منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   مقتطفات من كتاب الأذكياء لابن الجوزى (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=10068)

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:46 AM

مقتطفات من كتاب الأذكياء لابن الجوزى
 
مقتطفات

من

كتاب الأذكياء لابن الجوزى


من ذكاء الخلفاء والوزراء



• وجّه عبد الملك بن مروان عامرا الشعيبي الى ملك الروم في بعض الأمر له, فاستكثر الشعبي فقال له:
من أهل بيت الملك أنت؟
قال: لا.
فلما أراد الرجوع الى عبد الملك حمّله رقعة لطيفة وقال: اذا رجعت الى صاحبك, فأبلغته جميع ما يحتاج الى معرفته من ناحيتنا, فادفع اليه هذه الرقعة.
فلما صار الشعبي الى عبد الملك ذكر ما احتاج الى ذكره ونهض من عنده, فلما ذكر الرقعة, فرجع فقال: يا أمير المؤمنين, انه حمّلني اليك رقعة نسيتها حتى خرجت, وكانت آخر ما حمّلني فدفعها اليه ونهض.
فقرأها عبد الملك فأمر بردّه, فقال: أعلمت ما في هذه الرقعة؟
قال: لا.
قال: فانه قال فيها:" عجبت من العرب كيف ملّكت غير هذا!". أفتدري لم كتب الي بمثل هذا؟
فقال: لا.
فقال: حسدني عليك, فأراد أن يغريني بقتلك.
فقال الشعبي: لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني.
فبلغ ذلك ملك الروم, ففكّر في عبد الملك, فقال: لله أبوه, والله ما أردت الا ذلك.


• وبلغنا عن المنصور أنه جلس في احدى قباب مدينته, فرأى رجلا ملهوفا مهموما يجول في الطرقات, فأرسل من أتاه به, فسأله عن حاله, فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة فأفاده مالا وأنه رجع بالمال الى منزله, فدفعه الى أهله, فذكرت امرأتـه أن المال سرق من بيتها ولم تر نقبا ولا تسليقا.
فقال له المنصور: منذ كم تزوّجتها؟
قال: منذ سنة.
قال: أفبكر هي تزوّجتها؟
قال: لا.
قال: فلها ولد من سواك؟
قال: لا.
قال: فشابّة هي أم مسنّة؟
قال: بل حديثة.
فدعا له المنصور بقارورة طيب كان يتخذه له حادّ الرائحة, غريب النوع, فدفعها اليه وقال له: نطيّب من هذا الطيب, فانه يذهب همّك.
فلما خرج الرجل من عند المنصور قال لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم, فمن مرّ بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب فليأتني به.
وخرج الرجل بالطيب, فدفعه الى امرأته وقال لها: وهبه لي أمير المؤمنين.
فلمّا شمّته بعثت الى رجل كانت تحبّه, وقد كانت دفعت المال اليه, فقالت له: تطيّب من هذا الطيب, فان أمير المؤمنين وهبه لزوجي.
فتطيّب منه الرجل ومرّ مجتازا ببعض أبواب المدينة, فشمّ الموكل بالباب رائحة الطيب منه, فأخذه فأتى به المنصور, فقال له المنصور: من أين استفدت هذا الطيب فان رائحته غريبة معجبة؟
قال: اشتريته.
قال: أخبرنا ممن اشتريته؟!
فتلجلج الرجل وخلط كلامه.
فدعا المنصور صاحب شرطته, فقال له: خذ هذا الرجل اليك, فان أحضر كذا وكذا من الدنانير فخلّه يذهب حيث شاء, وان امتنع فاضربه ألف سوط من غير مؤامرة.
فلما خرج من عنده دعا صاحب شرطته, فقال: هوّل عليه وجرّده ولا تقدمن بضربه حتى تؤامرني.
فخرج صاحب شرطته, فلمّا جرّده وسجنه أذعن بردّ الدنانير وأحضرها بهيئتها, فأعلم المنصور بذلك, فدعا صاحب الدنانير فقال له:
رأيتك ان رددت عليك الدنانير بهيئتها أتحكمني في امرأتك؟
قال: نعم.
قال: فهذه دنانيرك, وقد طلقت المرأة عليك.
وخبّره خبرها.


• قعد المهدي قعودا عامّا للناس, فدخل رجل, وفي يده نعل ملفوفة في منديل, فقال:
يا أمير المؤمنين, هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أهديتها لك.
فقال: هاتها.
فدفعها اليه, فقبّل باطنها ووضعها على عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم.
فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه:
أترون أني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذبناه قال للناس: " أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فردّها عليّ" وكام من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره, اذ كان من شأن العامّة ميلها الى أشكالها والنصرة للضعيف على القوي, وان كان ظالما اشترينا لسانه وقبلنا هديّته وصدّقنا قوله, ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح.


• ومن المنقول عن المأمون: قال عمارة بن عقيل: قال لي ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن أمير المؤمنين _ يعني المأمون_ لا يبصر الشعر؟
فقلت من ذا يكون أفرس منه وانّا لننشد أوّل البيت فيسبق آخره من غير أن يكون سمعه؟
قال: فاني أنشدته بيتا أجدت فيه, فلم أره تحرّك له, وهذا البيت فاسمعه:
أضحى امام الهدى المأمون منشغلا
بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فقلت له: ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها مسبحة, فمن يقوم بأمر الدنيا اذا كان مشغولا عنها, وهو المطوق لها. ألا قلت كما قال عمّك جرير لعبد العزيز بن الوليد:
فلا هو في الدنيا مضيّع نصيبه
ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله.


• وكان المعتضد بالله يوما جالسا في بيت يبنى له يشاهد الصنّاع, فرأى في جملتهم غلاما أسود, منكر الخلقة, يصعد السلاليم مرقاتين مرقاتين, ويحمل ضعف ما يحملونه, فأنكر أمره فأحضره وسأله عن سبب ذلك, فلجلج, فقال لابن حمدون _وكان حاضرا_: أي شيء يقع لك في أمره؟
فقال: ومن هذا حتى صرفت فكرك اليه, ولعلّه لا عيال له, فهو خالي القلب.
قال: ويحك قد خمّنت في أمره تخمينا ما أحسبه باطلا.. اما أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة من غير وجهها, أو يكون لصّا يتستر بالعمل في الطين.
فلاحاه ابن حمدون في ذلك, فقال: عليّ بالأسود.
فأحضر, ونادى بالمقارع فضربه نحو مئة مقرعة وقرّره وحلف ان لم يصدقه ضرب عنقه وأحضر السيف والنطع.
فقال الأسود: لي الأمان.
فقال: لك الأمان الا ما يجب عليك فيه من حدّ.
فلم يفهم ما قال له, وظنّ أنّه قد أمّنه فقال:
أنا كنت أعمل في أتاتين الآجر سنين وكنت منذ شهور هناك جالسا فاجتاز بي رجل في وسطه هميان فتبعته فجاء الى بعض الأتاتين, فجلس وهو لا يعلم مكاني, فحلّ الهيمان وأخرج منه دينارا فتأمّلته فاذا كلّه دنانير فثاورته وكتفته وسددت فاه, وأخذت الهميان, وحملت الرجل على كتفي وطرحته في نقرة الأتون وطيّنته, فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه, فطرحتها في دجلة والدنانير معي يقوى بها قلبي.
فأمر المعتضد من أحضر الدنانير من منزله, واذا على الهيمان مكتوب لفلان ابن فلان, فنودي في البلدة باسمه, فجاءت امرأته فقالت: هذا زوجي ولي منه هذا الطفل خرج في وقت كذا ومعه هميان فيه ألف دينار, فغاب الى الآن.
فسلّم الدنانير اليها, وأمرها أن تعتدّ, وضرب عنق الأسود وأمر أن تحمل جثته الى الأتون.


• قال المحسن: وبلغني أن المعتضد بالله قام في الليل لحاجة, فرأى بعض الغلمان المردان قد نهضوا من ظهر غلام أمرد, ودبّ على أربعته حتى اندّس بين الغلمان, فجاء المعتضد فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد الى أن وضع يده على فؤاد ذلك الفاعل, فاذا به يخفق خفقانا شديدا, فوكزه برجله فقعد واستدعى آلات العقوبة, فأقرّه فقتله.


• قال المحسن: وبلغنا عن المعتضد بالله أن خادما من خدمه جاء يوما فأخبره أنه كان قائما على شاطئ الدجلة في دار الخليفة, فرأى صيّادا وقد طرح شبكته, فثقلت بشيء , فجذبها فأخرجها فاذا فيها جراب, وأنه قدّره مالا فأخذه وفتحه, فاذا فيه آجر وبين الآجر كف مخضوبة بحنّاء. فأحضر الجراب والكف والآجر.
فهال المعتضد ذلك, وقال: قل للصياد يعاود طرح الشبكة فوق الموضع وأسفله وما قاربه. قال: ففعل فخرج جراب آخر فيه رجل.
فطلبوا فلم يخرج شيء آخر, فاغتمّ المعتضد وقال:
معي في البلد من يقتل انسانا ويقطع أعضاءه ويفرّقه ولا أعرف به؟ ما هذا ملك!
وأقام يومه كله ما طعم طعاما, فلما كان من الغد أحضر ثقة له, وأعطاه الجراب فارغا وقال له: صف به على كل من يعمل الجرب في بغداد, فان عرفه منهم رجل, فسله لمن باعه, فاذا دلّك عليه, فسل المشتري من اشتراه منه ولا تقر على خبره أحدا.
فغاب الرجل وجاء بعد ثلاثة أيّام, فزعم أنه لم يزل يطلب في الدبّاغين وأصحاب الجرب الى أن عرف صانعه, وسأل عنه فذكر أنه باعه لعطّار بسوق يحيى, وأنه مضى الى العطّار وعرضه عليه, فقال: ويحك, كيف وقع هذا الجراب في يدك؟
فقلت: أو تعرفه؟
قال: نعم اشترى مني فلان الهاشمي منذ ثلاثة أيام عشرة جرب لا أدري لأي شيء أرادها وهذا منها.
فقلت له: ومن فلان الهاشمي؟
فقال: رجل من ولد علي بن ريطة من ولد المهدي يقال له: فلان عظيم, الا أنه شر الناس وأظلمهم وأفسدهم للحوم المسلمين وأشدّهم تشوّقا الى مكائدهم, وليس في الدنيا من ينهي خبره الى المعتضد خوفا من شرّه ولفرط تمكّنه من الدولة والمال.
ولم يزل يحدّثني وأنا أسمع أحاديث له قبيحة الى أن قال:
فحسبك أنه كان يعشق منذ سنين فلانة المغنية جارة فلانة المغنية, وكانت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع في غاية حسن الغناء, فساوم مولاتها فيها, فلم تقاربه, فلما كان منذ أيام بلغه أن سيدتها تريد بيعها لمشتر بذل فيها ألوف الدنانير, فوجه اليها: لا أقلّ من أن تنفذيها اليّ لتودعني, فأنفذتها اليه بعد أن أنفذ اليها جذورها لثلاثة أيّام, فلما انقضت الأيام الثلاثة غصبها عليها وغيّبها عنها, فما يعرف لها خبر, وادّعى أنها هربت من داره. وقالت الجيران: انه قتلها, وقال قوم: لا بل هي عنده. وقد أقامت سيدتها عليها المأتم وجاءت وصاحت على بابه وسوّدت وجهها, فلم ينفعها شيء.
فلما سمع المعتضد سجد لله شكرا لله تعالى على انكشاف الأمر له, وبعث في الحال من كبس على الهاشميّ وأحضر المغنّية, وأخرج اليد والرجل الى الهاشمي, فلما رآهما امتقع لونه وأيقن بالهلاك واعترف, فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية الى مولاتها من بيت المال, وصرفها, ثم حبس الهاشمي, فيقال: انه قتله, ويقال: مات في الحبس.


• روي عن الرشيد أنه رأى يوما في داره حزمة خيزران, فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يرد أن يقول الخيزران لموافقته اسم أم الرشيد.
وقال الفضل: ايّاكم ومخاطبة الملوك بما يقتضي الجواب, فانهم ان أجابوكم شق عليهم, وان لم يجيبوكم شق عليكم.
قال ثعلب: قلت للحسن بن سهل: وقد كثر عطاؤه على اختلال حاله: ليس في السرف خير, فقال: بل ليس في الخير سرف. فرد اللفظ واستوفى المعنى.


• ورأى الفتح بن خاقان في لحية المتوكّل شيئا فلم يمسه بيده, ولا قال له شيئا, ولكنه نادى:
يا غلام مرآة أمير المؤمنين.
فجيء بها حتى أخذ المتوكّل ذلك الشيء بيده.


• حدثنا أبو علي بن مقلة قال: كنت أكتب لأبي الحسن بن الفرات أخدم بين يديه, فكنت كذلك معه الى أن تقلّد الوزارة الأولى, فلمّا وقعت فتنة ابن المعتز أمر بقبض ما في دور المخالفين الذين بايعوا ابن المعتز, وكانت أمتعتهم تقبض ونحمل اليه فيراها وينفذها الى خزائن المقتدر.
فجاؤوه يوما بصندوقين, فقالوا له: هذان وجدناهما في دار ابن المعتز.
فقال: أفعلمتم ما فيهما؟
قالوا: نعم, جرائد من بايعه من الناس بأسمائهم وأنسابهم.
فقال: لا تفتح.
ثم قال: يا غلمان هاتوا نارا, فجاء الفرّاشون بفحم, وأمرهم فأججوا النار, وأقبل عليّ وعلى من كان حاضرا, فقال: والله لو رأيت من هذين الصندوقين ورقة واحدة لظن كل من له فيها اسم أني قد عرفته, فتفسد نيّات العالم كلهم عليّ وعلى الخليفة, وما هذا رأي, حرّقوهما.
قال: فطرحا بأقفالهما الى النار, فلما احترقا بحضرته أقبل عليّ فقال: يا أبا علي, قد أمّنت كل من جنى وبايع ابن المعتز, وأمرني الخليفة بأمانة, فاكتب للناس الأمان مني, ولا يلتمس منك أحد أمانا _كائنا من كان_ الا كتبته له وجئني به لأوقع فيه, فقد أفردتك لهذا العمل.
ثم قال: لمن حضر: أشيعوا ما قلته حتى يأنس المستترون بأبي علي ويكاتبوه في طلب الأمان, فشكرناه. ودعت الجماعة له وشاع الخبر وكتبت الأمانات, فكتب في ذلك مئة ألأف أو نحوها.


• وكان أبو علي بن مقلة يوما يأكل, فلما رفعت المائدة وغسل يده رأى على ثوبه نقطة صفراء من الحلوى التي كان يأكلها, ففتح الدواة واستمد منها نقطة على الصفرة حتى لم يبقى لها أثر, وقال: ذلك أثر شهوة, وهذا أثر صناعتي, ثم أنشد:
انّما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر الرجال


يتبع

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:47 AM

من ذكاء الأمراء والولاة



• قال المؤلّف: بلغني أن رجلا من خراسان قدم الى بغداد للحج, وكان معه عقد من الجواهر يساوي ألف دينار, فاجتهد في بيعه, فلم يوفق, فجاء الى عطّار موصوف بالخير, فأودعه ايّاه, ثم حج وعاد فأتاه بهديّة.
فقال له العطار: من أنت وما هذا؟
فقال: أنا صاحب العقد الذي أودعتك.
فما كلّمه حتى رفسه رفسة رماه بها عن دكّانه, وقال: تدّعي عليّ مثل هذه الدعوى؟
فاجتمع بالناس وقالوا للحاج: ويلك, هذا رجل خير, ما لحقت من تدّعي عليه الا هذا؟
فتحيّر الحاج وتردد اليه, فما زاده الا شتما وضربا, فقيل له: لو ذهبت الى عضد الدولة, فله في هذه الأشياء فراسة.
فكتب قصّته وجعلها على قصبة ورفعها لعضد الدولة, فصاح به, فجاء, فسأله عن حاله, فأخبره بالقصّة, فقال:
اذهب الى العطار غدا, واقعد على دكّانه, فان منعك فاقعد على دكان تقابله, من الصبح الى المغرب, ولا تكلّمه, وافعل هذا ثلاثة أيّام, فاني أمرّ عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلّم عليك, فلا تقم لي ولا تزدني على ردّ السلام وجواب ما أسألك عنه, فاذا انصرفت فأعد على ذكر العقد, ثم أعلمني ما يقول لك, فان أعطاكه فجىء به اليّ.
فجاء الى دكّان العطّار ليجلس فمنعه, فجلس بمقابلته ثلاثة أيّام, فلما كان اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم, فلما رأى الخراساني وقف وقال: السلام عليك.
فقال الخراساني ولم يتحرّك: وعليكم السلام.
فقال: يا أخي تقدم فلا تأتي الينا ولا تعرض حوائجك علينا؟
فقال كما اتفق ولم يشبعه الكلام, وعضد الدولة يسألأه ويستخفي وقد وقف ووقف العسكر كله, والعطار قد أغمي عليه من الخوف.
فلما انصرف التفت العطار الى الحاج فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفا؟ ذكّرني لعلي أذكره.
فقال: من صفته كذا وكذا.
فقام وفتش, ثم نقض جرّة عنده فوقع العقد, فقال: قد كنت نسيت, ولو لم تذكّرني الحال ما ذكرت.
فأخذ العقد وذهب. ثم قال: وأي فائدة لي في أن أعلم عضد الدولة, ثم قال في نفسه: لعلّه يريد أن يشتريه.
فذهب اليه فأعلمه, فبعث به مع الحاجب الى دكّان العطّار, فعلّق العقد في عنق العطار وصلبه بباب الدكان ونودي عليه: هذا جزاء من استودع فجحد.


• وذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه أنه بلغ الى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطريق, ويقيمون في جبال شاقة, فلا يقدر عليهم, فاستدعى أحد التجار ودفع اليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى قد شيبت بالسم, وأكثر طيبها, وأعطاه دنانير, وأمره أن يسير مع القافلة, ويظهر أن هذه هدية لاحدى نساء أمراء الأطراف.
ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة, فنزل القوم وأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به مع جماعتهم الى الجبل, وبقي المسافرون عراة, فلما فتح الصندوق وجد الحلوى يضوع طيبها, ويدهش منظرها ويعجب ريحها, وعلم أنه لا يمكنه الاستبداد بها, فدعا أصحابه, فرأوا ما لم يروه أبدا قبل ذلك, فأمعنوا في الأكل عقيب مجاعة, فانقلبوا فهلكوا عن آخرهم, فبادر التجار الى أخذ أموالهم وأمتعتهم وسلاحهم, واستردوا المأخوذ عن آخره.
فلم أسمع بأعجب من هذه المكيدة, محت أثر العاتين وحصدت شوكة المفسدين.


• قدم بعض التجار من خراسان ليحج, فتأهب للحج وبقي معه ألف دينار لا يحتاج اليها, فقال: ان حملتها خاطرت بها, وان أودعتها خفت جحد المودع.
فمضى الى الصحراء, فرأى شجرة خروع, فحفر تحتها ودفنها ولم يره أحد, ثم خرج الى الحج وعاد, فحفر المكان فلم يجد شيئا, فجعل يبكي ويلطم وجهه, فاذا سئل عن حاله قال: الأرض سرقت مالي.
فلما كثر ذلك منه قيل له: لو قصدت عضد الدولة فان له فطنة.
فقال: أويعلم الغيب؟
فقيل له: لا بأس بقصده.
فأخبره بقصّته, فجمع الأطباء وقال لهم: هل داويتم في هذه السنة أحد بعروق الخروع؟
فقال أحدهم: أنا داويت فلانا وهو من خواصّك.
فقال: عليّ به.
فجاء فقال له: هل تداويت هذه السنة بعروق الخروع؟
قال: نعم.
قال: من جاءك به؟
قال: فلان الفرّاش.
قال: عليّ به.
فلما جاء قال: من أين أخذت عروق الخروع؟
فقال: من المكان الفلاني.
فقال: اذهب بهذا معك فأره المكان الذي أخذت منه.
فذهب معه بصاحب المال الى تلك الشجرة, وقال: من هذه الشجرة أخذت.
فقال الرجل: ههنا والله تركت مالي, فرجع الى عضد الدولة فأخبره, فقال للفرّاش: هلمّ بالمال, فتلكأ, فأوعده وهدّده فأحضر المال.


• حكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة, فمدحته فأجزل عطيّتي من الثياب والدنانير وبين يديه حسام خرواني فرآني ألحظه, فرمى به اليّ وقال: خذه.
فقلت: وكل خير عندنا من عنده.
فقال عضد الدولة: ذاك أبوك!
فبقيت متحيّرا لا أدري ما أراد, فجئت أستاذي فشرحت له الحال, فقال:
ويحك! قد أخطأت عظيمة, لأن هذه الكلمة لأبي نوّاس يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كليا أهله في كدّه قد سعدت جدودهم بجدّه
وكل خير عندنا من عنده
قال: فعدت متوشحا بكساء فوقفت بين يدي عضد الدولة فقال: ما بك؟
فقلت: حممت الساعة.
فقال: هل تعرف سبب حمّاك؟
قلت: نظرت في ديوان أبي نوّاس.
فقال: لا تخف, لا بأس عليك من هذه الحمّى.
فشكرته وانصرفت.


• وروى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي في تاريخه قال: حدّثني بعض التجار, قال: كنت في المعسكر, واتفق أن ركب السلطان جلال الدولة يوما الى الصيد على عادته, فلقيه سوادي يبكي, فقال: ما لك؟
فقال: لقيني ثلاثة غلمان أخذوا حمل بطيّخ معي وهو بضاعتي.
فقال: امض الى المعسكر فهناك قبّة حمراء, فاقعد عندها ولا تبرح الى آخر النهار, فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك.
فلما عاد السلطان, قال لبعض شرّائه: قد اشتهيت بطيّخا ففتش العسكر وخيمهم على شيء منه.
ففعل وأحضر البطيّخ, فقال: عند من رأيتموه؟
فقيل: في خيمة فلان الحاجب.
فقال: أحضروه. فقال له: من أين هذا البطيخ؟
فقال: الغلمان جاؤوا به.
فقال: أريدهم الساعة.
فمضى وقد أحسّ بالشر, فهرب الغلمان خوفا من أن يقتلوا, وعاد فقال: قد هربوا لما علموا بطلب السلطان لهم.
فقال: أحضروا السوادي.
قال: نعم.
قال: فخذه وامض مصاحبا السلامة.


• نزل أمير بقرية, فاحتاج الى المزيّن يمسح شعره, فجاء الأمير وحده اليه, وقال:
أنا حاجب هذا الأمير الذي قد نزل بكم, فامسح شعري, فان كنت حاذقا جاء الأمير فمسحت شعره.
وانما فعل ذلك لئلا يعلم أنه الأمير فينزعج ويجرحه.


• روي أن معن بن زائدة دخل على أبي جعفر أمير المؤمنين, فقارب في خطوه, فقال له أبو جعفر: كبرت سنّك يا معن.
فقال: في طاعتك يا أمير المؤمنين.
قال: وانك لجلد.
قال: على أعدائك.
قال: وان فيك لبقيّة.
قال: هي لك.


• قال المأمون لعبد الله بن طاهر: أيهما أطيب مجلسي أو منزلك؟
قال: ما عدلت به يا أمير المؤمنين.
قال: ليس لي الى هذا, انما ذهبت الى الموافقة في العيش واللذة.
قال: منزلي يا أمير المؤمنين.
قال: ولم ذلك؟
قال: لأني فيه مالك وأنا ههنا مملوك.



• ورأى ابن طولون يوما حمّالا يحمل صندوقا وهو يضطرب تحته, فقال: لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنقه وأنا أرى عنقه بارزة, وما هذا الا من خوف ما يحمل.
فأمر بحطّ الصندوق, فوجد فيه جارية قد قتلت وقطّعت, فقال: اصدقني عن حالها.
فقال: أربعة نفر في الدار الفلانيّة أعطوني هذه الدنانير وأمروني بحمل هذه المقتولة.
فضرب الحمّال مئتي ضربة بعصا, وأمر بقتل الأربعة.


• وكان ابن طولون يبكر ويخرج, فسمع قراءة الأئمة في المحاريب, فدعا بعض أصحابه يوما وقال: امض الى المسجد الفلاني, وأعط امامه هذه الدنانير.
قال: فمضيت فجلست مع الامام وباسطته حتى شكا أن زوجته ضربها الطلق, ولم يكن معه ما يصلح به شأنها, وأنه صلى فغلط مرارا في القراءة,
فعدت الى ابن طولون فأخبرته.
فقال: لقد صدق, لقد وقفت أمس,, فرأيته يغلط كثيرا فعلمت أن شيئا شغل قلبه.


• نظر بعض العمّال في ديوانه الى رجل يصغي الى سرّه, فأمر بضربه وحبسه.
فقال كاتب الحبس: كيف أكتب قصّته؟
قال: اكتب استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب.


• قال الحسين بن الحسن بن أحمد بن يحيى الواثقي, قال: كان جدّي يتقلد شرطة بغداد للمكتفي بالله, فعمل اللصوص في أيامه عملة عظيمة, فاجتمع التجار وتظلموا الى المكتفي بالله, فألزمه باحضار اللصوص أو غرامة المال, فتحيّر حتى كان يركب وحده ويطوف بالليل والنهار, الى أن اجتاز يوما في زقاق خال في بعض أطراف بغداد, فدخله فرأى على بعض أبواب دور الزقاق شوكة سمكة كبيرة, وعظم الصلب, وتقدير ذلك أن تكون السمكة فيها مئة وعشرون رطلا, فقال لواحد من أصحاب المسالخ:
ويحك, ما ترى عظام هذه السمكة كم تقدّر ثمنها؟
قال: دينار.
فقال: أهل هذا الزقاق لا تحمل أحوالهم شراء مثل هذه السمكة لأنه زقاق الى جانب الصحراء لا ينزله من معه شيء يخافه, أو له مال ينفق منه مثل هذه النفقة, وما هي الا بليّة يجب أن يكشف عنها.
فاستبعد الرجل هذا, وقال: هذا فكر بعيد.
فقال: اطلبوا امرأة من الدرب أكلمها.
فدق بابا غير الباب الذي عليه الشوك واستسقى ماء, فخرجت عجوز ضعيفة, فما زال يطلب شربة بعد شربية وهي تسقيهم, والواثقي من خلال ذلك يسأل عن الدرب وأهله, وهي تخبره غير عارفة بعواقب ذلك الى أن قال لها: فهذه الدار من يسكنها؟ وأومأ الى التي عليها عظام السمك.
فقالت: والله ما ندري على الحقيقة من سكّانها الا أن فيها خمسة شباب أعفار, كأنهم تجار قد نزلوا منذ شهر لا نراهم يخرجون نهارا الا كل مدة طويلة, وانا نرى الواحد منهم يخرج في الحاجة ويعود سريعا, وهم طول النهار يجتمعون فيأكلون ويشربون ويلعبون بالشطرنج والنرد, ولهم صبي يخدمهم, واذا كان الليل انصرفوا الى دار لهم في الكرخ, ويدعون الصبي في الدار يحفظها, فاذا كان سحرا بليل جاؤوا ونحن نيام لا نعقل بهم وقت مجيئهم.
قال: فقطع الوالي استسقاء الماء ودخلت العجوز, وقال للرجل: هذه صفة لصوص أم لا؟
فقال: توكلوا بحوالي الدار ودعوني على بابها.
وأنفذ في الحال واستدعى عشرة من الرجال, وأدخلهم الى سطوح الجيران, ودق هو الباب, فجاء الصبي ففتح فدخل والرجال معه, فما فاتهم من القوم أحد, وحملهم الى مجلس الشرطة وقرّرهم, فكانوا هم أصحاب الخيانة بعينها, ودلوا على باقي أصحابهم فتبعهم الواثقي, وكان يفتخر بهذه القصة.


• وبلغنا عن بعض ولاة مصر أنه كان يلعب بالحمام فتسابق هو وخادم له فسبقه الخادم, فبعث الأمير الى وزيره ليعلم الحال, فكره الوزير أن يكتب اليه أنك قد سبقت, ولم يدر كيف يكني عن ذلك, فكان ثمّ كاتب فقال: ان رأيت أن تكتب شعرا:
يا أيها الملك الذي جدّه لكل جد قاهر غالب
طائرك السابق لكنّه أتى وفي خدمته حاجب
فاستحسن ذلك وأمر له بجائزة.


• وجيء الى ابن النسوي برجلين قد اتهما بالسرقة فأقامهما بين يديه, ثم قال: شربة ماء, فجاء بها, فأخذ يشرب ثم ألقاها من يده عمدا فوقعت فانكسرت, فانزعج أحد الرجلين لانكسارها وثبت الآخر, فقال للمنزعج: اذهب أنت, وقال للآخر: ردّ ما أخذت.
فقيل له: من أين علمت؟
فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج, وهذا المنزعج بريء, لأنه لو تحرّكت في البيت فأرة لأزعجته ومنعته من أن يسرق.


• وذكر أن رجلا من جيران ابن النسوي كان يصلي بالناس دخل على ابن النسوي في شفاعة, وبين يديه صحن فيه قطائف فقال له: كل, فامتنع, فقال: كأنني بك وأنت تقول: من أين لابن النسوي شيء حلال؟ ولكن كل, فما أكلت قط أحلّ من هذا.
فقال بحكم المداعبة: من أين لك شيء لا يكون فيه شبهة؟
فقال: ان أخبرتك تأكل؟
قال: نعم.
فقال: كنت منذ ليال في مثل هذا الوقت, فاذا الباب يدق, فقالت الجارية: من؟ فقالت: امرأة تستأذن, فأذنت لها, فدخلت, فأكبّت على قدمي تقبّلها, فقلت: ما حاجتك؟ قالت: لي زوج ولي منه ابنتان لواحدة اثنا عشرة سنة والأخرى أربع عشرة سنة, وقد تزوّج عليّ وما يقربني والأولاد يطلبونه, فيضيق صدري لأجلهم, وأريد أن يجعل ليلة لي وليلة لتلك, فقلت لها: ما صناعته؟ فقالت: خبّاز, قلت: وأين دكّانه؟ قالت: بالكرخ. ويعرف بفلان بن فلان. فقلت: وأنت بنت من؟ فقالت: بنت فلانة, قلت: فما اسم بناتك؟ قالت: فلانة وفلانة... قلت: أنا أردّه اليك ان شاء الله تعالى, فقالت: هذه شقة قد غزلتها أنا وابنتاي, وأنت في حل منها. قلت: خذي شقتك وانصرفي.
فمضت, فبعثت اليه اثنين وقلت: أحضراه ولا تزعجاه. فأحضراه وقد طار عقله, فقلت: لا بأس عليك انما استدعيتك لأعطيك كرا طعام وعمالته تقيمه خبزا للرحّالة.
فسكن روعه وقال: ما أريد لي عمالة.
قلت: بلى. صديق مخسر عدو مبين. أنت منّي واليّ. كيف هي زوجتك فلانة؟ تلك بنت عمّي, وكيف بناتها فلانة وفلانة؟
فقال: بكل خير.
قلت: الله الله, لا أحتاج أن أوصيك لا تضيق صدرها.
فقبّل يدي, فقلت: امض الى دكّانك وان كان لك حاجة فالموضوع بحكمك, فانصرف.
فلما كان في هذه الليلة جاءت المرأة فدخلت وهذا الصحن معها, وأقسمت عليّ ألا أردّها, وقالت: قد جمعت شملي وشمل أولادي, وهذا والله من ثمن غزلي, فبالله لا ترده, فقبلته. هل هو حلال؟
فقال: والله ما في الدنيا أحل من هذا.
فقال: كل, فأكل.


• كان بعض العمّال واقفا على رأس أمير, فأخذه البول. فخرج, فلما جاء قال: أين كنت؟ قال: أصوب الرأي. يعني أنه لا رأي لحاقن.


• حدّثني بعض الشيوخ قال: سرق من رجل خمسمئة دينار, فحمل المتهمون الى الوالي.
فقال الوالي: أنا ما أضرب أحدا منكم. بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم, فادخلوا فليمرّ كل منكم يده عليه من اوّل الخيط الى آخره ويلف يده في كمّه ويخرج, فان الخيط يلف على يد الذي سرق.
وكان قد سوّد الخيط بسخام, فدخلوا, فكلهم جرّ يده على الخيط في الظلمة الا واحدا منهم, فلما خرجوا نظر الى أيديهم مسودّة الا وحدا فألزمه بالمال, فأقرّ به.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:47 AM

من ذكاء القضاة



• حدثنا الشعبي قال: جاءت امرأة الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: أشكو اليك خير أهل الدنيا الا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله: يقوم الليل حتى يصبح, ويصوم النهار حتى يمسي.
ثم أخذها الحياء فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين.
فقال: جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثناء, قد أقلتك.
فلما ولّت قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين: قد أبلغت اليك في الشكوى.
فقال: ما اشتكت؟
قال: زوجها.
قال: عليّ بالمرأة وزوجها.
فجيء بهما, فقال لكعب: اقض بينهما.
قال: أأقضي وأنت شاهد؟
قال: انك قد فطنت لما لم أفطن اليه.
قال: فان الله يقول:" انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع", صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوما, وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة.
فقال عمر: لهذا أعجب اليّ من الأوّل, فرحّله بدابة وبعثه قاضيا لأهل البصرة.


• أخبرنا مجالد بن سعيد قال: قلت للشعبي: يقال في المثل: ان شريحا أدهى من الثعلب وأحيل, فما هذا؟
فقال لي في ذلك: ان شريحا خرج أيام الطاعون الى النجف, وكان اذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه, فيحاكيه ويخيل بين يديه, فيشغله عن صلاته, فلما طال ذلك عليه نزع قميصه, فجعله على قصبة, وأخرج كمّيه وجعل قلنسوته وعمامته عليه, فأقبل الثعلب, فوقف على عادته, فأتى شريح من خلفه, فأخذه بغتة, فلذلك يقال: هو أدهى من الثعلب وأحيل.


• حدّث الشعبي قال: شهدت شريحا وقد جاءته امرأة تخاصم رجلا, فأرسلت عينيها فبكت.
فقلت: يا أبا أميّة, ما أظن هذه البائسة الا مظلومة.
فقال: يا شعبي, ان اخوة يوسف " وجاؤوا أباهم عشاء يبكون".


• وقيل ان شريحا خرج من عند زياد وهو مريض, فأرسل اليه مسروق بن الأجدع رسولا يسأله: كيف وجدت الأمير؟
قال: تركته يأمر وينهي.
فقيل له: انه يعرّض.
فأعاد عليه السؤال فقال: يأمر بالوصيّة وينهى عن النياحة.

• وأتى عديّ بن أرطأة شريحا وهو في مجلس القضاء, فقال لشريح: أين أنت؟
قال: بينك وبين الحائط.
قال: اسمع مني.
قال: لهذا جلست مجلسي.
قال: اني رجل من أهل الشام.
قال: الحبيب القريب.
قال: وتزوّجت امرأة من قومي.
قال: بارك الله لك, بالرفاه والبنين.
قال: وشرطت لأهلها أن لا أخرجها.
قال: الشرط أملك.
قال: وأريد الخروج.
قال: في حفظ الله.
قال: اقض بيننا.
قال: قد فعلت.


• دخل على ايّاس بن معاوية ثلاثة نسوة, فقال: أما واحدة فمرضع, والأخرى بكر, والثالثة ثيّب.
فقيل: بم علمت؟
قال: أما المرضع فانها لما قعدت أمسكت ثديها بيدها, وأما البكر فلما دخلت لم تلتفت الى أحد, وأما الثيّب فلما دخلت رمقت بعينها يمينا وشمالا.


• استودع رجلا من أمناء اياس مالا, وكان أمينا لا بأس به, وخرج المستودع الى مكّة, فلما رجع طلبه فجحده, فأتى اياسا فأخبره.
فقال له اياس: أعلم أنك أتيتني؟
قال: لا.
قال: فنازعته عند أحد؟
قال: لا.لم يعلم أحد بهذا.
قال: فانصرف واكتم أمرك, ثم عد اليّ بعد يومين.
فمضى الرجل, فدعا اياس أمينه على ذلك, فقال: قد حضر مال كثير أريد أن أسلمه اليك, أفحصين منزلك؟
قال: نعم.
قال: فأعد موضعا للمال وقوما يحملونه.
وعاد الرجل الى اياس, فقال له: انطلق الى صاحبك, فاطلب المال, فان أعطال فذاك, وان جحدك فقل له: اني أخبر القاضي.
فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي, والا أتيت القاضي وشكوت اليه, وأخبرته ما جرى, فدفع اليه ماله, فرجع الرجل الى اياس فقال: قد أعطاني المال.
وجاء الأمين الى اياس فزبره وانتهره, وقال: لا تقربني يا خائن.


• وذكر الجاحظ أن اياس بن معاوية نظر الى صدع في أرض فقال: تحت هذا دابة.
فنظروا فاذا هي حية, فقيل له: من أين علمت؟
قال: رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين جميع تلك الرحبة, فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس.


• قال الجاحظ: وحج اياس فسمع نباح كلب, فقال: هذا كلب مشدود, ثم سمع نباحه, فقال: قد أرسل.
فانتهوا الى القوم, فسألوهم فكان كما قال, فقيل له: من أين علمت؟
قال: كان نباحه وهوممسك يسمع من مكان واحد, ثم سمعته يقرب مرة ويبعد أخرى.


• ومرّ اياس ليلة بماء فقال: أسمع صوت كلب غريب.
فقيل له: كيف عرفته؟
قال: بخضوع صوته وشدّو نباح الآخرين.
فسألوا, فاذا كلب غريب والكلاب تنبحه.


• تقلّد القضاء في واسط رجل ثقة كثير الحديث, فجاء رجل فاستودع بعض الشهود كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف دينار, فلما حصل الكيس عند الشاهد وطالت غيبة الرجل قدّر أنه قد هلك, فهمّ بانفاق المال, ثم دبّر وفتق الكيس من أسفله, وأخذ الدنانير, وجعل مكانها دراهم, وأعاد الخياطة كما كانت.
وقدّر أن الرجل وافى وطلب الشاهد بوديعته, فأعطاه الكيس بختمه, فلما حصل في منزله فضّ ختمه فصادف في الكيس دراهم, فرجع الى الشاهد, فقال له: عافاك الله, اردد عليّ مالي فاني استودعتك دنانير والذي وجدت دراهم مكانها.
فأنكره ذلك, فاستدعى عليه القاضي المقدّم ذكره, فأمر باحضار الشاهد مع خصمه, فلما حضرا سأل الحاكم: منذ كم أودعته هذا الكيس؟
قال: منذ خمسة عشر سنة.
فأخذ القاضي الدراهم وقرأ سككها, فاذا هي دراهم منها ما ضرب منذ سنتين وثلاث ونحوها, فأمره أن يدفع الدنانير اليه, فدفعها اليه وأسقطه وقال له: يا خائن.
ونادى مناديه: ألا ان فلان بن فلان القاضي قد أسقط فلان بن فلان الشاهد, فاعلموا ذلك ولا يغترنّ به أحد بعد اليوم.
فباع الشاهد أملاكه في واسط وخرج عنها هاربا, فلم يعلم له خبر ولا أحس منه أثر.


• استودع رجل رجلا مالا, ثم طلبه فجحده, فخاصمه الى اياس بن معاوية, فقال الطالب: اني دفعت المال اليه.
قال: ومن حضر؟
قال: دفعته في مكان كذا وكذا, ولم يحضرنا أحد.
قال: فأي شيء في ذلك الموضع؟
قال: شجرة.
قال: فانطلق الى ذلك الموضع وانظر الشجرة, فلعل الله تعال يوضح لك هناك ما يتبيّن به حقك, لعلك دفنت مال عند الشجرة ونسيت, فتتذكّر اذا رأيت الشجرة.
فلما مضى الرجل, قال اياس للمطلوب: اجلس حتى يرجع خصمك, فجلس واياس يقضي وينظر اليه ساعة, ثم قال له: يا هذا, أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟
قال: لا.
قال: يا عدوّ الله .. انك لخائن.
قال: أقلني أقالك الله.
فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل, فقال له اياس: قد اقرّ لك بحقك فخذه.


• اختصم الى قاضي القضاة الشاميّ يوما رجلان وهو بجامع المنصور, فقال أحدهما: اني أسلمت الى هذا عشرة دنانير.
فقال للآخر: ما تقول؟
قال: ما أسلم اليّ شيئا.
فقال للطالب: هل لك بيّنة؟
قال: لا.
قال: ولا سلمتها اليه بعين أحد؟
قال: لا, لم يكن هناك الا الله عز وجل.
قال: فأين سلّمتها اليه؟
قال: بمسجد بالكرخ.
فقال للمطلوب: أتحلف؟
قال: نعم.
قال للطالب: قم الى ذلك المسجد الذي سلمتها اليه وائتني بورقة من مصحف لأحلّفه بها.
فمضى الرجل واعتقل القاضي الغريم, فلما مضت ساعة التفت القاضي اليه فقال: أتظن أنه بلغ ذلك المسجد؟
فقال: لا ما بلغ اليه.
فكان هذا كالاقرار, فأمره بالذهب فأقرّ به.


• ولي يحيى بن أكثم قضاة البصرة وسنّه عشرون أو نحوها, فقال له أحدهم: كم سنّ القاضي؟
فعلم أنه قد استصغره فقال له: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجّه به النبي صلى الله عليه وسلّم قاضيا على أهل مكّة يوم الفتح, وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجّه به النبي صلى الله عليه وسلّم قاضيا على أهل اليمن, وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجّه به عمر بن الخطّاب قاضيا على أهل البصرة.


• كان المطلب بن محمّد الحنظي على قضاء مكّة, وكان عنده امرأة قد مات عنها أربعة أزواج.
فمرض مرض الموت, فجلست عند رأسه تبكي, وقالت: الى من توصي بي؟
قال: الى السادس الشقي.


• وبلغنا أن رجلا جاء الى أبي حازم فقال له: ان الشيطان يأتيني فيقول: انّك قد طلّقت زوجتك, فيشكّكني.
فقال له: أوليس قد طلّقتها؟
قال: لا.
قال: ألم تأتني أمس فطلّقتها عندي؟
فقال: والله ما جئتك الا اليوم ولا طلّقتها بوجه من الوجوه.
قال: فاحلف للشيطان اذا جاءك كما حلفت لي وأنت في عافية.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:47 AM

من ذكاء العلماء والفقهاء



• قال الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان فقال: كم عطاءك؟
فقلت: ألفي درهم, فجعل يسارّ أهل الشام ويفول: لحن العراقي!
ثم قال: كم عطاؤك؟ _ لأردّ قولي, فيغلظني_ فقلت: ألفا درهم.
فقال: ألم تقل: ألفي درهم؟
فقلت: لحنت يا أمير المؤمنين فلحنت, لأني كرهت أن تكون راجلا وأكون فارسا.
فقال: صدقت. واستحيا.


• أخبرنا جرير قال: جئنا الأعمش يوما, فوجدناه قاعدا في ناحية, فجلسنا في ناحية أخرى, وفي الموضع خليج من ماء المطر, فجاء رجل عليه سواد, فلما بصر بالأعمش وعليه فروة حقيرة قال:
قم عبّرني هذا الخليج.
وجذب بيده, فأقامه وركبه, وقال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنّا له مقرنين}.
فمضى به الأعمش حتى توسّط به الخليج ثم رمى به وقال:{ وقل ربّ أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين}.
ثم خرج وترك المسود يتخبّط في الماء.


• ومن المنقول عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه: أخبرنا ابن المبارك قال:
رأيت أبا حنيفة في طريق مكّة وشوي لهم فيصل ثمين, فاشتهوا أن يأكلوه بخل فلم يجدوا شيئا يصبّون فيه الخلّ, فتحيّروا, فرأيت أبا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة وبسط عليها السفرة, وسكب الخلّ على ذلك الموضع, فقالوا له: تحسن كل شيء. فقال: عليكم بالشكر فان هذا شيء ألهمته لكم فضلا من الله عليكم.


• حدّثنا محمّد بن الحسن قال: دخل اللصوص على رجل, فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثا أن لا يعلم أحدا.
فأصبح الرجل وهو يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقدر أن يتكلّم من أجل يمينه, فجاء يشاور أبا حنيفة, فقال له أبو حنيفة:
أحضرني امام حيّك والمؤذن والمستورين منهم.
فأحضره اياهم فقال لهم أبو حنيفة: هل تحبّون أن يرد الله على هذا متاعه؟
قالوا: نعم.
قال: فاجمعوا كل متهم فأدخلوهم في دار أو في مسجد, ثم أخرجوهم واحدا واحدا, فقولوا "هذا لصك؟", فان كان ليس بلصه فانه يردّ قائلا: "لا", وان كان لصه فيسكت, فاذا سكت فاقبضوا عليه.
ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة, فردّ الله عليه جميع ما سرق منه.


• حدثنا حسين الأشقر قال: كان بالكوفة رجل من الطالبين من خيارهم, فمرّ بأبي حنيفة, فقال له: أين تريد؟
قال: أريد ابن أبي ليلى.
قال: فاذا رجعت أحب أن أراك, وكانوا يتبرّكون بدعائه.
فمضى الى ابن أبي ليلى ثلاثة أيام, واذ رجع مرّ بأبي حنيفة, فدعاه وسلّم عليه, فقال له أبو حنيفة: ما جاء بك ثلاثة أيام الى ابن أبي ليلى؟
فقال: شيء كتمته الناس, فأملت أن يكون عنده فرج.
فقال أبو حنيفة: قل ما هو؟
قال: اني رجل موسر وليس لي من الدنيا الا ابن, كلما زوّجته امرأة طلقها, وان اشتريت له جارية أعتقها.
فقال أبو حنيفة: اقعد عندي حتى أخرجك من ذلك. فقرّب اليه ما حضر عنده فتغذى عنده, ثم قال له:
ادخل أنت وابنك الى السوق, فأي جارية أعجبته ونالت يدك ثمنها, فاشترها لنفسك لا تشترها له, ثم زوّجها منه, فان طلقها رجعت اليك, وان أعتقها لم يجز عتقه, وان ولدت ثبت نسبه اليك.
قال: وهذا جائز؟
قال: نعم, وهو كما قلت.
فمرّ الرجل الى ابن أبي ليلى فأخبره فقال: هو كما قال لك.


• وعن أبي يوسف قال: دعا المنصور أبا حنيفة, فقال الربيع حاجب المنصور, وكان يعادي أبا حنيفة:
يا أمير المؤمنين, هذا أبو حنيفة يخالف جدّك. كان عبدالله بن عباس يقول:" اذا حلف على اليمين, ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء", وقال أبو حنيفة:" لا يجوز الاستثناء الا متصلا باليمين".
فقال أبو حنيفة:" يا أمير المؤمنين, ان الربيع يزعم أن ليس لك في رقاب جندك بيعة!
قال: وكيف؟
قال: يحلفون لك ثم يرجعون الى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم.
فضحك المنصور وقال: يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة.


• حدثنا يحيى بن جعفر قال: سمعت أبا حنبفة يقول:
احتجت الى ماء بالبادية, فجاءني أعرابي ومعه قربة من ماء, فأبى أن يبيعنيها الا بخمسة دراهم, فدفعت اليه خمسة دراهم وقبضت القربة, ثم قلت: يا أعرابي, ما رأيك في السويق؟
فقال: هات.
فأعطيته سويقا ملتوتا بالزيت, فجعل يأكل حتى امتلأ ثم عطش, فقال: شربة؟
قلت: بخمسة دراهم.
فلم أنقصه من خمسة دراهم على شربة ماء, فاسترددت الخمسة وبقي معي الماء.


• وبلغنا أن رجلا جاء الى أبي حنيفة فشكا له أنه دفن مالا في موضع ولا يذكر الموضع, فقال أبو حنيفة:
ليس هذا فقها فأحتال لك فيه, ولكن اذهب فصلّ الليلة الى الغداة, فانك ستذكره ان شاء الله تعالى.
ففعل الرجل ذلك, فلم يمض الا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع, فجاء الى أبي حنيفة فأخبره فقال:
قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى تذكر, فهلا أتممت ليلتك شكرا لله عز وجلّ.


• كان عند الرشيد جارية من جواريه وبحضرته عقد جوهر, فأخذ يقلّبه ففقده فاتهمها, فسألها عن ذلك, فأنكرت. فحلف بالطلاق والعتاق والحج لتصدقنه, فأقامت على الانكار وهو متهم لها.
وخاف أن يكون قد حنث في يمينه, فاستدعى أبا يوسف وقصّ عليه القصة, فقال أبو يوسف:
تخليني مع الجارية وخادم معنا حتى أخرجك من يمينك.
ففعل ذلك. فقال لها أبو يوسف:
اذا سألك أمير المؤمنين عن العقد فأنكريه, فاذا أعاد عليك السؤال فقولي: "قد أخذته", فاذا أعاد عليك الثالثة فأنكري, وخرج, وقال للخادم: لا تقل لأمير المؤمنين ما جرى.
ثم قال للرشيد: سلها يا أمير المؤمنين ثلاث دفعات متواليات عن العقد, فانها تصدقك.
فدخل الرشيد فسألها, فأنكرت أول مرّة, وسألها الثانية, فقالت:" نعم قد أخذته", فقال:" أي شيء تقولين؟", فقالت: "والله ما أخذته ولكن هكذا قال لي أبو يوسف".
فخرج اليه فقال: ما هذا؟
قال: يا أمير المؤمنين, قد خرجت عن يمينك لأنها أخبرتك قد أخذته, وأخبرتك أنها لم تأخذه, فلا يخلو أن تكون صادقة في أحد القولين, وقد خرجت أنت من يمينك.
فسرّ ووصل أبا يوسف, فلما كان بعد مدة وجد العقد.


• وبلغنا أن الرشيد قال لأبي يوسف:
ما تقول في الفلوذج واللوزينج, أيهما أطيب؟
فقال: يا أمير المؤمنين, لا اقضي بين غائبين.
فأمر باحضارهما, فجعل أبو يوسف يأكل من هذه لقمة ومن ذاك أخرى حتى نصّف جاميهما, ثم قال: يا أمير المؤمنين, ما رأيت خصمين أجدل منهما, كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجة.


• وروي أن المتوكّل قال: رأيت الشافعي وقد جاءه رجل يسأله عن مسألة, فقال: من أهل صنعاء أنت؟ قال: نعم. قال: فلعلك حداد؟ قال: نعم.
حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي وقد سأله رجل فقال: حلفت بالطلاق ان أكلت هذه الثمرة أو رميت بها. قال: تأكل نصفها وترمي نصفها.


• وروي أن المتوكّل قال:
أشتهي أن أنادم أبا العيناء, لولا أنه ضرير.
فقال أبو العيناء:
ان عفاني أمير المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتم, فاني أصلح.
وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيد بن درهم, وعن حمّاد بن سلمة بن دينار فقال: بينهما في القدر ما بين أبوابهما في الصرف.


• جاء رجل الى ابن عقيل فقال: اني كلما أنغمس في النهر غمستين وثلاثا لا أتيقن أنه قد غمسني الماء, ولا أني قد تطهرت فكيف أصنع؟
فقال له: لا تصلي.
فقيل له: كيف قلت هذا؟
قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ, وعن النائم حتى ينتبه, وعن المجنون حتى يفيق", ومن ينغمس في النهر مرة أو مرتين أو ثلاثا ويظن أنه ما اغتسل فهو مجنون.


• ومن المنقول عن بعض الفقهاء, أن رجلا قال له: اذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل, لأتوجه الى القبلة أم الى غيرها؟
قال: توجه الى ثيابك التي نزعتها.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:48 AM

من ذكاء الأعراب



• روى عمرو بن معديكرب أنه خرج يوما حتى انتهى الى حي, فاذا بفرس مشدود ورمح مركوز, واذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته, قال: فقلت له:
خذ حذرك فاني قاتلك.
قال: ومن أنت؟
قلت: عمرو بن معديكرب.
قال: يا أبا ثور ما أنصفتني. أنت على ظهر فرسك وانا في بئر فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري.
فأعطيته عهدا أن لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره, فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس.
فقلت له: ما هذا؟
قال: ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك, فان كنت نكثت عهدا فأنت أعلم.
فتركته ومضيت, فهذا أحيل من رأيت.


• قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر, وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان, قال:
فقلت لامرأتي: اشوي لي دجاجة وقدّميها لنا نتغذى بها.
فلما حضر الغداء جلسنا جميعا, أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي, فدفعنا اليه الدجاجة, فقلنا: "اقسمها بيننا", نريد بذلك أن نضحك منه.
قال: لا أحسن القسمة, فان رضيتم بقسمي قسمت بينكم. قلنا: فاننا نرضى. فأخذ رأس الدجاجة, فقطعه ثم ناولنيه, وقال: الرأس للرئيس, ثم قطع الجناحين قال: والجناحان للابنان, ثم قطع الساقين فقال: والساقان للابنتين, ثم قطع الزمكي وقال: العجز للعجوز, ثم قال: الزور للزائر, فأخذ الدجاجة بأسرها!
فلما كان من الغد قلت لامرأتي: اشوي لنا خمس دجاجات. فلما حضر الغداء قلنا: اقسم بيننا.
قال: أظنكم وجدتم من قسمتي أمس.
قلنا: لا لم نجد, فاقسم بيننا.
فقال: شفعا أو وترا؟
قلنا: وتر.
قال: نعم. أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة, ورمى بدجاجة, ثم قال: وابناك ودجاجة ثلاثة, ورمى الثانية. ثم قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة, ورمى الثالثة. ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثة.
فأخذ الدجاجتين, فرآنا ونحن ننظر الى دجاجتيه, فقال: ما تنظرون, لعلكم كرهتك قسمتي؟ الوتر ما تجيء الا هكذا.
قلنا: فاقسمها شفعا.
فقبضهن اليه ثم قال: أنت وابناك ودجاجة أربعة, ورمى الينا بدجاجة, والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة, ورمى اليهن بدجاجة. ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعة, وضم اليه ثلاث دجاجات. ثم رفعها رأسه الى السماء وقال:
الحمد لله أنت فهمتها لي!


• قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟
قال: أصبحت وأرى كل شيء مني في ادبار, وادباري في اقبال.


• أقبل أعرابي يريد رجلا وبين يدي الرجل طبق تين, فلما أبصر الأعرابي غطى التين بكسائه, والأعرابي يلاحظه, فجلس بين يديه, فقال له الرجل:
هل تحسن من القرآن شيئا؟
قال: فاقرأ.
فقرأ: {والزيتون * وطور سينين}.
قال الرجل: فأين التين؟
قال: التين تحت كسائك.


• حدثنا عيسى بن عمر قال: ولي أعرابي البحرين, فجمع يهودها وقال:
ما تقولون في عيسى ابن مريم؟
قالوا: نحن قتلناه وصلبناه.
فقال الأعرابي: لا جرم, فهل أديتم ديته؟
فقالوا: لا.
فقال: والله لا تخرجون من عندي حتى تؤدّى اليّ ديته.
فما خرجوا حتى دفعوها له.


• حدثنا ابن قتيبة قال: كان أبو العاج على حوالي البصرة, فأتي برجل من النصارى, فقال: ما اسمك؟
قال: بندار شهر بندار.
فقال: أنتم ثلاثة وجزية واحدة.
لا والله العظيم, فأخذ منه ثلاث جزى.
وولي تبالة: فصعد المنبر فما حمد الله ولا أثنى عليه حتى قال: ان الأمير ولاني بلدكم واني والله ما أعرف من الحق موضع صوتي هذا, ولن أوتى بظالم ولا مظلوم الا أوجعتهما ضربا. فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يرتفعون اليه.


• أنشد رجل أبا عثمان المازني شعرا له, ثم قال: كيف تراه؟
قال: أراك قد عملت عملا باخراج هذا من جوفك, لأنك لوتركته لأورثك الشك.


• قيل نزل أعرابي في سفينة, فاحتاج الى البزار, فصاح: "الصلاة الصلاة".
فقربوا الى الشط, فخرج فقضى حاجته, ثم رجع فقال:
ادفعوا, فصلاتكم بعد وقت.


• وقف أعرابي على قوم فسألهم عن أسمائهم.
فقال أحدهم: اسمي وثيق.
وقال الآخر: منيع.
وقال الآخر: اسمي ثابت.
فقال الأعرابي: ما أظن الأقفال عملت الا من أسمائكم.


• وقال الأصمعي:
سألت أعرابيّة عن ولدها _ وكنت أعرفه_ فقالت:
مات والله, وقد آمنني الله بفقده المصائب ثم قالت:
وكنت أخاف الدهر ما كان باقيا
فلما تولى مات خوفي من الدهر

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:49 AM

في ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غرض



• قال المغيرة بن شعبة:
ما خدعني قط غير غلام من بني الحرث بن كعب, فاني ذكرت امرأة منهم وعندي شاب من بني الحرث, فقال:
أيها الأمير انه لا خير لك فيها.
فقلت: ولما.
قال: رأيت رجلا يقبلها.
فأقمت أياما, ثم بلغني أن الفتى تزوج بها, فأرسلت اليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلا يقبلها؟
قال: بلى, رأيت أباها يقبلها.
فاذا ذكرت الفتى وما صنع غمّني ذلك.


• خطب رجل الى قوم, فقالوا: ما تعالج؟
قال: أبيع الدواب.
فزوّجوه, ثم سألوا عنه, فاذا هو يبيع السنانير, فخاصموه الى شريح فقال: السنانير دواب.
وأنفذ تزويجه.


• أخبرنا الأصمعي أن محمد بن الحنفية أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار, فقال المختار حين بلغه ذلك: ان في المهدي علامة يضربه رجل في السوق بالسيف فلا يضرّه.
فلما بلغ ذلك محمد أقام ولم يقدم الكوفة.


• أخبرنا داود بن الرشيد قال: قلت للهيثم بن عديّ: أي شيء استحق سعيد بن عثمان أن ولاه المهدي القضاء, وأنزله منه تلك المنزلة الرفيعة؟
قال: ان خبره في اتصاله بالمهدي ظريف, فان أحببت شرحته لك.
قال: قلت: والله ما أحببت غير ذلك.
قال: اعلم أنه وافى الربيع الحاجب حين أفضت الخلافة الى المهدي, فقال: استأذن على أمير المؤمنين.
فقال له الربيع: من أنت وما حاجتك؟
قال: أنا رجل قد رأيت لأمير المؤمنين رؤيا صالحة, وقد أحببت أن تذكروني له.
فقال له الربيع: يا هذا ان القوم لا يصدقون ما رأونه لأنفسهم, فكيف ما يراه لهم غيرهم؟
فقال له: ان لم تخبره بمكاني سألت من يوصلني اليه, فأخبرته أني سألتك الاذن عليه, فلم تفعل.
فدخل الربيع على المهدي فقال له: يا أمير المؤمنين, انكم قد أطعمتم الناس في أنفسكم, فقد احتالوا لكم بكل ضرب.
قال له: هكذا صنع المملوك, فما ذاك؟
قال: رجل بالباب يزعم أنه قد رأى لأمير المؤمنين رؤيا حسنة, وقد أحبّ أن يقصها عليه.
فقال له المهدي: ويحك يا ربيع, اني والله أرى الرؤيا لنفسي, فلا تصح لي, فكيف اذا دعاها من لعله قد افتعلها؟
قال: والله قلت له مثل هذا, فلم يقبل.
قال: هات الرجل.
فأدخل اليه سعيد بن عبد الرحمن وكان له رؤية وجمال ومروءة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان, فقال له المهدي: هات بارك الله عليك, فماذا رأيت؟
قال: رأيت أمير المؤمنين آتيا أتاني في منامي, فقال لي: أخبر أمير المؤمنين المهدي أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة, وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلّب يواقيت, ثم يعدها, فيجدها ثلاثين ياقوتة, كأنها قد وهبت له.
فقال المهدي: ما أحسن ما رأيت, ونحن نمتحن رؤياك في ليلتك المقبلة على ما أخبرتنا به, فان كان الأمر على ما ذكرته أعطيناك ما تريد, وان كان الأمر بخلاف ذلك, لعلمنا أن الرؤيا ربما صدقت وربما اختلفت.
فقال له سعيد: يا أمير المؤمنين, فما أنا أصنع الساعة اذا صرت الى منزلي وعيالي, فأخبرتهم أني كنت عند أمير المؤمنين ثم رجعت صفرا؟
قال له المهدي: فكيف نعمل؟
قال: يعجّل لي أمير المؤمنين ما أحب وأحلف له بالطلاق أني قد صدقت.
فأمر له بعشرة آلاف درهم, وأمر أن يؤخذ منه كفيل ليحضره من غد ذلك اليوم, فقبض المال, وقيل من يكفل بك؟
فمدّ عينيه الى خادم فرآه حسن الوجه والزي, فقال: هذا يكفل بي.
فقال له المهدي: أتكفل به؟
فاحمرّ وخجل وقال: نعم. وكفله, وانصرف.
فلما كان في تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفا حرفا وأصبح سعيد في الباب واستأذن فأذن له, فلما وقعت عين المهدي عليه قال: أين مصداق ما قلت لنا؟
فقال سعيد: امرأتي طالق ان لم تكن رأيت شيئا.
قال له المهدي: ويحك, ما أجرأك على الحلف بالطلاق.
قال: لأنني أحلف على صدق.
قال له المهدي: فقد والله رأيت ذلك مبينا.
فقال له سعيد: الله أكبر! فأنجز يا أمير المؤمنين ما وعدتني.
قال له: حبّا وكرامة. ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار, وعشرة تخوت ثياب من كل صنف, وثلاثة مراكب من أنفس دوابه محلاة.
فأخذ ذلك وانصرف, فلحق به الخادم الذي كان كفل به, وقال له: سألتك بالله هل كان لهذه الرؤيا التي ذكرتها من أصل؟
قال له سعيد: لا والله.
قال الخادم: كيف وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته له؟
قال: هذه من المخاريق الكبار التي لا يأبه لها أمثالكم, وذلك أني لما ألقيت اليه هذا الكلام خطر بباله, وحدّث به نفسه, وأسرّ به قلبه, وشغل به فكره, فساعة نام خيّل له ما حلّ في قلبه, وما كان شغل به فكره في المنام.
قال له الخادم: قد حلفت بالطلاق!
قال: طلقت واحدة, وبقيت معي ثننتين فأرد في مهر عشرة دراهم, وأتخلّص وأتحصّل على عشرة آلاف درهم, وثلاثة آلاف دينار, وعشرة تخوت من أصناف الثياب, وثلاثة مراكب.
فبهت الخادم في وجهه وتعجّب من ذلك, فقال له سعيد: قد صدقتك وجعلت صدقي لك فكافأتك على كفالتك بي, فاستر عليّ ذلك.
ففعل ذلك, فطلبه المهدي لمنادمته, فنادمه وحظي عنده وقلّده القضاء على عسكر المهدي, فلم يزل كذلك حتى مات المهدي.


• قال المحسن بن عليّ التنوخي, عن أبيه قال:
حججت في موسم اثنتين وأربعين, فرأيت مالا عظيما وثيابا كثيرة تفرّق في المسجد الحرام, فقلت: ما هذا؟
فقالوا: بخراسان رجل صالح عظيم النعمة والمال يقال له:"عليّ الزرّاد", أنفذ عام أول مالا وثيابا الى ههنا مع ثقة له, وأمره أن يعتبر قريشا, فمن وجده منها حافظا للقرآن دفع اليه كذا وكذا ثوبا.
قال: فحضر الرجل عام أول, فلم يجد في قريش ألبتة أحدا يحفظ القرآن الا رجلا واحدا من بني هاشم, فأعطاه قسطه, وتحدّث الناس بالحديث, وردّ باقي المال الى صاحبه.
فلما كان في هذه السنة عاد بالمال والثياب, فوجد خلقا عظيما من جميع بطون قريش قد حفظوا القرآن, وتسابقوا الى تلاوته بحضرته, وأخذوا الثياب والدراهم, فقد فنيت وبقي منهم من لم يأخذ, وهم يطالبونه.
قال: فقلت: لقد توصل هذا الرجل الى رد فضائل قريش عليها بما يشكره الله سبحانه له.


• أخبرنا علي بن المحسن, عن أبيه قال:
أخبرني جماعة من شيوخ بغداد أنه كان بها في طرف الجسر سائلان أعميان, أحدهما يتوسّل بأمير المؤمنين عليّ, والآخر بمعاوية, ويتعصّب لهما الناس, ويجمعان القطع, فاذا انصرفا فيقتسمان القطع, وكانا يحتالان بذلك على الناس.


• حدثنا عبد الواحد بن محمد الموصلي, حدثنا بعض فتيان الموصلي قال:
لما قتل ناصر الدولة أبا بكر بن رايق الموصلي نهب الناس داره بالموصل, فدخلت لأنهب, فوجدت كيسا فيه أكثر من ألف دينار, فأخذته وخفت أن أخرج وهو معي كذلك, فيبصرني بعض الجند, فيأخذه مني, فطفت الدار, فوقعت على المطبخ, فعمدت الى قدرة كبيرة فيها سكباج, فطرحت الكيس فيها, وحملتها على يدي, فكل من استقبلني نظر أني ضعيف قد حملني الجوع على أخذ تلك القدرة التي سلمت الى منزلي.


• وحدثني أبو حسن بن عباس القاضي قال:
رأيت صديقا على بعض زوارق الجسر ببغداد جالسا في يوم شديد الريح وهويكتب رقعة, فقلت:
ويحك, في هذا الموضع وهذا الوقت؟!.
قال: أريد أن أزوّر على رجل مرتعش ويدي لا تساعدني, فتعمّدت الجلوس ههنا لتحرك الزورق بالموج في هذه الريح فيجيء خطي مرتعشا فيشبه خطّه.


• دخل أبو دلامة على المهدي, فأنشده قصيدة فقال له: سلني حاجتك.
فقال: يا أمير المؤمنين, تهب لي كلبا.
فغضب وقال: أقول لك, سلني حاجتك فتقول:" هب لي كلبا"؟
فقال: يا أمير المؤمنين, الحاجة لي أم لك.
قال: لا, بل لك.
قال: فاني أسألك أن تهب لي كلب صيد.
فأمر له بكلب, فقال:
يا أمير المؤمنين, هبني خرجت الى الصيد, أأعدو على رجلي؟
فأمر له بدابة.
فقال: يا أمير المؤمنين, فمن يقوم عليها؟
فأمر له بغلام.
فقال: يا أمير المؤمنين, فهبني قصدت صيدا وأتيت به المنزل, فمن يطبخه؟
فأمر له بجارية.
فقال: يا أمير المؤمنين, هؤلاء أين يبيتون؟
فأمر له بدار.
فقال: يا أمير المؤمنين, قد صيّرت في عنقي كفا (أي جمعا من عيال) , فمن أين ما يتقوّت به هؤلاء؟
قال: فان أمير المؤمنين قد أقطعك ألف جريب عامرا وألف جريب غامرا.
فقال: أما العامر فقد عرفته, فما الغامر؟
قال: الخراب الذي لا شيء فيه.
قال: ولكنني أسأل أمير المؤمنين من ألفي جريب جريبا واحدا عامرا.
قال: من أين؟
قال: من بيت المال.
فقال المهدي: حوّلوا المال وأعطوه جريبا.
فقال: يا أمير المؤمنين! اذا حوّلوا منه المال صار غامرا.
فضحك منه وأرضاه.


• كان نصراني يختلف الى الضحاك بن مزاحم, فقال له يوما:
لم لا تسلم؟
قال: لأني أحب الخمر ولا أصبر عليها.
قال: فأسلم واشربها.
فأسلم, فقال له الضحاك:
انك قد أسلمت الآن, فان شربت حددناك, وان رجعت عن الاسلام قتلناك.


• وروي عن ضمرة بن شوذب قال: كان لرجل جارية فوطئها سرا, ثم قال لأهله: ان مريم كانت تغتسل في هذه الليلة, فاغتسلوا, فاغتسل هو واغتسل أهله.


• قال الجاحظ: كان رجل يرقي الضرس يسخر بالناس ليأخذ مه شيئا, وكان يقول للذي يرقيه:
ايّاك أن يخطر على قلبك الليلة ذكر القرد.
فيبيت وجعا فيبكّر اليه, فيقول: لعلك ذكرت القرد؟
فيقول نعم.
فيقول: ثم لم تنفع الرقيّة.


• وقف بعض الحاكّة على طبيب, فرآه يصف لهذا النقوع ولهذا التمر هندي, فقال: من لا يحسن مثل هذا؟
فرجع الى زوجته فقال: اجعلي عمامتي كبيرة.
فقالت: ويحك أي شيء قد طرأ لك؟
قال: أريد أن أكون طبيبا.
قالت: لا تفعل, فانك تقتل الناس فيقتلوك.
قال: لا بد.
فخرج أول يوم فقعد يصف الناس, قحصّل قراريط, فجاء فقال لزوجته: أنا كنت أعمل كل يوم بحبة, فانظري ايش يحصل؟
فقالت: لا تفعل.
قال: لا بد.
فلما كان في اليوم الثاني اجتازت جارية, فرأته فقالت لسيدتها, وكانت شديدة المرض: اشتهيت هذا الطبيب الجديد يداويك, فقالت: ابعثي اليه. فجاء, وكانت المريضة قد انتهى مرضها ومعها ضعف, فقال:
عليّ بدجاجة مطبوخة, فجيء بها, فأكلت, فقويت ثم استقامت.
فبلغ هذا الى السلطان, فجاء به فشكا اليه مرضا يشتكيه, فاتفق أنه وصف له شيئا أصلح به, فاجتمع الى السلطان جماعة يعرفون ذلك الحائك, فقالوا له:
هذا رجل حائك لا يدري شيئا.
فقال السلطان: هذا قد صلحت على يديه وصلحت الجارية على يديه, فلا أقبل قولكم.
قالوا: فنجرّبه بمسائل.
قال: فافعلوا.
فوضعوا له مسائل وسألوه عنها, فقال: ان أجبتكم عن هذه المسائل لم تعلموا جوابها, لأن الجواب لهذه المسائل لا يعرفه الا طبيب, ولكن أليس عندكم مارستان (مستشفى) ؟
قالوا بلى.
قال: أليس فيه مرضى لهم مد ة.
قالوا بلى.
قال: فأنا أداويهم حتى ينهض الكل في عافية في ساعة واحدة, فهل يكون دليل على علمي أقوى من ذلك؟
قالوا: لا.
فجاء الى باب المارستان وقال: ادخلوا لا يأتي معي أحد.
ثم دخل وحده وليس معه الا قيّم المارستان, فقال للقيّم: انك والله ان تحدثت بما أعمل صلبتك, وان سكتّ أغنيتك.
قال: ما أنطق.
فأحلفه بالطلاق, ثم قال: عندك في هذا المارستان زيت؟
قال: نعم.
قال: هاته.
فجاء منه بشيء كثير, فصبّه في قدر كبير, ثم أوقد تحته, فلما اشتد غليانه صاح بجماعة المرضى, فقال لأحدهم:
انه لا يصلح لمرضك الا أن تنزل هذا القدر, فتقعد في هذا الزيت.
فقال المريض: الله الله في أمري!
قال: لا بد.
قال: أنا شفيت, وانما كان بي قليل من صداع.
قال: ايش يقعدك في المارستان وأنت معافى؟
قال: لا شيء.
قال: فاخرج وأخبرهم.
فخرج وأخبرهم, فخرج يعدو ويقول: شفيت باقبال هذا الحكيم.
ثم جاء الى آخر فقال: لا يصلح لمرضك الا أن تقعد في هذا الزيت.
فقال: الله الله, أنا في عافية.
قال: لا بد.
قال: لا تفعل, فاني من أمس أرددت أن أخرج.
قال: قان كنت في عافية فاخرج, وأخبر الناس أنك في عافية.
فخرج يعدو ويقول: شفيت ببركة الحكيم.
وما زال على هذا الوصف حتى أخرج الكل شاكرين له, والله الموفق.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:49 AM

في ذكر من احتال فانعكس عليه مقصوده



• روي أن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كان في حبس الحجاج, وكان يعذبه, وكان كل من مات من الحبس رفع خبره الى الحجاج, فيأمر باخراجه وتسليمه الى أهله, فقال بلال للسجان:
خذ مني عشرة آلاف درهم وأخرج اسمي الى الحجاج في الموتى, فاذا أمرك بتسليمي الى أهلي هربت في الأرض, فلم يعرف الحجاج خبري, وان شئت أن تهرب معي فافعل وعليّ غناك أبدا.
فأخذ السجان المال ورفع اسمه في الموتى.
فقال الحجاج: مثل هذا لا يجوز أن يخرج الى أهله حتى أراه, هاته.
فعاد الى بلال فقال: اعهد.
قال: وما الخبر؟
قال: ان الحجاج قال كيت وكيت, فان لم أحضرك اليه ميتا قتلني, وعلم أني أردت الحيلة عليه, ولا بد أن أقتلك خنقا.
فبكى بلال وسأله أن لا يفعل, فلم يكن الى ذلك طريق. فأوصى وصلّى, فأخذه السجان وخنقه, وأخرجه الى الحجاج فلما رآه ميتا قال:
سلّمه الى أهله.
فأخذوه, وقد اشترى الموت لنفسه بعشرة آلاف درهم, ورجعت الحيلة عليه.


• روي أن عضد الدولة بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة الى ملك الروم, فلما ورد مدينته عرف الملك خبره ومحلّه من العلم, ففكر الملك في أمره, وعلم أنه لا يفكر له اذا دخل عليه كما جرى رسم الرعيّة أن يقبّل الأرض بين يدي الملك, فتجنبت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أن يدخل أحد منه الا راكعا ليدخل القاضي منه على تلك الحال.
فلما وصل القاضي الى المكان فطن بالقصّة, فأدار ظهره وحنى رأسه, ودخل من الباب وهو يمشي الى خلفه, وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه, ثم رفع رأسه وأدار وجهه حينئذ الى الملك, فعلم الملك من فطنته وهابه.


• وقد روينا أن مزينة أسرت ثابتا أبا حسان الأنصاري, وقالوا: لا نأخذ فداءه الا تيسا.
فغضب قومه وقالوا: لا نفعل هذا.
فأرسل اليهم أن أعطوهم ما طلبوا. فلما جاؤوا بالتيس قال:
أعطوهم أخاهم وخذوا أخاكم.
فسموا مزينة التيس, فصار لهم لقبا وعبثا.




• حدثني أبو بكر الخطاط قال:
كان رجل فقيه خطه في غاية الرداءة, فكان الفقهاء يعيبونه بخطه, ويقولون: لا يكون خط أردأ من خطّك.
فيضجر من عيبهم اياه, فمرّ! يوما بمجلّد يباع فيه خط أردأ من خطه, فبالغ في ثمنه, فاشتراه بدينار وقيراط, وجاء به ليحتج عليهم اذا قؤوه.
فلما حضر معهم أخذوا يذكرون قبح خطه, فقال لهم: قد وجدت أقبح من خطي وبالغت في ثمنه, حتى أتخلّص من عيبكم.
فأخرجه فتصفحوه, واذا في آخره اسمه وأنه كتبه في شبابه, فخجل من ذلك.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:50 AM

في ذكر من وقع في آفة فتخلص منها بالحيلة
ومن استخدم بذكائه المعاريض



• وعن الأصمعي عن أبيه قال: أتي عبد الملك بن مروان برجل كان مع بعض من خرج عليه, فقال: اضربوا عنقه.
فقال: يا أمير المؤمنين, ما كان هذا جزائي منك.
قال: وما جزاؤك؟
قال: والله ما خرجت مع فلان الا بالنظر لك, وذلك أني رجل مشؤوم, ما كنت مع رجل قط الا غلب وهزم, وقد بان لك صحة ما ادّعيت, وكنت لك خيرا من مئة ألف معك.
فضحك وخلّى سبيله.


*حدّث القاضي أبو الحسين بن عتبة قال:
كانت لي ابنة عم موسرة تزوّجتها, فلم أوثرها لشيء من جمالها, ولكني كنت أستعين بمالها وأتزوّج سرّا, فاذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيّقت عليّ الى أن أطلّق من تزوجتها, ثم تعود اليّ.
فطال ذلك علي, وتزوجت صبيّة حسناء موافقة لطباعي مساعدة على اختياري, فمكثت معي مدة يسيرة, وسعي بها الى ابنة عمي, فأخذت في المناكدة والتضييق عليّ, فلم يسهل عليّ فراق تلك الصبيّة فقلت لها:
استعيري من كل جارة قطعة من أفخر ثيابها, حتى يتكامل لك خلعة تامّة الجمال, وتبخري بالعنبر, واذهبي الى ابنة عمي فابكي بين يديها, وأكثري من الدعاء لها والتضرّع اليها الى أن تضجريها, فاذا سألتك عن حالك, فقولي لها: "ان ابن عمي قد تزوّجني, وفي كل وقت يتزوّج عليّ واحدة, وينفق مالي عليها, وأريد أن تسألي القاضي معونتي وانصافي منه", فانها سترفعك اليّ.
ففعلت, فلما دخلت عليها واتصل بكاؤها رحمتها, وقالت لها: فالقاضي شرّ من زوجك, وهكذا يفعل بي.
وقامت فدخلت عليّ, وأنا في مجلس لي, وهي غضبى ويد الصبيّة في يدها, فقالت:
هذه المشؤومة حالها مثل حالي, فاسمع مقالها واعتمد انصافها.
فقلت: ادخلا.
فدخلتا جميعا, فقلت لها: ما شأنك؟
فذكرت ما وافقتها عليه, فقلت لها: هل اعترف ابن عمّك بأنه قد تزوّج عليك؟
فقالت: لا, والله, وكيف يعترف بما يعلم لا أني لا أقاره عليه؟
قلت: فشاهدت أنت هذه المرأة ووقفت على مكانها وصورتها؟
فقالت: لا والله.
فقلت: يا هذه اتقي الله ولا تقبلي شيئا سمعته, فان الحسّاد كثير والطلاب كثير لافساد النساء كثيرو الحيل والتكذيب, فهذه زوجتي قد ذكر لها أني قد تزوجت عليها, وكل زوجة لي وراء هذا الباب طالق ثلاثا.
فقامت ابنة عمي فقبّلت رأسي وقالت: قد علمت أنه مكذوب عليك أيها القاضي.
ولم يلزمني حنث لاجتماعها بحضرتي.


• حدثنا الأصمعي قال: أتي المنصور برجل ليعاقبه على شيء بلغه عنه, فقال له:
يا أمير المؤمنين, الانتقام عدل, والتجاوز فضل, ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين.
فعفا عنه.


• أخذ زياد رجلا من الخوارج, فأفلت منه, فأخذ أخا له فقال:
ان جئت بأخيك والا ضربت عنقك.
قال: أرأيت ان جئت بكتاب من أمير المؤمنين, تخلي سبيلي؟
قال: نعم.
قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الرحيم, وأقيم عليه شاهدين: ابراهيم وموسى عليهما السلام:{ أم لم ينبّأ بما في صحف موسى * وابراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى }.
قال زياد: خلوا سبيله, هذا رجل لقن حجته.


• أتى الحجاج برجل ليقتله وبيده لقمة, فقال: والله لا أكلتها حتى أقتلك.
قال: أو خير من ذلك, تطعمنيها ولا تقتلني, فتكون قد بررت في يمينك ومننت علي.
فقال: ادن مني. فأطعمه اياه وخلاه.


• وأتي الحجاج برجل من الخوارج, فأمر بضرب عنقه, فاستنظره يوما, فقال: ما تريد بذلك؟
قال: أؤمل عفو الأمير مع ما تجري به المقادير.
فاستحسن قوله وخلاه.


• خرج واصل بن عطاء يريد سفرا في رهط, فاعترضهم جيش من الخوارج, فقال واصل:
لا ينطقن أحد ودعوني معهم.
فقصدهم واصل, فلما قربوا بدأ الخوارج ليوقعوا, فقال:
كيف تستحلون هذا وما تدرون من نحن ولا لأي شيء جئنا؟
فقالوا: نعم. فما أنتم؟
قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله.
فكفوا عنهم, وبدأ رجل منهم يقرأ عليهم القرآ،, فلما أمسك قال واصل:
قد سمعنا كلام الله, فأبلغنا مأمننا حتى ننظر فيه, وكيف ندخل في الدين؟
فقال: هذا واجب. سيروا.
فسرنا والخوارج والله معنا يحموننا فراسخ, حتى قربنا الى بلد لا سلطان لهم عليه, فانصرفوا.


• روي أن الحجاج قال لغلام له: تعال نتنكّر وننظر ما لنا عند الناس.
فتنكّرا وخرجا, فمرّا على المطلب غلام أبي لهب, فقالا:
يا هذا, أي شيء على الحجاج؟
قال: على الحجاج لعنة الله.
قالا: فمتى يخرج؟
قال: أخرج الله روحه من بين جنبيه, ما يدريني؟
قال: أتعرفني؟
قال: لا.
قال: أنا الحجاج بن يوسف.
قال المطلب: أتعرفني أنت.
قال: لا.
قال: أنا المطلب غلام أبي لهب, أصرع في كل شهر ثلاثة أيام أولها اليوم, فتركه ومضى.


• وبلغنا أن الحجاج انفرد يوما عن عسكره, فلقي أعرابيا فقال:
يا وجه العرب, كيف الحجاج؟
قال: ظالم غاشم.
قال: فهلا شكوته الى عبد الملك؟
فقال: لعنه الله, وهو أظلم منه وأغشم.
فأحاط به العسكر, فقال: أركبوا البدوي.
فأركبوه, فسأل عنه, فقالوا: هو الحجاج, فركض من الفرس خلفه, وقال: يا حجاج !
قال: ما لك؟
قال: السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد.
فضحك وخلاه.


• كان أبو الحسين بن السمّاك يتكلّم على الناس بجامع المدينة, وكان لا يحسن من العلوم شيئا الا ما شاء الله, وكان مطبوعا يتكلّم على مذهب الصوفية, فكتبت اليه رقعة:" ما يقول السادة الفقهاء في رجل مات وخلف كذا وكذا؟".
ففتحها فتأمّلها فقرأ: ما تقول السادة الفقهاء في رجل مات؟
فلما رآها في الفرائض رماها من يده, وقال: أنا أتكلم على مذاهب قوم اذا ماتوا لم يخلفوا شيئا.
فعجب الحاضرون من حدّة خاطره.


• قال ابن عرّابة المؤدّب:
حكى لي محمد بن عمر الضبي أنه حفّظ ابن المعتز وهو يؤدبه سورة (والنازعات)
وقال له:
اذا سألك أمير المؤمنين أبوك " في أي شيء أنت؟" فقل له: في السورة التي تلي (عبس), ولا تقل أنا في النازعات.
فسأله أبوه: في أي شيء أنت؟
قال: في السورة التي تلي عبس.
فقال: من علّمك هذا؟
قال: مؤدّبي.
فأمر له بعشرة آلاف درهم.


• قال عبد الواحد بن ناصر المخزومي:
أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة, وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة, قال:
فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة ومعه حمار فاره يركبه, ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر, فقلنا له:
يا هذا انك لا تفكر في خروج الأعراب علينا, فانه لا شيء معنا يؤخذ, وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك.
فقال: يكفينا الله.
ثم سار ولم يقبل منا, وكان اذا نزل يأكل استدعى أكثرنا فأطعمه وسقاه, واذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه, وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه, الى أن بلغنا موضعا, فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب, فتفرّقنا عليهم ومانعناهم.
فقال الشيخ: لا تفعلوا.
فتركناهم, ونزل فجلس وبين يديه سفرته, ففرشها وجلس يأكل, وأظلتنا الخيل, فلما رأوا الطعام دعاهم اليه, فجلسوا يأكلون, ثم حلّ رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب, فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحرّكوا.
فقال لنا: ان الحلو مبنّج, أعدتته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمّت الحيلة. ولكن لا يفك البنج الا أن تصفعوهم, فافعلوا فانهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير.
ففعلوا, فما قدروا على الامتناع, فعلمنا صدق قوله, وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب, ورماحهم على أكتافنا, وسلاحهم علينا, فما نجتاز بقوم الا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجاة منا, حتى بلغنا مأمننا.


• حدثنا أبو محمد عبد الله بن علي المقري قال:
دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا, ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا, وترك عليها ترابا كثيرا ومضى, فلما احتاج الى الذهب كشف عن العشرين, فلم يجدها, فكشف عن الباقي فوجده, فحمد الله على سلامة ماله. وانما فهل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد, وكذلك كان, فانه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين, فأخذها ولم يعتقد أن ثمّ شيئا آخر.




• وقال بعضهم:
خرجت في الليل لحاجة, فاذا أعمى على عاتقه جرّة, وفي يده سراج, فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرّته وانصرف راجعا.
فقلت: يا هذا, أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء.
فقال: يا فضولي, حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها, فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرّتي.


• وروى أبو جعفر المديني قال:
خرج قوم من الخوارج بالبصرة, فلقوا شيخا أبيض الرأس واللحية, فقالوا له: من أنت؟
قال: أعهد اليكم من اليهود بشيء أو بدا لكم في قتل أهل الديّة؟
قالوا: اذهب عنا الى النار. وتركوه.


• قال رجل لهشام بن عمرو القوطي: كم تعد؟
قال: من واحد الى ألف وأكثر.
قال: لم أرد هذا!
قال: فما أردت؟
قال: كم تعد من السن؟
قال: اثنين وثلاثين, ستة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل.
قال: لم أرد هذا.
قال: فما أردت؟
قال: كم لك من السنين؟
قال: ما لي منها شيء كلها لله عز وجلّ.
قال: فما سنّك؟
قال: عظم.
قال: فابن كم أنت؟
قال: ابن اثنين, أب وأم.
قال: فكم أتى عليك؟
قال: لو أتى عليّ شيء لقتلني.
قال: فكيف أقول؟
قال: قل:" كم مضى من عمرك".


• روي أن رجلين من آل فرعون سعيا برجل مؤمن الى فرعون, فأحضره فرعون وأحضرهما وقال للساعيين: من ربّكما؟
قالا: أنت.
فقال للمؤمن: من ربّك.
قال: ربّي ربهما.
فقال فرعون: سعيتما برجل على ديني لأقتله, فقتلهما.
قالوا: فذلك قوله تعالى:" فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب".


• حدثنا اسحاق بن هانىء قال: كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه في منزله ومعنا المروزي, ومهنّى بن يحيى الشامي, فدق داق الباب وقال: المروزي ههنا؟
فكأن المروزي كره أن يعلم موضعه, فوضع مهنّى بن يحيى اصبعه في راحته وقال: ليس المروزي ههنا.
فضحك أحمد ولم ينكر عليه ذلك.


• وقال أبو بكر المروزي: جاء مهنّى بن يحيى الشامي الى أبي عبد الله أحمد بن حنبل ومعه أحاديث, فقال: يا أبا عبد الله, معي هذه الأحاديث, وأريد أن أخرج, فحدّثني بها.
فقال: متى تريد أن تخرج ؟
قال: الساعة أخرج.
فحدّثه بها وخرج, فلما كان من الغد أو بعد ذلك جاء الى أبي عبد الله, فقال له أبو عبد الله:
أليس قلت لي أخرج الساعة؟
قال: قلت لك: اني أخرج الساعة من بغداد؟ انما قلت أخرج من زقاقك.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:51 AM

في ذكر من أفحم خصمه في المناظرة بالجواب المسكت



• كان حويطب بن عبد العزى قد بلغ مئة وعشرين سنة, ستين في الجاهلية, وستين في الاسلام, فلما ولي مروان بن الحكم المدينة دخل عليها حويطب, فقال له مروان:
تأخر اسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث.
فقال: والله لقد هممت بالاسلام غير مرّة, وكل ذلك يعوقني عنه أبوك, وينهاني, ويقول:" تدع دين آبائك لدين محمد؟".
فأسكت مروان وندم على ما كان.


• حدثنا محمد بن زكريا قال: حضرت مجلسا فيه عبيد الله بن محمد بن عائشة التميمي, وفيه جعفر بن قاسم الهاشمي, فقال لابن عائشة:
ههنا آية نزلت في بني هاشم خصوصا.
قال: وما هي؟
قال: قوله تعالى:{ وانه لذكر لك ولقومك}.
قال ابن عائشة: قومه قريش, وهي لنا معكم.
قال: بل هي لنا خصوصا.
قال: فخذ معها:{ وكذب به قومك وهو الحق}.
فسكت جعفر فلم يجد جوابا.


• وروي أن معاوية قال لعبد الله بن عامر: ان لي عندك حاجة, أتقضيها؟
قال: نعم. ولي اليك حاجة أتقضيها؟
قال معاوية: نعم.
قال: سل حاجتك.
قال: أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف.
قال عبد الله: فعلت.
فقال معاوية: فسل حاجتك. قال: أن تردّها عليّ.
قال: قد فعلت.


• وافتخر قوم من اليمن عند هشام بن عبد الملك, فقال لخالد بن صفوان: أجبهم.
فقال: هم بين حائك برد, ودابغ جلد, وسائس قرد. ملكتهم امرأ’, دلّ عليهم هدهد, وغرّقتهم فأرة.


• قال المتوكل يوما لجلسائه: أتدرون ما الذي نقم المسلمون من عثمان؟
قالوا: لا.
قال: أشياء, منها أنه قام أبو بكر دون مقام الرسول بمرقاة, ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة, فصعد عثمان ذروة المنبر.
فقال رجل: ما أحد أعظم منّة عليك يا أمير المؤمنين من عثمان.
قال: وكيف؟ ويلك!
قال: لأنه صعد ذروة المنبر, فلو أنه كلما قام خليفة نزل عمّن تقدّمه كنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء.
فضحك المتوكّل ومن حوله.


• قال: كان أصحاب المبرّد اذا اجتمعوا واستأذنوا يخرج الاذن فيقول: ان كان فيكم أبو العباس الزجاج, والا انصرفوا.
فحضروا مرّة, ولم يكن الزجاج فيهم, فقال لهم ذلك, فانصرفوا, وثبت رجل منهم اسمه عثمان فقال للآذن:
قل لأبي العباس: انصرف القوم كلهم الا عثمان, فانه لا ينصرف.
فعاد الآذن اليه وأخبره, فقال له: ان عثمان اذا كان نكرة انصرف, ونحن لا نعرفك فانصرف راشدا.


• قال: تكلّم شاب يوما عند الشعبي, فقال الشعبي: ما سمعنا بهذا.
فقال الشاب: كل العلم سمعت؟
قال: لا.
قال: فشطره؟
قال: لا.
قال: فاجعل هذا في الشطر الذي لم تسمعه.
فأفحم الشعبي.


• وقال عبد الله بن سليمان بن أشعث: سمعت أبي يقول:
كان هارون الأعور يهوديا, فأسلم وحسن اسلامه, وحفظ القرآن وضبطه, وحفظ النحو, فناظره انسان يوما في مسألة, فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع, فقال له:
أنت كنت يهوديا فأسلمت.
فقال له هارون: أفبئس ما صنعت؟
فغلبه أيضا, والله الموفق.


• كان لابراهيم بن طهمان جراية من بيت المال, فسئل عن مسألة في مجلس الخليفة, فقال: لا أدري.
فقالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا, ولا تحسن مسألة؟
فقال: انما آخذ على ما أحسن, ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال, ولا يفنى ما لا أحسن.
فأعجب الخليفة جوابه, وأمر له بجائزة فاخرة, وزاد في جرايته.


• قال أبو العباس المبرد: ضاف رجلا قوما فكرهوه, فقال الرجل لامرأته: كيف لنا أن نعلم مقدار مقامه؟
فقالت: ألق بيننا شرا حتى نتحاكم اليه.
ففعلا, فقالت للضيف: بالذي بارك لك في غدوّك غدا, أينا أظلم؟
فقال الضيف: والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهرا ما أعلم.


• روى يعقوب الشحّام قال: قال لي أبو الهذيل: بلغني أن رجلا يهوديا قدم البصرة, وقد قطع وغلب عامة متكلميهم, فقلت لعمّي:
امض بي الى هذا اليهودي أكلّمه.
فقال: يا بني, هذا قد غلب جماعة متكلمي البصرة.
فقلت: لا بد.
فأخذ بيدي, فدخلنا على اليهودي, فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوّة موسى عليه السلام, ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلّم فيقول: نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى الى ما أن نتفق على غيره فنقرّ به.
فدخلت اليه, فقلت له: أسألك أو تسألني؟
فقال: يا بني, أو ما ترى ما أفعله بمشايخك؟
فقال: دع عنك هذا واختر.
قال: بل أسألك. أخبرني أليس موسى نبيا من أنبياء الله قد صحّت نبوّته, وثبت دليله؟ تقرّ بهذا أو تجحده, فتخالف صاحبك؟
فقلت له: ان الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين: أحدهما: أني أقرّ بنبوّة موسى الذي أخبر بصحّة نبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه وبشّر بنبوته, فان كان عن هذا تسألني, فأنا مقرّ بنبوّته, وان كان الذي سألتني عنه لا يقرّ بنبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يأمر باتباعه, ولا بشّر به, فلست أعرفه ولا أقرّ بنبوّته, وهو عندي شيطان مخزي.
فتحيّر مما قلت له. فقال لي: فما تقول في التوراة؟
فقلت: أمر التوراة أيضا عندي على وجهين: ان كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقرّ بنبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, فهي التوراة الحق, وان كانت الذي تدّعيه فباطل, وأنا غير مصدّق بها.
فقال: أحتاج أن أقول لك شيئا بيني وبينك, فظننت أنه يقول شيئا من الخير, فتقدّمت اليه فسارّني وشاتمني, وقد رأى أني أثب به, فيقول:" وثبوا علي".
فأقبلت على من كان في المجلس, فقلت: أعزكم الله, أليس قد أجبته؟
فقالوا: بلى.
فقلت: أليس عليه أن يردّ جوابي؟
فقالوا: بلى.
فقلت: انه لما سارّني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد, وشتم من علّمني, وظن أني أثب به, فيدّعي أنا أثبناه, وقد عرّفتكم شأنه.
فأخذته الأيادي بالنعال, فخرج هاربا من البصرة, وقد كان له بها دين كثير, فتركه وخرج هاربا لما لحقه من الانقطاع.


• ناظر يهودي مسلما في مجلس المرتضى, فقال اليهودي:
ايش أقول في قوم سمّاهم الله مدبرين؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حنين.
فقال المسلم: فقد كان موسى أدبر منهم.
قال له: كيف؟
قال: لأن الله تعالى قال:{ ولّى مدبرا ولم يعقّب}.
وهؤلاء ما قال فيهم: ولم يعقّبوا.
فسكت اليهودي.


• قال نصر بن سيّار: قلت لأعرابي: هل اتخمت قط؟
فقال: أما من طعامك وطعام أبيك, فلا.
فيقال: ان نصرا حمّ من هذا الجواب أياما.


• قال رجل من اليهود لعلي بن أبي طالب: ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير.
فقال له عليّ رضي الله عنه: أنتم ما جفّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم:{ اجعل لنا الها كما لهم آلهة}.


• حبلت امرأة يزيد, فقالت له وكان قبيح الصورة: الويل لك ان كان يشبهك.
فقال لها: الويل لك ان لم يشبهني.

صائد الأفكار 16 - 9 - 2010 01:52 AM

من فطنة ونباهة العوام



• صلّى بعض الشطّار خلف رجل, فلما قرأ أرتج عليه, فلم يدر ما يقول, فجعل يقول:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:, يردّد ذلك مرارا, فقال الشاطر من خلفه:
ما للشيطان ذنب الا أنك ما تحسن تقرأ.


• حكى جعفر البرني قال:
مررت بسائل على الجسر وهو يقول: مسكينا ضريرا, فدفعت اليه قطعة وقلت: يا هذا لما نصبت؟
قال: فديتك باضمار (ارحموا).


• روى سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه قال: كان فتيان من قريش يرمون, فرمى منهم رجل من ولد أبي بكر وطلحة فأصاب فقال: أنا ابن القرنين.
فرمى آخر من ولد عثمان فأصاب, فقال: أنا ابن الشهيد.
ورمى رجل من الموالي فأصاب, فقال: أنا ابن من سجدت له الملائكة.
فقالوا: من هو؟ فقال: آدم.


• شكا أصحاب هاشم الى أسلم بن الأحنف احتباس أرزاقهم, فدخل على هاشم, فقال:
يا أمير المؤمنين, لو أن مناديا نادى:" يا مفلس" ما بقي أحد من أصحابك الا التفت.
فضحك, وأمر بصلة أرزاقهم.


• وحدثنا أبو الحسن المدايني: قال بعض العلماء:
كان لنا صديق من أهل البصرة, وكان ظريفا أديبا, فوعدنا أن يدعونا الى منزله, فكان يمرّ بنا, فكلما رأيناه قلنا:
{ متى هذا الوعد ان كنتم صادقين}.
فيسكت, الى أن اجتمع ما يريده, فمرّ بنا, فأعدنا عليه القول فقال:
{انطلقوا الى ما كنتم به تكذبون}.


• تظلّم أهل الكوفة من عاملها الى المأمون, فقال: ما علمت من عمّالي أعدل منه.
فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين, فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان نصيبا من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك في حسن النظر, فأما نحن, فلا تخصنا منه بأكثر من ثلاث سنين.
فضحك المأمون, وأمر بصرفه.


• قال يموت بن المزرع: قال لي سهل بن صدقة يوما, وكانت بيننا مداعبة: ضربك الله باسمك.
فقلت له مسرعا: أحوجك الله الى اسم أبيك.


• مرّ رجل من الأذكياء برجل قائم في الطريق فقال: ما وقوفك؟
قال: أنتظر انسانا.
فقال: يطول قيامك اذن.


• تزوّج أعمى امرأة, فقالت له:
لو رأيت حسنى وبياضي لعجبت.
فقال: لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء.


• كان رجل بدار باجرة, وكان خشب السقف يتفرقع كثيرا, فلما جاء رب الدار يطالبه بالأجرة قال له:
أصلح هذا السقف, فانه يتفرقع.
قال: لا بأس عليك انه يسبّح الله.
قال: أخشى أن تدركه الرأفة فيسجد.


• دخل مخنّث على العريان بن هيثم, وهو أمير بالكوفة, فقال:
يا عدو الله, أتتخنث وأنت شيخ.
فقال: مكذوب عليّ كما كذب على أمير المؤمنين أعزه الله.
فاستوى جالسا وقال: ما قيل فيّ؟
قال: يسمّونك العريان, وأنت صاحب عشرين جبّة.
فضحك وخلّى سبيله.


• رمى رجل عصفورا فأخطأه, فقال له رجل أحسنت.
فغضب وقال: أتهزأ بي؟
قال: لا, ولكن أحسنت الى العصفور.


• دخل رجل ذكي الى المسجد يصلي, فسرقوا نعله, فتركوها في كنيسة بجوار المسجد, فجعل يفتش عليها, فرآها في الكنيسة فقال:
ويحك, لمّا أسلمت أنا ننصّرت أنت!


• قال بعض الأذكياء: اذا رأيت رجلا في صلاة الغداة على باب داره, وهو يقول:{ وما عند الله خير وأبقى}, فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع اليها.
واذا رأيت قوما يخرجون من مجلس القاضي وهم يقولون:{ وما شهدنا الا بما علمنا}, فاعلم أن شهادتهم لم تقبل.
واذا تزوّج الرجل, فسئل عن حاله, فان قال: ما رغبنا الا في الاصلاح, فاعلم أن زوجته قبيحة.


• قال الشيخ: حكي لنا أن بعض الناس ضاف رجلا, فانتبه صاحب الدار بالليل, فسمع ضحك الرجل من الغرفة, فصاح به: فلان:
قال: لبّيك.
قال: أنت كنت في الدار, فما الذي رقاك الى الغرفة؟
قال: تدحرجت.
قال: الناس يتحدرجون من فوق الى أسفل, فكيف تدحرجت أنت من أسفل الى فوق؟
قال: فمن هذا أضحك.


• قال رجل لرجل:
ان لطمتك لأبلغن بك المدينة.
فقال له: أحب أن تردفها بأخرى لعلّ الله تعالى أن يرزقني الحج على يديك.


• رؤي فقير في قرية فقيل له: ما تصنع؟ فقال: ما صنع موسى والخضر عليهما السلام. يعني:{ استطعما أهلها}.

• وسئل بعض السوقة عن سوقهم, فقال: مثل سوق الجنة. يعني أنه: لا بيع فيه ولا شراء.


الساعة الآن 11:03 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى