منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   من مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=10984)

ايه مروان 19 - 10 - 2010 01:07 AM

من مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه
 
من مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه

الحجاج : صوره – بنيته –وظائفه- أنواع الحجج
1 - من تعريف الحجاج :
• "هو مجموع تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدّي بالأذهان الى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات ، أو أن تزيد من درجة ذلك التّسليم " برلمان وتيتيكا، نقلا عن مقال عبد الله صولة ضمن كتاب " أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم"- تأليف جماعي بإشراف حمادي صمود-كلية الآداب-منوبة ص 297-350)
• "هو العمليّة التي يسعى من خلالها المتكلّم الى تغيير نظام المعتقدات و التصوّرات لدى مخاطبه بالوسائل اللّغوية ".
• " فهو إذن خطاب يهدف صاحبه من ورائه إلى جعل المتلقّي يقرّ بصحّة مقولة أو قضية معيّنة ، فيرفضها و يطرحها عنه . فالحجاج يهدف الى التّأثير في فكر المتلقي و حمله على تعديل رؤيته أو مواقفه أو تعديل سلوكه بالاستناد الى تمشّ عقليّ يقوم على التّفكير و المنطق من جهة, و إلى التّأثير بشتّى الوسائل الوجدانية و النّفسية من جهة أخرى ، مع توظيف الوسائل اللّغوية ( الصّياغة و الأسلوب و الأدوات الحجاجيّة المتنوعة ),
2 - سيرورة الحجاج و تنظيمه :
تقوم بنية الحجاجي- كما هو معروف- على ثلاثة أقسام كبرى هي :
-طرح القضيّة التي يراد تأييدها أو دحضها
-تحليل جوانب القوّة في المقولة التي يراد دحضها، باستخدام الأدلّة و الحجج.
-التوصّل الى نتيجة يخلص اليها التحليل السّابق( تأييد القضية أو إسقاطها، أو اتّخاذ موقف توفيقي بين هذا و ذاك ).
3 - وظائف الحجاج عند الجاحظ
لا تخرج وظائف الحجاج عنده عن الوظائف التي يستخدم من أجلها الحجاج عامّة، و التي لخصها "أوليرون" في ثلاث وظائف هي:
1-الإقناع أو ما يسمّيه "تمرير قناعة"
و هذا نجده بكثرة في مناقشته المسائل الاعتقاديّة لإثبات مقولات الشّرع .
2- المداولة ، و هي التي يكون الحجاج فيها وسيلة لإتّخاذ قرار بأفضل الحلول ، كأن يطرح قضيّة أو يبسط أطروحة فيعرض أكثر من رأي فيها أو أكثر من تفسير أو تأويل لها ، ثمّ يتصدّى لما فيها من جوانب الضّعف بالنّقد و التّجريح ، وصولا الى ترجيح رأي أو حلّ، أو الى إستبعاد صحّتها، و ربما اكتفى بالتّعبير عن تعجّبه كما تقدم .
3- إثبات صحة كلام من الأحكام بطرح مسألة او بسط رأي يهدف الى إثبات و بيان أوجه صحّته و الاحتجاج له بالأدلّة و الأمثلة الدّاعمة . فكثيرا ما يعمد الى تأكيد أقوال شيوخه و أساتذته من زعماء الإعتزال، و كذلك آراء السّلف و أخبارهم بما يراه منطقيّا من أحكام العقل .
 و من أساليب الدّحض و إسقاط حجج الخصم عنده :
- طرح مسألة أو رأي بهدف تخطئته و بيان تهافته و مواضع تضاربه مع العقل ، مع تقديم الحجج المضادّة و الأمثلة التي تنقضه , و من وسائله في ذلك:
 الطّعن في تسلسل القضايا و بيان اختلال التّمشّي و التدرّج من قضية الى أخرى .
 كشف التناقض في حجج الخصم .
 استخدام الحجج المضادة أو السّالبة.



التّشدد و التّثبت النوم؟"
4 - أنواع الحجج و طرائق الاستدلال :
أ – أهمّ طرائق الاستدلال :
- أسلوب التّصنيف و التّبويب :
و هو أسلوب يعكس حرصا على التّدقيق و الاستقصاء في تتبّع المفاهيم، و نمذجة الموجودات ضمن أبواب و أصناف، أو أنواع و أجناس، و جدولة الظواهر الطبيعية حسب خصائصها المائزة و الجامعة، و سماتها المفرقة و المؤلفة، كما يدل على جهد عقلي يرمي الى توضيح الغامض منها و تفسير المحمول منهاعلى جهة العموم او التشابه او الخلط. و مثل هذا الاسلوب يصدفنا في مواضع عدة من الحيوان نذكر منها هلى جهة التمثيل قوله في تقسيم مخلوفات العالم: "و أقول:إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاث أنحاء: متّفق و مختلف، و متضاد . و كلها في جملة القول: جماد، و نام (...) و الحيوان على أربعةأقسام: شيء يمشي و شيء يطير و شيء ينساح . إلاّ أنّ كل طائر يمشي، و ليس الذي يمشي و لا يطير يسمى طائرا. و النوع الذي يمشي على اربعة اقسام: الناس ، و بهائم، و سباع و حشرات (...) و الطير كل : سبع، و بهيمة، و همج . و السباع من الطير على ضربين: فمنها العتاق، و الأحرار، و الجوارح، و منها البغاث، و هو كل ما عظم من الطّير سبعا كان او بهيمة (...) و اسم طائر يقع على ثلاث اشياء: صورة و طبيعة و جناح... الخ .
- الاسلوب الرّياضي و الاستدلال المنطقي :
يخصّ هذا الأسلوب طريقة في النظر إلى الظّاهرة الواحدة، و تحليلها تحليلا قائما على منطق رياضي يتدرج من العام الى الخاص، و من الإجمال إلى التّفصيل، وصولا الى ضبط تقنين نهائي للمفهوم المتشعّب، باعتماد آلية الاستدلال المنطقي من قبيل هذا المثال: "و وجدنا كون العالم فيه حكمة. و وجدنا الحكمة على ضربين: شيء جعل حكمة و هو لا يعقل الحكمة، و لا عاقبة الحكمة . و شيء جعل حكمة و هو يعقل الحكمة و عاقبة الحكمة. فاستوى بذلك الشيء العاقل و غير العاقل في جهة الدّلالة على أنّه حكمة، و اختلفنا من جهة أنّ أحدهما دليل لا يستدل ، و الأخر يستد ل. فكل مستدلّ دليل، و ليس كل دليل مستدلا ". و يبدو تأثير الأسلوب الفلسفي واضحا من خلال هذا المثال، و تحديدا تأثير منهج المظر ألمعتزلي و منطق الاستدلال الذي قام عيه علم الكلام الشائع جدا في ذلك العصر .
- المنطق الجدلي الحجاجي:
هو نظام فكري ينظر في المعرفة من مختلف جوانبها، و يقلّبها على وجوهها المختلفة و يجمع الأضداد ليصل من خلالها إلى القانون المتحكّم في الظّاهرة موضوع النّظر، و يحاور الآراء المخالفة و يناقشها ليتبين مدى صدقها من ضعفها و هو "يورد الفكرة و نقيضها و يحتج لهذه كما يحتج لتلك، و يستقصي الشيء و ضدّه، و كل ذلك إنعكاس لغلبة علم الكلام عليه".
و هو أبرز الأساليب المعتمدة في جميع مؤلفات الجاحظ . وربما مرجع ذلك الى تاثره بما ضجّت به الحياة العقلية آنذاك من اشتغال بالفلسفة و علم الكلام إضافة إلى تأثّره بمنهج المعتزلة و فكرهم وقد كان منهم .
القياس (مقدمة كبرى- مقدمة صغرى- نتيجة).
و القياس أنواع، فمنه النّاقص ، و منه المركب ، و الفصلي ، و الأقرن ( و هو قياس ذو حدّين أو ذو قضيّتين، و لكنهما يخلصان الى نتيجة واحدة ) . و من أمثلة القياس قوله :" لو تركهم و أصل الطّبيعة ، مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة من طبائعهم ، صاروا إلى طاعة الهوى، و ذهب التّعاطف و التبار "،
الحجاج بالحذف (أو التفكير بالاستعباد ):
و هو الأسلوب الذي يطلق عليه كذلك "الترسّبات " ، و هو قريب مما يعرف في المنطق "بطريقة البواقي"و يتمثّل في فحص تأويلات أو حلول ممكنة متعدّدة ثم استبعاد الخاطئ منها واحدا بعد آخر حتّى الانتهاء الى تأويل أو حل أخير لا يقبل التخطئة و يحكم بصحّته أو استبعاد ما يعرف سببه منها واحدا بعد آخر حتى يكتشف ما لم يكن سببه معروفا . و لعلّ من أشباهه عند الجاحظ ما نجده في بحثه عن الذّباب الذي يعلق بستارة الباب : هل هو نائم أم يقظ ، و هو أنموذج واضح للتفكير بالبدائل و التفكير العرضي .
إذ يقول:" فإن كانت لا تنام البتة ..فهذا أعجب .... أن تكون أمّة من أمم الحيوان لا تعرف النّوم و لا تحتاج اليه ، و إن كانت تنام ... فما تخلو أن تكون قابضة على مواضع قوائمها ، ممسكة بها ، أو تكون مرسلة لها ، فكيف لم تسقط ، و هي أثقل من الهواء ؟ و إن كانت ممسكة بها، فكيف يجامع التّشدد و التّثبت النوم؟"



الاستدلال الشّرطي:
- مقدّمة كبرى تطرح علاقة شرطية بين قضيّتين ( إن وقع – أ...فإن – ب- سيقع...)
- مقدمة صغرى تثبت أو تنفي إحدى القضيّتين .( و بما أن – أ- وقع/ لم يقع ).
- نتيجة تثبت أو تنفي إحدى القضيتين( فإنّ –ب- سيقع / لن يقع ).
- الاستقراء : ( الانطلاق من الحالة الخاصّة الى العام )
- يمكن ان نذكّر بالقانون الذي استخلصه عن الانتباه الغريزي لدى الكلب: " فليس يكون مثل هذا إلا عن مقدارية بمقدار ما بين الوقتين"

ب – أنواع الحجج : من الصّعب حصر جميع أنواع الحجج المستخدمة في كتابات الجاحظ لشدة تنوّعها و لكثرتها، لكننا نكتفي بنماذج من أغلب أنواع الحجج ، و نمثل لها من كلام الجاحظ قدر الإمكان ، مع التذكير بأنّ الحجاج لا يستند الى العناصر العقليّة وحدها، و إنّما تمتزج فيه الحجّة العقلية بعوامل التأثير الو جدانية و بلاغة الأدوات اللّغوية الحجاجيّة :
حجج استدعاء الوقائع:
- مباشرة ( المعاينة - التجربة...) و قد سبقت بعض الأمثلة.
- عن طريق الوثائق ( الشّواهد النصّية ) و هي كثيرة.
- برواية من شهدها ( الشّهادات )، مثل :"حدثني صديق لي أنه حبس كلبه..."و "مدار العلم على الشّاهد و المثل..."
- الانطلاق من المسلّمات و البديهات: " أعلم أنّ الهد جلّ ثناؤه خلق خلقه ، ثمّ طبعهم على حبّ اجترار المنافع و دفع المضار...."..
-حجّة السّلطة : (الاستشهاد برأي أو بسلوك شخصيّة تعد مرجعا أو سلطة في المجال لمنزلتها أو شهرتها....)، و معظم سند الجاحظ من هذا القبيل ( " فقد كان إسحاق من معادن العلم )"
-الحجاج بالأولوية ( إن كان-أ- صحيحا، فمن باب أولى أن يكون –ب- صحيحا أيضا)
التوصيف:
(إصدار حكم إيجابيّ للتّحسين أو التّقدير أو حكم سلبيّ للتّقبيح أو الاستهجان، و ذلك للتّأثير في المتلقي).
مثل : "و هذا كلام شريف نافع"
التّأويل:
( إدماج معطيات من الواقع في إطار مفهوميّ يشكّل نظاما متماسكا
المقارنة :
 إبراز التّماثل ( حجّة المماثلة ) : كأن يقول في المماثلة بين أصناف من الحيوان برّيّة و أخرى بحريّة :"و إنّ تلك الأجناس و إن اختلفت في أمور ، فإنّها تتشابه ، و إنّ هذه الأجناس من تلك ، ككلب الماء من كلب الأرض " ( باب الحيّات ).
 إبراز التباين أو التّناقض : ( ملاحظة الفروق بين الأشياء أو التناقض بينه ا) " فكيف يجامع التّشدد و الّتثبت النوم, "
5 - الأساليب اللّغوية الحجاجيّة :
و هي أيضا كثيرة لا يتّسع المجال لحصرها ، و يمكن أن نورد من أمثلتها :
- الموازنة بين الجمل، و هي هي ظاهرة أسلوبية منتشرة في كتابات الجاحظ
- تأكيد الفكرة بنقيضها ( الصدق يوجب الثقة ، و الكذب يورث التهمة )
- التعليل : ل...لأنّ.../....
الرّبط السّببي:
باستخدام التركيب الشّرطي التّلازمي" متى ذهب التّمييز ذهب التّخيير " / ذا كان ...فإنّ .../ لولا ...ل / لولا ..لما...)، أو باستخدام أسلوب الحصر ( ما/ لا/ لم...إلا / حتى ....)، و غير ذلك من ألوان الأساليب المعبّرة عن التفكير الاستنتاجي و استدعاء السابق اللاحق . "فلو كان الشّر صرفا لهلك الخلق..." أو قوله في تفسير الآية " و علم آدم الأسماء كلها "."و لو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له ".(رسائل الجاحظ-تحقيق عبد السلام هارون-مكتبة الخنجي مصر-1965).
- التركيب الاسمي التّقريري الذي يستخدم في إعلان حقيقة أو إثبات مسلّمة ينطلق منها أو نتيجة يتوصّل إليها " أبين الكلام كلام الله " "للأمور حكمان "-"الرّغبة و الرهبة أصلا كل تدبير"...
- الاستفهام الإنكاري للاستبعاد أو الدّحض : " و كيف يكون...."
- الميل إلى استخدام العبارة المكتنزة الدّاعية إلى التفكيرو الحافزة على القراءة المتأنّية المتبصّرة, ذلك أنّ فهم كتابة الجاحظ-على سهولة لفظه- تتم ّباستقصاء أبعاد عبارته و استكناه إشاراتها وسبر أغوارها باستخدام العقل دائما, وبهذا المعنى يمكن أن نفهم قولة ابن العميد الشهيرة في كتبه – أي كتب الجاحظ - حين قال إنها : " تعلّم العقل أولا و الأدب ثانيا ".
- الميل إلى استخدام اللفظ في معناه الأصلي, من دون كبير احتفال بالمجاز, واعتماد المدلول الحقيقي, أو المداولة الأصلي الدقيق, دون المدلول الجانبي أو المعنى الحافّ .
- خدمة اللفظ للمعنى فاللّفظة مقدودة على قياس الفكرة مقتضبة مكتنزة حينا مسترسلة مستطردة حينا آخر في مد وجزر ما بين تركيز العقل وامتداد الثقافة . و الجاحظ في ذلك كلّه يجري وراء اللّفظة العادية" الملقاة في الطريق "على حد قوله هو نفسه في "البيان والتبيين" تلك اللفظة التي تقترب من لغة الحياة العامة في عصره لكنها ترقى إلى أعلي مراتب الفكر في مضمونها.
و نجد أساليب أخرى متواترة من قبيل تراكيب القصر (إنما....) كما في قوله : " و إنّما حثّّوا على ..... " , إضافة الى غيرها من أساليب التأكيد و النّفي و التمثيل و التدليل و الميل الى التأثير في المتقبل بمخاطبة وجدانه و شعوره عن طريق استثارة مجالات العاطفة الانسانيّة و مختلف نوازعها فيه من ألم أو ضرر أو شر أو نفع و فساد, أو جميل و قبيح باعتماد أسلوب الترغيب و الترهيب, أو التقبيح و التجميل ...................
استطاع الجاحظ بمثل هذه الأساليب أن يطوّع اللّغة العربية- و النثر العربي على وجه الخصوص- لمعالجة المسائل العلميّة و الفلسفيّة، و على رأسها المنطق، باستخدامها في مجالات الفلسفة و الطبيعيات و غيرها من دوائر المعرفة التي اتّسعت لها ثقافته فأسهم في إغنائها بالكثير من المفاهيم و المصطلحات ، و بعدد من المركبات و الهياكل في غير تعقيد و لا غموض,



- ضبط عناصر المقام الحجاجي و مقتضيات السّياق التواصلي :
ضمن هذا السياق تتحدد علاقة المحاج بالمخاطب المتقبل . و هي علاقة تتحكم طبيعتها المخصوصة في سياق الحجاج : و سائله و نتائجه . و انتهينا بعد النّظر في هذا المقام الى مظهرين من العلاقة القائمة بين الجاحظ و مخاطبه صنفناها كالآتي :
-علاقة عمودية استعلائيّة : و تتخذ مظهرين بارزين:
*علاقة عالم الجاحظ ( الجاحظ/ المحاج) بجاهل (المتقبل /المخاطب): و علامتها النصّية تواتر صيغ لغوية إلزامية ذات مضمون معرفي من قبيل قوله في خطاب مباشر تقريري :" اعرف مواضع الشك ......و تعلم الشك........ثم اعلم....." و هي صيغ تعليمية تعكس البعد التعليمي الذي يلمس في كثير من نصوص الجاحظ.
*علاقة واعظ مرشد -الجاحظ- بغير غاو (المتقبل) : فتنشأ بينهما علاقة وعظية تعتمد النّصح و التوجيه قصد تقويم سلوك طائش , أو تعديل مسلك منحرف, أو تنبيها إلى مزالق تعترض سبيل المعرفة و الأخلاق و السلوك . و تنهض بهذه الوظيفة التوجيهية صيغ التوجيه الإلزامي و هي صيغ إنشائية تهدف الى التأثير في المتقبل بحمله على إتيان أنماط من السلوك القويم , و تجنب ما انحرف عن الجادة و أنذر بوخيم العواقب . و أبرز صيغ التوجيه الالزامي المتواترة صيغ الأمر و صيغ النّهي . و الأمثلة على هذا عديدة نذكر منها قوله :" فلا تذهب الى ما تريك العين , و اذهب الى ما يريك العقل . و للأمور حكمان : حكم ظاهر للحواس, و حكم باطن للعقول. و العقل هو الحجة". أو قوله معتمدا اسلوب الترغيب و الترهيب :" فالرغبة و الرهبة أصلا كل تدبير ...., فاجعلهما مثالك الذي تحتذي عليه, و ركنك الذي تستند اليه, و اعلم أنّك إن أهملت ما وصفت لك عرضت تدبيرك للاختلاط " أوقوله معتمدا أسلوب التّحذير :" و احذر كل الحذر أن يختدعك الشيطان عن الحزم فيمثل لك التّواني في صورة التواكل , و يسلبك الحذر , و يورثك الهوينا بإحالتك على الأقدار".
-علاقة أفقيّة بين صديقين: لعلها أن تكون من مقتضيات فنّ الترسّل الاخواني , و يتأكد هذا الرأي إذا علمنا أنّ الجاحظ الف الحيوان و توجّه به إلى الوزير محمد بن عبدالملك المعروف بإبن الزيّات و كانت تجمعهما صداقة و مودّة , و كان الجاحظ يمتدحه و يكتب اليه الرسائل المتعددة , و كما أنه كتب كتابه "البيان و التّبيين" و أهداه إلى القاضي أحمد بن أبي داؤاد و هو من المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء . كما أنه اهدى رسائله و هي 45 رسالة الى أعلام عصره . فالعلاقة بينه و بين من توجه اليهم بالخطاب علاقة صداقة و ألفة – في عمومها تجلّت ملامحها من خلال لهجته الحميمة في توجيه الخطاب و وفرة الجمل الدّعائية – بما هي ميسم فنّي دال على الجنس الأدبي (رسالة), و بما هي أمارة دالّة على صلة حميمة بين المرسل و المرسل اليه . فينشأ عن هذا ما يشبه العقد الرمزي عاطفيا بين المحاج و المخاطب يحمله على تصديق مضمون الخطاب , من قبيل قوله: " فإن قدح –جعلني الله فداك – بالحسد قادح فيما أؤلفه من كتابي لك و سبق إلى همك شكّ فيه... و دموغه إياه" [الرسائل ] و انظر كذلك ما جاء في الحيوان .

بائع الورد 19 - 10 - 2010 04:04 PM

http://www.shy22.com/upfiles/YWx87461.gif

B-happy 21 - 10 - 2010 07:48 PM

مجهود رائع وموضوع قيّم
استمتعت بتواجدي بصفحتك

بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها

دمت بخير


الساعة الآن 05:28 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى