَطِئْتُ في معنى أخطأت وقال‏:‏ يَا لَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئْنَ كَاهِلاَ* ‏(‏هو من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي‏)‏
وقالوا‏:‏ ما أَشْغَلَه، وإنما يقولون في فعله شُغِلَ، وما أزهاه وفعله زُهِيَ‏.‏ وقالوا‏:‏ ماآبَلَه يريدون ما أكثر إبِلَه، وإنما يقولون‏:‏ تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها، وقالوا‏:‏ ما أبْغَضَه لي، وما أَحَبَّه إلي، وما أَعْجَبَه برأيه، وقال بعض العرب‏:‏ ما أملأ القِرْبة، هذا ما حكاه عن المازني، ثم قال‏:‏ وقال أبو الحسن الأخفش‏:‏ لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أَرْسَحَه، ولا في الأسْتَه ما أَسْتَهَه، قال‏:‏ وسمعت منهم من يقول‏:‏ رَسِحَ وَسَتِه، فهؤلاء يقولون‏:‏ ما أرْسَحَه وما أسْتَهَه‏.‏
قلت‏:‏ في بعض هذا الكلام نظر، وذلك أن الحكم بأن هذه الكلمات كلها من المَزِيد فيه غيرُ مسلم، لأن قولهم ‏"‏ما أتقاه لله‏"‏ يمكن أن يحمل على لغة من يقول‏:‏ تَقَاه يَتْقِيه، بفتح التاء من المستقبل وسكونها، حتى قد قالوا‏:‏ أتقى الأتقياء، وبنوا منه تَقِي يَتْقِي مثل سَقَى يَسْقِي إلا أن المستعمل تحريك التاء من يتقي، وعليه ورد الشعر، كما قال‏:‏
زِيَادَتَنَا نَعْمَانُ لاَ تَنْسَيَنَّهَا * تَقِ اللّه فِينَا والكتابَ الذي تَتْلُو
وقال آخر‏:‏
جَلاَهَا الصّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوهَا * خفَافاً كُلُّهَا يَتْقِي بأثْرِ ‏[‏ص 83‏]‏
وقال آخر‏:‏
وَلاَ أَتَقِي الغَيُورَ إذا رَآنِي * وَمثْلِي لزَّ بالحمس الرَّبِيسِ
فلما وجدوا الثلاثي منه مستعملا بنوا عليه فعل التعجب، وبنوا منه فَعِيلا كالتقيّ وقالوا منه على هذه القضية‏:‏ ما أتقاه لله‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أَنْتَنَه‏"‏ لإنما حملوه على أنه من باب نَتَنَ يَنْتنُ نَتناً، وهي لغة في أَنْتَن يُنْتِنُ فمن قال‏:‏ نتن قال في الفاعل مُنْتن، ومن قال منتن بناه على أنْتَنَ‏.‏ هذا قول أبي عبيد عن أبي عمرو، وقال غيره‏:‏ مُنْتِن في الأصل مُنْتِين فحذفوا المدة فقالوا‏:‏ مُنْتِن، والقياس أن يقولوا‏:‏ نَتَن فهو نَاتِن أو نَتِين، ولو قالوا نَتُنَ فهو نَتْنٌ على قياس صَعُبَ فهو صَعْب كان جائزاً‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أظلهما وأضوأها‏"‏ من هذا القبيل أيضاً، لأن ظَلِمَ يَظْلَم ظلمة لغة في أظلم، وكذلك ‏"‏ما أضوأها‏"‏ يعنون الليلة إنما هو من ضَاء يَضُوء ضَوْءاً وضُوَاء، وهي لغة في أضاء يُضِيء إضاءة، وإذا كان الأمر على ما ذكرت كان التعجب على قانونه‏.‏
وأما قوله‏:‏ قالوا للفقير ‏"‏ما أفْقَرَهُ‏"‏ فيجوز أن يقال‏:‏ إنهم لما وجدوه على فَعِيل توهموه من باب فَعُلَ بضم العين مثل صَغُر فهو صَغير وكبر فهو كبير، أو حملوه على ضده فقدَّروه من باب فَعِل بكسر العين كغَنِى فهو غَنِيّ، كما حملوا عَدُوَّة الله على صَدِيقة، وذلك من عادتهم‏:‏ أن يحملوا الشيء على نقيضه، كقوله‏:‏
إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
فوصَلَ رضيَتْ بعلي لأنهم قالوا في ضده‏:‏ سَخِط عَلَيَّ، ومثل هذا موجود في كلامهم، أو حملوه على فَعيل بمعنى مفعول، فقد قالوا‏:‏ إنه المكسورُ الفَقَار، وإذا حُمل على هذا الوجه كان في الشذوذ مثله إذا حمل على افتقر‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما أغناه‏"‏ فهو على النَّهْج الواضح، لأنه من قولهم غَنِيَ يَغْنَي غِنًى فهو غَنِيّ، فلا حاجة بنا إلى حَمْله على الشذوذ‏.‏
وأما قولهم للمستقيم ‏"‏ما أَقْوَمَه‏"‏ فقد حملوه على قولهم‏:‏ شيء قَوِيم، أي مستقيم، وقام بمعنى استقام صحيحٌ، قال الراجز‏:‏ وقَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ فَاعْتَدَلْ*
ويقولون‏:‏ دينار قائم، إذا لم يزد على مثقال ولم ينقص، وذلك لاستقامة فيه، فعلى هذا الوجه ما أَقْوَمَه غيرُ شاذ‏.‏
وقولهم للمتمكن عند الأمير ‏"‏ما أمْكَنَه‏"‏ إنما هو من قولهم ‏"‏فلان مَكِين عند فلان‏"‏ و ‏"‏له مكانة عنده‏"‏ أي منزلة، فلما رأوا ‏[‏ص 84‏]‏ المكانة وهي من مَصَادر فَعَل بضم العين، وسمعوا المكِيَن وهو من نعوت هذا الباب نحو كَرُم فهو كريم وشَرُف فهو شريف، توهموا أنه من مَكُنَ مَكَانة فهو مَكِين مثل مَتُن مَتَانة فهو مَتِين، فقالوا‏:‏ ما أَمْكَنه، وفلان أَمْكَنُ من فلان، وليس توهمهم هذا بأغْرَبَ من توهمهم الميم في التمكن والإمكان والمكانة والمكان وما اشتقَّ منها أصلية، وجميعُ هذا من الكون، وهذا كما أنهم توهموا الميم في المِسْكِين أصلية فقالوا‏:‏ تَمَسْكَنَ، ولهذا نظائر ‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما أصْوَبَه‏"‏ على لغة من يقول صَاب يعني أصاب ولم يزيدوا على هذا فإني أقول‏:‏ هذا اللفظ أعني لفظ صاب مبُهْم لا يُنْبئ عن معنى واضح، وذلك أن صاب يكون من صَابَ المطرُ يَصُوب صَوْباً، إذا نزل، وصَابَ السهمُ يَصُوب صَيْبُوبة، إذا قصد ولم يَجْرُ، وصاب السهمُ القرطاسَ يَصِيبه صَيْباً لغة في أصاب، ومنه المثل ‏"‏ مَعَ الخواطئ سهم صَائِب‏"‏ فإن أرادوا بفولهم صاب هذا الأخيَر كان من حقهم أن يقولوا‏:‏ ما أصْيَبَه، لأنه يائي، وإن أرادوا بقولهم‏:‏ أصاب أي أتى بالصواب من القول فلا يقال فيه صَاب يَصِيب‏.‏
وأما قوله ‏"‏قالوا ما أَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقول‏:‏ خَطِئت في معنى ‏"‏أخطأت‏"‏ فهو على ما قال‏.‏
وأما ‏"‏ ما أشْغَلَه‏"‏ فلا رَيْبَ في شذوذه، لأنه إن حُمل على الاشتغال كان شاذا، وإن حمل على أنه من المفعول فكذلك‏.‏
وأما ‏"‏ما أزْهَاهُ‏"‏ وحمله على الشذوذ من قولهم زُهِيَ فهو مَزْهُوٌّ فإن ابن دُرَيد قال‏:‏ يقال زَهَا الرجلُ يَزْهُو زَهْواً أي تكبر ومنه قولهم‏:‏ ما أزْهَاه، وليس هذا من زُهِىَ لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه، هذا كلامه، وأمر آخر، وهو أن بين قولهم ‏"‏ما أشغله‏"‏ و ‏"‏ما أزهاه‏"‏ إذا حمل على زُهى فرقاً ظاهراً، وذلك أن المزهُوَّ وإن كان مفعولا في اللفظ فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شَغَله غيره، فلو حمل ‏"‏ما أزْهَاه‏"‏ على أنه تعجب من الفاعل المعنوي لم يكن بأس‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما آبَلَه‏"‏ أي ما أكثر إبلَه، ثم قوله ‏"‏وإنما يقولون تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها‏"‏ ففي كل واحد منهما خلل، وذلك أن قولهم ‏"‏ما آبله‏"‏ ليس من الكثرة في شيء، إنما هو تعجب من قولهم أبِلَ الرجلُ يأبل إباله مثل شكس شكاسة فهو أَبِل وآبِل أي حاذق بمصلحة الإبل، وفلان من آبَل الناس، أي من أشدهم تأنقا في رعْيَةِ الإبل وأعلمهم بها، فقولهم ‏"‏ما آبَلَهُ‏"‏ معناه ما أحْذَقَه وأعْلَمَه بها، وإذا صح هذا فحملُه ‏[‏ص 85‏]‏ ما آبله على الشذوذ سهو، ثم حمله على معنى كثر عنده الإبل سهوٌ ثانٍ، وقوله ‏"‏تأبَّلَ أي اتخذ إبلا‏"‏ سهو ثالث، وذلك أن التأبل إنما هو امتناع الرجل من غِشْيان المرأة ومنه الحديث ‏"‏لقد تأبَّلَ آدمُ على ابنه المقتول كذا عاما‏"‏ وتأبلت الإبل‏:‏ اجتزأت بالرطب عن الماء، والصحيح في اتخاذ الإبل واقتنائها قولُ طُفَيل الْغَنَوي‏.‏
فأبَّل واسترخى به الْخَطْبُ بعدما * أسَافَ ولولا سَعْيُنا لم يُؤَبِل
أي لم يكن صاحب لإبل ولا اتخذها قِنْوَة‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ ويروى ‏"‏ما أبغضه إلي‏"‏ وبين الروايتين فرق بين، وذلك أن ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ يكون من المبغِض أي ما أشَدَّ إبْغَاضَه لي، وما‏"‏ أبْغَضَه إلي‏"‏ يكون من البغيض بمعنى المُبْغَضِ‏:‏ أي ما أشد إبغاضي له، وكلا الوجهين شاذ، وكذلك ‏"‏ما أحبه إلي‏"‏ إن جعلته من حَبَبْتُه أحِبُّه فهو حَبيب ومَحْبُوب كان شاذا، وإن جعلته من أحْبَبْتُه فهو مُحِب فكذلك‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أعْجَبَهُ برأيه‏"‏ هو من الإعجاب لاغير، يقال‏:‏ أُعْجِبَ فلان برأيه، على ما لم يسم فاعله، فهو مُعْجَب‏.‏
وأما قول بعض العرب ‏"‏ما أملأ القِرْبَة‏"‏ فهو إن حملته على الامتلاء أو على المملوء كان شاذا‏.‏
وأما قول الأخفش ‏"‏لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أرْسَحَه، ولا في الأسْتَهَ ما أَسْتَهَه‏"‏ فكلام مستقيم، لأنه من العيوب والخِلَق، وقد تقدم هذا الحكم‏.‏
قال‏:‏ ‏"‏وسمعت منهم من يقول رَسِحَ وسَتِه فهؤلاء يقولون ما أرسحه وما أستهه‏"‏ قلت‏:‏ إنهم إذا بَنَوْا من فَعِلَ يَفْعَلُ صفةً على فَعِلٍ قالوا في مؤنثه فَعِلَة نحو أسِفَ فهو أسِف، والمرأة أسِفَة، وسحاب نَمِر ‏(‏قالوا ‏"‏ماء نمر‏"‏ أي زاك كثير‏)‏ وللمؤنث نمِرة، ولم يسمع امرأة رَسِحة ولا سَتِهة، بل قالوا‏:‏ رَسْحَاء وسَتْهاء، فهذا يدل على أن المذكر أرْسَح وأسْتَه‏.‏
هذا، وقد شذ أحرف يسيرة في كتابي هذا عن باب أفعل من كذا كان من حقها أن تكون فيه، نحو قولهم‏:‏ أقبح هزيلين المرأة والفرس، وأسوأ القول الإفراط، وأشباههما، لكنها لما زالت عن أماكنها تجوزت فيها إذ لم تكن مقرونة بمن كما تجوز حمزة في إيراد قولهم‏:‏ أكْذَبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج، وأعلم بمَنْبَتِ القَصيص، وأسَدُّ قويس سهما في أفعل من كذا، ولا شك أن الجميع في حكم أفعل التفضيل‏.‏ ‏[‏ص 86‏]‏

B-happy 3 - 3 - 2010 01:16 AM



*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الثاني فيما أوله باء‏.‏
428- بِيَدَيْنِ مَا أَوَرَدَهَا زَائِدَةُ‏.‏
‏"‏بيدين‏"‏ أي بالقوة والْجَلاَدة، يقال‏:‏ مالي به يَدٌ، ومالي به يَدَانِ، أي قوة، و‏"‏ما‏"‏ صلة، وزائدة‏:‏ اسم رجل، يريد بالقوة والْجَلاَدة أورد إبلَه الماءَ، لا بالعجز، ويجوز أن يريد بقوله ‏"‏بيدين‏"‏ أنه أَضْبَطُ يعمل بكِلْتَا يديه‏.‏
يضرب في الحثّ على استعمال الجد‏.‏
429- بِهِ لا بِظَبْيٍ أَعْفَرَ
الأعْفَر‏:‏ الأبيض، أي لَتَنْزِلْ به الحادثة لا بظبي‏.‏ يضرب عند الشماتة‏.‏
قال الفرزدق حين نُعي إليه زياد بن أبيه، فقال‏:‏
أقول لَهُ لمَّا أتانِي نَعِيُّهُ * به لا بِظَبْيٍ بالصَّرِيمَةِ أَعْفَرَا
ومثله‏:‏
430- بِهِ لا بِكَلْبٍ نابحٍ بالسَّبَاسِبِ‏.‏
431- بِبَقَّةَ صُرِمَ الأمْرُ‏.‏
بَقَّةُ‏:‏ موضع بالشام، وهذا القول قاله قصير بن سَعْد اللَّخْمِي لجَذِيمة الأبْرَشِ حين وقع في يد الزبَّاء، والمعنى قُطِع هذا الأمر هناك، يعني لما أشار عليه أن لا يتزوَّجها فلم يقبل جَذِيمة قوله، وقد أوردتُ قصةَ الزباء وجَذِيمة في باب الخاء عند قوله ‏"‏خطب يسير في خطب يسير‏"‏‏.‏
432- بَقِّ نَعْلَيْكَ وَابْذُلْ قَدَمَيْكَ‏.‏
يضرب عند الحِفْظ للمال وبَذْل النفس في صَوْنه‏.‏
433- بَدَلٌ أَعْوَرٌ‏.‏
قيل‏:‏ إن يزيد بن المُهَلَّب لما صُرِفَ عن خُرَاسان بقُتَيْبة بن مُسْلم الباهلي - وكان شَحِيحاً أعور - قال الناس‏:‏ هذا بَدَل أَعْوَر فصار مثلاً لكل من لا يُرْتَضَى بدلاً من الذاهب، وقد قال فيه بعض الشعراء‏:‏
كانَتْ خراسانُ أرضاً إِذْ يَزِيدُ بها * وكلُّ باب من الخيرات مَفْتُوحُ
حتى أتانا أبو حَفصٍ بأسْرَتِهِ * كأنما وَجْهُه بالْخَلِّ مَنْضُوحُ
434- بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ‏.‏
أي هَدِّد مَنْ لا علم له بك، فإن من ‏[‏ص 91‏]‏ عرفك لا يعبأ بك، والتبريق‏:‏ تحديدُ النظر ويروى ‏"‏برّقي‏"‏ بالتأنيث، يقال‏:‏ بَرَّقَ عينيه تَبْرِيقاً، إذا أوسعهما، كأنه قال بَرّق عينيك، فحذف المفعول، ويجوز أن يكون من قولهم‏:‏ رَعَد الرجل وَبَرَق إذا أوعد وتهدَّد، وشدد إرادة التكثير، أي كثر وعيدَك لمن لا يعرفك‏.‏
435- بَرْدُ غَدَاةٍ غَرَّ عَبْداً مِنْ ظَمإِ‏.‏
هذا قيل في عبد سَرَحَ الماشية في غداة باردة ولم يتزود فيها الماء، فهلك عَطَشاً، و‏"‏مِن‏"‏ في قوله ‏"‏من ظمأ‏"‏ صِلَة غَرَّ، يقال‏:‏ مَنْ غرك مِنْ فلان‏؟‏ أي مَنْ أَوْطَأَك عَشْوة من جهته‏؟‏ يعني أن البرد غره من إهلاك الظمأ إياه فَاغْتَرَّ، ويجوز أن يكون التقدير‏:‏ غر عبداً مِنْ فقد ظمأ، أي قَدَّر في نفسه أنه يفقد الظمأ فلا يظمأ‏.‏ يضرب في الأخذ بالحزم‏.‏
436- بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى‏.‏
هي جمع زُبْيَة‏.‏ وهي حُفْرة تُحْفَر للأسد إذا أرادوا صَيْده، وأصلُها الرابية لا يَعْلُوها الماء، فإذا بلغها السيلُ كان جارفا مُجْحفاً‏.‏ يضرب لما جاوز الحد‏.‏
قال المؤرج‏:‏ حدثني سعيد بن سماك بن حَرْب عن أبيه عن ابن النعتنر قال‏:‏ أُتِيَ مُعاذُ بن جبل بثلاثة نَفَر فتلهم أسد في زُبْيَة فلم يدر كيف يفتيهم، فسأل علياً رضي الله عنه وهو مُحْتَبٍ بفِناء الكعبة، فقال‏:‏ قُصُّوا عليَّ خبركم، قالوا‏:‏ صِدْنا أَسَداً في زُبْية، فاجتمعنا عليه، فتدافع الناسُ عليها، فَرَمَوُا برجل فيها، فتعلق الرجل بآخَرَ، وتعلق الآخر بآخر، فَهَووْا فيها ثلاثتهم، فقضَى فيها عليٌّ رضي الله عنه أن للأول رُبُعَ الدية، وللثاني النصف، وللثالث الدية كلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه فيهم، فقال‏:‏ لقد أَرْشَدَكَ الله للحق‏.‏
437- بَصْبَصْنَ إِذْ حُدِينَ بالأذْنَابِ‏.‏
البَصْبَصَة‏:‏ التحريك، أي حركت الإبلُ أذنابها لما حُدِين‏.‏
يضرب مثلاً في الخضوع والطاعة من الجبان‏.‏
والباء في ‏"‏بالأذناب‏"‏ مقحمة‏.‏
438- باءَتْ عَرَارِ بِكَحْلَ
يقال‏:‏ هما بَقَرَتَانِ انتطحتا فماتتا جميعاً، وَعَرارِ‏:‏ مبنى على الكسر مثل قَطَام‏.‏
يضرب لكل مستويين، يقع أحدهما بإزاء الآخر‏.‏
يقال‏:‏ كان كثير بن شهاب الحارثي ضرب عبد الله بن الحجاج الثعلبي من ‏[‏ص 92‏]‏ بني ثعلبة بن ذبيان بالرى، فلما عزل كثير أقيد منه عبد اللّه فهتَم فاه وقال‏:‏
باءَتْ عَرَارِ بكَحْلَ فيما بَيْنَنَا * وَالحَقُّ يَعْرِفُه أُولُو الأَلْبَابِ
439- بَعْدَ خِيَرَتِها تَحْتَفِظُ‏؟‏
ويورى بعد ‏"‏خَيْرَاتها‏"‏ والهاء راجعة إلى الإبل‏:‏ أي بعد إضاعة خِيارها تحتفظ بحواشيها وشرارها‏.‏
يضرب لمن يتعلق بقليل ماله بعد إضاعة أكثره‏.‏
440- بَعْدَ الَّلتَيَّا وَالَّتِي‏.‏
هما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكَنَى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيهاً بالحيَّة، فإنها إذا كثر سمها صغرت لأن السم يأكل جَسَدها، وقيل‏:‏ الأصل فيه أن رجلاً من جَدِيس تزوج امرأة قصيرة، فقاسى منها الشدائد، وكان يعبر عنها بالتصغير، فتزوج امرأة طويلة، فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة، فطلقها، وقال‏:‏ بعد اللَّتَيَّا والَّتِي لا أتزوج أبدا، فجرى ذلك على الداهية، وقيل‏:‏ إن العرب تصغِّر الشيء العظيم، كالدُّهَيْم والُّلهَيْم، وذلك منهم رَمْز‏.‏
441- بِعِلَّةِ الوَرَشَانِ يأْكُلُ رُطَبَ المُشَانِ‏.‏
بالإضافة، ولا تقل الرطب المشان، وهو نوع من التمر، يقولون‏:‏ إنه يشبه الفَأر شكلاً‏.‏ يضرب لمن يظهر شيئا، والمُرَاد منه شيء آخر‏.‏
442- بَيْتِي يَبْخَلُ لاَ أَنَا‏.‏
قالته امرأة سُئلت شيئاً تعذَّر وجودُه عندها، فقيل لها‏:‏ بَخِلْتَ، فقالت‏:‏ بيتي يبخل لا أنا‏.‏
443- بَيْنَ العَصَا وَلِحائِهَا‏.‏
اللِّحاء‏:‏ القِشْر‏.‏ يضرب للمتحابين الشَّفيقين‏.‏
ويروى ‏"‏لا مَدْخَلَ بين العصا ولحائها‏"‏ و ‏"‏لا تدخل بين‏"‏ وكله إشارة إلى غاية القرب بينهما‏.‏
444- بَيْنَ المُمِخَّةِ والعَجْفَاء‏.‏
يقال ‏"‏شاة مُمِخَّة‏"‏ إذا بَدا في عظامها المخُّ‏.‏ يضرب مثلا في الاقتصاد‏.‏
445- بَيْنَ الرَّغِيفِ وَجَاحِمِ التَّنُّورِ‏.‏
الجاحِم‏:‏ المكانُ الشديد الحر، قال أبو زيد‏:‏ جاحمه جَمْره‏.‏
يضرب للإنسان يُدَّعى عليه‏.‏ ‏[‏ص 93‏]‏
446- بَيْنَ القَرِينَيْنِ حَتَّى ظَلَّ مَقْروُنَا‏.‏
أي نَزَأ بينهما ‏(‏نزأ بينهما‏:‏ أفسد وحرش‏)‏ حتى صار مثلهما‏.‏
يضرب لمن خالط أمرا لا يَعْنيه حتى نَشِب فيه‏.‏
447- بَيْنَهُمْ دَاءُ الضَّرائِر‏.‏
هي جمع ضَرَّة، وهو جمع غريب، ومثله كَنَّة وكَنَائن‏.‏
يضرب للعداتوة إذا رَسَخت بين قوم، لأن العصبية بين الضرائر قائمة لا تكاد تسكن‏.‏
448- بَيْنَهُمْ عِطْرُ مَنْشِمَ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ مَنْشِم - بكسر الشين - ‏(‏في القاموس كمجلس ومقعد‏)‏ اسمُ امرأةٍ عطَّارة كانت بمكة، وكانت خُزَاعة وجُرْهم إذا أرادوا القتالَ تطيَّبُوا من طيبها، وإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال‏:‏ أشْأَمُ مِنْ عِطْرِ مَنْشِمَ‏.‏ يضرب في الشر العظيم‏.‏
449- بِهِ دَاءُ ظَبْىٍ‏.‏
أي أنه لا داء به كما لا داء بالظبي، يقال‏:‏ إنه لا يمرض إلا إذا حان موته، وقيل‏:‏ يجوز أن يكون بالظبي داء ولكن لا يعرف مكانه، فكأنه قيل‏:‏ به داء لا يُعْرَف‏.‏
450- بَلَغَتِ الدِّماءُ الثُّنَنَ‏.‏
الثّنَّة‏:‏ الشَّعَرات التي في مؤخر رُسْغ الدابة‏.‏
يضرب عند بلوغ الشر النهاية، كما قالوا ‏"‏بَلَغَ السيْلُ الزُّبى‏"‏‏.‏
451- بِجَنْبِهِ فَلْتَكُنِ الوَجْبَةُ‏.‏
أي السَّقْطَة، يقال هذا عند الدعاء على الإنسان، قال بعضهم‏:‏ كأنه قال رماه الله بداء الجَنْبِ، وهو قاتل، فكأنه دعا عليه بالموت‏.‏
452- بَلَغ في العِلْمِ أَطْوَرَيْهِ‏.‏
أي حَدَّيْه، يعني أوله وآخره، وكان أبو زيد يقول‏:‏ بلغ أطْوَرِيِه - بكسر الراء - على معنى الجمع، أي أقْصَى حدوده ومنتهاه‏.‏
453- بِأبِي وُجُوهَ الْيَتامَى‏.‏
ويروى ‏"‏وا، بأبي‏"‏ يشير بقوله ‏"‏وا‏"‏ إلى التوجُّع على فقدهم، ثم قال ‏"‏بأبي‏"‏ أي أفْدِي بأبي وجوهَهم‏.‏
يضرب في التحنن على الأقارب‏.‏
وأصله أن سعد القَرْقَرة - وهو رجل ‏[‏ص 94‏]‏ من أهل هَجَر - كان النعمان بن المنذر يضحك منه، وكان للنعمان بن المنذر فرس يقال له اليحموم يُرْدِى من ركبه، فقال يوماً لسعد‏:‏ ارْكَبْهُ واطلب عليه الوحْشَ، فامتنع سعد، فقهره النعمان على ذلك، فلما ركبه نظر إلى بعض ولَده وقال هذا القول، فضحك النعمان وأعفاه من ركوبه، فقال سعد‏:‏
نَحْنُ بغَرْسِ الوَدِىِّ أعْلَمُنَا * مِنَّا بِجَرْىِ الْجِيَادِ فِي السَّلَفِ
يَا لَهْفَ أمِّي فَكَيْفَ أطْعَنُهُ * مُسْتَمْسِكاَ وَالْيَدَانِ فِي الْعُرُفِ
ويروى ‏"‏بجر الجياد في السَّدَفِ‏"‏ ويروى ‏"‏السُّدَف‏"‏ والسُّلَف، والسُّدَف، فالسَّدَف‏:‏ الضوء والظلمة أيضاً، والحرفُ من الأضداد، والسَّدَفُ‏:‏ جمع سُدْفَة‏:‏ وهي اختلاط الضوء والظلمة، والسَّلَفَ‏:‏ جمع سالف مثل خادم وخَدَم وحارس وحَرَس، وهو آباؤه المتقدمون، والسُّلَفُ‏:‏ جمع سُلْفة وهي الدبرة ‏(‏هي القطعة المستوية من الأرض‏)‏ من الأرض، وقوله ‏"‏أعلمنا‏"‏ أراد أعلم منا وهى لغة أهل هَجَر، يقولون‏:‏ نحن أعلمنا بكذا منا، وأجود هذه الروايات هذه الأخيرة أعني ‏"‏في السُّلَفِ‏"‏ لأن سعدا كان من أهل الحِراثة والزِّراعة، فهو يقول‏:‏ نحن بغرس الودىّ في الديار والمشارات أعلم منا بِجَرْىِ الجياد‏.‏
454- بِاُذُنِ السَّماعِ سُمِّيتَ‏.‏
يضرب للرجل يذكر الجودَ ثم يفعله‏.‏ وتقدير الكلام بسماع أذنٍ شأنها السماع سميت بكذا وكذا، أي إنما سميت جوادا بما تسمع من ذكر الجود وتفعله، وهذا كقولهم ‏"‏إنما سميت هانئا لتهنئ‏"‏ وأضاف الأذن إلى السماع لملازمتها إياه، والتسمية تكون بمعنى الذكر كما قال‏:‏
وَسَمِّهَا أحْسَنَ أسمائها* أي واذكرها بأحسن أسمائها‏.‏
ومعنى المثل بما سُمِعَ من جودك ذكرت وشكرت، يحثه على الجود، قال الأموي‏:‏ معنها أن فعلك يصدِّقُ ما سمعته الأذنان من قولك‏.‏
455- بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ‏.‏
هذا من قول طَرَفة بن العبد حين أمَر النعمان بقتله، فقال‏:‏
أبا مُنْذِر أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنَا * حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشر أهْوَنُ من بَعْضِ
يضرب عند ظهور الشرين بينهما تفاوت‏.‏
وهذا كقولهم ‏"‏إنَّ من الشر خِيارا‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 95‏]‏
456- بِبَطْنِهِ يَعْدُو الذَّكَرُ‏.‏
يقال‏:‏ إن الذكر من خيل يَعْدُو على حسب ما يأكل، وذلك أن الذكر أكثر أكلا من الأنثى فيكون عَدْوُهُ أكثر، ويقال‏:‏ إن أصله أن رجلا أتى امرأته جائعا، فتهيأت له، فلم يلتفت إليها ولا إلى ولدها، فلما شبع دعا ولده فقرّبهم، وأراد الباءة، فقالت المرأة‏:‏ ببطنه يعدو الذكر‏.‏ وقال أبو زيد‏:‏ زعموا أن امرأة سابَقَتْ رجلا عظيمَ البطنِ فقالت له ترهبه بذلك‏:‏ ما أعظَمَ بطنك‏!‏ فقال الرجل‏:‏ ببطنه يَعْدُو الذكر‏.‏
457- بِكُلِّ وَادٍ أَثَرٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ‏.‏
هذا من قول ثعلبيّ رأى من قومه ما يسوءه، فانتقل إلى غيرهم، فرأى منهم أيضاً مثل ذلك‏.‏
458- بِالسَّاعِدَيْنِ تَبْطِشُ الكَفَّانِ‏.‏
يضرب في تعاوُنِ الرجلين وتساعُدِهما وتعاضُدِهما في الأمر‏.‏
ويروى ‏"‏بالساعد تبطش الكف‏"‏ قال أبو عبيدة‏:‏ أي إنما أقْوَى على ما أريد بالمقدرة والسعة، وليس ذلك عندي‏.‏ يضربه الرجل شيمتُه الكرم غير أنه مُعْدم مُقْتر، قال‏:‏ ويضرب أيضاً في قلة الأعوان‏.‏
459- بَدَا نَجِيثُ القَوْمِ‏.‏
أي‏:‏ ظهر سرهم، وأصْلُ النَّجِيث ترابُ البئر إذا استخرج منها، جعل كنايةً عن السر، ويقال لتراب الهدف نجيث أيضاً، أي صار سرهم هَدَفاً يُرمَى‏.‏
460- بَرِحَ الخَفاءُ‏.‏
أي زال، من قولهم ‏"‏ما برح يفعل كذا‏"‏ أي ما زال، والمعنى زال السر فوضح الأمر، وقال بعضهم‏:‏ الخفاء المتطأطئ من الأرض، والبراحُ‏:‏ المرتفعُ الظاهر، أي صار الخفَاء بَرَاحا، وقال‏:‏
بَرِحَ الخَفَاء فَبُحْتُ بالكتمان * وشَكَوْتُ ما ألقى إلى الإخْوان
لو كان ما بي هَيِّناً لكَتمْتُهُ * لكنّ مابي جَلَّ عن كِتْمَانِ‏.‏
461- بِمِثْلِ جَارِيَة فَلْتَزْنِ الزَّانِيَة‏.‏
هو جارية بن سُلَيط، وكان حَسَنَ الوجه، فرأته امرأة فمكنته من نفسها وحملت، فلما علمت به أمها لامتها، ثم رأت الأم جمالَ ابن سُلَيط فعذرت بنتها وقالت‏:‏ بمثل جارية، فلتزن الزانية، سراً أو علانية‏.‏
يضرب في الكريم يَخْدُمُه مَنْ هو دُونَه‏.‏ ‏[‏ص 96‏]‏





الساعة الآن 07:53 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى