منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   صفحات من تاريخ الغزو البرتغالي للخليج العربي والبحر الأحمر (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=3173)

أرب جمـال 7 - 1 - 2010 12:09 AM

صفحات من تاريخ الغزو البرتغالي للخليج العربي والبحر الأحمر
 
صفحات من تاريخ الغزو البرتغالي للخليج العربي والبحر الأحمر في مطلع القرن السادس عشر

(1)


الغزو البرتغالي للجنوب العربي

المحاولات البرتغالية للسيطرة على عُمان والبحرين




تأتي أهمية الخليج في كونه احد أهم طرق التجارة العالمية عبر العصور، وذلك لعوامل متعددة، في مقدمتها العامل الجغرافي، وعوامل تتعلق بهيأة الخليج وموقعه، فهو يمتد على شكل ذراع بحري في جنوب غربي آسيا ليشكل احد اذرع المحيط الهندي، في حين يشكل البحر الأحمر الذراع الآخر الموازي له في الموقع والأهمية. وبالنتيجة، فالاثنان يشكلان نقطتي وصل بين حوض البحر المتوسط والمحيط الهندي. من جانب آخر، يمثل الخليج مركزا جغرافيا وسطا بين شطري العالم الإسلامي في جانبيه الشرقي والغربي. ويتم الاتصال المائي للقوافل البحرية التجارية القادمة من بحار الشرق عند رأس الخليج عند النقطة التي يلتقي فيها نهرا دجلة والفرات اللذان يعدا امتدادا طبيعيا للخليج، مما جعلهما طريقا مباشرا إلى موانئ البحر المتوسط، فلا وجود لجبال شاهقة ولا صحراء متعبة تعيق وصول التجارة عبر الأنهار أو الأراضي العراقية نحو مناطق بلاد الشام التجارية.

وبناءً على هذا الموقع الجغرافي في قلب العالم القديم، أصبح الخليج احد نقاط الالتقاء بين الشرق والغرب. ثم إن الالتصاق بين الخليج ومنطقة الهلال الخصيب بين جبال زاغروس وطوروس شرقا وهضبة شبه الجزيرة العربية جنوبا وبادية الشام غربا وشمالا خلق بدوره جسرا آخر وساعد على قيام مراكز الملاحة والتجارة على سواحل الخليج، وعلى ربط قارات العالم القديم (آسيا وأفريقيا وأوربا) بوحدة اقتصادية وحضارية متبادلة المنافع.

وقد ساعد تعدد الموانئ التجارية الصالحة لرسو السفن في الخليج ازدهار الحركة التجارية فيه واستمرارها مع المحيطين الهندي والهادي. ومما ساعد على هذا الازدهار أيضا هو استقرار الأمن.

ملاحظة: المعلومات مأخوذة من كتاب محمد حسين السلمان، المعنون (الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج في الفترة ما بين 1505 - 1525)، مركز زايد للتراث، الامارات، 2000.
الغزو البرتغالي لمسقط والساحل العماني





ارتبطت أهداف البرتغاليين ومخططاتهم منذ بداية حركة الاستكشافات الجغرافية أساسا بالعمل للسيطرة على طرق التجارة العالمية في المحيط الهندي وانتزاعها من أيدي العرب المسلمين، ولاسيما تلك الطرق التي تمر بالخليج والبحر الأحمر. وكان هدف البرتغاليين من السيطرة على الخليج إغلاق هذه الطرق بوجه التجار العرب والمسلمين، وذلك لإضعاف العالمين العربي والإسلامي اقتصاديا، والقضاء على الوساطة العربية التجارية بين أوربا والمناطق الآسيوية المنتجة للتوابل والعقاقير والعطور والذهب، ثم تحويل فوائد تلك التجارة إلى أيدي البرتغاليين.

وعلى هذا الأساس، بدأ البرتغاليون بتدمير الموانئ العربية في الخليج والبحر الأحمر، وفي ساحل عمان وهرمز وعدن وباب المندب تحديدا، وقام بهذا العمل، أي الحملة البرتغالية، كل من القائدين البرتغاليين (داكونها) و(الفونسو البوكيرك).

والحقيقة إن نتائج تلك الحملة شكلت انتصارا كبيرا لإحدى السياستين أو المدرستين اللتين اتسمت بهما حركة الاستكشافات الجغرافية في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر. فمع تأسيس الإمبراطورية البرتغالية في الهند وبحار الشرق، برزت سياستان: الأولى يمثلها القائد البرتغالي (فرانسيسكو دالميدا)، وهو أول نائب للملك البرتغالي في الهند خلال السنوات (1505 – 1509)، وتمثلت هذه السياسة بضرورة إقامة مراكز تجارية على السواحل الستراتيجية في الهند وشرقي أفريقيا للقيام بالأعمال التجارية الصِرف ومطاردة السفن التجارية الإسلامية في سواحل الهند تحديدا، بوصفها من أهم مراكز تجارة الشرق الإسلامية، لقطع شريان التجارة الحيوي بين هذه السواحل والدول الإسلامية التي تعتمد عليها في الخليج والبحر الأحمر، مثل هرمز ومصر. ولم يكن دالميدا يؤيد أسلوب الغزو المسلح وتدمير الموانئ التجارية، وإنما كان يشجع القيام بأعمال القرصنة فقط.

أما السياسة الأخرى، فقد كان يمثلها (الفونسو البوكيرك) وأنصاره في البلاط البرتغالي، إذ أسهم البوكيرك في إقامة أسس الإمبراطورية البرتغالية على نحو فاعل، وكان يرى ـ من اجل حماية الإمبراطورية وتوسيعها مستقبلا ـ ضرورة الاستيلاء على اكبر عدد من المدن التجارية والموانئ الإسلامية الرئيسة الكبرى في المحيط الهندي، وإقامة القلاع والحصون المنيعة لضبطها، فضلا عن تأسيس المراكز التجارية، وربط هذه القلاع والمراكز بالملك البرتغالي مباشرة حتى تظل الإمبراطورية البرتغالية مترابطة الأطراف تُدار من لشبونة. وكان هذا في رأيه أفضل من مجرد القرصنة في البحار الهندية ضد السفن الإسلامية المحملة بالسلع الشرقية وإحراقها أو سلبها وقتل رجالها. ومع ذلك، فقد طبق البوكيرك هذا الأسلوب الأخير أيضا.

يمكننا الآن أن نتساءل: كيف نفذ البوكيرك سياسته هذه في ساحل عُمان والخليج، وكيف تمكن من إقصاء دالميدا وحل محله في قيادة التوسع الإمبراطوري البرتغالي؟

جاء البوكيرك إلى الشرق أول مرة في نيسان سنة 1503 حين أوفده الملك البرتغالي عمانوئيل في حملة صغيرة مع عمه، مكونة من ست سفن مزودة بالمدفعية وبعض المعدات الحربية لإقامة أول قلعة عسكرية بالقوة المسلحة في ساحل الماليبار بالتعاون مع القوى الهندوسية في مملكة كوشين الهندية. وهناك بدأ البوكيرك بممارسة أولى مظاهر العنف والقسوة عندما حارب المسلمين في كلكتا وقتل عددا منهم وعامل الباقين بوحشية بالغة.

ومنذ تلك اللحظة بدأ البوكيرك بتطبيق خطته بإقامة القلاع والحصون في سواحل بلاد المشرق. وخلال إقامته في الهند تمكن من جمع بعض المعلومات عن الأوضاع التجارية والسياسية في البلاد الشرقية ووضع على أساسها خطة مستقبلية لزيادة النفوذ البرتغالي في المنطقة وتوطيد أسس الإمبراطورية البرتغالية. وعلى هذا الأساس أرسله الملك ضمن حملة كبيرة إلى بحار الشرق في سنة 1506، ضمن حملة كبيرة مكونة من (14) سفينة وعلى متنها (1300) جندي بقيادة القائد البحري (تريستان داكونها)، وكان البوكيرك يقود خمسا من سفن هذا الإسطول. وتركز هدف الملك البرتغالي من هذه الحملة بنقطتين تعبران عن الهدف الاقتصادي من الاستكشافات الجغرافية البرتغالية، وهما:
1) إحتلال جزيرة سوقطرة الواقعة أمام الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية وبناء قلعة حصينة بها لحماية المسيحيين فيها والسيطرة على مدخل البحر الأحمر.
2) حصار البحر الأحمر والعمل على إغلاقه بوجه التجارة القادمة من الهند إلى البلاد العربية، وإحتلال عدن.
وفي سبيل تحقيق هذين الهدفين، وزرع الرعب في نفوس سكان المنطقة، مارس البوكيرك شتى صنوف الوحشية والقسوة، فلم يتورع، مثلا، حتى عن قطع آذان النساء وأصابع أيديهن لانتزاع أقراطهن واسورتهن وحليهن الذهبية الأخرى.
الغزو البرتغالي لمسقط والساحل العماني





خط سير الحملة البرتغالية

أما عن خط سير حملة داكونها والبوكيرك، فقد أخذت تتجه إلى جزيرة سوقطرة بعد أن توقفت في مالندي التي صار حكامها من أفضل أصدقاء البرتغاليين، ومن هناك اصطحب البوكيرك ثلاثة من الادلاء لإرشاده في المياه العربية.

وكان موقع جزيرة سوقطرة الجغرافي والستراتيجي ملائما للبرتغاليين، لكي ينقضّوا منها على تجارة المسلمين في البحر الأحمر ويعطلوا طريق وصولها من الهند إلى مصر والشام. وعندما وصل البرتغاليون إلى تلك الجزيرة، حاولوا إقامة ميناء حربي للإسطول وقلعة حصينة، إلا إن حاكمها الذي يسميه البرتغاليون (السلطان إبراهيم) رفض السماح لهم بذلك، فردّ البرتغاليون على هذا الرفض بقصف أطراف الجزيرة ومهاجمة جنود السلطان الذين دافعوا عن جزيرتهم بالسهام والسيوف والرماح!!! وبالتأكيد لم تصمد هذه الأسلحة أمام مدفعية البرتغاليين التي فتكت بحامية الجزيرة، فتمكن كل من داكونها والبوكيرك من إحتلال جزيرة سوقطرة في آب 1507. وهناك أعاد البرتغاليون استغلال إحدى القلاع القديمة بعد أن قصفوها بالمدافع أثناء إحتلالهم للجزيرة، كما عينوا قائدا برتغاليا للحامية البرتغالية فيها. فضلا عن ذلك، فقد قام البرتغاليون بهدم احد المساجد الصغيرة هناك وحولوه إلى كنيسة صغيرة لنشر الكاثوليكية في الحبشة. ومع ذلك، لم تكن جزيرة سوقطرة مناسبة لبقاء القوة البرتغالية، فليس بها مرسىً آمنا للسفن البرتغالية الكبيرة لاسيما إن الرياح فيها عالية ومتأثرة بعواصف المحيط، كما إن مناخها غير سليم من الناحية الصحية، وتموين الجنود بها صعب، وطرق الإمداد لها غير متوافرة، فضلا عن استمرار مقاومة الأهالي للوجود البرتغالي بها، مما اضطر البرتغاليين لتركها بعد مدة قصيرة في سنة 1511 لضعف الإفادة منها عسكريا واقتصاديا.

وظهر الخلاف واضحا فيما يخص أهداف الحملة الرئيسة بين البوكيرك وداكونها عند هذه المرحلة. فالمذكرات التي تركها البوكيرك وكتبها ابنه غير الشرعي تشير صراحةً إلى وجود أوامر ملكية تقضي بتدمير هرمز بعد إحتلالها، والعمل على اعتراض النشاط الملاحي وعرقلته في المياه الشرقية الواقعة في الطريق بين الخليج إلى البصرة والبحر الأحمر إلى السويس قبل البدء بشن هجوم عسكري على المنطقة. أما بعض المؤرخين فيذكرون إن الأوامر التي صدرت لالبوكيرك هي الاستيلاء على ميناء عدن واعتراض السفن العاملة في البحر الأحمر فقط. ويبدو إن هذا الرأي هو الأقرب للصواب، بدليل إن البوكيرك كان يبرر دائما سبب عدم ذهابه إلى البحر الأحمر وإحتلال عدن، ويُطمئن ملكه في آخر حملاته ضد هرمز سنة 1515 حينما شاد هناك حصنا وتكلم عن أهمية هرمز في تجارة الخيول العربية.

ولكن البوكيرك كان يدرك في الوقت نفسه حجم وقوة الإسطول البرتغالي التي تركها داكونها بعد أن حُسم الخلاف بينهما، وتبلغ نحو خمس أو ست سفن و 460 بحارا، وهي قوة صغيرة لا تسمح له بالاستيلاء على قلعة عدن الحصينة والدخول في البحر الأحمر ومواجهة قوة المماليك. لذلك قرر البوكيرك أن يخرج عن إطار الأوامر التي أعطيت له وأن يتوجه إلى جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية مباشرةً للقضاء على الكيانات العربية في ساحل عُمان التابعة لمملكة هرمز، التي كانت هدفا مهما من حملته أيضا.


الغزو البرتغالي لمدن الساحل العماني وموانئه

بعد أن غادر الإسطول البرتغالي ميناء سوقطرة وصل إلى جزر كوريا موريا في 3 آب 1507، ثم غادرها إلى رأس الحد، وهناك دمر البوكيرك ما بين 30 – 40 سفينة صيد سمك من هرمز وقلهات وبقية مدن الساحل. ثم توجه بإسطوله نحو قلهات التي كانت حينذاك اكبر محطة تموين للسفن القادمة من الهند إلى الخليج أو البحر الأحمر، ومركزا رئيسا لتوزيع السلع الشرقية في المنطقة، واهم محمية تابعة لمملكة هرمز. وكان ملك هرمز يرسل في كل سنة وزيرا وحاكما إلى هذا الميناء ليقوم بتنظيم الضرائب الجمركية وجمعها لصالح خزينة هرمز. وبشكل عام، كانت جميع المدن والقرى التي تمتد من حضرموت في اليمن على امتداد الساحل العماني حتى مضيق هرمز تتبع مملكة هرمز.

وفي قلهات اخذ البوكيرك يستعرض قواته أمام الساحل، فتجمع حشد كبير من الأهالي العرب أمام الساحل وهم مندهشون لرؤية السفن الأوربية لأول مرة، فتخوف البوكيرك واعتقد إنهم إنما جاؤوا لمهاجمته، فوجه فوهات المدافع في سفنه نحوهم استعدادا لأي حادث طارئ، ونزل ثلاثة من قادته إلى الساحل فسألهم العرب المتجمعون ماذا يريدون ومَن هم ومن أين جاؤوا؟ فأجابهم البرتغاليون، عن طريق المترجم الماليندي المسلم، إنهم يتبعون الملك البرتغالي عمانوئيل سيد الهند، وإن قائدهم البوكيرك يريد أن يعرف اسم هذا المكان ولأي مملكة يتبع؟ فرد الأهالي إن المدينة هي قلهات وتتبع مملكة هرمز، وإنهم جاهزون لتقديم أية مؤونة يطلبها البرتغاليون عن طيب خاطر لأن أهالي الميناء معتادون على تقديم المؤن لأي مركب مسافر في المنطقة. وقام الأهالي بإهداء بعض الخراف والفواكه للجنود. ولكن البوكيرك رفض الهدية وأعادها إلى حاكم المدينة (شرف الدين) بحجة انه لا يقبل هدايا من أناس يعدهم في حالة حرب مع بلاده!!! وطلب البوكيرك من حاكم قلهات الاستسلام دون قيد أو شرط والاعتراف بتبعية قلهات إلى ملك البرتغال ودفع الضرائب له.

وبما إن حاكم المدينة شرف الدين لم يكن مستعدا لمقاومة البرتغاليين لأنه حاكم مدينة تجارية ساحلية وليس في حصن حربي مدجج بالسلاح، فقد أجاب البوكيرك بطريقة دبلوماسية إذ قال له: ”إن قلهات تابعة لسلطة ملك هرمز، وان على البوكيرك أن يتباحث مع ملك هرمز مباشرةً بشأنها، وعليه أن يعلم إن هذا الساحل العماني هو البوابة نحو هرمز، وان ملك هرمز يحكم كل الأجزاء في هذا الساحل، وإذا أراد السلام فينبغي عليه أن يتعامل بهدوء مع ذلك الملك“. ووعده حاكم قلهات بأنه سيخضع لملك البرتغال بعد ذلك مهما كانت نتيجة المفاوضات بينه وبين ملك هرمز.

وبما إن البوكيرك كان بحاجة ماسة إلى المؤونة والماء لجنوده من المدينة فقد قبل بالصلح، وأعطى حاكم قلهات رسالة ضمان بإسم الملك البرتغالي لكي لا تعتدي عليه السفن البرتغالية الأخرى القادمة من بلاده. ولم يكن حاكم قلهات يعلم إن أول السفن التي ستعتدي على مدينته وتدمرها وتنقض هذا الاتفاق هي سفن البوكيرك نفسه بعد عودته من هرمز سنة 1508 كما سنرى. وقبل أن يغادر البوكيرك قلهات استولى على احد المراكب التجارية التابعة لعدن وكانت محملة بالبضائع، فاستولى عليها بالقوة وضمّها إلى إسطوله، ولم يطلق سراحها إلا بعد أن افتداها أصحابها بمبلغ من المال.

وبعد قلهات توجه البوكيرك لغزو ”قريات“. وعندما رسا بسفنه أمام ساحل المدينة لم يأتِ احد لاستقباله. وفي صباح اليوم اللاحق اجتمع البوكيرك مع قادة سفنه للتباحث بشأن كيفية مهاجمة البلدة. فعندما رفض الأهالي الحوار مع البرتغاليين والتبعية لهم صوب البوكيرك مدافع إسطوله نحو المدينة وتحصيناتها ـ كما يقول ـ وبدأ بتدميرها. ونشب قتال عنيف بين البرتغاليين وأهالي قريات استمر يوما كاملا. ولم يستطع البوكيرك التغلب على بسالة أهالي المدينة وشجاعتهم على الرغم من قلة إمكاناتهم العسكرية. ويعترف البوكيرك انه لولا استخدام الحيلة ضد المدينة لما استطاع دخولها، وذلك بإحتلال جزيرة صغيرة قبالة ساحل المدينة بدأ منها بقصف أهالي المدينة ومساكنهم وأوقع اكبر قدر من الخسائر بهم وبمنشآت المدينة، مما احدث إرباكا وفوضى في صفوف المدافعين عنها. وفي صباح اليوم اللاحق نزل رجال البوكيرك إلى ساحل قريات بعد انهيار دفاعات المدينة وانهالوا على الأهالي قتلا وإبادة من دون تمييز بين النساء والرجال والأطفال والشيوخ، فكانت مجزرة. ويعترف البوكيرك بأنه ”وضع السيف على رقاب كل المسلمين من نساء المدينة وأطفالها“. وأسفرت هذه المعركة عن مقتل 80 عربيا و 3 برتغاليين. ثم أمر البوكيرك بنهب البلدة وبيوتها وإحراق كل شئ فيها ولاسيما المسجد الذي يذكر البوكيرك انه كان من أجمل المساجد التي رآها من حيث النقوش الإسلامية التي كانت تزين جدرانه. وانتقاما من العرب الذين قاوموه لأول مرة في ساحل عمان قام البوكيرك ـ على مرأى من جنوده وضباطه ـ بتجميع الأسرى من النساء والرجال، وأمر بعض الجنود بقطع آذانهم وجدع أنوفهم وجمعها وأرسلها إلى هرمز لتشهد كما قال ”على ذل وخزي هؤلاء المسلمين ولإرهاب حكام هرمز كذلك“. ثم استولى على أسلحة المدينة من سيوف ورماح وسهام، ودمر السفن الراسية في الميناء وعددها نحو 38 سفينة.

بعد الاستيلاء على مدينة قريات توجه البوكيرك للسيطرة على ميناء مسقط الذي كان حينذاك الميناء الرئيس للساحل العماني واهم مدنه. وقد وصله البوكيرك بعد أربعة أيام من مغادرته قلهات، فوجدها مدينة منيعة وقوية التحصين. وقد سمع أهلها ما حلّ بقريات القريبة منهم، فرأوا إن من الحكمة تجنيب المدينة الدمار والخراب. لذلك، ما أن أرسى البوكيرك بسفنه أمام ساحل المدينة، حتى أرسلوا إليه وفدا يعرض عليه السلام والصلح واستعدادهم التام لقبول شروط البرتغاليين، مع رجاء بعدم إلحاق الأذى والضرر بهم لأنهم قدموا الولاء لملك البرتغال.

ولكن الغريب إن البوكيرك ـ الذي تعود دائما أن يطلب استسلام المدن التي يغزوها دون قيد أو شرط ـ رفض هذا العرض من مسقط. ولا ندري السبب في ذلك سوى الذريعة التي تحجج بها بقوله أن الوفد العماني الذي جاء حاملا هذا الطلب لم يكن يحمل تفويضا خطيا من حاكم المدينة. فردّ عليه الوفد: ”يكفي إن الحاكم أرسلنا إليك، والناس هنا تتعامل بكلمة الشرف“!!! إلا إن البوكيرك لم يرد عليهم وصرفهم إلى يوم غد، وكأنه كان يتذرع بأية حجة لتدمير المدن العربية في ساحل المنطقة العمانية.

وقبل أن ينتهي ذلك اليوم أرسل البوكيرك بعض رجاله في سفينة شراعية صغيرة لتفحّص ميناء مسقط، ومعاينة وسائل الدفاع فيه عن كثب. فأخبره جنوده إن العرب قد أقاموا أمام مدخل المدينة متاريس من جذوع النخيل، عليها مدافع تمتد من الجبل إلى الجبل، تعيق اقتحام المدينة من هذه الأنحاء. وهذا يدل على إن البوكيرك كان ينوي اقتحام مسقط بأي شكل من الأشكال. ولكي لا يثير شكوك رجاله فقد كان ينتظر الذريعة المناسبة لبدء الحرب. ولم يكن حديثه عن قوة استحكامات المدينة سوى ذريعة لإظهارها بمظهر العداء للبرتغاليين وصعوبة الاستيلاء عليها توجب على رجاله بذل قوة وشجاعة لانتزاعها.

وفي اليوم الثاني، وبينما كان البوكيرك يناقش مع قباطنة سفنه أمر تحصين المدينة وكيفية اقتحامها، عاد المبعوثان المسقطيان السابقان ومعهما أذن خطي وتخويل من حاكم المدينة الذي نجهل اسمه حاليا، وذلك للبدء بمحادثات السلام. وعرض هذان المبعوثان مرة أخرى ـ كما يذكر البوكيرك ـ الولاء للملك البرتغالي، ولكن البوكيرك رد عليهما قائلا: ”إذا كانت المدينة تريد الخضوع لملك البرتغال فعليها دفع رسوم سنوية مناسبة كالضريبة التي تُدفع لهرمز، وتزويد الإسطول البرتغالي بالمؤونة ومياه الشرب التي يحتاجها طوال الطريق حتى يصل إلى هرمز بسلام تحسبا لصعوبة الطريق البحري. وإذا فعلت مسقط ذلك فإنه سيحميها بإسم ملك البرتغال.

وافق أعضاء الوفد على طلبات البوكيرك بما فيها دفع الرسوم التي كانوا يدفعونها لهرمز سنويا، إلا إنهما تحفظا على نقطة إمداد الإسطول البرتغالي بكل التجهيزات والمؤن في غزوه لهرمز. وقد بررا ذلك بشكل منطقي حينما ذكرا إن هذا العمل، في حال تنفيذهم إياه، سيعد تحريضا على غزو هرمز من ميناء يعدّ تابعا لها وخاضعا لسيطرتها. فغضب البوكيرك من هذا الرد وقطع المباحثات، فغادر المبعوثان من دون التوصل إلى نتيجة. ومر يوم ولم يأتِ أي رد فعل آخر من المدينة.

وعندما حل الليل سمع البوكيرك وقادته بعض الضوضاء في المدينة وأصوات تهليل وتكبير ونيران تشتعل، ولم يفهموا في البداية معنى ذلك، فازدادوا رعبا من المجهول الذي ينتظرهم عند المدينة. وتطلع البوكيرك لمعرفة ما يجري في الميناء صباح اليوم اللاحق، فجاءه رجاله بالخبر وهم يجلبون المياه من الساحل حيث شاهدوا تحصينات المدينة تزداد، كما سمعوا من بعض سكان المدينة إن ثمة نجدة وصلت مسقط ليلا تقدر بنحو عشرة آلاف مقاتل من داخل البلاد مزودين بالرماح والدروع والسيوف ينتمون إلى عشائر الجبور لمساعدة المدينة ضد الغزو. وتخوف البوكيرك من أن تنقلب الأمور ضد رغبته، فأمر قواته بالاستعداد. ويذكر البوكيرك في مذكراته إن مدفعين من المدافع المنصوبة على تحصينات المدينة بدأت بقصف قواته، وانه عدّ ذلك نقضا من حاكم المدينة للاتفاق المبرم بينهما، على الرغم من انه لم يتحدث مطلقا عن التوقيع النهائي على هذا الاتفاق في مذكراته. وإذا كان هذا الكلام صحيحا، فيحق لنا التساؤل: لماذا تغير موقف مسقط من الوجود البرتغالي أمام أراضيها بعد أن قبلت الولاء والخضوع أولا؟ وكيف وصلت قوة الجبور تلك، ومَن الذي استدعاها؟
يتبع:rolleyes:




أرب جمـال 7 - 1 - 2010 12:11 AM

لإلقاء الضوء على الوضع في الموانئ العمانية التابعة لمملكة هرمز لابد من الإشارة إلى إن هناك رأيان أو وجهتا نظر في مسقط أثناء الغزو البرتغالي: رأي يمثله حاكم مسقط الذي يتم تعيينه من هرمز وغالبا ما يكون فارسيا، ورأي يمثله أهالي المدينة من القبائل العربية وأعيانها العرب. وبالنتيجة، عندما وصلت أنباء ما حدث لقلهات التي رضخت فلم تدمّر، ولقريات التي لم تستسلم فدمرت، فضّل الحاكم أن ينجو بالمدينة من التخريب فاستسلم مسرعا بمجرد ظهور البرتغاليين أمام المدينة على الرغم من الاستحكامات التي وضعت أمام الميناء. ولربما لم يكن هذا هو الموقف المتفق عليه داخل المدينة بين الحاكم وأعيانها أو زعماء بعض القبائل المحيطة بها، ولم يُرضهم استسلام الحاكم. ويبدو إن لهؤلاء الزعماء ارتباطات مع قبائل الداخل، وأهمها الجبور، في تلك المرحلة فأرسلوا يطلبون مساعدتهم بشكل مسبق أيضا وانتظروا وصول هذه المساعدة. من جانب آخر، يبدو إن صراع العرب مع ملوك هرمز كان مستمرا في هذه الأنحاء. وقد وجد هؤلاء العرب فرصة مناسبة لمقاومة البرتغاليين واثبات وجودهم وإسقاط الحكومة الهرمزية، لاسيما إنهم علموا إن البوكيرك كان يقصد التوجه إلى هرمز للسيطرة عليها، ورأوا إن التخلص من دفع الضريبة لهرمز يقربهم من الاستقلال الذي يطمحون إليه. لذا، فبمجرد وصول قوة الجبور المرتقبة سارع أصحاب الرأي الآخر المعارض لفرض رأيهم ورفض الاستسلام. من ناحية أخرى، تعد مبادرة الجبور لتلبية طلب الزعماء العرب أو أي فرد كان في مسقط فرصة مناسبة ينتهزها هؤلاء لمد نفوذهم من الداخل إلى سواحل عمان وللموانئ التجارية بالذات، وهو شئ مألوف ضمن مسلسل النزاع الهرمزي ـ الجبوري في الخليج وسواحله. وثمة شواهد كثيرة على ذلك سبقت هذا الوقت وسوف تستمر حتى بعد مجئ البرتغاليين وفرض السيطرة على هرمز، بل ستكون احد الأسباب المباشرة لكسر شوكة الجبور بعد إحتلال البحرين والقطيف في سنة 1521.

على أية حال، على الرغم من إن بعض ضباط البوكيرك رفضوا تدمير ميناء مسقط لموقعه الجميل والستراتيجي، إلا إن قائدهم بدأ هجومه على المدينة والميناء من جميع الجهات. وقاومت مسقط بكل قوتها بمساعدة قوة الجبور التي وصلتها. ولكن بالسيوف والرماح لم يكن بالإمكان أن تصمد أمام المدافع وقذائفها المحرقة التي أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى في صفوف المدافعين عن المدينة. وتذكر المصادر البرتغالية إن عنف الهجوم جعل قوات الجبور تنسحب مسرعة خارج المدينة.

نزل البوكيرك ورجاله وسط المدينة والتحم الجيشان العربي والبرتغالي في معركة ضارية وجها لوجه إلى أن تمكنت القوات البرتغالية من دحر القوات العربية من وسط المدينة إلى الجهات الخارجية والجبال المحيطة بها. وعلى الرغم من إن القوات العربية انسحبت إلى الجبال، إلا إن عمليات الذبح والانتقام البرتغالية من الأهالي لم تنته، وكانت مجزرة فظيعة. وقد أباح البوكيرك المدينة لرجاله يفعلون بها ما يشاؤون، فبدأ حمام الدم بشكل عشوائي، وكان من بين القتلى نائب هرمز في المدينة. وفي النهاية، كان البوكيرك وقادته قد قتلوا كل المسلمين ونساءهم وأطفالهم ممن وجدوهم في البيوت التي نهبوها ومن الذين لم يستطيعوا الهرب. وكان القتل بالسيوف، فصار الأهالي كالأضاحي. وهذا ما كان يتفاخر به البوكيرك دائما أمام ملكه في رسائله حينما يقول: ”حيثما أمكنني العثور على عربي كان إفلاته من يدي مستحيلا“. وكان البوكيرك يملأ بهؤلاء الناس المساجد ويضرم فيها النار، وهذا ما فعله في مدن الساحل العماني.

وبعد انتهاء القتل الجماعي للعمانيين في مسقط، أمر البوكيرك جنوده بنهب المدينة، وسمح للجنود بالاحتفاظ بالأموال والغنائم التي ينهبونها من السكان تعويضا لهم عن ”التضحيات“ التي بذلوها، ولإسكاتهم أيضا عن التمرد عليه. واخذ الجنود ممتلكات المدينة، وغصّت السفن البرتغالية بالسلع والبضائع المنهوبة، فأمر البوكيرك الجنود بإحراق باقي السلع التي لم يستطيعوا حملها على السفن انتقاما من الأهالي لأنهم قاوموه.

وبما إن الأهالي والجيش الذين قاوموا البوكيرك كانوا قد لجأوا إلى المرتفعات الجبلية خلف الميناء فقد توقعوا من البوكيرك إحراق المدينة بعد أن شاهدوا السنة اللهب تأتي على السلع فتحرقها. وأرسل أهالي مسقط مبعوثا رافعا راية بيضاء دليلا على الاستسلام وطلب الصلح، واقترب رجل من البوكيرك وطلب منه عدم إحراق المدينة بعد سلبها، فقال له البوكيرك: ”انها غلطة أهل المدينة الذين لم يحترموا الاتفاق الذي عقدوه معه معتمدين على قوة الجبور التي جاءتهم من الداخل لمساعدتهم. لذا، فلا حق لهم للمطالبة بشئ“. أما إذا رغبوا في افتداء المدينة وما بقي بها فعليهم دفع مبلغ عشرة آلاف قطعة ذهبية من الاشرفي قبل ظهر اليوم اللاحق.

وعندما لم يستطع أهالي مسقط توفير هذا المبلغ الكبير، أمر البوكيرك رجاله بإحراق المدينة عن بكرة أبيها، فاحترقت فيها مؤن كثيرة فضلا عن أربع وثلاثين سفينة بين كبيرة وصغيرة كانت راسية في الميناء مع سفن صيد كثيرة وترسانة مليئة بكل ما يلزم لصناعة السفن. فضلا عن ذلك، فلم يتردد البوكيرك في هدم مسجد المدينة، الذي يعد رمزا للإسلام فيها، فأمر مجموعة خاصة من بحارته بهدم دعامات المسجد الخشبية وإحراقه. وكان هذا المسجد ـ كما وصفه البوكيرك ـ مسجدا جميلا بما فيه من نقوش بديعة صُنعت من الخشب والجص. وقد احترق المسجد عن آخره.

وقبل أن يغادر البوكيرك مسقط وهي تحترق أمام أعين سكانها، اصدر أوامره بالتمثيل بالأسرى العمانيين من رجال ونساء وأطفال قبل إطلاق سراحهم ”لعدم حاجته إليهم“ في سفنه بعد أن اخذ عددا من الرجال للخدمة في الإسطول البرتغالي، فتم قطع الأذان وجدع الأنوف كما فعلوا بالأهالي في قريات، وترك هؤلاء الأسرى وهم ينزفون دما معانا في الوحشية التي صبغت تاريخ الغزو البرتغالي.

وبعد أن احدث البرتغاليون كل هذا الدمار في الأرواح والممتلكات، وبعد أن خاضوا في دماء المسلمين، توجه البوكيرك ورجاله إلى السماء شاكرين ربهم في مهمتهم للقضاء على المسلمين.

وبعد مسقط اتجه البوكيرك إلى صُحار، فوجدها مدينة جميلة كبيرة، وبها قلعة منيعة أطلق عليها الربان المرشد المسلم الذي يرافق البوكيرك تسمية (قلعة صحار)، فأعجب بها البوكيرك وبشكلها المربع ومناعتها وقوة أبراجها الستة المستديرة. وكانت القلعة تقع على ساحل خليج صحار الكبير، وهي ضخمة وواسعة لدرجة انها تحتاج إلى نحو ألف جندي لحراستها والدفاع عنها. وكان مورد الماء قريبا منها، مما يجعلها تستطيع تحمل الحصار مدة أطول، كما إن المياه تحيط بها من جهة الخليج وترتفع لمستوىً جيد من الجدار، وبها سكن الحراس ومنزل الحاكم الهرمزي. ويبدو إن الهرامزة بنوا هذه القلعة لمراقبة السفن التي تمر بمدخل الخليج. وعلى الرغم من قوة القلعة وحصانتها وصعوبة الاستيلاء عليها، لكن البوكيرك تمكن من الاستيلاء عليها. فكيف تم له ذلك؟

عندما ذكر حاكم صحار لمبعوث البوكيرك إن المدينة وقلعتها الحصينة تابعة لملك هرمز، لم يعجبه هذا الرد، وطلب من الحاكم أن يخضع لملك البرتغال ويسلمه القلعة في اليوم اللاحق، وإلا فسوف لن يلوم إلا نفسه، وسيكون مصيرها مصير المدن العمانية الأخرى. إلا إن الحاكم استند إلى قوة الجبور التي وصلته من الداخل العماني وكانت تقدر بألفي فارس على جيادهم وخمسة آلاف جندي مشاة. وحذر البوكيرك انه سيلاقي استقبالا لا يروق له فيما لو سولت له نفسه دخول المدينة، فقرر البوكيرك إحتلال المدينة بالقوة.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف تأتي قوة نجدة من الجبور إلى صحار وحاكم المدينة يعلن لألبوكيرك صراحةً انها تابعة لملك هرمز؟ ثم إن عدد الفرسان الخيالة (ألفا فارس) هو رقم مبالغ به جدا، مع انه كان بالإمكان توفير مثل هذه الأعداد من شبه الجزيرة العربية وقبائلها في تلك المرحلة، مثلما فعل عامر بن عبد الوهاب في حصار صنعاء سنة 1505. ولكن، إذا كانت قوة نجدة بسيطة لمساعدة مدينة ساحلية بعيدة عن ممتلكات الجبور في الإحساء وداخل عمان قد ضمت هذا العدد الكبير من الفرسان، فلنا أن نتساءل كم كانت قوة هؤلاء الجبور واتساع دولتهم في مطلع القرن السادس عشر، وكيف ارتضوا أن يدافعوا عن مدن ليست ضمن نفوذهم وأملاكهم ويخسروا في الدفاع عنها أيضا؟ ربما لن نجد أجوبة صريحة لتلك التساؤلات إلا بمزيد من البحث عن إمارة الجبور التي كانت دولة إقليمية كبرى، وعن سواحل الخليج ومدنه بين هذه الإمارة الحيوية ومملكة هرمز.

ومما يزيد الوضع غموضا هو إن قلعة صحار، على الرغم من قوتها وحصانتها، إلا إن الحاكم لم يستخدمها ضد البرتغاليين، بل سرعان ما استسلم عندما شاهد مدافع الإسطول البرتغالي وهي تستعد لقصف المدينة. فكيف استطاع هذا الحاكم تسريح قوة الجبور التي جاءت إليه وفضّل الخضوع بدل سفك الدماء وتخريب المدينة؟ وكيف قام وفد من صحار بإسم الحاكم بتسليم المدينة إلى البوكيرك الذي صمم على النزول بنفسه إلى البر رافضا الاستسلام بهذه الطريقة الهادئة!!، ودخل ذلك القائد مع بعض قواته إلى قلعة صحار واجبر قائدها والحاكم تحت تهديد السلاح برفع العلم البرتغالي على أعلى أبراجها لتراه جميع السفن التجارية التي تمر بالمنطقة، ولكي يعلم الجميع إن القلعة صارت تابعة لملك البرتغال ومعها مدينة صحار أيضا. وقد قبل الحاكم ومعاونوه في صحار هذا الأمر مرغمين لكي لا تدمر مدينتهم على يد البوكيرك. وقبل مغادرة صحار ثبت البوكيرك حكمها بصفة نائب عن ملك البرتغال في حكم المدينة واشترط عليه دفع الضريبة. وهنا أيضا لا نجد أي ذكر بعد ذلك لقوة الجبور التي حضرت لمساعدة مدينة صحار، وهل كانت هي نفسها القوة التي جاءت من مسقط بعد سقوطها أم كانت قوة أخرى مختلفة تتبع قائدا آخر أو فرعا آخر من الجبور، إذ يذكر البوكيرك بعد خروجه من صحار إن كل الأراضي الداخلية بعد صحار وخورفكان تابعة لإبن جابر.

ومن صحار تحركت حملة البوكيرك نحو خورفكان، وهي مدينة ذات موقع حصين أيضا. وسبق لسكانها أن علموا بقدوم البرتغاليين، لذلك استعدت المدينة للمقاومة أملا في وقف زحف البوكيرك الذي لم يتوقف على طول الساحل العماني. وقام الأهالي باستعراضات عسكرية لقواتهم أمام ساحل المدينة اعتقادا منهم إن ذلك سيردع البرتغاليين عن القيام بأية عمليات عسكرية ضد بلدهم، إلا إن البوكيرك أيضا لم تعجبه طريقة أهالي خورفكان في استقباله، ففتح نيران مدافع إسطوله على بلدتهم، وتمكن من القيام بعملية إنزال على الساحل ودفع العرب المدافعين عن المدينة إلى داخل القلعة، ثم أطبقوا عليهم وتمكنوا بعد قتال عنيف من الاستيلاء على القلعة. وقام البرتغاليون بنهب المدينة وإحراقها بعد أن دافع رجالها عن النساء والأطفال دون جدوى، وظلت المدينة تحترق مدة ثلاثة أيام.

كانت خورفكان محطة البوكيرك الأخيرة في منطقة ساحل عمان الذي دمر فيه البوكيرك ثلاث مدن كاملة كما دمر الرابعة (قلهات). وعطل هذا القائد البرتغالي كافة النشاط البحري في هذه المناطق، إذ احرق ما يتراوح بين (110) إلى (120) سفينة تجارية، ناهيك عن سفن الصيد في الموانئ العمانية. وهدم البوكيرك نحو أربعة مساجد ناهيك عن البيوت والمنشآت الاقتصادية والمدنية الأخرى. بعدئذ توجه البوكيرك عبر رأس مسندم إلى مدخل الخليج حيث جزيرة هرمز ليكمل المهمة التي جاء من اجلها إلى المنطقة العربية.

مشاريع الغزو البرتغالي للبحرين





كان من المفترض أن يكون مشروع غزو البحرين من تنفيذ الفونسو البوكيرك لأنه صاحب فكرة هذا الغزو منذ البداية حين زار الخليج أول مرة سنة 1507 للاستيلاء على هرمز واطلاعه على مقدار ثروة البحرين وما تدره من أموال بسبب تجارة اللؤلؤ والعمل بالزراعة. ويبدو إن البوكيرك كان على علم بالصراع الدائر آنذاك بين إمارة الجبور وهرمز حول جزر البحرين الغنية، ولذا نجد في مراسلاته وتقاريره التي كان يرفعها دائما للملك عمانوئيل جانبا كبيرا من حديثه يتعلق بهذا الغزو، وكالاتي:
· في سنة 1508 أرسل البوكيرك رسالة للملك البرتغالي ذكر فيها رغبته الأكيدة في التحكم في كل سواحل الخليج بالقوة والقيام بحروب برية وبحرية تسمح له بالسيطرة المطلقة على كل من البحرين وهرمز.
· رسالة من البوكيرك للملك البرتغالي في 30/10/1514 شرح فيها خطته لغزو البحرين ويتمنى فيها الذهاب إلى البحرين لإحتلالها ”وانتزاع اسم محمد“ منها، لأن ”البحرين يا سيدي العظيم أمر عظيم ومنطقة غنية جدا يكثر بها اللؤلؤ“. ويتضح من خلال هذه الرسالة الهدفان الصليبي والاقتصادي من وراء غزو البحرين.

وكاد ابن أخ البوكيرك المدعو (بيرو البوكيرك) أن يحقق هدف عمه والملك البرتغالي حينما أرسل حملة ضد هرمز سنة 1514. وأثناء تواجده هناك زار المناطق الشمالية للخليج، وعُدت زيارته سلمية لأنها جاءت من دون أن يرافقها تدمير أو إحتلال، ويُعتقد أيضا إن بيرو كان أول قائد برتغالي يقترب من جزر البحرين في طريق عودته إلى هرمز مستكشفا السواحل من بعيد. وربما كان ذلك بناءً على توصية من عمه البوكيرك. ومن المستبعد أن يكون قد نزل بجزر البحرين وهي تحت حكم إمارة الجبور القوية التي كانت تقارع البرتغاليين منذ نزولهم سواحل الخليج بالسلاح. فكيف الحال والبرتغاليون يحاولون النزول على اراضٍ تابعة لممتلكاتهم في البحرين مباشرةً؟ وربما كان هدف البرتغاليين من هذه الزيارة السريعة استكشاف مغاصات اللؤلؤ في تلك الجزر بهدف السيطرة عليها، إذ كانت تشكل المصدر الرئيس للأسواق الآسيوية والأوربية آنذاك.

· وفي آخر رسالة بشأن الوضع في البحرين، في 22/9/1515، أي قبل وفاته بقليل، أرسل البوكيرك إلى لشبونة رسالة يؤكد فيها مرة أخرى على الأهمية الستراتيجية للبحرين!! ووعد بالتوجه إلى الجزيرة بهدف استكشافها ومن ثم إحتلالها. وهنا نقف عند تعبير البوكيرك في رسالته تلك بشأن الأهمية التي أخذت تكتسبها البحرين تدريجيا لدى البرتغاليين، إذ يقول في جزء من رسالته: ”إن البحرين هي أهم ما يمكن أن يهتم به الإنسان، لأن عددا كبيرا من المراكب تنطلق منها باتجاه الهند محملة بعدد كبير من الخيول وكميات مهمة من اللؤلؤ، وإن الاستيلاء عليها والتحكم فيها أمر هيّن إذا ما ساعدنا الله في ذلك وإذا ما توفر لنا الوقت...“، وأضاف البوكيرك: ”... إن إحتلال البحرين والقطيف سيسمح بالهجوم على مكة لأنها لا تبعد عن البحرين والقطيف سوى ستة عشر مرحلة في حال الاعتماد على الجِمال، وهي مسافة قصيرة جدا“.

ويبدو إن عملية إحتلال البحرين كانت هي الورقة الرابحة التي كانت بيد البوكيرك كلما انتقده خصومه في البلاط البرتغالي. فكلما اشتد انتقادهم لسياسته كلما تزايد تدفق التقارير والرسائل التي تتحدث عن أهمية إحتلال البحرين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. إلا إن البحرين نجت في سنة 1515 من هجوم البوكيرك بسبب إصابته بالمرض وهو في الخليج بعد إحتلاله هرمز، ووفاته في الهند فيما بعد في كانون الأول 1515.

وعند دراسة الغزو البرتغالي لبحرين لا بد من التوقف عند حقيقة مهمة قررت مصير الأحداث بعد الغزو البرتغالي للخليج منذ سنة 1507 يمكن إيجازها بالصراع الذي كان قائما بين ملوك هرمز وشيوخ الجبور. وكان هذا الصراع هو الذي وسم الحالة السياسية في الخليج منذ وصول الغزو البرتغالي إلى سواحله. ففي ذلك الحين لم تكن هناك أية قوة عربية قادرة على رصّ الصفوف ونبذ الخلافات القائمة للدفاع عن الخليج، بل ازدادت تلك الخلافات بين ملوك هرمز من جهة وإمارة الجبور الناشئة حديثا في شرقي شبه الجزيرة العربية وعمان والبحرين. وتجسدت قمة العداء الهرمزي للجبور في إرسال حملة (خواجة عطار) في سنة 1511 التي ادت إلى إحتلال جزر البحرين، ثم الاضطرار للانسحاب منها تحت ضغط تهديد الجبور لممتلكات هرمز الساحلية في الأجزاء الشمالية من عمان. وكان لهذا الصراع فائدة كبيرة لملوك هرمز، إذ استعانوا ببعض القوى المحلية الخليجية التابعة لهم وبدأوا بتحريضها للوقوف بوجه الهجمات المتكررة التي كان يشنها شيوخ الجبور في المناطق الداخلية من عمان على الحاميات البرتغالية الواقعة على بعض الموانئ والمدن الساحلية في ساحل عمان.

مقدمات غزو البحرين
سبقت الغزو البرتغالي لجزر البحرين عدة مقدمات ومناوشات من قبيل اختبار القوة أو جس نبض دولة الجبور، ومن بينها:
1) في سنة 1509 تعرض البرتغاليون في الخليج لتجارة الجبور في البحرين في محاولة منهم لإضعافها أو الحد منها. فقد هاجم البرتغاليون سفينة بحرينية محملة باللؤلؤ وتم نهبها في مياه الخليج.
2) سكوت البرتغاليين عن حملة خواجة عطار في سن 1511 ضد البحرين، ويحتمل انها كانت بتشجيع منهم.
3) محاولة استكشاف البحرين وتحصيناتها حينما اقترب منها بيرو البوكيرك أثناء حملته في الخليج سنة 1514.

أسباب الغزو البرتغالي للبحرين

من أهم الأسباب والحجج والذرائع التي قدمها البرتغاليون لإحتلال البحرين:
1) توقف البحرين عن دفع عائدات بعض البساتين التابعة لهرمز في الجزر وفقا لشروط الاتفاقية المعقودة بين هرمز والجبور. وقد عُدّ ذلك ـ أثناء حكم السلطان مقرن بن زامل الجبري ـ تحديا واضحا للبرتغاليين في الخليج وذلك بعد سبع سنوات من إحتلالهم لهرمز سنة 1515. وحينما طالب البرتغاليون ملك هرمز (توران شاه) بدفع ما عليه من ضرائب سنوية للبرتغال تذرع بنقص الأموال لديه، لأن السلطان مقرن الجبري لا يدفع له بانتظام المبالغ المترتبة عليه من واردات البحرين والقطيف وبساتينها ولؤلؤها. وأضاف توان شاه سببا آخر وهو قيام السلطان مقرن الجبري بالتعرض للسفن التجارية التي تبحر ما بين البصرة وهرمز.
2) سياسة البرتغاليين ضد القوى العربية في الخليج التي تقوم أساسا على تجريد المنطقة من كل سلاح بهدف تحجيم القوة العسكرية للجبور لكي لا يُستخدم ضدهم. ولذا قاموا بجمع كل الأسلحة التي زعموا وجودها من موانئ ساحلي عمان وهرمز والجزر الأخرى كافة، فضلا عن مراقبتهم عملية بناء السفن وتفتيشها للتأكد من عدم تسليحها أثناء التصنيع.

وقد ازداد قلق البرتغاليين من توجهات السلطان مقرن الجبري وتصميمه على بناء قوة ضاربة مزودة بالأسلحة النارية الحديثة بالتعاون مع العثمانيين بعد دخول الحجاز تحت نفوذهم في سنة 1517. ويبدو إن هذا العامل من العوامل الرئيسة التي جعلت البرتغاليين يسعون بأقصى سرعة لتدمير الجبور وقوتهم الحربية وانتزاع الموانئ في البحرين وشرقي شبه الجزيرة العربية.

3) ومن الأسباب الاقتصادية التي دفعت البرتغاليين لإحتلال البحرين ما يأتي:
· تجارة الخيول العربية الأصيلة التي كانت تدر أرباحا وفيرة على الجبور الذين يحتكرون تلك التجارة في شرقي شبه الجزيرة العربية، مما حرك أطماع البرتغاليين من اجل السيطرة عليها وانتزاع فوائدها. ولذا نجدهم في المصادر البرتغالية يتحدثون عن وجود أماكن متعددة في كل من عمان والبحرين لتربية هذه الخيول والعناية بها وجلبها ومن ثم تصديرها إلى الأسواق الخارجية بوساطة الجبور لاسيما إلى الهند حيث يكثر الطلب عليها وترتفع أسعارها.
· تجارة اللؤلؤ البحريني النادر والسيطرة على مصائده، وما يدره اللؤلؤ من أرباح وفيرة جدا في تلك المرحلة. ولا ننسى إن احد أهم أهداف البرتغاليين الذين جاؤوا من أوربا هو ضرب التجارة العربية الإسلامية والاستيلاء على كل أشكالها وثرواتها.

4) توجس البرتغاليين من خطر العثمانيين على أملاكهم في المنطقة الخليجية العربية بعد أن ورثوا ممتلكات الدولة المملوكية في الحجاز سنة 1517، وتهديدهم للخليج حينما تمكنوا من هزيمة الصفويين في معركة جالديران سنة 1514. لذلك، ما أن لاح خطر العثمانيين قادما من العراق حتى سارعت السلطات البرتغالية في الهند بتوجيه حملات الغزو ضد جزر البحرين منذ سنة 1520.
5) سياسة الجبور في شرقي شبه الجزيرة العربية خلال تلك المرحلة من حيث توجهاتهم لمساعدة المناطق العربية والإسلامية المجاورة لهم ضد الغزو البرتغالي، وميلها أحيانا إلى إيجاد نوع من المقاومة الجماعية لهذا الخطر الخارجي، مثلما حدث عند مساعدة الجبور لكل من مسقط وعمان التي تحدثنا عنها.


يتبع........

أرب جمـال 7 - 1 - 2010 12:11 AM

مشاريع الغزو البرتغالي للبحرين







الحملة البرتغالية الأولى لغزو البحرين (أيلول 1520)


في شهر أيلول من سنة 1520 اتفق البرتغاليون مع ملك هرمز على القيام بغزو جزر البحرين، فحشدوا لهذا الغرض قوات كبيرة في هرمز يدعمها الإسطول البرتغالي بقيادة (جومز دي سوتا مايور). وكان قوام هذا الإسطول (3) سفن برتغالية كبيرة بمدافعها، تحمل (120) بحارا برتغاليا، و(40) سفينة أخرى ذات مجاديف تابعة لملك هرمز وعليها (1200) جندي وبعض الفرسان. وقد انتهز البرتغاليون فرصة غياب السلطان مقرن الجبري في موسم الحج لتنفيذ هذا الهجوم.

وقد واجه (الشيخ حميد)، ابن أخت السلطان مقرن، هذا الغزو، وهو الذي قاد المقاومة الشديدة التي أبداها أهالي البحرين ضد سفن الحملة البرتغالية وتعطيلهم نزول جنودها على البر. وقد أدى هبوب الرياح والعواصف غير المتوقعة إلى تشتيت بعض سفن الإنزال، لذا فشلت تلك الحملة البرتغالية المبكرة على البحرين. وعلى الرغم من إن القائد البرتغالي (سوتا مايور) انتظر وصول نجدة وتجهيزات من الأسلحة وقذائف المدافع لمدة تقرب من 13 يوما في البحر قبالة سواحل البحرين، إلا إن تلك النجدة لم تصل أبدا، فاضطر للعودة أدراجه، وفشلت تلك الحملة البرتغالية المتوجهة ضد جزر البحرين في تحقيق أهدافها.

الحملة البرتغالية الثانية لغزو البحرين (1521):

عندما تلقى السلطان مقرن بن زامل الجبري نبأ الهجوم البرتغالي الأول على البحرين وكان حينها في الحج، عاد مسرعا بعد أداء فريضة الحج ليشرف بنفسه على الاستعدادات اللازمة لمواجهة أي هجوم آخر مرتقب قد يقوم به البرتغاليون ضد جزر البحرين. ولا نستبعد هنا إن السلطان مقرن كان يتوقع هجوما برتغاليا على بلاده منذ مدة. وليس أدل على ذلك تلك الاستعدادات التي كان قد اتخذها لصد أي هجوم مفاجئ. ويبدو إن تلك الاستعدادات هي التي نجحت في صد الموجة الأولى من الغزو البرتغالي خلال المرحلة الأولى سنة 1520، وإلا فمن غير المنطقي إن تتم كل تلك الاستعدادات التي سنراها لاحقا خلال المرحلة التي سبقت الغزو البرتغالي سنة 1521.

ومن تلك الاستعدادات، مثلا، انه قام بتحصين بعض مناطق البحرين والقطيف، وإعادة بناء سور قلعة إسلامية قديمة كانت في البحرين آنذاك، وإقامة العديد من الاستحكامات. والاهم من ذلك انه كان قد بدأ ببناء إسطول يتكون من عدة سفن واستعان ببنائه بعمال مهرة من الأتراك والفرس والعرب، وجند مقاتلين يجيدون الرمي بالسهام، وعمل كل ما بوسعه على تزويد قواته ببعض المدافع العثمانية والمقاتلين المدربين، ووضع على رأس كل قوة احد القادة المدربين أيضا. فضلا عن ذلك، فقد أمر ببناء سور كبير من الطين أمام الواجهة البحرية لمدينة المنامة وهي العاصمة آنذاك لمنع دخول العدو إليها. وكان عرض هذا السور نحو عشرة أشبار، وجعل واجهته من جذوع النخل بشكلٍ عالٍ جدا. وأمر بوضع المتاريس على طول الساحل البحريني الذي يقع أمام أسوار قلعة البحرين، إذ كان يتوقع أن يكون الهجوم البرتغالي من جهة المياه الضحلة أمام القلعة حيث يسهل نزول الجنود وخوض المياه وصولا للبر. وهذا بحد ذاته ينم عن عقلية عسكرية متميزة في دراسة المواقع العسكرية. كما بنى خطا دفاعيا ثانيا قرب القلعة بجذوع النخل واحدث فيه فتحتين أو ثلاث تؤدي إلى البحر ويمكن إغلاقها بمجرد رؤية البرتغاليين قادمين من البحر بسفنهم. فضلا عن ذلك، فقد قسّم الحائط المواجه للمنطقة التي يتوقع نزول العدو فيها على ثلاثة أقسام، ووضع كل قسم بقيادة قائد وزوده بمدفع. والى جانب ذلك كله أقيمت موانع أخرى وخنادق حول السور.

وللأسف ينقصنا مصدر محلي أو خليجي أو عربي أو إسلامي يتحدث عن قوة الجبور التي دخلت المعركة الحاسمة ضد البرتغاليين سنة 1521. ولهذا يلجأ الكتّاب المعاصرون عادةً إلى المصادر البرتغالية التي تبالغ في تقدير شأن القوة العربية التي حاربتهم، وتقلل من شأن قوة البرتغاليين لإظهارهم بمظهر الشجاعة والإقدام وقدرتهم على التغلب على قوة اكبر منهم. فعند الحديث عن قوة السلطان مقرن، مثلا، تذكر المصادر البرتغالية انها كانت تتكون من احد عشر ألف مقاتل مزودين بمختلف الأسلحة، فضلا عن ثلاثمائة فارس عربي بخيولهم، وأربعمائة من رماة السهام الفرس، وعشرين تركيا من حملة البنادق. وكان هؤلاء العسكريون يدربون السكان على القتال باستخدام الأسلحة النارية والمدافع. إن مسألة تجمّع كل هذا العدد الضخم من الجيش في بقعة صغيرة أمام القلعة المطلة على البحر تثير الاستغراب حقا.

التحالف بين البرتغاليين وهرمز ضد الجبور
اصدر الحاكم البرتغالي العام في الهند (ديو جو لوبيز سكويرا) أوامره بإحتلال البحرين في سنة 1521، وكلّف ابن أخيه القائد (انطونيو كوريا) بقيادة حملة ضد البحرين. وقام كوريا على الفور بالإعداد للحملة وحرص أن تكون هذه الحملة هذه المرة كبيرة قوية حتى لا تفشل كما حدث للحملة السابقة، وتكون الجيش الذي اُعد لهذا الغرض من قسمين:

· قسم أعده البرتغاليون بأنفسهم، وهو مكون من (7) سفن برتغالية كبيرة مزودة بمدافع مدمرة، و (400) محارب برتغالي بقيادة كوريا وأخيه.
· قسم أعده الهرمزيون بأنفسهم وتكون من (200) مركب صغير تحمل على متنها (3000) محارب من الفرس والعرب التابعين لأمير هرمز وبعض رماة السهام. وكان هذا القسم بقيادة (ريّس شرف الدين). وانطلقت الحملة في 15 حزيران 1521 باتجاه البحرين.

لم يصل الإسطول البرتغالي ـ الهرمزي البحرين إلا في 21 حزيران بسبب هبوب العواصف وعدم معرفة انطونيو لمسلك بحري آخر يوصله إلى الجزر بأمان. وكان ذلك القائد قد فقد نحو (150) رجلا من رجاله، وكذلك خسر الهرامزة بعض سفنهم وجنودهم قبل الوصول إلى البحرين.

كان انطونيو حذرا جدا، فلم يقترب من سواحل البحرين كثيرا حينما وصل قبالها في 12 حزيران، وإنما مكث ستة أيام ينتظر قطع الإسطول الهرمزي لتنضم إليه بعد أن تفرقت بفعل العاصفة، وبعد أن أخبرته فرق الاستطلاع البرتغالية إن قوات السلطان مقرن متحصنة خلف أسوار القلعة، فانتظر بقية المدد ووصول قوات هرمز، ولجأ بسفنه إلى مكان امن عند بعض الجزر غير البعيدة عن البحرين لكي يحتمي بها عن الأعاصير البحرية. وعندما تأخر وصول المدد إليه حاول النزول إلى البر البحريني، فوقعت مناوشات صغيرة حين تصدت له قوة متقدمة من الجبور. ولم تسفر تلك المناوشات عن انتصار البرتغاليين. فلما حلّ الليل وفشلت محاولة انطونيو الأولى انتظر حتى الصباح عندما صار البحر جزْرا، فعاد هو وجنوده يخوضون البحر لكي يصلوا إلى سفنهم.

كان السلطان مقرن بن زامل الجبري يعلم إن هدف الحملة البرتغالية ـ الهرمزية ضد البحرين هو طلب رأسه وكسر شوكة الجبور التي باتت تؤرق البرتغاليين في الخليج كثيرا، لذا صمم أن يواجه الحملة البرتغالية ومخططاتها في الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص حتى الرمق الأخير من دون تنازل أو استسلام. وحين حانت ساعة الصفر الحقيقية في يوم 27 حزيران 1521 قامت القوات البرتغالية بمهاجمة السور الذي أقامه السلطان مقرن أمام الساحل المواجه لجبهة القتال بعد أن ظلوا يدكون هذا السور مدة أيام بالمدافع قبل نزولهم إلى البر. ونزل البرتغاليون إلى البر أمام القلعة، وتسلقت قوات انطونيو الحائط الذي أقامه السلطان مقرن. وكان مع انطونيو نحو (170) فارسا، والى جانبه أخوه ومعه (50) فارسا. عند ذاك انسحبت قوات السلطان مقرن ولجأت إلى المدينة بحسب مخطط مدروس من قبل، كخدعة حربية، وظن البرتغاليون إنهم انتصروا فعلا، فأسرعوا نحو المدينة لمطاردة الجنود، فقامت قوات مقرن بهجوم مضاد وحاصرت البرتغاليين بين المدينة والحائط الخارجي للقلعة، ودار قتال عنيف بين القوتين. وكان موقف البرتغاليين صعبا للغاية، إذ أصبحوا بين فكي كماشة، جنود مقرن من جهة، والبحر من الجهة الثانية. واستمرت المعركة أكثر من يوم وكانت تتوقف أحيانا بسبب شدة الحرارة، ثم يعاود الطرفان الهجوم والهجوم المضاد.

ومع استمرار المعركة وطول مدتها حصدت المدفعية البرتغالية عددا كبيرا من جنود السلطان مقرن، وكثر عدد القتلى والجرحى في معسكره. ومع ذلك، واصل الصمود وقتال البرتغاليين بأسلحتهم الحديثة بالقليل من السلاح الذي توفر لديه، على الرغم من الفرق الشاسع بين نوعية السلاح بين هؤلاء وأولئك.

وأثناء توقف القتال بسبب الحرارة الشديدة تقدم رئيس القوة الهرمزية شرف الدين بخطة تتضمن إعداد (200) هرمزي من خيرة حملة السهام (المسمومة) توكل إليهم مهمة وحيدة ألا وهي رمي قادة الميدان في جيش السلطان مقرن للتأثير في بقية الجيش والجنود المرتبطين بهؤلاء القادة. وفعلا، عندما تجدد القتال قام هؤلاء الرماة باقتناص قادة جيش مقرن بمن فيهم القائد العام للجيش. وقد تأثر السلطان مقرن لفقدان قادته من الجبور، ولكنه لم يستسلم ولم يطلب الصلح، بل تولى بنفسه قيادة الجيش بأكمله، لدرجة ان فرسه عُقرت أثناء القتال ولم يتوقف عن أداء مهمته.

وطالت ساعات القتال مما زاد في قلق الجنود البرتغاليين غير المعتادين على هذه المدة الطويلة في حروبهم مع العرب في الخليج، وازداد اضطرابهم عندما جرح قائدهم انطونيو كوريا في ذراعه اليمنى، وكاد التعب والإرهاق أن يأخذ من الجنود البرتغاليين مأخذا ويجعلهم يطلبون الاستسلام، كما كثر عدد الجرحى بين صفوفهم. ولكن حدثت مفاجأة في معسكر السلطان بوقوعه جريحا بسبب وجوده في الصفوف الأمامية لقواته أثناء المعركة، فقد أصيب هو الآخر بعيار ناري في فخذه مما سبب له جرحا بليغا. وربما كانت إصابته جراء قذيفة مدفع برتغالي من سفن الإسطول نُقل في إثرها إلى احد المساجد خلف ميدان القتال، وظل من هناك يقود المعركة عن طريق إصدار الأوامر للشيخ حميد طوال ستة أيام. ولم يمهله الوقت أكثر من ذلك ليكمل المعركة إلى نهايتها، فقد فاضت روحه متأثرا بجراحه. وانتشر خبر مقتل السلطان بين الجنود انتشار النار في الهشيم وكأن الكل كان مرتبطا بوجوده، فالجنود البرتغاليون ارتفعت معنوياتهم القتالية المنهارة سلفا وتشجعوا على مواصلة القتال، في حين انهارت معنويات جنود الجبور المدافعين عن البحرين.

ومع ذلك، لم تتوقف المعارك بعد مقتل السلطان مقرن مباشرة بسبب وجود الشيخ حميد. ولكن نظرا لانهيار معنويات الجنود المرتبطين بقائدهم الأعلى بعد أن فقدوا قادة الميدان، وكثرة عدد القتلى والجرحى في معسكر الجبور، قرر الشيخ حميد سحب ما تبقى من قوات الجبور إلى القطيف مؤقتا ريثما تستعد من هناك لمقاتلة البرتغاليين مرة أخرى بعد إعادة تنظيم صفوفها من جديد. وحال الإعياء في صفوف الجيش البرتغالي وكثرة الإصابات بينهم دون مطاردة أهالي البحرين وجنود مقرن المدافعين عن جزر البحرين، فكلف انطونيو جنود هرمز بقيادة شرف الدين القيام بهذه المهمة.

وقد حرص الشيخ حميد أثناء انسحابه مع بقية الجنود أن ينقل معه جثمان خاله السلطان مقرن الجبري ليدفنه في الإحساء، ولكن ما أن توسطت سفن الجبور مياه الخليج بين البحرين والإحساء حتى لحقت بها القوة الهرمزية بقيادة شرف الدين الذي قرر الاستيلاء على جثمان السلطان مقرن. وتم له ما أراد بعد ملاحقة سفن الجبور، وقام بقطع رأس السلطان مقرن وحمله إلى هرمز. وتذكر رواية أخرى إن انطونيو كوريا هو الذي طارد تلك السفن وقبض على سفينة القيادة التي كانت تحمل الجثمان في طريقها إلى القطيف. وسأل كوريا عن جثمان السلطان حتى تعرف عليه بصعوبة. وهناك شفى غليله بأن قام بحزّ رأس السلطان وحمله معه إلى هرمز ليتباهى به وبانتصاره على سلطان الجبور.

على أية حال، دخل البرتغاليون البحرين وعاثوا في مدينة المنامة فسادا ونهبا، على الرغم من إن انطونيو منعهم من التعرض لبضائع التجار لكي يعودوا لمزاولة تجارتهم في البلاد، إذ كان لا يريد أن تكون تلك الجزيرة مجردة من التجارة. وتم إحتلال قلعة البحرين، كما تم إحراق جميع المراكب الحربية والتجارية للجبور. ومكث انطونيو في البحرين حتى منتصف آب 1521، ثم عاد إلى هرمز بعد أن ترك حامية صغيرة من الجنود الهرامزة فيها. وبالنتيجة، فإن معركة غزو البحرين لسنة 1521 تعد أطول معارك البرتغاليين في الخليج منذ وصولهم إليه من ساحل منطقة عمان سنة 1507، إذ بدأت في 27 حزيران ولم تنته إلا في الأول أو الثاني من آب سنة 1521 على اقل تقدير.

يتبع........

أرب جمـال 7 - 1 - 2010 12:13 AM

تقويم معركة إحتلال البحرين لسنة 1521


إن أول ما يلفت الانتباه هو كيفية تمكن القوات البرتغالية الصغيرة العدد من الاستيلاء على البحرين بمساعدة قوات هرمز التي لا تزيد على (3400) جندي، تاه بعضها في البحر اثر العاصفة التي ذكرتها المصادر، حتى إن انطونيو نفسه لم يكن معه سوى (170) جنديا. وتذكر المصادر البرتغالية نفسها إن المدافعين عن الجزيرة بلغوا نحو (12) ألف جندي محصنين خلف أسوار القلعة، وهناك مدينة محاطة بالاستحكامات، وان المعركة حدثت في فصل الصيف الحار. وهذا يعني إن الأجواء المناخية قد اعتاد عليها جنود الجبور ولم يألفها الأوربيون. فما هو السر إذن في ذلك؟ لابد إن هناك حلقات مفقودة في تاريخ ذلك الغزو وأحداث تلك المعركة تعمد البرتغاليون عدم ذكرها. لذا، لابد من قراءة ظروف معركة إحتلال البحرين مرة أخرى، وطرح بعض القضايا للنقاش، مثلا:
1) إن معظم المصادر التي تناولت الغزو البرتغالي للبحرين برتغالية، مما يمثل وجهة نظر أحادية لا يمكن الاعتماد عليها، إلا بعد إخضاعها للنقد التاريخي.
2) من الطبيعي أن يعمد البرتغاليون إلى المبالغة بحجم قوات عدوهم ويقللوا من حجم قواتهم بهدف إظهار أنفسهم بمظهر المنتصر على قوة اكبر وأقوى منهم.
3) تذكر هذه المصادر إن انطونيو كوريا عندما وجد إن حجم القوات العربية كبيرا اضطر للانتظار أمام الشاطئ 3 أو 4 أيام لكي تصله نجدة من هرمز، ثم تتغافل تلك المصادر فجأة أي شئ عن هذا الموضوع.
4) تذكر المصادر إن السلطان مقرن أصيب في ساقه وانه مات بعد 3 أو 6 أيام، وهذا الأمر يدعو للتوقف، فإصابة الساق لا تقتل بسهولة ولاسيما إذا أصيب بها قائد متمرس مثل مقرن. ويبدو انه أصيب بقذيفة مدفع في ساقه فبُترت، أو انه قُتل برصاصة في رأسه كما تذكر مصادر أخرى. ويبدو إن الذي كتب تلك المعلومات كان برتغاليا وأخذها عن لسان مَن كان موجودا بالمعركة وسجلها بعد مدة طويلة، ولم يكن في معسكر مقرن الجبري ليعرف كيف مات بالضبط.
5) لم تذكر المصادر البرتغالية شيئا عن السفن السبع بمدافعها الضخمة ولا عن نوع السلاح الذي زود به المقاتلون البرتغاليون وهو البنادق، لاسيما إن هذا النوع من السلاح كان الوسيلة العسكرية الوحيدة الحاسمة في معارك لم يكن فيها غير السهام والسيوف.
6) ولم تذكر المصادر شيئا عن إسطول مقرن الجبري الذي بدأ ببنائه في بداية الهجوم الأول لسنة 1520، ولا عن دور هذا الإسطول في المعركة. فهل سبق النزول البرتغالي إلى البر البحريني معركة بحرية أو مناوشات دمر خلالها الإسطول واضطر مقرن بعدها للتراجع إلى البر والدفاع من وراء الاستحكامات وأسوار القلعة، لاسيما إن البرتغاليين كانوا مزودين بسبع سفن ضخمة قادرة على تحطيم إسطول يتكون من مراكب صغيرة. وهذا يدعونا إلى التساؤل بشأن الإسطول البحريني، لاسيما إن سكان البحرين اعتادوا على ركوب البحر، فمن المنطقي أن يبدأوا حربهم في البحر ما دام إسطولهم معهم. فما الذي حدث إذن. هل وقعت خيانة م وسط تلك الأحداث؟ لاسيما إن المصادر البرتغالية تشير إلى اسم شخص هو (الكابتن إسماعيل) الذي أرسل هدايا للبرتغاليين وبعض الخيول والذهب من الإحساء.

كل تلك حلقات مفقودة للأسف قد يؤدي الكشف عن تفاصيلها إلى تقديم صورة أكمل عن تفاصيل المعركة أو المعارك الفاصلة في تاريخ الغزو البرتغالي للخليج عامة والبحرين خاصة. والآن، ما هي أسباب هزيمة الجيش العربي في معركة البحرين لسنة 1521؟


أسباب الهزيمة في معركة 1521

يمكن إجمال أسباب الهزيمة العربية في معركة البحرين لسنة 1521 بما يأتي:
1) دور المدفعية البرتغالية التي كانت تدك أسوار القلعة على نحو اضعف دفاعات الجانب العربي.
2) تفوق البحرية البرتغالية بعدد السفن، واتفاق البرتغاليين مع ملك هرمز بإمدادهم بقطع إضافية عند الضرورة، واستعانتهم بأدلاء ومرشدين من الهرامزة الذين لديهم خبرة بمسالك جزر البحرين وممراتها وطبيعتها، وربما تحصيناتها أيضا.
3) استغلال فرصة غياب السلطان مقرن في موسم الحج لتوجيه الضربة الأولى ضد البحرين واختبار قدرتها الدفاعية وإحداث نوع من الإرباك لخطط مقرن الحربية التي كانت ما تزال في طور الإعداد آنذاك قبل الغزو الثاني الرئيس.
4) عدم خبرة جنود مقرن وكبار قادته بأية حروب سابقة ضد الأوربيين التي تختلف عن الحروب القبلية بالتأكيد. وكان البرتغاليون يعتمدون أسس الحرب الحديثة آنذاك ويستخدمون أسلحة أكثر تقنية (مثل البنادق والمدافع) ولهم جيش نظامي مدرب وجنودهم يرتدون دروعا واقية.
5) إصابة السلطان مقرن وخروجه من ميدان المعركة مبكرا اثر كثيرا في رجاله وفي معنوياتهم لارتباطهم روحيا وفكريا بزعيمهم بسبب تكوينهم القبلي، مما جعلهم يخسرون المعركة.
6) عدم وجود العمق البشري لقوة الجبور في البحرين للجوء إليه وقت الحاجة، فضلا عن استشهاد قادة جيش مقرن في بداية المعركة على يد رماة السهام الهرامزة، مما افقد الجيش القدرة على التحرك، ولم يبقَ مع مقرن من قادته سوى الشيخ حميد.

هذه الأسباب كلها وغيرها أسهمت في هزيمة السلطان مقرن بن زامل الجبري في المعركة، وانسحاب جيش الجبور من البحرين ووقوعها تحت السيطرة البرتغالية.



اثر الغزو البرتغالي في تفكك إمارة الجبور في البحرين وشرقي شبه الجزيرة العربية

كان لهزيمة الجبور على يد البرتغاليين ومقتل آخر زعمائهم الأقوياء مقرن بن زامل الجبري اثر كبير في ضعف الدولة وتدهورها، إذ ترك مقتله فراغا سياسيا كبيرا في إمارة الجبور عجز الأمراء المتنافسون الذين جاءوا بعده عن ملئه. ولذلك، ظهر في هذه المرحلة محوران متنافسان في صفوف الجبور كانا السبب في انهيار الإمارة كليا، وهما:
1) محور تتركز زعامته في الإحساء في أولاد أجود بن زامل وأحفاده. وأجود بن زامل هذا هو حاكم البحرين ونجد خلال الربع الأخير من القرن الخامس عشر.
2) محور تتركز زعامته في شمالي عمان ويمثله أولاد هلال بن زامل بن حسين الجبري وأحفاده. وهلال هذا هو اخو أجود بن زامل.

يضاف إلى ذلك إن احد أسباب الانهيار، فضلا عن التنافس الأسري، هو فتور النشاط الاقتصادي وكساد الفعاليات التجارية يعد هيمنة النفوذ البرتغالي في الخليج وانتزاع البحرين وثروتها، مما أدى إلى سرعة انحلال الإمارة وسقوط البحرين والقطيف.

وبعد السلطان مقرن حكم عمه (علي بن أجود) الذي كان له نفوذ في الإحساء ونواحيها فقط، وهي المناطق التي انحسر إليها نفوذ الجبور بعد الهزيمة، وحكم هذا بضعة أشهر، انتقل الحكم بعدها ابن أخيه ناصر بن محمد بن أجود الذي حكم ثلاث سنوات اتسمت بالضعف والفوضى لدرجة انه اضطر لبيع حكم الإمارة إلى المدعو قطن بن هلال بن زامل مقابل مبلغ من المال. وبتولي قطن بن هلال حكم إمارة الجبور تكون السلطة قد خرجت من أسرة السلطان أجود بن زامل لتنتقل إلى بيت أخيه هلال بن زامل الذين تركز نفوذهم في شمالي عمان. وبعد نحو سبعة أشهر اضطر قطن للتنازل عن الحكم لصالح عمه.

ليس القصد هنا تتبع أسماء بقية أسماء الأسرة وحكامها الضعاف، وإنما الهدف هو الإشارة إلى إن تلك الفوضى السياسية والاقتصادية التي أخذت تتخبط فيها إمارة الجبور بعد مقتل مقرن مباشرة وانتقال السلطة بعده إلى الهلاليين، دفعت بعض الزعماء في الإحساء والقطيف من أسرة السلطان أجود بن زامل إلى البحث عن زعيم قوي ينتشل البلاد من حالة الفوضى والتدهور، فاتجهت أنظارهم إلى شمالا نحو ولاية البصرة بزعيمها الشيخ راشد بن مغامس بن صقر زعيم عشائر المنتفك القوية. وكان هذا الشيخ قد نجح في انتزاع البصرة وكوّن فيها إمارة مستقلة تتمتع بقوة ذاتية بعيدا عن الصفويين. ورأى الشيخ راشد إن الأحوال مؤاتية جدا لتحقيق طموحه في توسيع إمارته وضم بلاد البحرين، لاسيما بعد أن طلب منه بعض الجبور مساعدتهم في ضبط الأمن والنظام في إمارتهم. وهذا هو سبب نهاية إمارة الجبور في شرقي شبه الجزيرة العربية الذي كان خلال السنوات 1524 – 1525، الذي يعد حدا فاصلا بين زوال إمارة الجبور من البحرين والقطيف وحلول سلطة (آل فضل) محلها. وأصبح الشيخ راشد يلقب بعدها (سلطان البصرة والحسا والقطيف)، وظل يحمل هذا اللقب مدة عشرين عاما.
وبما إن النفوذ العثماني بدأ ينتشر تدريجيا في شبه الجزيرة العربية منذ عهد السلطان سليمان القانون بعد سنة 1534 عندما استولى على بغداد وطرد الصفويين منها نهائيا، فقد اضطر راشد بن مغامس إلى تسليم ولاية الإحساء إلى العثمانيين بحدود سنة 1551. وبذلك دخل العثمانيون في الصراع ضد البرتغاليين في الجزيرة والخليج بشكل مباشر.
المحاولات البرتغالية للسيطرة على عدن البحر


الأحمر





الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر
يعد البحر الأحمر شريانا حيويا للاتصالات ووسيلة بالغة الأهمية للتبادل التجاري والحضاري والثقافي بين الدول المحيطة به من جانب وبين البلدان الأخرى من جانب آخر، وكان ذلك سببا في ازدهار الدول والممالك الواقعة على سواحله. وسبقت الإشارة إلى أهمية هذا البحر لدولة المماليك التي كانت تعتمد بالدرجة الأساس في بقائها واستمرارها على الحركة التجارية المارة من خلاله، ورأينا كيف إن تحول الطريق التجاري عن هذا البحر بعد حركة الكشوف الجغرافية أدى، من بين عوامل أخرى، إلى تدهور تلك الدولة ومن ثم سقوطها بيد العثمانيين في سنة 1517.

ومع تزايد حركة التبادل التجاري بين الغرب والشرق أصبح البحر الأحمر حلقة وصل بين قارات العالم القديم (آسيا وأوربا وأفريقيا)، وأخذت أهميته تتزايد تدريجيا. وأدى ذلك بالنتيجة إلى تزايد الاهتمام به من جانب الكثير من الدول التي كانت تعتمد أساسا على النشاط التجاري. وكان البحر الأحمر يتناوب المنافسة مع الخليج العربي لكونه شريانا رئيسا لربط تجارة الشرق بالعالم الغربي الأوربي وبالعكس، عبر مصر واليمن.

عُرف البحر المتوسط عبر التاريخ بأسماء مختلفة منها: البحر الفرعوني، والبحر الحبشي، وبحر القلزم. وقد أسماه اليونانيون ”البحر الأحمر“ (Eritreae)، والتصقت به هذه التسمية حتى الآن. ويبلغ طوله من الشمال عند (رأس محمد) إلى الجنوب عند (باب المندب) نحو ألف ومائتي ميل، وعرضه في اكبر اتساع له نحو 250 ميلا، واقل اتساع عند باب المندب يبلغ ما يتراوح بين 15-20 ميلا. وعند مدخل باب المندب تقع جزيرة (بريم) التي تفصل المضيق إلى قسمين.

تتسم مياه البحر الأحمر بالملوحة الشديدة، كما إن مياهه لا تصلح للملاحة، إذ تكثر فيها الشِعاب المرجانية والصخور التي تعيق الملاحة فيه إلا لمن يعرف أسراره ومسالكه جيدا. وهذا يفسر لنا سبب فشل معظم الحملات البرتغالية التي حاولت السيطرة عليه وعلى سواحله ابتداءً من حملة البوكيرك سنة 1513 وما بعدها. ولولا تجارة الهند واليمن وشرقي أفريقيا وأهميتها للغرب الأوربي وللدول الواقعة على الحر الأحمر، فضلا عن الأمان الذي يتمتع به البحر الأحمر في ظل حكم القوى الإسلامية، مقارنة بالطرق البرية، لما كان بالإمكان استخدامه للتجارة الدولية.

وساعدت طبيعة الرياح الحركة التجارية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وأسهمت معرفة مواقيت الرياح الموسمية حركة السفن، ولهذا تعددت السلع وتنوعت في موانئ البحر الأحمر، فهناك البخور واللبان من اليمن، واللؤلؤ من الخليج العربي، والعاج وريش النعام والذهب من الحبشة وشرقي أفريقيا وغيرها. على هذا الأساس يمكن القول إن الازدهار الذي عاشته اليمن كان مرهونا بنجاح الدولة في السيطرة على طرق التجارة واحتكارها في مناطق البحر الأحمر، والعكس صحيح أيضا، فحين تسوء السيطرة عليه تفقد السيطرة على طرق التجارة هذه.

وحينما سيطر المماليك على الحجاز قامت باحتكار تجارة البحر الأحمر بين الشرق وأوربا، ولاسيما في عهد السلطان البرجي بارسيباي منذ سنة 1425، إذ بدأ بتطبيق نظام احتكار السلع الشرقية، وصار السلطان هو التاجر الأول في عمليتي البيع والشراء، إذ بلغت مكاسبه من بيع الفلفل مثلا، إلى التجار الأجانب في القاهرة والإسكندرية ما نسبته (140%)، كما منع جميع التجار الأجانب من شراء التوابل الهندية من غير (المتجر السلطاني) الذي يديره، وذلك بموجب مرسوم سنة 1428. وقد أدت تلك الإجراءات والقوانين إلى تأثر أهم طبقة تجارية رأسمالية كان لها دور كبير في دعم اقتصاد الدول الإسلامية المطلة على البحر الأحمر، ألا وهي طبقة تجار الكارم (أو الكانم)، التي اشتهرت لدرجة إنها أصبحت تُطلق على التجارة الشرقية عموما في تلك المرحلة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، دفعت إجراءات المماليك تجّار الكارم وتجار البندقية إلى شراء البضائع التي كان يبيعها المماليك بسعر مرتفع، فارتفعت أسعار التوابل وبقية السلع الشرقية بشكل حاد في النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي، مما دفع هؤلاء التجار وغيرهم (مثل تجار قشتالة واراغون) للاحتجاج أكثر من مرة لدى السلطات المملوكية، كما هددت البندقية بقطع علاقتها التجارية مع مصر.

لذلك، بعد أن رأى المماليك الثروة تنهال عليهم من تجارة أفريقيا الشرقية عبر مصر إلى أوربا، حرصوا على أن يبقى سر هذه التجارة المربحة حِكرا لهم وحدهم، فسعوا إلى كسب ود ملوك اليمن والسيطرة على الحجاز والتحالف مع الإمارات الإسلامية الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر لحماية سواحل البحر وطريق التجارة البحرية الهندية.

ولكن إجراءات بارسيباي ومَن جاء بعده من حكام المماليك قضت على أهم طبقة اقتصادية في البحر الأحمر، وهم طبقة (تجّار الكارم) في وقت كانت فيه الدولة في اشد الحاجة لهذه الطبقة التي كانت تمثل القطاع الخاص آنذاك. إذ كانت تلك الطبقة تساعد الدولة دائما وتنقذها في ظروف صعبة وتُغنيها من أن تمد يدها للآخرين خارج حدودها في حال مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، ولاسيما الخطر الاقتصادي والعسكري البرتغالي الذي اخذ يحدق بالتجارة الشرقية، ومن ثم حوّلها عن طريق البحر الأحمر لصالح طريق رأس الرجاء الصالح. لكن قوانين بارسيباي ومَن جاء بعده من المماليك الضِعاف في المراحل المتأخرة أنهت دور طبقة تجّار الكارم في الاقتصاد المصري، وبالنتيجة بقيت طبقة الإقطاع العسكري ـ المترنحة أساسا ـ وحدها في ميدان الصراع العسكري ذو الأهداف الاقتصادية ضد البرتغاليين، ضد البرتغاليين اولا، ومن ثم العثمانيين، فلم تقوَ على المطاولة في المواجهة العنيفة التي حدثت بينهما، وكانت النتيجة الحتمية هي الهزيمة على المستويات كافة وسقوط تلك الدولة نهائيا في سنة 1517 كما سبقت الإشارة.

الأهمية التجارية والستراتيجية لعدن
تقع عدن في الجنوب الشرقي من مضيق باب المندب، وتعدّ من أهم موانئ اليمن ومن اكبر المراكز التجارية في المحيط الهندي في عصور التاريخ المختلفة، وهي عبارة عن شبه جزيرة صخرية تتصل بالبر بأرض رملية مستطيلة الشكل وتبعد عن الساحل بنحو خمسة أميال. وتطل المدينة على تقاطع طرق التجارة العالمية مباشرةً، مما جعلها من أهم مراكز وموانئ التجارة بين البحر الأحمر وأوربا وشرقي أفريقيا والهند والخليج العربي. فضلا عن ذلك، فهي محاطة بسلسلة شاهقة من الجبال تجعل من المكان كما لو كان حصنا طبيعيا. وقد شُبّهت الجبال المحيطة بعدن بأسنان سمك القرش التي تبرز من مياه البحر.

ومدينة عدن منطقة تجارية مفتوحة أساس اقتصادها التجارة العالمية في المحيط الهندي والبحرين الأحمر والمتوسط. ونظرا لأهميتها الاقتصادية فقد وُضعت تنظيمات وقوانين تجارية متعددة تخص السفن القادمة من البحار العالمية. ولو تعرفنا على مقدار ما تدره تجارة عدن من أرباح سنوية لأمكننا تقدير مدى أهمية التحكم بها للدول التي تقع في الجنوب اليمني. لذلك كان الحكام اليمانيون أحيانا، مثل عامر بن عبد الوهاب الطاهري، يخرجون أحيانا بأنفسهم في موسم الرياح المؤاتية للإشراف على خروج القوافل التجارية البحرية المتوجهة إلى الهند. ويمكننا أن نتصور ما يسببه تدهور تلك المداخيل الاقتصادية بسبب الاضطرابات والفتن الداخلية التي غالبا ما تؤدي إلى سقوط الدول، أو بسبب حصار اقتصادي وتدمير السفن التجارية التي ترتاد عدن، كما حصل خلال الغزو البرتغالي للبحار الشرقية وخطة محاصرة عدن والبحر الأحمر التي جاء الفونسو البوكيرك أساسا لتنفيذها، مما اثر في عدن وحكام الدولة الطاهرية، لدرجة إن السلطان عامر بن عبد الوهاب الذي كان يستلم أربع خزائن كل عام كان يستولي على موارد الأوقاف ليستعين بها لمواجهة نقص إيراداته في حروبه ضد الزيديين، مما أثار عليه سخط علماء الدين. ومع اشتداد الحصار المفروض على التجارة الشرقية وانخفاض ما يأتي منها إلى عدن، اضطر حاكمها مرجان الظافري للاستيلاء على خراج منطقة (لحج) القريبة منها لسد النقص الناجم عن عجز إيراداته من اجل الاستعداد للدفاع عن مدينته ضد التهديد البرتغالي الوشيك ولإدارة أمور البلاد وإطعام الناس.

في ظل هذه الأجواء جاء الإعصار البرتغالي الأول لعدن والبحر الأحمر متمثلا في حملة الفونسو البوكيرك سنة 1513.


يتبع..........



(([1])) ياقوت الحموي، معجم البلدان، مج 7، ص 145.



أرب جمـال 7 - 1 - 2010 12:15 AM

المحاولات البرتغالية للسيطرة على عدن البحر الأحمر





الحملة البرتغالية الأولى للاستيلاء على عدن سنة 1513 (حملة الفونسو البوكيرك).
بعد كثير من المراسلات بين الملك البرتغالي عمانوئيل (1495-1521) والقائد البرتغالي الفونسو البوكيرك، نائب الملك في الهند، الذي تولى حكم الهند لصالح الحكومة البرتغالية منذ سنة 1509 بشأن أهمية عدن وضرورة إحتلالها باعتبارها مفتاح البحر الأحمر، وبعد سبع سنوات من التردد والترقب البرتغالي، قرر البوكيرك أن يعدّ إسطوله ويبحر بحملة عسكرية كبيرة نحو البحر الأحمر، بعد وصول أخبار من بعض الجواسيس اليهود من القاهرة تفيد إن السلطان قانصوه الغوري يُعد حملة ثانية إلى الهند لطرد البرتغاليين منها. وكان إسطول البوكيرك مكونا من (20) تضم (1700) برتغالي و (1000) ماليباري. وانطلقت الحملة في شباط سنة 1513 باتجاه عدن.

في هذه المرحلة كانت اليمن تحت حكم عبد الوهاب الطاهري، آخر السلاطين الطاهريين. أما عدن فقد كانت حينذاك تحت حكم الأمير مرجان الظافري (أو الظفاري). وشاهد بعض السكان طلائع الإسطول البرتغالي وأرعبهم منظره وعلموا إن عدن ستُهاجم، فجهزوا زورقا سريع الحركة، وأوفدوا به مجموعة منهم تمكنوا من الوصول إلى عدن في منتصف الليل قبل وصول القوة البرتغالي إلى هناك. وتوجه الوفد إلى مقر الحاكم مرجان الظافري واخبروه بأمر القوة البرتغالية، فساد الاضطراب والهلع سكان المدينة بسبب ما سمعوه عمّا فعله البوكيرك بإخوتهم في الساحل العماني وسوقطرة من قبل، فسارع قباطنة السفن الموجودة بالميناء إلى الأمير مرجان وطلبوا منه السماح لهم بإفراغ حمولتهم على وجه السرعة وترك الميناء، لكنه رفض ذلك. ويبدو إن خطته كانت إبقاء السفن التجارية بالميناء لتشكل حاجزا يمنع البرتغاليين من الاقتراب نحو ساحل المدينة. وفي ليلة 24/3/1513 وصلت سفن البوكيرك أمام مشارف عدن، وكان الأهالي قد أوقدوا النيران على قمم التلال والمرتفعات لتضئ المكان خوفا من الإنزال البرتغالي ليلا، فانتظر البوكيرك حتى الصباح.

وصلت أنباء اقتراب الإسطول البرتغالي من عدن إلى مسامع السلطان عامر بن عبد الوهاب، الذي كان حينذاك في مدينة (زبيد)، فأمر بتجهيز جيش لإرساله للدفاع عن عدن، كما أمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الموانئ الأخرى التابعة لسلطته، وعمل أيضا على تهيئة شعبه وتعبئته من خلال الأدعية والصلاة.

وفي صباح يوم الجمعة، الموافق 25/ 3 / 1513، انتظر البوكيرك أمام ميناء عدن ولم يقم بأية حركة عسكرية، وإنما ظل يراقب أسوار المدينة وتحصيناتها الطبيعية الهائلة ويفكر في كيفية اقتحامها. لذلك، كان قد احضر معه مسبقا بعض السلالم التي صُنعت فيما يبدو لهذه المهمة، مما يدل على انه كان على علم بأسوار المدينة وكيفية اقتحامها بعد النزول إلى البر. وفي الوقت نفسه، كان الأمير مرجان الظافري يفكر في كيفية مواجهة هذه المشكلة، وقرر أن يتخذ مبادرةً باستباق الهجوم على الإسطول البرتغالي، ولكنه لم يفعل ذلك بسبب تهاون البعض من معاونيه.

وعند الظهيرة أمر البوكيرك بعض رجاله على متن سفينتين بالتقدم إلى الميناء لجسّ نبض قوة المدينة واختبار قوة المراكب التي تقف هناك والتحقق عمّا إذا كان بها مقاتلون أو أسلحة، فلم يعثروا على شئ. وقامت القوة الاستطلاعية البرتغالية بسلب بعض السلع التجارية الموجودة بالمراكب، فلم يتعرض لهم احد. وقرر الأمير مرجان إرسال وفد للتفاوض مع البوكيرك لمعرفة نياته وسبب حصاره لعدن، وأرسل مع الوفد هدية من الخراف والفواكه.

ردّ البوكيرك على الوفد اليماني بأنه قائد قوات الملك عمانوئيل وانه في طريقه لإحتلال جدة لمقارعة الإسطول المملوكي المرابط في السويس، وطلب من أمير عدن إعلان ولائه لملك البرتغال وفتح أبواب المدينة لدخول الجيش البرتغالي، وهدد بتهديد السفن الراسية في الميناء ودخول المدينة عنوة في حال رفض الأمر، كما أمهل المفاوضين حتى نهار اليوم اللاحق للرد عليه. وعندما لم يصل الرد من داخل مدينة عدن التي يبدو إن زعيمها قرر الصمود والقتال، نزل الجنود البرتغاليون بواسطة الزوارق الصغيرة التي استولوا عليها من الميناء، وكانت معهم سلالم كبيرة نصبوها على أسوار المدينة. وكان اكبر الارتال المهاجمة هو الرتل الذي يقوده الضابط (غراسيا دي نورنها) المكون من وحدات مشاة وفرسان، الذي أمره البوكيرك بمهاجمة بوابة سور المدينة الرئيسة التي تتواجد بها قوات الدفاع عن المدينة المسلحة ببعض المنجنيقات. وهنا اصدر (دي نورنها) أوامره بالهجوم واندفع الجنود البرتغاليون لوضع السلالم على الجدران الأقصر طولا، وباشروا من هناك للوصول إلى أعلى الأسوار في المدينة. وفي الوقت نفسه بدأت فصائل أخرى من الجيش البرتغالي بمهاجمة سور المدينة الرئيس المطل على الميناء من اجل تحطيمه واقتحام المدينة. ولاقت هذه القوة مقاومة من أهل عدن الذين قاوموهم ومنعوهم من وضع العلم البرتغالي على الجدار، ورموهم بالحجارة من أعلى السور. وعندما لاحظ البوكيرك إن قوات (دي نورنها) تمكنت من الوصول إلى داخل المدينة أوعز إلى ما تبقى من قواته لاقتحام المدينة تماما، في حين ظل هو ينتظر خارجها. وعندما اكتشف سكان المدينة تلك الثغرة التي تسلق منها دي نورنها ورجاله، سارعوا إلى إغلاقها بإرسال مجموعة من الرجال لطرد بقية البرتغاليين الذين كانوا لا يزالون يتدفقون إلى المدينة. ونجحوا في طردهم.

ويذكر احد المؤرخين اليمانيين المعاصرين موقفا غريبا من حاكم المدينة مرجان الظافري لا نعلم سببه وهو الذي رفض تسليم المدينة، إذ يقول إن الأمير مرجان الظافري كان قد همّ بترك قتال البرتغاليين وتوجه نحو مقر سلطته، فأشار عليه احد رفاقه إن ذلك لا يُنجيه في حال إحتلال البلد وعليه أن يخرج لمقاتلة البرتغاليين، فإن نصرهُ الله عليهم نال بذلك عزا عند الله وعند السلطان، وان لم يتحقق النصر فسيفوز بالشهادة ويموت موتا كريما. فركب مرجان فرسه وخرج مع جماعة قليلة من أصحابه. وعندما رأى الناس أميرهم على فرسه يقاتل البرتغاليين دبت العزيمة فيهم وقاتلوا معه بعد أن أوشك البرتغاليون على هزيمة اليمانيين، ولكن الأمور تغيرت بعد هذا الموقف.

أما القسم الثالث من الجيش البرتغالي فقد كان بقيادة القائد (فيدالجو) الذي احتل موقعا وسطا بين رتل البوكيرك ودي نورنها، وتسلق السلالم أيضا، ولكنه تراجع ولم ينجح في دخول المدينة بسبب ثقل جنوده وشدة رمي أهل المدينة وتحطم السلالم. وظل دي نورنها في وسط المدينة دون بقية الجنود البرتغاليين، فجاءه الأمير مرجان ومعه نحو مائة فارس قاتلوا البرتغاليين بشجاعة كما تذكر المصادر، فهرب دي نورنها وتوارى خلف جنوده واُصيب في المعركة، مما اضطر جيشه إلى التراجع، فبدأ ما تبقى من جيشه بالتقهقر هاربين وتوجهوا لاعتلاء أسوار المدينة للعودة من حيث أتوا، فتكدست جموعهم بغير نظام هناك ولم يكن لديهم سلالم، فألقوا بأنفسهم إلى الساحل وهم مثقلون بالحديد، وبقيت مجموعة منهم محاصرة بين السورين الخارجي والداخلي للمدينة، فسقطوا في الفخ. فقد سبق للأمير مرجان الظافري أن أمر بجلب قصب وحرقه ليحترق فيه المُحاصَرون. وفعلا احتلت قوة الفرسان العرب الأسوار التي يعرفون مداخلها ومخارجها وهم يحملون الحطب والزيت والنار. وعندما رأى الجنود البرتغاليون النار مشتعلة أدركوا إن هلاكهم أمر لا محالة فيه، فتراكضوا صاعدين بكل ما أوتوا من قوة ولكن دون جدوى، إذ حوصروا ونالت النار عددا كبيرا منهم، وقُتل هناك الضابط (غارسيا دي سوزا)، وهو احد قادة السرايا، واُبيدت سريته بالكامل داخل المدينة بين السورين. أما بقية الجنود الذين كانوا بقيادة البوكيرك فقد حاولوا تسلق السور أيضا لكنهم فشلوا في محاولاتهم لإنقاذ الموجودين بالداخل. حينذاك، بدأ اليمانيون بإطلاق بعض القذائف بالمنجنيق من على قمة جبل (صيرة) فقُتل وجُرح العديد من البرتغاليين قرب سور المدينة أيضا، مما دفع البوكيرك أن يأمر رجاله بالانسحاب السريع إلى السفن والابتعاد عن الساحل حالا لتفادي الهزيمة التامة.


نتيجة المعركة
بعد انتهاء المعركة غنم اليمانيون دروع القتلى البرتغاليين وأسلحتهم، كما اسروا عددا كبيرا من الجنود الهاربين. وكانت نتيجة المعركة مذبحة كبيرة لجنود البوكيرك داخل المدينة وعند الساحل أمام السور. أما عدد القتلى البرتغاليين في المعركة، فإن المصادر تتضارب في هذه النقطة، فالمصادر العربية تذكر إن عددهم بلغ نحو عشرين ألفا، في حين تذكر المصادر الأجنبية إن عددهم لم يكن ليتجاوز المائة جندي، ومن العرب نحو خمسين فارسا.

وانتقاما من أهالي المدينة قام البوكيرك بإرسال جنوده مرة أخرى لسرقة محتويات المراكب الراسية في المرفأ اليمني، ثم قام بإحراقها كلها، وكانت نحو أربعين سفينة، ثم استولى على موقع (جار البندق) قبالة عدن واستولى على ما به من أسلحة ومنجنيقات ليؤمن انسحابه من دون خسائر كبيرة، وليضمن استغلال هذا الموقع الحيوي المطل على ميناء عدن حين عودته من جديد مستقبلا. ثم دخل البوكيرك باب المندب بصعوبة كبيرة بسب كثرة عدد سفنه ولصعوبة الملاحة عند هذا المضيق كما سبقت الإشارة. لذلك، أرسل اولا فرقة استطلاع تكونت من سفينة على متنها عشرون برتغاليا ومعهم يهودي للترجمة. ولكن البوكيرك لم يستطع فعل شئ في الموانئ المطلة على باب المندب بسبب تخوفه من وجود جنود السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري الذين كانوا مستعدين لقتال البرتغاليين، وكان الأخير قد أمر جنوده بعدم التعرض للإسطول البرتغالي حتى يغادروا بسلام.

وفي أواخر نيسان 1513 وصل البوكيرك بسفنه إلى جزيرة كمران واستولى على أربع سفن محملة بالتوابل الهندية، إحداها تخص السلطان قانصوه الغوري، فاخذ السلع بالغصب وقطع آذان البحارة وجدع أنوفهم، ثم احرق السفن انتقاما، ومكث في كمران بضعة أيام، وكانت تلك أول مرة يدخل فيها إسطول برتغالي البحر الأحمر.

في هذه الأثناء وصلت أنباء الغزو البرتغالي للبحر الأحمر مسامع السلطان المملوكي قانصوه الغوري، فأمر بتحصين ميناء جدة تحصينا جيدا، لكن الأحوال الداخلية المضطربة منعته من إرسال حملة بحرية سريعة لمواجهة البوكيرك، وذلك لأن الإسطول المملوكي كان لا يزال في طور الإعداد في السويس ولم يكن جاهزا في ذلك الوقت، كما إن أنباء التحركات العدائية بين الصفويين والعثمانيين قرب الحدود الشمالية الشرقية المملوكية كانت تقلقه أيضا.


أهداف الحملة
كان البوكيرك يهدف من وراء دخوله البحر الأحمر إلى مهاجمة جدة، ومن ثم الوصول إلى المدينة المنورة ونبش قبر الرسول الكريم محمد (ص) تنفيذا لوصية الملك عمانوئيل باقتلاع جذور الإسلام وضربه في عقر داره. وتركزت خطته التي أراد تنفيذها على النحو الآتي:

1) العمل على تجهيز (400) فارس برتغالي من بحّارة الإسطول وإنزالهم في ميناء ينبع بعد الحصول على الخيول من الحبشة، ومن هناك يتجه الفرسان إلى المدينة المنورة حيث مسجد الرسول (ص) لنبش قبره الشريف والاستيلاء على كل الكنوز الإسلامية الثمينة في المسجد ونقلها مع رفات الرسول (ص) خارج الحجاز تماما، وبذلك يستطيع ملك البرتغال مساومة المسلمين بافتداء الرفات مقابل تسليم كنيسة القيامة في القدس لهم.
2) الفكرة الثانية من دخول البوكيرك البحر الأحمر، أن يفتح طريقا، أي قناة بين جبال البحر الأحمر والنيل لتحويل مجرى النهر الكبير ليصب في أراضي الحبشة فقط، ليحرم مصر منه ويجعلها تموت عطشا. ولذلك، ظل البوكيرك طويلا في جزر كمران ـ كما يقول ـ لتصله مجموعات العمال الكبيرة التي طلبها من جزر ماديرا لقطع صخور البحر الأحمر وتحويل مجرى نهلا النيل. ويقول البوكيرك إن ملك الحبشة كان يتحرق شوقا لرؤية هذا المشروع ينفذ على يد البوكيرك.

ولكن أحلام البوكيرك ذهبت أدراج الرياح بسبب عاصفة هوجاء حطمت جزءا من سفنه وشتت الباقي، وبسبب إصابة عدد من رجاله بالأمراض أيضا وموت بعضهم نتيجة الظروف المناخية القاسية للبحر الأحمر وندرة المياه والطعام. ويروي البوكيرك أيضا قصة ذلك التحذير السماوي الذي شاهده عيانا هو وضباطه ليلا حينما كان يضع خطة الهجوم على جدة صباح اليوم اللاحق. وتمثل ذلك التحذير بلمعان من الوهج واللهب لم يلبث أن تحول إلى كتلة من النار المخيفة في السماء فوق الحجاز والمدينة المنورة بالذات، ثم تقدم هذا اللهب ـ كما يقول البوكيرك ـ وتوقف فوق سفن البرتغاليين لمدة قصيرة، ثم تحرك سريعا صوب الحبشة واختفى هناك. فأصيب البرتغاليون بالذعر من تلك المعجزة، ولم يلبث البوكيرك أن اصدر أوامره بالعودة حالا، وقفل راجعا إلى الهند خائبا بعد أن ذاق الامرّين بسبب تحصينات عدن الطبيعية ومقاومة أهلها له ومقتل عدد من رجاله. أما إنقاذ المدينة المنورة فيعزوها بعض المؤرخين إلى العناية الإلهية في حال تصديقنا لرواية البوكيرك.

وفي طريق عودته أرسل البوكيرك سفينتين من سفنه لاستكشاف ميناء (زيلع)، وهناك احرقوا سفينتين راسيتين للتجار المسلمين. ثم نزل البوكيرك بجنوده في جزيرة بريم الصخرية ولم يجد بها شيئا. وهنا حاول مهاجمة عدن مجددا ليحقق مكسبا مهما يعوض به فشله الأول أمام عدن، وفشله الثاني أمام جدة، لكنه وجد تحصينات الميناء أكثر من ذي قبل. وخلال أسبوعين حاول أن يقصف الميناء من بُعد، لكن قنابل مدافعه لم تُحدث ضررا كبيرا. لذا قرر إنزال جنوده بالزوارق ليلا لمهاجمة البلدة، فتنبه أهل عدن وخرجوا لهم واشتبكوا معهم وهزموهم وقتلوا منهم عددا وجرحوا عددا آخر. وهنا تسرب اليأس إلى نفس البوكيرك وتأكد انه لن يتمكن من تحقيق شئ في عدن واليمن بسبب استبسال أهلها في الدفاع عن بلادهم وصعوبة تحصينات عدن وصعوبة الإبحار في البحر الأحمر كذلك، وأدرك عدم جدوى البقاء هناك، فعاد أدراجه إلى الهند خائبا في آب 1513.


تقييم المعركة
اعتمدت عدن على نفسها في صد الغزو البرتغالي، إذ لم تصلها نجدات السلطان عامر بن عبد الوهاب التي أعلن عنها طوال وجود البوكيرك عند عدن. وكانت خطة الدفاع عن المدينة قد اعتمدت في جزء كبير منها على حصانتها الطبيعية وعدم منازلة البرتغاليين في معركة بحرية مفتوحة نظرا لعدم التكافؤ بين اليمانيين والبرتغاليين. وأثبتت خطة الأمير مرجان الظافري فاعليتها ضد البرتغاليين، لا خلال الهجوم الأول فحسب، وإنما أثناء معاودة البرتغاليين الهجوم عليها بعد عودتهم من البحر الأحمر أيضا في العام نفسه. فقد وجدوا إن المدينة قد اُحيطت بسور جديد وأبراج متعددة بُنيت خلال وجود البوكيرك في البحر الأحمر ما بين مايس إلى تموز 1513. وهكذا شكلت عدن هزيمة قاسية للبرتغاليين بشكل عام ولألبوكيرك على وجه التحديد. وأراد البوكيرك تعويض ذاك هذا الفشل فأرسل ابن أخيه (بيرو) إلى الخليج في سنة 1514 لتأديب هرمز.

وعلى الرغم من فشل البوكيرك في عدن وعدم مقدرته على فعل شئ في جدة ومكة، إلا انه نجح في هذه المغامرة البحرية في وضع الأسس الأولى للوجود البرتغالي في البحر الأحمر، كما نجح في أن يرسم لخلفائه من بعده من نواب الهند خطة واضحة لكيفية غزو البحر الأحمر إلى أقصى شماله والتغلب على الصعوبات الملاحية. ويبدو إن البوكيرك خرج بخبرات مفيدة من هذه التجربة وهي:


1) إمكانية قيام تعاون عسكري مع الحبشة وإعلان حرب شاملة على الكيانات الإسلامية في اليمن والبحر الأحمر.
2) زاد اعتقاده بضرورة إحتلال عدن وإنشاء استحكامات حربية بها تمكّن البرتغاليين من السيطرة على البحر الأحمر انطلاقا من عدن. فالميناء صالح جدا لرسو السفن البرتغالية الكبيرة.
المحاولات البرتغالية للسيطرة على عدن البحر الأحمر





ثانيا: الحملة البرتغالية الثانية سنة 1517
لم يقضِ الفشل الذي لاقاه البرتغاليون في عدن سنة 1513 على خططهم لمحاولة السيطرة عليها مرة أخرى, ففي 8 شباط 1517 وصلت حملة برتغالية جديدة بقيادة (لوبو سواريز) نائب الملك في الهند الذي أعقب البوكيرك، بهدف السيطرة على البحر الأحمر وإغلاقه نهائيا في وجه التجارة الإسلامية. وكان معه إسطول مكون من نحو (30) سفينة ونحو ألفي جندي. ورسا هذا الإسطول أمام عدن في آذار سنة 1517. وتشير المصادر البرتغالية إلى إن حاكم المدينة مرجان الظافري قبِل هذه المرة الخضوع للبرتغاليين وسلمهم مفتاح عدن، ولكن المصادر اليمانية المعاصرة للحدث تذكر إن الأمير مرجان لم يسلم المدينة أو مفاتيحها لهم، وإن كل ما قام به هو مقابلة البرتغاليين عند الساحل، وموافقته على مدّ الإسطول البرتغالي بما يحتاج له من مؤن ومرشدين بحريين لقادة سفنهم إلى جدة بحسب طلبهم منه. وقد قيِل مرجان الظافري القيام بذلك اتقاءً لشرهم. ويمكننا فهم هذا الموقف وتفسيره إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الوضع الذي كانت تمر به اليمن في تلك المرحلة. فقد شهدت المرحلة التي أعقبت حملة البوكيرك (1513) وحملة سواريز (1517) أحداثا كثيرة أضرت بموقف اليمن وأضعفت دفاعاته، ولاسيما في عدن، إذ جاءت الحملة المملوكية الكبيرة بقيادة حسين باشا الكردي وسليمان العثماني لمقاتلة البرتغاليين في الهند، لكنها غاصت في مستنقع صراعات اليمن ـ كما سنرى ـ وانتهى الأمر بقصف حسين باشا الكردي لمدينة عدن وتحصيناتها على نحو مدمر ولاسيما أسوارها المنيعة، وحصن جبل صيرة الذي سبقت الإشارة إليه.

وإزاء هذا الوضع، اضطر الأمير مرجان إلى الترحيب بحملة سواريز ومنحهم ما طلبوه وصار صديقا للبرتغاليين بسبب خوفه من المماليك الذين كانوا لا يزالون في شمالي اليمن لمساعدة الزيديين ضد الطاهريين، ولاسيما إذا علمنا إن سواريز ذكر لمرجان الظافري انه إنما جاء أصلا لمقاتلة المماليك وانتزاع جدة من أيديهم. ومن حسن الحظ فإن هذه الضيافة أثرت في نفس سواريز، فلم يفكر في استغلال ضعف مدينة عدن واستسلامها له عسكريا للسيطرة عليها عسكريا، وإنما اكتفي ـ ليُدخل الطمأنينة في قلب حاكمها مرجان ـ أن قال له يكفي أن نتعامل كحلفاء. وكان هدفه من ذلك، كما يبدو، تأجيل الاستيلاء على المدينة إلى ما بعد تحطيم الإسطول المملوكي في جدة بجهد يماني ـ برتغالي مشترك، ثم الاستيلاء على عدن بعد ذلك.

واتجه سواريز نحو جدة مباشرة، وكان يعلم إن الإسطول المملوكي يتركز فيها، وان الوضع قد تغير بعد انتقال الحكم من المماليك إلى العثمانيين. وعلى الرغم من إن القوات المتمركزة في جدة بقيادة سليمان العثماني أعلنت ولاءها للدولة العثمانية، إلا أنها لم تتلقَ منها أية إمدادات أو تعزيزات جديدة، كما إن أهالي جدة كانوا يعانون من عبء الضرائب الجديدة الفادحة التي كان حسين باشا الكردي قد فرضها عليهم للإنفاق على تحصينات المدينة. يضاف إلى ذلك، إن حملة سواريز كانت أول تحدٍ مباشر لسلطة العثمانيين ووجودهم في مصر والحجاز في عهد السلطان سليم الأول الذي حارب الصفويين والمماليك خلال 1514 و 1517 قتالا ضاريا، ولكنه لم يفعل شيئا إزاء الخطر البرتغالي بعد مغادرته مصر عائدا إلى اسطنبول.

وهنا تتدخل طبيعة البحر الأحمر ومناخه المتقلب في إعاقة الحملات البرتغالية عليه وعلى جدة تحديدا. فقد هبت عاصفة هوجاء على إسطول سواريز فشتته في البحر، وساعدت صخور البحر وشعابه المرجانية في تخريب وإعطاب جزء من سفن الإسطول البرتغالي أيضا. إزاء ذلك، قرر سواريز الانسحاب فورا والعودة إلى كمران. وكان القبطان (الريّس) سليمان العثماني في جدة مع الجيش المملوكي ـ العثماني قد اعد عدته للمواجهة. وعندما شاهد البرتغاليين ينسحبون، طاردهم على ظهر مركبين مملوكيين ولحق بمؤخرة الإسطول البرتغالي عند ميناء (اللحية) شمالي اليمن قُبيل جزيرة كمران، واسر إحدى سفنهم بعد أن ضربها بالمدافع، وكان على ظهرها (17) برتغاليا أخذهم معه إلى جدة ووضعهم في السجن بصفتهم أسرى حرب، ثم أرسلهم إلى القاهرة، ومن هناك أرسلهم إلى السلطان العثماني في اسطنبول.

بعد ذلك توجه سواريز نحو جزيرة كمران وظل بها نحو ثلاثة أشهر لحين اعتدال الرياح. وفي هذه الجزيرة فقد أيضا عددا من بحارته بسبب الأمراض وشحة المياه الصالحة للشرب. وقبل أن ينسحب دمر التحصينات التي أقامها حسين باشا الكردي في الجزيرة، واحرق النخيل، ثم غادر الجزيرة في حزيران 1517 متوجها إلى زيلع التي وصلها في تموز، فقصفها وقتل عددا من أهاليها انتقاما من الفشل الذي أصابه في جدة ثم عاد إلى باب المندب ومنها إلى عدن، ومن عدن قفل عائدا إلى الهند. ونتيجة لفشله في هذه الحملة عزله الملك البرتغالي عمانوئيل من منصب نائب الملك بعد اقل من ثلاث سنوات لتوليه، وكان ذلك في كانون الأول 1518.

ومع ذلك، لم ييأس البرتغاليون من السيطرة على عدن لاسيما بعد ازدياد النفوذ العثماني في البحر الأحمر وتخوفهم من وصوله إلى اليمن ومقارعة الإسطول البرتغالي في البحار الشرقية، فأعادوا هجماتهم على عدن أكثر من مرة. فقد شهدت المرحلة الممتدة من 1520 حتى 1529 سلسلة من الحملات العسكرية كان الهدف منها تحطيم دفاعات عدن، ولكنها فشلت. وفي سنة 1530 تعرضت عدن لحملة برتغالية كبرى تمكن بها البرتغاليون من إجبار حاكمها ـ الذي تولى الحكم بعد مرجان الظافري سنة 1521 وسقوط الدولة الطاهرية ـ على قبول التوقيع على معاهدة اعترف بموجبها بالسيادة البرتغالية على عدن مقابل اعتراف البرتغاليين بحق العدنيين بالملاحة في المحيط الهندي باستثناء البحر الأحمر وجدة، كما وافق أيضا على مرابطة سفينة برتغالية واحدة في ميناء عدن.



موقف الطاهريين والمماليك من الغزو البرتغالي
عند دراسة موقف الدولة الطاهرية من الغزو البرتغالي للجنوب العربي والبحر الأحمر الذي هدد مصالح هذه الدولة مقارنةً بموقف الدولة المملوكية نجده يتسم بالضعف والتهاون. فقد كان تجهيز نحو (170) ألف مقاتل بين سنتي 1505-1506 لحرب الدويلة الزيدية في شمالي اليمن أكثر اهميةً لدى الطاهريين من مقاومة الغزو البرتغالي لعدن سنة 1513. واقل ما يقال عن هذا الموقف انه لا يوازي موقف الدولة المملوكية الايجابي.

ومع ذلك، فقد اهتم اليمانيون بالغزو البرتغالي، ولكن إمكاناتهم البحرية كانت ضئيلة جدا وتكاد أن تكون معدومة مقارنةً بإمكانيات البرتغاليين بسبب عدم وجود إسطول بحري يقارع البرتغاليين في أعالي البحار. كما أرسل السلطان عامر بن عبد الوهاب لطاهري حملة صغيرة لمقاتلة البرتغاليين في سنة 1513 تكونت من نحو (600) مقاتل، على الرغم من إن دولته كانت تمر بأحوال مضطربة من الناحية المالية بسبب ضعف وارداتها جرّاء الحصار البرتغالي للبحر الأحمر. ولكن المعلومات عن هذه الحملة شحيحة جدا. وفيما عدا ذلك، فقد تحملت عدن وحدها وحكامها، أمثال مرجان الظافري وسواه، مهمة الدفاع عن نفسها ضد غزوات البرتغاليين التي بلغت أكثر من ست حملات بين سنتي 1513 و 1530.



المماليك وخطة حماية البحر الأحمر
إذا كانت الدولة الطاهرية قد تأثرت بالغزو البرتغالي للبحار الشرقية بعد الاستكشافات الجغرافية وتحويل طرق التجارة إلى رأس الرجاء الصالح وتدمير التجارة العربية الإسلامية في المحيط الهندي، فإن الدولة المملوكية كانت هي المقصودة والمعنية بهذا التدمير وليس اليمن فحسب. لذا، قُدِّر للدولة المملوكية أن تقف إلى جانب الدولة الطاهرية في صف واحد بوصفهما أول القوى الإسلامية التي تحتم عليها حماية البحار الشرقية وطرق التجارة الإسلامية من الغزو البرتغالي وإعادة تامين تلك الطرق، لاسيما طريق البحر الأحمر، فضلا عن حماية المقدسات الإسلامية في الحجاز التي كانت مُستهدفة في المخططات البرتغالية، فقد كانت تلك الأهداف الصليبية ممزوجة بالأهداف الاقتصادية على نحو مثير للانتباه.

وبسبب اعتماد الدولة المملوكية منذ منتصف القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر في اقتصادها على التجارة الشرقية بشكل أساس، بعد تدهور الصناعة والزراعة، فقد قامت بتجهيز أولى الحملات الإسلامية لدفاع عن البحار الشرقية وطرق التجارة الإسلامية. وسبق أن تطرقنا إلى الحملة التي شنها الإسطول المملوكي ضد الإسطول البرتغالي في شاول سنة 1508 وانتصاره، ثم هزيمته في السنة اللاحقة (1509) في معركة ديو الشهيرة. ثم جاءت الحملة الثانية بقيادة الريّس سليمان العثماني والقيادة العامة للإسطول للأمير حسين باشا الكردي بصفته نائب جدة، وعرفت هذه الحملة بإسم حملة الهند الثانية سنة 1515، وبلغ عدد جنودها نحو ستة آلاف مقاتل، وعدد السفن نحو عشرين سفينة، كان هدفها النهائي الوصول إلى الهند وتأمين التحصينات العسكرية في البحر الأحمر والطرق المؤدية إلى الهند. واتخذ المماليك سياسة دفاعية في البحر الأحمر قبل التوجه إلى الهند خشية من معاودة البرتغاليين الهجوم عليه وعلى جدة.

يبدو إذن، إن خطة المماليك البحرية الستراتيجية قد تغيرت بعد فشل حملة البوكيرك على البحر الأحمر، ويبدو إنهم كانوا يهدفون إلى تحقيق هدفين: (1) إغلاق البحر الأحمر أمام الغزو البرتغالي مجددا؛ (2) اتخاذ ميناء عدن قاعدةً لنشاط المماليك البحري في المحيط الهندي بسبب قربها من القواعد البرتغالية مقارنةً بالسويس.

ومن هنا عمل المماليك على إقامة القواعد البحرية على السواحل اليمانية في عدن وجدة وعلى الجزر الستراتيجية مثل كمران ودهلك. وليس من الواضح فيما إذا كانت لدى حسين باشا الكردي أية توجيهات من السلطان قانصوه الغوري بإحتلال عدن في حال رفض حاكمها الطاعة، أم انه كان تصرفا اجتهاديا أملته عليه الظروف، لاسيما حينما وجد السلطان عامر بن عبد الوهاب يتراجع عن وعوده التي قطعها للمماليك أثناء حملة البوكيرك سنة 1513 حينما أبدى استعداده للتعاون معهم وفتح أراضيه لإقامة قواعد بحرية للجيوش المملوكية للدفاع عن أراضيه، ثم تغير موقفه حينما فشل الهجوم البرتغالي على عدن من دون مساعدة خارجية لتأخر وصول الإسطول المملوكي إلى اليمن، فتراجع السلطان عامر عن الوفاء بوعوده للمماليك، ربما بسبب نصائح بعض مساعديه الذين نصحوه بعدم الاكتراث للمماليك خشية أن يطمعوا بالاستيلاء على اليمن. وهنا قابل حسين باشا الكردي تراجع سلطان عدن بالقوة المسلحة لدواعٍ أمنية وستراتيجية، وربما لأطماع شخصية أو لرغبته في حكم اليمن والحجاز أيضا بوصفه نائب جدة الرسمي. فقام بمهاجمة السواحل اليمانية التابعة للسلطان عامر بن عبد الوهاب، وهنا توالت الأحداث سريعا بشكل مأساوي. فقد أوفد الإمام شرف الدين الزيدي ـ كما سبقت الإشارة ـ مبعوثه إلى جزيرة كمران التي يتواجد بها حسين باشا الكردي بجيشه وإسطوله، وسلمه رسالة وصف فيها عامر بن عبد الوهاب بأنه عدو الله الجائر. وقد شجع هذا الموقف حسين باشا الكردي على غزو الدولة الطاهرية، فانحرفت الحملة المملوكية عن أهدافها الأصلية وبدأت منذ تلك اللحظة تغوص في أوحال مشكلات اليمن القبلية والعشائرية، فضلا عن خيراتها التي كانت تغري المماليك بغزوها والاستئثار بثروتها.

وعندما علم أعداء الطاهريين بنيّة الإسطول المملوكي على مهاجمة اليمن تكتلوا ضد الطاهريين. ومن بين هؤلاء أمير ميناء اللحية الذي سارع للاتصال بالمماليك وساعدهم بما يمكن أن تقدمه جزيرة كمران. ليس هذا فحسب، وإنما عمل دليلا لهم في مناطق الداخل اليمني للقضاء على معارضيهم هناك. ولما رأى أهالي قرية (ضحى) الزيدية تقدم مندوبهم إلى حسين باشا الكردي وبايعوه وطلبوا منه أن يرسل معهم (200) مملوك، وتعهدوا بتزويده بالمؤونة فيما لو تمكن من استعادة قريتهم له، فتقدم المماليك مع الزيديين إلى تلك القرية واستولوا عليها.

ويُذكر إن سبب تفوق المماليك عند نزولهم اليمن أول مرة يعود إلى إن أهل اليمن لم يكونوا يعرفون البنادق ولا المدافع. فحينما بدا المماليك بقذف اليمانيين بمدفع كبير، خافوا منه وانهزموا، واخذوا قذيفة المدفع بعد سقوطها وبدأوا يتفرجون عليها ويفرّجون الناس عليها، وهم متعجبون من شكلها.

وهكذا تمكن المماليك من النزول إلى ارض اليمن، فدارت بينهم وبين قوات السلطان عامر بن عبد الوهاب معارك متعددة، كان ينهزم فيها ويتراجع، حتى نزل الأمير حسين باشا الكردي بنفسه من كمران بألف فارس انضم إليهم الزيديون، فدخل مدينة زبيد في سنة 1510 واستولى عليها. فهرب السلطان عامر وأخوه عبد الملك وولده عبد الوهاب بعد أن كانوا يدافعون عن البلدة بكل قوة. أما حسين باشا الكردي وجنوده فقاموا بنهب مدينة زبيد مدة ثلاثة أيام وخربوا البيوت وسبوا النساء والصبيان. ثم توجه السلطان عامر بن عبد الوهاب إلى مدينة تعز، في حين بقي حسين الكردي بمدينة زبيد مدة (27) يوما آخر، صادر خلالها أموال المدينة وسبى أهلها. وبلغت غنائمه من مدينة زبيد وحدها نحو عشرة آلاف (اشرفي) ذهبي. ثم خرج من المدينة والتقى بالريّس سليمان العثماني على ظهر الإسطول وتوجها معا إلى عدن لإحتلالها، وعيّن على المدينة (بارسيباي المملوكي).

وهكذا تغير الهدف المملوكي من التصدي للبرتغاليين إلى محاربة الطاهريين، فقد تعرضت عدن لقصف الإسطول المملوكي الذي كان قد اُعد أساسا لمحاربة البرتغاليين في الهند، وهدم الإسطول المملوكي أجزاءً كبيرة من أسوار المدينة. ومع ذلك، لم يستطع المماليك السيطرة عليها، وسقط عدد كبير من الجانبين المملوكي واليماني. ووصلت نجدة من السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري بجيش يقوده أخوه عبد الملك بن عبد الوهاب ودخل عدن. وهنا تسرب اليأس إلى سليمان العثماني وحسين الكردي من الاستيلاء على عدن وذلك بفضل مناعة المدينة وقوة تحصيناتها، فتركا عدن بعد أن سلبا المراكب التجارية في الميناء وأخذوها معهما.

عند هذه المرحلة استولى السلطان سليم الأول على مصر (سنة 1517)، وبذلك سقطت دولة المماليك، فأصبحت اليمن تابعة للعثمانيين، لاسيما إن شريف مكة، الشريف بركات، بادر إلى إرسال ولده إلى السلطان سليم في مصر ليعلن خضوعه وولاءه للدولة العثمانية، فولاّه سليم الأول على ولاية الحجاز بكاملها، بما فيها جدة. فما كان من الشريف بركات إلا أن احتال على الأمير حسن باشا الكردي وطلب منه أن يأتي للتباحث معه في أمر جدة، فذهب حسين الكردي إلى الحجاز وقابل الشريف بركات في المدينة المنورة. وهناك دبر له الشريف مؤامرة للتخلص منه، فأرسله إلى مصر، ولما كان في عرض البحر قامت مجموعة من العبيد بإغراقه، وذلك انتقاما منه بسبب أعماله القاسية ضد أهل الحجاز وجدة أثناء ولايته عليها، حينما كان يأخذ أموالهم ليبني أسوار المدينة وحصونها. والحقيقة انه لولا تلك التحصينات ـ التي يعود إليه الفضل في بنائها ـ لما صمدت جدة أمام الحملة البرتغالية الكبيرة بقيادة سواريز سنة 1517، وذلك باعتراف البرتغاليين أنفسهم.

وهكذا انتهت حياة الأمير حسين باشا الكردي، ولم يبق من قادة الحملة المملوكية الثاني سوى الريّس سليمان العثماني الذي أعلن ولاءه للدولة العثمانية وغير اسمه من (سليمان الرومي) إلى (سليمان العثماني)، وبقي في جدة مع إسطوله ثم عاد إلى مصر. أما مصير السلطان عامر بن عبد الوهاب، فقد تولى أمر المماليك في اليمن ـ بعد مقتل بارسيباي على يد اليمانيين ـ الأمير اسكندر، وقام هذا بمواصلة قتال الطاهريين الذين أعلنوا ولاءهم للدولة العثمانية. وكان السلطان عامر ينسحب من أمام المماليك من مدينة إلى أخرى. وأخيرا، تفوق المماليك على الطاهريين وهزموهم في أكثر من معركة وأخرجوهم من معظم مدن اليمن المهمة التي كانت تحت سيطرتهم، وبقي السلطان عبد الوهاب وحيدا مع قلة من جنوده. أما أسباب هذه الهزيمة فتعزى إلى:
1) تفوق الأسلحة المملوكية من بنادق ومدافع وغيرها، وتفوق الجيش النظامي المدرب على المجاميع القتالية القبلية والعشائرية.
2) مساعدة الأشراف الزيديين بزعامة الإمام شرف الدين للمماليك في اليمن، ومساندة الكثير من القبائل اليمانية المناوئة للطاهريين، مثل قبيلة (المعازبة).
3) انحلال وتدهور معنويات الطاهريين بعد الانتصارات المتلاحقة للمماليك وصعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد آنذاك.

وهكذا اُسدل الستار على أهم فصل من فصول مقاومة الطاهريين والمماليك للغزو البرتغالي للبحار الشرقية وتهديدهم للبحر الأحمر والتجارة الإسلامية فيه. وننهي هذا الموضوع بذكر الكارثتين اللتين وقعتا للدولتين الطاهرية والمملوكية، إذ صادف أن سقطت كلتاهما في السنة نفسها (1517)، فقد سقطت الدولة المملوكية في مصر أولا تحت ضربات العثمانيين ومدفعيتهم، ثم تلتها الدولة الطاهرية تحت عنف وقسوة الجيش المملوكي. وكانت هذه الحملة، التي عُرفت بإسم (حملة الهند الثانية) قد جاءت لإنقاذ اليمن والبحر الأحمر وحماية المنطقة من التهديد والغزو البرتغالي، إلا إنها لم تحقق شيئا من أهدافها.




انتهى




ملاحظة: هذه السلسة مأخوذة من كتاب محمد حميد السلمان، الغزوالبرتغالي للجنوب والخليج العربي للفترة ما بين 1507 - 1525،
الدكتور أنيس القيسي

خالد بن سعد 25 - 6 - 2012 08:50 PM

ما شاء الله اختي ارب

موسوعه كاملة وشاملة

والله يعطيك العافية

ناجي أبوشعيب 25 - 6 - 2012 09:37 PM

الغالية أرب

رائعة أختاه في جميع حالاتك
منحاز إليك دائما في السرّاء والضـّراء
بورك فيك اختاه

بيسان 25 - 6 - 2012 10:12 PM

بارك الله تعالى فيك واحسن الله اليك

جزاك الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء


وفاء بنت غزة 25 - 6 - 2012 10:17 PM

موضوع قيم وجميل اخي ارب
يعطيك الف عافية

أرب جمـال 19 - 12 - 2012 11:39 PM

رد: صفحات من تاريخ الغزو البرتغالي للخليج العربي والبحر الأحمر
 

http://up.iraqim.com/upfiles/N1w94849.gif


الساعة الآن 05:31 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى