منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك ) (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=29439)

محمد عيسى موسى ابراهيم 8 - 2 - 2013 01:38 AM

‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك )
 
تفسير الآيات 97-99/الحجر

‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)‏


الطبرى

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا ‏يَقُولُونَ * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ }.‏
‏ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولقد نعلـم ‏يا مـحمد أنك يضيق صدرك بـما يقول هؤلاء الـمشركون من قومك ‏من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبـما جئتهم به, وأن ذلك يُحْرِجك. ‏فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول: فـافزع فـيـما نابك من أمر تكرهه منهم إلـى ‏الشكر لله والثناء علـيه والصلاة, يكفك الله من ذلك ما أهمّك. وهذا ‏نـحو الـخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان ‏إذا حزَبَه أمر فَزِع إلـى الصلاة».‏

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاعْبُدْ رَبّكَ حَتّىَ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }.‏
‏ يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: واعبد ربك حتـى ‏يأتـيك الـموت, الذي هو مُوقَن به. وقـيـل: يقـين, وهو موقَن به, ‏كما قـيـل: خمر عتـيق, وهي معتّقَة.‏
‏ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:‏
‏ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعد, عن سفـيان, قال: ‏ثنـي طارق بن عبد الرحمن, عن سالـم بن عبد الله: واعْبُدْ رَبّكَ حتـى ‏يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت.‏
‏ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى ‏وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, حميعا عن ‏ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.‏
‏ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, وحدثنـي ‏الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, جميعا عن ‏ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.‏
‏ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, قال: ابن جريج: ‏أخبرنـي ابن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول: حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ ‏قال: الـموت.‏
‏ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيدُ, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: واعْبُدْ ‏رَبّكَ حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: يعنـي الـموت.‏
‏ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن ‏معمر, عن قتادة: حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـيقـين: الـموت.‏
‏ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, ‏عن قتادة, مثله.‏
‏ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن ‏الـمبـارك, عن مبـارك بن فضالة, عن الـحسن, فـي قوله: حتـى ‏يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت.‏
‏ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن طارق, عن ‏سالـم, مثله.‏
‏ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ‏واعْبُدْ رَبّكَ حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت إذا جاءه الـموت ‏جاءه تصديق ما قال الله له وحدّثه من أمر الاَخرة.‏
‏ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس بن ‏يزيد, عن ابن شهاب: أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أمّ العلاء ‏امرأة من الأنصار قد بـايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته ‏أنهم اقتسموا الـمهاجرين قُرْعة, قالت: وطار لنا عثمان بن مظعون, ‏فأنزلناه فـي أبـياتنا, فوَجع وجعه الذي مات فـيه. فلـما تُوفّـي ‏وغَسّل وكُفّن فـي أثوابه, دخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: ‏يا عثمان بن مظعون رحمة الله علـيك أبـا السائب, فشهادتـي علـيك ‏لقد أكرمك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومَا يُدْرِيكَ أنّ اللّهَ ‏أكْرَمَهُ؟» قالت يا رسول الله فَمَهْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏‏«أمّا هُوَ فَقَدْ جاءَه الـيَقِـينُ, وَوَاللّهِ إنّـي لأَرْجُو لَهُ الـخَيْرَ».‏
‏ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, قال: حدثنا إبراهيـم ‏بن سعد, قال: حدثنا ابن شهاب, عن خارجة بن زيد, عن أمّ العلاء امرأة ‏عن نسائهم, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه.‏
‏ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا جعفر بن ‏عون, قال: أخبرنا إبراهيـم بن إسماعيـل, عن مـحمد بن شهاب, أن ‏خارجة بن زيد, حدثه عن أمّ العلاء امرأة منهم, عن النبـيّ صلى الله ‏عليه وسلم, بنـحوه, إلا أنه قال فـي حديثه: فقال النبـيّ صلى الله عليه ‏وسلم: «أمّا هُوَ فَقَدْ عايَنَ الـيَقِـينَ».‏


البغوى

‏97-وقيل: استهزاؤهم واقتسامهم: هو أن الله عز وجل لما أنزل في ‏القرآن سورة البقرة، وسورة النحل، وسورة النمل، وسورة العنكبوت، ‏كانوا يجتمعون ويقولون استهزاء: هذا في سورة البقرة، ويقول هذا في ‏سورة النحل، ويقول هذا في سورة العنكبوت، فأنزل الله تعالى:"ولقد نعلم ‏أنك يضيق صدرك بما يقولون " ‏
‏98-" فسبح بحمد ربك "،قال ابن عباس: فصل بأمر ربك "وكن من ‏الساجدين" ، من المصلين المتواضعين. وقال الضحاك: "فسبح بحمد ‏ربك": قل سبحان الله وبحمده "وكن من الساجدين" المصلين. وروي أن ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة. ‏
‏99-"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، أي الموت الموقن به، وهذا معنى ما ‏ذكر في سورة مريم: "وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا". أخبرنا ‏المطهر بن علي الفارسي، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصالحي، أخبرنا ‏عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أمية بن محمد ‏الصواف البصري، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا أبي والهيثم بن ‏خارجة قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي ‏مسلم الخولاني عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال: قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: "ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ‏ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى ‏يأتيك اليقين". وروي عن عمر رضي الله عنه قال: نظر النبي صلى الله ‏عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه أهاب كبش قد تنطق به، ‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الذى قد نور الله ‏قلبه لقد رأيته بين أبويه بغذيانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه ‏حلة شراها، أو شريت له، بمائتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ‏ترونه". والله أعلم. ‏



الكشاف للزمخشرى

‏{‏ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من‎ ‎الساجدين واعبد ربك‎ ‎
حتى يأتيك اليقين ‏{‏‏.‏‎ ‎
‏{‏بما يقولون ‏{‏من أقاويل الطاعنين فيك وفي القرآن ‏{‏فسبح‎ ‎‏{‏فافزع فيما ‏نابك إلى الله والفزع إلى‎ ‎
الله‏:‏ هو الذكر الدائم وكثرة السجود يكفك ويكشف عنك الغم‏.‏ ودم‏‎ ‎على عبادة ‏ربك ‏{‏حتى‎ ‎
يأتيك اليقين ‏{‏أي الموت أي ما دمت حياً فلا تخل بالعبادة‏.‏
‏ وعن‏‎ ‎النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‎ ‎أنه كان إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة‏
‏ عن رسول اللّه صلى الله‏‎ ‎عليه وسلم‏:‏‎ ‎
‏‏من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين‎ ‎والأنصار والمستهزئين‎ ‎
بمحمد صلى الله عليه وسلم‏‎.‎‏ ‏


البيضاوى

ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون من الشرك والطعن في القرآن والإستهزاء بك ‏فسبح بحمد ربك فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بلا تسبيح والتحميد يكفك ويكشف ‏الغم عنك أو فنزهه عما يقولون حامدا له على أن هداك للحق وكن من الساجدين من ‏المصلين وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وابعد ربك حتى ‏يأتيك اليقين أي الموت فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق والمعنى فاعبده ما دمت حيا ولا ‏تخل بالعبادة لحظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الحجر كان له من ‏الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏والله أعلم


القرطبى
‏{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}‏
قوله تعالى: "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك" أي قلبك؛ لأن الصدر محل ‏القلب. "بما يقولون" أي بما تسمعه من تكذيبك ورد قولك، وتنال. ويناله ‏أصحابك من أعدائك.‏

‏{فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}‏
قوله تعالى: "فسبح بحمد ربك" أي فافزع إلى الصلاة، فهي غاية التسبيح ‏ونهاية التقديس. ‏
قوله تعالى: "وكن من الساجدين" لا خفاء أن غاية القرب في الصلاة حال ‏السجود، كما قال عليه السلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‏فأخلصوا الدعاء). ولذلك خص السجود بالذكر ‏
‏ قال ابن العربي: ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه، ‏فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن، وقد شاهدت الإمام بمحراب ‏زكريا من البيت المقدس طهره الله، يسجد في هذا الموضع وسجدت معه ‏فيها، ولم يره جماهير العلماء. ‏
‏ قلت: قد ذكر أبو بكر النقاش أن ههنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن ‏رئاب، ورأى أنها واجبة

‏{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}‏
فيه مسألة واحدة: وهو أن اليقين الموت. أمره بعبادته إذ قصر عباده في ‏خدمته، وأن ذلك يجب عليه. فإن قيل: فما فائدة قوله: "حتى يأتيك اليقين" ‏وكان قوله: "واعبد ربك" كافيا في الأمر بالعبادة. قيل له: الفائدة في هذا أنه ‏لو قال: "واعبد ربك" مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا؛ وإذا قال "حتى ‏يأتيك اليقين" كان معناه لا تفارق هذا حتى تموت. فإن قيل: كيف قال ‏سبحانه: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ولم يقل أبدا؛ فالجواب أن اليقين ‏أبلغ من قوله: أبدا؛ لاحتمال لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد. وقد تقدم ‏هذا المعنى. والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح: ‏وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. ويتركب على هذا أن الرجل إذا ‏قال لامرأته: أنت طالق أبدا، وقال: نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة. ‏ولو قال: طلقتها حياتها لم يراجعها. والدليل على أن اليقين الموت حديث أم ‏العلاء الأنصارية، وكانت من المبايعات، وفيه: فقال رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم: (أما عثمان - أعني عثمان بن مظعون - فقد جاءه اليقين وإني ‏لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به) وذكر الحديث. ‏انفرد بإخراجه البخاري رحمه الله وكان عمر بن عبدالعزيز يقول: ما رأيت ‏يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له؛ يعني كأنهم فيه ‏شاكون. وقد قيل: إن اليقين هنا الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على ‏أعدائك؛ قال ابن شجرة؛ والأول أصح، وهو قول مجاهد وقتادة والحسن. ‏والله اعلم. وقد روى جبير بن نفير عن أبي مسلم الخولاني أنه سمعه يقول ‏إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من ‏التاجرين لكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك ‏حتى يأتيك اليقين).‏


ابن كثير

‎ ‎وقوله: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن ‏من الساجدين} أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق ‏صدر وانقباض فلا يهيدنك ذلك ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله, وتوكل ‏عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم, فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه ‏وعبادته التي هي الصلاة, ولهذا قال: {فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين}. كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن ‏بن مهدي, حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ‏نعيم بن همّار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله ‏تعالى يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» ‏ورواه أبو داود والنسائي من حديث مكحول عن كثير بن مرة بنحوه, ولهذا ‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.‏
‎ ‎وقوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال البخاري: قال سالم: الموت, ‏وسالم هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر, كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن ‏بشار, حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان, حدثني طارق بن عبد الرحمن عن ‏سالم بن عبد الله {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال: الموت, وهكذا قال ‏مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره, والدليل على ‏ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا {لم نك من المصلين * ولم ‏نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * ‏حتى أتانا اليقين} وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ‏ثابت, عن أم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات, قالت أم العلاء: رحمة الله عليك ‏أبا السائب, فشهادتي عليك لقد أكرمك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه ؟» فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله, فمن ؟ ‏فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين, وإني لأرجو له الخير» ويستدل بهذه الاَية ‏الكريمة وهي قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} على أن العبادة ‏كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً, فيصلي بحسب ‏حاله.‏
‎ ‎كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن ‏لم تستطع فعلى جنب» ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى ‏أن المراد باليقين المعرفة, فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه ‏التكليف عندهم, وهذا كفر وضلال وجهل, فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا ‏هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من ‏التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل ‏الخيرات إلى حين الوفاة, وإنما المراد باليقين ههنا الموت, كما قدمناه, ولله ‏الحمد والمنة, والحمد لله على الهداية وعليه الاستعانة والتوكل, وهو ‏المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها, فإنه جواد كريم. ‏



فتح القدير للشوكانى

ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التسلية الأولى ‏بكفايته شرهم ودفعه لمكرهم فقال: 97- "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك ‏بما يقولون" من الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن على رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم بالسحر والجنون والكهانة والكذب، وقد كان يحصل ذلك ‏مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج ‏الإنساني. ‏
ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله ‏سبحانه وحمده فقال: 98- "فسبح بحمد ربك" أي متلبساً بحمده: أي افعل ‏التسبيح المتلبس بالحمد "وكن من الساجدين" أي المصلين فإنك إذا فعلت ‏ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك. ‏
ثم أمره بعبادة ربه: أي بالدوام عليها إلى غاية هي قوله: "حتى يأتيك ‏اليقين" أي الموت. قال الواحدي، قال جماعة المفسرين: يعني الموت لأنه ‏موقن به. قال الزجاج المعنى أعبد ربك أبداً، لأنه لو قيل اعبد ربك بغير ‏توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعاً، فإذا قال حتى يأتيك ‏اليقين، فقد أمره بالإقامة على العبادة أبداً ما دام حياً. وقد أخرج ابن ‏جرير وابن المنذر عن عمر في قوله: "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني" قال: ‏السبع المثاني فاتحة الكتاب. وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن ‏المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ‏علي بمثله. وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود ‏مثله وزاد: والقرآن العظيم سائر القرآن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر ‏والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في ‏الآية قال: فاتحة الكتاب استثناها الله لأمة محمد، فرفعها في أم الكتاب ‏فادخرها لهم حتى أخرجها ولم يعط أحد قبل، قيل فأين الآية السابعة؟ ‏قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وروي عنه نحو هذا من طرق. وأخرج ‏ابن الضريس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: السبع ‏المثاني فاتحة الكتاب. وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال: السبع ‏المثاني الحمد لله رب العالمين. وروي نحو قول هؤلاء الصحابة عن ‏جماعة من التابعين. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد ‏بن المعلى أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أعلمك أفضل سورة ‏قبل أن أخرج من المسجد، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج ‏فذكرت، فقال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم". ‏وأخرج البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم: "أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم" فوجب بهذا ‏المصير إلى القوم بأنها فاتحة الكتاب، ولكن تسميتها بذلك لا ينافي تسمية ‏غيرها به كما قدمنا. وأخرج ابن مردويه عن عمر قال في الآية: هي ‏السبع الطوال. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله. وأخرج الفريابي ‏وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ‏والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال في الآية: ‏هي السبع الطوال. وأخرج الدارمي وابن مردويه عن أبي بن كعب مثله. ‏وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن مردويه من طريق ‏سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هي فاتحة الكتاب والسبع الطوال. ‏وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: ماثني من القرآن، ألم تسمع لقول ‏الله "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني". وأخرج ابن جرير عن ‏الضحاك قال: المثاني القرآن يذكر الله القصة الواحدة مراراً. وأخرج ‏سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ‏زياد بن أبي مريم في الآية قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مر، وآنه، وشر، ‏وأنذر، واضرب الأمثال، واعدد النعم، واتل نبأ القرآن. وأخرج ابن ‏جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا تمدن عينيك" قال: نهى ‏الرجل أن يتمنى مال صاحبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ‏في قوله: "أزواجاً منهم" قال: الأغنياء الأمثال والأشباه. وأخرج ابن ‏المنذر عن سفيان بن عيينة قال: من أعطي القرآن فمد عينه إلى شيء ‏مما صغر القرآن فقد خالف القرآن، ألم يستمع إلى قوله: "ولقد آتيناك ‏سبعاً من المثاني" وإلى قوله: "ورزق ربك خير وأبقى" وقد فسر ابن ‏عيينة أيضاً الحديث الصحيح "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" فقال: إن ‏المعنى يستغني به. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: ‏‏"واخفض جناحك" قال: اخضع. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ‏والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه ‏من طرق عن ابن عباس في قوله: "كما أنزلنا على المقتسمين" الآية قال: ‏هم أهل الكتاب جزأوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وأخرج ابن ‏جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال: عضين فرقاً. وأخرج ابن ‏إسحاق وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس أنها نزلت في ‏نفر من قريش كانوا يصدون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏منهم الوليد بن المغيرة. وأخرج الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن ‏المنذر وابن أبي حاتم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ‏فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن قول لا إله إلا ‏الله. وأخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وابن جرير وابن المنذر من وجه ‏آخر عن أنس موقوفاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر مثله. ‏وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي ‏طلحة عن ابن عباس "فاصدع بما تؤمر" فامضه، وفي علي بن أبي طلحة ‏مقال معروف. وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود ‏قال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزل "فاصدع بما ‏تؤمر" فخرج هو وأصحابه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن ‏عباس في الآية قال: هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من ‏أرسل إليه. وأخرج ابن المنذر عنه "فاصدع بما تؤمر" قال: أعلن بما ‏تؤمر. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس ‏‏"وأعرض عن المشركين" قال: نسخه قوله تعالى: "فاقتلوا المشركين". ‏وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبو نعيم والضياء في ‏المختارة عن ابن عباس في قوله: "إنا كفيناك المستهزئين" قال: ‏المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن ‏المطلب والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل، وذكر قصة ‏هلاكهم. وقد روي هذا عن جماعة من الصحابة مع زيادة في عددهم ‏ونقص، على طول في ذلك. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ‏والحاكم في التاريخ وابن مردويه والديلمي عن أبي مسلم الخولاني قال: ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكن ‏من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، ‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين". وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ‏مرفوعاً مثله. وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي الدرداء مرفوعاً ‏نحوه. وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق من طريق عبيد الله بن أبان ‏بن عثمان بن حذيفة ابن أوس الطائفي قال: حدثني أبان بن عثمان عن ‏أبيه عن جده يرفعه مثل حديث أبي مسلم الخولاني. وأخرج ابن أبي ‏شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر "حتى يأتيك اليقين" قال الموت. ‏وأخرج ابن المبارك عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ‏مثله. ‏



أضواء البيان للشنقيطى

‏. قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}. ذكر جل وعلا ‏في هذه الآية الكريمة أنه يعلم أن نبيه صلى الله عليه وسلم يضيق صدره ‏بما يقول الكفار فيه: من الطعن والتكذيب، والطعن في القرآن. وأوضح ‏هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ}، ‏وقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ
بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ ‏جَآءَ مَعَهُ}، وقوله {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ‏ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً} وقوله: {لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} إلى غير ‏ذلك من الآيات. وقد قدمنا شيئاً من ذلك من الأنعام. قوله تعالى: {فَسَبِّحْ ‏بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ}. أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم ‏في هذه الآية بأمرين: أحدهما ـ قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}، والثاني ـ ‏قوله: {وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ}.‏
وقد تكرر تعالى في كتابة الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية ‏الكريمة، كقوله في الأول: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوٰبَا}، ‏وقوله: {فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ‏غُرُوبِهَا}، وقوله: {فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ ‏رَبِّكَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلاۤبْكَارِ} والآيات بمثل ذلك كثيرة.‏
وأصل التسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء. ومعناه في عرف الشرع: ‏تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله. ومعنى سبح: نزه ‏ربك جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله. وقوله {بِحَمْدِ رَبّكَ} أي ‏في حال كونك متلبساً بحمد ربك، أي بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من ‏صفات الكمال والجلال، لأن لفظة {بِحَمْدِ رَبّكَ} أضيفت إلى معرفة فتعم ‏جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله جل وعلا. فتستغرق ‏الآية الكريمة الثناء بكل كمال، لأن الكمال يكون بأمرين:‏
‏15 أحدهما ـ التخلي عن الرذائل، والتنزه عما لا يليق، وهذا معنى ‏التسبيح.‏
والثاني ـ التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال، وهذا معنى ‏الحمد، فتم الثناء بكل كمال.‏
ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ‏‏«كلمتان خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرَّحمٰن: ‏سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، وكقوله في الثاني وهو السجود: ‏‏{كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب} {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} ‏وقوله: {وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ويكثر في القرآن ‏العظيم إطلاق التسبيح على الصلاة.‏
وقالت جماعة من العلماء: المراد بقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي صل له، ‏وعليه فقوله {وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} من عطف الخاص على العام والصلاة ‏تتضمن غاية التنزيه ومنتهى التقديس. وعلى كل حال فالمراد بقوله {وَكُنْ ‏مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} أي من المصلين، سواء قلنا إن المراد بالتسبيح الصلاة، ‏أو أعم منها من تنزيه الله عما لا يليق به. ولأجل كون المراد بالسجود ‏الصلاة لم يكن هذا الموضع محل سجدة عند جمهور العلماء. خلافاً لمن ‏زعم أنه موضع سجود.‏
قال القرطبي في تفسيره: قال ابن العربي: ظن بعض الناس أن المراد ‏بالأمر هنا السجود نفسه، فرآى هذا الموضع محل سجود في القرآن، وقد ‏شاهدت الإمام بمحراب زكريا من البيت المقدس طهره الله يسجد في هذا ‏الموضع، وسجدت معه فيه، ولم يره جماهير العلماء.‏
قلت: قد ذكر أبو بكر النقاش أن ههنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن ‏رئاب ورأى أنها واجبة ـ انتهى كلام القرطبي.‏
وقد تقدم معنى السجود في سورة الرعد. وعلى أن المراد بالتسبيح ‏الصلاة فالمسوغ لهذا الإطناب الذي هو عطف الخاص على العام هو ‏أهمية السجود، لأن أقرب ما يكون العيد من ربه في حال كونه في ‏السجود.‏
قال مسلم في صحيحه: وحدثنا هارون بن معروف، وعمرو بن سواد ‏قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عمارة بن ‏غزية، عن سمي مولى أبي بكر، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن ‏أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون ‏العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». ‏
تنبيه
اعلم أن ترتيبه جل وعلا الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره ‏صلى الله عليه وسلم بسبب ما يقولون له من السوء ـ دليل على أن ‏الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه، ولذا كان صلى الله عليه ‏وسلم إذا حز به أمر بادر إلى الصلاة. وقال تعالى: {وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ ‏وَٱلصَّلَوٰةِ}.‏
ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي من حديث نعيم بن ‏همار رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ‏‏«قال الله تعالى: يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار ‏أكفك آخره» فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه أن يفزع إلى الله تعالى ‏بأنواع الطاعات من صلاة وغيرها. قوله تعالى: {وَٱعْبُدْ رَبَّكَ}. أمر الله ‏جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعبد ربه، أي يتقرب له على ‏وجه الذل والخضوع والمحبة بما أمر أن يتقرب له به من جميع الطاعات ‏على الوجه المشروع. وجل القرآن في تحقيق هذا الأمر الذي هو حظ ‏الإثبات من لا إله إلا الله، مع حظ النفي منها. وقد بين القرآن أن هذا لا ‏ينفع إلا مع تحقيق الجزء الثاني من كلمة التوحيد، الذي هو حظ النفي ‏منها. وهو خلع جميع المعبودات سوى الله تعالى في جميع أنواع ‏العبادات. قال تعالى: {فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، وقال {فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ ‏لِعِبَادَتِهِ}، وقال: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}، وقال {فَمَنْ يَكْفُرْ ‏بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ}، وقال: {وَمَا يُؤْمِنُ ‏أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} والآيات في مثل ذلك كثيرة جداً. قوله ‏تعالى: {حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ}. قالت جماعة من أهل العلم، منهم سالم بن ‏عبد الله بن عمر، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن ‏أسلم وغيرهم: اليقين: الموت، ويدل لذلك قوله تعالى: {قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ‏ٱلْمُصَلِّينَوَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَوَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَوَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ‏ٱلدِّينِحَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ} وهو الموت.‏
ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث الزهري عن ‏خارجة بن زيد بن ثابت، عن أم العلاء (امرأة من الأنصار) أن رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم لمَّا دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت ‏أُمُّ العلاء: رحمة الله عليك أبا السَّائبٰ فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله قد أكرمه»؟ فقالت: ‏بأبي وأمي يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال: «أَما هو فقد جاءه اليقين، ‏وإني لأَرجو له الخير..» الحديث. وهذا الحديث الصحيح يدل على أن ‏اليقين الموت. وقول من قال: إن المراد باليقين انكشاف الحقيقة، وتيقن ‏الواقع لا ينافي ما ذكرنا، لأن الإنسان إذا جاءه الموت ظهرت له الحقيقة ‏يقيناً. ولقد أجاد التهامي في قوله:‏
‏ والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري ‏

وقال صاحب الدر المنثور: أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، ‏والحاكم في التاريخ، وابن مردويه، والديلمي عن أبي مسلم الخولاني قال ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوحي إلي أن أجمع المال ‏وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي: أن «سبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».‏
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله ‏عليه وسلم قال: «ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ‏ولكن أوحي إلي: أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك ‏حتى يأتيك اليقين».‏
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه: سمعت ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أوحي إلي أن أكون تاجراً ولا ‏أجمع المال متكاثراً، ولكن أوحي إلي: أن سبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين». ‏
تنبيهان الأول ـ هذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حياً وله ‏عقل ثابت يميز به، فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته. فإن لم يستطع ‏الصلاة قائماً فليصل قاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب. وهكذا قال تعالى ‏عن نبيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ ‏وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} وقال البخاري في صحيحه «باب إذا لم يطق قاعداً ‏صلى على جنب» وقال عطاء: إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة صلى ‏حيث كان وجهه ـ حدثنا عبدان عن عبد الله، عن إبراهيم بن طهمان ‏قال: حدثني الحسين المكتب، عن بريدة، عن عمران بن حصين رضي ‏الله عنهما قال: كانت بواسير، فسألت النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ‏الصلاة فقال: «صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى ‏جنب» اهـ ونحو هذا معلوم. قال تعالى: {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ}، وقال ‏تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا ‏أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم...» الحديث.‏
التنبيه الثاني ـ اعلم أن ما يفسر به هذه الآية الكريمة بعض الزنادقة ‏الكفرة المدعين للتصوف ـ من أن معنى اليقين المعرفة بالله جل وعلا، ‏وأن الآية تدل على أن العبد إذا وصل من المعرفة بالله إلى تلك الدرجة ‏المعبر عنها باليقين ـ أنه تسقط عنه العبادات والتكاليف. لأن ذلك اليقين ‏هو غاية الأمر بالعبادة.‏
إن تفسير الآية بهذا كفر بالله وزندقة، وخروج عن ملة الإسلام بإجماع ‏المسلمين. وهذا النوع لا يسمى في الاصطلاح تأويلاً، بل يسمى لعباً كما ‏قدمنا في آل عمران. ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هم ‏وأصحابه هم أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من ‏التعظيم، وكانوا مع ذلك أكثر الناس عبادة لله جل وعلا، وأشدهم خوفاً ‏منه وطمعاً في رحمته. وقد قال جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ‏ٱلْعُلَمَاءُ} والعلم عند الله تعالى.‏



التحرير لإبن عاشور

ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون[97] فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين[98] واعبد ربك حتى يأتيك اليقين[99]( لما كان الوعيد مؤذنا بإمهالهم ‏قليلا كما قال تعالى )ومهلهم قليلا( كما دل عليه حرف التنفيس في قوله تعالى )فسوف ‏يعلمون( طمأن الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه مطلع على تحرجه من أذاهم وبهتانهم من ‏أقوال الشرك وأقوال الاستهزاء فأمره بالثبات والتفويض إلى ربه لأن الحكمة في إمهالهم، ‏ولذلك افتتحت الجملة بلام القسم وحرف التحقيق. ‏
‏ وليس المخاطب ممن يداخله الشك في خبر الله تعالى ولكن التحقيق كناية عن الاهتمام ‏بالمخبر وأنه بمحل العناية من الله؛ فالجملة معطوفة على جملة )إنا كفيناك المستهزئين( أو ‏حال. ‏
‏ وضيق الصدر: مجاز عن كدر النفس. وقد تقدم في قوله تعالى )وضائق به صدرك( في ‏سورة هود. ‏
‏ وفرع على جملة )ولقد نعلم( أمره بتسبيح الله تعالى وتنزيهه عما يقولونه من نسبة ‏الشريك، أي عليك بتنزيه ربك فلا يضرك شركهم. على أن التسبيح قد يستعمل في معناه ‏الكنائي مع معناه الأصلي فيفيد الإنكار على المشركين فيما يقولون، أي فاقتصر في دفعهم ‏على إنكار كلامهم. وهذا مثل قوله تعالى )قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا(. ‏
‏ والباء في )بحمد ربك( للمصاحبة. والتقدير: فسبح ربك بحمده؛ فحذف من الأول لدلالة ‏الثاني. وتسبح الله تنزيهه بقول: سبحان الله. ‏
‏ والأمر في )وكن من الساجدين واعبد ربك( مستعملان في طلب الدوام. ‏
‏ و)من الساجدين( أبلغ في الاتصاف بالسجود من )ساجدا( كما تقدم في قوله تعالى ‏‏)وكونوا مع الصادقين( في سورة براءة، وقوله )قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين( في ‏سورة البقرة ونظائرهما. ‏
‏ والساجدون: هم المصلون. فالمعنى: ودم على الصلاة أنت ومن معك. ‏
‏ وليس هذا موضع سجدة من سجود التلاوة عند أحد من فقهاء المسلمين. وفي تفسير ‏القرطبي عن أبي بكر النقاش أن أبا حذيفة لعله يعني به أبا حذيفة اليمان ابن المغيرة ‏البصري من أصحاب عكرمة وكان منكر الحديث واليمان بن رثاب كذا رأياها سجدة ‏تلاوة واجبة. ‏


السعدى

‏ " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " ‏لك من التكذيب والاستهزاء. فنحن قادرون ‏على استئصالهم بالعذاب, والتعجيل لهم بما ‏يستحقونه, ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم.

‏"فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ "
‏" فـ " أنت يا محمد " سبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين " أي: أكثر من ذكر الله, ‏وتسبيحه, وتحميده, والصلاة, فإن ذلك يوسع ‏الصدر, ويشرحه, ويعينك على أمورك.

‏"وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ "
‏" واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " أي: الموت, ‏أي: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى ‏الله بأنواع العبادات. فامتثل صلى الله عليه ‏وسلم أمر ربه, فلم يزل دائبا في العبادة, ‏حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه وسلم, ‏تسليما كثيرا.‏

زوج السيدة المدير 8 - 2 - 2013 01:55 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

شيماء يوسف 8 - 2 - 2013 01:58 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

ابو فداء 8 - 2 - 2013 02:38 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
بارك الله بك
مووودتي

أرب جمـال 8 - 2 - 2013 03:21 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...

Miss Jordan 8 - 2 - 2013 06:37 PM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
شكرا على الطرح وبارك الله بك

منتصر أبوفرحة 8 - 2 - 2013 09:13 PM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
اختيار موفق نفع الله بك اخي وجزيت خيرا

الغريب 9 - 2 - 2013 12:55 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
جزاك الله خيرا وبارك بك ,,
وجزاك الفردوس الاعلى
وجعله في ميزااان حسناااتك

حفظك الله ورعاك

همسه 9 - 2 - 2013 12:58 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/01.gif
جزاكم الله خيرا
موضوع قيم جدا بارك الله بك
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ورزقنا واياكم الفردوس الأعلى

B-happy 9 - 2 - 2013 12:58 AM

رد: ‏( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من ‏الساجدين. واعبد ربك
 
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَالآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ...


الساعة الآن 12:49 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى