منتديات المُنى والأرب

بسم الله الرحمن الرحيم

فن الاقناع

ان تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الناس ، وطرقهم في عيشهم وتصرفاتهم ، لامر هام جدا في الانفتاح عليهم ، والتعامل معهم، والتمكن من اقناعهم.لكي تستطيع ان تفرض نفسك على الآخر ، ينبغي ان تقبله كما هو ، وعبثا تنتظر منه ميزات لا يملكها او اعمالا ، ليس بوسعه القيام بها ، بتعبير آخر يجب ان تقبله على حقيقته ، وليس كما يحلو لنا ان يكون .وبهذه الطريقة يصبح بالامكان تبديل بعض مواقفه وتصرفاته ، دون ان ينشأ بيننا وبينه نزاع يؤدي الى العدوانية ، وبالتالي الى استحالة الاتصال .

كيف تؤثر في الآخر؟
انه لمن الضروري ، كي تستطيع التأثير على الآخرين ، الشروع في الانفتاح عليهم وتوفير سبل الاتصال المتبادل بينك وبينهم والتغيير في هذا الاتجاه يجب ان ينطلق من شخصك لا من سواك .

مراعاة الآخرين
ان نقترب من الآخر دون مراعاة شخصيته ، يعني اننا نتخلى عن فكرة تبديله والحصول من قبله على ما نريد. ومثل هذا الموقف يشبه تصرف متهور عديم التبصر . يندفع نحو الحائط المسدود بنية دخوله البيت قبل غيره من الناس فيرتطم رأسه ، ويبقى خارج الدار.فلنبحث عن باب الشخصية التي نعتزم التوجه اليها لكي ننجح في ولوجها وايصال الرسالة التي نبغي ان يكون لها وقع بالغ في نفسها.

الانسان يفكر اولا في ذاته
لو ان جميع الناس يحترمون مصالح غيرهم ويلتقون مع الآخرين في منتصف الطريق ، لساد التفاهم ولما بقي سبيل للنـزاعات والمشاحنات ، ولما توجب البحث عن طرق واساليب من شأنها الاقناع لفرض امور معينة بالوسائل الراقية المشروعة ، لكن الامر يختلف تماما على المستوى العملي .لهذا السبب تتنوع الطرق والنظريات التي تنشد بواسطتها بسط النفوذ والآراء على غيرنا ممن نتعامل معهم في المجتمع.فمنذ الفي سنة كتب الفيلسوف والامبراطور الروماني مارك اوريل في مفكرته الشخصية:" اليوم سألتقي ثرثارين وانانين وجاحدين ، لكنه يفترض بي ان لا استغرب الامر ، والا اغضب لان الناس هكذا ".وحتى اليوم لم يتغير شيء ، فالبشر لا يركزون الا على ذواتهم وهذه الحقيقة ثابتة ان بالنسبة الى الماضي او الحاضر او الى أي وقت .

احبب لغيرك ما تحبه لنفسك
بالطبع لكل امرء الحق في التفكير بميوله وطموحاته . وهذا شرط اساسي للاكتمال الذاتي ، لا بل ينبغي ان يتمرس به كل شخص لكن الخطأ كل الخطأ يكمن في التقوقع ضمن حدود الانا واستحالة الخروج من مصالحا ونزعاتها الانانية .فالوصية الازلية " احب قريبك كما نفسك " وكلمة الامام علي عليه السلام " احب لغيرك ما تحبه لنفسك " لها مدلولها النفسي والاجتماعي ، ذلك ان معظم الناس ، ان لم نقل جميعهم ، لا يفكرون بغير ذواتهم ، وينسون كليا المحيطين بهم .وهذه الحقيقة اساسية في عملية الاقناع والتعامل . فلكي نلزم الغير بقضيتنا ، يجب ان ندرك انه يهتم لذاته ويفكر بها قبل ان يفكر بنا وبمصالحنا. هذا ما يعبر عنه المثل الالماني المعروف " ليس اقرب الى الشخص من القميص التي يرتديها "والحكمة الرئيسية التي يفترض استنتاجها ، في هذا المضمار ، من اجل اقناع محدثينا ، هي ان نوحي لهم ، بطريقة غير مباشرة ، اننا الى جانبهم نقدر ظروفهم ، نتفهم اوضاعهم ، ونعمل لمصلحتهم .لانه اذا تكون لهم انطباع معاكس ينفرون منا ، تدفعهم الى ذلك غريزة الدفاع عن الذات والاهتمامات الشخصية ، ويصعب ان لم نقل يستحيل ابلاغهم الرسالة المطلوبة.

لا تبذل نفسك مجانا
بعض الناس يفكرون انهم مدينون بكل شيء الى الآخر ، وبلا شيء الى نفوسهم . تصور خاطىء نخلط فيه بين الطيبة والضعف ونجده خاصة عند فاقدي الثقة بقيمتهم وقدراتهم الشخصية.هؤلاء يقومون دائما بما ينتظره الغير منهم ، لا بما تتطلبه حاجاتهم القريبة والبعيدة .وبهذا السلوك يشجعون الآخرين على التحكم بهم في كل حين.والموقف المتخاذل هذا لا يعني حب القريب والتحمس لخدمته ، لانه ينبع من ضغف الشخصية فيتسم بالسلبية ، اذ لا يعود بالنفع اطلاقا على صاحبه . والمتخاذلون الضعفاء قد يتوهمون او يحاولون ايهام غيرهم بان اندفاعهم غير المشروط نحو البعض ، نابع من تعلقهم بعمل الخير والتضحية المجانية .

تحقيق الذات مشروط باثبات الذات
المنتصرون في العالم يدركون ان عليهم تأمين التوازن في عملية الاخذ والعطاء .واكثر من ذلك يتصرفون على هذا الاساس .

الكاتبة سلام الحاج