منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لكي لا ننسى .. (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=256)
-   -   شهداء من فلسطين (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=21478)

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:00 PM

ازمة 1966 والموت الذي طارد أبوجهاد

كل عام كان يمر في حياة أبو جهاد وحركة فتح كنا نعتبره مكسبا كبيرا ، لأن مجرد "البقاء" على قيد الحياة هو في حد ذاته تحديا حقيقيا لعدو له قوة وغطرسة العدو الإسرائيلي.لذلك كان كل عام يمر يحمل معه المزيد من المتاعب والمصاعب والمخاطر لأن المسؤولية كانت تكبر والتحدي كان يتضاعف ، فأبو جهاد لم يكن قد نجح فحسب في الحفاظ على بقائه ، وإنما بدأ أيضا يعمل على تهديد بقاء خصمه وعدوه.ومن بين الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة في عمر أبو جهاد كان عام 1966 عاما متميزا بكل ما حفل به من مشاق ومأس ومخاطر ، ففي هذا العام بالذات فقد أبو جهاد ابنه نضال وهو لم يزل في عمر البراعم المتفتحة ، وتعرض هو شخصيا للاعتقال للمرة الثانية في حياته ، واشرف على الموت المحقق لمرتين في عام واحد ، بينما تعرضت حركة فتح نفسها ، وفي العام 1966 ذاته لواحدة من اخطر المشاكل واعقد الأزمات التي استهدفتها وكادت أن تعصف بها.

كانت سورية هي المسرح الذي شهد فصول كل هذه الأحداث الصاخبة التي مرت بأبو جهاد والثورة الفلسطينية على مدار عام 1966 وخاصة بعد أن انتقلت اغلب قيادة حركة فتح وكوادرها الأساسية إلى سورية منذ نهاية عام 1964 للإعداد لتفجير الثورة الفلسطينية المسلحة التي انطلقت في 1/1/1965.
كانت قيادة فتح منذ تأسيسها مشغولة شأنها في ذلك شأن أي ثورة وكل ثورة في السعي لتأمين قاعدة ارتكازية لانطلاقة عملها العسكري ونضالها المسلح ، وكان لابد من توافر عدد من الشروط الضرورية في هذه القاعدة ، كأن تكون أولا من الناحية المعنوية قاعدة حليفة أو صديقة ، وكأن تكون ثانيا من الناحية الجغرافية في تماس مباشر ومشترك مع حدود العدو ، وأن تكون ثالثا من الناحية العسكرية قادرة على تأمين متطلبات العمل الفدائي ومستلزماته ، وقادرة في الوقت ذاته على حماية نفسها وتحمل ردود فعل العدو العدوانية والانتقامية تجاهها.
وان تكون رابعا من الناحية السياسية منسجمة فعلا مع الشعارات القومية التي ترفعها ، وان تحترم استقلالية العمل الفلسطيني وتلتزم بعدم التدخل في شؤونه الداخلية.وكان صعبا منذ البداية ، ولا يزال صعبا حتى يومنا هذا تأمين مثل هذه القاعدة الارتكازية وتكون لها كل هذه المواصفات أو الحد الأدنى منها.
من الناحية النظرية هناك أربعة أقطار عربية مرشحة لان تلعب دور هذه القاعدة الارتكازية وهي مصر وسورية والأردن ولبنان.
في عام 1964 لم يكن هذا الخيار متاحا إلا في سورية وحدها ، كانت القيادة الجديدة هناك حريصة على التمايز مع نظام عبد الناصر في مصر بل والدخول معه في تنافس متصاعد وصل إلى حد إحراجه والبعض يقول "توريطه".
كما لعب التنافس الداخلي ما بين أجنحة القيادة السورية نفسها دورا مهما في إتاحة الفرصة أمام حركة فتح أن تبدأ انطلاقتها الأولى من الأراضي السورية بالذات.
وهكذا بدأت العمليات العسكرية الأولى لحركة فتح بموافقة ضمنية سورية بينما لم تتمتع العمليات التي انطلقت من الأردن ولبنان في الفترة نفسها بأي موافقة لا علنية ولا ضمنية.
ورغم هذا الهامش الواسع من التسهيلات التي قدمها النظام في سورية للعمل الفدائي الفلسطيني في بداياته ، والذي لم ينكره أبو جهاد أبدا ولم يتنكر له. إلا أن حركة أبو جهاد وحركة قيادة فتح على الساحة السورية كانت تشبه إلى حد كبير المشي ليلا في حقل كبير من الألغام الموقوتة .. والمتفجرة.
كان ياسر عرفات قد انتقل من الكويت إلى سورية على رأس مجموعة من قيادات وكوادر حركة فتح ، وكان أبو جهاد بدوره قد انتقل على رأس مجموعة أخرى من قيادات وكوادر فتح من الجزائر إلى سورية ، وكان طبيعيا أن ينتقل مركز ثقل الفعل والعمل والقيادة إلى حيث كان ياسر عرفات وخليل الوزير.
وقد انشغلت هذه القيادة في تلك الأيام بتصعيد العمل العسكري انطلاقا من سورية ، وبناء قواعد ارتكازية سرية أخرى خارج سورية وخاصة في الأردن ولبنان.
وداخل قطاع غزة والضفة الفلسطينية ، وبدأت كل هذه المواقع تجتذب المزيد من كوادر وأعضاء حركة فتح من جميع الساحات الأخرى العربية .. والأوروبية.
وبصدد بدايات العلاقة مع سورية يذكر أبو جهاد انه بصعود حزب البعث إلى السلطة هناك عملت قيادة فتح على إقامة صلة وعلاقة مع مجموعة من الضباط السوريين ذوي الميول القومية والتوجهات العروبية الذين كان لهم دور كبير في تسيير الأحداث هناك.
ويقول أبو جهاد "أن الصلات بيننا وبينهم تعمقت لدرجة أننا كنا على اطلاع مستمر وتفصيلي بكل ما يحدث في سورية وكانوا بدورهم على اطلاع بأننا نقوم بتشكيل الحركة”. ويضيف أبو جهاد "عندما قام الانقلاب العسكري على الانفصال في عامي 1963 و 1964 عززنا علاقتنا مع الضباط الذين وصلوا هناك إلى السلطة ، وعملنا على ترتيب استقبال السلاح القادم لنا من الجزائر ، وكان زياد الحريري حينذاك رئيسا للأركان ، وتم الاتفاق بينه وبين الرئيس بن بيلا على إرسال السلاح إلى حركة فتح ، ولكن حدث وهو في طريق العودة أن منعت طائرته من الهبوط في مطار دمشق إذ أن انقلابا كان قد حدث ضد الحكم القائم أيامها".
ثم عاود أبو جهاد مجددا اتصاله بالقيادة الجزائرية وحثها من جديد على الاتصال بالقيادتين القومية والقطرية لحزب البعث في سورية ، ونجحت حركة فتح في عام 1965 في استقبال أول شحنة أسلحة قدمت إلى سورية من الجزائر.
وتحتشد في ذاكرة أبو جهاد قائمة طويلة من أسماء القيادة السورية التي عايشت هذه الفترة وعرفها وعرفته ومنها : نور الدين الاتاسي وإبراهيم ماخوس اللذان عملا كطبيبين في الجزائر مع قوات الثورة هناك قبل أن يصعدا إلى سدة القيادة والحكم في سورية، والرئيس حافظ الأسد الذي كان رئيسا لهيئة الأركان السورية واحمد السويداني الذي خلفه في رئاسة الأركان ، ومصطفي طلاس وزير الدفاع السوري الحالي الذي كان قائدا للمنطقة العسكرية الوسطى.ومنيب المجذوب قائد الشرطة العسكرية وحكمت الشهابي وناجي جميل الذي كان قائدا لقاعدة الضمير الجوية ، والمحامي منير العبدلله .. وعشرات أخرى من الأسماء التي لمع بعضها في سماء السياسة السورية بينما هوى بعضها الآخر بفعل قانون الجاذبية الأرضية وبحكم غيره من القوانين.
ورغم ركام السنين فإن أبو جهاد احتفظ في ذاكرته وفي مكان بارز منها بأسماء اثنين من الذين عرفهم وعرفوه في سورية في تلك الفترة : "أبو ندى" أو محمد إبراهيم العلي كان اسم الرجل الأول الذي كان قائدا للحرس القومي في سورية ، وحدثنا عنه أبو جهاد وبشكل مسهب وعن الدور الذي لعبه بكل إخلاص في تقديم العديد من التسهيلات في مجالات العمل العسكري وخاصة في مجالي التسليح والتدريب ، وكان المساعد "أبو المجد" أو محمد عبد ربه هو الساعد الأيمن لابو ندى الذي أسهم عمليا وبكل الجدية والإخلاص في تقديم كل عون ممكن للعمل الفدائي الفلسطيني على الأراضي السورية.
كان أبو جهاد في عام 1965 قد وضع أسرته الصغيرة في بيروت بينما كان يعيش هو بشكل دائم في سورية ، ويتردد كل أسبوعين على بيروت لزيارة أسرته حاملا معه بعض الحلوى لولديه جهاد ونضال وما تيسر حمله من الأسلحة والمتفجرات والبيانات والمنشورات إلى الفدائيين في جنوب لبنان.


http://up4.m5zn.com/photos/00008/DUK78VLNB4CK.jpg

http://up4.m5zn.com/photos/00008/PE8P08U1KI00.jpg


وقبل نهاية عام 1965 غادر أبو جهاد بيروت في مهمة طويلة بدأها بزيارة الجزائر للالتقاء بالرئيس هواري بومدين ، ثم انتقل من هناك إلى أوروبا للإشراف على وضع التنظيم السري لحركة فتح هناك ، وتنقل أبو جهاد بين النمسا وألمانيا الغربية ويوغسلافيا والبرتغال قبل أن يعود من جديد إلى بيروت ليفاجأ بقرار ياسر عرفات بنقل أم جهاد وولديه إلى دمشق في أعقاب اعتقال الشهيد احمد الأطرش في بيروت ، وهكذا انتقل أبو جهاد وأسرته إلى دمشق ، وتحديدا إلى المنزل الكائن في منطقة ركن الدين ، الذي تشهد حجارته إن نطقت على أهم الأحداث التاريخية التي عاشها أبو جهاد ، وكل قيادات حركة فتح في تلك الفترة العصيبة والصعبة من عمر الثورة الفلسطينية.


http://up4.m5zn.com/photos/00008/2FB4ATAHNX6Q.jpg

بيت الحركة ومقرها الدائم

http://up4.m5zn.com/photos/00008/TZ8DG44NP33T.jpg


في كل مكان كان أبو جهاد يقيم فيه كان منزله يتحول على الفور إلى بيت لحركة فتح ومقر رئيسي لإقامة القيادة وعملها.حدث ذلك في الكويت ثم الجزائر وبيروت قبل أن تنتقل أسرة أبو جهاد إلى دمشق في أواخر عام 1965.
لم تكن هناك مكاتب أو مقرات علنية لحركة فتح في تلك الأيام ، وكانت كل منازل أعضاء الحركة بمثابة مكاتب ومقرات لها ، وكان أهم مركزين للقيادة في دمشق هما المسكن الذي كان يقيم فيه ياسر عرفات والشهيد أبو صبري في منطقة المزرعة في قلب دمشق ، وكان المركز الثاني هو المسكن الذي أقام فيه الأخ الشهيد أبو علي مع موسى عرفات ووليد أبو شعبان في منطقة حي زقاق الصقر ، وكان هذا المسكن عبارة عن قبو يستخدم بشكل خاص كمخزن للأسلحة والذخائر ونقطة للتوزيع إلى الخلايا الفدائية السرية لحركة فتح.
وعندما انتقلت أسرة أبو جهاد إلى منزلهما الكائن بمنطقة ركن الدين تحول هذا المنزل بدوره إلى بيت للحركة ومركز جديد للقيادة.


http://up4.m5zn.com/photos/00008/YB1MZSBO4UZN.jpg

http://up4.m5zn.com/photos/00008/BZMRJA1AZP1C.jpg

http://upload.wikimedia.org/wikipedi...موسى_عرفات.jpg
الشهيد موسى عرفات


واستقبل هذا المنزل بالذات الجزء الأكبر من أول شحنة أسلحة قدمت للثورة الفلسطينية من الجزائر ، وانتقلت صناديق الرشاشات والذخيرة إلى مستودع كبير للأسلحة .
لطالما حدثنا أبو جهاد بحميمية وحرارة لا يمكن وصفها الآن عن تلك الأيام الأولى وعن لحمة العلاقة الأخوية والتكافل والتكامل التي سادت تلك العلاقات فجعلت من فتح كلها أسرة واحدة كبيرة تستظل بذلك القانون الذي أحب أبو جهاد دائما أن يطلق عليه اسم قانون المحبة.
كان بيت أبو جهاد بهذا المعنى فهو بيت الحركة ومركز اللقاء ونقطة التجمع ولم يكن غريبا أن يلتئم في هذا البيت بالذات أول مؤتمر عام لحكة فتح والذي هو أعلى سلطة في هذه الحركة وحضره أيامها حوالي ثلاثين عضوا قياديا فحسب توافدوا إلى هذا المؤتمر من اغلب الأقطار التي كانت فتح قد أقامت فيها تنظيما سريا لها.
وفي عبارة موجزة يمكن القول بان بيت أبو جهاد كان تجسيدا للبيت الفتحاوي الواحد الكبير الذي تربت داخله أجيال متعاقبة تحت سقف قانون المحبة وعلى أرضية الأسس والمبادئ والمنطلقات نفسها التي حافظت على جوهرها .. وأصالتها.



المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:02 PM

الموت الذي طارد أبو جهاد

http://www.s2s.cc/upfiles/wrz65006.jpg

عندما بلغ نبأ استشهاد أبو جهاد لوالده الشيخ إبراهيم الوزير الذي ما زال يقيم في المنزل نفسه الكائن بدمشق في محله ركن الدين قال هذا الشيخ الجليل "كنت انتظر هذا اليوم منذ 25 عاما"
وكان أبو جهاد نفسه كثيرا ما يداعب أم جهاد بقوله "هل كنت تعتقدين أنني سأعيش معكم كل هذا العمر" وكأنما كان يستكثر على نفسه تلك الاثنتين والخمسون سنة التي عاشها بيننا.
لم يكن أبو جهاد مستخفا بالموت لكنه لم يكن خائفا منه ، بل كان دائما مستعدا دائما للقائه دونما تردد أو جزع أو وجل.
لقد عرفناه مشروعا دائما للشهادة يحرص على الوقوف في الموقع الأمامي ليضفي على مقاتليه هدوءه وحنكته ورباطة جأشه ، وكم من مرة في معركة بيروت الخالدة حاول المقاتلون رده عن مواقعهم الأمامية فأبى إلا أن يكون بينهم في اللحظات التي بلغ الخطر الداهم فيها ذروته.
في 1/8/1982 وصل أبو جهاد مع اثنين فقط من مرافقيه في تلة "الكوكودي” حيث لم يكن يفصله عن موقع القوات الإسرائيلية المهاجمة سوى بضعه أمتار فقط، وفي يوم 4/8/1982 وصل أبو جهاد إلى سور ميدان سباق الخيل ليشرف من هناك على المعركة البطولية التي قادها المقاتل الفلسطيني البطل المقدم عطية عوض مع الفدائيين الفلسطينيين ويصد تلك المحاولات الإسرائيلية الكثيفة لاختراق محور بوابة المتحف وأمام شراسة هذه المعركة اضطر العدو الإسرائيلي لأول مرة في كل تاريخه لأن يذيع بيانا عسكريا يقول فيه بالحرف الواحد : "نجحت القوات الإسرائيلية في التقدم على محور بوابة المتحف مسافة عشرة أمتار".
ويذكر الجميع انه مع اشتداد المعارك وتضارب المعلومات حول نتائجها جاء صوت أبو جهاد الذي تحفظه أذان كل المقاتلين ليحسم صورة الموقف العسكري لمعركة المتحف ومن قلب المعركة نفسها.
كم من مرة طارد الموت أبو جهاد بل كم من مرة طارد أبو الجهاد الموت وكان في الحالتين يبدو مشرقا كعريس متهلل في ليلة حنائه.
في كل عام كان يمكن لنا أن نحصي عدد المرات التي اشرف فيها أبو جهاد على الموت المحقق ولم تجزع نفسه ولا ترجل من على صهوة جواد الخطر الذي اعتلاه كفارس عربي أصيل ونبيل.
في عام 1966 طارده الموت مرتين قال أبو جهاد عن الأولى منها : "كان التدريب على السلاح احد الشروط الأساسية للعضوية في حركة فتح ولم يكن هناك من يستثنى من هذا الشرط ، وفي مطلع عام 1966 ، وردت إلى الثورة الفلسطينية شحنة جديدة من القنابل اليدوية فقرر أبو جهاد أن يصطحب معه الشهيد أبو صبري والمختار بعباع للتدريب على استخدام هذا النوع الجديد من القنابل . وكان على الثلاثة أن يقذفوا على التوالي بهذه القنبلة الجديدة من داخل حفرة خاصة أعدت في احد حقول الرماية العسكرية وكان المساعد "أبو المجد" يشرف على هذه الحصة التدريبية.
وعندما جاء دور الشهيد أبو صبري لإلقاء القنبلة تصادف أن زلت قدمه فاختل توازنه وسقطت القنبلة من يده داخل الحفرة نفسها بعد أن جذب أمانها.حكى لنا أبو جهاد عن تلك الثواني العصيبة التي كان ينتظر كل واحد فيها أن يمزق دوي انفجار القنبلة جسده وهذا الصمت الثقيل الذي أطبق على المكان.لكن إرادة الله شاءت يومها أن تنحشر القنبلة بين حجرين فتعطل انفجارها لعدة لحظات كانت كافية لخروج الثلاثة من الحفرة ونجاتهم من الموت قبل أن تنفجر القنبلة وتتناثر شظاياها القاتلة في محيط حفرة التدريب ".
وضحك أبو جهاد طويلا وهو يروي لنا الحادثة الثانية التي أشرف فيها للمرة الثانية على الموت المحقق في عام 1966 نفسه فقد كان مصحوبا في هذه المرة أيضا بالشهيد أبو صبري وقد خرجا معا من دمشق في سيارة صغيرة من طراز "فولكس واجن" لنقل كمية من الأسلحة والذخائر والمتفجرات والألغام إلى المستودعات السرية لحركة فتح في محافظة درعا ، كانت السيارة الصغيرة تنوء بهذا الحمل الكبير ، وحدث وان انقلبت السيارة بالفعل على جسر في منطقة تدعى الشيخ مسكين ، وأطل من جديد شبح الموت ، وتدخلت إرادة الله مرة أخرى لتعطل بأعجوبة انفجار شحنة الأسلحة في السيارة المقلوبة واقتصر الأمر يومها على شج طويل وعميق في رأس أبو جهاد واضطر معه الطبيب الذي عالجه لإجراء سبعة قطب في رأسه للئم الجرح ووقف النزيف.
لكن الموت الذي طارد أبو جهاد وافلت منه مرتين نجح في المرة الثالثة وفي عام 1966 نفسه في اقتناص ابنه نضال وبعد ثلاث سنوات أخرى في اقتناص الشهيد القائد أبو صبري بعد أن أعطى الثورة زهرة شبابه ورحيق عمره وكل جهده وفكره وعقله ، وكان قائدا تاريخيا من قيادات فتح وقوات العاصفة.


الطريق إلى الأزمة العاصفة

http://www.s2s.cc/upfiles/W1v64862.jpg


شهد عام 1966 واحدة من اخطر الأزمات التي كادت أن تعصف بحركة فتح وتفتك بقوات العاصفة ، وفي تقديرنا أن الوقت لم يحن بعد للكشف عن كافة أسرار ودقائق أزمة 9/5/1966 ورغم تشابك وتعقيدات هذه الأزمة فإن جذورها الحقيقة تكمن في الصراع ما بين الخط الوطني المستقل وبين القوى الأخرى التي لا تقبل بالتعايش مع هذا الخط.
كانت مصالح وأهداف حركة فتح قد تقاطعت مع القيادة الجديدة لحزب البعث في الفترة ما بين عامي 65 - 1967 وقد أدت حالة التقاطع هذه إلى دخول عدد من الكوادر ذات الانتماء البعثي إلى جسم فتح إلى داخل هيكلها السياسي وجناحها العسكري كان البعض منها مدفوعا بمشاعره الفلسطينية الوطنية المخلصة ، بينما كان البعض الآخر منها مدفوعا من قبل الأجهزة والأجنحة البعثية التي لم تكن تقبل التعايش مع فكرة استقلالية العمل الوطني الفلسطيني.
كانت المعلومات الضافية التي تضمنها كتاب "مشاعل الثورة على دروب العودة" عن حصاد النضال الفلسطيني في عام 1965 تؤكد أن قوات العاصفة قد نفذت في عام 1965 ، 146 عملية فدائية وكانت تباشير عام 1966 تنبأ بتضاعف هذه العمليات وتصاعدها وتطورها كميا ونوعيا.
وكان ذلك من ابرز الأسباب التي حركت دوافع أزمة 9/5/1966.
على صعيد آخر شهد العمل التنظيمي لحركة فتح تطورا مهما بعد أن ترأس أبو جهاد أول لجنة تنظيمية لحركة فتح في إقليم سورية، وكانت تضم في مطلع عام 1966 الأخوة : الشهيد أبو صبري ، وعبد الكريم العكلوك ، وجهاد القراشولي ، وعلى الكردي ، وعدنان أبو عمشه ، وزكريا عبد الرحيم ، وصلاح الزواوي ، فضلا عن الأخوة محمود الخالدي ومحمود فلاحة وحسام الخطيب الذين كانوا أعضاء في تشكيل اللجنة المركزية لحركة فتح في تلك الفترة وحتى أزمة 9/5/1966.
كان الجهد السياسي والتنظيمي الذي بذله أبو جهاد وكوادر هذه اللجنة قد أحرز العديد من النجاحات الباهرة في صفوف الجماهير الفلسطينية في مخيمات سورية ، كما اكتسب العديد من المناصرين والأصدقاء لحركة فتح من بين صفوف حزب البعث الحاكم نفسه ، وكان ذلك سببا آخر في تحريك دوافع الأزمة. وهكذا أدى تصاعد العمل الفدائي الفلسطيني واتساعه إلى دود فعل عدوانية انتقامية متصاعدة من قبل العدو الإسرائيلي على سورية ، وأدى اتساع العمل السياسي والتنظيمي إلى تثبيت ركائز حركة فتح جماهيريا وبدا أن مركز ثقل الحركة وقيادتها بصدد الانتقال إلى قيادة حركة فتح على الساحة السورية.
وحدث في تلك الفترة أن تقاطعت في مواجهه ذلك كله بعض النيات الوطنية الفلسطينية الحسنة مع دوافع ومصالح بعض الأجنحة البعثية في سورية لتلقي مزيدا من الحطب تحت مرجل الأزمة فيتأجج جمرها وتسخن حرارتها.
كان النمو المتصاعد لحركة فتح عسكريا وتنظيميا وسياسيا قد دفع بعض الأجهزة في سورية لتشكيل تنظيم فلسطيني خرج من عباءتها على يد عدد من الضباط الفلسطينيين في الجيش السوري كان من أبرزهم احمد جبريل وجرى دفع الأمور باتجاه توحيد هذه الجبهة التي أطلق عليها أيامها اسم جبهة التحرير الشعبية مع حركة فتح بهدف احتوائها أو اختراقها.
وتشكلت لبحث مسائل هذه الوحدة ثلاث لجان : عسكرية وتنظيمية وسياسية ، وتمخض الأمر في النهاية عن اتفاق جرى بمقتضاه ضم كل من الضابط احمد جبريل وعلي بوشناق إلى قيادة حركة فتح غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلا وجرى تفكيك هذه الوحدة الهشة في شهر ابريل (نيسان) من عام 1966.
لكن الضغوط لم تكن قد انتهت ووصل الأمر إلى حد إقدام مجموعات من جبهة احمد جبريل وبدعم من أجنحة في المخابرات السورية على اعتقال الفدائيين الفلسطينيين أثناء عودتهم من العمليات العسكرية التي ينفذونها ضد أهداف العدو الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة.
وفي يوم 11/4/1966 أقدمت هذه الجماعات على اختطاف الشهيد محمد حشمة "أبو القاسم” وهو عائد على رأس مجموعته الفدائية من تنفيذ عملية عسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية في منطقة الحمة الفلسطينية المحتلة ولم يشفع له عند خاطفيه انه كان مجروحا في ساقه برصاص العدو الإسرائيلي.
وأجرى أبو جهاد والقيادة الفلسطينية اتصالات مكثفة للإفراج فورا عن الشهيد محمد حشمة ، وأفلحت هذه المساعي أخيرا وأفرج عنه وهو يحمل في جسده أثار الضرب من تعذيب "الأخوة" وآلام الجرح من رصاص الأعداء.
وشهدت الفترة نفسها محاولة أخرى لتوحيد الجبهة الثورية لتحرير فلسطين مع حركة فتح وبنتيجة الحوارات عين النقيب يوسف عرابي وهو ضابط فلسطيني في الجيش السوري في المكتب العسكري الموحد لفتح وهذه الجبهة وعين محمد زهدي النشاشيبي في القيادة السياسية.
لكن الأمور مع ذلك لم تهدأ فقد كانت هناك أطراف عديدة تعمل جاهدة على تسخين حرارة الأزمة ودفع الأمور بشكل متسارع باتجاه التفجير والانفجار ، وهكذا وصلت الأزمة ذروتها ودخلت المؤامرة إلى اخطر مراحلها.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:03 PM

أبو جهاد بين حب الكتابة .. وعشق السلاح

http://up4.m5zn.com/photos/00008/KFZEJ57BNDDZ.jpg

أوراق أبو جهاد الخاصة التي كتبها بنفسه .. ولنفسه تلقي مزيد من الضوء على علاقته الحميمة بالكتابة التي لازمته منذ كان صبيا في الثانية عشرة من عمره يوم كانت آلة التصوير هي أول الأشياء التي أحب اقتنائها رغم أن وضعه الأسري والاقتصادي لم يكن يسمح له في تلك الفترة بهذا النوع من "الترف" لكنه اقتصد من قروشه القليلة ليقتني هذه الكاميرا ، ربما ليشبع هوايته في التسجيل التي لازمته طوال حياته ، وان تعددت الوسائل والأدوات التي استخدمها لاحقا في عملية التسجيل هذه. ومن حسن الحظ أنه احتفظ في أوراقه الخاصة بالصور الأولى التي التقطها بكاميرته ، وهي تكشف اهتمامه المبكر بقضية شعبه ، فقد حمل آلة التصوير إلى المخيمات والتقط صورا لحالة اللاجئين البائسة ، وعندما حصل على شهادة الإعدادية وانتقل أولا إلى مدرسة الإمام الشافعي ومنها إلى مدرسة فلسطين الثانوية استخدم الصور التي كان يلتقطها مع المقال السياسي في تحرير مجلات الحائط المدرسة التي كانت تحمل في مطلع عام 1953 أفكاره الحماسية الأولى عن مأساة شعبه وعن عدالة قضيته التي نذر نفسه من أجل انتصارها.


http://up4.m5zn.com/photos/00008/PQEYMROZ2Q7V.jpg


ومع بروز شخصيته القيادية جرى انتخابه كرئيس لاتحاد طلبة مدرسة فلسطين الثانوية في قطاع غزة واستخدم هذا الموقع الجديد في توسيع شبكة علاقاته داخل إطار المدرسة وخارجها ولم ينقطع عن تحرير المقالات السياسية لمجلات الحائط والتقاط الصور التذكارية للأحداث الهامة التي شهدتها غزة في هذه الفترة.
ويذكر أبوجهاد حادثة رفع الأعلام الفلسطينية فوق سارية مدرسة فلسطين الثانوية وسائر مدارس قطاع غزة ويذكر أيضا أن الأستاذ فتحي البلعاوي كان قد لعب دورا وطنيا بارزا في هذه المرحلة ، وخاصة في اليوم الوطني الذي رفعت فيه الأعلام الفلسطينية فوق المدارس ، ولم يفت أبوجهاد أن يلتقط صورا تذكارية لهذا المشهد الوطني التاريخي.
ومن المفارقات الغريبة في شخصية أبوجهاد أن هذا العمل الإعلامي والنشاط النقابي والسياسي العلني الذي أظهره منذ صباه كان قد اقترن في الوقت نفسه بقدرة فذة على إتقان العمل السري واحتراف العمل التنظيمي في ظروف السرية.
وعندما تلقى أبوجهاد تدريباته العسكرية الأولى بشكل سري وهو في سن مبكرة جدا بدأ عشقه الجديد للسلاح والرصاص وغالب حبه القديم للقلم والكاميرا ولم يستمر هذا الصراع طويلا فكانت الغلبة أخيرا للرصاص على القلم ، وللغة الدم على الكتابة بالحبر.
ويذكر أبوجهاد أنه تصادف في هذه المرحلة أن أرسلت السلطات المصرية إلى مدرسة فلسطين الثانوية عددا من المدرسين من بينهم الأستاذ "صلاح البنا" الذي شارك كمتطوع في حرب 1948 والأستاذ "محمد فودة" الذي كان هو الأخر خبرة عسكرية في القتال وأعمال المقاومة المسلحة ، وقد أسرع ابوجهاد بتوطيد العلاقة معهما ، واستفاد كثيرا من المعلومات العسكرية التي تلقاها منهما في تلك الأيام.
وكم كان أبو جهاد وفيا كعادته لذكرى هؤلاء الذين ساعدوه في بداياته الأولى ولم يبخلوا عليه بخبرتهم العسكرية والعملية ففي عام 1985 كان ابوجهاد مارا بالقاهرة وكان من بين مستقبليه عددا من كبار رجالات الدولة المصرية ، وانفتح ملف الذكريات فسأل أبوجهاد بحرارة عن أستاذيه "صلاح البنا" و "محمد فودة" وذكرهما بكل خير. ورغم تراجع العمل الإعلامي العلني لأبوجهاد لصالح العمل التنظيمي العسكري السري ، إلا أنه لم يهجر أبدا حبه للكتابة لا في تلك الأيام ولا في أي مرحلة لاحقه من مراحل عمره.
ورغم هذا الحب الجارف للكتابة فإنه أبدا لم يدع احترافه لها ولم يصنف نفسه ككاتب أو مؤرخ محترف أو منظر سياسي.
لكنه حافظ مع ذلك على خصوصية علاقته بالكتابة التي لم ينقطع عنها وظل يحوم حولها كالعاشقين ويختلسها من حين لآخر كالقبلات المحرمة ويبثها في هدئة الليل وسكونه وانفعالاته وشجونه التي قمعها واختزنها داخله طوال يومه ليمنح الآخرين الثقة والتفاؤل والأمل الذي كان يفيض منه.
ولم تقتصر علاقة أبوجهاد على حب الكتابة بل تجاوزها بروحه المعطاءة غير الأنانية ، إلى حب الكتاب والأدباء والمثقفين واحتضانهم وتشجيعهم ورعايتهم.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:04 PM

ورغم انحياز أبوجهاد،بحكم مهماته التاريخية إلى الأدب السياسي والثوري إلا أنه كان أيضا راعيا لعشرات المشاريع الثقافية والفنية والأدبية التي لم يكن يلزمها أبدا بأي قيد أو يفرض عليها أي شرط سوى حريتها في الاختيار والإبداع والتألق.
على صعيده الشخصي كان أبوجهاد قد بدأ مساهماته في الكتابة بمجلات الحائط المدرسية في الفترة مابين 1953-1955 وتطور الأمر إلى كتابة المنشورات السياسية السرية وتوزيعها في قطاع غزة ، ومن ثم ساهم بشكل فعال مع إخوانه في صياغة المنطلقات الأساسية والأدبيات السياسية الأولى لحركة فتح بدءا من عام 1957 ، وبلغت مساهمتاه الذروة في أكتوبر(تشرين الأول من عام 1959 عندما أسهم في تأسيس مجلة فلسطيننا-نداء الحياة" التي كانت تصدر من بيروت شهريا ويشرف عليها الأستاذ "توفيق حوري" وكانت افتتاحيتها تعبر في هذه الفترة عن موقف حركة فتح قبل الانطلاقة في 1/1/1965 وقد لعبت هذه المجلة دورا مميزا كداعية ومحرض ومنظم رئيسي لحركة فتح وسنرى كيف أن أبو جهاد اعتبر هذه المجلة بمثابة احد ركيزتين أساسيتين كان لهما دور بارز في تأسيس وانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح وفي تثقيف أعداد كبيرة من شباب هذه المرحلة.
وعندما أصبح أبو جهاد أول محترف ثوري فلسطيني في التاريخ المعاصر بتوليه مسؤولية قيادة مكتب فلسطين في الجزائر منذ عام 1963 وحتى عام 1965 كان من بين المهام الأولى التي اعتنى بها هناك ، إصدار عدد من النشرات السياسية حملت واحدة منها اسم "صرخة فلسطيننا" والأخرى "أخبار فلسطيننا" فضلا عن كتابته لعدد من المحاضرات والبيانات والبرامج السياسية.
وواصل أبو جهاد بعدها علاقته بالكتابة ، وتأسيس الدوريات والمجلات والنشريات والكتب ، وفي عام 1965 كان وراء انجاز مشروع أول كتاب لحركة فتح صدر في نهاية هذا العام وهو يحمل اسم "مشاعل الثورة على دروب العودة".
ثم أسهم في تأسيس "نشرة صوت العاصفة" التي كانت تنطق باسم القيادة العامة لقوات العاصفة الجناح العسكري لحركة فتح ، ثم أسس مجلة "فلسطين المحتلة" التي كانت المصدر الإعلامي الأساسي لمتابعة الأوضاع داخل المحتلة ، ثم أسس أول مجلة عسكرية متخصصة حملت اسم "المعركة" وأصر أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 على إطلاق اسم المعركة على الجريدة اليومية التي كانت تصدر في بيروت تحت الحصار.
وكان قد أسس قبلها أول قسم خاص بالمعلومات عن العدو الإسرائيلي وكان يصدر نشرة دورة باسم "تقرير الدراسات الشهري" كما احتضن عشرات المشاريع ومنها مشروع "دار الجليل للدارسات والنشر" و "دار الكلمة" ومجلة "الفهرست" و "الملف" و الكتاب الشهري للأرض المحتلة و "وقائع وأحداث".
وعشرات أخرى من مراكز الدراسات والمجلات والدوريات والنشرات.
كما قدم دعمه لعشرات النشرات الخاصة بحركات التحرر التي صدرت بلغاتها الخاصة واحتضن المجموعات المستقلة من السياسيين والمفكرين والأدباء العرب.


http://up3.m5zn.com/get-4-2008-6wfiydzbngt.jpg

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-1olti5aae35.jpg

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-naibhpkd2pa.jpg

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-h89v8kindjc.jpg


وعلى صعيد آخر ، كانت القيادة الإسرائيلية وعدد من الخبراء والمحللين الإسرائيليين قد اتهموا أبو جهاد بإشرافه المباشر على مؤسسات الصحافة الوطنية الفلسطينية في الأرض المحتلة وعلى مراكز الدراسات ومكاتب الخدمات الصحافية هناك.وقد أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إغلاق عدد كبير منها بدعوة اتصالها بابو جهاد وعلاقتها بحركة فتح وبالثورة الفلسطينية.
وما تزال القائمة طويلة ولا يمكن الإحاطة بكل مساهمات أبو جهاد في هذا المجال .
كل ما يمكن قوله أخيرا هنا هو أن أبو جهاد تعامل مع فعل الكتابة نفسه بتقدير كبيرة وبحب شديد يليق بقداسة الكلمة نفسها وبقائد تاريخي له هذه النظرية الكلية الشاملة.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:05 PM

الوطني .. والديني في تجربة أبوجهاد الأولى

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-kl8z39yokq4.jpg

لم يتحدث أبوجهاد كثيرا عن بدايات تجربته السياسية وتصرف كمن أراد أن يغلق جرحا قديما اندمل في ذاكرته . لكنه ليس بمقدور أحد أن يهرب من تاريخه حتى ولو كان هذا التاريخ مجرد مرحلة عابرة أو محطة قصيرة تخطتها الأيام .. ولفها النسيان.
ما لم يذكره أبوجهاد أن بداية تجربة الفتى خليل الوزير ارتبطت بحركة الأخوان المسلمين في غزة ، شانه في ذلك شأن الأغلبية من أبناء جيله التي تفتح وعيها على الدور الذي لعبه المتطوعون من الإخوان المسلمين في الجبهة الجنوبية.
وكانت صورة الفدائي التي ارتبطت بهؤلاء المتطوعين تلهب حماس الشبيبة الطالعة وتشكل القدوة والمثل الأعلى الذي يتوق له كل الفتية في هذه المرحلة العمرية بالذات.
وكان انتساب الشباب لحركة الأخوان المسلمين في غزة في تلك الفترة يتراوح في دوافعه بين العامل الديني العقيدي ، وبين العامل الوطني السياسي ، والبعض انتسب إلى هذه الحركة بمزيج من الدافعين معا.
- كانت حركة الأخوان المسلمين في غزة فضلا عن رصيدها الوطني الذي استثمرته من دور الفدائيين في حرب 1948 قد اكتسبت مزيدا من التعاطف والتأييد الشعبي بعد قرار السلطة في مصر بحل جماعة الأخوان الذي صدر في عام 1949 ، وكانت هذه الحركة تلتقي من حيث تاريخها وموقفها السياسي المعلن من القضية الفلسطينية مع طموحات الأغلبية الفلسطينية في غزة وخاصة الشباب منهم ، في مواجهة الحركة الشيوعية في غزة التي ارتبطت مواقفها السياسية منذ البداية بتأييد قرار تقسيم فلسطين ومعارضة فكرة المقاومة والكفاح المسلح ، وإغفال الحديث عن حق العودة.
وكان الإغراء الأكبر بالنسبة لخليل الوزير وجيله من الشباب يتمثل في منهج التربية الذي تميزت به هذه الحركة ، وبشكل خلص التدريبات على أعمال الكشافة .. والفتوة .. والتدريب العسكري على السلاح.
- وفي مقابلة خاصة مع واحد من الذين عاشوا تجربة أبوجهاد الأولى قال :" إن انتمائنا إلى حركة الأخوان المسلمين في هذه المرحلة كان على أساس الأولويات التي حددتها توجهات هذه الحركة والذي كان يقول فلسطين أولا".
واستطرد قائلا:"عندما دعاني خليل الوزير للانضمام معه إلى الأخوان قال لي نحن نتدرب عندهم على السلاح وهم يقولون أن فلسطين هي قضيتهم الأولى .. وهكذا فهمت على الفور أن فلسطين هي البوصلة التي تحدد توجهنا وموقفنا .. وانتمائنا".
ولم يتنكر أبوجهاد أبدا للفائدة الكبيرة التي جناها من الفترة القصيرة التي خاض فيها تجربته الأولى .. والأخيرة للعمل الحزبي ، وخاصة في مجال الخبرة التنظيمية والتدريب العسكري على السلاح.كانت قيادة الحركة في غزة في هذه الفترة قد توسمت في خليل الوزير صفات القائد مما جعلها تضاعف من اهتمامها وعنايتها الخاصة به وأتاح له ذلك فرصة متميزة لتلقي تدريبات متقدمة على السلاح والمتفجرات وفنون القتال والعمل العسكري.
وكانت الحركة في هذه المرحلة تنظر إلى الفتى خليل الوزير باعتباره أحد قادتها في المستقبل المنظور ، وبدا وكأن خليل الوزير يؤهل نفسه فعلا لتسلم هذه المهمة.
لكن ما لم تكن تعلمه حركة الأخوان في غزة أيامها أن خليل الوزير كان ناشطا في تأسيس تنظيمه السري الأول داخل الحركة وبدون علمها وأنه كتم عن الجميع أسرار هذا التنظيم الصغير حتى على أقرب الناس إليه.
لكن الأمور تطورت بسرعة متلاحقة خلال عام واحد فقط في الاتجاه نحو القطيعة ما بين مجموعات كبيرة من الشباب وعلى رأسهم خليل الوزير ، وبين حركة الأخوان المسلمين في غزة.
كانت هذه الحركة امتدادا لتنظيم الأخوان في مصر ،وكان مايحدث هناك يجد انعكاسه،وصداه السريع في غزة.
لذلك عندما تبدل موقف النظام المصري من حركة الأخوان هناك في أعقاب ما عرف باسم محاولة اغتيال جمال عبد الناصر التي جرت في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954 ، سرعان ما انعكس ذلك على الموقف السياسي لفرع الحركة في غزة ، خاصة بعد أن أعادت هذه الحركة في مصر ترتيب أولوياتها بحيث تراجعت فلسطين عن موقع الصدارة في هذه الأولويات وحل محلها الصراع بين الأخوان والسلطة في مصر.
وهكذا وضع هذا التنظيم بنفسه حدا نهائيا لإمكانية استمرار مجموعات كبيرة من الشباب في عضويته ولم يتردد خليل الوزير بحسم قراره بالخروج لأنه كان يؤمن دائما بان فلسطين يجب أن تبقى أولا .. ثم أولا.
- لعب الشيخ هاشم الخزندار دورا بارزا في الحياة السياسية لقطاع غزة في فترة الخمسينات ، وبالرغم من كونه رجل دين معمم إلا أنه بحكم طباعه وتركيبة شخصيته كان أقرب إلى المحرض السياسي الذي يتزعم المظاهرات ويعتلي الأكتاف ،ويردد الهتافات والشعارات.


http://up3.m5zn.com/get-4-2008-8gzb7g7vici.jpg



- كانت قيادة الشارع الوطني في غزة في الخمسينات معقودة للأستاذ فتحي البلعاوي وللمرحوم الشاعر معين بسيسو وكان الشيخ الخزندار يساهم بدوره في هذا النشاط الوطني العلني ، ويبدو قريبا من جيل الشباب رغم أن عمره وقتها كان ضعفي عمر خليل الوزير وربما اكر من ذلك بكثير.
وكان الشيخ هاشم سباقا لاحتضان جيل الشباب الوطني ، دون أن يحاول فرض وصايته الأبوية عليهم ، وقدم من ماله دعما ملموسا لهم وخاصة للمجموعات الفدائية السرية التي كان يقودها خليل الوزير ، دون أن يقحم نفسه في تفاصيل العمل أو تنفيذ العمليات.
- وعندما نشب الخلاف في عام 1954 بين خليل الوزير و مجموعات الشباب من جهة ، وبين قيادة حركة الأخوان في غزة من الجهة الأخرى ، لم يتردد الشيخ هاشم في الوقوف بحزم إلى جانب صف الشباب ، والتزم معهم بالشعار الذي رفعوه فلسطين أولا.
وترجم الشيخ هاشم موقفه هذا بصورة عملية عندما قرر أن يسلم السلاح الذي كان يخبئه في معمل البلاط الذي كان يملكه في غزة لخليل الوزير ومجموعته ، كما سلمهم وقتها مبلغ ثمانية عشر جنيها كانت بعهدته وهو مبلغ لا يستهان به في تلك الفترة أسهم في شراء السلاح والمتفجرات التي نفذت بها مجموعات خليل الوزير الأولى عملياتها الفدائية في الفترة ما بين عامي1954-1955.
وبعد حوالي ربع قرن كامل اغتيل الشيخ هاشم في غزة ومضى وقتها دون أن يتذكر احد دوره الوطني القديم.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:05 PM

حكاية خليل الوزير .. و علال محمد

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-nvlemp2e3ga.jpg

في فترة وجود خليل الوزير على رأس العمل في الجزائر ، كان من الوجهة النظرية لايزال يعمل بالتدريس في الكويت. وربما كان ذلك احد الأسباب إلى جانب أسباب أخرى ، التي دفعته أيامها للعمل في الجزائر تحت أسماء أخرى كان أولها اسم "علال محمد" ثم أصبح فيما بعد "محمد خليل" ، ولكن ما إن وضعت انتصار الوزير ابنهما البكر جهاد في غزة حتى حمل خليل الوزير لقب "أبوجهاد".
في الفترة الأولى لوجوده في الجزائر حرص خليل الوزير على أن يتحرك باسم علال محمد ، وتصادف أن التقاه أحد الشباب القادمين من غزة للعمل في الجزائر ، وتعرف عليه ، ولما لم يكن أبوجهاد يعرف الشاب أصر أمامه على أنه علال محمد وليس خليل الوزير ، فأرسل هذا الشاب مكتوبا إلى أهله في قطاع غزة وأعلمهم فيه أن خليل الوزير موجود في الجزائر وأنه أنكر نفسه وتحول هناك إلى شخص جزائري يحمل اسم علال محمد!!
ولما واجهت أسرته في غزة انتصار الوزير بما جاء في رسالة ابنهم ضحكت كثيرا في قلبها لكنها أنكرت ذلك وأصرت على أن زوجها خليل الوزير لايزال يعمل بالتدريس في الكويت وأن لاعلاقة له البتة بالشخص المدعو علال محمد.
وما إن وصلت انتصار الوزير إلى الجزائر عن طريق القاهرة مع وليدها "جهاد" حتى وضعت حدا لهذه الازدواجية واستقر اسم خليل الوزير منذ ذلك التاريخ على لقب "أبوجهاد" الذي كان متطابقا مع دوره وصفاته التي عرف بها كأب حقيقي للجهاد.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:06 PM

شريكة النضال .. أم جهاد


http://up3.m5zn.com/get-4-2008-bipvrt11isa.jpg


كانت الطالبة انتصار الوزير قد انتمت إلى حركة فتح قبل أن تقترن بابن عمها خليل الوزير ، ولم يكن هو الذي دعاها للانتظام بالحركة رغم أنه ابن عمها والأخ الأكبر لشقيقه غالب الذي اقترن بأختها.كان احد مدرسيها في غزة هو الذي فاتحها في الحديث عن حركة فتح بعد أن أعطاها أحد أعداد مجلة "فلسطيننا" وكان قد لاحظ حماسها واندفاعها الوطني رغم حداثة سنها ، وفي احد الأيام رتب لها هذا المدرس لقاء مع احد قادة حركة فتح القادمين من خارج قطاع غزة.
وكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة لها أن هذا القائد لم يكن سوى خليل الوزير نفسه ، وانتابتها في هذه اللحظة مشاعر فياضة هي مزيج من الفرحة العارمة والعتب الرقيق على ابن عمها الذي أخفى عنها حتى تلك اللحظة علاقته بحركة فتح.
كان خليل الوزير مشهورا بين زملائه بعزوفه عن الزواج حتى أن صديقه أبو هشام الملقب بفتى الثورة كان قد خلع عليه لقب "أمير العزاب" لكن خليل الوزير سرعان ما فقد هذه الإمارة وفضل عليها الوقوع في أسر القفص الذهبي شريكا لانتصار الوزير التي لعبت دورا أساسيا في حياته ومسيرته بل وفي مسيرة حركة فتح نفسها.
كانت انتصار قد رافقته إلى الكويت أولا ، وكان بيتهما هناك هو "المقر" الأول غير الرسمي لحركة فتح ، وعندما تقرر أن يتفرغ خليل الوزير لقيادة العمل في الجزائر سافرت هي إلى غزة حيث وضعت مولودها الأول جهاد ، وما لبثت أن قررت الالتحاق مجددا بأبوجهاد في الجزائر.


http://up3.m5zn.com/get-4-2008-9ln1trmmaam.jpg


كانت الحياة هناك أكثر من شاقة ، إذ لم تكن هناك أية موارد خارجية سوى الدخل المتواضع لأم جهاد نفسها الذي كانت تتقاضاه من عملها في التدريس.وكان عدد من قيادات حركة فتح في هذه الفترة دون عمل ، ولم يكن بينهم من يملك أي دخل خاص يعين على تحمل النفقات المتزايدة لعمل المكتب ونشاطه الذي تطلب تفرغ عدد من الشباب للقيام به. وكانت الأغلبية من الشباب في هذه الفترة لا تفتقد إلى المال فحسب وإنما أيضا للحياة الأسرية والاجتماعية، وهكذا لعبت أسرة أبو جهاد الصغيرة ، وأم جهاد على وجه خاص دورا مشهودا في الحياة السياسية والاجتماعية لحركة فتح في الجزائر في تلك الفترة.
كان الوضع هناك قد تجاوز التقشف إلى حدود الكفاف حتى أن البعض من الكوادر كان لا يغادر غرفته في الصباح في الفنادق الصغيرة التي يعيشون بها حتى لايكون مضطرا لتناول وجبة الإفطار وكانت الغالبية من الشباب تكتفي بوجبة واحدة متواضعة جدا في مطعم "الجمال" الذي كان يديره شخص جزائري من القبائل طيب المعشر توطدت العلاقة بينه وبين "سي خليل الوزير" وأغلب كوادر فتح في تلك الفترة نتيجة ترددهم الطويل عليه والتسهيلات التي كان يوفرها لهم في دفع الحساب.
وكانت الوجبات الفلسطينية الساخنة التي تعدها أم جهاد بنفسها للشباب بين وقت وآخر بمثابة امتياز حقيقي يقابل بالاحتفاء والاحتفال باعتباره غذاء معنويا أكثر منه غذاء مادي.كانت أم جهاد تعمل في المدرسة وفي المنزل وفي المكتب، وكان عليها أن تقوم بالطباعة على الآلة الكاتبة، وإعداد "حريرة" الطباعة وكثيرا ما قامت بعملية السحب على ماكينات "الرينو" البدائية.
وستبقى الرواية الإنسانية لهذه الفترة أحد الملاحم الحقيقية التي تشهد للروح الجماعية الخلاقة التي أبدعها النضال الإنساني لهذا الجيل وهو يتحلى بنكران الذات والتواضع والتضحية من أجل الوطن وكل المثل التي يعليها الإنسان.
وليس هناك من هو أفضل وأحق من انتصار الوزير نفسها لكي تضع هذه الملحمة الإنسانية في عهدة الأجيال الجديدة الطالعة ، باعتبارها زادا لا ينفذ من التجربة الثورية والإنسانية لجيل القيادة التاريخية الأول للثورة الفلسطينية ولحركة فتح .
كان أبو جهاد قد أعطى وصفا موجزا لهذه المرحلة عندما قال:"دون أية مبالغة أقول أننا جميعا أعضاء فتح في الجزائر كنا نعيش عيش الكفاف ، فكنت مثلا أقيم مع أم جهاد وجهاد في غرفة على سطح مكتبنا ، وأقل ما يقال بشأن هذه الغرفة أنها فعلا لم تكن صالحة للسكن ، وقد ولدت أم جهاد ابننا نضال ونحن في هذه الغرفة ، فأصبحنا أربعة أشخاص في غرفة واحدة.
كانت أم جهاد تخرج إلى مدرستها في الخامسة صباحا فتستخدم ثلاث مواصلات كي تصل إلى مكان عملها وتفعل الأمر نفسه بالعودة. وكان راتبها هو مصروفنا الشهري ، وهو لم يكن يصرف علينا فقط بل ربما على 12 شخصا آخر ، فقد كان هناك الشهيد أبوصبري ، والشهيد أبوعلي إياد، والأخ عبد الكريم العكلوك واحمد عقل ، ووجيه حسن واحمد وافي وغيرهم ، وعند الظهر يتعاون الجميع في إطار جماعي تضامني متقشف إلى أبعد الحدود. كنا مزدحمين بالعمل وبالحوافز على النشاط في كل اتجاه من اجل تعبيد الطريق الصعب والمرير إلى فلسطين.


المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:10 PM

آخر حديث صحفي للقائد أبو جهــــــــــاد

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-u6f028kjgc9.jpg


أجرت صحيفة الأنباء الكويتية حديثاً مع الأخ أبو جهاد قبل استشهاده بأيام وقد نشرته الصحيفة يوم 17/04/1988 بعد يوم واحد من اغتيال القائد الرمز أبو جهاد.

الأنباء: مع تصاعد الانتفاضة واستمرارها البطولي، هناك تساؤل حول علاقة منظمة التحرير الفلسطينية مع الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة، خاصة في غزة، ما مدى هذه العلاقات؟
أبو جهاد: يجب التأكيد أولاً أن الانتفاضة الوطنية الكبرى في الأرضي المحتلة هي انتفاضة كل الشعب الفلسطيني بكل فئاته العمرية وبكل شرائحه الاجتماعية وقواه واتجاهاته السياسية، إذ لا يوجد بيت واحد في فلسطين المحتلة لم يقدم شهيداً أو جريحاً أو أسيراً أو معتقلاً، ورصاص جيش الاحتلال يوجه إلى صدور الجميع بلا استثناء ولا تفرقة وتمييز. ومن الطبيعي أن تشارك كل القوى في هذه الانتفاضة الكبرى.
والتيار الديني هو بالتأكيد اتجاه أصيل في شعبنا الذي حفظ له التاريخ عدم سقوطه في التعصب أو لمذهبية، والثورة الفلسطينية هي بالأساس حركة جهادية مناضلة، وثورة مستمرة على الاحتلال الذي هو الباطل نفسه، والثورة هي بهذا المعنى المسئولة عن كل الوضع في الأرض المحتلة.
وقد حاولت سلطات الاحتلال في بداية الانتفاضة أن تثير تناقضاً بين قوى شعبنا بجانب المحاولة المكشوفة للطعن في شمولية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لشعبنا وقيادتها لانتفاضته الكبرى، كما سعت سلطات الاحتلال إلى محاولة استدعاء الرأي العام الغربي علىالإنتفاضة انطلاقا من إثارة موجة التعصب الديني، أو بالربط المزعوم بين الاتجاهات الإسلامية وبني ما يسمى بالحركات الإرهابية.
لكن هذه المزاعم لم تصمد طويلاً وانهارت تماماً، إذ اكتشف العالم كله مع استمرار الانتفاضة وتصاعدها أن الشعب الفلسطيني كله يناضل تحت العلم الفلسطيني وراية منظمة التحرير الفلسطينية.
لماذا لا نفاوض ونحن نقاتل؟؟؟
الأنباء: قال إنه حتى الآن لم يتم استغلال الانتفاضة الفلسطينية على الوجه الأكمل لا فلسطينياً ولا عربياً رغم قافلة الشهداء التي تزداد يوماً بعد يوم، فما هي خطط القيادة الفلسطينية في هذا الشأن؟
أبو جهاد: الانتفاضة الفلسطينية تدخل شهرها الخامس وهي لا تزال بكامل عافيتها وفي أوج عطائها وعنفوانها وشعبنا لم يكل ولم يتعب، وهو يعرف أكثر من غيره تعقيدات القضية الفلسطينية وتشابكها وتداخلها مع الوضع الإقليمي والدولي، ويعرف أيضاً أن كل يوم جديد من أيام الانتفاضة يزيد من شراسة العدو لكنه في الوقت نفسه يستنزفه، ويحرق أعصابه ويربك سياسته وتفكيره.
لقد خلقت الانتفاضة واقعاً جديداً فرضته على الخريطة السياسية للصراع في المنطقة، ومن واجب أمتنا العربية أن تستثمر هذا الواقع الإيجابي الذي أفرزته تضحيات قافلة الشهداء والجرحى والمعتقلين.
نحن هنا لا نتحدث عن استثمار سياسي مستعجل، ولكن نقصد التفاعل مع الانتفاضة بثورة جديدة في التفكير وفي المنهج وفي الرؤية العربية.
ومن حق أمتنا اليوم أن تسأل إلى متى تهدر الإمكانات الهائلة للمواجهة مع العدو؟

إلى متى تبقى أمتنا دون خيار عسكري عربي؟
لماذا تتحدث فقط أمتنا العربية عن التفاوض، ولماذا لا تفاوض ونحن نقاتل؟
ألم تسقط الانتفاضة الفلسطينية كثيراً من النظريات التخاذلية؟
ألم تسقط الانتفاضة أيضاً أوهام البعض ورهانهم على أوراق بيريز-رابين؟
المطلوب الآن أن نكون بمستوى الانتفاضة أو لا نكون.
نحن بالطبع لن نهدر أي فرصة مواتية للتخفيف من آلام شعبنا الفلسطيني، وإزاحة وطأة الاحتلال الهمجي من على كاهله، باعتبارها خطوة مرتبطة بالتصفية الكاملة للاحتلال كله، ولذلك لا نرهن هذا الهدف المرحلي بأهدافنا الإستراتيجية البعيدة، فكل مكسب ينتزع من سلطات الاحتلال هو مسمار جديد في نعشه، وهو خطوة جديدة نحو التحرير والحرية.
نحن مع شعبنا نناضل من أجل إنزال وتحقيق برنامج الانتفاضة المرحلي الذي يُجسّد يوماً بعد يوم ولادة ونمو السلطة الوطنية الفلسطينية التي تترسّخ على أنقاض سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه نعمل على تركيب معادلة فلسطينية – عربية – دولية لانتزاع شروط أفضل لشعبنا ليواصل في ظلها انتفاضته ونضاله حتى يزعم الاحتلال الإسرائيلي على السير في الطريق المحتوم لهزيمته ورحيله النهائي عن بلادنا. بنيتنا العسكرية عادت إلى وضعها قبل عام 1982
الأنباء: ما هو نوع الضغوط التي تتعرّض لها منظمة التحرير في هذه المرحلة خاصة في ما يتعلق بالتحركات السياسية الأمريكية في المنطقة؟
أبو جهاد: الضغوطات التي نتعرّض لها ليست جديدة علينا، لقد واجهنا مع شعبنا كل أنواع الضغوطات من أول محاولات الاغتيال والتصفية الجسدية إلى المؤامرة الأمريكية – الإسرائيلية التي استهدفت إبادة المنظمة وتصفيتها عسكرياً في لبنان إضافة إلى حملات البطش ضد شعبنا في الوطن المحتل.
وها هو وزير حرب العدو "رابين" يضطر للاعتراف بأن البنية العسكرية – السياسية لمنظمة التحرير تكاد تكون قد عادت إلى ما كانت عليه قبل حرب عام 1982.
وواجهنا مؤامرة التصفية السياسية، ولم تنجح كل الخطط التي حاولت خلق بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو اختلاق أطر موازية لها، لا داخل الأرض المحتلة ولا خارجها ولم يجد "شولتز" في كل الأرض المحتلة من هو مستعد للخروج عن الإجماع الوطني الشامل لشعبنا في التمسك بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية.
تحركات أمريكية لإجهاض الانتفاضة نحن ندرك أن التحركات الأمريكية تسعى الآن لإجهاض الانتفاضة، وهي تأمل في خلق انقسام في الموقف السياسي الموحّد لشعبنا خلف منظمة التحرير.
ونحن هنا نقول للجميع أننا لم نكن موحّدين في الرأي والموقف والتوجه مثلما نحن عليه جميعاً في منظمة التحرير ومعنا كل شعبنا داخل وخارج الأرض المحتلة.
ولذا لا نستبعد أن تمارس الإدارة الأمريكية مزيداً من الضغوطات بما في ذلك تحريضها ومساعدتها للعدو الصهيوني، على الاستمرار في نهج البطش والقمع الوحشي، للتأثير على معنويات الجماهير ومحاولة وقف امتداد وتأثيرات الانتفاضة على المنطقة.
الموقف السوفياتي واضح رغم حملة التشكيك فيه


الأنباء: تحدثت الأخبار مؤخراً عن صفقة سوفياتية – أردنية تتعهّد بموجبها موسكو بالضغط على المنظمة من أجل القبول بالوفد المشترك للمفاوضات مقابل وساطة الأردن مع باكستان بخصوص القضية الأفغانية، ما هي صحة هذه الأخبار؟
أبو جهاد: حملة التشكيك في الموقف السوفياتي هي أيضاً جزء من المخطط الذي يستهدف إجهاض الانتفاضة بوضع ظهرها للحائط ومحاولة دفعها إلى طريق مسدود في كل الاتجاهات.
من جهتنا نحن نعرف أن الخلاف السوفياتي – الأمريكي ليس قائماً فقط على مسألة التمثيل الفلسطيني في المؤتمر الدولي وإنما هو قائم بالأساس حول فهم كل منهما للمؤتمر الدولي نفسه، وحتى الآن ليس هناك ما يشير إلى وجود قواسم مشتركة في الموقفين السوفياتي والأمريكي حول طبيعة وصلاحيات المؤتمر الدولي.
الموقف السوفياتي الرسمي والمعلن يطالب مؤتمر دولي كامل الصلاحيات وباشتراك منظمة التحرير مع جميع الأطراف المعنية بالصراع باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما تؤكد معلوماتنا أن الإجـماع الأخير بين شولتز وشيفارنادزة لم يسفر عن أي اتفاق في وجهات النظر حول موضوع المؤتمر الدولي، ومعروف أن الاتحاد السوفياتي قد أعلن معارضته لمشروع شولتز وجدد تأييده لفكرة عقد مؤتمر دولي ذي صلاحيات كاملة خلافاً لذلك هناك العديد من التقارير والأخبار والمعلومات ونحن في منظمة التحرير لا نرسم سياستنا على معلومات التقارير الصحفية، ونعرف بدقة ما يدور تماماً حولنا وفي كل اتجاه ونضع الأمور في نصابها، وفي حجمها الطبيعي.
في الوقت نفسه لا نقبل الضغط ولا الوصاية ولا المشاركة أو الإنابة ونتمسّك بحقنا في التمثيل الكامل والمستقل لشعبنا في أي إطار يبحث القضية الفلسطينية.

المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:11 PM

تحريات خاصة حول جريمة العصر

http://up3.m5zn.com/get-4-2008-kvyo4es1ech.jpg

بعد انقضاء ثلاثة اشهر كاملة على جريمة العصر,اغتيال القائد الفلسطيني الكبير "خليل الوزير",أبو جهاد,يبدو أن التحقيقات التي أجرتها الهيئات المعنية لم تسفر عن شئ يذكر,أو أنها ارتطمت بنهايات الطرق المسدودة التي لا يسمح عادة في قضايا الاغتيال السياسي باجتياز حدودها وهكذا بدا وكأن التحقيق قد اغلق نهائياً,أو أرجأ إلى اجل غير مسمى,بعد أن عجز عن حل كثير من الألغاز التي أحاطت بعملية اغتيال "أبو جهاد" في منزله في ضاحية "سيدي أبو سعيد"في تونس ليلة 16/4/1988 .
والحقيقة أن التحقيق في هذه القضية بالذات لا يمكن له أن يغلق,بل انه على الأرجح سيبقى مفتوح كالجرح النازف في الصدور إلى أن يعاقب القتلة على جريمتهم...أو تعاقب بعض الأنفس على التقصير.واذا كان من الصعب الاختيار بين واحد من هذين الاحتمالين, فأن الاصعب منهما معاً هو أن يجرؤ احد على متابعة التحقيق نفسه في هذه القضية الخطيرة والشائكة ,نظراً لطابعها السياسي المعقد,وفي ظروف تكاد تجمع فيها اطراف عديدة على ضرورة اغلاق ملفات هذا التحقيق...وليس اعادة فتحه.ويزداد الامر صعوبة نظراً للتشابك والتداخل ما بين الجانب الامني والجانب السياسي لقضية اغتيال القائد"أبو جهاد" واستحالة الفصل ما بين الجانبين في أي محاولة جديدة للتوصل إلى نتائج,أو على الاقل لإبقاء التحقيق حياً ...ومفتوحاً.
*كان لابد في البداية من التقاط خيط بارز من بين عشرات الخيوط التي نسجت شبكة عنكبوتية معقدة من الالغاز والطلاسم.
لم يكن الامر سهلا في بدايته لان اطرافاً كثيرة عملت على الفور على بث موجات متتابعة من الاشاعات المثيرة لتعويم المعلومات القليلة الصحيحة في محيط متلاطم من الاشاعات المغرضة,وبالتالي اغراق هذه المعلومات في القاع السحيق لهذا المحيط الذي لا تطفو على سطحه سوى الاشاعات المثيرة ...والمغرية بالتتبع. كان علينا أن نبتلع الطعم كالاسماك الصغيرة قليلة الخبرة,ونحن نهم بالتقاط الخيط الذي يبدأ طرفه باكثر الاشاعات اثارة وتشويقاً .
فبعد ساعات قليلة فقط من استشهاد القائد الفلسطيني الكبير"أبو جهاد" انتشرت فجأة اشاعة قوية عن فتاة حسناء قيل أنها شاركت مع مجموعة الكوماندس الاسرائيلي في جريمة الاغتيال .
كان لهذه الاشاعة المثيرة قوة جارفة حتى أن احد لم يعد يسأل عن اصل الاشاعة وصحتها,بل أن الكثيرين بدأوا على الفور في الادلاء "بمعلومات"مجانية وتفصيلات مذهلة عن الفتاة وملامحها واوصافها وصفاتها ولون ملابسها,نبرات صوتها,لهجتها في الحديث...وتفاصيل اخرى مذهلة ودقيقة ومدهشة.ورغم الاسهاب في هذه التفاصيل فأن احدا من كل الذين تحدثوا عن الفتاة لكنها سكتت عن ذكر اسمها,فهل كان اسم الفتاة"ديمونا"...ام أن لها اسماً آخر أو اسماء اخرى؟؟؟
الاشاعة التي نتتبعها قالت في البداية:أن الفتاة كانت معروفة جيداً لـِ"أبو جهاد"!!!
*و"اكد"اخرون هذه الفتاة دخلت إلى منزل "أبو جهاد من قبل بدعوى أنها صحفية أو أنها مراسلة لشبكة تليفزيونية اجنبية,لكن احداً مع ذلك لم يذكر اسمها .
*وفي تطور لاحق زاد اللغز تعقيداً عندما اعطى البعض "معلومات" اخرى عن علاقة الفتاة نفسها "بمصطفى" احد مرافقي الشهيد القائد"أبو جهاد"الذي جرى اغتياله على عتبة باب المنزل الخارجي قبل أن تقتحمه مجموعة الموساد الاسرائيلي ليلة الجريمة المروعة.
*"وقيل"ايامها أن الفتاة بلجيكية الجنسية,أو أنها ادعت ذلك للتمويه على اصلها الاسرائيلي,وانها كانت تقيم في تونس منذ قترة,وانها تمتلك سيارة حديثة تبرع البعض باعطاء اوصافها...و"قيل"ايضاً أن هذه الفتاة قد ذابت أو تبخرت وانها اختفت تماماً غداة عملية الاغتيال.
لكن لغز الحسناء القاتلة منحى جديدا عندما سربت اجهزة"الموساد"الاسرائيلي معلومات صحفية عن حسناء اخرى ,وقاتلة اخرى كانت قد شاركت في عملية فردان عام1972 التي نفذتها مجموعة للموساد في بيروت وقتها وجرى خلالها اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة"كمال عدوان",و"كمال ناصر" ,و"أبو يوسف النجار".


المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 12:12 PM

مسلسل الألغاز


**نحن اذن اما مسلسل لا ينقطع من الألغاز المثيرة ,والاثارة هنا مضاعفة لأن الامر لا يتعلق بفتاة تجمع كل الاشاعات على أنها :
- فهل كانت الفتاة مجرد مجندة اسرائيلية في وحدات "الموساد"شاركت في العملية وانسحبت مع المجموعة كأي قاتل محترف؟
- أم أنها صحفية اجنبية عميلة لأجهزة الموساد الاسرائيلي ,التي ارسلتها في مهمة سابقة لاستطلاع الهدف ,وشاركت في العملية كدليل للمجموعة التي نفذت جريمة الاغتيال ؟أو ربما هي تلك الفتاة البلجيكية التي قيل أنها اقامت علاقة مع احد مرافقي "أبو جهاد" بهدف جمع المعلومات الدقيقة عنه من شخص قريب منه,وانها ربما تقدمت المجموعة حتى لا تثير شكوك "مصطفى"الذي كان يحرس البوابة الخارجية لمنزل "أبو جهاد"في تلك الليلة المشؤومة؟
ام انه لا توجد فتاة اصلاً في القصة كلها وان الجنرال "يهودا براك" هو الذي قاد الهجوم بنفسه وهو يتقمص شخصية فتاة ليضفي على العملية الهالة الاستعراضية التي تحرص اسرائيل على ابرازها في مثل هذه العمليات؟
أو ربما كانت هي تلك اليهودية التونسية التي قيل أن جثتها وجدت مع رفيقيها بجوار السيارات المستأجرة والتي استخدمتها مجموعة الموساد في تنفيذ الجريمة و تركتها في الغابة التي تطل على ساحل البحر في منطقة ليست بعيدة كثيراً عن مسرح الجريمة نفسها.
الاوصاف التي اعطيت للفتاة كانت متضاربة ومثيرة هي الاخرى.
ورغم تضارب هذه الاوصاف التي قدمها كل راو م وجهة نظره "ومعلوماته" الخاصة الا أن كل الروايات كانت قد اجتمعت على أن الفتاة تتمتع بقدر عال من الحسن والجمال فهي في مرة حنطية بلون الخبز ,وعيناها عسليتان,وانفها ينحدر من اسفل الحاجبين في استقامة لكنه يتقوس فجأة عندما يكاد يصل إلى نهايته فوق الشفة العليا المكتنزة قليلاً , ولعل ابرز ما يميزها في هذه الرواية هو شعرها الاسود الفاحم المسدل على كتفيها في فوضى غجرية جامحة.
وهي في رواية اخرى شقراء ,وجنتاها تميلان الاحمرار,وعيناها زرقاوان, وشعرها قصير إلى ما فوق الاذن,ولونه اصفر مشرب بحمرة اقرب للون قشرة البرتقال اليافاوي الذي يباع في الاسواق الاوروبية وهو يحمل علامة الانتاج الاسرائيلية...
وهي في رواية ثالثة ممشوقة,بنيتها رياضية,اكتافها عريضة قامتها طويلة ,وقيل أن فمها كان رقيقا إلى درجة لا تشعر فيها بوجوده اصلا ولا بوجود انفها تحت حفرة عينيها الصقراوين اللتين يمكن تميزهها من بين الف عين وعين.
وهناك اوصاف اخرى...واخرى للفتاة نفسها التي تبدو وكأن لها الف وجه ...ووجه.
*هكذا اذن وجدنا انفسنا في النهاية ونحن نكاد مع الاخرين في بحر الاشاعات المتلاطم ,وهاهو الخيط الذي اعتقدنا اننا التقطنا طرفه 6يكاد يفلت من بين ايدينا,وسط عاصفة من الشكوك وعدم اليقين من كل المعلومات التي تم بثها...ولم يكن في مقدور احد أن ينفيها بشكل قاطع أو يؤكدها بشكل حاسم.
ومع ذلك لم يكن امامنا الا أن نتابع التحري حول نفس الموضوع لأن هاجسا قويا ليس له من مسند سوى الحدس وحده كان يلح على ضرورة متابعة طرف الخيط هذا.
وحتى نهايته مهما كانت العقبات والعواقب.


الساعة الآن 10:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى