منتديات المُنى والأرب

كتب الكاتب جمال جرجيس لاسو عن الادراك قائلا

الادراك:-

ان العقل في الانسان ، والذي يعتبر مخلوق حي ، هو العضو أو الجزء الذي يختص أو ينتج الادراك .

وبامكاني تعريف الادراك . بأنهُ الفهم أو المعرفة والتمييز بين الاشياء ، سواء اكانت ملموسة او محسوسة ، مثلاً نميز الليل كونه ظلام عن النهار الذي هو ضياء اننا نرى الاشياء بعيوننا ونسمع الاصوات بآذاننا ، ونلمسها بأيدينا ، ونشم الروائح بأنوفنا … ولكن هذه الاعضاء ( العيون ، الآذان ، الأيدي، الأنوف ) لاتقوم بما اسلفنا منعزلة ، أو لوحدها ، وإنما هي بمثابة قنوات او منافذ ، من خلالها تصل المعلومات المختلفة ، كالصورة والصوت وغيرها الى العقل ( الدماغ ) ، والخلايا التي يتألف منها الدماغ هي التي تنجز العمل ليكتمل ، فالخلايا تقوم بوظيفة التفسير.

وبشكل اخر ، إنها العامل الرئيسي في عملية الادراك ، والاعضاء الباقية ، بالامكان اعتبارها عوامل ثانوية أو عوامل مساعدة وهي ضرورية ، لتوصيل مايريده الدماغ ( العقل ) .

لكن بامكاني القول ان أي عضو من الاعضاء المساعدة . يمكن الاستغناء عنه. في الوقت الذي لايمكن الاستغناء عن العضو الرئيسي ، والذي هو الدماغ (العقل )

إذا العقل :- هو المحرك الرئيسي وهو مصدر الطاقة او هو منبع الحياة .

ومجمل القول ، إن الادراك أو الفهم والتمييز ، والمعرفة ، والتعلم هذه الصفات ، التي بمجملها تؤلف الانسان ، لانهُ يملك دماغاً او عقلاً على اعلى درجات التطور هو مايميزه على باقي مخلوقات الله الاخرى ويسمو عليها .

وهنا ربما يقول قائل ، إن هذه المعلومات ، هي معروفة حتى لابسط إنسان،

لكنني أرى أن من الضروري ، أن أُعيد وأدون كل ما من شأنه ان يقودنا ويوصلنا لغاية هذا البحث . بكل تأكيد أؤيد ماقد يقوله القائل، ولكن قد يجهل المرمى من تدوينها ، ومثالي على ذلك ( بيضة كولومبس ) .

الجميع يعلم أن البيضة بامكان أي انسان أن يجعلها تقف على قاعدتها ، لوكسرها من القاعدة ، ولكن القليل من يخطر على بالهم هذا الحل البسيط ومثالي الاخر هو .

لو سألنا مجموعة من الناس بدون تعيين ، هذا السؤال ، متى يقومون بسد أو غلق النافـذة ؟ إن جواب السـؤال من البسـاطة بمكـان أن الجميع يفهمـهُ ولكـن القليل من يخطر على بالهم ، فنسمع الاجوبة متنوعة ، منهم من يقول كجواب السؤال عندما نشعر بالبرد ، واخرون عندما تدخل الشمس ، وغيرهم عند النوم ، وغيرها من الاجوبة ، هذه الاجوبة هي جميعاً قد تكون اجوبة صحيحة، ولكن يجمعها جواب واحد متكامل ، ألا وهو أنه في كل هذه الاحوال وغيرها ، نقوم بغلق النافذة ( عندما تكون مفتوحة ) ، فما الداعي ان نحاول غلقها في جميع الظروف ( مثل البرد ، المطر ، الشمس ، الليل ) فيما إذا كانت في الاساس مسدودة . هذا الجواب الكامل ( إذا كانت مفتوحة ) هو جواب بسيط جداً ، ولكنه لايخطر على البال .

عموماً / عذراً من القارىء ، فقد اكون قد اصبتهُ بالضجر، ولكن كما ذكرتُ سابقاً .... ( الغاية من الامثال هي للقصد ليس إلا) .

مجمل القول وللتذكير ان الدماغ أو العقل الفعال ، والذي إختص الله من خلقهُ على تصورهِ (اي بنو آدم) ، هو المسؤول الرئيسي عن الادراك ، والذي يشمل المعرفة والتمييز والتعلم ولكن .... هل أن الادراك فقط هو مايملكه الانسان؟

.بمعنى أخر هل أن الادراك يختص بهِ الانسان كمخلوق فقط ؟

ُالجواب : كلا ، إنما الانسان هو من ينفرد بامتلاكهِ من بين بقية الخلائق .

بالاضافة الى انه،، أي الانسان يشترك مع باقي الكائنات الحية المخلوقة بصفة أخرى .... ( وهي ماتسمى الغريزة ) ........

الغريزة /

بالامكان تعريف الغريزة بشىء يولد مع الكائن الحي ، ولاتحتاج لفكر او جهد، والغريزة هي صفة ثابتة ، بمعنى انها موجودة اصلا ً وبقوالب ثابتة ، والغريزة لاتنمو ولاتتطور بشكل ملموس ، فهي واحدة كمعنى ومفهوم محدد ، فهي عند الصغار كما هي عند الكبار .

الغريزة :- بالامكان ان نشبهها بالبديهيات في علم الرياضيات ، فالغريزة موجودة بدون إثبات وبدون البحث عنها ، وهي غير قابلة للتحليل ، ولاتقبل الزيادة أو النقصان بألاضافة الى انها انواع واشكال ،كذلك من الممكن ان تتشابه في معظم الكائنات الحية ، من إنسان وحيوان ، اي بمعنى أنْ لافرق هناك في بعض انواع الغريزة بين ماهو اعلى وادنى ، ولابين عاقل وغير عاقل في الكائنات الحية .

هناك عدة اشكال أو انواع من الغرائز ، منها غريزة حب البقاء، هذا النوع من الغريزة ، تتساوى او حتى تتطابق ، في معظم الكائنات الحية ، وهنا بالامكان إيضاح ذلك من خلال المثل التالي :-

مثال :- لو افترضنا اننا نُجري إختبار من اجل المقارنة ، بين الانسان بإعتباره ارقى كائن حي مخلوق ونوع او اي حيوان باعتباره من درجة ادنى ككائن حي مخلوق ايضاً ، وكان الاختبار يمثل تجربة ، كأن نحاول دفع الاثنين مِن إرتفاع شاهق ، أو إجبار الاثنين للدخول في مكان فيه نار مشتعلة .

نلاحظ ان الاثنان ، اي الانسان والحيوان يتراجعان ويمتنعان عن الرضوخ ،

للامر ، بل يحاولان بشتى الوسائل الامتناع عن الاستجابة للامر او الطلب، وخاصة إذا كان مثل هذا الامر امرا ً مجردا ً ، ا ي من دون ان يرافقه سبب او هدف .

هذا الرفض او الامتناع ، نتج عن غريزة حب البقاء . وبالامكان اعتبارها اقوى او من اقوى الغرائز .

ومن انواع الغرائز الاخرى ، والتي تتجلى بقوة ، وقد تتطابق في غالبية المخلوقات الحية ، هناك غريزة الجوع .

فعندما يشعر الطفل الصغير بالجوع فأنه يشعر بالغريزة ، كما يشعر الحيوان بها ، وكذلك العطش ، وكذلك الغرائز الاخرى بأنواعها .

ولكن هناك أنواع من الكائنات الحية ، بل معظمها تكون حياتها منذ الولادة ، حتى موتها تتبع الغريزة ، والغريزة فقط .

فهي تتكاثر وتهاجر وتجتمع ، وتبحث وغير ذلك من الامور الحياتية غريزيا ً ماعدا الانسان . فالعقل / هو فقط من بأمكانهِ التحكم بالغرائز .

نستنتج مِن ذلك ان العقل اهم من الغريزة ، واسمى مِنها ، والعقل هو الذي ينتج الادراك وما يشمله من تعلم ومعرفة وشعور وغيرها .

والادراك لايصاحب الانسان إلا في مرحلة معينة من عمره ِ والتي لاتتحدد بسن معينة ، كونها ليست صفة سايكولوجية بمعنى اخر لاأعراض محددة تصاحب الادراك .

ولكن عندما يملك الانسان إدراكا ً بعقله ِ ، بامكانه ِ التحكم في الغرائز اي بامكانه ِ التقليل من شأن بعضها ، أو حتى قد يكون بأستطاعته محو وإزالة بعض انواعها .

في هذا البحث ليس للغريزة اهمية كبيرة ، لذا سأكتفي بهذا القدر من

التوضيح، ولكن سوف احاول ربط مفهوم الغريزة بما يمكن ان يشابهها ، او لهُ صلة مباشرة أو غير مباشرة بما انا بصدد بحثه ِ وتحليله ِ .

يقال أو مما يشاع ان التطبع ايضا ً هو يتبع الغريزة ، وبشكل اوضح للقصد ، يقال ان الانسان باتباعه ِ او تقليده ِ ( بالتحديد إتباع القيم والمبادىء .... وغيرها ) ، هو يفعل كل ذلك من الغريزة .

مثال على ذلك ، ان من يولد في عائلة ما ، فهو بالتالي محتوم ليأخذ كل شىء ويتبع كل شىء تتبعهُ تلك العائلة . وبشكل اكثر تحديدا ً . اقول ان الذي يولد في عائلة ،من المؤكد انه سيتبع تلك العائلة من خلال ديانتها او نوع إنتمائها الديني وهذا مايقودني للدخول في فقرة اخرى لها صلة وثيقة بهذا البحث .نستخلص من كل ماسبق ان الغريزة تتواجد اصلا ً ، ولايتحكم بها اي شىء ، وبالامكان تشبيهها بالنبات الطبيعي . فهو ينبت بدون ان يتدخل في زراعته وإنباتهِ وديمومة حياتهِ اي مخلوق .

نستنتج من هذا ، ان الغريزة لايختص بها اي عضو من اعضاء جسم الكائن الحي بشكل مباشر ، والغريزة تكون محسوسة وغير ملموسة ، ولايمكنها إلا ان تظهر او تتواجد ، مع ولادة الكائن الحي .

بعض الغرائز يصعب التحكم بها في الانسان ، ولايمكن التحكم بها في غيره من الكائنات الحية .

ولكن هناك انواع من الغرائز يسهل التحكم بها في الانسان بشكل محدد ، وهنا يتبادر الى الذهن ، كيف وبأي وسيلة يمكننا التحكم بغرائزنا ،الجواب بالتأكيد هو بواسطة العقل .

ولكن السؤال الان .

هل اوافق قول البعض من ان مااسميته ُ بـ ( التطبع

هو غريزة او من أحد انواع الغرائز ؟

للاجابة على هذا السؤال ، أدعوا القارىء لمواصلة قراءة البحث لانه ستظهر الاجابة حتما ً من خلال مواصلة القراءة .

الايمان :- بالامكان تفسير أو وصف هذهِ المفردة ، من ناحية عامة بأنها إقتناع أو قبول ، دون أن نحاول أو دون ان نبحث عن إثباتات أو براهين .... ولكن في النهاية جميعنا نحاول البحث عن براهين سواءاً كانت محسوسة أو ملموسة ، لكي نؤمن .

ولكن الايمان ، يجب ان يتجرد من اية محاولات لاثباتهِ ، وما اقصدهُ هنا هو الايمان الروحي ، أي الايمان بالله ووجودهُ وقدرتهِ ومشيئتهِ .

الايمان وجب ان يكون خالصاً لايرافقهُ شك ، وبدون أن نناقشهُ او ان نبحث عن براهين لهُ ، إنه يجب ان ينطبق عليه المثل المعروف في الحياة العسكرية (نفذ ولاتناقش ) ، وانا اقول ( أمن وأمن فقط ) ، أمن ولا تبحث عن مايؤكد إيمانكَ ، قدْ لانقتنع بعقولنا ، ولكن وجب ان نؤمن .

من خلال مطالعتي للكتب والمطبوعات إستوقفني مقالاً لأحد الكتاب ، بخصوص

العقل والايمان ، وقد كان ماجاء في هذا المقال هو ماحفزني للكتابة في هذا الموضوع .

وقد كان المقال على شكل حوار بين شخصين يختلفان في انتمائهم الديني ، وهنا سأدون بشكل مختصر ماورد في ذلك الحوار.

سأل الاول , هل انت مقتنع بعقلك بالتجسد؟ ( يقصد ولادة المسيح من العذراء مريم من خلال حبلها بقوة الروح القدس)

اجاب الثاني وقد كان ينتمي الى سلك الكهنوت ، بالاضافة الى انه كان يعمل معلماً للاهوت . كلا .......

فأستغرب الاول وقال موجهاً كلامهُ للكاهن ، ولكنك كاهن وتُعلم اللاهوت فكيف يكون هذا ؟

رد الكاهن ، إنني ولو كنت غير مقتنعاً بعقلي ،،، ولكنني اؤمن بهِ .

وهذا مايدل على ان الايمان ، بالخالق هو ايمان فقط من غير ان يصاحبهُ اي شىء اخر .

إن ايماننا بالخالق ومشيئته ، لايشبه اي نوع او شكل اخر من الايمان .

كالايمان (بالمبادىء والمثل والقيم والتقاليد) ، جميعها نحتاج لكي نؤمن بها الى ان نناقشها بعقولنا ونحلل ونستنتج فروقاتها واختلافاتها ، لمعرفة مدى صلاحية كل منها من عدمهِ ، كي نختار ، ايهما هو الاصلح لنؤمن به ، لذا فأننا نستخدم عقولنا للتوصل الى ذلك .

ولكن الايمان بالخالق يجب ان لايكون كذلك ، وفي هذا البحث لايهمنا سوى الايمان الروحي ، اي الايمان بالله ووجودهِ وقدرتهِ ومشيئتهِ .

لذا اقول واكرر ان هذا الايمان يجب ان يكون خالص وكامل او متكامل ، بدون ان نحاول التفكير ببراهين او قرائن او منطق .

فأذا آمنا مثل هذا الايمان ، وجب علينا فعله او عيشهُ ، ليس عن طريق الاقوال ، او المظاهر والتظاهر ، بل بالافعال ، والحياة بموجب امر الله ومشيئتهِ.

والتي تردنا ووردتنا ، عن طريق رسلهِ وانبيائهِ وانقيائهِ . ومن خلال الكتب المقدسة .

والايمان بالله ، هو أيمان بحكمتهِ لذا كان ويكون مِن الواجب علينا كخليقتهِ ، ان نتقبل كل مايشاء بهِ ونؤمن باسرارهِ ، بدون ان نفكر أو نتذمر أو حتى نناقش .

خلاصة القول ان الايمان بالله هو ايمان راسخ ومجرد من كل شىء ومن الايمان بوجودهِ ، كان لزاماً الايمان بحكمتهِ