"التنورة الاسكتلندية" قبائل مختبئة في ثنايا قطعة قماش!
في يوم بارد، تضطر فيه الحسناوات إلى ارتداء ما يقي سيقانهن لسعة برد الشتاء الاسكتلندي القارس، يقف ستيوارت ماكلوخلن ( 46عاماً) في وسط المدينة، في منطقة تتزاحم فيها الأقدام، وهو يرتدي قطعة ملابس تقليدية تشبه التنورة النسائية، وتكشف عن ساقيه حتى الركبتين، نافخاً بأداة موسيقية تشبه القربة، مصنوعة من جلد الماشية أو الأبقار. واضعاً أمامه على الأرض دلواً يقذف بعض المارة فيه قطع النقد المعدنية التي تحدث صوتاً يشجعه على المزيد من العزف. إلى جانب الدلو لوحة عليها بعض الصور لستيوارت وهو يعزف في الأعراس، وبعض المعلومات عن مهنته وعنوانه، وعلى حقيبته المتنقلة تجلس لعبة محشوة بالقطن لدب صغير مصنوع من الفراء، وقد ارتدى "التنورة الرجالية" المصنوعة من الصوف الطبيعي المنسوج بعناية شديدة.
يقول ستيوارت عن سبب ارتدائه ال "التنورة"، إنني أعمل كعازف في الأعراس والحفلات، وبما أنني اسكتلندي وأعزف أداة "القرب" يجب أن أرتدي الزي القومي لمنطقتي. عملي هذا ليس مجرد هواية، إنني أعمل بشكل متواصل لكسب عيشي بهذه الطريقة. ووقوفي هنا هو للإعلان عن الخدمة التي أقدمها. إنني أعزف منذ 32عاماً، لكنني اتخذت هذه المهنة بشكل منتظم منذ 16عاماً. ومع أنني لا أكسب الكثير من المال، إلا أن العزف في الأعراس يعوضني عن هذا. إنني أتنقل من مكان لآخر، هناك 65مدينة أتنقل فيها لكسب عيشي من العزف. وكما تلاحظون، التنورة التي أرتديها لها ألوان خاصة هي مثل الهوية تدل على مدينتي. لأن شكل النقشة التي تسمى التارتان مميزة لكل عائلة أو منطقة. وهذا التصميم الذي أرتديه مخصص لعائلتي ماكلوخلن " يلفظ الاسكتلنديون حرف الخاء مثل العربية تماماً". يقول ماكلوخلن مفاخراً: أنا من عائلة تنتسب لمنطقة جبل "برايد أف غلين كود"، هذا الجبل شهير في اسكتلندا، ونقشة "التنورة" خاصتي معروفة بها المنطقة. إنني اتنقل بعيداً عن مدينتي ، وفي كل مدينة أصل إليها عليَ أن أحصل على ترخيص من بلديتها "بدون أن أدفع ثمناً للرخصة" للعزف فيها، لأن الرخصة هي مجرد إجراء تنظيمي للعمل. لكن هذا التنقل كلفني غالياً من ناحية أخرى، إذ لم أتزوج حتى هذا الوقت، أعني من ستريد أن تتزوج برجل لا يعود إلى البيت.
كيفية ارتداء "التنورة
وبالسؤال عن كيفية ارتداء "التنورة" أجاب ستيوارت: "الطريقة التي يمكن ارتداؤها بها هي بلفها حول خصر الرجل بداية من جهة واحدة، ثم تمتد حول الأمام، ثم الخلف، ثم إلى الأمام مرة أخر لينتهي بها الأمر في الجهة الأخرى المقابلة للجهة التي بدأت بها. تتكون أدوات تثبيتها من أحزمة على كلا الجانبين، قطعة الحزام القصيرة تمر من الجهة الداخلية عبر عروة في قماش محيط الخصر لتثبت في الجهة الخارجية".
تغطي تنورة الجسم من الخصر وحتى ما فوق الركبتين. وقطعتي القماش المتقاطعتان في الأمام تسميان "المريلة" ، وهي منبسطة دون كسرات بينما القطعة الملتفة حول الجانبين والخلف تتكون من كسرات، وهذه الكسرات في غاية الأهمية من ناحية جودة خياطتها، والحركة أثناء رقص الهايلاندرز التقليدي تكشف إن كانت صناعتها رديئة، لأن حركة الجسد مع التنورة تتناغم بشكل تلتقطه عين الخبير.
وحسب تقاليد ارتداء "التنورة"، لا يرتدى الرجال أسفل منها ملابس داخلية. ورغم أن "التنورة" هي جزء من الثقافة الاسكتلندية إلا أن الايرلنديين وأهل مقاطعة ويلز أيضاً يرتدون "التنورة" لكن ليس بكمية التركيز عليها كجزء من الهندام كما يفعل الاسكتلنديون.
أسلوب نسجها وصباغة خيوطها تحدد أصول العائلة:
طريقة نسج قطعة قماش "التنورة" تكون من خيوط صوفية يطلق على نسيجها نوع 2- 2، أي أن الخيط الأفقي يمر فوق خيطين ، ثم من تحت خيطين لتكوين رسمة مميزة حسب لون الخيط وتسمى هذه الرسمة أو النقشة الناتجة "التارتان"، لكن "التنورة" التقليدية الايرلندية كانت تتكون من لون واحد فقط، وغالباً ما استخدم اللون الزعفراني الأصفر، أو الأخضر.
يتم تصنيف أنواع "التنورة" " التنورة الرجالية" حسب وزن القطعة بالأونصة لكل ياردة. الثقيلة منها يتراوح وزنها من 18- 21أونصة وتستخدم للأجواء الباردة. بينما الخفيفة تصل إلى 10- 11أونصة وتستخدم في الأجواء الدافئة وأثناء الفعاليات مثل رقصات أهل الجبال "الهايلاندرز". لكن الأكثر شيوعاً وزنها بين 13- 16أونصة. ولا يشترط أن تتوفر جميع الرسومات لكل الأوزان المختلفة.
يقول خياط خبير في تفصيل (التنورة) يحتاج الرجل عادة إلى حوالي 6- 8ياردات لصناعة كلت " تنورة" له، ومن عرض مفرد ( 26- 30إنش). أو من 3- 4ياردات من قماش مزدوج العرض ( 54- 60إنش). وتصنع "التنورة" دون عمل حاشية أسفلها، لأن الحاشية تمنع القطعة من الانسدال برخاوة، وهذا مهم جداً لأن الرجل يرتديها أثناء تأدية الرقصات الجبلية التقليدية، وأهم ما يميز هذه الرقصات أنها تكشف سوء صناعة "التنورة" أثناء الحركة، لأن "التنورة" تتناغم في حركتها مع الجسد إذا كانت مصنوعة بشكل جيد، وهذا أمر يحسب له ألف حساب عند شراء "التنورة". لكننا نصنع حاشية أحياناً للكلت المصنوعة للصبيان الصغار، لأنه يمكن تعديل طولها، لأنهم يكبرون بسرعة ويزداد طول الواحد منهم.
خصوصية تدرج اللون في خيوطها:
ما يميز "التنورة" الاسكتلندية خطوطها وألوانها التي تشكل خطوطاً عمودية أو أفقية، معظمها مرتبط بعائلات معينة، أو مقاطعات، أو مدن معينة أو مدارس وجامعات.. وغيرها. لكن المهم هو ترتيب الخيوط حسب الألوان أفقياً أو عمودياً. وتحدد بعدد الخيوط لكل تتابع أو تكرار، وعدد الوحدات في العرض الواحد.مثلاً تصميم والاس تارتان يرمز له ب ( K4/R32/K32/Y4 ) حيث كل حرف يرمز إلى لون والرقم يمثل عدد الخيوط من ذلك الخيط في الوحدة الواحدة. هذا يعني مثلاً 4خيوط سوداء، 32خيط أحمر، 32خيط أسود، 4خيوط من اللون الأصفر، وهكذا.
كل نظام ألوان متكرر يطلق عليه اسم تارتان، وتتميز كل منها حسب مصدر غزل الصوف، ولون الصبغة التي تتميز بها قطعة نسيج عن أخرى. يتم غزل التارتان التجاري بأحد أربعة ألوان فقط، لكنها تختلف من مكان إلى آخر في درجة اللون الذي يميزها. عادة يتم تصنيف اللون على أنه " حديث" أو "قديم" بناء على كمية ما بهت من اللون الذي يحاول النساجون الحصول عليه، ليشابه الألوان القديمة الأصلية ذات اللون الباهت، لأنها مصنوعة من أصباغ نباتية فقط. فالأخضر أو الأزرق القديم درجات لونها أبهت من المتوفر من ألوان صناعية حديثة. كما يبدو الأحمر القديم أقرب إلى اللون البرتقالي. بينما الألوان الحديثة مصنوعة من صبغات قاعدية رئيسية هي الأحمر الفاقع، الأخضر الداكن، واللون الكحلي المائل للزرقة. ويعود الفضل إلى دي. سي. دالغليش في إدخال الألوان الصناعية الباهتة على صناعة "التنورة" في العصر الحديث ، والذي حاول الحصول على مزيج من الألوان تبدو وكأنها قديمة، بهتت ألوانها نتيجة عوامل الطبيعة. تستخدم درجات لون الأرض الطبيعية بعد المعالجة، مثلاُ الأخضر يكون بدرجة لون الزيتون. هناك حالياً ما يزيد على 5000لون مسجل باسم معين في الكتب الرسمية، وجميع قطع التارتان هي نتاج أربعة ألوان فقط، وهذا يعني أنه لدينا 20.000نموذج تارتان أنتجت من أربعة ألوان فقط.
التارتان وحقوق الملكية:
نظام الألوان لكل قطعة تارتان مسجلة في سجلات "السلطات الاسكتلندية للتارتانات" وهي مؤسسة رسمية، تقوم بحفظ بعينة من كل قطعة نسيج تحمل تتابع ألوان جديدة، وتمنح اسم، ويذكر في معلوماتها عدد خيوطها وترتيبها حسب اللون. وحالياً هناك ما يزيد على 5000قطعة تارتان مسجلة رسمياً، بعضها سجلت في القرن التاسع عشر.
لم يعد الرجل مضطراً للسفر إلى اسكتلندا لشراء "التنورة"، بإمكانه شراءها عن طريق المراسلة أو الانترنت، بمجرد اختيار اللون، وإرسال مقاساته التي تقتصر على ثلاثة مقاسات، هي محيط الخصر، الورك، وطول "التنورة" وهي المسافة بين الخصر وما فوق عظم الركبة.
هناك بعض المهتمين ب "التنورة" إلى درجة إنشاء متحف خاص بها، مثل ماثيو نيوسوم الذي أنشأ متحف التارتان الاسكتلندي في كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك عدد كبير من الكتب تخصصت بصناعة "التنورة"، والعناية بها. أشهرها كتاب فن صناعة "التنورة" والذي اشترك بتأليفه كل من توكسبوري وستوهمايار. تبقى "التنورة" مصدر اعتزاز الاسكتلندي، وجزء من هويته، لذلك تجد رجال السياسة، والشخصيات العامة تصر على حضور الاحتفالات الرسمية ب "التنورة" في تأكيد على الانتماء لأرض الجبال الخضراء، ومجتمعها العريق.
منقول عن جريدة الرياض
